ذكريات من مخيم اليرموك (٢٦)
حارة اليهود ومدرسة الأليانس
حارة اليهود:
من المعروف أن عدداً لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين سكن في حارة اليهود منذ بداية خمسينات القرن الماضي وهي البيوت التي استولت عليها الحكومة السورية بسبب هجرة أصحابها اليهود هجرة غير شرعية لفلسطين؛ إذ قامت الحكومة السورية بتفويض مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين بالإشراف عليها وتوطين بعض العائلات الفلسطينية حيث كان نصيب خالي جميل اللبابيدي غرفة ومطبخ وحمام منفصل؛ إذ كان يقيم معه ستي أم جميل وأخوالي أمين ومحمد وكذا كانت خالتي المرحومة جليلة زوجة المرحوم محمود العموري أبو غازي يقطنون في بيت أخر.
كنت أتوق لزيارة حارة اليهود إما مع والدتي وإما وحدي أو مع إخوتي، كانت المسافة من مخيم اليرموك لحارة اليهود عملية شاقة في ذلك الوقت إذ كان عليَّ أن استقل الباص من شارع فلسطين ليوصلني إلى آخر موقف للباصات وكان يومها في شارع مسلم البارودي مقابل التكية السليمانية ومن هناك كنت أمشي في شارع النصر لأصل إلى غرب المحكمة حيث كانت تنطلق من هناك باصات مكتوب عليها قصاع باب شرقي فأستقلها كي توصلني قرب مدرسة المحسنية بعد أن تخترق السوق الطويل المغطى؛ وأحيانا أتابع سيري مشياً على الأقدام لأصل لبيت خالي الذي كان غرفة كبيرة مساحتها أكثر من عشرين مترا مرتفعة جداً يزينها رخام جميل يتخلله رفوف حائطية لم أرَ مثلها في حياتي، وهذه الغرفة كانت تطل على ساحة كبيرة يلاصقها غرف كثيرة تسكنها عائلات فلسطينية ما زلت أذكر منهم بيت إبراهيم سلمى من صفد الذي بجده ونشاطه امتلك مطبعة قرب الأموي سميت بمطبعة الربيع ثم تحولت المطبعة إلى المحل الذي يبيع الشرقيات على يمين باب المسجد الأموي الرئيس، وكذا كان جار خالي حسين السليم العلي شقيق ناجي العلي من الشجرة وكنت ألعب مع أولاده سليم وحسين وغيرهم من العائلات الفلسطينية ومن الغريب أن لكل غرفة كبيرة مطبخ وحمام وقبو بعيدة عنها ولكنها في فناء الدار إذ كان مطبخ خالي مقابل غرفته ولأول مرة أرى «البوتوغاز» عنده وأظن أنه قد اشتراه حديثاً لأن الحديث كان في الجلسة عن مخاطر الغاز وكيفية استخدامه وطرق السلامة منه؛ وأما الحمام فعلى ما أذكر كان في الجهة الشرقية للمجمع إذ أنه كان الحمام الواحد لعدة عائلات.
وأما بيت خالتي أم غازي فكان يبعد عن بيت خالي مسافة ما إذ كنا نخرج للشارع ونمشي باتجاه باب شرقي ونمرّ من منطقة أثرية فيها كنيسة كبيرة وأعمدة ضخمة حتى نصل لموقف القشلة فهناك حديقة صغيرة ننعطف لليمين ونمشي قليلاً ونرى بعض عجائز اليهود يجلسن أمام بيوتهن حتى نصل لبيت خالتي يرحمها الله، وأحياناً عندما كنّا نعود للمخيم نمشي في حارات اليهود ونمرّ على مدرسة لليهود اسمها مدرسة ميمون بن القداح ثم نصل لجامع اسمه الجامع الأحمر وعلى مقربة منه مدرسة «الأليانس» ومن هناك نمشي لباب مصلى لنركب بالباص إلى المخيم.
كان خالي رحمه الله موظفاً في شركة الخطوط الجوية الكويتية وكان يأتي ببعض الهدايا البسيطة من نوع الدعايات ويفرحنا فيها كالأقلام وصحون السجائر كما كان يأتي كل شهر بمجلة اسمها «البراق» تصدرها شركة الطيران التي يعمل بها كنت أقرؤها وآتي بها للمخيم.
أذكر أن خالي أمين هاجر إلى ألمانيا عام ١٩٦٤ ببعثة دراسية وذهبنا لنودعه وقد نمنا في قاع الدار إذ كان المودعون كثيرين وأذكر أنه عاد لدمشق في زيارة عام ١٩٦٦ بسيارة فولكس فاكن زرقاء اللون؛ إذ كنا نحرسها مع أولاد عمي عندما كان يزورنا في مخيم اليرموك.
