"خفايا وادي السيليكون".. إدارة شطرنج السياسة العالمية
شكل وصول "دونالد ترامب" إلى كرسي الرئاسة الأمريكية صفعة عظيمة وتحديا لآراء النقاد السياسيين واستطلاعات الرأي، ويحاول الجزء الثاني من فيلم خفايا وادي السليكون كشف الطريقة التي استخدمت في فوز الرئيس "دونالد ترامب" ونجاح حملته الانتخابية عام 2016. حيث سنتعرف على قصة رجلين استثنائيين يحملان نظريات متناقضة للعالم والتقدم، أسرار هذه القصة موجودة في مدينة سان أنتونيو في ولاية تكساس.
في تلك المدينة كانت تجري العمليات الرقمية لحملة المرشح الجمهوري للرئاسة "ترامب" عام 2016، وقد ساعده فيها مؤسس فيسبوك "مارك زوكربيرغ" وربما عن غير قصد، ليصبح الرجل الأول في العالم. لقد استخدموا الخوارزميات السرية الخاصة بالناخبين، ورصدوا مواقع التواصل الاجتماعي للشركات التي تعرف عن الأفراد أكثر مما يعرف المقربون إليهم.
هكذا استطاعوا التنبؤ بشخصيات الناس بالارتكاز على ما يحبونه وما يشترونه، وهو توقع دقيق لميول الأشخاص، مثل الدين والذكاء والميول الجنسية، وهذه القوة هي التي تغير السياسة. هكذا يتحرك العالم اليوم بقوة تخريبية تخلق عالما جديدا لا يمكن التنبؤ به، حيث يجري ربطنا بوادي السيليكون، ونغرق في اضطرابات سياسية لا يمكن التحكم بها.
يكس توريك بارتون" الناشط الذي كان يكتب الخطابات لرئيس مجلس إدارة غوغل ومؤسس فيسبوك تغليب القومية على العالمية.. وادي السليكون في مواجهة "ترامب"
تنتقل كاميرا الفيلم، لتصور مظاهرة في وادي السيليكون لأفراد ناجحين وأثرياء وتقنيين، لكنهم غاضبون يزعجهم وصول "ترامب" إلى السلطة، فقد وصل واعدا بالسيطرة على الهجرة، لكن بعض الأثرياء في وادي السيليكون يتحركون ضده، ومن بين هؤلاء" ديكس توريك بارتون"، وكان -قبل أن يصبح ناشطا- يكتب الخطابات لرئيس مجلس إدارة غوغل ومؤسس فيسبوك.
يقول "بارتون": نحن قادمون للتظاهر ضد من ينظر إلى العالمية مقابل القومية للعالم، وعلى من لا يؤمن بالسياسة الحمائية سواء بخصوص المعلومات أو التبادل التجاري أن يشاركنا.
لكن كيف استطاع ترامب التلاعب بهم؟ يرى "ديكس" أن أذكى العقول، وهم الذين يبنون نماذج الاستطلاعات، هم الأكثر جهلا بما يحدث في العالم.
يرى أباطرة التكنولوجيا أن انتخاب ترامب يهدد رؤيتهم للعولمة والانفتاح، لكن هل من المحتمل أن قدرتهم في ربط العالم هي نفسها التي مكنته من الفوز؟
إن الثورة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي هي التي أحدثت التغيرات السياسية في العالم، وأصبحت مصدر قلق، لكن كيف وصل عمالقة وادي السيليكون إلى هذا النفوذ بعد عشرين عاما من انطلاقتهم؟
أنطونيو مارتينيز" مدير أحد مشاريع فيسبوك التي تستهدف الإعلانات لأخذ البيانات الشخصية ثم جني المال منها وحش الإنترنت.. وجه الغرب الفوضوي الشرس
بالعودة إلى الوراء كانت المخاوف من الإنترنت التي تشبه الغرب الفوضوي والشرس في أوج قوتها، فوضع قانون عام ١٩٩٦ لتهذيبه بما في ذلك حماية الأطفال من المواد الإباحية، ولكن كان هناك بند لم يتوقع أحد تأثيره وهو مجموعة حريات مدنية للحقوق الرقمية وقد أستند عليه النمو السريع لوادي السيليكون، وينص على أنه لا يجوز اعتبار أي مزود أو مستخدم لأي خدمة حاسوب تفاعلية ناشرا مسؤولا عن أي معلومة يقدمها موقع معلومات آخر.
