مذبحة «صبرا وشاتيلا» آلام لا يمحوها الزمانيصادف اليوم الذكرى الواحدة والثلاثين لمجزرة "صبرا وشاتيلا"، التي وقعت في 16 من سبتمبر عام 1982،واستمرت لمدة ثلاثة أيام من 16إلى 18 سبتمبر وسقط عدد كبير من الشهداء في المذبحة من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل، غالبيتهم من الفلسطينيين، ومن بينهم لبنانيون أيضا، وقدر عدد الشهداء وقتها بين 3500 إلى 5000 شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة.
ورغم مرور 31 عاماً، مازال ضحايا المجزرة، التي تعتبر واحدة من أبشع المجازر في تاريخ الإنسانية والشعب الفلسطيني، ينتظرون أن تتم محاكمة المسئولين عنها، خصوصاً وأن محاكمات عدة جرت لأشخاص اعتبروا مسئولين عن مجازر أخرى ارتكبت في مناطق مختلفة من العالم، وخصوصاً تلك في البوسنة والهرسك.
ملاحقة دولية
وتزامنا مع ذكرى "صبرا وشاتيلا" دعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المجتمع الدولي إلى ملاحقة القتلة مرتكبي المجزرة وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية لارتكابهم جرائم حرب ضد.
وأكد مكتب شئون اللاجئين في حركة "حماس"، في بيان له في الذكرى الواحدة والثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا، أن "مرتكبي المجزرة لن يفلتوا من العقاب"، كما دعا المكتب السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية إلى "متابعة رفع الدعاوى وملاحقة الجناة الصهاينة ومرتكبي المجازر ومحاسبتهم أمام المحافل الدولية، وتفويت فرصة إفلات العدو من العقاب".
واعتبر المكتب أن "مشروع المفاوضات مع إسرائيل هو مضيعة للوقت وللجهد الفلسطيني ومضيعة للحقوق والثوابت الفلسطينية ولتضحيات ودماء الشعب الفلسطيني"، داعيا إلى "الإسراع بإنجاز ملف المصالحة الوطنية والاتفاق على مشروع وطني فلسطيني موحد والدفع باتجاه رفع الحصار عن قطاع غزة في ظل التشديد الذي يخنق أهالي القطاع مؤخرا".
ومن جانبه أشار ممثل حركة "الجهاد الإسلامي" في لبنان أبو عماد الرفاعي، إلى أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي التعبير الأعنف عن الرغبة في محو المخيمات الفلسطينية والقضاء على حق العودة.
ولفت الرفاعي إلى أن الذكرى هذا العام تكتسب أهمية استثنائية لا بد من التوقف عندها نظرا للظروف المحيطة بملف اللاجئين في المفاوضات الجارية من جهة، ومخططات توريط اللاجئين الفلسطينيين في اتون الخلافات الداخلية اللبنانية والإقليمية، وما يحمله ذلك من مخاطر جمة على المخيمات وعلى قضية فلسطين.
وقال الرفاعي إن "مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن حدثا عابرا ويمكن إدراجه في خانة ردود الأفعال العسكرية، بل كانت مجزرة تم التخطيط لها بعناية ووضوح وكان الهدف منها يومذاك إعلان انتصار المشروع الصهيوني على المقاومة الفلسطينية".
من المسئول؟
وعلى الجانب الأخر أظهرت سجلات اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي عام1983 أن إسرائيل مسئولة بشكل غير مباشر عن مجزرة صبرا وشاتيلا والتي وقعت عام1982.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية اليوم في مارس 2013 أن الوثائق الإسرائيلية التي خرجت للعامة الأسبوع الماضي، كشفت جزئيا عن سجلات اجتماعات مجلس الوزراء لعام 1983 التي ركزت على النتائج التي توصلت إليها "لجنة كاهان" للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 .
ولفتت الصحيفة أنه خلال عرض للنتائج التي توصلت إليها اللجنة بمجلس الوزراء، أشار وزير العدل- في ذلك الوقت- موشيه نسيم إلى أن اللجنة لم تجد أن إسرائيل مسئولة مسئولية مباشرة عن المجزرة ولكن تقع عليها مسئولية غير مباشرة.