في إحدى ليالي رمضان المبارك بِتُّ عند ستي أم جميل فأيقظتنا على السحور ثم سارت بنا أنا وإخوتي وبنات خالتي إلى المسجد الأموي حيث حضرت الموشحات الدينية لأول مرة ويومها شاهدت الرجل الذي اشتهر بعبارته المكررة التي كنت أسمعها من الراديو: (صلوا على الحبيب) إذ رأيته يحمل دلوا وطاسة يمر بين الصفوف ليوزع الماء على المصلين قبل أذان الفجر، صلينا الفجر وبعد الصلاة تحلقنا في حلقة من الحلقات العلمية الكثيرة ولأول مرة استمع لقصة بقرة بني إسرائيل من شيخ معمم.
مدرسة الأليانس: وهي مدرسة شهيرة جداً تتبع لشبكة مدارس الأليانس الممتدة من تطوان بالمغرب وحتى القدس وقد أنشأها الاتحاد الإسرائيلي العالمي منذ نهاية القرن التاسع عشر لليهود، وأما مدرسة الأليانس في دمشق فأنشأت كما قرأت على جدارها عام ١٩٣٢ وتقع بين أحياء الشاغور وحي الأمين والبيطرية وحارة اليهود وهي مدرسة كبيرة جداً فيها أكثر من خمسين فصلاً بعد أن غادر اليهود سورية أدارتها الأونروا وأخذت مؤسسة اللاجئين قسماً منها أنشأت به معهداً دراسياً داخلياً اسمته: معهد سعيد العاص.
عهدي بمدارس الأليانس منذ بداية الستينات إذ كان مركز توزيع الأونروا بالقرب منه، أذكر أنني ذهبت مرة مع الوالدة وجيراننا بيت أبو علي العايد هناك ربما لاستلام الحليب الناشف أو للتسجيل ويومها رجعنا سيراً على الأقدام للمخيم، أما الزيارة الثانية فكنت في الصف السادس وكانت هناك مباراة في كرة القدم بين مدرستنا مدرسة صرفند ومدرسة الأليانس فذهبت هناك مشجعا ولم أذكر من الذي فاز ولكنني أذكر جيداً أنني خرجت باتجاه باب مصلى لأرجع للمخيم وكدت أن أضيع لولا أن رأيت ابن جيراننا بكر ابن أبو العبد السنكري يركب حماره فأردفني في رحلة ممتعة اجتزنا خلالها الزاهرة القديمة وكم كانت فرحتي كبيرة لما رأيت معالم المخيم. يتبع ....
ذكريات من مخيم اليرموك (٢٧)
رحلة الحج من المخيم ١٩٧٢م:
في خريف عام ١٩٧٢ كنت في الصف العاشر، أراد الوالد أن يؤدي فريضة الحج للمرة الثانية فهو قد أداها للمرة الأولى عام ١٩٥٨ يوم كان عمره ثلاثين عاماً، أما هذه المرة فقد أحب أن ترافقه أمي وستي الحجة وعمتي فريجة وبعد أيام كبرت القائمة لأكثر من عشرة حجاج من المخيم أغلبهن نسوة منهن من لوبية صالحة العبد وعايشة الباش ومن الشجرة سعدة الحنيف ومن نمرين أم أحمد وأما الرجل الوحيد الذي كان معه هو يوسف الخطيب من الخالصة وجميعهم ختايرة أعان الله من يهتم بهم، وبعد أن تمت الموافقة دفع كل حاج أربعمئة ليرة سورية لا غير تتضمن أجرة الباص والطواف والإقامة، وقبل السفر بحوالي أسبوع غدا بيتنا مقصدا للزوار المودعين ولا سيما من النساء كل واحدة منهن تأتي بهدية متواضعة قطعة قماش أو باكيت ناشد وتجلس في غرفة مع النساء ويبدأن بالموشحات والأناشيد مثل:
طلع البدر علينا،
ومحمد يا حبيبي سلام عليك،
ويا آمنة بشراك سبحان من أعطاك...
ومما أحفظه أغنية جميلة كن يرددنها مطلعها:
نيالك يا حجة ركبتي بالبابور، يعني: هنيئا لك ياحجة ستركبين بالقطار وربما هذه الأغنية من التراث الفلسطيني إذ كان الناس هناك وبعد مد الخط الحديدي الحجازي يركبونه للمدينة من يافا، وليس هذا خاص بنا بل في المخيم كله فالاحتفال بالذهاب للحج كان يعدله الفرحة بقدوم الحجاج والأقارب والجيران يجتمعون للتوديع فالرجال غالبا يجتمعون بالمسجد أما النساء بالبيت.
أذكر ما قاله يومها جارنا أبو درويش بيكو: قال لي والدي بعكا أنهم كانوا يودعون الحجاج وفي اليوم نفسه يستقبلون القادمين من مكة أو المدينة !!
