كتاب إسرائيلي يكشِف: الكيان فشِل برصد الثورة بالبدايات وأخفق باغتيال عرفات وأبو جهاد خلال الستينيات.. أبو جهاد حاول ضرب مفاعِل (ديمونا) النووي وخطط لاحتلال مقر قيادة الأركان واحتجاز وزير الحرب ورئيس الأركان كرهائن وأعد مخططا لاغتيال شارون
يروي الصحافي الإسرائيليّ، رونين بيرغمان، المُتخصّص في الشؤون الأمنيّة والاستخباريّة في كتابه “انهض واقتل أولاً”، عن خطورة (عرفات وأبو جهاد) إنّ الأجهزة الأمنيّة في كيان الاحتلال فشلت في رصد بدايات الثورة الفلسطينيّة، ونقل عن ينقل عن نائب رئيس جهاز الاستخبارات العسكريّة (امان)، اهارون ليفران قوله إنّه “طوال عام 1965 صعدت “فتح” عملياتها بزرع الألغام في الطرق وتخريب خطوط الأنابيب وإطلاق النار على مستوطنين وقد بلغ عدد العمليات حوالي (39 عملية)، على حدّ تعبيره.
ومضى قائلاً:”تمّ في آب (أغسطس) عام 1965 إنشاء لجنةٍ سريّةٍ لدرس كيفية التعامل مع العمليات الفدائية، ضمت ثلاثة أعضاء هم إلى جانب ليفران، نائب رئيس وحدة (كيساريا) في الموساد الإسرائيليّ، مايك هراري، وقائد الوحدة 504 في جهاز (امان) شموئيل غورين. وتوصلت هذه اللجنة إلى إصدار قرارٍ باغتيال أبو عمار وأبو جهاد، ونصحت اللجنة باللجوء إلى الرسائل المفخخة المرسلة إلى قادةٍ ومسؤولين في “فتح” في كلٍّ من سوريّة ولبنان.
بيرغمان، الذي يعمل محللاً أمنيًا في صحيفة (يدعوت أحرونوت) العبريّة، وفي (نيويورك تايمز) الأمريكيّة، نقل عن مصادره أنّ رئيس الوزراء آنذاك، ليفي اشكول، قال إنّه ستكون هناك عمّا قريب موجة كبيرة من الرسائل المتفجرة، وأنّ الأهداف هم 15 مسؤولاً في حركة فتح في كلٍّ من الأردن ولبنان، ولكنّه في الوقت عينه شكّكّ بجدوى العملية، بيد أنّ مخاوف اشكول، شدّدّ بيرغمان، تحققت وفشلت العملية فيما جرى اكتشاف معظم الرسائل الأخرى وفككت قبل أنْ تتسبب بأيّ أذى، على حدّ تعبيره.
عُلاوةً على ما ذُكِر آنفًا، أكّد بيرغمان، أنّه في تلك الفترة كان أبو عمار وأبو جهاد يقيمان في دمشق التي قدّمت لحركة “فتح” منشآت تدريبية سورية، وفي عام 1966، تمكن الفلسطينيون من تنفيذ المزيد من العمليات ضدّ أهدافٍ في الكيان، حيثُ قتل ثلاثة جنود في الجيش الإسرائيليّ، عندما اصطدمت آليتهم بلغمٍ أرضيٍّ، فكان أنْ ردت إسرائيل بعمليةٍ في قرية صموا جنوب مدينة الخليل التي كانت تحت الوصاية الأردنية، ولكنّ صدامًا وقع بين القوة العسكريّة الإسرائيليّة المهاجمة والجيش الأردني أدى إلى مقتل أحد الجنود الإسرائيليين.
بيرغمان أضاف قائلاً في كتابه إنّ التوجّه الاستخباريّ كان يقضي بـ”إخفاء المشكلة الفلسطينيّة الجديدة تحت السجادة، فعملت المؤسسات الاستخبارية كلّ ما يمكنها لمنع ذكر اسم حركة “فتح” عند الكلام عن العمليات الفدائية، لافتًا إلى أنّه مع بدايات العام 1967، ازدادت وتيرة العمليات الفدائية وبلغ عددها حتى أيار حوالي (مائة عملية) عبر حدود سوريّة ولبنان والأردن ومصر وقتل فيها 13 إسرائيليًا بينهم أربعة جنود، وعليه أصدرت إسرائيل في 11 أيار إنذارًا لسوريّة.
