انتفاضة الكنائس الامريكية ضد الابرتهايد الصهيوني في فلسطين؟!
نواف الزرو
بينما ينشغل العرب الرسميون- المطبعون في الصراعات والمآمرات والحروب الداخلية، ويغيبون عما يجري في فلسطين و القدس، متجاهلين التصعيد الصهيوني الخطير باتجاه إحكام قبضته على كل فلسطين ومنها القدس، عبر سياسات التطهير العرقي، وعلى الرغم من احتدام الصراع الروسي-الاطلسي على الارض الاوكرانية، تتحرك هيئات ومنظمات أهلية أمريكية وأوروبية ضد ممارسات الاحتلال الصهيوني وحروبه ضد الشعب الفلسطيني، وتبرز على نحو خاص في هذه التحركات مؤسسات ولجان الكنائس المسيحية التي أخذت تلعب دورًا نشطًا ومهمًا ومؤثرًا في التصدي لجرائم الاحتلال، وهي تسبب صداعًا حقيقيًا لحكومة الاحتلال، وترتقي فعالياتها إلى مستوى وصفته بعض مصادر الاحتلال الإعلامية ب “انتفاضة الكنائس ضد إسرائيل”، فهل هي حقًا انتفاضة كنائس ضد “إسرائيل” وجرائمها…؟!
وفي هذا السياق وفي أقرب تطورات هذا المشهد قالت كنيسة “أتباع المسيح” الأمريكية -الكندية”إن السياسات والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تتفق مع التعريف الدولي لجريمة الفصل العنصري، وأكدت أن “استمرار الاحتلال، والحرمان من الحقوق، والظلم الذي يتحمله الفلسطينيون لا يتوافق مع فهمنا لرؤية الله للعدالة لجميع الناس، وبالتالي فهو خطيئة”، وقد جاء ذلك في رسالة رعوية وقّع عليها كبار قادة الكنيسة الرسميين. ويصل عدد أعضاء هذه الكنيسة في الولايات المتحدة وكندا 400 ألف عضو، وتندرج تحتها 3700 كنيسة معظمها تنتشر خارج المدن الرئيسة الكبرى- واشنطن – وكالات-26 فبراير 2022 -،وأدانت الرسالة الاعتراف الأمريكي بضم الاحتلال مرتفعات الجولان، وصمتها عن الضم الفعلي للأراضي والممتلكات من خلال توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، وهدم منازل الفلسطينيين وعمليات الإخلاء، كما استنكرت زيادة عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين، وتصنيف ست منظمات حقوقية فلسطينية أنها “إرهابية”. وجاء في الرسالة: “كقادة للكنيسة المسيحية يجب ألا نصمت في مواجهة التغييرات على الأرض، والعوامل المنهجية الراسخة الأخرى ويجب أن نشهد على ما نعرفه ونراه”، وطالبت بالتمييز بين الخطاب المعادي للسامية، والنقد المشروع لقوانين إسرائيل وأفعالها.
وقبل ذلك وفي ذات السياق”اتخذّت كنيسة المسيح المتحدة ومركزها الولايات المتحدة الأمريكية خلال مؤتمرها السنوي الذي انعقد في تموز/2021، قرارًا ب”اعتبار إسرائيل دولة فصل عنصريٍ”، و”وصفت الاضطهاد الذي تمارِسه بحقّ الفلسطينيين بأنّه خطيئة”، وطالبت الكنيسة في قرارٍ تمّ إقراره خلال أعمال مؤتمرها |بالمساواة الكاملة في التعامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يشمل ضمان حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم داخل الخط الأخضر”، وقد حظي القرار بأغلبيةٍ مطلقةٍ وصوت لصالحه 83 بالمائة من أعضاء المؤتمر في توجه يكشف حجم التأييد للحقّ الفلسطيني داخل هذه الكنيسة، ويبلغ عدد أعضاء الكنيسة في الولايات المتحدة ما يزيد عن 1.1 مليون عضو، علمًا أنّ الكنيسة تأسست في العام 1957 -عن رأي اليوم- الصحف العبرية“ترجمة من زهير أندراوس2021/7/21”.
كما نشط آنذاك مؤيدو الحقّ الفلسطيني داخل كنيستيْن أمريكيتيْن لاستصدار قراراتٍ مُشابهةٍ ب”اعتبار إسرائيل دولة فصلٍ عنصريٍّ”، وهاتيْن الكنيستين هما الكنيسة المشيخية ويبلغ عدد أعضائها في الولايات المتحدة ما يزيد عن مليونيْ عضو، والكنيسة الميثودية ويبلغ عدد أعضائها في الولايات المتحدة ما يزيد عن 8 ملايين عضو وهناك مشاريع قرارات ستقدم للمؤتمرات العامة هذه الكنائس خلال انعقادها في العام الحالي، كما كانت كنيسة “اهرى” في الولايات المتحدة قد قاطعت هي الأخرى ثلاث شركات أمريكية تقدم خدمات للمستوطنين وجيش الاحتلال.