ولما حان موعد السفر حضر باصان أو ثلاثة للمخيم على شارع اليرموك وكانت القافلة بإشراف الحاج أحمد موعد من صفورية واعتقد أن معظم ركابها من اللاجئين الفلسطينيين فحضر للمخيم حجاج من السبينة والسيدة زينب ودنون وخان الشيح وجرمانا وغيرها وعند صعود الركاب بدأت المشكلات من مرافقي الحجاج كل يريد أن تجلس جماعته بالمقدمة تأخر المسير لأكثر من ساعة حتى أعطى الحاج أحمد موعد أمرا للسائقين بقوله: اسبقوني على القدم، فامتثل السائقون لأمره وما أن وصلت الباصات للقدم حتى سبقها المودعون وهناك تم إعادة المشكلات، وبعد عناء طويل تم التوصل لاتفاق ما سارت بموجبه الباصات صوب درعا.
عدت للمخيم مع مودعي المخيم وكان الجو باردا ومرت الأيام وجاء عيد الأضحى ولم نتلق أي اتصال من الحجاج وانتهى العيد وبدأنا بتزيين البيت بالأعلام، كنا نخرج مع جارنا أبو مروان الديك لأن أمه كانت بالحج وأولاد أبو حسين بيكو لأن أباهم أيضاً بالحج ولكن مع قافلة أخرى نلتقط أغصان الأشجار لنصب عرائش أمام البيوت كما هي العادة،
مرَّ أسبوعان بعد العيد وبدأ الحجاج يعودون والأفراح تعم آل الحجاج، وانتظرنا أسبوعا وأسبوعا ولم تحضر قافلة الأهل ولا حتى لم نتلق أي خبر، كنت أخرج مع أخي محمد إلى بوابة الميدان ننتظر ساعات وساعات ونهرع على كل باص قادم من مكة أو المدينة نحدق به عله يكون هو المقصود، أو يعرف شيئاً عن قافلة الحاج أحمد موعد، انتهى شهر ذي الحجة وبدأ شهر محرم وعاد أكثر الحجاج إلى بيوتهم وساورنا الشك وصرنا نضرب أخماسا بأسداس، وفي غمرة هذه الأحداث وصلتنا قصاصة من الورق مع أحد الحجاج أظن أبو غسان الشرطي من إدلب جار جامع الرجولة كتب فيها بخط الوالد
السلام عليكم، نحن بخير؛ ولا داعي للزينة ) اجتمعت العائلة كلها أعمامي وإخوتي وأولاد عمي كل واحد يجتهد في التفسير، وحل اللغز، هرعنا للرجل نسأله لم يكن جوابه واضحا قال رأيت أبا سميح عند الحدود السعودية الأردنية وأعطاني هذه الورقة.
لم يكن لنا بال أو يهدأ لنا حال إلا بعد أسبوعين حين حضر الحجاج للمخيم بغير الباص الذي ذهبوا به وكانت حالة الحجاج يرثى لها: الحمد لله على السلامة: شو صار معكم، ليش التأخير ؟ وأسئلة أخرى أجاب عها الوالد بحسرة
قال الوالد: يا إخوان، بعد أن انتهينا من زيارة المدينة المنورة ركبنا في الباص لنتجه إلى الشام كانت أغراض الحجاج فوق الوصف تعلو الباص: تابع الوالد حديثه: صعدت لأجلس في مكاني فحصل نزاع بيني وبين رجل من القافلة يريد أن يجلس في المقدمة فتدخل الحاج أحمد موعد وحل المشكلة بأن أركبني معه في التكسي وفعلاً تركت مقعدي وانطلقت التكسي أمام الباص وطار الحاج أحمد بسيارته ولم يقف إلا في الحدود في حالة عمار على بعد ثمانمئة كم عندالحدود السعودية الأردنية ووقفت والحاج أحمد موعد ننتظر الباص مرت ساعة وساعتين وثلاث وأخير سألنا بعض الباصات القادمة فأخبرونا أن أحد الباصات ومن كثرة الحمولة قلب على الطريق على بعد ستة عشر كيلا من المدينة المنورة كما أكد الخبر شرطة الحدود السعودية وأخبرتنا أن هناك قتلى وجرحى!!
قال الوالد: رجعنا إلى المكان بعد هذه المسافة الطويلة وقد أنهكنا التعب وساورنا الخوف وشاهدنا الباص وعلمنا من المشفى أن ستة ركاب لقوا حتفهم وأن باقي الركاب ما بين جريح ومكسور وأن السائق البدوي الذي ينتمي لعشيرة الذيابات ومن سكان السيدة زينب لاذ بالفرار، ثم قال: رحمة الله عليه، قلنا من ؟ قال: الرجل الذي أصر أن يجلس مكاني: فقد لقي حتفه وبعد دفنه مع الآخرين بالبقيع وعلاج المصابين واستئجار باص جديد تأخرنا في العودة.