أي أن أي منصة لا تتحمل مسؤولية ما ينشر عليها، وأن المسؤولية تقع على المستخدم فقط، وتكمن أهمية هذا القانون بضمان الاستمرارية لمواقع التواصل الاجتماعي دون تحمل أي مسؤولية على تلك النقاشات غير المقيدة على الإنترنت.
ونتيجة لذلك غدا ملايين من الناس ينشرون المزيد على الإنترنت، ولم تكن الفكرة متبلورة في البداية لدى أصحاب مواقع التواصل عن كيفية استخدام تلك التسجيلات على الإنترنت وتحويلها إلى ثروات، لكن اتضح ذلك بعد اكتشاف سر دفين حول هذه البيانات.
يقوم "أنتونيو غارسيا مارتينيز" بالكشف عن ذلك السر في فيسبوك، فقد كان يعمل مدير مشروع استهداف الإعلانات وأخذ البيانات الشخصية لجني المال في الفيسبوك وتحقيق الدخل من خلالها، وإذا قمت بشراء أشياء على الإنترنت فسوف ترى أشياء مشابهة لما اشتريت، وأنا من قام بتأسيس هذا العمل حيث يقوم فيسبوك باستهداف الأشخاص المستخدمين للموقع عن طريق الإعلانات، وترشدها البيانات المتولدة عند استخدام الموقع مثل الأشخاص الذين تتواصلون معهم والروابط التي تشاركونها والإعجابات التي تضعونها.
في أمازون يستخدمون بيانات المشتريات التي قمتم بشرائها، أما غوغل فيعتمد على البحث الذي قمتم به، ويستخدمون ما يسمونه بنظام المستهدف، ويمكن للمعلن تحديد فئة معينة من المستخدمين، وهذا الابتكار فتح آفاقا جديدة أمام المسوقين عن طريق معرفة الهوية الحقيقية للأشخاص على الإنترنت من خلال امتصاص أباطرة التكنولوجيا للبيانات وبناء ثرواتهم الكبيرة، وهذا هو النفط الجديد الذي يدفع وادي السيليكون إلى ذروة الاقتصاد العالمي.
الرئيس أوباما: "لولاي لما كان مارك اليوم يلبس بدلة وربطة عنق" كناية عن تشريع القوانين المسهلة لأعمال فيسبوك إدارة الظل.. طعم النقر على الروابط التي تصطادنا
إن أكبر شركة عقارات في العالم لا تمتلك أرضا وهي "إير بي إن بي"، وأكبر شركة سيارات لا تمتلك سيارة وهي أوبر، وأكبر شركة إعلانات لا تنتج اي مادة إعلانية وهي فيسبوك، هؤلاء لا يملكون سوى بيانات يعرفون كيف يديرونها، ويستطيعون إبقاء المستخدمين على الإنترنت أكبر وقت ممكن من خلال الإعلانات، وبالتالي كلما طال المكوث على الإنترنت استطاعوا جمع بيانات أكثر.
في سياتل يلتقي الصحفي "جيمي بارتليت" بأكثر التكنولوجيين حماسة وهو "ناثان ميرفولد" الذي كان يعمل عند "ستيفن هوكنغ" كرئيس تنفيذي للتكنولوجيا بمايكروسوفت، وقد ساعد "ناثان" بالجمع بين "دانيال كهنمان" الرائد في علوم الاقتصاد السلوكي وباقي قادة وادي السيليكون، لقد حضر لهذا الجمع مؤسس أمازون، و"شون باركر" أول رئيس لفيسبوك ومؤسسو غوغل، وكانت الدعوة لهذا المنتجع الجميل في "ناباين" لعدة أيام.
