بين عاصفة الصحراء وعاصفة الحزم… رمال دمّرت أوطان
ليليان معروف
كما يريد التاريخ أن يعيد نفسه وألّا يتعلم العرب من أخطائهم حيث أمضوا وقتاً طويلاً من التّبعية من جهة, والتّآمر على بعضهم من جهة اخرى, فإنهم في المجرى نفسه ينساقون.
وبين عاصفة الصحراء بالأمس وعاصفة الحزم اليوم تاريخ يتكرر, المشهد واحد والمحرّض واحد والمستفيد واحد والعدو نحن على بعضنا نتهاوش.
لم ترد بعض الدول الخليجية أن تكون خارج مشهد الصراع العربي فتصدّرت كممول رئيسي, وأمّا عن العراق والكويت واليمن فقد كانوا الضّحية, والمشاهد والمشجّع والمشارك أيضاً في كلا المشهدين هو الأمريكي والإسرائيلي بالطبع.
كيف بدأ التحريض وكيف انتهى؟ وماهي الخسائر الشاهدة لليوم على رعونة الداعم وهزالة المدعوم, وما الفرق بين الأمس واليوم؟
عاصفة الحزم وعاصفة الصحراء البداية:
لم يكن تاريخ 1991 هو العام الأسود المشؤوم على العراق كحصيلة عام واحد, بل كان حصيلة عشر سنوات من التحريض والدعم من قبل دول خليجية على رأسها الكويت والسعودية, والتي ساهمت في تحريض صدام حسين في حربه على ايران قبيل حربه على الكويت.
فقد بدأت الحرب العراقية على ايران في 1980 بسعر 37 دولار لبرميل النفط الواحد لتنتهي بخسارة 17 دولار من قيمة البرميل الواحد, ناهيك عن تراجع انتاج النفط في العراق وايران بسبب الحرب, وضعف قدراتهما بعدها, وتدمير البنى التحتية في كلا البلدين وتشريد الأهالي والأطفال وقتل الألاف منهم خلال الحرب.
ولم تكتف بعض دول الخليج بهذا الدّمار الذي حلّ في البلدين بدعم منها للعراق, بل بدأت تطالب الأخير بدفع ديونه لها, والتي وصلت إلى ستين مليار دولار غير المساعدات التي قدّمت من السعودية أيضاً تحت مسمى “هبات”, ليدخل الأمريكي والسعودي من أمامه على الخط, محرضاً العراق في حربه على الكويت في عام 1990, والتي تلاها بعد عام من تحريضات الأمريكي وضغوط دول الخليج على العراق لاسترداد ديونهم قيام “عاصفة الصحراء” التي خلّفت خسائر أكبر من سابقتها العراقية الايرانية, ليستفيق الناس حينها على اجتياح العراق بحجة اجتياح الأخير للكويت, لتكون بذلك الدول العربية وفي مقدمتها الخليجية المحرّض الأكبر ومن وراءها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي اليمن ما فتئت السعودية تتدخل لعقود في هذا البلد, نظراً لموقعه الهام واعتباره ممراً هاماً للوصول للبحر العربي, واعتقادها بأنه لقمة سائغة يسهل السيطرة عليه, قبيل ظهور محور أخر يقف في وجههم وهو محور الحوثيين والمؤيدين له والذين رسموا معادلة جديدة في التدخل السّعودي في الشؤون اليمنية .
بدأت مطامع السعودية بالتزايد بتحريض العراق من جهة والتمدد في اليمن من جهة أخرى, ومع بدء الوحدة اليمنية في عام 1990 قامت السعودية بقضم مساحات في الأراضي اليمنية بعد محافظات جيزان ونجران وعسير في شمال اليمن والوديعة وشرورة في جنوبه, ولم تكتف السعودية بهذا القدر من التدخلات السياسية ومحاولات الهيمنة على قرا اليمن السيادي لتطفو مطامعها على السطح وأعلنت صبيحة 26 من أذار من عام 2015 “عاصفة الحزم” وبضوء أخضر من الولايات المتحدة بدأ العدوان على اليمن, بحجة لا تتغير من بلد إلى بلد وهي مواجهة الجماعات الإرهابية أو دعم الشرعية أو وجود الكيماوي أو النووي كما كانت التهمة جاهزة في العراق وسوريا على سبيل المثال لا الحصر.
وبدأت ما سميت بعاصفة الحزم مشكلة من تحالف من دول كثيرة أهمها قوات الإمارات إلى التي لم تلبث ان اعلنت انسحابا شكليا في وقت مبكر لتعاود الدخول في حرب اليمن هذا العام بشكل أكثر وضوحا .
نتائج الحرب:
عودةّ إلى “عاصفة الصحراء” فقد حملت نتائج كارثية على البلدان الداخلة في الصراع بنسب متساوية من الدمار لكل من العراق والكويت ومن قبلهما ايران.
إضافةً للدّمار الذي حلّ بتلك البلدان فقد تعرّض الشعب الكويتي حينها للتعذيب والقتل والاسر, كما خلّفت الحرب نتائج اقتصادية كارثية منها تدمير أكثر من 727 بئر نفطي من أصل 1080 بئرًا كويتيًا, فيما قدّر قيمة المفقود من النفط والغاز الطبيعي من تلك الآبار بحوالي 120 مليون دولار يوميًا, وكذلك سُجّل تدمير منشئات حكومية ومؤسسات, اضافة إلى نتائج بيئية كانت أكثر فتكاً بالإنسان بسبب الغازات الناتجة عن حرق أكثر من 727 بئر نفطي, ولم تسلم الصحراء من الأذيّة حيث تعرّضت للتلوث من عدة عوامل أهمها تشكل البحيرات النفطية الناتجة من تدمير الآبار, والعوامل الناتجة عن تفكيك الألغام والتي ساهمت بدمار الترب.