ووفقا لما أوردته الصحيفة فإن مجزرة صبرا وشاتيلا وقعت في عام 1982 وقتل خلالها حوالى 3000 من المدنيين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين ونفذتها مليشيات الكتائب -الموالية لإسرائيل- مضيفة أن المجزرة وقعت خلال حرب إسرائيل مع لبنان، حيث كانت قوات الجيش الإسرائيلي التي غزت لبنان في محيط المخيمات عندما وقعت المذبحة، ويشتبه في أنها سمحت بأعمال القتل من خلال تمكين قوات الكتائب من الدخول إلى مخيمات اللاجئين.
ووفقا لتقرير اللجنة، فإن قرار السماح للكتائب بالدخول إلى مخيم اللاجئين كان من أجل منع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، بعد مقتل المئات خلال بضعة أشهر في لبنان، والخضوع إلى صرخات استياء الجمهور الإسرائيلي من حقيقة أن الكتائب تستفيد من الحرب دون المشاركة فيها".
ولفتت الصحيفة إلى أنه على مر السنين.. قال كبار المسئولين السياسيين والعسكريين إن القرار الإسرائيلي بالسماح للكتائب بالدخول للمخيمات تم بدون معرفة نية الكتائب في ذبح سكان مخيمات اللاجئين ، وفقا لإدعائهم ، إلا أنه خلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي عام 1983 أكد وزير العدل أن اللجنة، والمعروفة رسميا باسم لجنة التحقيق في أحداث مخيمات اللاجئين في بيروت، أشارت إلى مسئولية إسرائيل غير المباشرة عن المجزرة.
مذبحة لا تنسى
تعود أحداث المذبحة،التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، إلى سبتمبر 1982 على يد ميليشيا لبنانية أبان الغزو الإسرائيلي للبنان وتحت أعين جنوده.
وكانت الميليشيا تحت قيادة إيلي حبيقة، الذي أصبح فيما بعد عضواً في البرلمان اللبناني لفترة طويلة ووزيراً عام 1990.
وأطوار المجزرة وسيناريوهاتها جرت كالآتي: ففي يوم الأربعاء 15 سبتمبر 1982، اليوم الذي تلا اغتيال الرئيس بشير جميل، قامت قوات إسرائيلية بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك آرائيل شارون، باحتلال بيروت ومحاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا، بعد أن أخرج جميع أعضاء الفصائل المسلحة، وكان عددهم تقريبا 14000 مقاتلا، من بيروت وضواحيها، وهم الذين كانوا يضمنون أمن وأمان أهالي المخيمات.
وقد أجمع كثير من المؤرخين والصحفيين على أن اتفاقا بين القيادة العسكرية الإسرائيلية وحزب الكتائب اللبناني أبرم لما وصف بتطهير المخيمات الفلسطينية مما يسمونه "إرهابيين"، بل إن بعض الشهادات اللاحقة، مثل شهادة زعيم حزب الكتائب اللبناني لاحقاً، كريم بقردوني، تفيد بأن شارون كان المحرض الأول على المجزرة.
وعندما حل فجر يوم 15 من سبتمبر 1982، حلقت طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي على ارتفاعات منخفضة في سماء بيروت الغربية، وأعلنت القوات الإسرائيلية دخولها المنطقة وإحكام السيطرة عليها.
وبدأ السيناريو المأساوي من الساعة التاسعة صباحا، حينما حضر آرائيل شارون شخصياً لإدارة العملية وتوجيه القوات الإسرائيلية.
وما إن حل منتصف النهار حتى كان المخيمان محاصرين تماماً من قبل القوات الإسرائيلية بجنود ودبابات وضعت الحواجز لمراقبة كل من يدخل ويخرج من منطقة المخيمات.
وكان اليوم التالي إيذانا ببداية النزيف، حين قامت قصفت القوات الإسرائيلية المخيمين بمدفعيتها، مع بداية عصر هذا اليوم المشهود.
وفي 16 سبتمبر 1982، سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربية بالكامل، وقصفت عناصر من الجيش الإسرائيلي بالمدفعية المخيمين من مناطق مرتفعة محيطة بها، وقام قناصة إسرائيليون بقنص من صادف وجوده في شوارع المخيم، في ساعات الصباح.
