بكائية على أطلال المستقبل (1) زمن الكَرْجى (ناكح الحمارة) الذي فيه دُمّر شرقنا الراهن
كَرْجى، كلمة كُردية، و الألف و اللام في بدايتها هما للتعريف و فق قواعد اللسان العربي. كَرْجى (بفتح الكاف، و سكون الراء، و سكون الجيم المتماهية مع الياء الممددة كياء -ليه- في اللهجة المصرية)، تعني حرفياً ناكح الحمارة. هذه الكلمة تعبير مجازي كُردي لكل فعل سوء و طائش و كريه و نكرة، و يختزل الكثير لوصف واقع ملئ بالتفاصيل و الذي يحتاج إلى الكثير لشرحه، لكن هذا المصطلح، و كأنه سحري، فور ما يسمعه السامع حتى ترتسم أمامه ملامح الواقع الموصوف له بعجره و بجره. فشاع إستعماله و هو يحمل معه كل هذه القوة السحرية في الشرح لدى الناس، لا يحتاجون معه إلى اللجوء إلى القواميس و الشروحات. فحين يقول أحدهم، واصفا حادثة أو حالة سيئة من أفعال يد بعل أو فرد ما، أن الحادثة أو الحالة كانت من صنيع ذاك الـ (كَرْجى)، فهو يختصر للناس هوية فاعل السوء و ملفه و كنيته و طبيعة العمل الذي اقترفته يداه، لا يضيف إلى علمهم بعد سماع هذا المصطلح أي تقرير جديد أو معلومة غير مسموعة. فوصف كَرْجى، يرسم الحد الذي تنتهي عنده كل حدود وصف سوء و مسئ. مع هذا، يجب أن لا نتوارى بعيدا، خلف الحياء المصطنع أو الأدب المتكلف، فنتحدث عن هذا المصطلح في دائرة المجاز، و كأن الفعل على أرض الواقع لا وجود له. كلّا، ففعل النكاح هنا واقعٌ مشهود، ومنه أشتُق المجاز وعم!
النضال القومي الكُردي
جبال كُردستان واسعة و ممتدة إمتداد الخيال الواسع، و وعرة وغائرة، جميلة و ذات رهبة، شاهقة لا يعلوها إلا الغيم و السماء، مليئة بالمغاور و الكهوف. و منذ أن خلقت هذه الأرض، لم تستطع قوة في العالم أن تفرض هيمنتها عليها، بسبب الإستحالة على الممكن و الإمكان. لجأت إلى هذه الجبال قوى مسلحة تابعة لأحزاب كُردية، قاتلت تحت لافتة "النضال القومي الكُردي"، يُقال، بنيّة تخليص الأكراد من الظلم، و إيصالهم إلى برّ الأمان و العيش الكريم، لكن هذا ظل المجاز الذي يحدو ركب الخيال الجمعي نحو بلوغ هكذا ضفة منشودة، أمست اليوم أبعد من حدود خيال أمس، فيما الركب شذر مذر، كأنّهم سكارى و ما هم بسكارى!
تواترت تقارير شهود عيان كثر، في أزمنة و أمكنة مختلفة من هذه الجبال حيث تترسخ أركان قرى و قواعد أرياف، أن أعضاء هذه الأحزاب، كثيرا ما ضبطوا بالجرم المشهود و هم يطئون الحمير (إناثها و ذكورها) جِماعاً، في فعلةٍ لها جذور تأريخية في طبيعة البشر على أية حال. و عدم التفريق بين إناث الحمير و ذكورها في هذا الوطء، ليس مرده إلى إقرار بالمساواة بين الجنسين، خضوعا لمبادئ تلك الأحزاب التي أقرّت كلها بالمساواة بين الذكر و الأنثى، تأثراً بمبادئ اليسار و الإشتراكية، و إنما ظرف الحال أفرز الإختيار المحتوم، وفق تواجد أحد الجنسين في الوقوع فريسة بين يدي المعتدي كحظٍ سئ للموطوء به/ أو بها.