لم أذكر كيف قضينا هذا اليوم أنفرح بقدوم الحجاج أم نعزيهم بالراحلين أم نحزن على ما تخبئه لنا الأقدار ؟
بالفعل كان الحزن نصيبنا فما أن انتهى موسم التهنئة من أقاربنا وجيراننا بالحج وبسلامة الوصول وبعد توزيع التمر وماء زمزم وقطع القماش على المهنئين بدأت الحاجة جميلة بنت حسين اللبابيدي تشعر بالإعياء وظننا أنها وعكة عابرة ولكن الحالة استمرت واستمرت فاحضر والدي طبيب الجمعية الخيرية الفلسطينية من شارع لوبية الذي أخبرنا أن الوالدة تعاني من جلطة بالدماغ من أثر صدمة قوية!!
بعد أربعة أشهر من الوصول إلى دمشق من رحلة الحج وفي الحادي عشر من حزيران من عام ١٩٧٣ أسلمت الوالدة روحها لبارئها عن أربع وأربعين ربيعا بعد أن تركت ثلاثة أولاد وسبع بنات، منهم ثلاثة متأهلون، وأصغرهم هدى التي لم تتجاوز سنواتها الخمس بعد.
رحمها الله وجعل مثواها جنة عرضها السموات والأرض.
يتبع...
ذكريات من مخيم اليرموك (٢٨)
المرحلة الثانوية:
ودعت المرحلة الإعدادية والميدان عام ١٩٧١م وأذكر أن مركز اختباري كان في مدرسة أبي فراس الحمداني بباب السريجة الكائن بين باب الجابية والإطفائية، وبعد نجاحي ذهبت لثانوية عبد الرحمن الكواكبي لتسجيل هناك ولكن على قوائم ثانوية اليرموك التي كانت تسعد لاستقبال طلاب المخيم بعد الانتهاء من تشييدها في شارع جلال كعوش، وبالفعل ففي أواخر أيلول من عام ١٩٧٢ كنت ضمن قوائم الصف العاشر الشعبة السادسة والتي حوت أكثر من ثلاثين طالباً أذكر منهم عادل حسين عمر، يحيى القيسي، عبد القادر زيدان، غسان أبو خرج، محمد بديع حسن، غازي شحادة، مهنا تميم، إبراهيم الزبن، عماد عبد الهادي، غازي عامر، ماجد جدعان، صلاح الدين الحمد، مصطفى حسان، نبيل الشعبي،أحمد كحال، محمد خير الطلوزي، كمال غديان. عبد الناصر الأخرس، محمد حسن ادريس، عدنان تميم، محمد يونس من يلدا، أما أساتذتنا فأذكر منهم الأساتذة أبو حسين عمايري الذي حببنا باللغة العربية، وإسماعيل الكيلاني الذي قضى جهدا كبيرا كي يوصل لنا تاريخ أوروبا، وإسماعيل محفوظ للفلسفة وهو من قرية دير ماما التابعة لمصياف وكان محباً لفلسطين ولقضيتهم وقد استأجر منزلاً بحارة الفدائية، وأبو جوان ديركي لعلم الاجتماع وأيضاً من الإخوة الأكراد وكان يسكن قرب مدرسة أسماء العامرية قرب شارع لوبية، ومحمود عزيمة للرياضيات، وعبد الرحمن سلال للفيزياء وقد أصبح فيما بعد رئيساً لبلدية اليرموك، ومروان زرزر للغة الإنكليزية وقد أصبح مذيعاً في التلفزيون العربي السوري فيما بعد، وأذكر أنه خلال تقديمه للإذاعة وخلال مقابلاته الكثيرة كان يتأخر عن الحصة الأولى عندما يكون دوامنا بعض الظهر وذات يوم دخل الأستاذ الموجه فتحي فاخرة فوجد الصف قائماً قاعداً فبعد أن هدأنا سألنا: أين أستاذكم ؟ فرد عليه مصطفى حسان بقوله: راح على الإذاعة يؤذن الظهر بالإنكليزي، فعاد الصف أكثر ضجيجاً وصخباً بما فيهم الأستاذ فتحي: حيث كان من عادة إذاعة دمشق أن ترفع أذان الظهر كل يوم.
ولم ننسَ ضابط المدرسة الملازم زرزور حيث كان يوقف الطلاب على رجل واحدة من شدة بأسه إذ كانت أسهل عقوبة عنده الزحف وأشدها فتح شارع في رأس الطالب بواسطة ماكينة الحلاقة، وكثيراً ما كان يفاجئ طلاب المدرسة بكبسات حلاقة أي يقف في الطابور وخلال دخول الطلاب لفصولهم يقف مع بعض مساعديه بفرز من كان شعره طويلا وما أن يتم الفرز حتى يبدأ بفتح الشوارع بعضها دخلات صغيرة وبعضها أوتسترادات عريضة. كنا نذهب في السنة مرتين لحقل الرمي في ريف دمشق إذ كانت تحضر سيارات الشحن وتقلنا هناك حيث نقوم بالرمي من بندقية قديمة على الدريئة ويومها تكون فرحتنا فرحتين فرحة للرمي وفرحة عطلة اليوم. وقد كنا نخضع أسبوعياً لدرس التربية العسكرية وأحياناً نأخذه قبل الدوام في حديقة الشهداء أو في النادي العربي: لأن المدرسة في وقتها تكون مشغولة للطالبات.
