منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب ذكريات من مخيم اليرموك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:18 am

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك
 
 تأليف
خليل محمود الصمادي
الطبعة الأولـىٰ
 1436هـ/2015م
 الإخراج الفني: ياسين أحمد الشوَّا
الإهـداء
إلى الصامدين الصابرين المرابطين داخل المخيم، الذين يعانون الجوع والعطش والحرمان حتى من أبسط الحقوق...
إلى المهجَّرين المقهورين حول المخيم، في الزاهرة ويلدا وقدسيا وصحنايا وغيرها، الذين يعانون التشرد والغلاء وقلة ذات اليد...
إلى اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا ممن هم في مخيمات اللجوء وغيرها...
وإلى من ينتظر منهم في اليونان ...
إلى المهاجرين إلى بلاد الصقيع هنا وهناك، ولا سيما إلى أرواح الشهداء الذين قضوا نحبهم في المحيطات والبحار، وإلى الذين قضوا في صحارى ليبيا والسودان...
إلى الموقوفين في غرف الترحيل في مطارات العواصم العربية والأجنبية منتظرين بعض مسؤولي الأمم المتحدة، أو منظمات حقوق الإنسان؛ لإنصافهم من ظلم ذوي القربى ...
إلى والدي الكريم في جمهورية مصر، وإلى زوجتي هزار سلوم في الرياض، وإلى ابنتي غالية وابني ملهم في السويد، وإلى ابني عمرو في هولندا، وإلى ابنتي بيان بدمشق...
وإلى جميع أهلي الذين تشتتوا في ثلاث قارات ولم يعد يجمعنا إلا الفيس بك والواتس أب ...
وإلى كل من يحن للمخيم وأهله ...
 أهدي هذه الذكريات فلعل الذكرى تنفعنا
 
مقدمـــة
لم يخطر على بالي في يوم من الأيام أن أكتب ذكريات عن مخيم اليرموك !!
وذلك أنه لا يحن للذكريات إلا المحب ولا يدونها إلا الدنف الصبّ، وها قد أصبحت أحنُّ للمخيم بل صرت أصبو إليه، لأنني بل لأننا ما عرفنا قيمة المخيم إلا بعد أن أُخرجنا منه بغير حق.
لم يخطر ببالنا أن يمسي هذا المكان الغالي بؤرة صراع بين الأطراف المتنازعة في الأزمة السورية، لقد ظننا في بداية الأزمة أن المخيم بسبب وضعه الديمغرافي سيبقى محايداً، لذا صار أكبر مكان لاستقبال الفارين من ويلات الحروب، وباء ظننا بالفشل؛ فما بين عشية وضحاها فرَّ من المخيم أكثر من ربع مليون.
مخيم اليرموك بالنسبة للجميع من سكانه من فلسطينيين وسوريين أصبح هشيما تذروه رياح الحروب التي لم تبق ولم تذر إلا أطلالاً هنا وهناك وفقراء أضناهم الجوع والعطش والخوف أو أناس آثروا البقاء فيه تمسكاً بالأرض التي عاشوا فيها وخوفاً من حياة الذل خارجه، أو تحدياً لمنْ أراد إفراغ المخيم من سكانه المحبين.
ولدت في مخيم اليرموك، وعشت فيه خمسين عاماً ونيف، وككثيرين غيري أيقنت أن المخيم كان بالنسبة لي ولهم البيئة الجغرافية الأكثر أهمية بعد فلسطين، وذلك لأنه مكان ولادتنا، ومهبط أحلامنا، وملاعب صبانا، ولما كبرنا عرفنا أنه عاصمة الشتات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
مخيم اليرموك هو القدس وحيفا ويافا وصفد ولوبية وطيرة حيفا والجاعونة وجلال كعوش ومفلح السالم وعلي خربوش وعبد القادر الحسيني وسرور برهم وحلوة زياد وغسان كنفاني وفتحي الشقاقي، وحارة الفدائية ومقبرة الشهداء ونادي جنين والمركز الثقافي العربي والمدينة الرياضية وكل ما تحمله هذه الأسماء من رموز وذكريات ودلائل.
مخيم اليرموك قطعة من الحلم عشناها، وطوبة فوق طوبة بنيناها، وشارع خلف شارع لعبنا فيه، ومدرسة بين مدرستين تعلمنا فيها، ومسجد إثر مسجد أدينا فيها صلاتنا وخشوعنا، ومقرات لتنظيمات عرفناها، ومراكز للأونروا كان لها الفضل علينا، ونواد رياضية لعبنا فيها، وأوائل طلبة على مستوى الجمهورية تخرجوا منه، فلهذا حق لنا أن نأسوا على ما حل به من دمار وخراب.
أتمنى من الله أن يعود المخيم كما كان يتسع للجميع بأمن وأمان بعيداً عن الصراعات السياسية السورية والفلسطينية، وأن يعود لأهله الطيبين من فلسطينيين وسوريين وغيرهم ممن أحب المخيم وآثره على غيره من المناطق.
ندعو الله أن تكون العودة قريبة حتى تبدأ مرحلة إعادة الإعمار والعلم والتعليم وقبلها الوعي السياسي الذي بسبب افتقارنا إليه ضاع المخيم وضاعت البلاد والعباد.
والله من وراء القصد.
ذكريات من مخيم اليرموك (١)

ما قبل التذكر:

قيل لي:
أنني ولدت في المخيم عام ١٩٥٧م وأن جدتي الحجة أم محمود يرحمها الله هي التي قامت بعملية الولادة على ما يذكرون فلا مشاف ولا مستوصفات ولا أطباء ولا هم يحزنون، ولما وعيت قليلا دلوني على البيت الذي ولدت فيه فقد كان نمرة من الأرض التي وزعتها مؤسسة اللاجئين بالتعاون مع الأونروا على العوائل و يقع على شارع اليرموك من جهته الغربية أما جهته الشرقية فعلى الشارع المطل على جامع الرجولة وقد آلت ملكيته بعدنا لأم محمد الحطينية يرحمها الله وربما يشغل الآن مقر سيريا تل الخليوي على شارع اليرموك الرئيس.
وكما أخبروني أن أختي «مؤمنة» التي تكبرني بعام ولدت أيضاً في المخيم أما أخي «محمد» فقد ولد عام ١٩٥٤م بجوبر شرقي دمشق بعد أن انتقلوا إليها من جامع الخليلي شرق سوق الهال القديم وربما أن أختي «فاطمة» ولدت هناك عام ١٩٥١م. وأما أخي «سميح» فقد ولد عام ١٩٤٨م في بعلبك بغياب الوالد الذي ضاع عن أهله أثناء اللجوء إذ أصيب بمعركة معلول وانتقل لمستشفى المزة العسكري دون أن يعلم بمكان لجوء زوجته الحامل وابنته ووالديه، وأما شقيقتي البكر «سميحة» فقد ولدت في قرية «لوبية» قضاء طبرية عام ١٩٤٦ والتي خرجت مع أمها مع الخارجين منها باتجاه الأراضي اللبنانية.
 وكما أخبروني أن والدي خرج في رحلة للحج عام ١٩٥٨ وعمري عشرة أشهر وعمره ــ أي والدي ــ ثلاثون عاماً بصحبة أمه آمنة قاسم العيساوي الطرعانية يرحمها الله وثلة من ختايرة المخيم أذكر منهم أبو العبد حميدة الترشحاني الذي كان يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة إذ انطلقوا من دمشق للاذقية برا فقناة السويس فجدة بحرا في رحلة استغرقت أربعة أشهر.

التذكر:

مذ وعيت على الدنيا وأنا أذكر المخيم جيداً وذلك من بداية الستينيات أنه كان في بيتنا الذي وعيته بئر ماء قام بحفرها أبو محمود الطيب وكنا نسميه أبو محمود البير نسبة لمهنته، وكان أبو محمود يرحمه الله رجلاً طيّباً كاسمه من مغاربة فلسطين من قرية «كفر سبت» كان يسكن في شارع فلسطين وقد حفر أكثر من نصف آبار المخيم الصغير نسبياً يومئذٍ، وأذكر أنه قبل أن نحفر البئر كانت والدتي تحمل الجرة وتذهب خارج المخيم إلى منطقة القاعة بالقرب من جامع الماجد حالياً من أجل جلب الماء للبيت، وذلك بسبب الازدحام على منهل الماء الوحيد للمخيم، والذي كنا نسميه (الكباس) والذي يقع مقابل الخان على شارع اليرموك وبالتحديد مقابل فيما عرف لاحقا بساحة الريجة وبنك التمويل والتجارة الأردني.
...
  
ذكريات من مخيم اليرموك (٢)

مستوصف الخامس والملك محمد الخامس

هناك في مخيم اليرموك وفي شارع فلسطين ومقابل سوق الخضار، يقع مستوصف كبير تديره «الأونروا» منذ خمسين عاماً، ويحمل اسم الملك الراحل محمد الخامس يعرفه القاصي والدَّاني من سكان المخيم، حتى صار علماً من معالم المخيم، حتى صار يطلق اسم «الخامس» على أي مستوصف تديره الأونروا في سورية على المستوى الشعبي!!
كان هذا هو المستوصف الأول في مخيم اليرموك، ويرجع تاريخه إلى خمسين عاماً، وبالضبط إلى كانون الثاني من عام 1960م، حين قام العاهل المغربي الملك محمد الخامس بزيارة للجمهورية العربية المتحدة «مصر وسورية»، وبعد أن استقبله الرئيس المصري جمال عبد الناصر في القاهرة، قام الملك بزيارة دمشق، قادما من القدس الشريف، واستقبله المشير عبد الحكيم عامر، حيث كان نائب الرئيس عن سورية وأجرى الملك والوفد المرافق عدة زيارات كان من بينها زيارة لمخيم اليرموك.
ويقول الدكتور عبد الكريم كريم أحد مرافقي الملك عن هذه الزيارة:
«زرنا مخيم اليرموك الذي يقيم فيه إثنا عشر ألفاً من إخواننا اللاجئين الفلسطينيين، فكانت زيارة مؤثرة سالت فيها العبرات وأصعدت الزّفرات أسىً وحزناً على حُرات مُخدرات وصبايا منعمَات وعجائز وشيوخ وأطفال طردُوا من وطنهم ظلماً وعدواناً. وصباح 19 يناير غادرنا دمشق الفيحاء إلى الرياض...». أما أهالي مخيم اليرموك، فكان لهذه الزيارة في نفوسهم وقع خاص، ربما لأنَّ الملك هو أرفع شخصية تزور المخيم وتمد لهم يد العون ببناء مستوصف يعالج المرضى من اللاجئين.
سألت الوالد الحاج محمود الصمادي «أبو سميح» عما تختزنه ذاكرته عن هذه الزيارة، فقال: «علمنا من أعيان المخيم أن الملك سيزور المخيم ليضع الحجر الأساس لمستوصف يعالج المرضى من سكان المخيم، ففرحنا فرحاً شديداً وقامت لجنة من شباب المخيم بنصب الزينة والأعلام وأغصان الأشجار في الشوارع التي سيمر فيها موكب الملك، وأحب القائمون أن يمدوا سجاداً في شارع فلسطين تكريماً للملك وتغطية للتراب والأحجار، إذ لم يكن الشارع قد رُصف بعد، وكانت الإمكانيات ضعيفة، فنادى منادٍ في المخيم يحثّ من يمتلك سجادة مستعملة أو بساطاً بالياً أن يمده في الشارع الذي سيمر فيه الموكب، وانتشر سكان المخيم يسوون الطريق، ويفرشونه بالسجاد والبسط منذ فجر يوم الزيارة. وامتدت البطانيات الداكنة ــ التي كان يتسلمها الناس من «الأونروا» ــ عشرات الأمتار، وأما السجاد ــ على قلته ــ فكانت ألوانه مختلفة تعبر عن بساطة اللاجئين. وأذكر أنني كنت أملك سجادتين ــ أحضرتهما عند قدومي من فريضة الحج عام 1958م، فقام شباب اللجنة بوضعهما قرب منصة الملك.
وأما شقيقي سميح فقال: كنت صغيراً لم أبلغ الثانية عشرة من عمري، ورأيت الملك يترجل من السيارة ويمشي على السجاد المتواضع في شارع فلسطين، حتى وقف في المكان المخصص للاحتفال المقام في أرض فضاء خالية من البناء. يومها، احتشد الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني يحيون الملك ويثمنون مبادرته الكريمة، وبعد انتهاء الاحتفال وضع الملك حجر الأساس للمستوصف الذي حمل اسمه.
ويذكر أبو إياد الطيب قصة حدثت في ذلك اليوم، حيث أحب الملك بعد الاحتفال أن يزور بيتاً من بيوت اللاجئين الفلسطينيين، المقامة تجاه الأرض التي أقيم عليها الاحتفال، فدخل بيتاً، ومن حسن حظنا أنه كان بيتنا، فاستقبله والدي المرحوم أبو محمود «علي الطيب» خير استقبال، وفوجئ الملك حين رأى جدتي تلبس الزي المغربي، وبدت عليه علامات التعجب عندما رحبت به جدتي باللهجة المغربية قائلة «باهي باهي، طيب الله خاطر سيدي جلالة الملك»، فاحتار الملك، أهذه العائلة مغربية أم فلسطينية؟ وكم دهش عندما علم أن هذه العائلة هاجرت من بلاد المغرب مع المجاهد عبد القادر الجزائري في منتصف القرن الثامن عشر واستقر بعضها في دمشق والبعض هاجر إلى فلسطين، واستقرت العائلة في قرية كفرسبت في قضاء طبرية وأصبحت من اللاجئين بعد النكبة!!
ويضيف عبد الوهاب الطيب «أبو إياد» قائلاً: أخذ الملك يتبادل أطراف الحديث مع أبي وجدتي وأعمامي، ومع عدد من الجيران الذين ملؤوا بيتنا. وأذكر جيداً أنَّ يدي الملك كانتا ملوثتين بالغبار والطين بسبب وضع الحجر الأساس، فطلب أن يغسل يديه ولم يكن عندنا حنفيات آنذاك، فأحضر عمي أبو عدنان إبريق الوضوء وصبَّ الماء على يديه، وسرعان ما استلفنا من جيراننا قطعة من الصابون كانت الأونروا قد وزعتها على اللاجئين مع الدقيق والزيت، في ما كان يعرف بالإعاشة.
وأبو محمود الطيب يرحمة الله هو نفسه الذي أشرت له سابقا والذي كان يحفر الآبار في المخيم.
 
 
ذكريات من مخيم اليرموك (٣)
توقفت في الحلقة السابقة عند زيارة مللك المغرب للمخيم وأثر هذه الزيارة على المخيم وأهله.
وأتابع اليوم وأقول: إنني أذكر هذه الأيام وكأنها طيف عابر يصور بساطة المخيم وطيبة أهله وأدعو الله أن يوفقني في استرجاع ذكريات نصف قرن ونيف.

ماذا أتذكر؟

من الحوادث التي أذكرها أن عمي أبا إبراهيم الذي كان شرطياً كان عنده راديو كبير يشبه السحارة من نوع صوت العرب تجتمع العائلة كلها في بيته لسماع الأخبار و خطابات جمال عبد الناصر، في حين أننا كنا نملك راديو ترانزستور صغير كان والدي يستمع كل صباح لنشرات الأخبار من «البي بي سي» من لندن ولبرنامج السياسة بين السائل والمجيب.
 أذكر جيداً حادثة هزت عائلتنا وهي وفاة زكية الزين زوجة عمي نايف وهي تنجب بكرها وليداً أظن ذلك كان في أوائل عام ١٩٦٢م يومها أدخلوا المولود الصغير للبيت وشيعوا والدته لمقبرة اليرموك.

جغرافيا المخيم:

كان المخيم يبدأ من موقف الجسر وهو الآن ملتقى شارعي فلسطين واليرموك وكان في مكان جامع البشير حالياً مصنع للصابون كما كانت محلات بيع الأخشاب والأنقاض ممتدة على الطريق المؤدية لبوابة الميدان والقاعة وأول ما يبدأ به المخيم صَفَّان من البيوت على شارع اليرموك الذي لم يكن معبداً بعد وتقبع خلف الصف الغربي منه حارة الفدائية التي سميت بهذا الاسم لكثرة ما قدمته من فدائيين وشهداء منهم علي خربوش ومفلح السالم وسبع السباع وعمر جربوني وللمجاهدين أمثال أبو علي شحرور وأبو محمد العلماني وأبو محمد الشرقاوي وأبو فالح عوض الشجراوي وأبو إبراهيم الصفوري وغيرهم ممن عملوا تطوعاً في العمل الفدائي تنتهي حارة الفدائية فيما يعرف اليوم بصيدلية عفاف على مقربة من ساحة الريجة وتنتهي غرباً ببستان كبير له بوابة عظيمة كنا نسميه بستان أبو علي قاروط وكان هذا البستان نشتري منه الحليب والخضراوات والفاكهة وأذكر أن أبا علي كان من أهل الخير والصلاح إذ كان صادق المكيال كما أنه كان يوزع حليبه كل يوم جمعة مجاناً للناس. واليوم أصبح شارع رامة وسوق السراميك مكان البستان المذكور وأما صف البيوت من شارع اليرموك فكانت متواضعة طابق أرضي ليس إلا فتنتهي ببيت العنبر وهو بيت المرحوم محمود عباس وقد سمي بالعنبر لأنه كان يبيع العنبر وهو التفاح الصغير المطلي بالأصباغ، وأذكر أنه كان ينادي: حلي سنونك يا ولد عنبر عنبر وبعد بيت العنبر كان هناك خان عظيم يضع فيه الرعاة جمالهم وأغنامهم عند نزولهم لبيعها في سوق الدواب بباب مصلى بدمشق وأذكر تماما هذا الخان ونزلاءه إذ كنا نقف على شارع اليرموك لنرى الإبل وهي تدخله وأذكر أن الخان بيع بخمسين ألف ليرة سورية عام ١٩٧٥ وأُقيم مكانه مبنى ضم أخيراً بنك التمويل والتجارة الدولي وبناية أبو النعاج وهو المبنى الجنوبي لساحة الريجة حالياً وأما المحال التجارية في هذه المنطقة فكانت تعد على الأصابع أذكر منها نادي الكبرا الرياضي ودكان أبو سليمان حجير ودكان أبو علي العيلوطي ومعمل مزاييك أظن أنه لبيت الأسود أو بدوان وأما فرن جمال الحصري فكان مقابل بقالية الحاج رسلان من عين غزال.
وبعد الخان جنوبا اتسع العمران بعد أوائل الستينات حتى وصلت البيوت على طرفي الطريق إلى بداية شارع المدارس ومن الجدير ذكره أن مؤسسة اللاجئين وزعت بعض القطع الأخرى من الأراضي على طرفي شارع لوبية وقرب جامع عبد القادر الحسيني منذ عام ١٩٥٤ وكذلك في الساحة عند شارع فلسطين.
وأما شرق شارع فلسطين فكان صفاً من البيوت تبدأ من فرن أبو طه وينتهي عند موقف الساحة وخلفها كانت أرض بور خالية تمتد لتتصل بالغوطة الشرقية وكنا نلعب هناك ونسميها (ورا الدور) وصارت فيما بعد حي التضامن.

المواصلات في اليرموك:

تطورت وسائل المواصلات والطرق في المخيم تدريجياً وأكثر وسيلة كانت منتشرة هي الدراجات وتأخر دخول السيارات للمخيم بضع سنين لعدم وجود طرق معبدة، وأذكر أننا عندما كنا نريد أن نذهب للشام (والمقصود وسط المدينة) ننزل إلى بوابة الميدان ومن هناك نركب بالباص الذي كان يمر من ميدان سكة مجتازا حي أبي حبل، مصطبة، الجزماتية، المجتهد، الفحامة، الجامعة شارع مسلم البارودي، مقهى الحجاز وهي آخر محطاته وبعدها تم افتتاح شارع فلسطين وتزفيته حيث صارت السرافيس ثم الباصات بالولوج للمخيم وكانت السيارات تصل إلى موقف الساحة فقط ثم صارت تصل إلى نهاية المخيم وسمي بالدوار لأن السيارات كانت تدور من هنالك.
وأذكر وأنا في السادسة أن والدتي يرحمها الله كانت وأكثر الجارات ينزلن إلى سوق الهال قرب شارع الثورة لشراء الخضراوات والبقول وكن يركبن من شارع فلسطين أو يذهبن لبوابة الميدان إذ لم يكن بالمخيم سوق للخضار بعد.
وأما السيارات الخاصة بالمخيم فكانت أقل من أصابع اليد أذكر منها سيارة جارنا أبو العبد الخليلي وسيارة الشيخ ناصر الدين الألباني من نوع فيات طحينية اللون وكان الشيخ يرحمه الله يحب السرعة وحتى على الطرقات غير المعبدة.
 
 
ذكريات من مخيم اليرموك (٤)

الشيخ الألباني في مخيم اليرموك

توقفت في الحلقة السابقة عن شارع اليرموك الذي لم يكن قد عُبِّد بعد، وعن سيارة الشيخ الألباني، فسيارة الشيخ لا بد أنها ستذكرنا بالشيخ نفسه والذي طافت شهرته الآفاق، ومن الإنصاف أن تذكر شيئاً عن الشيخ وحركته العلمية في المخيم: فمن المعروف أنه بنى داراً واسعة على شارع اليرموك قبل دخلة فرن أبي فؤاد وتشغل الآن محلات مطر لبيع المفروشات، وكانت هذه الدار في ستينات وسبعينات القرن الماضي مركزاً لدعوة الشيخ فقد كان يقصدها محبو الحديث بالمئات من رجال ونساء من المخيم ومن المناطق المحيطة به كل يوم ثلاثاء يعقد درسه على سطح بيته يشرح الأحاديث ويفسرها، وأذكر أن بعض المناوئين لدعوة الشيخ كانوا يرسلون الأولاد الأشقياء كي ينفسوا عجلات الدراجات التي كانت تقلهم لمنزل الشيخ.
وأذكر أن أحد أبناء الشيخ وأظن اسمه عبد المصور كان يدرس معنا في مدرسة صرفند التابعة للأونروا قرب مستوصف محمد الخامس في شارع دير ياسين، وأما الشيخ فقد كان يغادر كل يوم منزله يوصل بناته إلى ثانوية المنصور قرب المجتهد حيث لم تكن قد افتتحت مدرسة ثانوية في اليرموك بعد، ويذهب بعدها لمحله بالعمارة حيث كان يمتهن تصليح وبيع الساعات وكان يقضي بعض الوقت في المكتبة الظاهرية قرب الجامع الأموي.

التعليم قبل المرحلة الابتدائية:

لم تكن الروضات قد انتشرت في المخيم بعد إلا أن الذي كان معروفاً حينها ما يسمى: (الخجا) وأظن أن أصل الكلمة تركية ومعناها المعلمة وهي عبارة عن بيت يزرب به الأطفال الصفار حيث يتعلمون فيه بعض الأناشيد ومما تعلمته فيها النشيد المشهور:
حشيشة قلبي هالطول هالطول
كبرت وصارت هالطول
هيك بتكبر الشجرات
هيك بتطير العصافير
وهيك بتسبح السمكات
وهيك بدور الدولاب
وهيك بيعدوا (بيقعدوا) الشاطرين
وهيك بيعدوا الكسلانين
وكان علينا أن نحضر كل خميس فرنكاً أو فرنكين أجرة الأسبوع الذي مضى وإلا سنحرم من الحضور يوم السبت.
وأذكر أن المربي المرحوم محمود مهدي الاستانبولي افتتح أول روضة حقيقية في شارع اليرموك مع تقاطع شارع عين غزال وأحضر لها المعلمين والمعلمات يدرسون الأطفال القراءة والكتابة والأناشيد وأذكر أن الأستاذ حفظني نشيدا وصار يدور بي على الفصول ليشجع الأطفال وما زلت أذكره لليوم وهو:
أنا خليل السبع
عندي من الزكا نبع
لا تحسبوني صغير
ببلع اليهود بلع
بيد أن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح فيبدو أن الروضة أغلقت بعد فترة وجيزة وأن اليهود بلعونا ولم نبلعهم.
......
 
ذكريات من مخيم اليرموك (٥)

الإعاشة وحليب الأونروا

الإعاشة:

جل الفلسطينيين السوريين يعرفون مركز الإعاشة الحالي ولكن قليل منهم يعرف مركزها القديم، فمركزها القديم في بداية الستينات كان خلف مطعم علي بابا الحالي في مبنى مستأجر من بيت العمري من أهل بصرى الشام،والذي أصبح فيما بعد فرنا،كنا نسميه فرن دلعب كان يبيع الخبز المشروح، ثم انتقل مركز الإعاشة إلى مكانه الحالي قرب جامع فلسطين،ولا أدري أن كان لها مكان يسبق فرن دلعب وأما جيران الإعاشة القديمة من الشرق فجلهم عائلات فلسطينية أذكر منهم عائلات: يعقوب،العاصي، أبو عون، بدوان،الأسود،،سمور، تيم، كيلاني، العايدي، دسوقي، سالم، هدروس وغيرهم وهم السكان الأصليون للنمر التي وزعتها عليهم مؤسسة اللاجئين وأما في الغرب فمعظم أسرها من الأشقاء السوريين.
وأما الإعاشة الجديدة الحالية فكان مبناها كبيراً به مستودع كبير يتسع لآلاف أكياس الطحين التي كان يكتب عليه أحياناً بالعربية هدية من الشعب الكندي للشعب الفلسطيني وقد كانت الإعاشة أو المؤن توزع شهرياً لكل اللاجئين بمعدل عشرة كيلو طحين لكل نفر بالإضافة إلى الزيت والسمن والبقول وغيرها إلا أن هذه الخدمات نقصت شيئاً فشيئاً حتى كادت تنعدم منذ أكثر من عشرين عاماً.
أذكر أننا كنا نستلم المستحقات بداية كل شهر وأن القائم على التسليم اسمه سعدي رضوان إذ كان كرت الإعاشة أزرق اللون يحتوي على قسائم صغيرة يقوم الأستاذ سعدي بنزع قسيمة من الدفتر ولصقها في سجلات مطبوعة بشكل أنيق ودقيق عرفناها فيما بعد بسجلات الكمبيوتر!!
وعندما كنا نستلم المؤن ونخرج بها للشارع نحتار بأي طريقة نوصلها للمنزل فهناك عشرات الحمالين من طنابر وعربات وحمير تجوب أزقة المخيم لتوصيل المستحقات وكم كنا نسعد أنا وأشقائي عندما نركب مع المؤن على طنبر أبو نايف ليقطع مسافة أكثر من كيلو متر لنصل إلى البيت ونحن في غاية الفرح والسرور بالرغم من تلوث ملابسنا بالطحين، وعندما يصل الطنبر للمنزل كان أبو نايف يقوم بحمل الكيس وتفريغه في البرميل المعد للطحين ثم يأخذ أجرته التي لا تتعدى النصف ليرة سورية.
رحمك الله يا أمي ورحم جميع الأمهات اللواتي كن يعجن ويخبزن يومياً فهي عملية شاقة بامتياز لا سيما للعائلات الكبيرة كعائلتنا التي تتكون أكثر من عشرة أنفار، فكانت والدتي تشتري الخميرة من معملها بالقرب من سوق الهال عندما تشتري خضار البيت، وتقريباً كانت كل يوم تعجن وتخمر وتقطع وترق العجين على الشوبك ثم تضعه على طبق كبير كانت تصنعه من القش وتجعله عدة طبقات يفصل بينها القماش الأبيض، قالوا لي أنهم قبل أن تفتح الأفران يخبزن على التنور ولم أعِ هذه المرحلة وإنما الذي وعيته أنني كنت أحمل الطبق فوق رأسي وأذهب إلى فرن جمال الحصري أو فرن أبو عوض الفريبين من منزلنا وأنتظر حتى يحين دوري وربما كانت تستغرق العملية ما بين الساعة ونصفها، وكنا نعطي الفران أجرة ربما قرشا أو أقل عن كل رغيف، وأما ليالي العيد فكانت رائحة الكعك تنتشر بالمخيم كله وكان الفرن يفتح مساء ليستقبل كعك العيد الذي يصنعه جل اللاجئين، ومن الجدير ذكره أن هذه الأفران كانت تعمل آنذاك على القنب وهي عيدان طويلة رفيعة بيضاء اللون مائلة للصفار قيل لي فيما بعد أنها عيدان الخشخاش والله أعلم.