الإعتداء الجنسي لم ينحصر في إطار الوقوع على الحمير، بل طاله إلى صبيان قاصرين، و نساء بعضهن عازب، و بعض آخر متزوج مع القواعد منهن مرغمات (بعضهن من أرامل الذين قضوا نحبهم في درب النضال). حتى أن قياديا من حزب يساري رحل قبل عام، و انفصل قبل سنين من حزبه، مؤسسا لحزب آخر، كان قد أعدم مقاتلين تابعين له إثر إعتدائهم على صبي قاصر رفعوه بزنارهم إلى الطابق الأول في مكان مبيتهم، فوطء الصبي ثلة من "المناضلين" من مقاتلي النضال القومي، كما أخبرني أحد رفاقهم القدامى في النضال، و هو يعيش الآن في دولة غربية، يلعن فيها رفاق الأمس و ماضيهم الذي يملؤه الكَرْجى و "فحولته" المفتولة. و لكن الممارسة كانت واسعة و مستعصية على العلاج، و لم يكن في إمكان عقوبة عابرة صد طوفان هذه الشهوات التي بلغت و عبرت القتل الذؤالي (و هو قتل الذئب لضحيته من أجل القتل لا من أجل الجوع). هذا ما كان يحدث، إلى أن انتهى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث طوى مظلومية الحمير التي لم تبلغ مسامع البشر إلا في رمزيتها المجازية تلك.
مع بداية التسعينيات، غزا صدام الكويت، و في أعقاب انسحابه، نزلت الأحزاب من الجبال و أصبحت حاكمة المدن، فطاف الخراب ليس له قرار. فأصبح الكَرْجى يحكم المدينة، لابسا الطقم و الكرفيته. و للقارئ أن يتخيل، أن مخلوقا كان يتصرف على هذا النحو في الجبال، فكيف يتصرف و قد نزل إلى المدينة و هو حاكمٌ بفوهة البندقية، و جيوبه قد امتلأت بالمال؟
من الحمير إلى المغنيات و نقل خندق النضال
قبل عقد من الزمن، و بعد منتصف ليلة من الليالي العابرة في مدينة أربيل، حيث الجرائم ترتكب في الظلماء بصمت، بين الجدران التي يهبط إلى نصفها ضباب أحمر باهت، أسعِفت مغنية مشهورة إلى طوارئ المستشفى الجمهوري وسط المدينة، بعد و قوع بعل من المسؤلين عليها، كوقوعهم على الحمارة في أيام النضال الجبلي، أو على ذلك الصبي الذي رُفع بزنار كرفع المحكومين بالإعدام على منصة المشنقة. و لاحقا نُقل على لسان المغنية أن "هؤلاء حمير" (أي الذين وطئوها). لم يكن بد من دفع التعويض إليها، مقابل الركوب (رديف الوطء في قواميس اللغة)، فكان هناك الكثير من المال، و الأرض، و وسائل أخرى كالسيارة و ما إلى ذلك، وأقرت هي ببعض ذلك في الصحافة. شاعت و تكررت أفعال مشابهة لهذه الفعلة الشنعاء على مدار الأيام و السنين، و إلى يومنا هذا.
كلما تقادم الزمان، أمست الفعلة أكثر إسترخاءا وأكثر سهولة، و أقل ترددا لدى فاعلها في ارتكابها، لأنها كانت قد تحولت إلى ظاهرةٍ، كبتت صوت الإستنكار الذي تلاشى كفقاعات تفنى في الهواء. و لم يكتف المسؤولون بالـ (محلّيات)، أي أجناس البلد، بل تعدى الطلب حدودا أبعد، حيث تم الإستيراد من دول الجوار و أبعد منها. أما الشعب، فُترك تحت رحمة قنوات الأفلام الخلاعية المجانية، و فوضى الفقر و الفاقة و الظلم. فانتشر الإغتصاب و الإعتداءات، حتى في داخل العائلة مع ذوي القربى (الصحافة المحلية مليئة بألوف الأخبار من هذا القبيل). ما كان مشتركا في العصرين، عصر النضال الجبلي، و عصر الحكم في المدينة، إلى جانب وطء الحمير و من ثم وطء المغنيات و الفنانات، و تطبيق الإشتراكية العلمية بين الفئتين، بسبب إتحاد العلّة و المعلول بينهما؛ أن مناضلي أمس و حكام اليوم، ظلوا على الدوام في قتال و حرب بينهم، يجرّون جيوش الجوار إلى صدر و نهود الأم الوطن، كما سمّوه هم! أحدث هذه النسخ من جرّ بعل الجوار إلى حضن الأم، كان في 16 أكتوبر 2017، حيث سُلّمت أغنى المدن الكُردية إلى ميليشيات شيعية بقيادة إيران. ومن يسلّم أمه إلى عدوه، لن يسلم منه البشر، فكيف تسلم الحمير! ومن لم تسلم منه الحمير وطئاً، فكيف يسلم البشر!