وقد حضر "كهنمان" وبعض علماء الاقتصاد السلوكي، وكانت القضية التي أثيرت بسيطة، لكنها لامعة حول طريقة أخذنا لقراراتنا، ووجد أننا نستخدم طريقتين للتفكير في هذا التفرع الثنائي؛ الأولى هي التي تعتمد على الحدس أو التخمين أو الشعور الغريزي، وهذا التفكير ليس جيدا استخدامه في بعض الأمور، أما الطريقة الثانية فتعتمد على التحليل والأعداد والاحتمالات.
لم يتطرق الاجتماع إلى التصرف السلوكي، ولكن هذه العلوم الجديدة طرحت لمساعدة أباطرة التكنولوجيا في وضع الإعلانات وجعل الناس يتعلقون بها من خلال طريقة التفكير الأولى التي تستخدمها الشركات بطريقة أو بأخرى، والنقر هو الطعم للأشياء التي تجذب الانتباه، ويمكن التلاعب بالنقر للترويج للأشياء بوضع المحفزات.
وتحاول الشركات من خلال توظيف أشخاص أذكياء فهم هذا الموضوع كذلك عن طريق آلات ترصدنا، وتحدد النقرة الطعم التي يمكن اصطيادنا من خلالها، لكن الجديد في الأمر ليس الجذب بل كيفية اتخاذنا لقرارتنا التي تساعد وادي السيليكون على وضع الشكل على الإنترنت، وبالتالي تبقينا مهتمين، وكلما زاد تعلقنا تدفقت الأموال عليهم.
طور الدكتور مايكل استطلاعا على الإنترنت جمع فيه معلومات عن متطوعين في فيسبوك وسلوكهم النفسي موقع فيسبوك.. مطية "أوباما" إلى عرش أمريكا
في عام 2008 قام الرئيس "باراك أوباما" بريادة حملة على فيسبوك وكان منجذبا لـ"مارك زوكربيرغ"، وقد مثلت فلسفة أوباما في العولمة صوتا ملهما في الأمل جعلت وادي السيليكون يدعمه لأنهم يتشاركون الأمل نفسه والنظرة التفاؤلية في حل المشاكل والعمل سويا واستخدام القدرات الجديدة.
إن سياسة فيسبوك لربط العالم أيدت سياسة "أوباما" في عولمة الأسواق الحرة، وأصبحوا يتشاركون معا بشكل متزايد، ويتقاسمون الرؤية نفسها للعالم الحر، ومع فوز "أوباما" لدورة رئاسية ثانية جرى تكريمه في الريادة للسلطة الإقناعية لوسائل التواصل الاجتماعي، لكن على مدى الطيف السياسي كان السباق مستعرا لإيجاد طرق جديدة للفوز.
وبالانتقال إلى جامعة "ستان فورد" في قلب وداي السيليكون حيث منزل العالم النفسي -الذي يقوم بالأبحاث حول حقيقة ما يكشفه فيسبوك من خلال البيانات- الدكتور "مايكل كوزينسكي" المتخصص في التخطيط الشخصي.
يقول د. "مايكل": في الماضي عندما كنا نريد دراسة الشخصية ونسب الذكاء نعطي الأشخاص مجموعة من الأسئلة، أما اليوم فيمكن معرفة حبك للشعر أو المسرح، لكن لا داعي لطرح الأسئلة لأننا خلال حياتنا نترك الكثير من الآثار الرقمية خلفنا، وهي تتضمن المعلومات نفسها، لذا بدلا من السؤال يمكن النظر إلى تاريخ قراءاتك على أمازون أو قائمة إعجابك على فيسبوك وسنحصل على المعلومات ذاتها.