الحليب:

وهو مركز الأونروا لتوزيع الحليب السائل على اللاجئين وهذا المركز يقع في شارع فلسطين ويشغل مكانه الآن مركز الهاتف كنا قبل شروق الشمس نهرع هناك حاملين السطل أو الكشكول والكرت الخاص بالتسليم ونصطف في الطابور ليأتي دورنا في التسليم فنسلم البطاقة للموظف من النافذة فيوقها ثم يصرخ خمسة وطفل أو ستة أو أربعة وذلك حسب استحقاق العائلة وأما الطفل فهو حليب مدعم للطفل الذي يقل عمره عن سنتين يضع العامل الحليب الذي ينزل من مزراب قصير ويصب في أوعيتنا الصغيرة وسرعان ما كان يصرخ أبو غازي الذي يقف أول الطابور: يلا يا ولد بسرعة ثم يردفها بضربة من سوطه على الدرابزين فيهرب الولد أو البنت ويقع ما تبقى من الحليب في قدر أبي غازي الواسع!!
كنا أحيانا نأتي بالحليب للبيت وأحياناً نبيعه للتجار الذين كانوا يشترون النفر بفرنك وكم تكون فرحتنا كبيرة عندما يسمح لنا الأهلون ببيعه كي يزداد مصروفنا فرنكات معدودة، وكنا بعد أن نصل البيت نتناول الفطور ونستعد للذهاب للمدرسة
.....
 
على المرافقة بالرغم من نصائح الشيخ نمر الخطيب على السير في طريق آخر يسبق القافلة حفاظا على سلامته وسارت السيارتان ورافقهما القائد الحنيطي بسيارة خاصة وسيارة بها سرور برهم وزوجته من بيروت لصيدا حيث انضمت إلى القافلة شاحنة مملوءة بأسلحة مرسلة من الهيئة العربية العليا لفلسطين واستمرت القافلة بالمسير حتى رأس الناقورة مركز العبور بين لبنان وفلسطين والذي كان تحت السيطرة الإنجليزية وتحت أعين ضباطها وجنودها الذين كانوا عيونا لليهود وأخيراً وصلت القافلة إلى عكا فاقترح سرور برهم على الحنيطي المبيت في عكا ونقل الأسلحة إلى حيفا عن طريق البحر فرفض الحنيطي وأصر على متابعة المسير وكذا نصحه بعض وجوه عكا، ولكنه أصر على المسير لأنه اعتبر أن المبيت في عكا نوع من الجبن والهزيمة، وتابعت القافلة سيرها بعد أن انضم إليها عدد من المجاهدين العكاويين وعند وصول القافلة مدخل مستعمرة «موتسكين» الواقعة في منتصف الطريق بين حيفا وعكا كانت قد تنامت لليهود عن طريق جواسيسهم وربما عن طريق مركز الناقورة أخبار القافلة، يقول الشيخ نمر الخطيب: وقبل وصولها بـ(٧) كيلومترات شاهد أحد رجال القافلة أن يهودياً كان يراقب وصول القافلة فلما رآها امتطى دراجته النارية وعدا أمامهم،ففوجئ المجاهدون بإغلاق الطريق ببراميل كثيرة أو دبابة، وعند توقف القافلة انهمرت عليها النيران من كل حدب وصوب فتسلل بعض المجاهدين واشتبكوا مع اليهود وقد استطاع سائق إحدى السيارتين المملوءة بالسلاح أن يفلت من الطوق اليهودي ويعكس سيره وينجو بالسيارة كما استطاعت سيارة صغيرة رافقتهم من عكا بالإفلات وكان باستطاعة سرور برهم أن يفلت أيضاً إذ كانت سيارته بالمؤخرة ولكن عز عليه أن يرى صحبه في المعركة ويتأخر عنهم فما كان منه إلا أن فتح باب السيارة وخلع سترته وطربوشه وسلمها لزوجه أم محمود قائلا لها (اشهدي لي، اشهدي لي يا أم محمود).
وتناول سرور بندقيته وأخذ يزحف على الأرض حتى وصل إلى قرب القائد الحنيطي وصحبه المنبثين في ميدان القتال فوجده قد استشهد، ونظر إلى شاحنة الأسلحة فوجد اليهود قد صعدوا فوقها للاستيلاء عليها فعز عليه ذلك فتناول قنبلة كانت في جيبه واقترب من السيارة وصعد فوقها وألقى بها على مبدأ «عليَّ وعلى أعدائي يا ربي» فخر الجميع صرعى بما فيهم الشهيد سرور برهم وقد احترقت جثته، وقد دوى شمال فلسطين بالانفجار وقد سمع من الحدود اللبنانية ورجت حيفا وعكا وما جاورهما، لقد أفتك هذا الانفجار بعشرات من اليهود الذين هرعوا لغنيمة الأسلحة كما دمرت العشرات من المنازل اليهودية ومن شدة هول الانفجار أحدث حفرة عميقة على مسافة بعيدة، كانت هذه المعركة في
17/3/ 1948م.
ولم ينجُ من المجاهدين في هذه المعركة إلا مجاهد واحد في قصة عجيبة بل معجزة فقد كان مستلقياً على ظهره وإذا بالهواء الشديد من شدة الانفجار يرفعه إلى مئات الأمتار ويلقي به فوق إحدى عربات القطار المتجهة إلى عكا وهذا الرجل معروف باسم أبي طوق وكان سائقاً للقائد محمد الحنيطي وفعلاً وصل إلى عكا يحدث الناس بما حصل.
وأسفرت العملية البطولية عن ١٤ شهيداً صلي عليهم جميعاً في الجامع الكبير ودفنوا في مقبرة الياجور بحيفا أما القائد محمد الحنيطي فلف بالعلم الأردني ووضع في سيارة متجهة إلى شرقي الأردن حيث دفن هناك في بلده رحمه الله.
يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:26 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٦)
مطعم الوكالة:
قبل الولوج في ذكريات المخيم لا بد لي أن أعزي نفسي وأهلي من بقي منهم في المخيم أو خارجه على الضحايا التي وقعت أمس جراء القنص أو الجوع أو التفجير وخير الكلام في هذا المقام:حسبنا الله ونعم الوكيل.


توقفت أمس في ذكريات عند مركز توزيع الحليب الكائن في شارع فلسطين ولا بد لي من التذكير أن هذا المركز نفسه كان يقدم وجبة غذاء للطلاب وغيرهم وذلك عند الظهيرة فقد كنت ترى عشرات الطلاب وبعض الكبار يصطفون بدورهم وكل يحمل بطاقة خضراء فيها جدول به مربعات صغيرة مدون فيها أيام الأشهر التي يشير فيهاالمسؤول بتأشيرة صح عندما يدخل الطالب ويتناول وجبته فور خروجه من المدرسة حيث أن المكان يقبع بين عدة مدارس للأونروا هي صرفند والنقب للأولاد والفالوجة وصبارين للبنات وكان تعداد الطلاب أكثر من ألفي طالب وطالبة.


وأذكر أن المركز القديم للمطعم كان في حارة الفدائية قرب بستان أبو علي قاروط وأن الطعام الذي كان يقدم هناك عبارة عن طبيخ كالفاصولياء والرز البطاطا وغيرها وأذكر أنني ما دخلت المطعم سوى مرتين أو ثلاثة لأنني كنت أرغب في طعام الوالدة رحمها الله.


حارتنا القديمة:
حارتنا القديمة تقع بين شارعي اليرموك وفلسطين في محيط جامع الرجولة حالياً وعيت على الحارة مذ وعيت على الدنيا حيث كانت مهوى طفولتي وملعبي وكانت أيام بساطة وأريحية فالجيران أهلنا جميعاً ولا فرق بين سوري وفلسطيني حيث كان الحي خليطاً بنا، وأذكر من جيراننا الفلسطينيين بيت الناجي من طيرة حيفا ولم أنس ما حييت الجارة العزيزة أمونة الناجي يرحمها الله فقد كانت أما للأولاد جميعاً تدافع عنا وتساعدنا وتطعمنا إن جعنا وتسقينا إن عطشنا، وكما أذكر بيت البحطيطي من الناصرة وأولاده علي ومصطفى ويس ورضوان، وبيت الأستاذ يوسف الحاج علي من شعب الوحيد الذي كان يملك هاتفا نصف آلي وأذكر إلى الآن أن رقمه كان ١٢ ومن الجيران أيضاً بيت أبو مروان الديك الذي كان يصلح الدراجات وبيت أبو علي الطنجي من الطنطورة وابنه جمال الذي كان بصفي والذي كان عمل بلاطاً كوالده، وأما قريبه أبو محمد أبو قاقا فقد كان يبيع الفول النابت على عربته الجميلة، وبجوار منزلنا كان بيت أبو زياد الحاج علي الذي كان يشتغل سائقاً على خط الكويت. ومن الأسر الفلسطينية التي جاورتنا أيضاً فمن عكا بيت بيكو وديبي والحلبي ومن صفد بيت الحيفاوي وصبح ومن أم الفحم بيت أبو شقرا ومن عيلوط بيت أبو راس وسلامة اليوسف وأبو ماضي ومن لوبية بيت عمي جودة وبيت وعايد وحسن والزين وحسين والمهرجي والعايدي ومن الجش بيت الخليلي، وأما جيراننا السوريون فلم نعرفهم سوريين إلا بعد أن كبرنا، منهم جيراننا بيت الكحال حيث كان يعمل أبو فاروق شرطي سير كما كان أبو أحمد بيكو من قبله ومن العائلات السورية أيضاً بيت العقدة وقيق والشامي والجزائري أو الجزائرلي وأما الشيخ حمدان دخل الله فقد كان أشهر شخصية لا في حارتنا بل في المخيم وما حوله فقد جاء من داعل من أعمال حوران وبنى بناية كبيرة صار يؤجرها ليقتات منها وذلك لعجزه الجزئي ولكثرة عياله الذين كانوا أصدقاءنا أذكر منهم عبودة وأحمد وعلي وفتحي وتيسير وصبحي وأما مهدي وزير الإعلام السابق فأعرفه ولا يعرفني


ألعابنا في المخيم:
لم نك نعرف الأرجوحة إلا في العيدين كان المرحوم أبو علي الحسيني والمعروف بالقزاز لمهنته ينصبها على شارع اليرموك وكانت الركبة بنصف فرنك أو فرنك وقد كان حبورنا وسرورنا يصل عنان السماء ونحن نصرخ:


يا ولاد محارب يويا


شدوا القوالب. يويا


قوالب صيني. يويا


مثل الفليني. يويا. وهكذا


ومن الألعاب التي كنا نلعبها الطابة والسبع بلاطات والطميمة والخرسانة والحرامي والجلاد وأنبييييييب وهي عبارة عن فريقين يضعان خطا في المنتصف ويدخل أحد اللاعبين على شرط أن يقول أنبيب بنفس واحدة وكل من يدقه يموت أي يخرج من اللعبة في حال رجع اللاعب إلى حظيرته دون أن ينقطع صوته، ومن الألعاب المندثرة أيضاً لعبة الزقطة بالحصى وجمّال ياجمال حيث يصطف الأطفال خلف أحدهم وهم ينشدون جمال يا جمال سرقوا لك ولادك فيرد: سيفي تحت راسي ما بسمع كلامك... إلخ ومثلها لعبة الغولة إلا أن الأطفال ينشدون: ما دام الغولة مشغولة وينك يا غول فيرد: عم غسل وجهي وهكذا يعيد الأطفال العبارة السابقة عدة مرات إلى أن يقول الغول: عم بفرشي أسناني عندها يهرب الكل ومن يمسكه الغول يموت وهي شبيهة بقصة ليلى والذئب ولكن مع الحركات.



 


ذكريات من مخيم اليرموك (٧)
تابع ألعابنا في المخيم
ومن الألعاب التي كنا نلعبها أيضاً اللعب بالدحل وهي عبارة عن كرات زجاجية صغيرة كنا نشتري الخمس حبات بفرنك والفرنك عبارة عن خمسة قروش والليرة عبارة عن مئة قرش، وهناك عدة ألعاب بالدحل منها المور وهو عبارة عن مثلث يرسم على الأرض ويضع كل لاعب عددا من حبات الدحل المتفق عليها ثم يرسمون خطاً يبعد عن المور حوالي خمسة أمتار،وبعدها يقوم كل لاعب بقذف دحلته نحو الخط والأقرب هو الذي يبدأ بقذف حبته العزيزة وتسمى (الراس) بإبهامه بعد أن يكور كفه قابضاً عليها السبابة نحو المور ثم يليه الأبعد فالأبعد ويحق له أن يكسب الحبات التي يستطيع إخراجها من المثلث شرط ألا تقع دحلته أو الراس في المثلث، عندها يضع ما كسبه به، وتنتهي اللعبة بين اثنين لا بد من الفائز بها أن يصيب حبة الآخر حتى لو امتدت المناورة لشوارع عدة،ومن ألعاب الدحل أيضاً لعبة سريعة لا تحتاج إلى مهارة كالمور وهي لعبة الطرة والنقش وهي عبارة عن رهان بين لاعبين يقوم أحدهما بقذف قطعة معدنية بالهواء بواسطة الإبهام ثم يلتقطها بكفه ويطبها على الأرض ويسأل صاحبه: طرة ولا نقش فإن حزر يكسب حبة أو حبتين أو ثلاثة حسب الاتفاق وإن خسر يغرم بمثلها: وكانت هذه اللعبة عادة ما تنتشر مع بداية العطلة الصيفية وتستمر حتى افتتاح المدارس ولا شك أن شبهة القمار تدخل فيها ونرجو الله أن يسامحنا.


ومن الألعاب التي أذكرها أيضاً لعبة اسمها (بري)pry  وهي عبارة عن عصا قصيرة توضع على حجر بحيث يظهر طرف منها منتصباً ثم يقوم اللاعب بضرب الطرف بعصا أغلظ وأكبر فتنطلق في الهواء واللاعب الفائز هو الذي يستطيع أن يحرز المسافة الأكبر.


وأما البنات فكن يلعبن لعبة «سلوى يا سلوى ليش عم تبكي» ولعبة الإكس وهو عبارة من مستطيلات ترسم على الأرض تقوم اللاعبة برمي بلاطة صغيرة لتصل إلى المستطيل الأعلى وعليها أن تأتي بالبلاطة بحركات فيها قفز مرة على رجل واحدة ومرة على رجلين وهكذا ومن لعبهن أيضاً ألعاب النط بالحبل وغيرها.


مسابحنا:
في عطلة الصيف وعند اشتداد الحر كنا نبحث عن المسابح التي تروي ظمأ أجسادنا ولم نكن نعلم بالمسابح العامة المنتشرة في دمشق وغوطتها، بل كنا نمارس الهواية في عدة برك طبيعية حباها الله للغوطة الجميلة وهذه المسابح أو البرك هي: العصرونية والمشرع والحجر الأسود وقناة ترانس: وأما العصرونية فقد كانت عبارة عن حفرة عميقة يصعب النزول فيها إلا للكبار ومحترفي التسلق تتجمع فيها المياه لتصبح مسبحا للاجئين الصغار وقد بني عليها على ما أذكر إما جامع زيد بن الخطاب وإما محكمة اليرموك، وأما المشرع فهي بركة أكبر وأقل عمقا من العصرونية ولكنها كانت بعيدة عن منزلنا كنا نقصدها سيرا على الأقدام حتى ينتهي بنيان المخيم من الجهة الجنوبية ثم نجد بالسير بين الأشجار والأبقار والحقول حتى نصل إليها وهي الآن خلف محلات بيع المفروشات المستعملة من الجهة الغربية، أو خلف مستشفى فلسطين وبما أن المشرع كان واسعا فقد تعلم مئات الأولاد السباحة هناك، وأما بركة الحجر الأسود فقد كانت تبعد عن المشرع حوالي الكيلومتر للجنوب الشرقي فلبعدها لم يكن يذهب إليها إلا الأولاد الكبار وأظن أنها اليوم اختفت في غابة الباطون والأحياء العشوائية، وأما قناة ترانس فهي الوحيدة التي كانت تقع خارج نطاق المخيم فكنا نقصدها شرق المخيم مجتازين حي التضامن ثم نمر على بساتين وبساتين بعيدة عُرِفت فيما بعد بدف الشوك وهذه البساتين كانت مزدهرة بأشجار المشمش وكنا نجني مما تطاله أيدينا أو مما نلتقطه من الأرض قبل أن ينضج المشمش بما نسميه القرعون آخذين بفتوى أنه يجوز لنا أن نأكل من ثمار الشجر على شرط ألا نجلب منه للبيت، وبعد عناء السير ومن شدة فرحنا نقوم بخلع ملابسنا تدريجيا ونحن نقترب من القناة حتى نبقي علي السروال الداخلي عندها نلف البشكير حول خصرنا ونستبدله بآخر قد يكون خاصا بالسباحة أو لا يكون وبعد الانتهاء من السباحة نلف البشكير مرة أخرى ونخلع المبلول ونرتدي القديم ونعود أدراجنا للمخيم وكل واحد يعلق كلسونه على عصا يرفعها بيمينه حتى ينشف، وأما الذي لا يملك سروالاً بديلاً فسرعان ما كانت تظهر الطُّبيعة خلفه كشاهدة على السباحة والفقر.


 


ذكريات من مخيم اليرموك (٨)
مدرستي بالصف الأول ١٩٦٣م:
وقفت اليوم مقابل جامع الماجد كما وقف العشرات غيري علّي أستطيع أن أحمل طرد غذاء أدخل به مخيمي الذي لم تكتحل عيناي به منذ ستة أشهر، وأنا هناك تذكرت مدرستي في الصف الأول الابتدائي قبل خمسين عاماً ونيف، فعلى بعد خمسين متراً مما أقف وإلى الغرب من جامع الماجد كانت مدرستي الأولى وهي مدرسة أحمد عرابي ففي عام ١٩٦٣م قام الوالد حفظه الله بتسجيلي فيها وعلمت فيما بعد أنّ مدارس الأونروا لم يقبلوني لأنني لم أكُ قد اكملت السنوات الستة وأما مدارس الحكومة فقد كانت تتساهل بشهر أو شهرين ولعل الذي شجع والدي على ذلك جارنا الأستاذ علي حمد «أبو حسين» بارك الله في عمره من قرية الصفصاف قضاء صفد والذي كان مدرساً فيها، فأذكر المدرسة جيداً والأيام التي كنت أخرج للمدرسة مع أولاد جيراننا أبو فاروق الكحال:فاروق وفايز وأحمد، ونمشي في شارع اليرموك الذي لم يكن معبداً، ونصل للجسر وهناك نجتاز بعض الحوانيت التي كانت تبيع الأخشاب والأنقاض لنطل بعدها على أرض فضاء تنصب فيها أحياناً خيم للنَّوَر (الغجر) ومن هناك نقطع شارع الزاهرة لندخل إلى القاعة لندخل مدرستنا على بعد أمتار منها.


ومن حُسن حظي أن الأستاذ علي حمد كان معلمي في الصف الأول وكان ابنه حسين زميلي وكذا جارنا بالحارة أحمد كحال، وأما مدير المدرسة فكان اسمه عدنان عجلوني، ولم أنسَ يوم أتى أستاذ بديل بسبب ذهاب الأستاذ علي للحج بالطائرة فقد كنت يومها أعتقد أنهم نصبوا سلماً طويلاً يصل عنان السماء كي يصعد أستاذنا للطائرة. يا لبراءة الأطفال يومها!!


أذكر جيداً كتاب القراءة ولعلكم تذكرون جزء فولاذ وهو الجزء الثاني من المنهاج أتذكرون مثلي: يابوران قولي: عاش بابا، حارب جميل اليهود في فلسطين، سافر قطار درعا، يشتغل أبي في مصنع بعيد وأما النشيد الذي ما زلت أذكره جيداً فهو:


ساعتي نومي هاهيه


تدق لي ثمانية


فيا أبي وأمي


أمسيتما في عافية


يوم ميلادي عيد


أدعو به الأصدقاء


نأكل الحلوى جميعاً


في صفاء وهناء


وأذكر أننا كنا نرجع ثلاثة أيام بعد الظهيرة وهي السبت والاثنين والأربعاء ندرس فيهما حصتين إضافيتين فما أصعبها من مسافة يقطعها الطفل خليل مرتين من المخيم للميدان مشيا على أقدامه الغضة!


أذكر جيداً رائحة الفشاشي التي كانت تنبعث من دكان أبو عبدو المقامة عند تقاطع شارع اليرموك مع فلسطين وكم تمنى الطفل الصغير أن يقول لأبي عبدو بعني سندويشة ولكن أين له هذا لأن عروسة الزيت والزعتر هي طعامه الإجباري كل يوم وحتى يوم الجمعة!!


انتهى العام الدراسي ولعل الحاج أبو سميح أحسّ بمعاناة صغيره فنقله إلى مدرسة صرفند القريبة من البيت.


مدرستا صرفند والنقب:
باشرت الصف الثاني في مدرسة صرفند التابعة للأونروا وقد شعرت بالفرق فهذه المدرسة مدرسة بالفعل وأما مدرسة أحمد عرابي فكانت بيتاً مستأجراً يفتقد للشروط الصحية وغيرها: أذكر أن معلمنا كان اسمه غازي زغموت من الصفصاف أطال الله عمره كان يعلمنا المواد كلها وأما طلاب صفنا فكلهم فلسطينيون اقتربت لهجتي مع لهجاتهم وعاداتي مع عاداتهم ما زلت أذكر منهم: بسام العاصي، سعيد أسعد، بسام أبو راس، بشير سلامة، جمال الطنجي، مصطفى البحطيطي، وأما أخي محمد فقد كان في الصف الرابع، وكذلك أذكر أن دوام المدرسة كان كالمدرسة السابقة نرجع بعد الغداء ثلاثة أيام في الأسبوع وأذكر أن مدير المدرسة كان اسمه محمد عطية من لوبية ظل مديراً لها حتى التحق بإحدى الفصائل الفلسطينية في العراق، وفي هذا العام أذكر جنازة الشهيدين علي خربوش ومفلح السالم اللذين استشهدا بفلسطين قبل انطلاق العمل الفدائي المسلح وذلك عام ١٩٦٤م.


 


ذكريات من مخيم اليرموك (٩)
مدرستا صرفند والنقب:
ظللت في مدرسة صرفند حتى الصف الخامس وفي بداية الصف السادس انتقلت مع جل أصدقائي إلى مدرسة النقب أي إلى الدوام الثاني من المدرسة نفسها حيث كثر الطلاب فاضطرت الأونروا لجعل المدارس فترتين ومن سوء حظي أن الوالد أعادني لمدرسة أحمد عرابي بالقاعة في منتصف العام الدراسي أظن عام ١٩٦٨ حتى يتسنى لي أن أنتقل بعدها لمدارس الدولة ظناً منه أنها أفضل من مدارس الوكالة.


زاد وعي في تلك المرحلة وما زلت أذكر المدرسين في المرحلة الابتدائية ومنهم مربي فصلنا الأستاذ محمود سلمان في الثالث والرابع والخامس من طيرة حيفا، وأيضاً أذكر معلم الرياضة عادل أبو خميس من المجيدل، وآخر اسمه نايف حجو من لوبية، وأما بقية المدرسين فأذكر منهم عبد الرحمن عنبتاوي وعلي شما وفرج الصباح ولطفي الخضراء والأستاذ نجاتي، وأما الذي حببني باللغة العربية فهو عزيز أبو خريش فقد كان يشجعنا في كتابة مواضيع التعبير ويأخذ بيدنا كأننا أبناؤه وبالمقابل أذكر أن الذي كرهني بمادة العلوم أستاذ من بيت أبو غيداء كان (سامحه الله) يضرب كل مقصر بالفلقة: وإن تعب كان يطلب من الطالبين مصطفى شما ومصطفى زيدان أن يقوما بالمهمة عنه بضرب الفلقة لزملائهم، وبالرغم من أنني لم أنل لا من المعلم أو من المصطفين أي فلقة إلا أنني كرهت المعلم والمادة، وكان مدير المدرسة يومها المرحوم نظير حداد ومن الطلاب أذكر زياد يانس ومحمد إدريس وماجد الشهابي وعبد الكريم تميم وجمال الطنجي ومحمد الناجي وأيمن حياتله وهيثم السلال وكمال الشهابي وبسام أبو عياش وعلي المصري وحسن حسن ونبيل فهمي ياسين ومنصور عبد الله الشاعر وبسام ترعاني وغسان أبو خرج ومصطفى أبو ماضي وغيرهم كانت إدارة المدرسة تقدم لنا جميع الكتب والقرطاسية مجاناً كما تجبرنا على تناول حبات زيت السمك مع كأس من الحليب في بعض الأحيان كما كانت تمنع الطلاب من إطالة شعورهم وكنا مشهورين بالقرعة أو على الصفر، وكم كنا ننتظر بفارغ الصبر بعد كل حلاقة إطالة الشعر قليلاً كي يغطي الخرائط التي على جلدة رؤوسنا.


شمشون في مدرستنا:
أذكر يوماً ونحن بالصف الرابع أن مدرستنا أقامت حفلة لم أرَ مثلها في حياتي كان بطلها شمشون الجبار أو شمشون العرب أظن أن اسمه كان (علي حسن) قامت المدرسة قبل أيام بطباعة الأوراق للإعلان عن مكان وزمان الحفل فتوافد مئات الأهالي الذين دفعوا رسوماً للدخول وأما الطلبة فقد تسلقوا أسوار المدرسة ليشاهدوا ما صار حديث المخيم فهذا الشمشون يسحب سيارة برقبته بعد أن تمشي فوق رجليه،ويقوم رجلان بتكسير الزجاج على ظهره بالمهدات والشواكيش، بالإضافة إلى بعض المشاهد التي تحتوي على القوة، انتهى الحفل عصرا ولكن شقاوة أولاد المخيم لم تنته فكم خلف لنا الشمشون عاهات بسيطة من كسر ورضوض وجروح لم تلتئم إلا بمرور زمن ليس بقريب.


وكم كنت أكره الأيام التي كان والدي يزور فيها المدرسة وأظل طيلة اليوم الدراسي مضطرباً خشية عقاب المنزل ولكنني كنت أفاجأ بالثناء والمدح منه في المنزل!!


ولما كنا نخرج من المدرسة كأن مسيرات تنطلق في الشوارع المحاذية فأكثر من ألفي طالب وطالبة يتوزعون بين حنايا المخيم والباعة الجوالة ينادون على بضائعهم ما بين بائع عنبر وغزلة وذرة وهلطية وكاتو وفوشار وحلاوة وأما أبو رضوان خصوان بائع الفلافل فكل الطلاب ذاقوا طعم سندويشاته وأما أبو عبدو الذي كان يؤجر الدراجات فقد تعلمنا القيادة على عهده


 


ذكريات من مخيم اليرموك (١٠)
معالم المخيم:
لا بد من ذكر بعض معالم المخيم خلال فترة الستينات والتي شكلت وما زالت صورة من صورة الجميلة وأهمها حسب تواردها في خاطري


مسجد الرجولة: قبل التطرق لبناء مسجد الرجولة لا بد من الإشارة إلى أن أول مسجد بني في المخيم هو مسجد عبد القادر الحسيني وذلك عام ١٩٥٦ أي بعد تأسيس المخيم بعامين وأن ثلة من أهل الخير قاموا بتشكيل لجنة جمعت التبرعات وبعضها عمل بيده من أجل بناء المسجد ويذكر لي أخي الكبير أن منهم المرحوم أبو لطفي الصلح من صفورية الذي نزل مرة إلى باب الجابية لشراء سلّم خشبي للمسجد وقد حمله على كتفيه وسار به منهكا حتى المخيم: ليوفر ليرة وربع التي طلبها الحمال صاحب الحمار!!


وأما جامع الرجولة فهو ثاني مسجد في المخيم بدأ بناءه ١٩٦١ بمساع من أهل الخير منهم الأستاذ علي حمد ووالدي أطال الله عمرهما وأكر جيداً تباشير العمل، أذكر جيداً يوم العيد يوم مررنا بجانب قطعة أرض واسعة ونحن في طريقنا إلى مصلى العيد في المهاجرين يومها سمعت والدي يقول: إن شاء الله سنبني هنا مسجدا، واذكر البوطنجي أبو نضال من صفورية رحمه الله وأبو محمود الطيب الذي حفر الأساس والشيخ الكردي الذي بنى الحيطان وغيرهم ولما بدأ الافتتاح كان والدي يخطب الجمعة أحيانا ويؤم الناس أحيانا وأما جدتي أم محمود وأمي وأخوتي ونساء أعمامي وبناتهن فكثيراً ما كن يكنسونه وينظفونه وأذكر ممن قام من المشايخ على الخطابة والإمامة: أبو إبراهيم الخطيب من صفورية والشيخ رجا الكوسا من الجاعونة الشيخ محمود بديع قاسم من ترشيحا والشيخ لطفي تميم وغيرهم.