من لندن 2003 و إلى سيدني 2010 و خبراء الشأن يستخدمون المصطلح لوصف تأريخ طويل
في لندن عام 2003، زرت مقر المؤتمر الوطني الكُردي. كنت جالسا مع أصدقاء و بعض أعضاء المؤتمر، حين وفد شخصان، أحدهما كان مسؤولا في حزبٍ حاكم بإقليم كُردستان. فبدأ يكيل المديح لحزبه و حكمه و سلطته، و يتلو مساوئ الغرب و عيوب سلطاته و مجتمعاته. فانفجر عضو كُردي، إسمه آشتي، بهدوء غضبا (كان آشتي حاصلا على شهادتي دكتوراه، إحداها في الفلسفة). فرد على المسؤول بقوله "كيف تقول أن حزبك و سلطتك أفضل من أوروبا؟ أكثر من نصف حزبك كَرْجى"! هذا التعليق الجارح القاسي، فجّر قهقهات الحاضرين، و ترك مقارنة المسؤول و تهكمه صرعى تحت وابل الضحكات التي لم تنقطع. في عام 2010، و في مدينة سيدني بأستراليا، التقيت بعضو و كادر سابق في أحد الحزبين الحاكمين، سبق له أن نشر فضائح حزبه في مواقع التواصل. فتلى عليّ تأريخا طويلا من الفضائح و الجرائم، تقشعر لها الأبدان. و لم يتردد هذا العضو السابق، أن يستخدم مصطلح كَرْجى، لوصف تلك السنين التي عبرتنا تحت يافطة النضال القومي. و في أكثر من ربع قرن مضى، سمعت بنفسي من مئات الناس يرددون هذا التعبير لوصف واقع حكمهم و سلطتهم.
في عام 1990، غزا صدام حسين الكويت. و في مطلع عام 1991، هاجمت قوات التحالف الغربي العراق وأرغمته على الإنسحاب من الكويت. في إثر ذلك، نزل هؤلاء من الجبال و حكموا على سجيتهم، حكماً، قد لا نفي بحق الشرح و لو ألّفنا عشرات المجلدات، و لكن هذا المصطلح الفريد يقدر على إختزال كل ذلك. و بمرور الأيام عرفتُ حكمة الكُرد البليغة في إطلاق هذا التعبير، فهو يغني عن مجلدات طوال.
زيارة في عام 2006 إلى البلد و تقديم المشاريع إلى الكَرْجى
في عام 2006، زرت إقليم كُردستان. التقيت بوزير الثقافة الراحل في مكتبه بالوزارة، و التقيت بوزيرة الشهداء، و رئيس ديوان رئاسة الإقليم، و نائب المحافظ و مسؤولين في القنوات الإعلامية و الصحف و قيادات حزبية. ما لم أتوقع سماعه من وزير الثقافة، هو قوله "نحن نستطيع أن نخدم القضية الكُردية في العالم بالأغاني". و ربما هذا الذي جعله أن يستضيف مغنية صاعدة في ذلك العام، وهي التي طلب لقائها مسؤولون كبار، من بينهم رئيس الوزراء، و أغدقوا جميعا أموالا كثيرة عليها، و هي اليوم إلى جانب صاحباتها المغنيات، من الأغنياء الميسورين. قدمت مشاريعي، و وضعتها واحدا تلو آخر أمام أكثر من كَرْجى، لتلاقي المشاريع كلها ليس رفضا فقط، بل إهمالا متعمدا و إستهتارا مقصودا. فعرفت أن خدمة الناس و البلد من آخر الأمور التي يفكر فيها الكَرْجى، مع أن الأموال كثيرة كثرة الرمال و أوراق الأشجار. بالإضافة إلى ما قدمته بنفسي إلى حكومة ناكحي الحمير، قرأت في الصحف عن شباب كُرد مثقفين قضوا سنين طوال في كسب العلم و الخبرة في دول الغرب، و كانوا قد عادوا و في جعبتهم مشاريع مهمة جدا، لكنها لم تحصل على لفتة إهتمام الكَرْجى.
