لماذا يجب تحرير فلسطين؟وقف أنس (ذو الثمان سنوات) بجانبي وأنا أتابع المشاهد التي تأتينا من فلسطين الحبيبة، ما بين اقتحام لليهود الأنجاس للمسجد الأقصى المبارك، ومحاولات إجلاء لسكان حي الشيخ جراح وقذف للمباني السكنية في غزة ومناظر الأطفال الشهداء، وتلك الصواؤريخ التي تنطلق من غزة العزة تدك قلب تل أبيب وتمرغ أنوف الصهاينة اليهود وتغيظ قلوب صهاينة العرب.
ما الذي يحدث هناك يا أبي؟
إن اليهود يحتلون أرض فلسطين، يهدمون البيوت ويقتلون اخواننا هناك ويدعون أن هذه الأرض ملك لهم. والفلسطينيون المرابطون في المسجد الأقصى والمقاومون الأبطال في غزة وفي الضفة الغربية والصامدون على أرض فلسطين يقاومون المحتل ويعملون على طرده. ونحن يجب أن نساعدهم على تحرير فلسطين.
لماذا يجب تحرير فلسطين؟
تزاحمت الإجابات في عقلي، فهناك إجابات كثيرة ولكن أيها هو الصحيح، وأيها يجب أن أربي أنس وأخوه عليها؟
وشرد ذهني في تلك الإجابات.
هل نحرر فلسطين لأنها عربية، ونحن من العرب فيجب علينا مساندة إخواننا العرب هناك؟
هل نحرر فلسطين لأن بها القدس – المدينة المقدسة المباركة؟
هل نحرر فلسطين لأن بها المسجد الأقصى المبارك – اولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام؟
هل نحرر فلسطين من أجل حل مشكلة اللاجئين الفلسطينين؟
هل نحرر فلسطين من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني؟
أم أننا يجب أن نحرر فلسطين لأنها أرض إسلامية مغتصبة ويجب إعادتها إلى حكم المسلمين؟
إجابات كثيرة وقد يكون لكل منها وجاهة وثقل كبير، ولكن ما هي أولى الأولويات لتحرير فلسطين؟
أولاً: اذا قلنا أننا نحرر فلسطين انطلاقاً من عروبية فلسطين وأن أول من سكنها كان الكنعانيون وهم عرب، فسوف تظهر لنا عدة مشاكل:
1) في الإسلام لا ترجع ملكية الأرض لمن عاش فيها أولاً، فالبلاد التي فتحها المسلون تصبح أرضاً إسلامية بغض النظر عمن كان يسكنها، فبلاد فارس وبلاد الرومان وبلاد الترك ومصر والجزائر لم تكن تتكلم العربية قبل دخول الإسلام إليها، ولم يفتحها المسلمون لأن لهم حذوراً عربية في تلك البلاد، بل فتحوها إنطلاقاً من الأمر الرباني بتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
2) اذا كنا ندافع عن فلسطين لأننا نقول أن قبائل العرب هي أول من سكن فلسطين، فسوف يعمل اليهود على تزوير التاريخ للقول بأن اليهود من أول من سكن فلسطين وأنه كانت لهم دولة هناك، ونظل نحن أيضاً نبحث عن إثباتات أن العرب هم أول من سكن فلسطين. وندخل في جدالات كثيرة واليهود أهل المراء والجدال، ومن ثما تضيع القضية الأساسية ويطول الصراع.
3) في الواقع المعاصر، نجد أن أمريكا قامت على أنقاض الهنود الحمر - السكان الأصليين هناك – وكذلك استراليا، اذا كان الحكم لأول من سكن البلاد فيجب طرد الأمريكان والأستراليين من تلك القارات.
4) اذا اختزلنا الصراع بيننا وبين اليهود في مسألة عروبة فلسطين، فإننا بذلك نخرج مليار مسلم وأكثر من 40 دولة مسلمة غير عربية، ونخسر قوتهم وتقدمهم واسلحتهم ودعمهم للقضية.
5) تكرار أن فلسطين عربية، يحول الصراع إلى قضية قومية وليست عقدية، وهناك فرق بين القتال من أجل العروبة والقومية وبين القتال من أجل الإسلام ومن أجل أن تكون كلمة الله هى العليا.
6) اليهود يقاتلون عن عقيدة – رغم أنها عقيدة فاسدة – إلا أنهم يفهمون أصول الصراع. فهذا بن جوريون – أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني – يقول (نحن لا نخشى الثوريات ولا الإشتراكيات ولا الرأسماليات ولكننا نخشى الإسلام، ذلك المارد الذي نام طويلاً ولكنه بات يتململ من جديد). ويقول شمعون السفاح شيمعون بيريز (لن نطمئن حتى يغمد الإسلام سيفه). فإذا أردنا أن ننتصر فعلينا أن نعلي من شأن العقيدة لتكون عقيدة مقابل عقيدة، ونحن بلا شك على الحق.
7) اذا قلنا أننا نحرر فلسطين لأنها عربية، فهذا قد ينسينا قضايا أمتنا الآخرى في البلاد الغير عربية كالشيشان وبورما وكشمير وتركستان الشرقية وغيرها أيضاً من القضايا الشائكة في البلاد الغير إسلامية. الأصل أن المسلمين كالجسد الواحد يربطهم رباط الدين وليس القومية أو الحدود التي وضعها الإستعمار لتمزيق جسد الأمة.