وأذكر أنه في أوائل الافتتاح كان الوالد قد سهّل وشجع الأستاذة منيرة القبيسي أن تعقد درسا هناك للنساء عصر كل الخميس بنفسها أو بمعية إحدى طالباتها، وبالفعل صارت النساء يحضرن وكانت جدتي تنظمهن وتشرف عليهن وطارت شهرة الدرس والمعلمة في المخيم وحتى والدي سمى مولودته الجديدة منيرة تيمنا بمنيرة القبيسي.


قضيت معظم طفولتي كأكثر أولاد الحي في المسجد فلم يكن جامع الرجولة بالنسبة لنا للصلاة فقط فقد كنا ندرس فيه ولا سيما قبل الاختبارات ونلعب على سطحه إحيانا وأذكر أن أكثر الأولاد كان يدرس هناك الدكتور عمر أبو عون والدكتور فايز كحال وعلي دخل الله عمر زواوي وعزت سالم وغيرهم.


وبعد الرجولة توالت المساجد في المخيم حتى وصلت لأكثر من عشرة أذكر ما تسعفني الذاكرة بالترتيب: مسجد صلاح الدين، فلسطين، أويس القرني، زيد بن الخطاب، القدس، إبراهيم الخليل، البشير، الوسيم، الحبيب المصطفى، النعمان بن مقرن، الحسن، الفاروق، ومسجد فوق حلويات ماهر نسيت اسمه.


الجمعية الخيرية الفلسطينية:
في عام ١٩٦٤ اجتمع بعض وجهاء المخيم وقرروا إنشاء جمعية خيرية تعنى بالفقراء من أهل المخيم وكان مقرها في جامع عبد القادر الحسيني ثم انتقل إلى شارع لوبية ببيت مستأجر أظن من بيت الزين، قرب غاز قبطان وهناك افتتحوا مستوصفا قبل أن يبنوا مشفى على شارع اليرموك بتمويل من فاعل خير كويتي الذي استولى عليه جيش التحرير الفلسطيني وأسماه مستشفى الشهيد محمد فايز حلاوة وبعد عدة منازعات ومحاكم تم الاتفاق على منح قطعة أرض قرب حديقة جامع عبد القادر الحسيني للجمعيه تم بناء مشفى الباسل عليها وقد قدمت الجمعية خدمات جليلة للمحتاجين الفلسطينيين والسوريين من مساعدات مالية بسيطة وعينية وطبية حتى غدت الجمعية ثاني أكبر جمعية في دمشق بعد جمعية المواساة، وأما أشهر القائمين عليها فمنهم الحاج أحمد موعد ونايف رمضان وعمي أبو وليد والأستاذ علي حمد ووالدي وأخيراً أظن أن من يديرها رجال من آل جلبوط، فجزى الله خيراً كلّ من عمل من أجل الله، وقبل سنوات تأسست جمعية الإسراء الخيرية كان له نفس نشاط الجمعية الخيرية إلا أنها كانت تدار من قبل شباب نشط وكانت قريبة من حركة حماس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:28 am

ذكريات من مخيم اليرموك (١١)
بعض معالم مخيم اليرموك:
مازلت أحلق في سماء مخيم اليرموك أمد طيف الذكريات إلى خمسين سنة خلت وأذرف دموعي على ما حلّ بنا مستحضراً بيئة كانت لنا عاصمة وحضارة وعراقة بنيناها بسواعدنا وأملنا وحلمنا ريثما نعود إلى فلسطين.

ويستحضرني في هذه الحلقة عدة معالم منها:

اللوثري:
كثير من القراء لا يعرفون اللوثري ولا يعرفون أساسه، اللوثري منظمة تبشيرية عالمية نسبة للمصلح الديني البروتستانتي مارتن لوثر: كان نصيبنا في المخيم قبل الستينات مركزاً منها يقع قرب جامع عبد القادر الحسيني ويشغل الآن مدرسة عبد القادر الحسيني إذ كان يعالج اللاجئين بأسعار مخفضة أظن نصف ليرة سورية إلا أنه أغلق قبل ثلاثين عاماً.

 

النادي العربي الفلسطيني:
لم أتذكر متى تم بناؤه بالضبط ولكنني أذكر أنني صرت أتردد عليه منذ بداية ستينات القرن الماضي في مكانه الذي ما زال على شارع فلسطين بين الهاتف وسوق الخضار وقد كان هذا النادي ذا مساحة واسعة يقدم خدمات كثيرة لمرتاديه من ألعاب رياضية وفكرية وبرامج ثقافية وأذكر أن الأونروا كانت تعرض به أفلام سينمائية ترفيهية على شاشته المقامة في الهواء الطلق ومن الألعاب الرياضية التي قدمها النادي كرة القدم والطائرة واليد والمصارعة والملاكمة والجودو الكاراتية وغيرها وأما آخر رئيس له فهو الأستاذ المرحوم عماد سبع عبد الحفيظ الذي ذهب غيلة قبل ستة شهور.

سينما الكرمل والنجوم:
أنشأت سينما الكرمل في بداية الستينات في شارع فلسطين في المكان الذي يشغل حاليا صالة ليالينا وقدمت هذه السينما طيلة عشرين عاماً عدداً من الأفلام العربية والأجنبية وأما سينما النجوم فتأسست في منتصف الستينات في موقف الساحة وتم نقل المخفر فوقها وظلت تعمل حتى سقوط المخيم وأذكر وأنا طالب في الصف الرابع والخامس كانت المدرسة تنظم عروضا خاصة لطلابها لمشاهدة بعض الأفلام التاريخية ومن العروض التي حضرناها فيلم صلاح الدين الأيوبي وفيلم عنترة بن شداد وفيلم عن سيرة الرسول عليه السلام وغيرها، ولما كبرت وصرت في المرحلة الإعداية فكنت أكثر من ارتيادها لمشاهدة الأفلام والتي أذكر منها «الفلسطيني الثائر» لغسان مطر وجل أفلام دريد لحام ولم أنسَ فيلم «سلامة» لأم كلثوم ويحيى شاهين ولا  سيما مشاهد الحج التي كانت تقدم قبل عرض الفيلم كما كان يقام فيها احتفالات فصائلية وثقافية في مناسبات متباعدة وأذكر جيداً حفل الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري والحفاوة التي لقيها بين أبناء المخيم.

المركز الثقافي العربي:
وهو مركز كبير وعظيم يقع نهاية شارع فلسطين قبل المدينة الرياضية ويتبع لوزارة الثقافة وقد تم افتتاحه بعد عام الألفين وقدم خدمات كثيرة لمرتاديه من محاضرات وأمسيات وندوات ومعارض كتاب ودورات تربوية وثقافية وغيرها وآخر ندوة حضرتها للشيخ محمد راتب النابلسي قبل خروجنا من المخيم بعام وقبلها حضرت حفلاً فنياً لعبد الفتاح عوينات وفوجئت من شعبيته الكبيرة وآخر مدير لهذا المركز كان الأستاذ فريد عبد الرحيم ومن الجدير ذكره أن مخيم اليرموك كان يعج بالمراكز الثقافية إلا أن جلها كان عبارة عن بيوت صغيرة ويتبع للتنظيمات ومما تسعفني الذاكرة بذكره الآن مركز ماجد أبو شرار لفتح في شارع فلسطين ومركز غسان كنفاني للشعبية خلف شارع المدارس والمركز الثقافي للديمقراطية قرب جامع صلاح الدين، كما خصصت القيادة العامة جزءاً من مبنى الخالصة للندوات والمحاضرات، ونادي جنين لحماس، ومركز الشهيدة حلوة زيدان لجيش التحرير الفلسطيني أول المخيم، كما أنه وجد بالمخيم عدة دور نشر اهتمت بنشر الكتاب الفلسطيني أهمها دار الشجرة على شارع اليرموك للمرحوم غسان الشهابي الذي استشهد قبل عام قرب ساحة الريجة ونظرا لأهمية المشهد الثقافي في المخيم فسأخصص حلقة عنه فيما بعد.

المدينة الرياضية:
وهي مركز رياضي كبير كان يشغل قديماً معسكراً لأشبال فتح وهو المكان الوحيد لملعب كرة قدم نظامي في المخيم قدم خدمات عظيمة لأبناء المخيم يديره الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام برعاية الصديق والزميل الأستاذ عبد الله الموعد ويلحق بالمدينة عدة مراكز رياضية أخرى كنادي جنين ومسبح فلسطين وغيرها وما زلت أذكر في نهاية الستينات يوم كان معسكرا للأشبال كنا نقطع المسافة البعيدة سيراً على الأقدام من أجل مشاهدة الأشبال وهم يتدربون به يلبسون البدلات الكاكية ويعتمرون القبعات يقفزون ويركضون وينشدون وكم كنت أتمنى أن أدخل المعسكر لأصبح واحدا منهم إلا أن والدي لم يسمح لي فهل كان بعيد النظر أم لا؟

بلدية اليرموك:
أنشئت البلدية عام ١٩٦٤ لتنظيم الأبنية التي كثرت في المخيم وهي تتبع مرجعيتين الأولى سورية وهي وزارة الإدارة المحلية والأخرى فلسطينية وهي مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين، أذكر مقر البلدية القديم في شارع جلال كعوش المطل على ثانوية اليرموك وبعدها انتقل مقرها فوق سوق الخضار الذي شيدته وأجرته للباعة وقد قامت البلدية بتنظيم رخص البناء وجني الضرائب المتعددة وهدم الملاحق غير المرخصة وأذكر ممن تولى رئاستها نور الدين محمود وعبد الرحمن السلال وماهر حمادة وأخيراً محمد أبو زامل.                                  يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٢)
مقابر مخيم اليرموك:
في اليرموك مقبرتان كبيرتان الأولى تقع جنوب جامع فلسطين والثانية تقع على امتداد شارع اليرموك فالأولى أنشئت في بداية الستينات من القرن الماضي وكان الناس قبلها يدفنون موتاهم في مقبرة صغيرة أول المخيم أزيلت وقد أقيم مكانها المباني العالية وتسمى الأربعة عشر طابقا وبالضبط عند منهل الماء الذي تملأ منه سيارات المحافظة الماء وبعد إنشاء مقبرة اليرموك بسنوات وبعد اشتداد العمل الفدائي أقيم قسم خاص للشهداء حيث دفن هناك الشهداء الذين قضوا، وكان ونحن صغار وفي نهاية الستينات يخرج المخيم عن بكرة أبيه لتشييع الشهداء وكنا نلم الخرطوش بعد إطلاق الرصاص من الكلاشنكوفات خلال التشيع ومن القيادات المدفونة بالمقبرة القديمة علي خربوش ومفلح السالم و خليل الوزير وسعد صايل الذي حضر تشيعه ياسر عرفات، والشاعر عبد الكريم الكرمي أبو سلمى وغيرهم.

وفي المقبرة القديمة أذكر أننا عام ١٩٦٤دفنا ستي مريم المراد فيها وبعدها بعام أو عامين دفنا زهرة بنت عمي أبويوسف أما والدتي جميلة بنت حسين اللبابيدي فدفنت هناك تحديدا يوم الحادي عشر من حزيران عام١٩٧٣ وكيف لا أنسى هذا اليوم الحزين؟

وأما المقبرة الجديدة فأنشئت في بداية الثمانينات بعد أن امتلأت القديمة بمساع من حركة فتح وبعض أهل الخير وكان منهم لطفي حجازي أبو فهد ومن المصادفة أنه في يوم افتتاح المقبرة توفي أبو فهد وكان أول دفين فيها!!

وطبعاً خصص قسم كبير للشهداء دفن فيه الآلاف من الشهداء منهم الدكتور فتحي الشقاقي أمين عام حركة الجهاد الإسلامي ومحمود المبحوح من حماس وجهاد جبريل، وعلمت فيما بعد أن هناك مقبرة ثالثة تم افتتاحها أخيراً تقع جنوب المخيم بالقرب من حوش الريحانية.

شوارع المخيم الرئيسة:
يمتاز المخيم بعدة شوارع رئيسة أشهرها اليرموك وفلسطين ولوبية وصفد والثلاثين (عدنان غانم) والقدس والمدارس وراما ( الناصرة).

وأشهر هذه الشواع شارع لوبية لما يمتاز به من موقع تجاري هام يقصده الناس من المخيم وخارجه وحتى من السائحين حتى عًُدّ ثاني أكبر سوق بدمشق بعد سوق الحميدية كما يمتاز بتوسطه واتصاله بين شارعي اليرموك وفلسطين وبالقرب منه تقع قهوة أبو حشيش والتي كانت تنصب الملاهي والمراجيح في ساحتها كل عيد وقديما كانت السرافيس تدخل من شارع اليرموك وتفرق من شارع لوبية ثم تنطلق من شارع فلسطين وبعد الازدحام الشديد صار مرور السيارات باتجاه واحد فقط.

وأما شارع اليرموك فيمتد من مدخل المخيم وحتى نهايته قرب المقبرة وأيضا يمتاز بموقع تجاري هام أشهره سوق السراميك في أوله وآخره سوق الأطعمة والأشربة قرب مخبز حمدان وبينهما أسواق الملابس والأحذية والمجوهرات وغيرها ومن معالم شارع اليرموك: مركز الشهيدة حلوة زيدان ــ البنك العربي ــ ساحة الريجة ــ بنك التمويل والتجارة الدولي ــ فرن أبو فؤاد ــ مكتبة الرشيد... ومن معالمه القديمة: بيت والد الشهداء الأربعة التي بنته مؤسسة الاسكان ومنحته لوالد الشهداء الأربعة من آل المعجل ثم استأجرته الجبهة الديمقراطية مكتبا لها، والخان، والكباس، ونادي محمود الكبرا لكمال الأجسام، ومكتب أبو هايل وبيت الشيخ الألباني والملجأ.

وأما شارع فلسطين فهو أول شارع تمر فيه السيارات قبل الستينات وأما مستواه التجاري فضعيف نسبياً إلا في منطقة الساحة فيضاهي اليرموك وينتهي الشارع بالدوار ويتصل بيلدا وببيلا عن طريق معبد ونظراً لوجود سوق الخضار هناك فتراه مزدحماً جداً ومن معالمه سينما النجوم والكرمل والساحة وموقف أبو حسن الشهابي ومستوصف الخامس والنادي العربي والهاتف والبنك التجاري السوري.

وأما شارع صفد فيبدأ من شارع لوبية جنوباً لينتهي عند مفرق شارع المدارس ويشتهر بأسواق الملبوسات الشعبية ويظل طوال النهار مزدحماً في الأعياد وغيرها

وشارع راما اسمه الحقيقي شارع الناصرة يمتد من قرب مشفى الرحمة وينتهي عند محكمة اليرموك ويعد السوق الرئيس للسراميك والأدوات الصحية على مستوى دمشق وأما شارع الثلاثين فقد افتتح قبل خمسة وعشرين عاماً لتخفيف زحمة المرور عن المخيم ويمتاز بعرضه الواسع واتصاله بالحجر الأسود وأقيمت مبان ومحلات تجارية على جهته الشرقية وأما جهته الغربية فما زالت بساتين تتصل بمحطة القدم للقطارات.

وفي هذه البساتين قضيت مرحلة الطفولة دراسة ولعباً فكنا نخرج هناك حاملين كتبنا مع الأصدقاء فندرس بين أشجار الزيتون والحور ونمر على نهر قليط فنقفز فوقه بسرعة للتخلص من روائحه الكريهة ونظل نمشي حتى نصل لمحطة القطار في القدم ندخل أحيانا في الفركونات ندرس فيها وبعد التعب والجوع نتسلق على أشجار التوت نأكل حتى نشبع لأنه قيل لنا إن شجر التوت في بساتين دمشق غير المسورة سبيل أي يحق لكل مار أن يأكل منها وهذا يدل على كرم الفلاحين وتدينهم والله أعلم.

 

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٣)
دخول مياه الفيجة للمخيم:
من المعلوم أن مياه عين الفيجة من أنقى مياه الشرب في العالم تشرب من الحنفية بدون تنقية أو ترشيح ومن عجائب هذه المياه برودتها الشديدة في فصل الصيف، ولا شك أنها دخلت دمشق في أواخر العهد العثماني في عهد الوالي ناظم باشا عام ١٩٠٧م الذي أقيم الآن بالقرب من الشارع المسمى باسمه بالمهاجرين بعد خروجنا من المخيم منذ أكثر من سنة متلهفاً بقلبي ونظري للجنوب الغالي.

أما دخول المياه للمخيم فكانت في أوائل الستينات وقبلها كان الناس يعتمدون على مياه الآبار وأما مياه الفيجة فكان بعض الناس يشترونها من باعة الطنابر أو العربات كل تنكة بعشرة قروش وأذكر أننا اشتركنا بتوصيل الماء لبيتنا عام ١٩٦٤ ومن شدة فرح والدي بهذا الانجاز العظيم أنه صار يملؤ تنكات الباعة المتجولين مجانا من بيتنا لعدة أيام بدل أن يذهبوا لحي الميدان، وأما الصرف الصحي فأنشئ في الفترة نفسها وأذكر عمال الحفر الذين قاموا بشق شارعنا بعمق ثلاثة أمتار ووضعوا القساطل الكبيرة وأوصلوه لشارع فلسطين وذلك قبل تعبيد الطرق وكان الصرف الصحي قبلها عبارة عن جور كبيرة تشفط بين الفينة والأخرى.

وأما تعبيد الطرق أو تزفيتها فشاعت في أواخر ستينات القرن الماضي وعلى ما أظن أنه لم يبق شارع واحد في المخيم دون تعبيد وذلك منذ أكثر من عشرين عاماً.

الباعة المتجولون:
يمتاز المخيم عن غيره من أحياء مدينة دمشق بازدحامه وبساطة سكانه الذين يصنفون غالبا من طبقة متوسطي الدخل لذا كان محطة للباعة المتجولين أو أصحاب المهن البسيطة التي تحتاجها ست البيت فأول طفولتي وعيت على أبو محمد العنبر وهو ينادي: عنبر عنبر حلي سنونك يا ولد وكان والدي يشجعنا على الشراء منه ويقول: إنه فدائي ولم نعرف يومها معناها!! ومن الباعة المتجولين بائعو الفول النابت والذرة البيضاء والترمس ولا سيما ترمس أبي جمال والعوجة والجنرك والبطيخ والشمام والبطاطا والبصل وما زلت أذكر المنادي ينادي وهو يتربع على طنبره:

العشرة بليرة يا بصل، روحي سميرة، ظهرك يا حرمة، انزيل يا إرد ومعناها: (أن كل عشرة كيلو بصل بليرة سورية، وسميرة اسم الدابة التي تجر طنبره: ويحذر المرأة من الاصطدام بعربته وفي الوقت نفسه يلسع بسوطه الأولاد الذين يتعربشون على طنبره كالقرود !!

ولم أنسَ العم أبو محمود الذي يأتي كل يوم من كفر سوسة على حصانه حاملاً ما لذ وطاب من الملوخية والكوسا والبقدونس والنعنع وغيرها ليبيعها لأهل المخيم وأذكر أنه في فصل الصيف يكثر بائعو المثلجات أو البوظة أذكر جيداً العربة التي بها برميل متوسط الحجم يقوم البائع بسكب السائل الملون على أطرافه بعد أن يدوره بسرعة فيتحول السائل إلى بوظة مجمدة وأذكر ابن العشماوي وكنا نسميه غزال وهو يجر عربته وينادي: بوظة أمية، وأذكر بائع الغزلة وهو ينادي: غزلة غزلة، غزل البنات وهو يصنعها أمامنا من مادة السكر الذي يسكبه في مجرى مثبت على قدر كبير يحركه مع الحرارة، وأذكر بائعي البواري وهم ينادون في الحارة على بضاعتهم فيشتري الواحد منّا بورياً مطلياً برغوة الحليب، وأما أطفال المخيم فأغلبهم مارس التجارة من صغرة فعلى سبيل المثال كنت أصنع الهيلطية وأبيعها بحارتي وبعت الصبارة والكاتو الذي كنا نستلمه من محل قرب جامع عبد القادر الحسيني وبعت الأسكا من براد يدوي كنا نستلمه من محل علي سميحة خلف مطعم علي بابا بعد أن كنا نضع عنده كرت الإعاشة كرهن حتى يرجع البراد سليما ولما كبرت قليلا سمح لي والدي بعد وساطة جدتي المتكررة ببيع التماري والكعك في منطقة القصاع والقصور إذ كنا ننهض مع أخي محمد وأولاد الحارة قبل صلاة الفجر متجهين لفرن في باب الجابية لشراء الكعك المطلي بدبس بعد أن نقلي في البيت التماري من طحين الإعاشة ثم نصل مع شروق الشمس إلى القصور لننادي: تماري كعك بفرنكين

ولم أعمل في هذه المهنة إلا في صيفية واحدة وأغلب الأولاد الذين باعوا معنا منهم من أصبح طبيبا مشهورا ومنهم المهندس والمدرس والمحامي والدكتور في الجامعة.

وأما النساء فكن يحملن على ظهورهن كيس خيش ويصرخن في فصل الشتاء: خبيزة وعلت وبعضهنّ كن يأتين من الدرخبية وزاكية يبعن الحليب ومشتقاته.

وأما المهن التي كانت تجوب المخيم فأشهرها المجلخ بسيبته المتنقله التي كان يحملها على ظهره وعند العمل يشغلها بقدمه فيتحرك حجر المسن فيسن أو يجلخ السكاكين والمقصات وشرار النار يتطاير كقوس قزح: وقبل خروجنا من المخيم بسنتين رأيت شابا مجلخا ولكن هذه المرة على دراجة ومعه متور كهربائي فذكرته بالمجلخ القديم فأخبرني أنه جده ورث المهنة عنه وطورها.

وأما المبيض فكان يحفر جورة في الشارع ويوقد بها النار ثم يأتي بآلة تنفخ النار فتقوى وتقوى؛ فيأتي الناس بقدورهم فيقوم بمسحها ببعض المواد ثم يقربها من النار وكم كانت فرحتنا غامرة ونحن نرى كيف يحول المبيض القدور والطناجر من الصدأ إلى اللمعان وكأنه سحر يبهر عيوننا.

يتبع......

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٤)
المخيم في نكسة ١٩٦٧م:
أذكر أنني كنت في الصف الرابع ناجحا إلى الصف الخامس عندما بدأت الحرب في بداية العطلة الصيفية، لم يكن المخيم بمعزل عن غيره من مدينة دمشق ولكنني أستطيع أن أسجل ذكرياتي ومشاهداتي لهذه الأيام العصيبة بسبب قربي من المكان، بدأت الحرب في الخامس من حزيران وبدأ الناس يهوجون ويموجون وبدأ الرجال يتطوعون فيما عرف بالجيش الشعبي وتدريبهم في المدارس وكان والدي منهم وأذكر أنه استلم بارودة قديمة لا تتسع إلا لخمس رصاصات لم أعرف نوعها كان يأتي بها للبيت نهار أما في الليل فكان يخرج مع الرجال إلى أطراف المخيم ولا سيما في المنطقة التي كنا نسميها (ورا الدور) خلف فرن أبو طه عمرين وبيت ذابلة الأبطح بالقرب من جامع البشير حالياً ليحرسوا المخيم.

أذكر أن جميع الجيران أحضروا صباغاً أزرق اللون وطلوا به نوافذهم خشية غارات طائرات اليهود، كنا نفتح المذياع ونسمع صوت أحمد سعيد وهو يذيع البلاغات الوهمية عن سقوط طائرات العدو، وكنت ذات يوم أقف على شارع اليرموك الذي لم يكن قد عبد بعد أمام بيت أبو عزات السالم وقد جعل غرفته المطلة على الشارع مضافة تجمع الرجال والأولاد للاطلاع على مجريات الحرب، ويومها طار فرحا عندما أعلن أحمد سعيد وصول الجيوش العربية لجبل المكبر فقام وأنزل خارطة فلسطين التي كانت معلقة على الجدار وطرحها على الأرض وحمل قلما وصار يشطب على المناطق المحررة وهو يكبر ويهلل قائلاً: راح نرجع على لوبية!!

أما بعد اكتشاف الهزيمة فقد أصيب بحالة عصبية فقام بخلع صورة جمال عبد الناصر وتحطيمها في المجلس أمام الملأ وهو يشتم ويصرخ!!

كانت بيوت المخيم متواضعة فعندما نسمع أزيز الطائرات أو أصوات المضادات الأرضية نهرب ونختبأ في فرن أبي عوض ظننا منا أن الفرن أكثر أمنا من بيوتنا أو نركض نحو البستان القريب والذي كان غرب شارع اليرموك وننتشر هناك، وفي صلاة الجمعة الأولى من الحرب وأثناء خطبة الجمعة سمع صوت المضادات فتركنا الخطبة وصعدنا لسطح المسجد الذي كان أعلى من بيوت الحي باستثناء بناية الشيخ حمدان لنرى الطائرات وأما عزات سالم فقد اعتلى البرج المنصوب عليه مكبرات الصوت حيث لم تكن المئذنة قد شيدت كي تكون رؤيته أشد !! ولما نزلنا من السطح رأينا بعض الختايرة يهمون بترك الخطبة والخروج من المسجد فقام الشباب بثنينهم عن ذلك وطمأنتهم.

وقد أعطانا من هم أكبر سنا نصائح منها أنك إذا سمعت صوت طائرة فانبطح على الأرض وافتح فاك حتى لا تتشقق طبلة الأذن، وكم من صبي كنت تراه منبطحا على الأرض فاتحا ثغره وهو يتشهد منذ سماع صوت طائرة أو قذيفة ولا شك أنني كنت منهم وخلال هذه الفترة صارت عندنا ثقافة بنوع الطائرات فصرنا نعرف الميراج والفانتوم والسوخوي وغيرها.

وأذكر أنه في اليوم الخامس أو السادس للحرب هاج الناس وماجوا وسرت إشاعة قوية عن وجود جاسوس بالقرب من الزاهرة، فركض هناك العشرات ثم صاروا مئات ووصلوا إلى عشرات الآلاف،بعضهم يحمل عصا وبعضهم عصا كريك وبعضهم سكينا، وسمعنا أزيز الرصاص وكأننا في معركة حربية استمرت أكثر من ساعتين وانتهت المعركة ولم تنته الإشاعات فبعضهم قال جاسوس قبض عليه وبعضهم قال رجل أشقر مشتبه به وهكذا...

ولما انتهت الحرب أوزارها قمنا باستقبال أشقاءنا النازحين فنحن قد سبقناهم بالخبرة والمعرفة ففتحت مدارس الأونروا أبوابها لاستقبال مئات العائلات وقام بعض الوجهاء بحملة سريعة على المنازل لجمع الفرشات والأغطية وأذكر منهم الحاج حسين حمادة أبو عمر من حيفا والذي كان مجاهدا قساميا في فلسطين فقد طلب منا أن نجري خلفه وهو يقرع كل أبواب الحارة لنحمل الفرشات والحرامات والملابس ثم نذهب بها لمدرسة صرفند أو الفالوجة حيث تكون هناك زوجته أم عمر توزع عليهم ما تجمعه حملة زوجها فرحمها الله رحمة واسعة ومن نافلة القول أن الحاج حسين هو جد الكاتبين والباحثين حسين ومحمد حمادة وكما أنه جد الصديق الرائع عاطف حمادة التي عملت معه في مدارس الشويفات بالرياض عشر سنوات، ولم أنس يوم تعارفنا قبل ١٤ عاماً في المدرسة عندما سألني أين أسكن في سورية فظللت أعنون له حتى قلت له خلف محل أديداس فقال لي هذا كان بيت جدي!! ومن جدك يا أستاذ؟

الحاج حسين حمادة! عندها لم أرد بل قمت وعانقته.

نعود إلى أجواء المخيم في حرب ٦٧ لأقول إن النادي العربي في شارع فلسطين تحول إلى مركز لتوزيع المؤن للنازحين فكنت أذهب هناك مع أولاد الحارة لنساعد في تفريغ السيارات من حمولتها ليتم توزيعها فيما بعد على النازحين ومن هذه المواد عبارة عن أرز وطحين وعلب سردين وبقول، ولأول مرة رأيت البيض المجفف بشكله الأصفر وعلى ما أذكر أنه من تبرعات رومانيا وقرب النادي صارت هناك أسواق للتجار يشترون ويبيعون.