في أكتوبر عام 2017، كان هناك أكثر من مائة ألف مقاتل يأتمرون بأوامر قادة، تجد أقلهم غنىً مليونيرا، ففروا أمام قوات الحشد الشيعي و كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة، عائدة إلى حظائرها الخلفية تنتظر الشعير و العلف، ولمّا يصل من بغداد في عملية تسمى قطع الرواتب، بحجة عصيان الكَرْجى عن تطهير صفوفهم من الفساد و حظائرهم من الفوضى.
الكَرْجى العربي أو الحاكم الذي يحكم و هو محكوم
الحاكم العربي أكثر غورا في (كَرْجيئيته: عملية النكاح مع الحمير) من الحاكم الكُردي. بل الحاكم الكُردي ليس سوى نسخة منه و عنه. بل يحاكي هذا ذاك، حذو النعل بالنعل والوصف بالوصف. ما هو واضح للعيان، لا يجادل عليه إثنان، هو ما لا تخطئه عين إنسان سليم لا إعاقة في دماغه، أن العرب من أغنى شعوب الأرض و أكثرها استحواذا على أقدم الحضارات البشرية. لكن هذه الشعوب العربية تعتبر، رغم هذه المعطيات، من أفقر شعوب الأرض، وأكثرها مأساة و كارثة و تخلفا. فبيت العربي من المحيط إلى الخليج هو الذي تُجر إليه الجيوش، وكذا الطائرات و المدافع و الدبابات، تحرث أرواح الأبرياء حرث الدراسة للحنطة، و تفجر في سماء العرب و أرضهم كل قنابل الخراب، بقصد هدم هذا البيت العتيق.
الحكام العرب، هم قادة الإرشاد و الدلّاليّة للغزاة الأجانب، يفتحون لهم الأبواب و يملئون دباباتهم و طائراتهم بالزيوت و الوقود، ويمدون ظهورهم لأحذية جنودهم، ريثما يصلوا إلى أطفال العرب و أمهاتهم و أخواتهم. و هذا الحاكم العربي المفترض، يفتح كل أنابيب الطاقة التي يتقاتل عليها العالم، ليقدمها بأبخس الأثمان بل و مجانا، إلى من هم أعدى أعداء قومه، و أكثر تعطشا لدماء أبريائه من عطش ذئب يتضور جوعا. لذلك فحين يقوم ألف عاقل و عاقل، ليقدم المشورة و النصح للحاكم العربي، و يطرح أمامه خطة الإرتقاء بشعبه و أمته، فالمسافة الشاسعة بينه و بين هذا الحاكم العربي، كالمسافة بين الحالم و ماء الحياة الذي تقول الأساطير أنه يقع خلف ضباب كثيف من أطراف أرض مجهولة، لم تطئها رجل بشر. أما المغنيات، و الراقصات، و القينات، و ...الخ، فوصولهن إلى الحاكم كوصول الصواريخ إلى رؤوس العرب، في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن. لا أسهل من هذين الوصولين، سوى سهولة وصول الجزية إلى يدي ترامب، يأمر أي حاكم عربي بالدفع، فتهتز مؤخرته كإهتزاز الراقصات، فيهب الجزية و هو ساجد في محراب مؤخرة إبنته إيفانكا، يرفع عينه البيضاء نحوها في لهفة و خشوع. مؤخرة إيفانكا المشدودة البارزة فوق ساقين، تغنى بها الكثير من بعل القوم. هذا في أقدس أماكن العرب و المسلمين، حيث بيت الله المعمور، و روضة رسوله سيد البشر. لكن هذه السيدة زارت مع أبيها و أمها، بابا الفاتيكان، بعد يومين من زيارتها إلى الأرض الحرام و هي تهز مفاتن بدنها، و لكنها وقفت بين يدي البابا بكل خشوع، و كأنها راهبة قديسة، لم تعرف يوما شيئا خارج حدود الحشمة و الصلاة و الأدب.