ثانياً: اذا قلنا أننا نحرر فلسطين لأن بها القدس، تلك المدينة المقدسة المباركة، فهذا سوف يضعف القضية لأنه:
سوف يأتي المحتل ويعلي من قيمة القدس وبعد مفاوضات كبيرة يقول لنا خذوا القدس واتركوا غيرها من المدن. لتجد في النهاية أن المحتل قد اغتصب قرابة 78 % من الأرض مقابل 22 % للفلسطينيين حتى لو كان بداخلها القدس، فسوف يأتي بعد ذلك ويحتل باقي الأرض بما فيها القدس، ثم يقسم القدس إلى قدس شرقية للعرب وقدس غربية لليهود، وبذلك تتفتت الأرض ويضيع لب الصراع وتتقزم القضية، ويصبح التفاوض في النهاية على أجزاء من القدس، وفي الأساس تكون ضاعت كل أرض فلسطين.
ثالثاً: اذا قلنا أننا نحرر فلسطين من أجل المسجد الأقصى، فهذا أيضاً يقزم القضية أكثر وأكثر
1) هذا يجعل المحتل يقول أعطي لكم الأقصى مقابل التنازل عن باقي فلسطين، ويأتي من لا يفهم القضية بشكل صحيح ويقول لا يعنينا أي شيء مادام أننا معنا الأقصى، وتضيع البلاد والعباد.
2) الأقصى له مكانة عالية في الإسلام وفي قلوب المسلمين، ولكن قيمته أقل من حرمة دماء المسلمين الذين يقتلون بلا ذنب.
صحح الألباني حديث ابن عمر قال: رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه. أخرجه ابن ماجه.
وحديث ابن عباس قال: لما نظر رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الكعبة، قال: مرحبًا بك من بيت، ما أعظمك، وأعظم حرمتك! وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك. أخرجه البيهقي في الشعب، وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 3420
ولا شك أن البيت الحرام أعظم مكانة من الأقصى ولكن حرمة دماء المسلم أعظم منهما.
3) اذا قلنا أننا يجب أن نحرر فلسطين لأن بها مقدسات اسلامية، فما بال البلاد الإسلامية التي تعاني من الإحتلال والظلم وليس بها مقدسات، هل نتركها لأنه ليس بها مقدسات؟!
4) لا شك أن الأقصى يعطى القضية بعداً اضافياً في الصراع ويشعل الحماسة أكثر وأكثر ويزيد الحمية لتحرير كامل فلسطين المحتلة.
رابعاً: اذا قلنا أننا نحرر فلسطين من أجل حل قضية اللاجئين وفقط، فهذا يضيع القضية.
1) سوف يأتي المحتل ويقول أتريدون حل قضية اللاجئين، اذاّ خذوا أموال وخذوا أراضي من بعض الدول العربية، وبذلك يريدون حل للقضية من وجهة نظرهم.
2) يجب العلم أن هؤلاء الاجئين أخرجوا من ديارهم وأموالهم كما فعل المشركين من أهل مكة بالمهاجرين الذين آمنوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ولابد من يوم ترد في المظالم ويرجع فيه الحق إلى أصحابه وتحرر الأرض.
خامساً: اذا قلنا أننا نحرر فلسطين من أجل نزيف الدماء
1) هذا هدف عظيم ولكن لابد من ثمن، وهو بذل الأنفس والأموال رخيصة في سبيل تحرير الأرض.
2) الدماء التي بذلت لن تضيع، فالمعركة إما نصر أو شهادة، فالله يصطفي من الناس شهداء، والشهداء لهم مكانة عظيمة عند الله عز وجل.
3) حتى لو توقف المحتل عن قتل اخواننا في فلسطين، فهذا لا يعني أن نترك القضية ونركن إلى الدعة، فالأرض مازالت محتلة ويجب تحريرها.
سادساً: هل نحرر فلسطين لأنها أرض إسلامية مغتصبة؟
1) نعم، يجب أن نعي ونرسخ في أذهاننا وفي أذهان أبنائنا، أن أرض فلسطين أرض إسلامية فتحتها المسلمون الأوائل، وهي من يوم فتحها ودخول الإسلام إليها أصبحت تتبع باباً في الفقه يسمى بباب الأرض المغنومة، وهذه الأرض اتفق جميع الفقهاء على ملكيتها للمسلمين ولكن اختلفوا في كيفية توزيعها سواء على الجنود الفاتحين أو بقائها كملك عام للمسلمين. وفي حالة الإعتداء عليها أو اغتصابها من جانب أعداء المسلمين، فيجب مقاومتهم والعمل على تحرير الأراضي المغصوبة.
2) يتعين الجهاد على أهل البلاد المحتلة، فإلم يستطيعوا دفع المحتل، وجب على إخوانهم المسلمين مساعدتهم الأقرب فالأقرب، حتى ولو وصل الأمر إلى جميع المسلمين على سطح الأرض.
3) الجهاد الإسلامي الحق هو جهاد في سبيل الله وليس في سبيل قومية أو عرقية أو مصالح دنيوية.
جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم فقال: الرَّجلُ يُقاتِلٌ حميَّةً ويُقاتِلُ شجاعةً ويُقاتِلُ رياءً فأنَّى ذلك في سبيلِ اللهِ ؟ قال: ( مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيلِ اللهِ (
الراوي : أبو موسى الأشعري | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان
هذا ما يجب أن نربي عليه أبنائنا، أن نعلي عندهم مكانة الدين والإنتماء إلى الإسلام وليس القومية، الجهاد في سبيل الله وليس في سبيل عصبيات دنيوية، مساعدة اخواننا المسلمين المضطهدين في أي مكان حتى ولو كانوا بعيدين عنا في المكان، تصحيح المفاهيم الخاطئة فلن تحرر القوميات والإشتراكيات فلسطين ولكن يحررها جيل نشأ على حب الله وطاعته والإعتزاز بدينه وربطه بالقرآن والصلاة.