ماذا يريد العرب والمسلمون من الشعب الفلسطيني؟
إن كنا نتكلم عن القضية الفلسطينية على محمل الجد والحل يجب أن نعي كل المستجدات القائمة والكائنة التي تفرض نفسها ولا نتجاهلها. فهناك فرق بين الكائن وما كان يجب أن يكون، وانطلاقة العمل للتغيير تكون من الكائن وليس العكس.والتنظير يختلف عن النظرية. فاحتلال فلسطين سبقه مئة عام من التحضير والتخطيط والحوار العدواني، ومضى على الإحتلال مئة عام من التكريس، قابلها مئة عام من التراجع الذي شمل المسلمات، فالواقعية تسوى.
نحن أمام جريمة تاريخية يشترك بها وبارتكابها النظام الدولي القائم بقاضيه ومحاميه وعسكريه وسياسييه وكل علماء الاجتماع، الشعب الفلسطيني وحده يعاني على مدار الساعة من ألام تداعياتها وكل استحقاقاتها المجنونة. وجُعل وجُعل وجُعل وحده المسؤول عن نفسه وعن القضية ظلما وعدواناً وجبناً وتهرباً، هذا واقع يعرفه الفلسطينيون ويبتلعونه أنفة وإباء وتعففاً ، فهم يعلمون بأنهم لم يكونوا المسؤولين عن احتلال بلدهم وتشريدهم، بل الضعف والخيانات العربية والتخلي الإسلامي والتآمر الدولي وكل هذا ما زال قائماً، والفلسطينيون يعلمون أيضاً بأن فلسطين والأقصى والمقدسات هي للعرب والمسلمين وليست لهم وحدهم ،وقد دفعوا ضريبة مقاومة الإحتلال مكابدة ودماً وأرواحاً كما لم يدفعها شعب في ظروفه الوطنية والقومية والإسلامية.
سايكس- بيكو استبدلت جلدها وأصبحت وراءنا، سايكس بيكو لم تعد شماعة ، وما كانت علبة سم وضعوها على رفوف الصيدليات لنتناولها ونتلفها، بل جاءت سيرورة استعمارية سرت في وطننا وفي أجساد الكثيرين منا. وقطعت مرحلة صنعت فيها من وطننا العربي دولاً وطنية تحمل قوميات جديدة من أسمائها وتخلت عن القومية العربية وليس منها دولة واحدة تعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية لها وأصبح هذا من المسلمات لكل أنظمتها وأصبحنا نسمع مصطلح الأمن القومي تطلقه هذه الأنظمة على دولها. إلّا أنها وقعت في شر عملها.
فسيرورة سايكس بيكو وصلت اليوم لمرحلة تدمير دولها وتفتيتها وإخضاعها كمناطق نفوذ للمستعمرين، وأصبح أمنها مستباحاً لأضعف الدول. والعرب اليوم أصبحوا في مرحلة حرب فاشلة للحفاظ على مرحلة سايكس بيكو كما ابتدأت ولكن عبثاً، وهذا واقعنا اليوم وتكبير الحجر لا يخدم سوى زيف راميه، وبالإستنتاج فإن الواقع العربي بدوله وبأنظمته لا يشكل رافعة للقضية الفلسطينية بل عبئاً عليها.
أما من حيث الدول الإسلامية فنحن اليوم لا نتكلم اتحاد اسلامي ولا عن دولة خلافة تقع على عاتقها تحرير أراضيها، ولا نتكلك عن دول إسلامية بالفعل والواقع ولا من حيث استحقاقات الكلمة، بل نتكلم عن دول قومية بقوميات مختلفة، ديانة شعوبها إسلامية. ومنظمتها الإسلامية لا تختلف عن الجامعة العربية. فلا هذه عربية تحمل الهم العربي القومي ولا تلك إسلامية تحمل الهم الإسلامي. والقضية الفلسطينية عند كليهما إنسانية في أفضل الحالات ، ولم نسمع عن مشروع إسلامي لمقاومة احتلال فلسطين أو تحريرها ولا هم دعم مشروع مقاومة فلسطينية، فمعظمها يدور في فلك المعسكر الغربي الصهيوني ونحن لا نتكلم هنا عن دولة أو دولتين اسلاميتين.