وسمحت القيادة العسكرية الإسرائيلية لقوات تابعة لحزب الكتائب اللبناني بأن تدخل المخيم، فدخل في الساعة الخامسة مساء ما يقارب 150 عنصراً مسلحاً من الكتائب إلى مخيم شاتيلا من الجنوب والجنوب الغربي.
بدأت المجزرة في صبرا وشاتيلا، مع غروب يوم الخميس السادس عشر من سبتمبر سنة 1982، وكانت النهاية في الساعة الواحدة في عزّ الظهيرة من يوم السبت في الثامن عشر من الشهر نفسه. فالمجزرة امتدت 43 ساعة متواصلة، وفقاً لما تؤكده الباحثة بيان نويهض الحوت.
خلال هذه الساعات الثلاث والأربعين، قامت عناصر الكتائب بقتل واغتصاب وتعذيب وجرح عدد كبير من المدنيين، أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن المحاصرين في المخيمات.
ولم تخل هذه الجرائم من عمليات اختطاف جماعية دعمتها القوات الإسرائيلية، وبالتالي اختفاء العشرات الذين لا يزالون في عداد المفقودين إلى يومنا هذا.
وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي على اطلاع كامل بما يجري داخل المخيمات حتى صباح يوم السبت 18 سبتمبر 1982. كما كان الضباط المسئولون يتواصلون بشكل مستمر مع قيادة ميليشيا الكتائب التي نفذ أفرادها المجزرة، لكنهم لم يتدخلوا لإيقافها، بل على العكس تماما، فقد منعوا المدنيين من الهروب من المخيمات وساعدوا قوات الكتائب بإضاءة السماء لهم خلال ساعات الليل والصباح الباكر بالكشافات العسكرية.
دماء وصمت
وبلغت حصيلة هذه المجزرة حسب تقديرات متضاربة عددا يبدأ من 700 حتى 3500 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ، غالبيتهم من الفلسطينيين، ولكن كان من بينهم لبنانيون أيضاً.
وقد استنفرت أخبار لرصد حصيلة هذه المذبحة، لكنها لم ترد متوائمة لا من حيث المعطيات ولا الإحصائيات.
وتعذر معرفة عدد الضحايا بدقة لأن هناك 100 شخص تقريبا دفنوا في مدافن بيروت من قبل أهاليهم. كما أن هناك عددا كبيرا من الجثث التي دفنت تحت ركام البيوت المهدومة من قبل ميليشيات الكتائب نفسها.
ورغم ذلك لم يقم المجتمع الدولي أو لبنان، الذي طوى لاحقاً صفحة الحرب الأهلية، أو إسرائيل بتحقيق رسمي في تفاصيل المجزرة. وتم الاكتفاء بتعيين الكنيست الإسرائيلي لجنة تحقيق تحت إشراف إسحق كاهانا في سبتمبر 1982.
ورغم تقليص صلاحيات هذه اللجنة التي أخذت طابعا سياسيا وليس قانونيا كونها همشت أصوات الضحايا، فقد توصلت إلى استنتاج مفاده أن وزير الدفاع "شارون" يتحمل مسؤولية شخصية عن المجزرة.
وبعد إصرار اللجنة على موقفها، وعلى إثر المظاهرات الحاشدة في إسرائيل، استقال شارون من منصب وزير الدفاع ولكنه بقي في الحكومة وزيرا.
يذكر أن عددا من مبادرات التحقيق غير الرسمية أطلقت في هذا الإطار، ومنها تحقيق شون ماكبرايد واللجنة الاسكندنافية، التي اعتمدت غالبا على شهادات شهود عيان غربيين، بالإضافة إلى أعمال صحفية وأبحاث تاريخية جمعت كمية من المعلومات عن الحادثة التاريخية.
ورغم إقرار مجلس الأمن بأن ما أقترف بحق مخيمي صبرا وشتيلا كان مجزرة إجرامية، ووصفت بأفظع جرائم القرن العشرين في الذاكرة الجماعية للإنسانية، إلا أنه لم تجري محاكمة أو محاسبة أي مسئول عن تلك الجريمة.