وفي نهاية هذه الحلقة أقف متحسراً وأنا أرى أبناء مخيمي يقفون في طوابير بالزاهرة والأليانس وضاحية قدسيا ليستلموا السلال الغذائية من الأونروا بعد أن نزحوا منه بعد أن كانوا..........

وهنا أقف عن الكلام المباح وأقول:

يتبع....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٥)
حارة النازحين:
ما زلت في أجواء نكسة حزيران ١٩٦٧م وما هي إلا أسابيع وقد صار في حيننا بعض الضيوف الجدد من أهل القنيطرة الكرام فبناية الشيخ حمدان مقابل جامع الرجولة حوت عدة عائلات أغلبها من الشركس كان رجل منهم ضريراً كنت أمسك بيده بعد خروجه من المسجد ليصل بيته فيشكرني ويدعو لي وأما أهل جباتا الزيت فصرنا معهم شركاء في المصيبة واستقر أكثرهم في شارع اليرموك خلف ملحمة الخالد واستديو حمادة صاروا أصدقاء لنا نلعب وندرس ونلهو أذكر منهم الصديق العزيز كمال زغلول وعبد الناصر الأخرس وغيرهم من آل العاص وطه والحاج وحبش وغيرهم وهذه الحارة عرفت فيما بعد بحارة النازحين.

مكتبة والدي الخاصة:
وعيت على الدنيا وبيتنا مملوء بالكتب فقد كان والدي مهتما بالعلوم الشرعية والتاريخية والقضية الفلسطينية فقد كان معجباً بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وبالهيئة العليا لفلسطين والتي أصدرت خارطة لفلسطين منذ الستينات كانت معلقة بصدر غرفة الضيوف بين المكتبات التي حوت على سبيل المثال من كتب التفاسير القرطبي والنسفي وابن كثير والطبري ومن كتب الأحاديث فتح الباري وصحيح مسلم وابن ماجه وأبي داوود وغيرها وأما كتب التراث فحدث ولا حرج الطبري، النجوم الزاهرة، الإصابة، الكامل في التاريخ، وأما كتب التراجم فهي من أسد الغابة وحتى الأعلام للزركلي وأما المعاجم فمن لسان العرب وحتى تاج العروس التي ظل يجمع أجزاءه الثلاثين من الستينات وحتى الألفين، وأما ما يخص فلسطين فبلادنا فلسطين لمصطفى مراد الدباغ بأجزائه الأحد عشر كانت مرجعاً له ولغيره من الباحثين بالإضافة إلى كتب عارف العارف كالنكبة والمفصل في تاريخ القدس وكذا كتب أحمد الشقيري ويوسف اليوسف وجميل عرفات وغيرهم وأما مجلة فلسطين التي كان يصدرها الحاج أمين منذ بداية الستينات من بيروت ونيويورك فأظن أنه جمع الأعداد كلها، وظلت الكتب بازدياد حتى بلغت أكثر من ستة خزن موزعة بين غرفة الضيوف والصالون وغرفة النوم وكان الولد قارئاً نهماً لا يترك الكتاب إلا بعد ينتهي منه؛ وقبل خروجنا من المخيم بسنتين قام الوالد جزاه الله خيراً بفصل الفلسطينيات ووضعها في خزنة واحدة والتبرع بالباقي لأحد المعاهد الشرعية ممن كان يديرها الشيخ راتب النابلسي ويا ليته تبرع بها كلها وأنقذها من الدمار والخراب، وأذكر أن آخر كتاب قرأه الوالد في المخيم بعد السقوط وقبل الحصار كتاب مذكرات واصف جوهرية بجزأيه عن مدينة القدس جلبته له كي يقطع وقته بالمخيم يوم اشتدت الأمور وأبى أن يخرج يومها.

وأنا استرجع الذكريات أذكر أن الوالد ما كان يبخل على أي طالب علم من استشارة أو نصيحة أو إعارة أي كتاب وأن من شدة تعلقه بالكتب افتتح محلا بشارع لوبية قبل عام ١٩٧٠ لبيع القرطاسية ولإعارة الكتب الأدبية لطلاب المرحة الثانوية حيث لم يكن بمقدور أكثرهم شراؤها.

وأذكر من أصدقاء الوالد ممن كان يداوم على صحبتهم الأدبية المرحوم الشيخ موسى اللكود من الحارة من درعا والأستاذ الدكتور محمد الطيب الإبراهيم من بسر الحرير وكانا يقيمان في حي التضامن وغيرهم من محبي الأدب والتراث وفي الصيف كانوا يخرجون للبساتين المحيطة بالمخيم يقرؤون ويذاكرون كهواية ليس إلا.

ومن أصدقاء الوالد الفلسطينيين كان الشيخ فضل حسن عباس من صفورية كان يأتينا ضيفا من عمان والشيخ علي خشان من كفر كنا والأستاذ عبد الوهاب مصطفى من ترشيحا ويوسف اليوسف وعاطف حياتلة ومحمد حسن شراب رحمهم الله جميعاً.

وحدثني الوالد أطال الله في عمره أنه مذ وطأ دمشق عام ١٩٤٩ بعد مكوثه ببعلبك أقل من عام كان يبحث عن مجالس العلم فحضر للكثير أمثال الشيخ كفتارو ودهمان والطنطاوي وكأنه راق له الشيخ ناصر الدين الألباني فكان من طلابه بالعمارة ووصولاً إلى بيته بالمخيم والذي أضحى محلات مطر للمفروشات.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:29 am

ذكريات من مخيم اليرموك (١٦)
مقاهي مخيم اليرموك :
أول مقهى افتتح في المخيم مقهى صغير في حارة الفدائية لرجل من طيرة حيفا من بيت أبو حسان وذلك في بداية ستينات القرن الماضي ولكنه أغلق بعد فترة بعد افتتاح عدة مقاه في شارع لوبية وقرب جامع عبد القادر الحسيني ومنها مقهى الحاج إسماعيل ولما اشتد صيت شارع لوبية وبدأت حركة الأسواق أغلقت المقاهي فيه وتحولت إلى أسواق تجارية في الوقت الذي تم فيه افتتاح مقهى أبو حشيش بطرازه الحديث في الشارع المتفرع من لوبية إلى مسجد عبد القادر الحسيني.

وأما مقهى أبو عيسى في شارع القدس قرب الإعاشة فما زال على عهده منذ أكثر من خمسين عاماً والمعروف بمقهى الطيارنة، وبعد الأزمة العراقية ولجوء عدد كبير من العراقيين للمخيم تم افتتاح عدد لا بأس به من المقاهي أغلب روادها من العراقيين تقع على أطراف المخيم في شارع الثلاثين وامتداد شارع اليرموك باتجاه الجنوب.

وأغلب هذه المقاهي تقدم القهوة والشاي وطاولة الزهر والشدة.،وقبل خروجنا من المخيم بسنتين تم افتتاح مقهى حديث في شارع فلسطين موقف السعادة في أبنية مؤسسة الإسكان على نمط مقاهي جرمانا

الأندية الرياضية :
أظن أن أول نادي رياضي لكمال الأجسام هو نادي الحاج محمود الكبرا وكان اسمه نادي اليرموك الرياضي الذي افتتحه قبل الستينات في أول شارع اليرموك على الجسر وقد امتلأ النادي بصور الأبطال وبالكؤوس والميداليات التي حاز عليها صاحب النادي وكان المرحوم محمود الكبرا من الأبطال العالميين بهذه الرياضة ومهنته الأساسية خياط إذ اتخذ مكانا للخياطة في سقيفة فوق النادي يراقب من خلالها سير أعماله وأذكر أن والدي طلب من الحاج محمود أن يدربني بالنادي وأنا طالب بالرابع أو الخامس فالتزمت عدة أيام وطفشت بسبب مشقة الأثقال ولأنني كنت أرغب في رياضة الجنباز إلا أنني أعدت التسجيل مرة أخرى برغبتي عندما كنت بالصف العاشر وكانت رسوم النادي أربع ليرات سورية لا غير كما أذكر أنني خيطت بدلة الفتوة عنده بأحد عشر ليرة.

وبعد ١٩٧٤ اشترى محمود الكبرا قطعة أرض محاذية لجامع الحبيب المصطفى وبنى عليها ناديه الذي أداره بعد وفاته أبناؤه أحمد وأنس ومحمد وباسل.

وبعد الألفين كثرت النوادي الخاصة بشكل ملحوظ وأصبحت تخصص أوقاتا للنساء تهتم بالرشاقة وتخفيف الوزن وغيرها.

ومن هذه النوادي على ما أذكر: نادي أبو زرد لبناء الأجسام في شارع ثانوية اليرموك للبنات ونادي القدس الرياضي لعبد شناعة في حارة أبي الشكر المطلة على مدارس الأونروا ونادي لتاكوندو لمحمود خليل آخر شارع اليرموك وغيرها من النوادي الخاصة والتي تجاوزت الثلاثين ناديا بل أكثر.

وأما النوادي العامة فأولها النادي العربي الفلسطيني الذي افتتح في ستينات القرن الماضي وقد كان نادياً رائعاً من حيث المساحة وما يقدمه من عروض رياضية وثقافية وأذكر أنني حضرت عدة مسرحيات هناك وأنا في المرحلة الثانوية منها مسرحية الستربتيز (التعرية) لزيناتي قدسية وأخرى لطلاب ثانوية اليرموك.

وفي تلك الفترة أنشئ نادي فتيان فلسطين في الشارع المتفرع من شارع لوبية إلى حديقة الشهداء وكان يهتم بالكشافة كان من مدربيه كميل عيلبوني ومحمد الجمال وكذا نادي فتيات فلسطين في الشارع نفسه والذي كان مختصاً بالبنات.

ولا بد من التنويه إلى المدينة الرياضية والتي يشرف عليها الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام وإلى ما قدمته من رعاية وخدمات لأبناء المخيم بالإضافة إلى إشرافها على مسبح فلسطين النظامي الوحيد في المخيم.

ومن النوادي العاملة في المخيم كان نادي جنين الرياضي بالقرب من المدينة الرياضية وما قدمه من برامج رياضية وثقافية خلال عامين من إنشائه ومركز فلسطين الرياضي قرب مؤسسة الكهرباء، ولوحظ في الفترة الأخيرة انتشار الملاعب العشبية في البساتين القريبة من المخيم وتزويدها بالإضاءة والمعدات وتأجيرها لفرق كرة القدم.

يتبع....

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٧)
 

أشكرك جميع الأحبة الذين هنؤوني بسلامة الوصول إلى الرياض مساء الأمس ومن وحي السفر أحب أن أكتب عن أول رحلة لي خارج دمشق وعن رحلة أخرى خارج سورية الحبيبة.

من مخيم اليرموك إلى مخيم حمص :
أول خروج لي من مخيم اليرموك ودمشق كانت في عام ١٩٦٤ باتجاه حمص ومخيمها وكنت وقتها في الصف الثاني الابتدائي مترفعا إلى الصف الثالث إذ كان أحد طلاب كلية الطب واسمه محمود دياب أظن من قرية نحف مستأجر في حينا مع ثلة من أصدقائه من حمص ومخيمها وكان من مرتادي جامع الرجولة وعلى صلة طيبة ووثيقة بالوالد فأحب في إجازته الصيفية أن يصحبني عند أهله إلى مخيم العائدين في حمص وفعلاً صحبني في رحله بباص الهوب هوب فوصلنا ليلا ثم عرجنا إلى المخيم وهناك بدأت أتعرف على أمه وأبيه وإخوته حيث عشت معهم قرابة الأسبوعين ولأول مرة انقطع عن المخيم وأهلي انقطاعاً تاماً حيث لا اتصالات بأنواعها.

أذكر مخيم حمص جيداً حيث البساطة والتواضع والمؤاخاة بين اللاجئين أذكر لباس والده الفلسطيني التقليدي القنباز والحطة وأمه كذلك بلباسها التقليدي وإخوته الذين اعتبروني واحدا منهم حيث كنا نلعب بأزقة المخيم وحواريه.

أذكر أنني دخلت إلى مسجد المخيم فلاحظت خزانة للكتب في المسجد تعلوها لوحة منقوش فيها عبارة (فيها كتب قيمة) وتحتها لوحة أخرى: هدية من الهيئة العربية لفلسطين كالتي كنت أراها في جامع الرجولة بمخيم اليرموك بالرغم من أن الدكتور محمود جال بي أرجاء حمص كلها ولأول مرة أرى جامع خالد بن الوليد وبحيرة قطينة إلا أنني كنت حزينا جدا بسبب بعدي عن أهلي في مخيم اليرموك وكم كنت فرحتي كبيرة يوم قرر المضيف أن يعود بي إلى اليرموك.

الرحلة الثانية إلى الأردن تهريباً:
في خريف ١٩٦٨ كنت في الصف السادس وكان أخي محمد في الصف الثامن وكانت شقيقتنا الكبيرة سميحة تسكن في إربد بالأردن مع زوجها وأولادها فأحب محمد أن نزورها ولم أدر كيف وافق الأهل على هذه المغامرة حيث لم نكن نملك من الأوراق الثبوتية إلا هوية طالب لأخي محمد من مدرسة المالكية بمخيم اليرموك.

المهم غادرنا المخيم ذات صباح ووصلنا درعا قبل الظهيرة ومن هناك ركبنا في باص صغير أوصلنا إلى منطقة تل شهاب فعرجنا منها لقرية سورية اسمها الشجرة وبعد أن وصلنا إلى جنوب القرية شاهدنا
فدائياً من حركة فتح يجلس على صخرة واضعاً الكلاشنكوف بين رجليه تحت ظل شجرة فسألنا ممن أتينا وعن وجهتنا فأخبرناه الحقيقة ولما عرض عليه أخي محمد بطاقته المدرسية وعرف أننا من مخيم اليرموك رحب بنا وسمح لنا بالعبور.

ومن هناك كان علينا أن نمشي لمدة ساعة أو نستقل دراجة نارية ليوصلنا المهرب إلى الأراضي الأردنية وفعلا دفعنا نصف ليرة سورية أجرة لصاحب الموتوسكل فأردفنا خلفه فسار بنا في طريق ترابي وفي خلال عشرة دقائق أوصلنا إلى شارع مسفلت فعرفنا أننا في قرية أردنية اسمها الطرة ومن هناك ركبنا بتكسي سار بنا إلى المنشية ثم إلى الرمثا ومع غروب الشمس كنا في إربد بضيافة أختي سميحة وزوجها وأبناءها أذكر منم خالد وأمينة ومنى وأحمد.

ومكثنا هناك حولي أسبوعين في بيت شقيقتي تعرفت خلالها عل إربد حيث كانت تعج بالمنظمات الفلسطينية ولا سيما فتح وقد انعكس ذلك على الشارع فأذكر أنه بجوار بيت شقيقتي كان هناك مقهى كتبت عليه لوحة : مقهى الثورة الفلسطينية لصاحبه خميس، وبقالية الصمود، ومصبغة الكرامة، ومدجنة فلسطين حيث أذكر أنني لأول مرة أشاهد البرميل الذي ينتف الدجاج بعد ذبحه وغطسه بالماء الساخن.

لم أسر كثيرا في إربد فما وجدت شيئا فيها يشبه المخيم ولم يغب عني المخيم يوما وهناك زرنا بيت عمتي أم طلعات أطال الله في عمرها حيث بنى زوجها طاهر الصمادي أبو طلعات بيتاً في شارع المبرة قرب شركة الكهرباء وكان لأولاها محلا للأدوات الكهربائية في شارع الحصن.

وكم فرحت يوم أخبرني محمد أننا غداً سنرجع للشام وذلك بعد أن اطمأن أن صفقته التجارية قد نجحت فأعطاني يومها تعريفة أردنية حلواناً لأن سائق الباص أخبره أن الكيسين قد وصلا للشام، وهذان الكيسان ملأهما أخي محمد التاجر الصغير بعشرات الأعداد القديمة من مجلات العربي الكويتية منزوعة الغلاف كان قد اشترى العدد بقرش أردني ليبيعها من خلال بسطة في شارع الصالحية وقرب ساحة المحافظة بنصف ليرة سورية.

في اليوم التالي عدنا أدراجنا بالطريقة نفسها إلى مخيم اليرموك بعد أن مررنا على سوق الرابش بإربد وهو سوق مشهور للبالة واشترينا جاكيتين واحدة لي والأخرى لشقيقي محمد ارتديناهما فرحين فوصلنا درعا ظهرا ًألا أنني لم ألحظ وجود حرس الحدود الفلسطيني الذي رأيناه يوم الدخول.

يتبع ....

ذكريات من مخيم اليرموك (١٨)
واقع المخيم بعد نكسة حزيران
 

ازداد السكان في المخيم بسبب قدوم الإخوة النازحين من القنيطرة وقد استقر أكثرهم غرب اليرموك في الحارات التي تقع خلف بن الأمراء وملحمة الخالد وعدد آخر استقر في مدخل المخيم في مباني الإسكان التي تقع في أول الزاهرة القديمة كما تم إنشاء حي جديد شرق هذه المباني.

وأما العائلات الفلسطينية والتي نزحت من الجولان فاستقر معظمها في المخيم أذكر منهم بيت سعود عايد حسن (أبو خالد) والذي استقر في حارة جامع الرجولة وقد نزح من قرية العال قرب بحيرة طبرية بعد أن لجأ إليها من لوبية عام ١٩٤٨.

كان المخيم في ذلك الوقت بسيطاً متواضعاً أغلب بيوته من طابق أرضي فقط وقليل من الميسورين من رفع طابق آخر بعد أن دعم بيته بالحديد والإسمنت المسلح كما كانت أغلب الشوارع غير مسفلته إلا أن الصرف الصحي قد سبق عام 1967، وأما الكهرباء فقد دخلت المخيم منذ إنشائه، بيد أن صرف المخيم كله في الكهرباء يومها لم يعادل صرف شارع أو حارة قبل سقوطه فأغلب البيوت كانت فواتيرها لا تتعدى الخمس ليرات التي كان يجبيها المرحوم أبو محمود اللوباني من المجيدل فلا غسالات أو ثلاجات أو مكيفات أو تلفزيونات بل لمبة واحدة في كل غرفة تطفأ بعد ساعتين على الأكثر من غروب الشمس لأننا كنا نهجع مبكرين لنصحو مبكرين لأننا تعلمنا أن البركة في البكور.

وأما دخول التلفزيون للمخيم فلم أره إلا عام ١٩٦٨أي بعد دخوله لسورية بثماني سنوات وأما الذين اقتنوا التلفزيون بالمخيم قبل ذلك فكانوا قلة يعرفون من الأنطين الذي يعلو منازلهم وأذكر أن جيراننا بيت أبو خالد الطبراني أول من اشتروا تلفازاً بالحارة وكان بيتهم مقابل فرن الحصري وكانوا يتركون الشباك المطل على شارع اليرموك مفتوحا ليتسنى لأولاد الحارة مشاهدة ما يعرض به وكنا نتزاحم بالعشرات ونحن نرى أفلام الأطفال والدعايات بالأبيض والأسود وبالرغم من ضجيجنا وشغبنا إلا أن بيت الطبراني كانوا يتحملون ذلك وهم مسرورون.

يتبع ....

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٩)
في هذه الحلقة سأذكر بعض معالم المخيم منها دوار البطيخة ودوار فلسطين وساحتي أبي حشيش والريجة.

دوار البطيخة:
لا شك أن دوار البطيخة وهو نسبة للشكل الكروي الذي يشبه حزوز البطيخة بشكله الكبير يتدفق منه الماء ليصب في بركة كبيرة يتخذها بعض الغلمان مسبحاً في فصل الصيف.

وهذا الدوار تتقاطع به عدة شوارع هامة منها شارع الثلاثين متجها إلى الزاهرة القديمة وشارع فوزي القاوقجي المتجه إلى بوابة الميدان والقدم.

ومن معالم دوار البطيخة جامعا الماجد والبشير وقطاعة السلام ومستشفى الرحمة ومخفر اليرموك وسوق السراميك وشارع راما (الناصرة) الذي ينتهي بمحكمة اليرموك وقبل الانعطاف إلى شارع اليرموك تقع حارة الفدائية التي كانت شاهدة على العمليات الفدائية قبل العمل الفدائي المنظم وعلى الدمار الشامل خلال الأزمة الحالية في سورية.

كان مكان دوار البطيخة قبل ثلاثين عاماً سوقا لمحلات الأنقاض من أبواب وشبابيك مستعملة تتوزع على جانبي شارع لا يتعدى عرضه عشرة أمتار يكتظ بالسيارات قبل دخولها للمخيم أو خروجها للبوابة أو الزاهرة وبعد تخطيطه من جديد وترحيل هذه المحلات وبناء عدة أبنية لصالح المؤسسة العامة للإسكان غدا من أجمل الساحات وأوسعها في دمشق.

دوار فلسطين:
يقع هذا الدوار في نهاية شارع فلسطين قبل يلدا بعدة أمتار وكان الموقف الأخير للباصات العامة والمكاري التي لا تصل إلا للمخيم وأما امتداد هذا الشارع فيتصل بيلدا وببيلا والسيدة زينب وأما من أراد الذهاب لمطار دمشق الدولي فعليه أن ينعطف ًشرقا بعد ببيلا ليصل إلى عقربا وطريق المطار.

ينتهي دوار فلسطين بحدود المخيم القديمة ويتصل بشارع اليرموك عن طريق شارع القدس وعلى مقربة من هذا الدوار تقع مقبرة اليرموك القديمة ومركز الإعاشة وحارة المغاربة وهم اللاجؤون الفلسطينيون ذوو الأصول الجزائرية والمغربية مما لجؤوا إلى فلسطين مع الأمير عبد القادر الجزائري واستقروا في قرى في شمال فلسطين ككفر سبت والمعذر وديشوم وغيرها كما قامت الأونروا ببناء مدرستي كوكب والجاعونة جنوب الدوار وكذلك قامت وزارة التربية السورية ببناء ثانوية اليرموك للبنين وإعدادية البعث وأما وزارة الثقافة السورية فقد بنت هناك أكبر مركز ثقافي على مستوى مدينة دمشق عرف بمركز اليرموك الثقافي الذي ضم مسرحا يتسع لثمانمئة شخص وعلى مقربة من هذا المركز شيدت الأونروا مستوصفاً على غرار مستوصف الخامس في شارع فلسطين ومستوصف الجليل على امتداد شارع الثلاثين المتجه لسوق الخضار قرب المقبرة وأما المدينة الرياضية ذات ملعب كرة القدم الرياضي النظامي فهناك ينتهي المخيم ليبدأ حي العروبة.

ساحة أبو حشيش:
في منتصف شارع لوبية وإلى جهة الجنوب هناك شارع عريض يتجه إلى مسجد عبد القادر الحسيني وفي هذا الشارع المسمى باسم الشهيد عز الدين القسام يقع مقهى أبو حشيش ومقابلة ملحمة أبو حشيش أيضاً وهي عائلة من شمال فلسطين وفي هذه الساحة عدة محلات تجارية تنتهي بمركز الشبيبة الفلسطينية الذي كان يوماً ما روضة أطفال العودة التابع لبلدية اليرموك أو مؤسسة اللاجئين وبقربه مدرسة المالكية وترشيحا التابعتان للأونروا ومركز اللوثري الصحي الذي تحول إلى مدرسة عبد القادر الحسيني الحكومية وقبل مسجد عبد القادر تقع حديقة كبيرة ذات أشجار ومقاعد ومقابلها مستودع للبلدية وهناك بيت العم أبو خليل العيلبوني وما خرجه من شعراء وأدباء وخطاط وبيت باكير الذي كان يصلح ماكينات الخياطة.

أخذت هذه الساحة شهرتها من أطفال المخيم إذ كانت ساحة الألعاب الأولى في المخيم في موسمي العيدين كانت تنصب فيها المراجيح وتمد سكك القطارات وتجلب الخيول والطنابر وتمتد البسطات هنا وهناك ليتمتع الأولاد بفرحة العيد.

ساحة الريجة:
قبل عام ١٩٧٥م كان غرب أول شارع اليرموك بعد حارة الفدائية عبارة عن أرض بور تمتد إلى شارع المرج الأخضر والذي أصبح فيما بعد شارع الثلاثين وإلى الغرب من هناك كانت الأشجار والأنهار تمتد حتى محطة القدم للقطارات وفي هذه الأرض البور كان الإخوة الحجاج ( موسى، حسني، علي) من عائلة ديب الخالد قد اتخذوا هناك معملا لصناعة البلوك ولبيع الرمل والحصى والإسمنت وكنا ونحن صغار نذهب هناك ونتسلق جبال الحصى المتحركة نلعو ونلعب وفي عام ١٩٧٥م قام أبو منير عودة بوكالة عن عارف العزوني بفرز هذه الأرض وبيع كل قصبة بألفي ليرة سورية وكان والدي يملك بيتا في حارة جامع الرجولة باعه للقيادة العامة التي أهدته لأهل الشهيد نبيل المغربي بطل عملية الخالصة بمبلغ على ما اعتقد (٣٤٠٠٠) ل. س فاشترى الوالد ثلاث عشرة قصبة منها أربع قصبات لأخي سميح الذي كان يعمل مدرسا في ليبيا وبنى طابقين بالمبلغ المتبقى وبما ادخره وكنت يومها طالبا في دار المعلمين العامة (الصف الخاص) ويومها بنى عمي أبو وليد بيتاً كبيراً قام بتأجير المحلات الأرضية لإدارة حصر التبغ والتنباك والمعروفة بالريجة وهي تسمية من أيام الاستعمار الفرنسي وبعد عشر سنوات انتقلت الريجة إلى سوق الخضار ولكن التسمية ظلت عالقة هناك وبالرغم من صغر الساحة إلا أنها صارت مدينة للملاهي في الأعياد كساحة أبي حشيش ومن معالم الساحة خردوات الحوراني وصيدلية القوتلي وعيادة الدكتور لهام الشاهد وألبان الوفاء ومكتب الجودة العقاري وبنك التمويل والتجارة الدولي وبيت أبو محمد العنبر وجامعا الحبيب المصطفى والنعمان بن مقرن.

وقد أصاب هذه الساحة ما أصابها من خراب ودمار في هذه الأزمة حتى أن مبنى والدي وأشقائي بما فيها بيتي الجميل الذي كان أكثر من مئتي متر تعرض للقصف والحريق والنهب وهو تعب ثلاثين سنة مع زوجتي أم عمرو بمهنة التدريس بالرياض فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يتبع....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٠)
بداية شارع اليرموك قديماً:
أرسل لي صديقي الفنان موفق السيد صورة من مخيم اليرموك تعود إلى عام ١٩٦٨ وهذه الصورة بجانب بيت والد موفق المرحوم عبد الكريم السيد (أبو محمود) من الجاعونة والذي كان شرطياً في سلك وزارة الداخلية بالجمهورية العربية السورية.

وأما الذي ظهر واضحاً فيها فهو أبو أحمد عباس من كفر كنا، وكنا نطلق عليه اسم أبو أحمد الحداد وهو شقيق المرحومين أبو محمد العنبر وأبو رشيد عباس وأبو أمجد عباس الوحيد الباقي من أولاد الحجة صبحة والمقيم في الضفة الغربية إذ كنا نطلق على أبو محمد العنبر محمود الصبحة لقوة أمه وشهرتها في التربية.

في هذا الحي كان أول اليرموك لم يكن مركز الشهيدة حلوة زيدان قد شيد بعد كانت أرض بور كبيرة المساحة أذكر أنه في عام ١٩٧٣ بدأ العمل بالبناء بعد احتفال حضرة عدة ضباط ومسؤولين فلسطينيين منهم العميد محمد إبراهيم الشاعر والذي كان قد أرسله الحاج أمين الحسيني قبل عام ١٩٤٨ إلى سورية للدراسة العسكرية والتدريب.