كان مدير المدرسة يومها الأستاذ يوسف سويد من صفد ومن سكان ركن الدين وقد كنت أعرفه فيما سبق لأنه كان يدرسنا المواد الاجتماعية في الصف التاسع بإعدادية الميدان الأولى وكان نائبه الأستاذ محمد الشهابي والذي أصبح المدير في السنة التالية.
وبما أن المدرسة كانت في هذه السنة محدثة وتجهيزاتها ضعيفة فقد دعا مدير المدرسة تجار المخيم وأغنياءه لاجتماع مسائي فحضر كل من دعي وتعاهدوا على تجهيز المدرسة بكل ما تحتاجه من وسائل إيضاح وأدوات للمختبرات وغيرها وقامت المدرسة في اليوم التالي بتعليق لوحة بالمدرسة تشكر كل من تبرع للمدرسة مع ذكر المبلغ الذي جادت به نفسه أو الأغراض العينية التي وعد بها وبما أن والدي ليس من أصحاب اليسار ومن الذين أدركتهم حرفة الكتب فقد جهزني في اليوم التالي بمجموعة من الكتب وأوصاني أن أسلمها للأستاذ أبو عمر بلاوني حيث كان أمينا للمكتبة.
يتبع...
ذكريات من مخيم اليرموك (٢٩)
المؤرخ أحمد خليل العقاد:
كنت يافعًاً لم يتجاوز عمري الخامسة عشرة عاماً يوم رأيت الأستاذ أحمد خليل العقاد لأول مرة، لقد كان زائرا غريبا على حيِّنا في مخيم اليرموك، لقد لفت أنظار جميع سكان الحي وكذا المارة منه، لأنه ليس ككل الذين سكنوا الحي، لقد كان من نوع آخر، فبيته الجديد الذي آوى إليه في موقع هام، يقع في شارع فؤاد حجازي ويقابل مدرسة الفالوجة للبنات التابعة للإونروا،وهذا الشارع يضج بالحركة وينبض بالحياة فآلاف الطلاب يمرون ذهابا وإيابا لمدارسهم،وليست مدرسة الفالوجة وحدها هناك،بل هناك تجمع للمدارس أكثرها يتبع للإونروا «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، وواحدة تتبع لوزارة التربية السورية، ناهيك عن المستوصف القريب من مجمع المدارس وهو المستوصف الخامس، وكذا سوق الخضار القريب منه.
كل هذه الأسباب جعلت من الزائر الجديد موضع تساؤل من قبل الجيران والمارة في هذا الشارع ولاسيما أن الزائر الجديد يشرع باب منزله كل يوم ويجلس متجها نحو الشارع يرى المارة ويرونه، ويرد السلام على من يطرحه، ولكن لماذا يجلس كل يوم صوب الشارع ينظر للمارة وينظرونه؟ إنه الجلوس الذي لا بدَّ منه!!
تعرفت الأستاذ ولا سيما بعد أن كتب على باب منزله «منزل المؤرخ الفلسطيني أحمد خليل العقاد» كنت أغدو وأروح لمدرستي، كنت في الصف العاشر أو الحادي عشر لا أذكر بالضبط ولكنني أذكر أنني بعد أيام صرت أجلس مع الأستاذ المقعد نتبادل أطراف الحديث، ولكن أي حديث بين يافع وستيني لا يستطيع إلا الإماء برأسه وتحريك شفتيه ينطق بأعذب الكلام وأحلاه، إنه حديث يافا وذكرياته فيها وحديث عن صحافتها ونواديها ورجالها ووووووالحديث ذو شجون.
كم كان يطيب لي وأنا أسمع الأستاذ يسرح بخياله عن شبابه في يافا وعن مهنة المتاعب التي أرقته، وعن أصول عائلة العقاد التي ينتمي إليها،وعن بيارات يافا وأسواقها ومطابعها ومقاومتها للمحتل البريطاني واليهودي.
علمت بعد جلسات عديدة أنني أجالس علما من أعلام الصحافة الفلسطينية، وأن جليسي هو أول من أرَّخ عن الصحافة بكتابه "تاريخ الصحافة العربية في فلسطين" الصادر في عمان عام 1966 وأن كل من كتب عن تاريخ الصحافة بعده اتكأ على كتاب الأستاذ من قريب أو بعيد، وأن للأستاذ باعاً طويلاً في الصحافة ليس تأريخاً أو توثيقاً قط، بل بالمهنة التي اختارها لنفسه إذ كان علما من أعلام الصحافة الفلسطينية، فقد كان يرأس إحدى الصحف الفلسطينية في يافا (الرأي العام) منذ تأسيسها بيافا عام 1946 إذ واظب على إصدارها حتى بعد النكبة، فقد انتقل إلى بيروت لاجئا وهناك تابع إصدارها وفي أواخر عام 1949 انتقل إلى الأردن وأقام بالقدس وواصل إصدارها حتى صدور قرار بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات وكانت الرأي العام من بينها فتوقفت عن الصدور.