ونقل بيرغمان عن رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في “الموساد” شيمعون يتسحاكي قوله: “كان أبو جهاد يُفضِّل العمليات النوعية المستندة إلى التخطيط الدقيق، وتمكن (أبو جهاد)، من تشديد قبضته، وبات القائد فأعطى أوامره بأنْ تنحصر كل الهجمات “الإرهابيّة” في داخل فلسطين المحتلة”
وعليه “تدفّق المُقاتلون إلى الداخل عبر المطارات والمرافئ الأوروبيّة أوْ عبر الحدود الأردنية وعبر لبنان. وكان هذا تنفيذًا دقيقًا للإستراتيجيّة الجديدة التي حددها (أبو جهاد)، إذْ أنّ هذه الهجمات ومنها التسلل البحري كانت الأعنف وأسوأ هجمات تمّت بالتسلل، وأيضًا لم يكن آخر هجوم من هذا النوع، بل كان مؤشرًا لما سيأتي من بعده”.
وكانت عملية فندق (سافوي) في قلب تل أبيب، عام 1977، والتي تُعتبر من أكبر وأضخم العمليات النوعية والتي قتل فيها العشرات من الضباط والجنود الإسرائيليين، وجُرِح أكثر من 150 جندي وضابط، وشدّدّ بيرغمان على أنّ هذا الهجوم لم يكن آخر هجوم من هذا النوع، بل كان مؤشرًا لما سيأتي من عمليات بعدها”.
قام أبو جهاد بمحاولات ضرب المفاعل النووي الإسرائيليّ في ديمونة الذي يعتبر من أهم قواعد وأعمدة الدولة الإسرائيلية ومقوماتها، كما أن الإسرائيليين يعترفون صراحة بأن أبا جهاد كان يؤلمهم في العظم بعمليات مشهود لها أظهرت في كثير من الأحيان ضعفهم أمام النضال الفلسطيني مثل عمليات دلال المغربي وسافوي والثلاجة والعمليات العسكريّة في جنوب لبنان التي فرضت وجود قوات للفلسطينيين خلف قوات الطوارئ الدولية.
ونقل الكاتِب عن الجنرال عوديد راز، أحد كبار ضباط قسم الأبحاث لدى جهاز (امان) والمتخصص بمكافحه المقاومة قوله: “بملاحقة أبو جهاد وصلتُ إلى معرفة الرجل الذي نطارده لنقتله وبتُّ احترمه، صحيح أنّه كان إرهابيًا ولكنّه أيضًا كان نموذجًا لرجل العائلة والقائد الأصيل الذي يحمل في عقله كل ما هو جيّد لشعبه، ومع ذلك كانت قيادة الاستخبارات تريد قتله لأنّه جيِّد للشعب الفلسطينيّ، وكان يُمثّل تهديدًا مُباشِرًا لمصالح إسرائيل”.
كما نقل بيرغمان عن رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في “الموساد” شيمعون يتسحاكي قوله:”كان أبو جهاد يُفضِّل العمليات النوعيّة المستندة إلى التخطيط الدقيق وإنْ كان الأمر يتطلّب وقتًا أطول، وكان جاهزًا للضغط على الزناد من دون يرف له جفن”، على حدّ تعبيره.
وبحسب الكتاب، فإنّه بعد الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982 قرر أبو جهاد “استئناف وإعادة إنعاش هجمات مقاتليه ضدّ الإسرائيليين، وخطّطّ لاقتحام مبنى “الكيريا”، قيادة أركان “جيش الدفاع الإسرائيليّ، كاشِفًا إنّه بعد تحقيقٍ مطولٍ اعترف الأسرى بتفاصيل خطة (أبو جهاد) الهادفة لاحتلال مقر قيادة الأركان واخذ وزير الدفاع ورئيس الأركان كرهائن. ويستنتج بيرغمان أنّه لو نجحت العملية لكانت حصلت كارثة على مستوى واسع، وبنفس التوجّه كان أبو جهاد مصممًا على قتل شارون لأنه كان يجسد الشرّ المطلق في عيون الفلسطينيين، على حدّ قوله.
وقال اللواء فؤاد البلبيسي، الذي أعّد ونشر المادة أعلاه: “كان (أبو جهاد) يدرك أيّ دربٍ اختار، مواجهة الاحتلال بالعمليات الصادمة، كان معه ذوي الرؤوس الحامية الذين يتمتعون بخبرةٍ قتاليّةٍ عاليّةٍ وبكمٍّ كبيرٍ من الشجاعة والاستعداد للضغط على الزناد من دون أنْ يرّف لهم جفن، وبقي منهم رجال النواة الصلبة الذين لا يؤمنون بأوسلو ومخرجاتها، مُشدّدًّا: “وقُلْ لِلشَامِتينَ كما يكيلون سيكال عليهم، وسنرى مَنْ سينصف التاريخ”.