وأما معالم المنطقة في تاريخ الصورة فكما يظهر كانت بقالية السعادة لأبي محمد الشامي ومحل لتصليح الدراجات لأبي فهد البسطاطي وبعد عدة أمتار للداخل للمخيم كان هناك أيضاً بقالية لرجل من يبرود اسمه أبو محمد وعلى عدة أمتار منها أيضاً بقالية أبو علي العيلوطي وفي المقابل كان هناك نادي اليرموك الرياضي لصاحبة الحاج محمود الكبرا من صفد والذي حاز على عدة بطولات عالمية في كمال الأجسام وبقالية أبي سليمان حجير ومحل أبو محمد الكوري من صفد لتصليح ماكينات الخياطة ووالد كل من جودر وجواد الذي افتتح في الثمانينات في المكان نفسه معهد الكوري لتعليم طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية وتابع جواد دراسته حتى نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد وإدارة الأعمال حتى صار أستاذاً في جامعة دمشق وغيرها وفي تلك المنطقة سكن المطرب الراحل فهد بلان في بداية ستينات القرن الماضي ومن أحد البيوت المطلة على شارع اليرموك كانت بدايته الفنية.

 

صيد العصافير:
كنا في ذلك الوقت أي في الستينات نلهو ونلعب ولا سيما في عطلة الصيف نخرج إلى غرب حارة الفدائية ونحمل معنا النقيفات والمقاليع وكنا نشتري مصيدة العصافير المعدنية من محل أبو محمد اليبرودي ونخرج للبساتين لنصطاد العصافير بعد أن نبحث عن الديدان في عيدان قصب السكر فننصب المصيدة بعد أن نطمرها بالتراب لنخدع العصافير ونجلس أربعة أو خمسة أولاد الساعات الطوال ونحن نرقب صيدنا الثمين وفي أحد المرات طور أخي محمد أدواته فاشترى غصنا مطليا بالدبق ونصبه على الشجرة وما أن يهدي عليه العصفور حتى ننطلق نحوه لنمسكه وفي أحد الأيام ابتكرنا طريقة جديدة وهي أن نأتي بغربال ونضع تحته بعض الحبوب وننصب الغربال على عود نربطه بحبل طويل نجره حتى نختفي خلف شجرة وأذكر أننا وبعد انتظار لأكثر من ثلاث ساعات اقترب عصفور حتى صار في مرمى الهدف فسحب أخي الحبل وكم كانت فرحتنا كبيرة لما تأكدنا أن العصفور غدا أسير غربالنا فركضنا نحوه لنلقي القبض عليه فما أن رفعنا الغربال قليلا حتى تمكن العصفور من الإفلات منا.

وذات مرة صعد ابن عمي جمال لأعلى الشجرة واستولى على فراخ صغيرة لم ينبت الريش عليها من عشها فما كان منا إلا أن ضربناه وأرغمناه على صعود الشجرة قبل أن يأتي الوالدان ولا يجدونها !! واعتبرنا أن ذلك من أكبر الكبائر.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:30 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٢١)
تخزين الأطعمة البيتية وأشهر الأعمال اليدوية
في بداية الستينات لم تكن ثلاجات الطعام منتشرة إلا عند القليل من الناس وقد اعتاد اللاجئون على تخزين الطعام بما يسمونه المونة حيث ترخص الخضراوات والبقول والفاكهة فيقوم الناس في مواسم متعددة لإعداد المونة والتي وعيت منها الكثير مثل تموين الزيتون ورب البندورة والمشمش والملوخية والبامية والمكدوس والفريكة وغيرها، وسأذكر بشيء من التفاصيل بعضها فالزيتون يبدأ تخزينه في بداية الخريف بنوعيه الأخضر والأسود كانت الوالدة يرحمها الله في الستينات تشتري أكثر من مئة كيلو لأننا كنا أكثر من عشرة أنفار وتقوم العائلة كلها مع الأقارب والجيران بتأدية طقوس هذا الموسم المبارك لأننا في يوم آخر سنذهب عند الجيران لمساعدتهم، فكان تخزين الزيتون على أنواع فمنه من كنا ندقه بالحجر دقة خفيفة ومنه ما يحزز بالسكين ومنه ما يترك كما هو بعد غسله وتصفيته ثم يوضع كل نوع في قطرميز أو مرطبان بعد تمليحه ووضع قطع الليمون عليه لعدة أشهر ريثما ينضج ثم يكون النوع الرئيس كل يوم على مائدة الإفطار. 

وأما مربى المشمش فكنا نشتري المشمش الكلابي؛ أي: ذا البزرة المرة ونقوم بحفلة جديدة أبطالها أبطال الزيتون ففي بادئ الأمر نقوم بفرز حبة المشمش عن البزرة ووضعها قي قدور كبيرة، ثم غليها على النار الذي غالباً ما يكون على موقد إما بالحارة أو على سطح المنزل وبعد الغلي يسكب السائل في صوان كثيرة وتترك في الشمس ليومين أو أكثر وبهدها يعبأ مربى المشمش في أوان زجاجية خاصة وأما بزر المشمش المر فكنا نبيعه للرجل الذي يصرخ في شوارع المخيم على عربته أو دراجته: «يلي عندو بزر مشمش للبيع، شحطات بلاستيك أواعي عتيقة للبيع».

وأما المكدوس وما أدراكم ما المكدوس!! فهو عبارة عن باذنجان وجوز وثوم وزيت زيتون كنا تشتري أولاً: حبات الجوز الكثيرة، ثم نقوم بتكسيرها بقاع الدار إما بالحجر أو بالشاكوش، وعلينا أن نكسرها بحنيِّة حتى لا يتحطم ما بداخلها، ولم أدرِ لماذا كانوا لا يشترون الجوز المقشور ألرخصه؟ أم حتى يرافق هذا الموسم طقوس موروثة؟ المهم بعد التقشير والتعتير يفرم الجوز ويخلط مع الملح والبهارات والزيت، ثم يُؤتى بالباذنجان المسلوق فيشق بالسكين ثم يحشى بخلطة الجوز ثم يوضع في مرطبانات زجاجية ليبدأ أكله بعد أيام. 

وأما موسم الملوخية فهو أكره المواسم عندي لأن قطف أو قصف الملوخية عن عيدانها مملة ومقيتة وحتى أن وريقات الملوخية لا تؤكل كالمشمش والجوز فعندما كانت العائلة تشتري خمسين أو ستين كيلو غراماً منها فعلى الجيران مساعدة بعضهم في هذه المهمة الصعبة تبدأ من الصباح الباكر وربما حتى العصر، وبعد أن تُنزع الأوراق عن عيدانها تقوم الوالدة بغسلها جيداً ونشرها ثم تخزينها لفصل الشتاء.

وما أن ينتهي موسم الملوخية حتى يطل علينا موسم البامية، ولكنه أقل صعوبة فالوالدة كانت لوحدها تقمع أكثر من عشرين كيلو ثم تجعلهم عقوداً بالإبرة والخيط وتنشرهم بالشمس حتى يتبخر الماء منها.

أذكر أننا عندما كنا ننتهي من غلي المشمش أو البندرة على سطح المنزل تأتي جدتي أم محمود طيب الله ثراها وتضع الصاج فوق ما تبقى من النار الهادئة وتصنع لنا لزاقيات وهي عبارة عن عجين يمد فوق الصاج ويوضع فوقه السمن والسكر وينضج بعد دقائق ناشراً رائحة طيبة في البيت كله فيتناول من ساهم في الأعمال الموسمية حلاوته الطيبة، كما كنا نرسل للجيران مما خَبَزَته ستي الحجة، وكنا نستغل رماد هذه النار نشوي فيها بعض حبات البطاطا، وأحيانا كنا نطمر البيض بالرماد الساخن كي نأكله ساخناً. 

هذه حالنا وحال أكثر جيراننا من سكان مخيم اليرموك فلسطينيين وسوريين، أمهات منذ طلوع الفجر تبدأ بتحضير الفطور، ثم الغسيل باللجن بعد جلب الماء من الآبار، ثم بنشر الغسيل، ثم بإحضار الطحين والعجن والتخمير والرَّق بالشوبك ونشره ووضعه على الطبق وخبزه إما بالبيت وإما بفرن أبو عوض أو الحصري، وبعدها بتحضير طعام الغداء وقضاء حاجات الأولاد من قطب الملابس الممزقة أو رقعها أو تصغير بنطال محمد حتى يصير على مقاس خليل وهكذا دواليك. 

ولم أنسَ يوم كنّا نخرج مع أمهاتنا إلى حقول القمح القريبة بعد حصدها ودرسها وذلك لجلب عيدان القمح، إذ كنا نربطها ونحملها على ظهورنا مما صار الآن بشارع الثلاثين إلى بيوتنا حيث تقوم ستي الحجة وأمي ونساء أعمامي بصنع أواني جميلة من القش منها السدر وهو: ما نضع فيه أرغفة العجين، ومنها السلال، ومنها أوانٍ ذات أشكال متعددة وجميلة، إذ كُنَّ ــ أي: نساء البيت ــ ينقعن عيدان القمح في الماء لعدة أيام ثم يبدأن بمهارة وإتقان بجمع عدة عيدان على شكل حزمة لا يتعدى قطرها سنتميتر ونصف، وتُلَف بعود آخر وبعدها تستمر العملية بتغذية الشكل بعِيدان جديدة وربطها بما سبقها بسنارة ربطاً محكماً، وحتى يبدو الشكل أكثر جمالاً كُنَّ يصبغن بعض العيدان بألوان منها الأحمر والأزرق والأخضر لتزيينه.

كما أنني أذكر ما كانت تقوم به والدتي من صناعة كنزات صوفية لي ولإخوتي عن طريق السنانير وكباكب الصوف ذات الألوان المتعددة، وهذا العمل يحتاج إلى صبر ومثابرة فربما تستغرق الكنزة الواحدة لأكثر من شهر، وأذكر أن أختي فاطمة تركت المدرسة فأرسلتها الوالدة تتعلم فن الخياطة عند بنت جيراننا من بيت أبو شقرة من أم الفحم، أظن اسمها عاصمة وهي شقيقة أصدقائي حمزة ويحيى، ثم عند بيت أبو راشد من طيرة حيفا، وبعد تعلّمها اشترى الوالد لها ماكينة يدوية من نوع سنجر إذ صرت خبيراً بالخياطة عليها وبتصليحها وتزيتها، وكنا نرسلها عند أبو محمد الكوري في أول اليرموك على الجسر إذا كان العطل مستعصياً.                                                  يتبع....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٢)
الحالة الثقافية في مخيم اليرموك
لعل أهم ما يميز مخيم اليرموك عن غيره من المناطق هو تنامي المشهد الثقافي منذ إنشائه، فمع قيام (الأونروا) ببناء عدة مدارس ابتدائية ومتوسطة رافق ذلك تزويد هذه المدارس ببعض الكتب لتزويد المدرسين والطلاب بمراجع بسيطة، كما رافق بناء المساجد وتجهيزها إنشاء بعض المكتبات في أغلب المساجد تحتوي على المصاحف وكتب الأحاديث والفقه المتعددة.

أول حرك ثقافي فلسطيني في المخيم كان عبارة عن تجمعات لبعض الغيورين المثقفين من المهتمين بالمكتبات والثقافة إذ برز منهم يوسف سامي اليوسف ومحمود موعد وداوود يعقوب وأحمد برقاوي وفيصل دراج ورشاد أبو شاور ومحمد أبو عزة وعبد الكريم الحشاش وعلي خشان وعبد الوهاب مصطفى ووالدي الذي كان يملك مكتبة كبيرة مذ استقر في المخيم وغيرهم. إذ كانت هذه التجمعات عبارة عن سهرات ثقافية تتناول الشأن الثقافي الفلسطيني العام.

كما كان لاستقرار الشيخ الألباني في المخيم في فترة الستينات والسبعينات مساهمة في تطور المشهد الثقافي فقد كان درسه الأسبوعي مشهداً مميزاً لطلاب العلم من المخيم ومن مدينة دمشق وريفها، كما شهدت بعض المساجد دروساً دينية أسبوعية لبعض الدُّعاة أمثال: الشيخ رجب وأحمد حجو وشوكت جبالي ورجا الكوسى رحم الله الأموات منهم والأحياء.

إلا أن مفهوم المكتبات العامة بشكلها الحالي لم تنشأ إلا بعد بروز الفصائل الفلسطينية إذ حرصت أغلب الفصائل على إنشاء مكتبات داخل تجمعاتها لترفد الفلسطيني بمعلومات عن قضيته وتساهم في تكور ثقافته ولعل أول من بدأ بذلك هي حركة فتح، إذ إنها بدأت في إقامة دورات تعليمية مجانية لطلاب المدارس في معسكر الأشبال. وأذكر أنني ذهبت عندما كنتُ في الصف السابع مع أخي محمد وأولاد الحارة ــ ممن كانوا في الصف التاسع ــ لحضور درس في اللغة العربية لأستاذ من بيت العمايري نسيت اسمه الأول وذلك في معسكر الأشبال مكان المدينة الرياضية الحالية وذلك عام ١٩٧٠،
كما قامت فتح بعد ذلك باستئجار بيت على شارع فلسطين وافتتحوا فيه مركز ماجد أبو شرار كان مديره الأخ مروان رشدان. 

وبعد «فتح» افتتحت «القيادة العامة» مركزَ عز الدين القسام في مجمع الخالصة ضم مكتبة كبيرة وقاعة للمحاضرات وبعدها تم افتتاح مركز الشهيدة حلوة زيدان في أول اليرموك والتابع لجيش التحرير الفلسطيني والذي يمتاز بقاعته الكبيرة والمشيدة خصيصا لذلك والتي كانت أكثر القاعات نشاطاً في عهد مديرتها سلمى اللحام إذ استقبلت مئات المحاضرين منذ افتتاحها في أول السبعينات، كما كانت تقدم عروضاً مسرحية عديدة أبطالها مجندون من جيش التحرير، وأذكر أنني حضرت عدة محاضرات منها: محاضرة للدكتور حسام الخطيب، وحفلاً مسرحياً بإشراف المبدع نهاد درويش.

وبعدها انتشرت عشرات المراكز والمؤسسات الثقافية ويستحضرني بعض الأسماء على سبيل المثال للحصر: المركز الثقافي الفلسطيني للجبهة الديمقراطية والتي أقول بحق: إنه كان من أفضل المراكز التي عملت بمهنية عالية إذ دأب هذا المركز على الاستمرار والتنوع الثقافي فأنشأ مكتبة الجيل الجديد وقاعة للمطالعة الحرة وصالة لعرض الأفلام ودورات تعليمية بأسعار رمزية، وأما الجبهة الشعبية فافتتحت مركز الشهيد غسان كنفاني خلف شارع المدارس ثم مركز جفرا في شارع اليرموك قرب موقف المؤسسة.

وفي الآونة الأخيرة مع وجود حركة «حماس» أنشأت عدة مراكز ثقافية تابعة لها أو قريبة منها أذكر منها نادي جنين الثقافي وتجمع العودة الفلسطيني (واجب) ومؤسسة فلسطين للثقافة ومركز إبداع وبيت فلسطين للشعر ومؤسسة القدس للثقافة والتراث.

ولعل أهم مركز ثقافي هو المركز الثقافي العربي التابع لوزارة الثقافة السورية والذي يعد أكبر مركز على مستوى مدينة دمشق قدم محاضرات وعروضا جيدة.

ومن الجدير ذكره أنه كان بالمخيم خمس دور للنشر هي: دار المسبار ودار الموعد ودار الشجرة للمرحوم غسان الشهابي ودار القدس للعلوم للأخ الدكتور محمود الطلوزي؛ والذي نشر عشرات العناوين ولا سيما الصحية منها. أما المرحوم غسان فقد نشر عدداً كبيراً من العناوين التي تحمل الذاكرة الفلسطينية كما كانت ينشر بعض مجلات المقاومة الفلسطينية كالحرية وغيرها. وأما مؤسسة فلسطين للثقافة والتي كان مديرها الدكتور أسامة الأشقر فكان لها نصيب الأسد بالنشر.

ولم يخلُ المخيم من المنتديات الثقافية الخاصة، ولعل أشهرها كان «منتدى الشاعرة ابتسام الصمادي» مؤسسة مدارس السمو والنائب في مجلس الشعب السوري سابقاً في دخلة شارع شعب المعروفة بدخلة مطعم اللورد.

وبالنسبة للمكتبات الخاصة والتي تهتم بالكتب فأكثرها نشأت منذ الستينات،ولعل أول مكتبة تجارية افتتحت بشارع لوبية قرب مفروشات طالب هي «مكتبة النهضة» إلا أنها كانت متخصصة بالقرطاسية وأما المكتبة الثانية هي التي افتتحها الوالد أواخر الستينات في شارع لوبية باسم «مكتبة الطلاب الحديثة» وأول مكتبة اهتمت بالشأن الثقافي، ثم انتشرت في الثمانيات عدة مكتبات، أما المكتبات التي اهتمت بالكتاب فهي مكتبة الرشيد في شارع اليرموك موقف الملجأ ومكتبة القدس قرب جامع فلسطين للباحث عبد الكريم الحشاش الذي أردف المكتبة الفلسطينية بمؤلفات عديدة متخصصة بالبدو في بئر السبع، ومكتبة عبد الحق مقابل ثانوية اليرموك للبنات، ومكتبة اقرأ مقابل خزان الكهرباء في شارع اليرموك والتي لم تعمّر طويلاً. 

وأما المعاهد العلمية المتخصصة لطلاب الشهادتين فانتشرت انتشار النار بالهشيم، ولعل أول معهد كان «معهد الكوري» في أول شارع اليرموك أو البشير في شارع فلسطين، لا أذكر بالضبط منذ أوائل الثمانينات، ثم تلاهما عدّة معاهد أذكر منها: العلا، طارق بن زياد، الإباء،الخيام، المختار، القدس، فلسطين. وأما أول مدرسة خاصة تحصل على ترخيص فهي «مدرسة السمو» لجهاد الصعبي وزوجته ابتسام الصمادي المشار إليها سابقاً.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٣)
وهذه الحلقة لا علاقة لها بالزمان والمكان فهي من الذاكرة الفكرية واللغوية
بعض كلمات خاصة بالمخيم: 
لا شك أن الله حبانا بلغة عربية فصيحة يستطيع الموريتاني أن يتفاهم بها مع الكويتي وهكذا...

ولا شك أيضاً أن لكلِّ بلدٍ بعض الكلمات الخاصة به أو اللهجات قد لا يفهمها إلا أبناء بلده، ومع انتشار وسائل الإعلام استطاعت بعض الكلمات من لهجات محلية أن تعبر الحدود ليفهمها كثير من الناس. 

وبما أننا سكنّا مخيم اليرموك منذ ستين عاماً مع أشقائنا السوريين فقد أخذنا وأعطينا واندمجنا، وأذكر عندما طفل صغير كانت جارتنا الشامية تطلب من أن أبحث لها عن ابنها وتقول لي: عيطلوا..! وكنت أظن أن عيطلوا يعني: ابكي له فأستغرب!! لكنها تعني لهم أن أصرخ عليه وهكذا.

ولما كنا نتحدث عن آبائنا كان الفلسطيني يقول: أبوي، وأما الشامي فيقول: أبي، وكنا نقول لأمهاتنا: يمّا وهو يقول: ماما؛ ومع مرور الوقت اندمجت اللهجتان ولم يعد أحد يفرق بين سكان المخيم سورييه وفلسطينييه.

إلا أن هناك بعض الألفاظ ظلت ماركة للمخيمين الفلسطينيين علها انتقلت معهم من مدنهم وقراهم من شمال فلسطين وغيرها وثقل نقلها للآخرين ومنها: 

خيّا وخيتا: وهما لفظتان محببتان لشباب المخيم تتقرب بهما لمن تعرفه أو لا تعرفه، فإن رأى أحدٌ منهم ملهوفاً فسرعان ما يقترب منه شهم بقوله: بدك شي خيّا، بدك شي خيتا وما أن تخرج كلمة خيا أو خيتا فقد أصبح من تخاطبه معصوم المال والدم والعرض. 

إلبد: ومعناها اقعد وتقال لمن تكثر حركاته ولا سيما الصغار، ومثلها كلمة: كِنْ بكسر الكاف. 

مشحّر: وهي كلمة تدل على سوء الحال بوصفه مشحّراً، ولا أعرف أصلها فربما تكون محرفة عن مشحبر، أي: كثير الشحبار الأسود الذي يخرج من بواري المدافئ، ومن طريف ما يروى: أن شرطيّاً من قسم اليرموك دق على أحد بيوت الطيارنة قرب الإعاشة لتبليغ شاب مراجعة المخفر ففتحت له الأم وقالت: المشحر تقاتل مع أخوه وطلع من البيت، وبعد مدة رجع الشرطي فقالت له: المشحر قلعوا أبوه من البيت؛ وفي المرة الثالثة ولما فتحت الأم الباب سرعان ما بادرها الشرطي بقوله: المشحر هون؟!! 

مغبّر: مثل المشحّر وهي من كثرة الغبار، ومنه الحديث الشريف: «ربَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَّه».

قاروط: وفي اللغة القاروط هو من فقد والده أو والديه وتقال للولد المشاكس، وكثيراً ما كانت جدتي تصرخ علينا حتى نهدأ بقولها: بس يا قواريط البين!!.

يشقبع: كنت في محاضرة بالسنة الثالثة في قسم اللغة العربية في درس للغة الإنكليزية للدكتور إبراهيم يحيى الشهابي (من لوبية) فكان يشرح لنا قضية اجتماعية ومما قاله عندما يكبر الولد ويخرج عن طور والده ماذا يفعل له أبوه: يروح ان شاء الله يشقبع، عندها همست طالبة دمشقية: ما معنى يشقبع؟ فردت عليها طالبة فلسطينية يعني بالشامي يصطفل!!

قوطر: روح شفلك شغله أو انصرف حالاً.

براطم: ومعناها: شفايف تستخدم لما غلظ منها ويقولون: فلان براطمه كبيرة.

انخمع: مثل: انطم؛ وهي فعل أمر بمعنى: اسكتْ ولا كلمة. 

مهيص: وتستعمل لمن أصابه فرح وحبور وسرور.

مكتة: صحن سيجارة.

الحيط: يأتي بمعنى: الجدار والسطح فيقول أحدهم: يما طالع على الحيط أكش حمام. 

خشم: وهو الأنف إذا كان كبيراً.

أبو ريالة: وهو من سال الماء من أنفه، وتستعمل للتهكم على الصغار.

فرمشية: صيدلية، وبما أن بريطانيا كانت محتلة لفلسطين فقد نقل لنا أجدادنا هذه اللفظة معهم.

الدُّولة: وهي غلاية القهوة.

سيدي: جدي إذا كان والداً للأم لتفريقه عن الجد الذي هو والد الأب، وهي خاصة بقرى بعض الشمال كصفورية.

قريد العش: وهو آخر العنقود الدلع الذي لا يردعه أحد.

زنخ: وهو الذي لا يطيقه الآخرون.

تنح: مثل التيس من كان رأسه يابساً عنيداً.

برنجي: ويقولون: مل شي فرنجي برنجي، ومعناها: الجميل والرائع وربما أصلها تركي.

لنج: أي جديد للتو خارج من المصنع (بالجيم المصرية).

جخّة : أي شيء حلو ومفرح.

دبعي: ويصفون فيه الغبي قليل الفهم.

الهتلة: الجبان الخائف. 

الخنجعة: وهو الأشد جبناً وخوفاً.

الحزيط: وقد أعجبني قول ابنتي بيان عن معناها أنها منحوتة من كلمتين : حزين وعبيط.

ومما عثرت عليه هذه الكلمات أيضاً وأكثرها كان أهلنا يستخدمونها في فلسطين:

جلدة: بخيل.

أنجق: بالكتير.

حكورة: حديقة.

بوزكَ: وَجْهَكَ.

زكم: فم.

اخمعْ: اضربْ.

على بلاطة: هات من الآخر.

فشكة: رصاصة كلمة (أصلها تركي).

ستيم: بابور (غاز صغير) كلمة أصلها تركي وهناك من يقول بأنها الشيء الذي يعطي هوا أو المنفاخ للبابور الكاز.

سيرج: زيت السمسم.

بنكيت: رصيف.

اخرطْ: اقطعْ. وتقال أحياناً للكذَّاب، أو يقال: بعرط.

مطشش: مهوي على باب الله.. هههه.

كوربة: لفة في الشارع.

بيقزز: مقرف، أو بيقرِّف.

ملغوص: مخربط وهناك من يقول بأنها كلمة تقال للي بيدلل عكثير ومامنه فايدة من كثر الدلع.

ابصر: ما بعرف..أنا داري!

خرقة: فوطة التنظيف.

انقشع: انقلع من وجهي هههههههههه (اذهبْ بعيداً).

قيطان: رباط الحذاء.

قشاط: حزام البنطال (السروال).

شهورني: أبرحني ضربًا.

حبطرش: كثيرة.

انقرم: انكسر.

خراف: حديث.

خزق.: خرم.. ثقب.

قَمْبَزَ: أي جلس القرفصاء.

بيجعِّر: بيصرخ.

أوعى: احذرْ.

المصطبة : تعني أرض الغرفة.

هَوَّد: بفتح الهاء و تشديد الواو تعني: نزل.

مقلعط : وسخ.

قشل: خيبة و سوء حال.

شلبي: كويس.

شهّل: أسرعْ.

تعليلة: سهرة شباب وتستعمل سهرة شباب القرية لتوديع العريس.

لاصة: الطين (طينة).

شحاته: كبريته.

قزعه: بضم الكاف تعني الشيء الصغير أو الجسم الصغير.

مسلوع: يعني نحيف جداً.

خشة: غرفة صغيرة.

زكة: دخلة صغيرة.

يزلع: يحاول أن يرجع ما في معدته.

حوش: ساحة أمام المنزل.

الخوصه: السكين.

الدقه: الزعتر المطحون وهناك من يقول بأنها القمح المحمص والمطحون ناعم جداً مع حمض الليمون.

الرصيص: الزيتون المكبوس.

المدرقه: الثوب المطرز.

الكوفيه: الحطة.

الكيله: الكاسة وهناك من يقول بأنها الكاسة المصنعة من المعدن وكانت في العصر القديم شائعة كثير.

المقشة: المكنسة.

الوطا: الحذاء وهناك من يقول بأنه الأرض وليس الحذاء.

يتبع .....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٤)
دراستي في المرحلة الإعدادية
كما أسلفت سابقاً أن والدي بارك الله في عمره أحبَّ أن يسجلني في مدارس الدولة فبادر بنقلي في منتصف السنة الدراسية للصف السادس إلى مدرسة أحمد عرابي بالقاعة، وهي المدرسة نفسها التي كنت طالباً بها في الصف الأول الابتدائي عام ١٩٦٣، وكذا صرت فيها معلِّماً عام ١٩٧٧؛ وذلك حتى يتم النقل آلياً مع زملائي في المدرسة إلى إعدادية الميدان الأولى في كورنيش الميدان قرب كازية المهايني، وكان ذلك مطلع العام الدراسي ١٩٧٠/١٩٦٩.

ذهبت في اليوم الأول للدراسة ماشياً، إذ لم تبعد عن بيتنا مسافة خمس عشرة دقيقة سيراً على الأقدام، وكان المبنى مستأجراً الباحة فيه عبارة عن قبو معتم وهو قريب من سكة القطار المتجه لمحطة القدم.

نزلت مع جميع طلاب الأول الإعدادي للباحة وكان علينا أن نسحب ورقة من كيس ورق تحدد لغة الطالب إما إنكليزية وإما فرنسية، وكم تمنيت أن يكون حظي اللغة الفرنسية لا حُبّاً فيها؛ بل قلت: لعل والدي يرجعني لمدارس الأونروا في المخيم حيث الجيران والأصحاب والملاعب والبناء الصحي. وما كل ما يتمناه المرء يدركه... فكما يقال لي: أنتي محظوظ فقد كانت قرعتي اللغة الإنكليزية حسب رغبة الأهل ورغبة نبض الشارع الذي يكره الاستعمار الفرنسي ولغته.

تعرفت في الصف السابع على عدد من مدرسي وموجهي المدرسة منهم: حسني حمدان القيادي في فتح وخليل الشربجي وأستاذ اللغة الإنكليزية الذي كان يأتي للمدرسة من موقف أبي حسن على شارع فلسطين واسمه موعد موعد من صفورية، وكان رجلاً مُسنّاً اشتهرت منه عبارة: (بتكتبهن وبتحفظهن وبكرة بتيجي بتسمعهن) أي: كلمات اللغة الانكليزية. وأما مدرس التربية الدينية فكان نذير قلِّع. وأما ابن عمي يوسف إبراهيم فقد كان يدرس التربية الفتية، والأستاذ جمال أبو عاصي من غزة، فقد كان فتحاوياً بامتياز فقد حفظ طلاب المدرسة كلها أناشيد الثورة الفلسطينية من بلادي بلادي بلادي. فتح ثورة ع الأعادي. إلى طل سلاحي من جراحي/ أنا يا أخي/ فوق التل تحت التل....إلخ، إذ كان عازفاً ماهراً وموسيقياً بارعاً.