عرفت أشياء كثيرة من الرجل ولا سيما بعد أن أهداني كتابه فاطلعت عليه ومن خلاله أحببت الصحافة والصحف ومهنة المتاعب، وصرت أبحث عن الصحف القديمة لفلسطين وغيرها حتى غدت هوايتي فيما بعد، والتي ضاع أكثرها في مأساة مخيم اليرموك في أيامنا هذه.
أما كتابه: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين: فهو كما قال عنه في مقدمة الكتاب:
ــ ثمرة جهد وعناء متواصلين داما عشرين سنة.
ــ جمع أسماء الذين عملوا في الصحافة منذ نشأتها من كتاب ومحررين ومراسلين في كافة المدن والأقضية الفلسطينية.
ــ صفحة من صفحات الجهاد الفلسطيني، وردا على كتاب صدر عن الصحافة العربية أهمل فيه الصحافة الفلسطينية ولم يوفها حقها.
ــ وثيقة تاريخية ضمت مجموعة ضخمة من الوثائق المفقودة حتى عند أصحابها.
ــ نموذج فريد في بحثه لم يسبق لكاتب من فلسطين أن كتب في موضوعه.
ــ أعطى لسدنة الكلمة وحراس الحرف ما يستحقونه من تقدير ووفاء.
ــ مرجع لرواد البحث التاريخي الصحيح عن صحافة ما قبل النكبة.
أما ترجمة الأستاذ فقد ذكرها في غلاف كتابه الشهير.
ولد في يافا ـ فلسطين ـ عام 1916.
تلقى علومه في يافا وأتمها في الكلية الإسلامية في بيروت.
بدأ حياته العملية مدرسا في مدرس حكومة فلسطين (المعارف)
مارس مهنة الصحافة في كل من جريدة فلسطين والدفاع والجامعة الإسلامية في يافا وكان مراسلاً لعدد من الصحف العربية ومحرراً في عدد من المجلات الأسبوعية منها المطرقة والحقيقة المصورة والعهد الجديد.
اعتقلته السلطات الإنجليزية وأودعته معتقل المزرعة في عكا عام 1937.
فرََّّ من رجال المباحث الإنجليزية إلى بيروت وذلك في أوائل عام 1938 حيث عمل مدرساً هناك.
عاد إلى يافا بعد نشوب الحرب العالمية الثانية وتابع نشاطه الصحفي وأسس مكتب الصحافة والنشر في عام 1940.
أصدر كتابه المعروف باسم (من هو) عام 1946 وفي ذات السنة أسس مجلته (الرأي العام) وكانت المجلة الكاريكاتورية الأولى في فلسطين.
هاجر إلى الأردن بعد النكبة حيث تابع إصدار مجلته الرأي العام، وقد استمرت بالصدور حتى أمرت السلطات بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات ومن بينها الرأي العام.
أصيب بالشلل سنة 1960 ولا يزال طريح الفراش حتى اليوم.
وأحب أن أضيف على ما جاء على غلاف كتابه:
انتقل إلى دمشق وسكن مخيم اليرموك كما أشرت سابقاً في نهاية الستينات من القرن الماضي، ظل مواظباً على الاهتمام بأخبار فلسطين وبالصحف الصادرة عنها وبكل من أرخ للصحافة العربية، وقفت زوجته السيدة رفقة جانبه طيلة حياته فقبل أن يصاب بالشلل ساعدته في جمع وثائق الكتاب والأعداد القديمة من الجرائد والمجلات،وبعد الشلل وقفت معه مجاهدة صابرة لا تألو جهداً في خدمته من تقديم الطعام والشراب والقراءة وكل ما تتطلبه أعباء الحياة.
طبع كتابه تاريخ الصحافة العربية في فلسطين مرتين بدمشق الأول عام 1966 والثانية عام 1967 في دمشق أيضاً والكتاب يقترب من مائتي صفحة ترجم لأعلام الصحافيين الفلسطينيين ممن عمل في فلسطين والبلاد العربية، كما أنه أرخ كل الصحف التي صدرت هناك وكذا التي أصدرها فلسطينيون في البلاد العربية.