كان الدكتور "مايكل" يدير فريقا في جامعة كامبريدج وقد طوروا استطلاعا على الإنترنت وجمعوا معلومات عن متطوعين في فيسبوك وسلوكهم النفسي الذي لاقى رواجا واسعا، وقد شارك فيه ستة ملايين شخص، مما سمح لهم بمعرفة الخصال النفسية في البيئة الرقمية وكيفية تحديث السلوك النفسي من خلال البصمات الرقمية.
هذه الخوارزمية يمكنها متابعة ملايين الناس ويمكن رصد الإعجابات واستخراج المعلومات الصغيرة وجمعها للحصول على تعريف دقيق للأشخاص، ومن خلال البصمات الرقمية يمكن تحديد الصفات الحميمية مثل التدين والتوجه السياسي والذكاء والميول الجنسي والصفات النفسية.
إن من يملكون هذه الخوارزميات يمكنهم التحكم بكيفية تفكير الناس وطبيعة سلوكهم ضمن رؤيتهم، وبالتالي التحكم بالبيع والتصويت والكثير من الأمور الخاصة الأخرى في حياتنا، وحينها يصبح العالم مرعبا.
فوز ترامب في الرئاسة كان بدعم الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة كامبريدج أناليتيكا لعبة البيانات الرقمية.. رحلة "ترامب" إلى البيت الأبيض
إن أكبر صدمة تلقاها العالم هو فوز "ترامب" الذي تحدى الاستطلاعات ووسائل الإعلام، والآن تدور المسألة حول حقيقة استخدامه لشركة بيانات مقرها لندن وهي كامبريدج أناليتيكا المتخصصة بالتخطيط الشخصي.
يذهب الصحفي "جيمي بارتليت" إلى تكساس متتبعا أثر تلك الشركة، ليعرف كيف ساعدت "ترامب" في حملته الثورية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في وادي السيليكون، وقد خاض "ترامب" معركة من خلال استخدامه التكنولوجيا الرقمية.
في سان أنتونيو يلتقي الصحفي "جيمي" بـ"يتريزا هونغ" التي تتحدث للمرة الأولى عن دورها كمديرة للمحتوى الرقمي للحملة -ويدعى مشروعهم "ألمو" نسبة إلى البيانات- فتقول: كان مشروع "ألمو" حاسما، فقد جمع "ترامب" مئات العمال المتمركزين في هذا المبنى منذ أن بدأ بتغريدته الأولى عام 2009، وقتها التقط "ترامب" قوة وسائل التواصل الاجتماعي، فقاموا بالتلاعب على وجوده على فيسبوك حيث كانت تكتب له "تيريزا هونغ" المنشورات، بينما كان حسابه على تويتر ملكه الخاص.
لكنها استطاعت أن تكتب ببراعة بحيث يبدو حقيقيا، كان موقع كامبريدج أناليتيكا في تكساس مجموعة من الحواسيب وكان بمثابة الدماغ للبيانات التي كانت تستخدم معلومات 230 مليون أمريكي من أجل استهداف المتبرعين المحتملين.
"عالم" هو الاسم الذي أعطي لمجموعة ناخبين وجمعت البيانات عنهم، وقسم الناخبون إلى عوالم بحسب اهتماماتهم الشخصية وبعد استخراج البيانات وضعت خطط لتصميم الإعلانات للحملة على الإنترنت، وكانت تستهدف أشخاص بعينهم حسب تحديد البيانات، فبعض الإعلانات مثلا كانت تخاطب الأمهات العاملات المهتمات بأطفالهم.
