معركة الدريجات: قاتَلوا حتى نفدت ذخيرتهم
في حقول جماعين إلى الجنوب من نابلس، هاجمت قوات الاحتلال فلسطينيين مسلحين كانت لديها، على الأغلب، معلومات عنهما، فاعتقلت أحدهما فيما انسحب الآخر. كان ذلك يوم الثاني من أيلول/سبتمبر لعام 1969. بدا ذلك الاعتقال إنجازًا بالنسبة للجيش الذي استطاع من خلال الأسير أن يكشف خلايا للمقاومة في نابلس، غير أنه في نهاية الأمر كان جحيمًا أوصل جنود الاحتلال إلى معركة الدريجات، بعد أسبوع فقط.
في ذلك الوقت، كان قد مر عام ونصف على انتصار الثورة الفلسطينية في معركة الكرامة، يوم 21 آذار 1968، وقد شهدت تلك المرحلة تصاعدًا في أعمال المقاومة، خاصة مع ارتفاع طلبات التطوع في صفوف الثورة. حينها قال الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" إن معدل عدد العمليات ارتفع شهريًا في عام 1969 إلى 199 عملية، وكانت معركة الدريجات واحدة من نتائج هذه العمليات.
shareبعد انتصار الثورة في معركة الكرامة، ارتفعت طلبات الانتساب إلى صفوفها، وتصاعد معدل العمليات ضد الاحتلال، وكانت معركة الدريجات نتيجة لذلك
بدأت قصة المعركة من جماعين، وتحديدًا في منطقة "منازل العرب"، المعروفة بـ"واد أبو شنجة" شرق القرية، عندما تم اعتقال الرجل المسلح الذي ذكرناه سابقًا، وتبين خلال التحقيقات أنه من سكان نابلس، وهو "دليل طريق" للفدائيين الفلسطينيين، كما تبين أن هناك مجموعة فدائية في جماعين، مكونة من ثلاثة فدائيين يسكنون في مغارة في المنطقة.
استنادا لهذه المعلومات، استدعى جيش الاحتلال قوات معززة من "حرس الحدود" إلى لمنطقة وحاصرها، ودارت معركة بين الطرفين، استُشهد على أثرها أعضاء المجموعة في المغارة.
لم يُنه جيش الاحتلال حينها نشاطه في المنطقة، إذ يبدو أنه كان على علمٍ بوجود علاقة بين الشهداء ومقاومين آخرين. وبالفعل، حضر إلى المغارة بعد يومين (الجمعة 5 أيلول/سبتمبر) شابًا يقود حمارًا، فاعتقله الجيش وأخضعه للتفتيش والتحقيق، ليتبين أنه يحمل كمية من الأسلحة على ظهر حماره، وهي رشاشات كلاشينكوف، ورشاش كارل غوستاف، وستة ألغام، و30 عبوة ناسفة، وقنابل يدوية، وكمية كبيرة من الذخيرة، وقد اعترف المعتقل بأن شابين آخرين سيحضران للمنطقة.
عند منتصف الليل، من اليوم ذاته، وصل الشابان إياهما إلى المغارة، فعاجلهما جنود الاحتلال بالرصاص، ليستشهد أحدهما، ويحاول الآخر الانسحاب، لكن جروحه جعلت مهمته صعبة، فتم اعتقاله وإخضاعه للتحقيق الفوري، ليتبين وجود علاقة له مع شابين آخرين في جماعين، وإثر ذلك اقتحم الجيش القرية واعتقلهما وأخضعهما للتحقيق.
قادت نتائج التحقيق إلى قريتين شرق جنوب نابلس، إحداهما قصره التي تم اعتقال 11 شخصًا منها يوم الأحد 7 أيلول/سبتمبر. أما القرية الثانية فكانت بيت فوريك، وقد علم جيش الاحتلال أن مجموعة فدائية مسلحة تتمركز قرب القرية، في منطقة الدريجات، وتتكون من 15 إلى 20 فدائيًا.