ومن رجال الصحافة الذين ترجم لهم أو ذكرهم الأستاذ عيسى العيسى، ونجيب نصار، وفهمي الحسيني، وسليمان التاجي الفاروقي، والشيخ عبد الله القلقيلي، وبولس شحادة، وعادل جبر، وإبراهيم الشنطي، وعيسى البندك وعارف العارف،وغيرهم، أما الكتاب والأدباء الذين عملوا في الصحافة فذكر منهم 251 أديباً رتبهم على حروف المعجم مع ذكر المدن التي عملوا فيها.
أعقب من الذكور خليلاً وعدد من الإناث أذكر منهن أصغرهن عالية.
توفي يرحمه الله عام 1977م ودفن في مقبرة الدحداح في دمشق.
أعارني وأنا يافع كتابه الثاني «من هو» وهي النسخة الوحيدة عنده، فاطلعت على الكتاب، فإذا هو على صغره كتاب قيم يضم عشرات التراجم عن الشخصيات والأعلام الفلسطينية وقد رددته وندمت لأنني لم أقم بتصويره؛يبدو أن التصوير في منتصف سبعينات القرن الماضي كان عسيرا نوعا ما ولا سيما على طالب ثانوي.
يتبع...
ذكريات من مخيم اليرموك (٣٠)
تتمة المرحلة الثانوية وحرب تشرين ١٩٧٣م:
ما إن اقترب نهاية الصف العاشر حتى طلب من أن نختار الفرع الذي ننوي دراسته للعام القادم أي الفرع العلمي أو الأدبي وبما أنني كنت أهوى الأدب فقد اخترته بيد أن والدي كان يرغب بالفرع العلمي وبعد مناقشة وأخذ ورد أصررت على الفرع الأدبي
انتهى العام الدراسي عام ١٩٧٣م وبعد شهر توفي والدتي رحمها الله فكان لفقدها الأثر الكبير في الأسرة، وبعد أسبوع من وفاتها التحقت بمعسكر الفتوة في مدرسة عبد الرحمن الكواكبي بالميدان لمدة أسبوعين خضعنا فيه لعدة دروس عسكرية وتدريبية وفكرية.
افتتحت المدارس أبوابها للعام الجديد في نهاية أيلول١٩٧٣، والتحقت بالصف الحادي عشر الفرع الأدبي وقام بتدريسنا نخبة من المدرسين الأكارم ذكرت بعضهم سابقاً وأما الذين لم أذكرهم ممن كانوا على ملاك ثانوية اليرموك فهم: المرحوم علي الرفاعي من لوبية وعلي الفايز والشيخ موسى اللكود للغة العربية، ومن مدرسي اللغة الإنكليزية أذكر: فؤاد عودة من فرعم ومحمود أبو عيسى من الطيرة، المرحوم يوسف الخطيب (أبو مصعب) من الحولة، وعلي الشهابي للجغرافيا ويوسف الحاج علي للتربية القومية. وأما موجهو المدرسة فكان منهم فتحي الفاخرة وإبراهيم الشهابي، وأمين السر كان محمد عزيمة ثم أستاذ من بيت العايدي من سمخ أو لوبية ومن الأَذَنة أذكر أبا كمال وأبا محمد ومن، الجدير ذكره أن أكثر المذكورين صاروا في دار الحق ونرجو لهم الرحمة والمغفرة.
وأما بعض الزملاء فأذكر منهم: عدنان قدورة، محمد حسن زغموت، بسام علولوة، سليم الماضي، نبيل الشعبي، مهنا تميم، محمد حسن إدريس. محمد خليفة، فراس حمدان، محمد كتيلة، ماجد أبو ماضي، نبيل أبو عمشة، محمد الناجي، خالد موعد،عبد الله موعد، عمر زواوي، محمد عبد الحق، يوسف عبد الحق.
كانت سنة الدراسة في الصف الثاني الثانوي الأدبي أو الحادي عشر من أروع السنين فلا فيزياء ولا كيمياء ولا رياضيات بل لغة عربية وتاريخ وجغرافيا وفلسفة ولغة إنكليزية وغيرها من المواد الحفظية، أذكر أنه كان في ثانويتنا شعبتان للأدبي فقط في حين أن الشعب العلمية أربعة أو خمسة فأكثر الطلاب يختارون الفرع العلمي الذي يتيح للخريجين مستقبلاً أفضل.
حرب تشرين التحريرية ١٩٧٣:
بعد افتتاح المدرسة بأقل من شهر وفي يوم السبت الموافق للسادس من تشرين الأول شعرت بأن شيئاً ما في المدرسة، دخول، خروج، اتصالات، اجتماعات سريعة، هرولة، وما هي إلا لحظات وقبل الساعة الثانية ظهرا تم تجميع الطلاب في الساحة وطلب منا مغادرة المدرسة بهدوء لمنازلنا ولما سألنا عن السبب قال لنا: مدرب الفتوة حرب!!