لم يظهر "ترامب" نفسه في تلك الإعلانات وقد خوطبت الأمهات بطريقة إيجابية ودافئة، وهي أشبه بمقاربات ناعمة، وقد قامت الحملة بنسخ آلاف الإعلانات لجمع التبرعات، وكانوا يراقبون أي النسخ أعطت نتيجة أفضل، وكان يوزع ما يقرب أربعين ألف نسخة يوميا، وقد تكون خفية ولم يلاحظ الناس ذلك، كانت تطلق الحملة مئة إعلان يوميا عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، وكان كل الناخبين في أمريكا يمكن الوصول إليهم بلحظة واحدة.
تقول "تيريزا هونغ": وفد أناس من فيسبوك وغوغل ويوتيوب للعمل معنا لاستخدام المنصات بأفضل فاعلية وتلبية احتياجاتنا، وقد أنفق حملة "ترامب" مئة مليون دولار على فيسبوك الذي حظي بحصة الأسد. وترى "تيريزا" أنك كلما أنفقت أموالا أكثر تحصل على معاملة خاصة، وأن حملة "ترامب" بينت مدى قوة فيسبوك وفعاليته.
كامبريدج أناليتيكا تسببت بإحداث ثورات في طريقة عمل الديمقراطية من خلال توجيه الرأي العام كامبريدج أناليتيكا.. كيف تدير حملة انتخابات ناجحة؟
انتقل الصحفي "جيمي" إلى لندن لزيارة شركة كامبريدج أناليتيكا التي تعرضت لكثير من الاتهامات لكونها قامت بالتنبؤات الشخصية خلال الحملة، ويلتقي "جيمي" بصاحب الشركة "ألكساندر نيكس" الذي يشرح كيفية التعامل مع الحملة حيث كانوا يديرون انتخابات حملة "تيدي كروز"، وعندما خسر "كروز" توجهوا للعمل مع ترامب، ولم يكن الوقت كافيا لنمذجة البيانات الموروثة للحملة، فقد كانت المدة الباقية خمسة أشهر ونصف فقط.
يقول "ألكساندر": "لم يكن لدينا الوقت الكافي لاستخدام هذه المنهجية الدقيقة مع "ترامب"، ولم نعمل بنماذج محددة، بل قمنا بأخذ النماذج التي قمنا بها من قبل ودمجناها ببعض الأعمال، في البداية استخدمنا بعض الاستطلاعات الهاتفية، ثم استخدمت بعض المنصات على الإنترنت من أجل تجميع الأسئلة، وقد جمع العديد من البيانات.
تقوم شركات مثل كامبريدج أناليتيكا بإحداث ثورات في طريقة عمل الديموقراطية، ويعتقد "ألكساندر" أن التطور نحو إعلان أكثر شخصانية هو أمر طبيعي وهو في ازدياد.
إن كم البيانات في السنوات القادمة سيقوم بإدارة كل الأشياء بما في ذلك الإعلان والتسويق، وسيكون بمثابة التحول النموذجي مقارنة بما بحدث اليوم، وسوف تكون ثورة يسير العالم من خلالها نحو واقع محتوم.
استُقبل فوز "ترامب" بغضب في وادي السيليكون، لكن شركات مثل فيسبوك وغيرها جنت الملايين من الدولارات من خلال مساعدتهم له في الوصول لأعلى سلطة في هذا العالم.
مشورات الدكتور النفسي "جيف هانكوك" مكنت فيسبوك من معرفة الطرق النفسية لدى المستخدم وكيفية اصطياده ترويج الأخبار الكاذبة.. صناعة التأثير العاطفي لمواقع التواصل
لقد واجهت فيسبوك مشكلة أخرى، وهي الأخبار الكاذبة التي لاحقت "هيلاري كلينتون" وسيطرت على حملتها الانتخابية، وقد وجهت موجة من الانتقادات حول تأثير فيسبوك على الديمقراطية، ويزعم مؤسس فيسبوك "مارك زوكربيرغ" أن من المستبعد أن تكون تلك الأكاذيب أثرت على نتيجة الانتخابات، ولكنه لم يتحدث عن السبب الذي كان وراءها.