تراجع مستواي العلمي في هذه المدرسة بسبب تغيير المدرسين بشكل مستمر، فما أن يطل علينا المدرس لأسبوع أو أكثر حتى يأتي غيره وهم طلاب جامعات يقتاتون من تدريس الساعات، وأذكر أنني عاصرت الشغب والإهمال من الطلاب لأول مرة عن قرب، فمدرسو الساعات أو غيرها ونظراً لأعداد الطلاب الكثيرة في الفصل يصعب السيطرة عليهم، وما أن يستأذن الطالب بالخروج من الفصل سرعان ما يسمح له المدرس عله يرتاح من رقم زايد.

فصرت ككثيرٍ غيري كثيرو الاستئذان للتنزه عدة دقائق والثرثرة في الباحة أو على الأدراج.

عرفت من الطلاب في هذه السنة أصدقائي من أحمد عرابي مثل: أحمد الكحال وحسين حمد، وأما الجدد من المخيم فكان معنا المرحوم محمود شحادة من الجاعونة، ومحمد خير خرطبيل من طبريا، وحمزة أبو شقرة من أم الفحم، وكان معنا عدد لا بأس به من الطلاب السوريين القاطنين في حي التضامن، أذكر منهم: توفيق نوفل وغازي عامر وماجد جدعان ونبيل عسكر، كثيراً ما كنا نرجع لبيوتنا سيراً على الأقدام من بوابة الميدان حيث نمر بين المقابر ثم نكمل طريقنا إلى مقبرة الأربعين التي أزيلت فيما بعد، وبعدها نعرج إلى المخيم الفلسطينيين يدخلون من شارع اليرموك، أما السوريون فمن شارع فلسطين يدخلون إلى حي التضامن.

كان الدوام نصفياً ثلاثة أيام صباحاً وثلاثة أيام ظهراً، وكنت أفرح بالدوام الصباحي لا سيما قبل الولوج للمدرسة، إذ كان القطار يمر في السابعة إلا ربعاً كل صباح فنقف نتفرج عليه وهو يهدر، ولفت انتباهنا كل يوم يقوم شيخ ملتح يجلس على كرسي ويرمي بفرنكين على الأرض من عربته فيقوم ولد من مدرستنا بالتقاطهما، وبعد البحث والتحري علمنا أن هذا العجوز هو جد الغلام يلقي له خرجيته.

انتقلنا في السنة الثانية إلى بناء جديد قرب الثانوية الشرعية قبل موقف الغواص وكانت مدرسة نموذجية ببنائها، عرفت فيما بعد بإعدادية عزة حصرية وأذكر من وقتها كان العمل في جامع الحسن قد بدأ تباشيره، وبقيت في هذه المدرسة سنتين عرفت خلالها مدرسين جُدد من المخيم وغيره، أما مدرسو المخيم فكان أستاذ الرياضيات أحمد موسى أبو عدنان من الحولة، وأستاذ الديانة أسعد غنام من طيرة حيفا، وأستاذ الفنية ابن عمي يوسف من لوبية، وأستاذ الإنكليزي وليد كاملة من صفد، ثم قاسم درويش من الشجرة صاحب أول معهد لغة في المخيم، وكان موجه صفنا الأستاذ خليل شنار على ما أذكر.

يتبع ......

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٥)
التنظيمات الفلسطينية في المخيم:
ما زلت في طيف المرحلة الإعدادية والتي استغرقت الفترة من عام ١٩٦٩ وحتى صيف ١٩٧١، وفي هذه الفترة مرت أحداث شهيرة على المنطقة منها: انتشار التنظيمات الفلسطينية على الساحة، وأشهرها حركة «فتح» لا سيما بعد معركة الكرامة عام ١٩٦٨ في الأردن حيث انتشرت «حركة التحرير الفلسطيني» في المخيم وغيره فافتتحت عشرات المكاتب لفتح وغيرها، وفي تلك الفترة تم افتتاح معسكر الأشبال كما أشرنا في حلقة سابقة، وصرنا لأول مرة نعرف في المخيم مكاتب لتنظيمات فلسطينية فكان مكتب القيادة العامة قرب جامع صلاح الدين الأيوبي، والجبهة الديمقراطية ما بين الدوار والإعاشة، وأما الشعبية فافتتحت مكتباً على شارع اليرموك خلف حلويات إدريس، وأما جبهة النضال فقد استأجرت بيت الأستاذ محمود الحلبي أبو أحمد من عكا الذي يطل على شارع اليرموك من جهته الغربية وعلى الشارع المطل على حارة جامع الرجولة من الجهة الشرقية، واعتقد أن اسمه شارع الرامة أو الرملة وأذكر أن معظم أبناء جارنا الحلبي انتظموا في جبهة النضال منهم أحمد الحلبي الذي كان يتمتع بصوت رخيم إذ كان يقلد فريد الأطرش في الأعراس الشعبية وحتى في نوادي دمشق الليلية، إذ كان اسمه الفني المطرب (أحمد وحيد)، وأما إخوته محمد ووصفي فتركا الجبهة مع أحمد إذ لم يبق فيها إلا أخوهم الصغير الذي نسيت اسمه، وبعد مدة أغلق هذا المكتب وانتقل إلى حارة استوديو القنديل قرب ألمنيوم كتيلة على ما اعتقد. 

 وفي ١٩٧٠/٩/٢٨ شهد المخيم يوماً غير عادي إذ سرى نبأ وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر فاجتمع المئات من الشباب والأولاد وانطلقوا في مسيرات تحمل صورا للزعيم الراحل وتهتف لفلسطين وعرفات وتسقط إسرائيل والاستعمار والرجعية، وظلت المظاهرات لأيام عديدة لأن المدارس لم تكُ قد فتحت أبوابها بعد.

 وشهدت في تلك المرحلة المعارك الشهيرة بين التنظيمات الفلسطينية والجيش الأردني فيما عرف بمعارك أيلول وذلك عام ١٩٧٠ ولأول مرة أشاهد طلاب وطالبات مدارس «الأونروا» يخرجون في شارع اليرموك في مظاهرة حاشدة يستنكرون فيها ما يحدث، وأذكر أنني شاهدت بنت أبو رشيد عباس القريبة من عمرنا لم يحضرني اسمها تهتف: فلسطين عربية، وظلت المظاهرة تكبر حتى وصلنا إلى موقف الجسر على شارع اليرموك إذ حضرت الشرطة وفرقتنا. 

وأذكر ذات صباح باكر وبينما كنت أقف على موقف الجسر أول المخيم بانتظار الباص إذ لاحظت عدداً من الطلاب الكبار يحملون أعلاماً يتزعمهم الطالب إحسان الخضراء، فلما استفسرت قالوا لي: سنذهب إلى ثانوية الكواكبي لتحريض الطلاب للخروج في مظاهرة، فسرَّني الخبر وانضممت إليهم، وبعد أن تكاثر عددنا سرنا مسرعين باتجاه الثانوية دون إظهار الأعلام أو اللافتات وما أن وصل الشباب إلى ثانوية الكواكبي حيث بدأ الهتاف نصرة للفدائيين واستنكاراً للصمت العربي وبدأ رمي الحجارة الصغيرة على المدرسة فما كان من الطلاب المداومين إلا تشجيعنا من خلال النوافذ برفع أياديهم، وطُلب منّا أن نقتحم المدرسة ونفتح أبوابها. أحكمت أبواب المدرسة، وبعد دقائق حضرت سيارات الشرطة وفرقتنا فما كان منِّي إلا أن تابعت سيري نحو مدرستي كي ألحق ما تبقى من الحصة الأولى ولأحمل خبراً عاجلاً لأصدقائي هناك. 

كما شهدت الفترة نفسها كثرة تشييع الشهداء إذ كان لا يمر أسبوع إلا وجنازة شهيد أو اثنين، ولك أن تتصور هذه المواكب الضخمة من أهل اليرموك والمخيمات القريبة منه بجموعها التي كانت تهدر كالسيل تنادي بالثأر للشهداء يتخللها إطلاق أعيرة نارية كثيفة حتى تصل الجموع لجامع فلسطين، وبعد أن يُصلَّى على الجثامين تستأنف مشاهد التشييع وما يتخللها من هتافات وإطلاق أعيرة من الكلاشنكوفات حتى تصل لمقبرة الشهداء. 

وفي ١٩٧٠/١١/١٦ كنت في بداية العام الدراسي في الصف الثامن إذ صحا المخيم ومدينة دمشق على خبر غير عادي عرف فيما بعد بالحركة التصحيحية بقيادة الرئيس حافظ الأسد وكانت مدرستنا في الميدان بموقف الغواص، وكان دوامنا بعض الظهيرة فخرجت مشياً ومررت من جانب ثانوية الكواكبي فشاهدت عشرات الطلاب يشاركون في التظاهرات، وأذكر يومها أنني رأيت جارنا نمر الحسين شقيق خالد الحسين مرافق الرئيس حافظ الأسد يراقب المتظاهرين ويوجههم، وأذكر أنني تابعت سيري لمدرستي حيث انتظم الدوام وكأنَّ شيئاً لم يكن.               يتبع....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:31 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٦)
حارة اليهود ومدرسة الأليانس
حارة اليهود: 
من المعروف أن عدداً لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين سكن في حارة اليهود منذ بداية خمسينات القرن الماضي وهي البيوت التي استولت عليها الحكومة السورية بسبب هجرة أصحابها اليهود هجرة غير شرعية لفلسطين؛ إذ قامت الحكومة السورية بتفويض مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين بالإشراف عليها وتوطين بعض العائلات الفلسطينية حيث كان نصيب خالي جميل اللبابيدي غرفة ومطبخ وحمام منفصل؛ إذ كان يقيم معه ستي أم جميل وأخوالي أمين ومحمد وكذا كانت خالتي المرحومة جليلة زوجة المرحوم محمود العموري أبو غازي يقطنون في بيت أخر. 

كنت أتوق لزيارة حارة اليهود إما مع والدتي وإما وحدي أو مع إخوتي، كانت المسافة من مخيم اليرموك لحارة اليهود عملية شاقة في ذلك الوقت إذ كان عليَّ أن استقل الباص من شارع فلسطين ليوصلني إلى آخر موقف للباصات وكان يومها في شارع مسلم البارودي مقابل التكية السليمانية ومن هناك كنت أمشي في شارع النصر لأصل إلى غرب المحكمة حيث كانت تنطلق من هناك باصات مكتوب عليها قصاع باب شرقي فأستقلها كي توصلني قرب مدرسة المحسنية بعد أن تخترق السوق الطويل المغطى؛ وأحيانا أتابع سيري مشياً على الأقدام لأصل لبيت خالي الذي كان غرفة كبيرة مساحتها أكثر من عشرين مترا مرتفعة جداً يزينها رخام جميل يتخلله رفوف حائطية لم أرَ مثلها في حياتي، وهذه الغرفة كانت تطل على ساحة كبيرة يلاصقها غرف كثيرة تسكنها عائلات فلسطينية ما زلت أذكر منهم بيت إبراهيم سلمى من صفد الذي بجده ونشاطه امتلك مطبعة قرب الأموي سميت بمطبعة الربيع ثم تحولت المطبعة إلى المحل الذي يبيع الشرقيات على يمين باب المسجد الأموي الرئيس، وكذا كان جار خالي حسين السليم العلي شقيق ناجي العلي من الشجرة وكنت ألعب مع أولاده سليم وحسين وغيرهم من العائلات الفلسطينية ومن الغريب أن لكل غرفة كبيرة مطبخ وحمام وقبو بعيدة عنها ولكنها في فناء الدار إذ كان مطبخ خالي مقابل غرفته ولأول مرة أرى «البوتوغاز» عنده وأظن أنه قد اشتراه حديثاً لأن الحديث كان في الجلسة عن مخاطر الغاز وكيفية استخدامه وطرق السلامة منه؛ وأما الحمام فعلى ما أذكر كان في الجهة الشرقية للمجمع إذ أنه كان الحمام الواحد لعدة عائلات. 

وأما بيت خالتي أم غازي فكان يبعد عن بيت خالي مسافة ما إذ كنا نخرج للشارع ونمشي باتجاه باب شرقي ونمرّ من منطقة أثرية فيها كنيسة كبيرة وأعمدة ضخمة حتى نصل لموقف القشلة فهناك حديقة صغيرة ننعطف لليمين ونمشي قليلاً ونرى بعض عجائز اليهود يجلسن أمام بيوتهن حتى نصل لبيت خالتي يرحمها الله، وأحياناً عندما كنّا نعود للمخيم نمشي في حارات اليهود ونمرّ على مدرسة لليهود اسمها مدرسة ميمون بن القداح ثم نصل لجامع اسمه الجامع الأحمر وعلى مقربة منه مدرسة «الأليانس» ومن هناك نمشي لباب مصلى لنركب بالباص إلى المخيم.

كان خالي رحمه الله موظفاً في شركة الخطوط الجوية الكويتية وكان يأتي ببعض الهدايا البسيطة من نوع الدعايات ويفرحنا فيها كالأقلام وصحون السجائر كما كان يأتي كل شهر بمجلة اسمها «البراق» تصدرها شركة الطيران التي يعمل بها كنت أقرؤها وآتي بها للمخيم.

أذكر أن خالي أمين هاجر إلى ألمانيا عام ١٩٦٤ ببعثة دراسية وذهبنا لنودعه وقد نمنا في قاع الدار إذ كان المودعون كثيرين وأذكر أنه عاد لدمشق في زيارة عام ١٩٦٦ بسيارة فولكس فاكن زرقاء اللون؛ إذ كنا نحرسها مع أولاد عمي عندما كان يزورنا في مخيم اليرموك.

في إحدى ليالي رمضان المبارك بِتُّ عند ستي أم جميل فأيقظتنا على السحور ثم سارت بنا أنا وإخوتي وبنات خالتي إلى المسجد الأموي حيث حضرت الموشحات الدينية لأول مرة ويومها شاهدت الرجل الذي اشتهر بعبارته المكررة التي كنت أسمعها من الراديو: (صلوا على الحبيب) إذ رأيته يحمل دلوا وطاسة يمر بين الصفوف ليوزع الماء على المصلين قبل أذان الفجر، صلينا الفجر وبعد الصلاة تحلقنا في حلقة من الحلقات العلمية الكثيرة ولأول مرة استمع لقصة بقرة بني إسرائيل من شيخ معمم. 

مدرسة الأليانس: وهي مدرسة شهيرة جداً تتبع لشبكة مدارس الأليانس الممتدة من تطوان بالمغرب وحتى القدس وقد أنشأها الاتحاد الإسرائيلي العالمي منذ نهاية القرن التاسع عشر لليهود، وأما مدرسة الأليانس في دمشق فأنشأت كما قرأت على جدارها عام ١٩٣٢ وتقع بين أحياء الشاغور وحي الأمين والبيطرية وحارة اليهود وهي مدرسة كبيرة جداً فيها أكثر من خمسين فصلاً بعد أن غادر اليهود سورية أدارتها الأونروا وأخذت مؤسسة اللاجئين قسماً منها أنشأت به معهداً دراسياً داخلياً اسمته: معهد سعيد العاص. 

عهدي بمدارس الأليانس منذ بداية الستينات إذ كان مركز توزيع الأونروا بالقرب منه، أذكر أنني ذهبت مرة مع الوالدة وجيراننا بيت أبو علي العايد هناك ربما لاستلام الحليب الناشف أو للتسجيل ويومها رجعنا سيراً على الأقدام للمخيم، أما الزيارة الثانية فكنت في الصف السادس وكانت هناك مباراة في كرة القدم بين مدرستنا مدرسة صرفند ومدرسة الأليانس فذهبت هناك مشجعا ولم أذكر من الذي فاز ولكنني أذكر جيداً أنني خرجت باتجاه باب مصلى لأرجع للمخيم وكدت أن أضيع لولا أن رأيت ابن جيراننا بكر ابن أبو العبد السنكري يركب حماره فأردفني في رحلة ممتعة اجتزنا خلالها الزاهرة القديمة وكم كانت فرحتي كبيرة لما رأيت معالم المخيم.                                 يتبع ....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٧)
رحلة الحج من المخيم ١٩٧٢م:
في خريف عام ١٩٧٢ كنت في الصف العاشر، أراد الوالد أن يؤدي فريضة الحج للمرة الثانية فهو قد أداها للمرة الأولى عام ١٩٥٨ يوم كان عمره ثلاثين عاماً، أما هذه المرة فقد أحب أن ترافقه أمي وستي الحجة وعمتي فريجة وبعد أيام كبرت القائمة لأكثر من عشرة حجاج من المخيم أغلبهن نسوة منهن من لوبية صالحة العبد وعايشة الباش ومن الشجرة سعدة الحنيف ومن نمرين أم أحمد وأما الرجل الوحيد الذي كان معه هو يوسف الخطيب من الخالصة وجميعهم ختايرة أعان الله من يهتم بهم، وبعد أن تمت الموافقة دفع كل حاج أربعمئة ليرة سورية لا غير تتضمن أجرة الباص والطواف والإقامة، وقبل السفر بحوالي أسبوع غدا بيتنا مقصدا للزوار المودعين ولا سيما من النساء كل واحدة منهن تأتي بهدية متواضعة قطعة قماش أو باكيت ناشد وتجلس في غرفة مع النساء ويبدأن بالموشحات والأناشيد مثل:

طلع البدر علينا،

ومحمد يا حبيبي سلام عليك،

ويا آمنة بشراك سبحان من أعطاك...

ومما أحفظه أغنية جميلة كن يرددنها مطلعها:

نيالك يا حجة ركبتي بالبابور، يعني: هنيئا لك ياحجة ستركبين بالقطار وربما هذه الأغنية من التراث الفلسطيني إذ كان الناس هناك وبعد مد الخط الحديدي الحجازي يركبونه للمدينة من يافا، وليس هذا خاص بنا بل في المخيم كله فالاحتفال بالذهاب للحج كان يعدله الفرحة بقدوم الحجاج والأقارب والجيران يجتمعون للتوديع فالرجال غالبا يجتمعون بالمسجد أما النساء بالبيت.

أذكر ما قاله يومها جارنا أبو درويش بيكو: قال لي والدي بعكا أنهم كانوا يودعون الحجاج وفي اليوم نفسه يستقبلون القادمين من مكة أو المدينة !!

ولما حان موعد السفر حضر باصان أو ثلاثة للمخيم على شارع اليرموك وكانت القافلة بإشراف الحاج أحمد موعد من صفورية واعتقد أن معظم ركابها من اللاجئين الفلسطينيين فحضر للمخيم حجاج من السبينة والسيدة زينب ودنون وخان الشيح وجرمانا وغيرها وعند صعود الركاب بدأت المشكلات من مرافقي الحجاج كل يريد أن تجلس جماعته بالمقدمة تأخر المسير لأكثر من ساعة حتى أعطى الحاج أحمد موعد أمرا للسائقين بقوله: اسبقوني على القدم، فامتثل السائقون لأمره وما أن وصلت الباصات للقدم حتى سبقها المودعون وهناك تم إعادة المشكلات، وبعد عناء طويل تم التوصل لاتفاق ما سارت بموجبه الباصات صوب درعا.

عدت للمخيم مع مودعي المخيم وكان الجو باردا ومرت الأيام وجاء عيد الأضحى ولم نتلق أي اتصال من الحجاج وانتهى العيد وبدأنا بتزيين البيت بالأعلام، كنا نخرج مع جارنا أبو مروان الديك لأن أمه كانت بالحج وأولاد أبو حسين بيكو لأن أباهم أيضاً بالحج ولكن مع قافلة أخرى نلتقط أغصان الأشجار لنصب عرائش أمام البيوت كما هي العادة،

مرَّ أسبوعان بعد العيد وبدأ الحجاج يعودون والأفراح تعم آل الحجاج، وانتظرنا أسبوعا وأسبوعا ولم تحضر قافلة الأهل ولا حتى لم نتلق أي خبر، كنت أخرج مع أخي محمد إلى بوابة الميدان ننتظر ساعات وساعات ونهرع على كل باص قادم من مكة أو المدينة نحدق به عله يكون هو المقصود، أو يعرف شيئاً عن قافلة الحاج أحمد موعد، انتهى شهر ذي الحجة وبدأ شهر محرم وعاد أكثر الحجاج إلى بيوتهم وساورنا الشك وصرنا نضرب أخماسا بأسداس، وفي غمرة هذه الأحداث وصلتنا قصاصة من الورق مع أحد الحجاج أظن أبو غسان الشرطي من إدلب جار جامع الرجولة كتب فيها بخط الوالدSad السلام عليكم، نحن بخير؛ ولا داعي للزينة ) اجتمعت العائلة كلها أعمامي وإخوتي وأولاد عمي كل واحد يجتهد في التفسير، وحل اللغز، هرعنا للرجل نسأله لم يكن جوابه واضحا قال رأيت أبا سميح عند الحدود السعودية الأردنية وأعطاني هذه الورقة.

لم يكن لنا بال أو يهدأ لنا حال إلا بعد أسبوعين حين حضر الحجاج للمخيم بغير الباص الذي ذهبوا به وكانت حالة الحجاج يرثى لها: الحمد لله على السلامة: شو صار معكم، ليش التأخير ؟ وأسئلة أخرى أجاب عها الوالد بحسرة

قال الوالد: يا إخوان، بعد أن انتهينا من زيارة المدينة المنورة ركبنا في الباص لنتجه إلى الشام كانت أغراض الحجاج فوق الوصف تعلو الباص: تابع الوالد حديثه: صعدت لأجلس في مكاني فحصل نزاع بيني وبين رجل من القافلة يريد أن يجلس في المقدمة فتدخل الحاج أحمد موعد وحل المشكلة بأن أركبني معه في التكسي وفعلاً تركت مقعدي وانطلقت التكسي أمام الباص وطار الحاج أحمد بسيارته ولم يقف إلا في الحدود في حالة عمار على بعد ثمانمئة كم عندالحدود السعودية الأردنية ووقفت والحاج أحمد موعد ننتظر الباص مرت ساعة وساعتين وثلاث وأخير سألنا بعض الباصات القادمة فأخبرونا أن أحد الباصات ومن كثرة الحمولة قلب على الطريق على بعد ستة عشر كيلا من المدينة المنورة كما أكد الخبر شرطة الحدود السعودية وأخبرتنا أن هناك قتلى وجرحى!!

قال الوالد: رجعنا إلى المكان بعد هذه المسافة الطويلة وقد أنهكنا التعب وساورنا الخوف وشاهدنا الباص وعلمنا من المشفى أن ستة ركاب لقوا حتفهم وأن باقي الركاب ما بين جريح ومكسور وأن السائق البدوي الذي ينتمي لعشيرة الذيابات ومن سكان السيدة زينب لاذ بالفرار، ثم قال: رحمة الله عليه، قلنا من ؟ قال: الرجل الذي أصر أن يجلس مكاني: فقد لقي حتفه وبعد دفنه مع الآخرين بالبقيع وعلاج المصابين واستئجار باص جديد تأخرنا في العودة.

لم أذكر كيف قضينا هذا اليوم أنفرح بقدوم الحجاج أم نعزيهم بالراحلين أم نحزن على ما تخبئه لنا الأقدار ؟

بالفعل كان الحزن نصيبنا فما أن انتهى موسم التهنئة من أقاربنا وجيراننا بالحج وبسلامة الوصول وبعد توزيع التمر وماء زمزم وقطع القماش على المهنئين بدأت الحاجة جميلة بنت حسين اللبابيدي تشعر بالإعياء وظننا أنها وعكة عابرة ولكن الحالة استمرت واستمرت فاحضر والدي طبيب الجمعية الخيرية الفلسطينية من شارع لوبية الذي أخبرنا أن الوالدة تعاني من جلطة بالدماغ من أثر صدمة قوية!!

بعد أربعة أشهر من الوصول إلى دمشق من رحلة الحج وفي الحادي عشر من حزيران من عام ١٩٧٣ أسلمت الوالدة روحها لبارئها عن أربع وأربعين ربيعا بعد أن تركت ثلاثة أولاد وسبع بنات، منهم ثلاثة متأهلون، وأصغرهم هدى التي لم تتجاوز سنواتها الخمس بعد.

رحمها الله وجعل مثواها جنة عرضها السموات والأرض.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٨)
المرحلة الثانوية:
ودعت المرحلة الإعدادية والميدان عام ١٩٧١م وأذكر أن مركز اختباري كان في مدرسة أبي فراس الحمداني بباب السريجة الكائن بين باب الجابية والإطفائية، وبعد نجاحي ذهبت لثانوية عبد الرحمن الكواكبي لتسجيل هناك ولكن على قوائم ثانوية اليرموك التي كانت تسعد لاستقبال طلاب المخيم بعد الانتهاء من تشييدها في شارع جلال كعوش، وبالفعل ففي أواخر أيلول من عام ١٩٧٢ كنت ضمن قوائم الصف العاشر الشعبة السادسة والتي حوت أكثر من ثلاثين طالباً أذكر منهم عادل حسين عمر، يحيى القيسي، عبد القادر زيدان، غسان أبو خرج، محمد بديع حسن، غازي شحادة، مهنا تميم، إبراهيم الزبن، عماد عبد الهادي، غازي عامر، ماجد جدعان، صلاح الدين الحمد، مصطفى حسان، نبيل الشعبي،أحمد كحال، محمد خير الطلوزي، كمال غديان. عبد الناصر الأخرس، محمد حسن ادريس، عدنان تميم، محمد يونس من يلدا، أما أساتذتنا فأذكر منهم الأساتذة أبو حسين عمايري الذي حببنا باللغة العربية، وإسماعيل الكيلاني الذي قضى جهدا كبيرا كي يوصل لنا تاريخ أوروبا، وإسماعيل محفوظ للفلسفة وهو من قرية دير ماما التابعة لمصياف وكان محباً لفلسطين ولقضيتهم وقد استأجر منزلاً بحارة الفدائية، وأبو جوان ديركي لعلم الاجتماع وأيضاً من الإخوة الأكراد وكان يسكن قرب مدرسة أسماء العامرية قرب شارع لوبية، ومحمود عزيمة للرياضيات، وعبد الرحمن سلال للفيزياء وقد أصبح فيما بعد رئيساً لبلدية اليرموك، ومروان زرزر للغة الإنكليزية وقد أصبح مذيعاً في التلفزيون العربي السوري فيما بعد، وأذكر أنه خلال تقديمه للإذاعة وخلال مقابلاته الكثيرة كان يتأخر عن الحصة الأولى عندما يكون دوامنا بعض الظهر وذات يوم دخل الأستاذ الموجه فتحي فاخرة فوجد الصف قائماً قاعداً فبعد أن هدأنا سألنا: أين أستاذكم ؟ فرد عليه مصطفى حسان بقوله: راح على الإذاعة يؤذن الظهر بالإنكليزي، فعاد الصف أكثر ضجيجاً وصخباً بما فيهم الأستاذ فتحي: حيث كان من عادة إذاعة دمشق أن ترفع أذان الظهر كل يوم.

ولم ننسَ ضابط المدرسة الملازم زرزور حيث كان يوقف الطلاب على رجل واحدة من شدة بأسه إذ كانت أسهل عقوبة عنده الزحف وأشدها فتح شارع في رأس الطالب بواسطة ماكينة الحلاقة، وكثيراً ما كان يفاجئ طلاب المدرسة بكبسات حلاقة أي يقف في الطابور وخلال دخول الطلاب لفصولهم يقف مع بعض مساعديه بفرز من كان شعره طويلا وما أن يتم الفرز حتى يبدأ بفتح الشوارع بعضها دخلات صغيرة وبعضها أوتسترادات عريضة. كنا نذهب في السنة مرتين لحقل الرمي في ريف دمشق إذ كانت تحضر سيارات الشحن وتقلنا هناك حيث نقوم بالرمي من بندقية قديمة على الدريئة ويومها تكون فرحتنا فرحتين فرحة للرمي وفرحة عطلة اليوم. وقد كنا نخضع أسبوعياً لدرس التربية العسكرية وأحياناً نأخذه قبل الدوام في حديقة الشهداء أو في النادي العربي: لأن المدرسة في وقتها تكون مشغولة للطالبات.

