أسود باب الأسباط: حكاية من أسوار القدس
تحتشد جماهير فلسطينية في باب الأسباط، يوميًا، لتقول "لا" لقرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي تركيب بوابات إلكترونية في هذه المنطقة، للدخول من خلالها إلى المسجد الأقصى. هذه الأزمة، جعلت باب الأسباط أشهر أبواب القدس العتيقة هذه الأيام، في حين كان الاحتلال يبحث عن حلول للتعامل مع باب العامود، لكثرة العمليات الفدائية فيه، التي جعلته أخطر أبواب القدس العتيقة وأهمها.
والأسباط ليس الاسم الوحيد لهذا الباب، فهو باب الأسود أيضًا، وذلك نسبة للنقش الذي يحمل صورة أربعة أسود يتقابل كل اثنان منها عند مدخل الباب خارج الأسوار. وهو أيضًا، باب الروحة، أو باب أريحا، لأن الخروج من هذا الباب يقودك إلى طريق مدينة أريحا.
shareلباب الأسباط أربعة أسماء أخرى، فهو باب الأسود، وباب الروحة، وباب السيدة مريم، وباب القديس ستيفن، ولكل اسم منها قصة
ويسميه مسيحيو فلسطين، بوابة القديس ستيفن، لاعتقادهم أن قبر القديس ستيفن يقع بالقرب منه، وهو أول شهيد مسيحي تم رجمه في وادي قدرون قرب الباب. كما يسمونه باب السيدة مريم، لاعتقادهم أن مريم العذراء – عليها السلام – ولدت في منزل مجاور للبوابة.
وباب الأسباط كبير الحجم، يعلوه برج ثلاثي الأطراف، وعلى جانبيه محرابان يعلوهما قوسان صغيران مدببان، وهو نموذج للعمارة العسكرية، إذ يحتوي على دهاليز متعرجة تعرقل تقدّم العدو. وإبان الاحتلال البريطاني لفلسطين، أُزيل الجدار الغربي لمدخل باب الأسباط، ما سمح بالدخول إليه دون الانعطاف شمالاً ويمينًا.
وفي الواجهة الأمامية لباب الأسباط خمسة شقوق؛ كان رماة الأسهم يستخدمونها لأغراض المراقبة والرماية وردع الأعداء. وعلى مدخله قوس كبير، نُقشت عليه باللغتين العربية والتركية كتابات تُبين هوية مُرمم هذا الباب، وهو السلطان سليمان القانوني، وأن القائم على الترميم هو الحاج حسن آغا.
ويغطي فتحة مدخل باب الأسباط مصراعان من الخشب المصفح بالبرونز، ويقوم فوقه برج حجري صغير محمول على أربعة كوابل حجرية، وله سقاطة لصب الزيت المغلي على الأعداء، وفتحة في السور لرمي السهام، ودخول الهواء، وتسمى مزغل.
ويُعتبر باب الأسباط مدخلاً رئيسيًا للمُصلّين، خاصة القادمين من خارج القدس، إذ تدخل الحافلات القادمة من خارج المدينة إلى ساحة مفتوحة بين البابين؛ تصلح لوقوف السيارات، تسمى ساحة الغزالي.
وقيل إن أسود باب الأسباط شعار الملك الظاهر بيبرس، أحد قادة جيش المسلمين في معركة عين جالوت، وقد نُقشت على جسوره وقصوره وقلاعه في فلسطين ومصر وبلاد الشام .
واللافت أن نقوش الأسود تظهر القوة وخفة الحركة، خاصة في تعابير الوجه والكفوف والذيول، وذلك تعبيرًا عن القوة وشعارًا لها. وقيل إنما يرمز هذا الشعار للسيطرة على الجهات الأربعة وما بينهما، وغلبة السلطان بيبرس .
وتختلف المصادر في ذكر منشأ هذه الأسود وحضورها على سور القدس، ومن أين أُتي بها وسبب ذلك، وإن كان الاتفاق على أنها شعارٌ للسلطان بيبرس.
ولعل أطرف ما روي عن قصة الأسود، الحكاية الشعبية المنسوبة للسلطان سليم الأول العثماني. تقول الحكاية، إن السلطان زار القدس سنة 1517 ميلادية، ورأى خلال الزيارة منامًا تلاحقه فيه أسودٌ محاولة افتراسه.
سأل السلطان سليم مفسري زمانه عن حلمه، فأرشدوه لشيخ عارف في القدس، ولما علم المفسر أن السلطان كان ينوي فرض ضرائب باهظة من أهل القدس، فسّر الحلم بأن هذا تحذير من الله، لأن القدس دار الأنبياء والأولياء والصالحين.
shareعلى باب الأسباط أربعة أسود تُنسب للسلطان الظاهر بيبرس، وتُحكي في وضعها على السور طرائف عديدة
تقول الحكاية، إن السلطان عدل عن قراره، وأمر ببناء سور القدس، وقد دخل قراره حيّز التنفيذ في عهد نجله سليمان القانوني، واستغرق بناؤه ثلاث سنوات بين عامي 1536 – 1539.
ويُحكى أن هذه الأسود جُلبت من خانٍ كان السلطان بيبرس قد بناه في عهده قرب باب العامود، وأصابه الخراب مع الزمن وتهدم، حينها أُحضرت الأسود منه ووضعت عند باب الأسباط، تذكيرًا برؤيا السلطان سليم.
ولعل من الصحيح نسب هذه الأسود للظاهر بيبرس، وأنها كانت شعارًا على أحد أبنيته التي شادها في زمانه في القدس، أو في غيرها، وأن بُناة السور في عهد القانوني استحسنوا وضعها في هذا الموضع، والله أعلم.
ولا يهمنا في مقالنا هذا حكاية الأسود الأربعة، بقدر ما يهمنا صواب وضعها في هذا المكان، ودقة التسمية "باب الأسود"، إذ تشير فعلاً لأحوال الحي وساكنيه والمرابطين فيه هذه الأيام.