ذهبنا إلى بيوتنا واستنفرنا أمام الراديو وكان الشهر شهر رمضان المبارك وعلمنا أن الحرب بدأت في الساعة الثانية ظهرا على الجبهتين السورية والمصرية، وفي اليوم التالي ذهبت للمدرسة فوجدتها مفتوحة ومملوءة بالطلاب والمدرسين والموجهين؛ إلا أن التدريس متوقف بأمر من وزارة التربية ولكن حراك المدرسين والطلاب على أشده كان بالمدرسة ملجأ فسرعان ما تم تنظيفه طلب ممن يريد أن يتدرب على السلاح فليذهب إلى بساتين يلدا نهاية المخيم، سرعان ما انطلقنا هناك وتحت كل شجرة زيتون كان يتحلق أكثر من عشرة طلاب يستمعون لشرح المدرب وهو يفكك الكلاشنكوف على بطانية ثم يقوم بتركيبه وبعدها على كل طالب أن يفك ويركب وبينما نحن منهمكون بالفك والتركيب، وبعد أن رسم الجوع والعطش ملامحاً على وجوهنا؛ وفي سرعة البرق انطلق صاروخان كبيران من جهة الشرق لم ندر من يلدا أم بيت سحم أم عقربا المهم لم نتمكن من التفكير طويلا وبعفوية الأطفال لذنا بالفرار نحو المخيم وظننا أن المعركة فوق رؤوسنا قد بدأت.
وبعد الإفطار رجعت لثانوية اليرموك وشاهدت العشرات من الأصدقاء وتابعنا تنظيم الملجأ، كما ذهب عدد من الطلاب لملجأ مستوصف محمد الخامس لتهيئته، وعدد لموقف الملجأ حيث كان بعض الناس يقبعون فيه ولا بد من تنظيمهم.
انتشر الطلاب خلال الحرب في الساحات والشوارع كل يعمل بجد ونشاط بعضهم ينظم دور الأفران وبعضهم يطلي الزجاج باللون الأزرق وبعضهم يحرس المنشآت وبعضهم ينظم دور الناس على طنابر المازوت حيث كان الشتاء قد أطل: وأذكر أن رئيس بلدية اليرموك يومئذ نور الدين محمود كان يقوم بنفسه وبمساعدة عدد من طلاب الثانوية بتنظيم عملية بيع المازوت: خوفاً من استغلال البعض لأجواء الحرب.
وأما أغرب حادثة فهي سقوط طيار بمظلته فقد شوهد من سماء المخيم يهوي بالمظلة، فكم كان المنظر غريبا فقد هرع الناس بالآلاف بعضهم يحمل عصا وبعضهم رشاش كلاشنكوف وبعضهم يركب دراجته وبعضهم ينطلق بالموتوسكل شبان وشيبان ورجال ونساء كلهم يركضون باتجاه شرق المخيم حيث تأخذ الرياح المظلة، هرعت مع الناس وقطعنا حي التضامن وصرنا قرب قناة ترانس وشيئاً فشيئاً اختفت المظلة وبعد أقل من خمسة دقائق رأينا بعض الناس يرجعون وينصحونا بالرجوع قائلين: وصل المظلي سالما واستلمه الأمن، سألناهم عربي أم يهودي ؟ قالوا: لا نعرف.
كنا نشاهد الطائرات الإسرائيلية واعتدنا على مشاهدة صواريخ سام تلاحقها إلا أننا صرنا نلاحظ في الفترة الأخيرة أن الطائرات الإسرائيلية تطلق بالونا حراريا فيقوم صاروخ سام بترك الطائرة واللحاق بالبالون مما كان يستدعي بعد ذلك إطلاق أكثر من صاروخ.
أذكر أنه في اليوم الخامس أو السادس للحرب بدت حفرة عميقة في الجدار الغربي لثانوية اليرموك بعضهم قال إنها قذيفة وبعضهم قال إنه كرسي المظلي الذي شاهدناه فوق المخيم، ولكن بقيت آثار هذه القذيفة إلى يومنا هذا، أو قد تكون قد ضاعت بين مئات القذائف التي نالها المخيم.
انتهت الحرب بعد أقل من شهر ولكن استمرت حرب الاستنزاف في الجولان فقط حتى أيار ١٩٧٤م وفتحت المدارس أبوابها ورجعنا للمدرسة بهمة ونشاط، وكأن الحرب أعطتنا مزيدا من الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس، وتوالت الأخبار عن أبطال الجبهات وعما قدمه جيش التحرير الفلسطيني من بطولات في الجولان ولا سيما في احتلال تل الفرس وتل الندى وغيرها بقيادة الرائد فايز حلاوة.
وخلال حرب الاستنزاف قمت بزيارة لجبهة الجولان حيث كان ابن عمي إبراهيم جودة يرحمه الله يؤدي خدمة العلم هناك فاصطحبني معه وانطلقنا من المخيم صباح ذات يوم وممرنا على خان الشيح ثم سعسع حتى وصلنا للجبهة حيث شاهدت أرض المعركة برجالها وأبطالها و خنادقها ومتاريسها.
يتبع...