كان مدير المدرسة يومها الأستاذ يوسف سويد من صفد ومن سكان ركن الدين وقد كنت أعرفه فيما سبق لأنه كان يدرسنا المواد الاجتماعية في الصف التاسع بإعدادية الميدان الأولى وكان نائبه الأستاذ محمد الشهابي والذي أصبح المدير في السنة التالية.

وبما أن المدرسة كانت في هذه السنة محدثة وتجهيزاتها ضعيفة فقد دعا مدير المدرسة تجار المخيم وأغنياءه لاجتماع مسائي فحضر كل من دعي وتعاهدوا على تجهيز المدرسة بكل ما تحتاجه من وسائل إيضاح وأدوات للمختبرات وغيرها وقامت المدرسة في اليوم التالي بتعليق لوحة بالمدرسة تشكر كل من تبرع للمدرسة مع ذكر المبلغ الذي جادت به نفسه أو الأغراض العينية التي وعد بها وبما أن والدي ليس من أصحاب اليسار ومن الذين أدركتهم حرفة الكتب فقد جهزني في اليوم التالي بمجموعة من الكتب وأوصاني أن أسلمها للأستاذ أبو عمر بلاوني حيث كان أمينا للمكتبة.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٢٩)
المؤرخ أحمد خليل العقاد:
كنت يافعًاً لم يتجاوز عمري الخامسة عشرة عاماً يوم رأيت الأستاذ أحمد خليل العقاد لأول مرة، لقد كان زائرا غريبا على حيِّنا في مخيم اليرموك، لقد لفت أنظار جميع سكان الحي وكذا المارة منه، لأنه ليس ككل الذين سكنوا الحي، لقد كان من نوع آخر، فبيته الجديد الذي آوى إليه في موقع هام، يقع في شارع فؤاد حجازي ويقابل مدرسة الفالوجة للبنات التابعة للإونروا،وهذا الشارع يضج بالحركة وينبض بالحياة فآلاف الطلاب يمرون ذهابا وإيابا لمدارسهم،وليست مدرسة الفالوجة وحدها هناك،بل هناك تجمع للمدارس أكثرها يتبع للإونروا «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، وواحدة تتبع لوزارة التربية السورية، ناهيك عن المستوصف القريب من مجمع المدارس وهو المستوصف الخامس، وكذا سوق الخضار القريب منه.

كل هذه الأسباب جعلت من الزائر الجديد موضع تساؤل من قبل الجيران والمارة في هذا الشارع ولاسيما أن الزائر الجديد يشرع باب منزله كل يوم ويجلس متجها نحو الشارع يرى المارة ويرونه، ويرد السلام على من يطرحه، ولكن لماذا يجلس كل يوم صوب الشارع ينظر للمارة وينظرونه؟ إنه الجلوس الذي لا بدَّ منه!!

تعرفت الأستاذ ولا سيما بعد أن كتب على باب منزله  «منزل المؤرخ الفلسطيني أحمد خليل العقاد» كنت أغدو وأروح لمدرستي، كنت في الصف العاشر أو الحادي عشر لا أذكر بالضبط ولكنني أذكر أنني بعد أيام صرت أجلس مع الأستاذ المقعد نتبادل أطراف الحديث، ولكن أي حديث بين يافع وستيني لا يستطيع إلا الإماء برأسه وتحريك شفتيه ينطق بأعذب الكلام وأحلاه، إنه حديث يافا وذكرياته فيها وحديث عن صحافتها ونواديها ورجالها ووووووالحديث ذو شجون.

كم كان يطيب لي وأنا أسمع الأستاذ يسرح بخياله عن شبابه في يافا وعن مهنة المتاعب التي أرقته، وعن أصول عائلة العقاد التي ينتمي إليها،وعن بيارات يافا وأسواقها ومطابعها ومقاومتها للمحتل البريطاني واليهودي.

علمت بعد جلسات عديدة أنني أجالس علما من أعلام الصحافة الفلسطينية، وأن جليسي هو أول من أرَّخ عن الصحافة بكتابه "تاريخ الصحافة العربية في فلسطين" الصادر في عمان عام 1966 وأن كل من كتب عن تاريخ الصحافة بعده اتكأ على كتاب الأستاذ من قريب أو بعيد، وأن للأستاذ باعاً طويلاً في الصحافة ليس تأريخاً أو توثيقاً قط، بل بالمهنة التي اختارها لنفسه إذ كان علما من أعلام الصحافة الفلسطينية، فقد كان يرأس إحدى الصحف الفلسطينية في يافا (الرأي العام) منذ تأسيسها بيافا عام 1946 إذ واظب على إصدارها حتى بعد النكبة، فقد انتقل إلى بيروت لاجئا وهناك تابع إصدارها وفي أواخر عام 1949 انتقل إلى الأردن وأقام بالقدس وواصل إصدارها حتى صدور قرار بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات وكانت الرأي العام من بينها فتوقفت عن الصدور.

عرفت أشياء كثيرة من الرجل ولا سيما بعد أن أهداني كتابه فاطلعت عليه ومن خلاله أحببت الصحافة والصحف ومهنة المتاعب، وصرت أبحث عن الصحف القديمة لفلسطين وغيرها حتى غدت هوايتي فيما بعد، والتي ضاع أكثرها في مأساة مخيم اليرموك في أيامنا هذه.

 

أما كتابه: تاريخ الصحافة العربية في فلسطين: فهو كما قال عنه في مقدمة الكتاب:

ــ ثمرة جهد وعناء متواصلين داما عشرين سنة.

ــ جمع أسماء الذين عملوا في الصحافة منذ نشأتها من كتاب ومحررين ومراسلين في كافة المدن والأقضية الفلسطينية.

ــ صفحة من صفحات الجهاد الفلسطيني، وردا على كتاب صدر عن الصحافة العربية أهمل فيه الصحافة الفلسطينية ولم يوفها حقها.

ــ وثيقة تاريخية ضمت مجموعة ضخمة من الوثائق المفقودة حتى عند أصحابها.

ــ نموذج فريد في بحثه لم يسبق لكاتب من فلسطين أن كتب في موضوعه.

ــ أعطى لسدنة الكلمة وحراس الحرف ما يستحقونه من تقدير ووفاء.

ــ مرجع لرواد البحث التاريخي الصحيح عن صحافة ما قبل النكبة.

أما ترجمة الأستاذ فقد ذكرها في غلاف كتابه الشهير.

 

ولد في يافا ـ فلسطين ـ عام 1916.

تلقى علومه في يافا وأتمها في الكلية الإسلامية في بيروت.

بدأ حياته العملية مدرسا في مدرس حكومة فلسطين (المعارف)

مارس مهنة الصحافة في كل من جريدة فلسطين والدفاع والجامعة الإسلامية في يافا وكان مراسلاً لعدد من الصحف العربية ومحرراً في عدد من المجلات الأسبوعية منها المطرقة والحقيقة المصورة والعهد الجديد.

اعتقلته السلطات الإنجليزية وأودعته معتقل المزرعة في عكا عام 1937.

فرََّّ من رجال المباحث الإنجليزية إلى بيروت وذلك في أوائل عام 1938 حيث عمل مدرساً هناك.

عاد إلى يافا بعد نشوب الحرب العالمية الثانية وتابع نشاطه الصحفي وأسس مكتب الصحافة والنشر في عام 1940.

أصدر كتابه المعروف باسم (من هو) عام 1946 وفي ذات السنة أسس مجلته (الرأي العام) وكانت المجلة الكاريكاتورية الأولى في فلسطين.

هاجر إلى الأردن بعد النكبة حيث تابع إصدار مجلته الرأي العام، وقد استمرت بالصدور حتى أمرت السلطات بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات ومن بينها الرأي العام.

أصيب بالشلل سنة 1960 ولا يزال طريح الفراش حتى اليوم.

وأحب أن أضيف على ما جاء على غلاف كتابه:

انتقل إلى دمشق وسكن مخيم اليرموك كما أشرت سابقاً في نهاية الستينات من القرن الماضي، ظل مواظباً على الاهتمام بأخبار فلسطين وبالصحف الصادرة عنها وبكل من أرخ للصحافة العربية، وقفت زوجته السيدة رفقة جانبه طيلة حياته فقبل أن يصاب بالشلل ساعدته في جمع وثائق الكتاب والأعداد القديمة من الجرائد والمجلات،وبعد الشلل وقفت معه مجاهدة صابرة لا تألو جهداً في خدمته من تقديم الطعام والشراب والقراءة وكل ما تتطلبه أعباء الحياة.

طبع كتابه تاريخ الصحافة العربية في فلسطين مرتين بدمشق الأول عام 1966 والثانية عام 1967 في دمشق أيضاً والكتاب يقترب من مائتي صفحة ترجم لأعلام الصحافيين الفلسطينيين ممن عمل في فلسطين والبلاد العربية، كما أنه أرخ كل الصحف التي صدرت هناك وكذا التي أصدرها فلسطينيون في البلاد العربية.

ومن رجال الصحافة الذين ترجم لهم أو ذكرهم الأستاذ عيسى العيسى، ونجيب نصار، وفهمي الحسيني، وسليمان التاجي الفاروقي، والشيخ عبد الله القلقيلي، وبولس شحادة، وعادل جبر، وإبراهيم الشنطي، وعيسى البندك وعارف العارف،وغيرهم، أما الكتاب والأدباء الذين عملوا في الصحافة فذكر منهم 251 أديباً رتبهم على حروف المعجم مع ذكر المدن التي عملوا فيها.

أعقب من الذكور خليلاً وعدد من الإناث أذكر منهن أصغرهن عالية.

توفي يرحمه الله عام 1977م ودفن في مقبرة الدحداح في دمشق.

أعارني وأنا يافع كتابه الثاني «من هو» وهي النسخة الوحيدة عنده، فاطلعت على الكتاب، فإذا هو على صغره كتاب قيم يضم عشرات التراجم عن الشخصيات والأعلام الفلسطينية وقد رددته وندمت لأنني لم أقم بتصويره؛يبدو أن التصوير في منتصف سبعينات القرن الماضي كان عسيرا نوعا ما ولا سيما على طالب ثانوي.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٠)
تتمة المرحلة الثانوية وحرب تشرين ١٩٧٣م:
ما إن اقترب نهاية الصف العاشر حتى طلب من أن نختار الفرع الذي ننوي دراسته للعام القادم أي الفرع العلمي أو الأدبي وبما أنني كنت أهوى الأدب فقد اخترته بيد أن والدي كان يرغب بالفرع العلمي وبعد مناقشة وأخذ ورد أصررت على الفرع الأدبي

انتهى العام الدراسي عام ١٩٧٣م وبعد شهر توفي والدتي رحمها الله فكان لفقدها الأثر الكبير في الأسرة، وبعد أسبوع من وفاتها التحقت بمعسكر الفتوة في مدرسة عبد الرحمن الكواكبي بالميدان لمدة أسبوعين خضعنا فيه لعدة دروس عسكرية وتدريبية وفكرية.

افتتحت المدارس أبوابها للعام الجديد في نهاية أيلول١٩٧٣، والتحقت بالصف الحادي عشر الفرع الأدبي وقام بتدريسنا نخبة من المدرسين الأكارم ذكرت بعضهم سابقاً وأما الذين لم أذكرهم ممن كانوا على ملاك ثانوية اليرموك فهم: المرحوم علي الرفاعي من لوبية وعلي الفايز والشيخ موسى اللكود للغة العربية، ومن مدرسي اللغة الإنكليزية أذكر: فؤاد عودة من فرعم ومحمود أبو عيسى من الطيرة، المرحوم يوسف الخطيب (أبو مصعب) من الحولة، وعلي الشهابي للجغرافيا ويوسف الحاج علي للتربية القومية. وأما موجهو المدرسة فكان منهم فتحي الفاخرة وإبراهيم الشهابي، وأمين السر كان محمد عزيمة ثم أستاذ من بيت العايدي من سمخ أو لوبية ومن الأَذَنة أذكر أبا كمال وأبا محمد ومن، الجدير ذكره أن أكثر المذكورين صاروا في دار الحق ونرجو لهم الرحمة والمغفرة.

وأما بعض الزملاء فأذكر منهم: عدنان قدورة، محمد حسن زغموت، بسام علولوة، سليم الماضي، نبيل الشعبي، مهنا تميم، محمد حسن إدريس. محمد خليفة، فراس حمدان، محمد كتيلة، ماجد أبو ماضي، نبيل أبو عمشة، محمد الناجي، خالد موعد،عبد الله موعد، عمر زواوي، محمد عبد الحق، يوسف عبد الحق.

كانت سنة الدراسة في الصف الثاني الثانوي الأدبي أو الحادي عشر من أروع السنين فلا فيزياء ولا كيمياء ولا رياضيات بل لغة عربية وتاريخ وجغرافيا وفلسفة ولغة إنكليزية وغيرها من المواد الحفظية، أذكر أنه كان في ثانويتنا شعبتان للأدبي فقط في حين أن الشعب العلمية أربعة أو خمسة فأكثر الطلاب يختارون الفرع العلمي الذي يتيح للخريجين مستقبلاً أفضل.

حرب تشرين التحريرية ١٩٧٣:
بعد افتتاح المدرسة بأقل من شهر وفي يوم السبت الموافق للسادس من تشرين الأول شعرت بأن شيئاً ما في المدرسة، دخول، خروج، اتصالات، اجتماعات سريعة، هرولة، وما هي إلا لحظات وقبل الساعة الثانية ظهرا تم تجميع الطلاب في الساحة وطلب منا مغادرة المدرسة بهدوء لمنازلنا ولما سألنا عن السبب قال لنا: مدرب الفتوة حرب!!

ذهبنا إلى بيوتنا واستنفرنا أمام الراديو وكان الشهر شهر رمضان المبارك وعلمنا أن الحرب بدأت في الساعة الثانية ظهرا على الجبهتين السورية والمصرية، وفي اليوم التالي ذهبت للمدرسة فوجدتها مفتوحة ومملوءة بالطلاب والمدرسين والموجهين؛ إلا أن التدريس متوقف بأمر من وزارة التربية ولكن حراك المدرسين والطلاب على أشده كان بالمدرسة ملجأ فسرعان ما تم تنظيفه طلب ممن يريد أن يتدرب على السلاح فليذهب إلى بساتين يلدا نهاية المخيم، سرعان ما انطلقنا هناك وتحت كل شجرة زيتون كان يتحلق أكثر من عشرة طلاب يستمعون لشرح المدرب وهو يفكك الكلاشنكوف على بطانية ثم يقوم بتركيبه وبعدها على كل طالب أن يفك ويركب وبينما نحن منهمكون بالفك والتركيب، وبعد أن رسم الجوع والعطش ملامحاً على وجوهنا؛ وفي سرعة البرق انطلق صاروخان كبيران من جهة الشرق لم ندر من يلدا أم بيت سحم أم عقربا المهم لم نتمكن من التفكير طويلا وبعفوية الأطفال لذنا بالفرار نحو المخيم وظننا أن المعركة فوق رؤوسنا قد بدأت.

وبعد الإفطار رجعت لثانوية اليرموك وشاهدت العشرات من الأصدقاء وتابعنا تنظيم الملجأ، كما ذهب عدد من الطلاب لملجأ مستوصف محمد الخامس لتهيئته، وعدد لموقف الملجأ حيث كان بعض الناس يقبعون فيه ولا بد من تنظيمهم.

انتشر الطلاب خلال الحرب في الساحات والشوارع كل يعمل بجد ونشاط بعضهم ينظم دور الأفران وبعضهم يطلي الزجاج باللون الأزرق وبعضهم يحرس المنشآت وبعضهم ينظم دور الناس على طنابر المازوت حيث كان الشتاء قد أطل: وأذكر أن رئيس بلدية اليرموك يومئذ نور الدين محمود كان يقوم بنفسه وبمساعدة عدد من طلاب الثانوية بتنظيم عملية بيع المازوت: خوفاً من استغلال البعض لأجواء الحرب.

وأما أغرب حادثة فهي سقوط طيار بمظلته فقد شوهد من سماء المخيم يهوي بالمظلة، فكم كان المنظر غريبا فقد هرع الناس بالآلاف بعضهم يحمل عصا وبعضهم رشاش كلاشنكوف وبعضهم يركب دراجته وبعضهم ينطلق بالموتوسكل شبان وشيبان ورجال ونساء كلهم يركضون باتجاه شرق المخيم حيث تأخذ الرياح المظلة، هرعت مع الناس وقطعنا حي التضامن وصرنا قرب قناة ترانس وشيئاً فشيئاً اختفت المظلة وبعد أقل من خمسة دقائق رأينا بعض الناس يرجعون وينصحونا بالرجوع قائلين: وصل المظلي سالما واستلمه الأمن، سألناهم عربي أم يهودي ؟ قالوا: لا نعرف.

كنا نشاهد الطائرات الإسرائيلية واعتدنا على مشاهدة صواريخ سام تلاحقها إلا أننا صرنا نلاحظ في الفترة الأخيرة أن الطائرات الإسرائيلية تطلق بالونا حراريا فيقوم صاروخ سام بترك الطائرة واللحاق بالبالون مما كان يستدعي بعد ذلك إطلاق أكثر من صاروخ.

أذكر أنه في اليوم الخامس أو السادس للحرب بدت حفرة عميقة في الجدار الغربي لثانوية اليرموك بعضهم قال إنها قذيفة وبعضهم قال إنه كرسي المظلي الذي شاهدناه فوق المخيم، ولكن بقيت آثار هذه القذيفة إلى يومنا هذا، أو قد تكون قد ضاعت بين مئات القذائف التي نالها المخيم.

انتهت الحرب بعد أقل من شهر ولكن استمرت حرب الاستنزاف في الجولان فقط حتى أيار ١٩٧٤م وفتحت المدارس أبوابها ورجعنا للمدرسة بهمة ونشاط، وكأن الحرب أعطتنا مزيدا من الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس، وتوالت الأخبار عن أبطال الجبهات وعما قدمه جيش التحرير الفلسطيني من بطولات في الجولان ولا سيما في احتلال تل الفرس وتل الندى وغيرها بقيادة الرائد فايز حلاوة.

وخلال حرب الاستنزاف قمت بزيارة لجبهة الجولان حيث كان ابن عمي إبراهيم جودة يرحمه الله يؤدي خدمة العلم هناك فاصطحبني معه وانطلقنا من المخيم صباح ذات يوم وممرنا على خان الشيح ثم سعسع حتى وصلنا للجبهة حيث شاهدت أرض المعركة برجالها وأبطالها و خنادقها ومتاريسها.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:32 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٣١)
حفلة جائزة المدينة في مدرسة صرفند:
في شهر أيار من عام ١٩٧٥م كنت طالباً في الصف الثالث الثانوي وعند خروجي من المدرسة مررت بجانب مدرسة صرفند التابعة للأونروا فشاهدت عمالا يصفون مئات الكراسي في الساحة فدخلت وسألت عن المناسبة فقيل لي: سيأتي اليوم المذيع الشهير داوود يعقوب لتسجيل أربع حلقات من برنامج (جائزة المدينة) وكان هذا البرنامج من أشهر برامج المسابقات والمنوعات يطوف كل شهر على محافظة من المحافظات ويسجل عدة حلقات تذاع من إذاعة دمشق وكنت شغوفا ومتابعا للبرنامج بامتياز، سألت عن المسؤول عن العلاقات فأشاروا لي إلى شخص وقالوا لي: إنه يوسف الأبطح مخرج البرنامج هرعت إليه وبعد السلام طلبت منه أن أشارك بالبرنامج، فاعتذر لصغر سني وكررت الطلب وقلت له أنا طالب بكالوريا وأتمنى أن أشارك وبعد أخذ ورد سجل اسمي على مضض ووعدني بالمشاركة!!

كدت أطير من الفرح كما طرت للبيت لأبشر إخوتي بأنني مساء هذا اليوم سأشارك في برنامج جائزة المدينة وعليهم أن يحضروا الحفل

اقتربت الساعة من الرابعة عصرا وكنت مع آلاف المدعويين نتنقل من زاوية لأخرى ونحن نعجب بالمطربين والفنانيبن: يصرخ أحدهم تعالوا شوفوا: المطربة سهام إبراهيم، وجارنا حسن الناجي يرحب بالمغنية كروان بأعلى صوته وآخر يقول: هذا الملحن صبحي جارور وهكذا.

ابتدأ تسجيل الحلقة الأولى وبدأ المرحوم المتألق داوود يعقوب مع المذيعة مها الصالح بربط البرنامج بذكرى النكبة وأنه سيقدم أربع حلقات في كل حلقة يتقدم ثلاثة متسابقين تعرض على كل واحد منهم سبعة أسئلة كل سؤال بخمسة عشر درجة إلا السؤال الأخير بعشرة والفائز من يحصل على أعلى مجموع من مئة ويعطى كل متسابق ثلاثة خيارات يختار واحدا منها.

اشترك المتسابقون الثلاثة وفاز أحدهم بالجائزة: وقدم بعدها وصلات غنائية انتهت بالإعلان عن الحلقة الثانية، انتظرت أن أكون منهم فخاب ظني، وكذا خاب ظنني بعد الإعلان عن أسماء المشاركين بالحلقة الثالثة حتى شككت أن يوسف الأبطح ضحك عليّ، وما إن انتهت الحلقة الثالثة ووصلتها الغنائية حتى تم الإعلان عن الحلقة الرابعة والأخيرة وصوت المرحوم داوود يعقوب يهدر باسمي مع المتسابقين عبد القادر كتيلة والأستاذ عبد الواحد خمرة: انطلقت إلى المنصة حيث يقف داوود يعقوب ومها الصالح وهي عبارة عن وصلة بين درجي الطابق الثاني نظرت ورائي فإذا هم لجنة التحكيم معظمهم من أساتذة المخيم ونظرت أمامي وشاهدت المشجعين يصفقون لي ببرودة.

بدأ السؤال الأول من مها الصالح وأعطتني ثلاثة خيارات وبعد الإجابة قالت: متأكد يا خليل، قلت: متأكد فمنحتني خمسة عشر علامة؛ فصفق لي الجمهور.

 ووجه لي داوود السؤال الثاني الذي ما زلت أذكره: حتى يعود شعبنا، فلسطيني كحد السيف، أعطنا حبا، هذه أسماء ثلاثة دواوين شعرية، علي فودة، فدوى طوقان، هارون هاشم رشيد: أسماء ثلاثة شعراء اذكر ديوان كل شاعر؟

فكر خليل وتدبر وقال: حتى يعود شعبنا لهارون هاشم رشيد، وفلسطيني كحد السيف لعلي فودة، وأما أعطنا حبا فلاشك أنه لفدوى طوقان، متأكد يا خليل!!

نعم متأكد.

إجابة نهائية.

نعم إجابة نهائية.

عندها هدر صوت داوود: وخمسة عشر علامة لخليل، فازداد التصفيق والإعجاب.

السؤال الثالث: خمس عشرة علامة علا التصفيق، السؤال الرابع: خمس عشرة علامة: تصفيق حار

السؤال الخامس، السؤال السادس: صح برافو عليك يا خليل صار عندك تسعين درجة، هكذا قالت مها الصالح.

صرت أسمع صوت الناس يملأ المكان: بص شوف خليل بيعمل إيه

تناول داوود المكرفون من مها وقال: بقي السؤال الأخير وله عشر علامات.

حبس خليل أنفاسه وهو يسمع السؤال: في أي عام حدثت معركة حطين؟ هل في عام: ١١٨٧/١١٨٠/ ١١٧٨؟

وما أن أعلن المرحوم داوود يعقوب أن خليل حصل على مئة من مئة فقد أعلن عن الجائزة الكبرى وهي بطاقة طائرة من دمشق للقاهرة مقدمة من شركة الخطوط الجوية السورية وأضاف وبما أنه حصل على العلامة التامة وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ البرنامج فله جوائز أخرى، قلّب داوود دفتراً كان بيده وقال: وله كيس سكر خمسين كيلو مقدمة من شركة السكر بعدرا، ومجموعة من الكتب قيمة، بالإضافة إلى درع الثورة الفلسطينية.

وما أن نزلت من المنصة حتى ركض عليّ الناس ورفعوني على أكتافهم وداروا بي باحة المدرسة وهم يهتفون: بص شوف خليل بيعمل إيه، وصلوا على النبي صلوا على النبي، لا شك أنني ما فرحت بحياتي مثل هذه الفرحة وبعد أن طلب داوود من الناس الهدوء لإكمال الحلقة لأنه ما زال هناك متسابقان، هدأ الناس وصعد الأستاذ عبد الواحد ونال على ما أظن خمسا وخمسين درجة،وأما عبد القادر فنال خمسا وأربعين درجة، عندها أعلن داوود يعقوب ومها الصالح إعجابهما بالفتى الصغير خليل وتمنيا له مستقبلاً زاهراً وانتهت الحلفة ورجع خليل إلى بيته بزفة محترمة تزعمها جارنا حسن الناجي ومعه أولاد الحارة ومنهم أخي محمد وأختي منيرة وأولاد عمي جمال وكمال ووليد؛ وصحا الوالد من نومه مستفسراً عن الضجيج فقيل له: ابنك خليل فاز بجائزة المدينة.

في اليوم التالي توجهت لمبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين لاستلام بطاقة الطائرة من الأستاذ داوود وقبل أن يدون اسمي على البطاقة نصحني وقال: شو رأيك يا خليل أن أعطيك سجادة بدل بطاقة الطائرة لأنك فلسطيني وصغير ويصعب عليك الذهاب لمصر!!؟

لم يأخذ الفتى خليل بنصيحة المجرب الخبير فقد كان حلمه زيارة مصر ولكن أنّى له هذا؟

في اليوم التالي انطلقت إلى مكتب الهجرة والجوازات في عين كرش لإصدار وثيقة سفر فظننت أن المسألة هينة، فقيل لي: ممنوع.

لم أدرِ كيف وصلت في اليوم التالي إلى مبنى وزارة الداخلية في المرجة لمقابلة وزير الداخلية يومئذ علي ظاظا!! دخلت مكتب الوزير ولأول مرة بحياتي أصافح وزيراً، كلمته فاستمع باهتمام، ثم أخذ طلبي وكتب عليه: يمنح وثيقة سفر لمدة ثلاثة أشهر فقط ولا تمدد إلا بعد الرجوع لوزارة الداخلية، طرت فرحاً حتى وصلت إلى عين كرش وهناك باشروا باستخراج الوثيقة وبعد يومين أو ثلاثة استلمتها فطلبت تأشيرة لمصر فقالوا لي: عليك أن تحصل على تأشيرة دخول من السفارة المصرية طرت للسفارة المصرية فلما علموا أنني فلسطيني قالوا:عليك أن تقدم طلبا لتأتي الموافقة من القاهرة !!

قدمت طلباً فقالوا: راجعنا بعد شهرين!! وخلال تلك الفترة ساءت العلاقات السورية المصرية بسبب اتفاقية فصل القوات الثانية في أيلول ١٩٧٥م.

قدمت امتحان الثانوية العامة وأنا أحلم بزيارة لمصر، والحمد لله نلت الشهادة الثانوية لكنني لم أنل تأشيرة القاهرة، وانتهت مدة الوثيقة، وقابلت وزير الداخلية مرة أخرى وكتب على طلبي: تمدد لثلاثة أشهر، قضيت عطلة الصيف وأنا أراجع السفارة ولم ألقَ جواباً شافياً وأخيراً دخلت مكتب القنصل وشرحت له ما حصل لي فقال ــ ولم أنس قوله ما حييت ــ: فلسطيني وازاي حتخش مصر!!!!

 

خرجت من السفارة غاضباً وبعفوية الأطفال أمسكت قلمي وكتبت على باب السفارة: يسقط السادات.

رجعت للبيت خائباً ونادماً لأنني لم آخذ بنصيحة الأستاذ داوود يعقوب.

 يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٢)
رفعت الأسد في مخيم اليرموك.
لا شك أن عدداً من المسؤولين زاروا مخيم اليرموك منذ تأسيسه ولعل أول زائر رسمي للمخيم كما تذكر بعض المواقع هو الحاج أمين الحسيني يرحمه الله رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين وذلك بعد تأسيسه بأشهر وكانت الزيارة عام ١٩٥٥م وأنه هو الذي أطلق اسم مخيم اليرموك عليه تيمناً بمعركة اليرموك الني انتصر فيها المسلمون على الروم؛ وقد سألت بعض الكبار عن هذه الزيارة فلم يذكروها!!.

وأما الزيارة الثانية فكانت لملك المغرب محمد الخامس رحمه الله عام ١٩٦٠م وقد كتبت عنها في الحلقة الثانية وقد أسفرت زيارته عن إنشاء مستوصف محمد الخامس الذي ما زال شاهداً على ذلك.