أما "جيف هانكوك" الطبيب النفسي، فقد حقق في الجانب الخفي من فيسبوك، وكيف أصبح الموقع سلاحا، أما المفتاح الذي امتلكه الموقع فهو التأثير العاطفي من خلال اختيار أجرته الشركة عام 2012.
يقول دكتور هانكوك: أهم نوع من دراسة العلوم الاجتماعية كانت صفحة الأخبار التي يرتادها ما يقرب 700 ألف مستخدم، فقد جرى التلاعب بها سريا بوضع منشورات إيجابية وأخرى سلبية أكثر، وساعد هانكوك بتحليل تلك النتائج".
ووجد أنه إذا كان الشخص إيجابيا فسيكتب منشوراته بكلمات أكثر إيجابية وأقل سلبية، أما بالنسبة للمنشورات الإيجابية فستكتب بعبارات إيجابية أقل من السلبية، وهذا ينسجم مع ما يسمى بالعدوى العاطفية، أي أننا جعلنا الناس تكتب بشكل مطابق للمشاعر التي وردت في صفحة تغذية أخبار فيسبوك.
إن العواطف توجه الناس نحو الأخبار الكاذبة، ومن ثم تساعد بنشرها على نطاق واسع، وكلما كان المحتوى عاطفيا زاد انتشاره، ولا يهم إن كان ذلك حزينا أم سعيدا، وهكذا تنتشر الأخبار الكاذبة، ويدعي فيسبوك أنه عطل الحافز الاقتصادي خلف الأخبار الكاذبة عبر إلغاء الحسابات الوهمية، موضحا أنهم ليسوا مصدر تلك الأخبار، مستغلين البند القانوني الغامض.
خسارة "جيريمي كوربن".. تأثير الفيسبوك على الديمقراطية
يربط فيسبوك أكثر من ملياري إنسان حول العالم من بينهم الناخبون في الغرب، لقد كان فيسبوك مجرد موقع للتواصل بين الأصدقاء وتبادل الصور، لكن خلال عقد من الزمن تحول إلى مؤثر دراماتيكي على طريقة عمل الديمقراطية.
إن السلطات القديمة تتهاوى ومنصات التواصل الاجتماعي هي من تمنح أشخاصا عاديين فرصة للوصول إلى الجمهور، ومن خلال تلك المواقع وقع تحفيز أعداد كبيرة من الناس لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و"جيريمي كوربن" خسر الانتخابات العامة لكنه حقق مكاسب غير متوقعة.
أما موقع الأخبار السياسية "كناري" فخلال الحملة الانتخابية حصلت مقالاتهم على 25 مليون مشاركة وذلك باستخدام ميزانية ضئيلة. تقول الصحفية "كيري آن ميندوزا" إنهم يحصلون على 85% من القراء عن طريق فيسبوك وهو عدد كبير جدا.
تم تقديم "كناري" كصحيفة موالية لـ"كوربن"، وصممت للتناسب مع مواقع التواصل الاجتماعي، وترى "ميندوزا" أنه يجب عليهم أن يكونوا مقنعين، وكما أن عليهم التعامل مع الحقائق فعليهم أن يعملوا وفق الحدس والولاء والمشاعر والمجتمع أيضا، وتسمح هذه المواقع لذوي الموارد المحدودة بالمنافسة مع كبريات شركات الإعلام التقليدية لجذب الملايين.
إن أباطرة التكنولوجيا يمنحوننا التأثير على العالم وهي سلطة نافذة لا مثيل لها وقد استخدمت من قبل المعلنين، وهي اليوم بين أيدي القوى السياسية بجميع أطيافها لتعطي الفرصة لشذاذ الآفاق والمتطرفين والعابثين بالتلاعب بمشاعر الناس، ولتقود العالم نحو اضطرابات سياسية غير متوقعة ولا يمكن السيطرة عليها