وكان للعراق المُحَرّض بفعل دول الخليج قبل أن تنقلب عليه ومن ورائها الولايات المتحدة النصيب الأكبر من الدمار, حيث تمّ تدمير البنية التحتية بما فيها مصافي النفط ومحطات تصفية المياه, وتدمير شبه تام لمولدات الطاقة الكهربائية إضافة لتدمير الجيش العراقي الذي كان يعد من اقوى الجيوش في العالم, كما سببت الحرب على العراق نتيجة التسربات النفطية والعوامل المشعة أمراضاً سرطانية أصابت حديثي الولادة بسرطانات أدّت لوفاتهم بعد عدة سنوات لعدم القدرة على جلب الدواء, ولحق بكل هذا الدمار عقوبات اقتصادية وضعت العراق في عزلة تامة لثلاثة عشر عاماً لم يخرج من أثارها حتى اليوم .
ولمّا كانت السعودية سبباّ رئيسياً في هذا كله كانت السبب الأول والأهم في “عاصفة الحزم” التي لم تنته أثارها بعد, ومازالت نتائجها الكارثية على اليمن تتراكم في كل لحظة قصف, حيث أدّت إلى إعادة الشرخ بين اليمنيين بعد وأده في عام1990وعودة الانفصال بينهم , وانقسامهم بين مؤيد لدول التحالف الخارجي على اليمن وبين مؤيد للحوثيين, كما خلّفت تلك العاصفة أكثر من مئتي ألف ضحية اضافة إلى ما لحق بأهل اليمن من فقر وجوع وتشريد حيث يعتمد معظمهم اليوم على المساعدات الإنسانية التي لاتصل للجميع, كما أصبح أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر ونزح الألاف خارج اليمن وداخله, ناهيك عن تضرر البنى التحتية وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمنشئات التجارية ودمار الموانئ والمطارات والمنشئات الحكومية والاتصالات في محاولة لقطع الاتصال بين ما يجرى داخل اليمن وخارجه.
ويتحمل مجلس الأمن اليوم وكل يوم مع المنظمات الحقوقية المدارة غربياً في البلدان المتصارعة في العراق واليمن جزءاً كبيرا من نتائج هذه الحروب, بسبب غياب الحيادية و اتخاذهم قرارات لطرف على حساب أخر, وايصال مساعدات لطرف دون أخر, وتأييد التدخل في البلدان العربية لصالح امريكا.
الأسلحة المستخدمة في حروب العواصف
في “عاصفة الصحراء” تم استخدام طائرات شحن عسكري والتي نقلت أكثر من ثلاثة أرباع المعدّات إلى السعودية لتصبح جاهزة للاستخدام في العراق, وطائرات تموين الوقود الأمريكية, وطائرات قتالية واعتراضية, اضافة إلى القوة البحرية حيث شاركت أكثر من مئة سفينة في الحرب, كما تم استخدام القنابل الذكية وصواريخ باتريوت الدفاعية وصواريخ سكود التي استخدمت من قبل العراق.
ومع تشابه الأسلحة المستخدمة في “عاصفة الحزم” إلا أنها كانت أكثر تطوراً حيث استخدمت قنابل برازيلية أكثر فتكاً باليمنيين, اضافة إلى أسلحة من صناعة أمريكية وفرنسية وبريطانية حيث وثّقت وزارة حقوق الانسان في صنعاء استخدام قنابل عنقودية أمريكية تحوي مواد خطيرة و شديدة الانفجار.
النتائج السياسية لكلا العاصفتين:
انقسام في الخط العربي بين مؤيد ومعارض وحيادي, وبين مشجع على القتل وبين شاجب, والأهم من هذا كله استمرار وتعزيز تواجد قوات أجنبية في دول الخليج حيث تركز وجودها في السعودية وقطر والكويت ومؤخراً الامارات.
وتتراكم السنوات وراء بعضها ويتراكم معها انغراز الأجنبي في اللحم العربي مثل سرطان صعب الاستئصال ولربما مستحيل, يأخذ النخر في أجسادنا محرضاً عضواً على أخر, ناشراً المرض في كل مكان, وواجداً البيئة المناسبة لاحتضانه وانتشاره, ومع الوقت تحوّل واقعنا العربي من وحدة الى ضعف ومن اتحاد إلى تشتت ومن صلة الى تأمر ومسرحية هزلية تحكى للغير ولا نتعلم منها أبداً.
الفرق بين المشهدين:
الفرق بات جلياً في تطور المشهد الساخن والانتقال من تحريض دولة على دولة إلى المشاركة مباشرةً وعلناً في القتال, وكما أنّ الانسياق وراء خلافة عربية وليس اسلامية لصدام بالأمس انتقل الإنسياق إلى السعودية التي سعت إلى ضم اليمن إليها واحتلالها إن صحّ التعبير.
والفارق الأهم بين الأمس واليوم هو تحول مسار الصراع ودخول اسرائيل على الخط مباشرة ً, ليكون بين دول مطبعة وشعوب لا ترضى التطبيع, وتنضم لقطار محور المقاومة الذي بات القاسم الأكبر بين عدو وصديق يفرض فيه اليمن معادلة ردع جديدة ضد اسرائيل متمثلة بقوات الحوثي المناهضة لأتباع التحالف ضد اليمن.
خلاصة العواصف منذ عام 1990 الى اليوم مع كل مآسيها أن المنطقة تتشكل من جديد بقوى جديدة وبمعادلات جديدة تنحسر فيها سطوة الأنظمة المتواطئة لصالح الشعوب المستضعفه بأفق جديد.
كاتبة سورية
الرئيسية 
البوابة 
