هل الديموقراطية التوافقية هي البوابّة لتقسيم العراق ..؟
في باب الإنفصال والتقسيم ومن خلال ردّه على آراء وأفكار إريك أ. نوردلينغر يقول إرنت ليبهارد " إنّه ينبغي أن لا يُعد الإنفصال نتيجة غير مرغوب فيها للتوترات داخل مجتمع تعددي في كافة الظروف. ثمة ثلاثة حلول لمعالجة المشاكل السياسية في مجتمع تعددي مع الحفاظ على طبيعته الديموقراطية. أولّها إزالة الطابع التعددي للمجتمع أو تقليصه بصورة جوهرية عبر الإستيعاب – وهي طريقة ذات إحتمالات ضئيلة في النجاح، على المدى القصير خصوصا. ثانيهما، الحل التوافقي الذي يقبل بالإنقسامات التعددية بإعتبارها لبنات البناء الأساسية لنظام ديموقراطي مستقر. فإذا كان الحل الثاني بعيد المنال، أو إذا ما جُرّب وأخفق، فأنّ الحل المنطقي الوحيد الباقي هو تقليص التعدد عبر تقسيم الدولة الى دولتين منفصلتين متجانستين أو أكثر". وقد أثبتت تجربة قبرص ذات النظام الديموقراطي التوافقي صحّة إراء ليبهارد وهي تنقسم الى دولتين لقوميتين مختلفتين، الا أنّ التجانس بينهما غبر موجود مثلما توقّع ليبهارد.
لو أهملنا الحلّ الأوّل لضآلته كما يقول ليبهارد، نرى إننا في تجربتنا العراقية قد فشلنا لليوم في الحلّ الثاني أي الحل التوافقي/ المحاصصة الطائفية القومية في تقسيم المجتمع العراقي بعد تجربة عمرها ثمانية عشر عاما، ولم نستطع لليوم ان نتقدم ولو خطوة واحدة في بناء نظام ديموقراطي، ناهيك عن بناء نظام ديموقراطي مستقر. ماذا تبقى من الحلول الثلاثة إذا..؟ لم يبقى الّا الحل الأخير حسب رأيي ليبهارد أي تقسيم الدولة الى دولتين مثلما يقول، وفي الحقيقة أن التقسيم في تجربتنا الكارثية مع الديموقراطية التوافقية، سيقسّم البلاد الى ثلاث أو أكثر من الدول غير المنسجمة إطلاقا وليس دولتين.
إنّ الديموقراطية التوافقية غير قادرة على بناء نظام حكم وطني مستقر، وغير قادرة على تجاوز الحالة الطائفية القومية بالبلاد، وستبقى عاجزة عن حلّ مشاكل شعبنا وبلادنا. وإستمرارها يعني إننا نسير بالبلاد الى جحيم من المشاكل التي لا تنتهي، والتي قد تؤدي الى تقسيم البلاد. ويبقى الحل هو بناء نظام ديموقراطي حقيقي، بمعنى آخر حكم وطني ديموقراطي كما يقول مهدي عامل. وهذا المهمة الصعبة وغير المستحيلة تبدأ بإرساء ثقافة تسامح وطنية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية من خلال كتابة دستور جديد، وتجريم إستخدام مصطلحات طائفية وعرقية كوسيلة للتمييز بين العراقيين لمصالح حزبية وفئوية ضيّقة، خصوصا في الدستور ووزارت ومؤسسات الدولة. فديباجة الدستور العراقي الحالي، ترسّخ مبدأ المحاصصة من خلال ترسيخها لمبدأ الولاءات الدينية والطائفية والقومية، وهذا بحد ذاته يُضعف مفهوم المواطنة إن لم يُنسفها.
لكنّ السؤال الكبير هو، من سيأخذ على عاتقه تحقيق هذه الإنعطافة في الحياة السياسية لإنقاذ شعبنا ووطننا؟ إنّ النخب السياسية المهيمنة على الوضع السياسي، لا مصلحة لها في التغيير مطلقا، لأن التغيير يعني إنتحار سياسي لها. لكن القوى اليسارية والديموقراطية وقوى شعبنا الحيّة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في هذا التغيير، وعليها أن تتفق على أصغر القواسم المشتركة نابذة خلافاتها جانبا، فالمعركة اليوم هي معركة وطن يراد له أن يُقسّم أو أن يبقى مريضا كما هو عليه الآن، وهذه القوى مدعوة قبل غيرها لتحمل أعباء هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من حياة وطننا. أنّ الثقة بالنخب السياسية والدينية والعشائرية في تغيير أوضاع البلاد ولو بنسبة ثانية واحدة لسنة ضوئية ليست سوى سذاجة، كون هذه القوى المتحاصصة وهي تنفّذ أجندات دولية وإقليمية تعتبر أساس المشكلة إن لم تكن المشكلة نفسها.
الكارثة في الفوضى السياسية العراقية هي ليست النموذج "الديموقراطي" بغضّ النظر عن مسمياته، بل الكارثة تكمن في إننا لازلنا في نفس المربع الديموقراطي الروماني قبل الميلاد، عندما كان المرشّح للإنتخابات " يحرص على كسب ودّ أكبر عدد من القبائل"(3)، ولكي نعود فعلا لتلك الحقبة من الصور السلبية في العملية الإنتخابية "نرى أنّ الرشوة تأتي في مقدمتها، أي توزيع النقود على القبائل"(4) وهذا يعني إننا بحاجة وفق النموذج " الديموقراطي " العراقي الحالي، لأكثر من الفي عام لنصل الى ما وصلت اليه روما وقتها حيث الغلبة للقبائل ولمن يستطيع تقديم رشى أكبر ليفوز بالإنتخابات.. !!
(1)
https://www.usip.org/sites/default/files/resources/sr153_arabic.pdf(2) هذا النص جزء من مداخلة القاها المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل عام 1986 ضمن "الندوة اللبنانية العربية العالمية" التي دعا اليها وقتها الحزب الشيوعي اللبناني ضمن التحضير لمؤتمره الخامس.
(3) مجلة النهج العدد 8 ص 100
(4) نفس المصدر ص 101
لقد إعتمدت المادة على كتاب ( الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) للباحث إرنت ليبهارد
لإنزال الكتاب-البحث نرجو النقر على الرابط أدناه:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=740622