والدريجات هو اسم منطقة تقع للغرب من بيت فوريك، وتُعرف محلياً أيضاً بـ "خلة ابو عبد الله"، أو "تينة شحادة"، وهي منطقة عالية تقع بمنتصف جبل الشيخ محمد وتُطل على المنطقة المحيطة بها.
في اليوم التالي (الإثنين 8 أيلول/سبتمبر) توجه جيش الاحتلال إلى المهمة الأصعب في كل ما تعرض له منذ بدء الاعتقالات. إذ تسللت قواته فجرًا من منطقة خربة كفر بيتا الواقعة على مدخل بيت فوريك، وسارت بمحاذاة أسفل الجبل متجهة نحو الجنوب لمنطقة الدريجات.
لاحظ المقاومون قدوم الجيش، فاستعدوا لقتاله، وانقسموا لمجموعتين صغيرتين، بقيت إحداهما في أعلى جبل الدريجات، فيما نزلت الثانية نحو الوادي وانتظرت اقتراب الجيش. في الوقت ذاته، اقتحمت قوة أخرى من جيش الاحتلال بيت فوريك، وفرضت حظر التجول.
عند الساعة السابعة والنصف صباحًا، فتحت مجموعة الوادي النار على جيش الاحتلال، وألقت قنابل يدوية، فرد الجيش بإطلاق النار نحو المجموعة. أخذ أفراد المجموعة بالانسحاب نحو الجبل تحت إطلاق النار، فيما طاردتهم قوات الجيش التي كانت قد انتشرت في القرية، واشتبكت معهم، فاستُشهد ثلاثة منهم، هم: نصر حسن أبو سمرة، وعبد الرحيم يوسف منصور، وهما من بيت فوريك، وإبراهيم الخاروف من نابلس، فيما تم اعتقال بقية المجموعة.
shareاستمرت معركة الدريجات 6 ساعات، قاتل الثوار حتى استشهاد بعضهم ونفاذ ذخيرة البقية، وأوقعوا خسائر فادحة في صفوف جنود الاحتلال
في الوقت ذاته، اندلعت اشتباكات بين المجموعة الموجودة أعلى جبل الدريجات، وقوات الاحتلال المنتشرة في أطراف القرية، فانضم الفدائي أسعد مناع مليطات إلى الشهداء الثلاثة السابقين. استمرت المعركة ست ساعات، نفذت على إثرها ذخيرة المقاتلين، فيما كانت الطائرات العمودية قد غطت جنود الاحتلال، وساعدتهم الرشاشات الثقيلة في حسم المعركة.
كانت نتيجة المعركة، استشهاد أربعة مقاومين، واعتقال 11 مقاومًا آخرين، اثنان منهم أُصيبا خلال الاشتباك. وفي حين لم تتطرق الصحافة الإسرائيلية لخسائر جيشها في المعركة، فقد أوردت المصادر العربية أنه قُتل حوالي 12 جنديًا، وأُصيب حوالي 40 آخرون.
نقل جيش الاحتلال المعتقلين وجثامين الشهداء إلى منطقة منبسطة في أعلى الجبل، حيث هبطت مروحيتان، كان على متن واحدة منهما ضابط المخابرات يعقوب بيري الذي شرع بالتحقيق مع المعتقلين، وقد تخلل ذلك تعذيب بالضرب، وحشو أفواه المعتقلين بالتراب.
لم يطل الأمر، حتى أُصعد المعتقلون إلى مروحية نقلتهم لمنطقة "باب الزيتون" في مدخل بيت فوريك، حيث تمركزت قوات من الجيش، فيما رُبطت جثامين الشهداء بحبال معلقة في المروحية الأخرى، ومن هناك نُقل المعتقلون إلى سجن ومعسكر جنيد غرب نابلس، حيث أُخضعوا للتحقيق، فيما يُعتقد أن الشهداء دُفنوا في مقابر الأرقام، إلى يومنا هذا.