وقبل ذلك وفي عام 2018 أعلنت عشرات الكنائس في الولايات المتحدة الأميركيّة تنديدها بمحاولة الاحتلال الإسرائيليّ سن قوانين تستهدف الكنائس المقدسية والفلسطينية وتُشرعن الاستيلاء على أملاكها. وجاء ذلك في رسالة أرسلتها الكنائس إلى وزير الخارجيّة الأميركيّ -آنذاك- مايك بومبيو، للمطالبة بتدخله لمنع تمرير قانون إسرائيليّ يهدف إلى مصادرة أراضي الكنائس في القدس، وأبدت الكنائس في رسالتها قلقها من محاولات أعضاء في الكنيست تأميم عقارات الكنائس، وأن “هذه هي أعمق أزمة تمر على المسيحيين في الأرض المقدسة وفي جميع أنحاء العالم”، كما أكدت الرسالة على أنّ “الحفاظ على الحرية الدينية الدولية هو أمر بالغ الأهمية للولايات المتحدة، وأنّ منع الأزمة بين إسرائيل والكنيسة يصب في مصلحة جميع الأطراف – 09/11/2018 –”.
وكانت الكنيسة الميثودية سحبت استثماراتها من المصارف الإسرائيلية، واتخذ صندوق التقاعد الخاص بالكنيسة الميثودية، أحد التيارات المركزية في البروتستانتية، قرارًا بسحب استثماراته من عدة شركات إسرائيلية، بينها خمسة مصارف إسرائيلية كبيرة، وذلك بسبب |التورط في خرق حقوق الإنسان”، بحسب صندوق التقاعد.
تجدر الإشارة إلى أن الكنيسة الميثودية تضم أكثر من 7 ملايين أميركي، وبحوزة صندوق التقاعد ممتلكات تصل قيمتها إلى أكثر من 20 مليار دولار – 13/01/2016 –.
وقبل ذلك أيضًا وفي سياق الأعمال التحضيرية لمؤتمر عقدته الكنيسة البروسبيتارية في الولايات المتحدة الأميركية، صوتت لجنة الاستثمار التابعة للكنيسة بواقع ٤٥ مع و٢٠ ضد على قرارات تاريخية لمقاطعة إسرائيل واعتبارها دولة فصل عنصري وسحب استثماراتها من ثلاث شركات أميركية تتعامل مع الإحتلال هي: “كاتربلر” و”هيوليت باكارد” و”موتورولا”، وتوقع منسق تحالف منظمات مقاطعة إسرائيل في الولايات المتحدة، الدكتور سنان شقديح، أن تصويت اللجنة سينعكس إلى حد كبير على نتائج التصويت على مستوى أعضاء المؤتمر لتمرير قرارات المقاطعة، ويستهدف المقاطعون شركات أميركية بعينها لمسؤوليتها الاجتماعية عن استخدام منتجاتها في بناء المستوطنات اليهودية، وتشغيل الحواجز العسكرية وبناء جدار الفصل العنصري، فمعدات “كاتربيلر” من الجرافات استخدمت لهدم منازل الفلسطينيين و”موتورولا” تزود قوات الأمن الإسرائيلية بتكنولوجيا الاتصال في الشركة، فيما استخدمت البحرية الإسرائيلية معدات “هيوليت باكارد” في الحصار المفروض على قطاع غزة ولأن ماسحاتها الضوئية البيومترية تستخدم في نقاط التفتيش.
وقبل ذلك على سبيل المثال، تحركت “لجنة الكنيسة المشيخية في أميركا”لتطالب بسحب الاستثمارات في الشركات المؤيدة للاحتلال الاسرائيلي”، ونشرت صحيفة “هآرتس-4/7/2012 العبرية تقريراً عن تحرك اللجنة باتجاه لفت النظر الى استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وجاء في نص التقرير: “بعد جدل طويل وساخن، وافقت اللجنة 15 التابعة للكنيسة البروتستانتية المشيخية في الولايات المتحدة على قرار يطالب بسحب الاستثمارات التي تقوم بها ثلاث شركات تتعامل مع إسرائيل، ومسألة ما إذا كانت حركة “قاطعوا واوقفوا الاستثمارات وعاقبوا” المناوئة لإسرائيل تكتسب نفوذًا، هي واحدة من أكثر القضايا سخونة التي يتم التساؤل بشأنها بين أكثر الأعضاء الناشطين سياسيا في المجتمع اليهودي- في الوقت الذي يأخذ فيه الكثيرون هذه القضية بشكل جاد”.