يعلم القاصي والداني بأن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين، وأن هذا ليس كائناً بل ما يجب أن يكون سيما وأن فلسطين أرض عربية انتزعت من العرب ووطنهم، وأن قضيتها إسلامية ليس فقط لأنها أرض الأقصى والمقدسات بل أيضاً لأن دعوى الصهيونية اليهودية بفلسطين تقوم على أساس ديني صرف. ولكن ماذا عندما تتخلى أو تتنصل أنظمة الدول العربية والإسلامية عن مسؤولياتها وتنضم لأنظمة الأعداء ولقانونها باعتبار القضية هي قضية الفلسطينيين وحدهم. وما هي نصيحتكم للفلسطينيين في هذه الحالة ؟ هل ينوبون عن الشعوب العربية والإسلامية ويضعون السيف على رقاب أنظمتها لتقوم بواجبها ؟ أم هل تريدونهم أن يكابدون جبروت الظلم العالمي ويدفعون ثمن خياناتكم من دمائهم، أم تريدون لهم الإستسلام من خلال المتاجرة بأخذكم دور الوسطاء؟
نحن نتكلم بالجانب المضيء ونقول، طالما أن شعوب العرب والمسلمين بعكس أنظمتها تقف بضميرها مع عروبة فلسطين وإسلاميتها ونصرة شعبها، وتؤمن بأن القضية قضيتها وتشعر بمعاناة الشعب الفلسطيني وبخذلانه وتؤمن بتحرير فلسطين ومئات الملايين منهم يتمنون الإستشهاد في سبيلها ولكن لا سبيل لهم منظم، ونقول طالما الأمر في أنظمة العرب والمسلمين ليس بأسود بكليته وأن فيها ما نتوسم به خيراً وطالما أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لإرضاخ المعسكر الأمريكي الصهيوني وكل من يقف مع الاحتلال،وتحريرفلسطين، وطالما جُعل الفلسطينيون مسؤولين عن القضية ومشروع المقاومة هذا يخصهم بالدرجة الأولى، وأن القضية قضيته بالأساس، وأن العالم والقانون الدولي وشرعة الدول يتقبل منه خيار المقاومة كصاحب للقضية ، فإن المبادرة بمشروع المقاومة أو إحياءه لا بد وأن تكون فلسطينية المنشأ والقيادة.
وهذا ما يعبد الطريق ويفسح المجال لمن رغب من أنظمة الدول العربية والإسلامية والدول الحرة دعم هذه المقاومة. ولمن يرغب من شعوب العرب والمسلمين والعالم من المشاركة والانخراط بهذه المقاومه. وهذا، وما تقدم هو تفسيري وسندي في اقتراحي الواقع في الفقرة الأخيرة من مقالي السابق وتالياً نصها.
“أمّا بقدر ما يتعلق الأمر بفلسطين فإن تحريرها لا يكون إلّا من خلال مشروع فلسطيني المنشأ والقيادة، طبيعته ونهجه المقاومة المسلحة التي لا تعرف المحذورات أمام محذور وطن مقدس يُحتل ويهوَّد ويطرد شعبه. مقاومة تكون متاحة ً لمشاركة كل مواطن عربي أو مسلم أو حر، ولكل عقل وتمويل شريف. وبمساندة ودعم من ترغب من أنظمة الدول العربية والإسلامية والدول الحرة في العالم، قوامه فرض الضغوطات بأنواعها على أمريكا والغرب وعلى كل من يدعم الكيان الصهيوني أو يعترف به وباحتلاله. ولا تعويل على غير هذا المشروع إلّا انتظار تخلي أمريكا والغرب عن تبني الكيان الصهيوني ليسقط عندها من ذاته. أمّا مشروع المقاومة هذا فلا يحتاج إلّا لبزوغ نخبة فلسطينية – عربية مؤهلة تقفز عن الوضعين الفلسطيني والعربي وتتداعى لهذا الغرض وتطوف العالم من أجله.. ومشروع سلطة أوسلو قد لا يسقطه إلا مقابلته بمشروع المقاومة. تماما كما أسقطت إسرائيل انتفاضة التحرير الأولى بمشروع أوسلو.”