فادي البطش.. قصة عالم لم تكتمل
يناس حمودة (31 عامًا)زوجة العالم الفلسطيني، "فادي البطش"،
إيناس تقول إن زوجها كان دائما يطلب الشهادة وكانت تعتقد أنه سينالها ولكن في فلسطين (الأناضول)
2/5/2018
مطلع فجر السبت قبل الماضي، توالت الرسائل تباعا على الهاتف المحمول للسيدة الفلسطينية إيناس حمودة (31 عاما)، يطمأن مرسلوها على أخبارها وزوجها.
لم يكن من عادة أولئك الأصدقاء، الاطمئنان على إيناس في مثل هذه الساعة المبكرة، وبإرسال هذا العدد من الرسائل دفعة واحدة، مما أثار الشك في نفسها، والقلق على زوجها العالم الفلسطيني فادي البطش، الذي غادر المنزل لإمامة الناس في صلاة الفجر.
سريعا أجرت اتصالا على هاتف زوجها، لكن لا صوت يأتي إلى مسامعها سوى رنين الهاتف، وما من أحد مجيب، على غير العادة أسرعت إيناس، نحو الشرفة فوجدت الشرطة الماليزية والإسعاف، قد أحاط المكان، والناس متجمهرين.
ارتدت ثيابها وهرولت خارج المنزل، كان الجميع يبكون لقد كانوا في صدمة كبيرة، كلما سألت أحدهم ماذا يحدث وأين فادي، لا يجبون، ويكتفون بالبكاء أو الصمت، أو الرد على استحياء.
وبعد دقائق معدودة علمت إيناس، باستشهاد زوجها على يد مجهولين أثناء خروجه إلى المسجد المجاور لمنزله، في العاصمة الماليزية كوالالمبور برصاص مجهولين، كانوا يستقلون دراجة نارية، حيث استهدفوه بنحو 14 رصاصة، أردته قتيلا على الفور.
ولد البطش الذي يعمل محاضراً في جامعة ماليزية خاصة، في جباليا شمالي قطاع غزة، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية في غزة أواخر عام 2009.
وعقب ذلك تمكن من الحصول على قبول الدكتوراه من جامعة مالايا الماليزية في 2011، بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية وتحقيقه إنجازات علمية، سرعان ما حصل على منحة خزانة الحكومية 2016 كأول عربي، وهي الأولى في ماليزيا من حيث جودة المنحة ومن أفضل الجوائز العالمية.
وتقول إيناس عن وقت الحادث لقد خرج كعادته لأداء صلاة الفجر، ولم تتوقع نهائيًا أن يستشهد في ماليزيا، كان دائما يطلب الشهادة من الله، وكانت تعتقد أنه سينالها في فلسطين. وتتابع بصبر، في البداية شعرت أن الدنيا أقفلت في وجهي، لكني استدركت نفسي فيما بعد.
وتصف البطش زوجها بـالحنون جدا، والرائع والطيب معها ومع أطفالها ومع جميع من تعامل معه، مضيفة رغم انشغالاته الكبيرة إلا أنه لم يتأخر عن أسرته يوما ولا يقصر بواجباته تجاه بيته وأقربائه وأصدقائه.
وتضيف في ماليزيا لدينا يومان إجازة، أحدهما خصصه فادي بشكل كامل للعائلة، فيه كان يتفرغ لتلبية كافة احتياجاتنا، نخرج للتنزه، وللتسوق، لم يكن يكلفني عناء التسوق، ونجلس نتسامر ونتحدث.
حب العلم
تقول إيناس عن زوجها أنه كان شغوفا بطلب العلم ويسعى للأفضل دوما، فلا يتوقف عن العلم وعمل الأبحاث العلمية فنشر له 18 بحثا في مجلات محكمة، مضيفة أنه كان حافظًا للقرآن الكريم، ومدرسا له، وحصل على درجة الإجازة والسند في القرآن.
وكان البطش يحث زوجته دائما على العلم، فقال لها مرة لقد صبرت عليّ خمس سنوات عندما كنت أقدم الدكتوراة وأنا اليوم مصرّ على أن تحصلي عليها. وبالفعل التحقت إيناس بطلبة الدكتوراة في مجال طرق التدريس، لكن اغتيال زوجها أوقف مشوراها العلمي.
وتقول إيناس ذات يوم -ومن باب المزاح- قلت لفادي سأزوج ابنتاي قبل إتمام تعليمهن الجامعي، لكنه رفض وقال لي بأنهما عليهما أن يتمّا دراستهما الجامعية.
وأنجب البطش ثلاثة أبناء، دعاء (6 سنوات)، وأسيل أربعة أعوام، ومحمد عام واحد.
إسرائيل والبطش
وعن تصنيف بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية للبطش بـمهندس حماس، تقول إيناس الرواية الإسرائيلية غير صادقة، فادي لا علاقة له بالعمل العسكري، أو السياسي، أو التنظيمي.
وأكملت فادي إنسان مبدع طموح، مخترع عالم في مجاله، ربما علمه وأبحاثه هي التي أخافت إسرائيل منه، ولأنه ببساطة فلسطيني مسلم، إسرائيل تريد قتل هذا العقول فقط لا أكثر.
وعن علاقته بمن هم حوله في ماليزيا، تقول كان محبوبا من الجميع، ضحوكا، يتحدث لكل من هم حوله ويسأل عن أحوالهم.
وأشارت إلى أنه كان يحسن في معاملته مع الجميع المسلمين وغير المسلمين. وعلى الرغم من انشغاله في علمه وعمله، إلا أنه لم يكن مقصرًا في مجال الدعوة إلى الإسلام، وتقول إيناس كان يُدرس الماليزيين والعرب القرآن ببعض قراءاته المختلفة، وحصل على السند والإجازة بالقراءة بثلاث روايات للقرآن، وكان يسعى للحصول على الرابعة، لكنه استشهد.
ومنذ الصباح كان يتوجه البطش إلى الجامعة، ثم يعود للمنزل عند السادسة، ثم يخرج لصلاة المغرب، يعقد بعدها حلقة تعليم القرآن، في مؤسسة ماليزية مخصصة لذلك، وعقبها يتوجه إلى أحد المساجد لتعليم الناس هناك قراءة القرآن، إنه على هذا الحال من أكثر من عام ونصف.