من الممكن مشاهدة إيفانكا في هذه اليوتيوبات كمقارنة بين تصرفها في أقدس أراضي المسلمين و أقدس أراضي الآخرين (ولك أن تلاحظ كيف تضع يدها على صدرها إحتراما للبابا) :
https://www.youtube.com/watch?v=oncKBMQPqT4https://www.youtube.com/watch?v=a3iGX9WsSGshttps://www.youtube.com/watch?v=zafjVDG-Wn8https://www.youtube.com/watch?v=eWx90xK0QrMالمشتركات بين الكَرجى الكُردي و العربي
يتحد الكَرْجى الكُردي بالعربي، إتحاد العلّة و المعلول بينهما، كإتحاد العلّة و المعلول في ممارسة الجنس مع الحمير من جانب، و مع الفنانات و الراقصات من جانب آخر. و فوق هذه المزية المجازية، هناك أيضا "مزايا" أخرى بينهما، تتحد العلل و المضامين بينهما، و على سبيل المثال:
أولا: كلاهما خاشع ذليل ذلّة الكلاب أمام أصغر أجنبي.
ثانيا: كلاهما لا يقدر على الدفاع عن أرضه فيلجأ إلى أعدائه ليحـموها له.
ثالثا: كلاهما يعامل شعبه معاملة الحمير.
رابعا: كلاهما أسخى من حاتم الطائي للأجنبي، و لا يترددان للحظة في تقديم أكبر العطايا له، حتى دون طلب.
خامسا: كلاهما لا يبت قطعا في أي خطة أو عمل يحسب حساب الأمة و الأجيال القادمة، و لا يعير التفكير في المستقبل أي إهتمام. فتفكير كليهما محصور بين أفخاذ المخلوقات التي تخضع للوطء (العلل و المعلول قد لا تتحد هنا في الأسباب بين الفئات الخاضعة، فمنها مضطر، و منها طائع، و منها مرغم، و منها مغرر به، و منها مقبلٌ على جمع الدرهم من بقايا الدينار الذي يُدفع للأجنبي).
سادسا: كلاهما غارق في الجهالة و الأمية و القبح الأخلاقي و الجسدي.
سابعا: كلاهما يعمل على هدم الدين و التراث و الأخلاق و تبديد الثروة.
ثامنا: و تطول القائمة في المشتركات، فالأفضل الإكتفاء بهذه خشية الملل.
الكَرْجى (ناكح الحمارة) دمّر شرقنا و يحكم بصفته و سجيته و يهش محكوميه كقطيع أغنام، و هو ليس في المحصلة سوى مطي، يركبه أدنى الأجانب ليقاتل فوق ظهره قومه (قوم المطي)، أو لِـنَـقـْـلِ الجزية إلى بنوك ممالكه (ممالك الأجنبي). هذا إلى حين. ثم يُفطس المطي إلى لعائن قومه، و سخريات أسياده الأجانب و الأمثلة غير خافية، و الحبل على الجرار.
و نبقى نجرّ الزمان العليل، أو هو يجرّنا نحن العلل، ننتظر عيشا كريما. و لا نستفيق من سباتنا إلا حين نهرم أو نصبح على مشارف الموت، فنتيقن بعد فوات الآوان، أن لا فرصة أخرى نحظى بها في هذه الحياة، و لو كنا نحظى بها لثرنا ضد الكَرجى ثورة رجل واحد دون انقطاع. فالموت في الميدان، خير من الموت أبد الدهر في الذل و الهوان.
و هذا هو إتحاد العلة و المعلول بين شعوب منطقتنا، و هو ما أوجد أخصب أرضٍ لإتحاد العلة و المعلول بين طبقات الكرجى في بلادنا التي تحكم بهوى النكاح الأثيم المخزي.
و هذا هو البكاء الأول، في بكائية طويلة على أطلال المستقبل، رغم المفارقة العنيفة جدا بين الضحكة الساخرة في الكوميديا السوداء في هذا الجزء الأول، و بين المأساة نعيشها.
فليضحك القارئ قليلا، لأن البكاء على أطلال المستقبل يستدعي الكثير من الدموع