وعلى نحو متكامل، كان مجلس الكنائس العالمي دعا الحكومة الإسرائيلية إلى تجميد بناء أو توسيع المستوطنات دون قيود، كخطوة أولى نحو تفكيكها في جميع الأراضي الفلسطينية، وأوضح المجلس “أن وجود نحو 200 مستوطنة إسرائيلية، تضم أكثر من 450 ألف مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتعارض مع السلام”، وأضاف المجلس بأن المستوطنات الإسرائيلية والجدار العازل لها تأثير مباشر على حياة وكرامة الشعب الفلسطيني، لأنها تحول دون وصولهم إلى الأراضي والموارد المائية، والحد من حرية الحركة، وحقهم في الحياة والتعليم والحصول على الرعاية الصحية، وتعمل على تدمير الاقتصاد الفلسطيني- السبت / 09/2009″.
وكان المرحوم د. أنيس مصطفى القاسم كتب في صحيفة القدس العربي اللندنية -19/09/2009 – عن قرار المجلس قائلًا: “إن الاستيطان المتواصل في الأراضي خارج حدود “إسرائيل” المعترف بها دولياً (حدود الخط الأخضر لعام 1949) مرفوض من قبل جميع العالم تقريبًا ويلاقي عدم تصديق واسع الانتشار لأنه غير شرعي وغير عادل ويتعارض مع السلام ويتنافى مع المصالح المشروعة لدولة إسرائيل”، وعليه “نطالب الحكومة الإسرائيلية بأن تجمد بحسن نية وعلى وجه الاستعجال كافة أعمال البناء الاستيطاني والتوسع فيه، كخطوة أولى في اتجاه إزالة جميع المستوطنات”، هذا الكلام ليس لمسؤول عربي أو فلسطيني، وليس جزءًا من بيان أو قرار رسمي عربي أو فلسطيني، وإن كنا نسمع قريبًا منه أحيانًا للاستهلاك المحلي، إنه جزء من بيان صدر عن اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي في دورتها المنعقدة في مقر المجلس بجنيف في الفترة ما بين 26 آب/ أغسطس و2 أيلول/ سبتمبر 2009، وأُعْلِنَ على الملأ يوم انتهاء الاجتماعات أي في الثاني من الشهر، ويقع البيان في ست صفحات باللغة الانكليزية كلها مكرسة لموضوع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وإلغاء الاستثمارات الكنسية وفرض المقاطعة.
كما دعا مجلس الكنائس المسكوني ومقره جنيف “أعضاءه والجمهور إلى التحرك لمواجهة قرار إسرائيل بالموافقة على بناء 900000 مسكن جديد في القدس الشرقية”، ودعا الأمين العام للمجلس الأب صامويل كوبيا المنظمات الأعضاء “إلى التحرك بالتنسيق في ما بينها لحمل الحكومة الإسرائيلية على الرجوع عن قرارها”، وفي بيان أعرب الأب كوبيا عن “خيبة أمله الكبيرة”، وقال إن منظمته “تدين بشدة قرار إسرائيل توسيع مستوطنة جيلو غير الشرعية”.
وفي السياق أيضًا، نذكر مرة أخرى بما جاء في تقرير من واشنطن: “أن الجمعية العمومية للكنيسة البروسبيتارية الأمريكية عقدت مؤتمرها ال217 في مدينة برينغهام وحضره نحو 500 مندوب من جميع الكنائس البريسباتينية في الولايات المتحدة، وناقشت فيه مسألة سحب استثمارات مجمع الكنائس من الشركات العاملة في إسرائيل والاراضي المحتلة، التي تساعد بشكل أو بآخر على ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي أو توفير أدوات العنف والتدمير له”، وأشار التقرير حينئذ إلى “قلق إسرائيلي ويهودي من فتح النقاش حول سحب الاستثمارات وأن السفارة الإسرائيلية استقبلت مجموعة من الشخصيات البارزة من القيادات المسيحية بالولايات المتحدة.. كما أدان المجلس اليهودي الأمريكي هذا النشاط المعادي لإسرائيل”.
وكانت كنيسة المسيح المتحدة قد :صادقت على سحب الاستثمارات من الشركات التي تساعد في بناء جدار الفصل أو الاستيطان أو تدعم الاحتلال”.
نقدر مواقف الكنائس التضامنية، ونقف احترامًا أمام كل هؤلاء الذين يقفون بمنتهى الشجاعة والتحدى في خندق فلسطين، ففي الوقت الذي ينزع بعض العرب أنفسهم من فلسطين أو ينزعونها منهم، نتابع هؤلاء المناضلين الكبار على امتداد أمريكا وأوروبا وهم يتصدون من هناك للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وكيف ينددون بالجرائم الصهيونية وبالتأييد الأمريكي لها، ويطالبون بتقديم جنرالاتهم أمام المحاكم الدولية لمجرمي الحروب.
كاتب فلسطيني