وأما الزيارة الثالثة فكانت للسيد أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية برفقة الضابط عبد العزيز الوجيه، وذلك عام ١٩٦٤ واجتمع مع الوجهاء في جامع عبد القادر الحسيني بوسط المخيم وقد لقي استقبالاً منقطع النظير، ومن الطرافة أنه بعدما ترجل الشقيري من سيارته توجه للمسجد فلاحظ أن بعض الناس ما زالت تحيط بالسيارة وتهتف للشقيري ظناً منهم أن سائق السيارة هو أحمد الشقيري فتحسر قائلاً: مساكين هؤلاء الناس لا يعرفون الشقيري من شوفيري!!

وفي هذه الحلقة سأتحدث عن زيارة هامة قام بها الدكتور رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري إذ كنت شاهداً عليها.

زيارة رفعت الأسد للمخيم:
حظي مخيم اليرموك بعد حرب تشرين التحريرية بمعاملة خاصة ومميزة بسبب نشوة الانتصار على العدو الإسرائيلي وبسبب مشاركة أبطال جيش التحرير الفلسطيني بتحرير بعض التلال في الجولان، وكانت لعلاقات رئيس البلدية نور الدين محمود مع القيادة السورية دوراً في تنشيط المخيم ولا شك أنه كان مقربا من قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد، وقد حظي المخيم بزيارتين لعامين متتاليين من قبل رفعت الأسد حظيت بشهرة شعبية كبيرة، فعلى ما أذكر يومها أن جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية كانت تشارك في هذه المناسبة المميزة.

ففي يوم من أيام عام ١٩٧٤ وفي بداية شارع اليرموك اجتمعت الآلاف المؤلفة من جنود جيش التحرير الفلسطيني بلباسهم الميداني ومئات من مقاتلي فتح والصاعقة والشعبية والقيادة العامة والديمقراطية وغيرها من التنظيمات يليهم كل شباب مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وحزب البعث التنظيم الفلسطيني، من اتحاد شبيبة الثورة، اتحاد نقابات العمال، الاتحاد الرياضي الفلسطيني، الاتحاد النسائي، اتحاد الفلاحين الفلسطينيين، وغيرهم ممن الرجال والنساء باستعراض عسكري وشعبي كبير وأذكر أنه قبل تنظيم المشاركين وفي حوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً دخلت المخيم سيارة رفعت الأسد وكان يقودها بنفسه رافعاً يسراه من النافذة يحيي الناس على الجهتين وهم يردون التحية بأحسن منها، وما أن وصلت السيارة بقرب بيت أبو نايف العايدي حتى قام بذبح عدة عجول تيمناً بالزيارة وبعد عدة أمتار كانت المنصة مقابل موقف الملجأ بحلتها الجميلة تستعد لاستقبال ضيف المخيم المهم الذي ترجل من سيارته للسلام على عشرات الشخصيات الفلسطينية التي كانت تترقب وصوله.

وفي مقابل المنصة كانت إذاعة دمشق قد اتخذت من سطح المبنى المقابل لها مركزا للبث الحي يصدح بصوت المذيع المرحوم داوود يعقوب يتخلله بعض الأغاني الفلسطينية الثورية.

بعد الترحيب والترحاب والكلمات والتهنئة بدأ العرض العسكري المهيب يمر من أمام المنصة، يليه المشاركون من المنظمات الفلسطينية جميعها وكل تنظيم يهتف بما يحلو له من عبارات الترحيب.

استمر الاحتفال أكثر من ساعتين غادر بعدها قائد سرايا الدفاع مخيم اليرموك بمثل ما استقبل به.

ولأهمية هذه الزيارة كررت في العام التالي بشكل أكبر وأوسع، ولا شك أننا نستنتج من هذه الزيارة عدة ملاحظات أهمها:

كانت التنظيمات الفلسطينية في أوج اتفاقها ولا سيما بعد حرب تشرين، كما كانت روح المقاومة هدفها ومبدؤها وهذا الاتفاق انعكس على الوضع الاجتماعي والسياسي والنفسي لسكان المخيم.

تحسن وضع المخيم بعد هاتين الزيارتين، فبعد ذلك لوحظ تطور المخيم تطورا ملحوظا فبلدية اليرموك قامت ببناء سوق كبير للخضار وفوقه مبنى ضخماً لها كما تم فرز العديد من الأراضي الجديدة كما في شارع الـ١٥ وساحة الريجة وتنظيمها وبنائها بشكل جيد، وأدى هذا البناء إلى خلق فرص عمل كثيرة انعكست إيجاباً على معيشة الناس، وبعد سنتين أو ثلاثة دخل الهاتف الآلي للمخيم بعد أن كان نصف آلي يتخذ من غرفة في ساحة شارع فلسطين مركزاً له، وظلت خدمة الهاتف مقدمة من مركز الميدان حتى تم الانتهاء من المبنى الحالي، وأما شبكة مياه عين الفيجة فقد وصلت لأبعد بيت بالمخيم.

ولا شك أن هناك عدة عوامل أخرى ساهمت في تطوير المخيم أهمها سفر الآلاف من أبناء المخيم إلى الإمارات العربية المتحدة وليبيا وغيرهما من دول الاغتراب؛ مما ساهمت تحويلاتهم في تطور المخيم، وقبل هذا كله وجود النية الصادقة وعلو الهمة وقوة العزيمة لدى أكثر سكان المخيم.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٣)
دراويش مخيم اليرموك:
كان مخيم اليرموك يحتوي على عدد من الدراويش وطيبي القلب ومن متخلفي العقول عاشوا بين زواياه وحاراته لا يَظلمون ولا يُظلمون إلا ما ندر بل كان أكثر الناس تعطف عليهم وتؤمن لهم ما يحتاجونه من مأكل أو ملبس أو مسكن متأسين بالحديث الشريف (إنما تنصرون بضعفائكم) ومن هؤلاء:

خالد عبد المجيد:
من لوبية لا يعرفه إلا ساكنو شارع اليرموك كان بيته مقابل فرن الحصري، يخرج كل يوم بكلابيته وغالباً ما يشعل سيجارته، طيب القلب محب للناس ثقيل الكلام، ذات يوم من الستينات هاج ثور في شارع اليرموك فهرب الناس إلا خالدا فركض نحوه وهجم عليه ولكن الثور كان أقوى منع فرفعه بقرونه وهوى به على الأرض فتأذى المسكين وبعد مدة ارتاح خالد من الحياة ومتاعبها فرحمة الله عليه.

رجل نسيت اسمه ولكن الكثيرين يعرفونه:
كان يشتغل في أحد محلات بيع البوظة في سوق الحميدية وفي طريقه للعمل كان يصطحب مسجلة كبيرة يضع فيها خطاب جمال عبد الناصر الذي يتعرض فيه لمحاولة الاغتيال ويترك الصوت يصدح بما أوتي من قوة، ويظل يعيد الخطاب مرات عديدة أظن إنه كان يسكن في الدخلة التي تسبق شارع لوبية أي مقابل محلات مطر، أخبرني أحد الأصدقاء مؤخراً أن اسمه عبدو.

يوسف الخطيب:
أبو باسل من شفا عمرو، طيب لأبعد الحدود وعلى باب الله، مربوع الشكل يقيم في حارة شعب التي على زاويتها مطعم اللورد، آثر البقاء في المخيم فجاع وعطش وبرد ودع الحياة في أواخر عام ٢٠١٣م بقذيفة هوت عليه فأردته.

الأخرس:
لا أعرف اسمه ولكنه مشهور أكثر من زعماء التنظيمات الفلسطينية، طويل رفيع، في كل عرس له قرص، ينتمي للجميع، يخرج مع حماس وفتح والديمقراطية والشعبية والقيادة والعامة والجهاد، يرفع علم فلسطين ويعصب رأسه بأي شعار وكأنه في معركة، إن لم تشاهدوه في مقبرة اليرموك أثناء تشييع الشهداء فلا شك أنكم سترونه على إحدى الشاشات. وقبل شهرين قيل: إن الأخرس مات في المخيم فلم أدر أهو المذكور أم غيره.

عوني نوارة:
أبو العون شاب كان من الطلاب المجدين بثانوية اليرموك منذ افتتاحها مرّ بأزمة عاطفية ففقد عقله يسكن في الشارع المقابل لساحة الريجة الواصل لمدارس الأونروا قيل: إنه بقي بالمخيم أصيب برصاصة قناص في المخيم بعد خروج الناس بأسبوعين لكنه لم يمت.

حسين العلي:
نزح من الجولان مع أهله وكان من طلاب مدرسة الجليل قرب جامع عبد القادر الحسيني وفصل منها بسبب تخلفه العقلي ولكنه أحب المدرسة وطلابها ومعلماتها فاشتغل فيها متطوعاً وهو في سن العاشرة يساعد الأذنة ويقضي حاجيات المعلمات ويحنو على الأولاد يعتاش من إكراميات المعلمات ظل على عهده ملازما المدرسة خمسا وأربعين عاما، قصير القامة أسمر اللون صغير العينين ينتعل جزمة في الصيف والشتاء لقي حتفه في أواخر عام ٢٠١٢ بالمخيم.

فؤاد:
لم أعرف نسبته ولكنني أعرف أنه كان يشتغل عند الحاج علي ديب الخالد منذ ستينات القرن الماضي يحمل البلوك على طنبر كان طويلاً قوي البنية، أصيب بفقد عقله قبل عشرين عاماً وظل ملازماً ساحة الريجة يطلب عشر ليرات ممن يراه انتقل للقدم ولقي حتفه هناك قبل عام.

نوفل:
شخصية بريئة طيوبة يمتاز بوزنه الزائد كان يقيم في دخلة بن الأمراء ويجلس غالبا على مدخل دكان العايدي لبيع الخضراوات، كان يعتاش مما يتقاضاه من الناس جراء إيقاظهم على سحور رمضان. وأحيانا يقوم بفصفصة الخضار لزبائن العايدي جراء أجر زهيد.

غريبة:
امرأة غريبة الأطور كانت تقيم في حارة المغاربة كل يوم تأتي إلى سوق الخضار وتشتري ما زهد به الناس ربما لأرانب كانت تربيهم أو لغير ذلك، كانت عصبية المزاج تتشاجر مع الناس لأتفه الأسباب وكثيرا ما كان الأولاد يغيظونها بقولهم: التربة قريبة يا غريبة فتقوم برجمهم بالحجارة.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٤)
تجربتي في مركز التدريب المهني عام ١٩٧٥م:
بعد نجاحي بالشهادة الثانوية وبالرغم من علاماتي القليلة فقد كنت راغبا في دخول الجامعة وأظن أنه كان يحق لي أقسام اللغة العربية والحقوق وغيرها، إلا أنّ الوالد كانت له رغبة أن أدخل دار المعلمين ( الصف الخاص) فهو برأيه أقصر الطرق للمستقبل فالدراسة به سنة واحدة وبعدها تتكفل الدولة بتعيني معلماً، وهذا الرأي كان يميل إليه أكثر أهل المخيم بسبب ضيق ذات اليد.

 قدمت أوراقي وفي الوقت نفسه ذهبت للحلبوني وقدمت طلبا للالتحاق بمركز التدريب المهني التابع للأونروا والمعروف يومها باسم: VTC في قسم الرسم المعماري.

كان المعهد يقع في منطقة المزة على آخر طريق الأوتستراد في بناء كبير جدا خصصته الأونروا من بداية ستينات القرن الماضي لتعليم أولاد اللاجئين مهنا يدوية كالكهرباء والميكانيك والتمديدات الصحية والنجارة وغيرها، وقد تخرج فيه آلاف الطلاب ومارسوا مهنهم بحرفية عالية وكانت الأونروا ترسل أوائل الخريجين لألمانيا وغيرها للالتحاق بدورات معززة لما تعلموه، وفي السبعينات وأذكر أن جارنا أحمد الناجي سافر لألمانيا لمدة شهرين فكان حديث الحارة لمدة سنوات.

تطور المركز في السبعينات فقد ضم عدة فروع وأقسام فنية مثل الرسم المعماري وفني إنشاءات والصيدلة ورفعوا شروط القبول فاشترطوا حصول الشهادة الإعدادية للمهن اليدوية والثانوية للمهن الفنية وتحول اسمه بعد سنوات من مركز إلى معهد.

وبالفعل داومت هناك منذ اليوم الأول وكان في بداية شهر رمضان المبارك، إذ كنت أخرج من المخيم بالباص إلى موقف الجامعة ومن هناك أركب في باص مزة أوتستراد وأترجل في آخر موقف وأظن قرب جامع الأكرم الذي لم يكن قد بني بعد، ثم أتابع سيرا لمدة عشر دقائق، وكان المركز قبل ذلك العام يجبر جميع طلابه على المبيت فيه والنزول فقط يوم الخميس لزيارة الأهل إلا أنه منذ ذلك الوقت ترك الأمر اختيارياً إلا لطلاب المحافظات.

وأذكر أنه كان في قسمي من طلاب المخيم: محمد أبو خرج، وليد فالح الشهابي، محمد خير فضل، عمر تيم وغيرهم وبعض الطلاب من مخيمات حلب وحمص وحماة ودرعا وقد درّسنا عدة مدرسين ومدرسات أكفاء ومخلصين أذكر منهم الأستاذة كوثر خليفة للإنكليزي والأستاذ رشيد أبو رنة من صفد للمساحة، ومدرسة المختبرات نسيت اسمها ولكنها كانت زوجة أمين السر رفعت الأسدي.

ذات صباح وفي الطابور الصباحي وقف مدير المركز الأستاذ محمود تيم الذي كان ناشطاً في الفصائل الفلسطينية كما كان يتمتع بشخصية قوية مرعبة وقف وقال أمام جميع الطلاب: أي طالب يثير الشغب ولا يسمع الأوامر هذا يكون عميلاً للعراق ولصدام حسين وسأسلمه للمخابرات!! ويومها كانت العلاقات السورية العراقية في الحضيض.

قلت في نفسي: ما هذا الإسفاف من أعلى هرم في المدرسة؟ فمن يومها عافت نفسي المعهد ومديرها، بيد أن نائبه سليمان كرداسي كان على خلق رفيع وأذكر أن له ابنة كانت مذيعة بالتلفزيون السوري اسمها سلوى اشتركت في فيلم مع دريد لحام أظن اسمه المزيفون عن قصة المفتش العام لغوغول.

أذكر أنني لم أنم في المعهد إلا ليلة واحدة حيث كان في المساء اجتماع مع نائب المدير الكرداسي واجتمعنا في المطبخ وبدأ بتوجيه ملاحظاته للطلاب الجدد ومما قاله وهو يحث الطلاب على حسن الهندام: كل لنفسك والبس لغيرك، وأيضاً: البس قدرك حتى تنزل قبرك، ولم أدر ما الذي ذكرني بحكم عمرها أربعين سنة ربما لأنني قد أكون سمعتها لأول مرة أو لأنها خرجت من القلب للقلب، أما تهديدات المدير محمود تيم فلم أدر لماذا لم أنسها أيضاً مع أنها على النقيض من نصائح نائبه: فربما تكون هي التي كرهتني بالمعهد وكذا ببعض رجال التنظيمات الفلسطينية.

ودارت الأيام وانشق محمود تيم عن القيادة الفلسطينية في سورية وغير بوصلته وهاجر للأردن وأصبح نائبا لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني عبد الحميد السايح فقلت سبحان مغير الأحوال!! وعلمت فيما بعد أنه انتقل لرحمة الله فغفر الله لنا وله.

في تلك الفترة حدثت مأساة لعمتي منيفة (أم حسين) في خان الشيح فقد فقدت ابنها محمد خير والذي كان من أترابي وابنتها فتحية التي تكبرني بعامين والعروس الجديدة إثر مشاجرة عائلية بين بكرها حسين الشهابي وعمه: وحتى حسين أصيب بجروح بليغة شفاه الله منها إكراما للثكلى أمه، وظلت هذه الحادثة مسيرة شؤوم على عمتي يرحمها الله.

وفي تلك الأثناء أيضاً باع الوالد بيتنا في شارع جامع الرجولة واشترى أرضا له ولأخي سميح الذي كان مدرسا في ليبيا من (أبو منير عودة) سعر القصبة ألفا ليرة سورية وباشرنا بالبناء في ساحة الريجة وخلال فترة قصيرة صرنا ببيتنا الجديد.

اقتربت نهاية رمضان وأخذنا إجازة العيد على أمل الرجوع للمعهد وفي الوقت نفسه صدرت قوائم قبول طلاب الصف الخاص وكنت من المقبولين واستخرت الله فانشرح صدري للصف الخاص،وكما أنها رغبة الوالد، وانقبض من ال في تي سي ومديرها فتركتها غير آسف وداومت في دار المعلمين العامة بالقصور وهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة إن شاء الله.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٥)
دار المعلمين العامة، الصف الخاص ١٩٧٦/١٩٧٥م:
بعد صدر قوائم قبول طلاب الصف الخاص تأخر افتتاح المدرسة لنهاية الخريف، كان موقع المدرسة يقع غرب ساحة القصور بدمشق وشمال موقف السادات من شارع بغداد في مدرسة تشغل الآن مدرسة يوسف العظمة.

انتظمت بالمدرسة من اليوم الأول ولأول مرة أدرس في مدرسة فيها بنات فقد كن خمسة أضعاف الذكور وكذا كنت لأول مرة أتلقى التعليم من مدرسات إلى جانب المدرسين.

وقد فوجئت أن أغلب الطلاب فلسطينيون وأما السوريون فأغلبهم من ريف دمشق من مناطق الكسوة والزبداني وكناكر وغيرها وأما الطلاب الدمشقيون فعددهم أقل من أصابع اليد الواحدة ولكن الطالبات الدمشقيات فكان عددهن لا بأس به.

كنا نركب من شارع اليرموك وننزل في آخر الخط مقابل التكية السليمانية بشارع الطبيب مسلم البارودي ثم نمشي لشارع النصر ونركب في الباص لساحة القصور ومن هناك نمشي حوالي عشر دقائق.

أذكر بعض طلاب المخيم ممن كانوا من دفعتي: سليم الماضي، علي جلبوط، مصطفى الشهابي، عدنان موسى، محمد عودة، سمير فاخوري، ماجد أبو ماضي، خالد موعد، عبد الله موعد، محمد خليل خليفة، فراس حمدان، أحمد عمايري، محمود الشريف، عبد القادر زيدان، رياض شتيوي.

ومن الطالبات أذكر: هند جودة ابنة عمي، آمال عباس، أمينة الشهابي، سوسن فؤاد عودة،زهرة الرفاعي، منيرة عودة، فاطمة زيدان، إنعام درباس، نعمت أبو العنين، هيفاء خرطبيل، حنان السكري، آسيا علي، شقيقتان من بيت الخطيب، رفقة الجزائرلي وآمنة الرشيد، وغيرهن.

وأذكر من طلبة خان الشيح دياب جليل ونعيم فضيل ونعمة خالد.

ومازلت أذكر عددا من المدرسين فكان المدير سعيد الصويري يدرسنا علم النفس التربوي، وزهير حبش للاجتماعيات ومحمد محفوظ للقومية واكتشفت أنه شقيق الأستاذ الرائع إسماعيل محفوظ الذي درسنا فلسفة بثانوية اليرموك، ومدرسة من بيت نصري للفنية، وأخرى اسمها سلوى للموسيقى، ونور الدين الخشة مدرس الرياضة ورجائي الصفدي للرسم، والطبيب محمود مللي كان يعطينا مادة الصحة، وأما المدرسون الفلسطينيون فأذكر منهم الدكتور الرائع محمود موعد للغة العربية، وغالب حوراني للتربية وقد اشتهر سنتها بقوله: (ما عندي كبير غير الجمل؛ وأي مشاغب بزتُّه من الشباك) ومن الموجهين كان الأستاذ يوسف والذي افتتح محلا بعد تقاعده مقابل محكمة اليرموك.

بعد حوالي شهرين من الدراسة صرنا نخرج لمدارس مدينة دمشق للتطبيق فيما كان يسمى: (الاستاج) وكانت أجمل الأيام عندنا فأذكر المدارس التي طبقنا فيها مثل الملكة بلقيس في الحلبوني ولم أنس أنني ولأول مرة في حياتي أعطيت درسا عن مادة العلوم فنال استحسان المشرفين بقوة، وكذا كنا نطبق في مدرسة العرفان بالطلياني فطلبت مني مرة أستاذة من بيت مريدن درس نشيد للصف الرابع فأعطيت الطلاب نشيد:

أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيع والمكبل

وحملت رشاشي لتحمل بعدنا الأجيال منجل

وما أن انتهت الحصة حتى حفظ الطلاب النشيد بأداء رائع كما حفظت الأستاذة مريدن اسمي لتكريمي.

كنا نعاني من الوصول للمدرسة ولا سيما في فصل الشتاء فاتفقنا يوما أن نتعاقد مع مكرو يقوده سائق اسمه أبو علاء فكنا نجتمع صباح كل يوم على زاوية شارع جلال كعوش مع تقاطع شارع فلسطين ونستقله للمدرسة وكنا مسرورين من هذا العمل ولا سيما أنه يوفر علينا جهدا ووقتا، ثم ازداد عددنا فاتفقنا مع باص ولكن الخلافات التي دبت بيننا على الزعامة جعلتنا نرجع لبهدلة باصات المخيم والقصاع.

كانت المدرسة تصرف لنا راتبا شهريا مقداره مئة وعشرون ليرة سورية كمصاريف دراسة أذكر أنني كنت أعطي الوالد منه مئة ليرة وأبقي لي عشرين ليرة لا غير.

أذكر أنني في نهاية عام ١٩٧٥ غبت عن المدرسة أربعة أيام، لأنني خضعت لعملية استئصال اللوز في مشفى العربي بشارع بغداد بإشراف الطبيب محمد فائز المط على حساب الأونروا إذ زرته ومعي الموافقة من الأونروا فقرر أن يجريها بعد نصف ساعة!! كنت وحدي ماذا أفعل حتى لا يقلق علي أهلي ؟

وقفت على باب المشفى انتظر أحدا أعرفه يمر في شارع بغداد أو يخرج من عين الكرش: فما هي إلا لحظات حتى رأيت صديقي عزت فارس الذي يسكن في حارة الفدائية فأوصيته أن يمر على بيتنا ويخبرهم أنني سأجري عملية جراحية اليوم.

أجريت العملية، ولم أنم تلك الليلة ولم يواسني إلا زخات المطر على نافذة المشفى فذكرتني بحنان من فقدتها، في الصباح خرجت من المشفى متجهاً إلى موقف باصات المخيم.

من الحوادث المهمة في هذه السنة هو التقارب السوري الأردني وحتى مناهج التعليم بدأت بالتوحد بدأ من الصف الأول وهذا الانفتاح انعكس في الصف الخاص فقررت إدارة المدرسة برحلة لطلابها إلى الأردن ومن المعروف أن اللاجئ الفلسطيني لا يسمح له بدخول الأردن إلا بموافقة أمنية تستغرق أكثر من شهرين: ولما أعلمنا الإدارة بذلك خاطبوا بعض الجهات وقالوا لنا بعد يومين: لا مشكلة في الموضوع أحضروا الهويات فقط أنتم كالطلبة السوريين.

 فرحنا فرحاً شديداً وفي اليوم المحدد وفي منتصف ذات ليلة وزعوا ستين طالباً وطالبة على ستة باصات ومع تباشير فجر اليوم التالي كنا في الرمثا نحمل هوياتنا إلا الطالبة سوسن عودة فيبدو أنها أضاعت هويتها فأحضرت معها بطاقة الإعاشة والكرت الأحمر!!

وما بين أخذ ورد، ويا أبيض ويا أسود ويا مشحر و يا مغبر، وبعد ساعتين من الجدل كان القرار واضحاً، وحتى تدخلات الأستاذ رجائي الصفدي والذي كان صهر وزير الاقتصاد محمد العمادي لم تجدِ نفعاً.

وأخيراً دخل الإخوة والأخوات السوريون الأردن بعد أن افرغوا لنا باصا يقلنا إلى حيث نشاء في الأراضي السورية العزيزة، وقبل شروق الشمس كنا عند شلالات تل شهاب في درعا ففاجأنا أهل المنطقة لأنهم أول مرة يرون رحلة مدرسية من بزوغ الفجر!!

بالفعل كان يوماً ممتعاً فلسطينياً بامتياز، ثورياً غصباً عنا، حيث قضينا يوماً من العمر ونحن ننشد (على الرباعية رافعين الرأس فلسطينية) و(فوق التل وتحت التل) وبعد تناول فطورنا قرب بحيرة المزيريب انطلقنا إلى كل المناطق الأثرية حتى وصلنا بصرى الشام شرقا ثم عدنا للمخيم بعدما أنزل السائق مَنْ لا يسكن المخيم في أقرب منطقه من سكنه.

وذات خميس أخبرنا الموجه جورج أن علينا أن نحضر غدا للمدرسة للاشتراك في الانتخابات البلدية والمحلية ففهمناه أننا فلسطينيون ولا يحق لنا الانتخاب، فلم يقتنع وأصر على الحضور، جئنا صباح الجمعة فأحضروا باصات تقل الطلاب والطالبات السوريين لمراكز الانتخابات واعتذروا منا وطلبوا منا الرجوع لبيوتنا!! اقترح الثنائي علي جلبوط ومصطفى الشهابي أن نخرج في رحلة فوافق الجميع فسرعان ما دبرنا باصا وبعد ساعة ونصف كنا في عين الصاحب وصيدنايا ومعلولا بعد أن اشترينا ما يلزمنا من طعام وشراب من ساحة القصور، إذ قضينا يوماً فلسطينياً آخر بامتياز.

ومن الأحداث المهمة في تلك السنة وقع اختباراتنا النهائية بشهرين الحرب اللبنانية وحصار تل الزعتر مما أثر ذلك على نفسيتنا إذ تألمنا بمرارة لأهلنا وللمجزرة المروعة التي راح ضحيتها الآلاف.

ومن الأمور التي لا أنساها أنني ذات يوم خطر على بالي وأنا أقف بشارع النصر اتجاه مبنى البريد والهاتف أن أقدم طلباً للهاتف فقلت لهند ابنة عمي تعالي معي وقدمي لك طلبا للهاتف فربما بعد عشر سنوات تجدينه كلقمة الغلاء فرفضت وقالت: (أبوي ما بخليني) فدخلت لوحدي وكتبت طلباً ووضعت عليه طابعاً بخمس وخمسين قرشاً.

انتهى العام الدراسي سريعاً، وانتهت الاختبارات وبعد شهر وكان الوقت شهر رمضان كنت مع أصدقائي ننتظر أسماء الناجحين والناجحات في بهو وزارة التربية بالجسر الأبيض، وكنت خائفا، وقبل تعليق أسماء الناجحين علقوا ورقة واحدة كتب عليها وافق وزير التربية الدكتور شاكر الفحام على تعيين العشرة الأوائل معلمين بمحافظة ريف دمشق وهم:........ لم أصدق أن ترتيبي كان الثاني على شباب دفعتي بمجموع قدره ٧٣٦ علامة.

في اليوم التالي راجعت مديرية الأطراف وكان اسمي قد وصلهم فعينوني في مدرسة خربة الشياب التي تبعد عن المخيم ١٩كيلاً وعن مقام السيدة زينب حوالي عشرة أكيال في حين أنهم عينوا باقي زملائي في المحافظات النائية كالرقة والحسكة، ولنا ذكرى جميلة عن قرية خربة الشياب ومدرستها في الحلقة القادمة إن شاء الله.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:37 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٦)
شخصيات مشهورة من المخيم:

 

لا يقل سكان مخيم اليرموك عن نصف مليون نسمة ما بين فلسطيني وسوري وجلهم يعيشون بوئام وسلام ومن هذا العدد الكبير اشتهر بعض الشخصيات إما على مستوى المخيم أو في بعض المناطق وسأقوم بذكر من اشتهر على عهدي وقد يكون معروفاً من قبل البعض وربما قد لا يسمع به بعض الناس، وآثرت ألا أذكر جل أهل الأدب والإعلام وذلك لكثرتهم وقد أفرد لهم دراسة خاصة في القريب العاجل ومن المشاهير الذين أسعفتني الذاكرة بهم:

 

 

إبراهيم البكراوي : أبو نظمي من مواليد لوبية من عشرينات القرن الماضي كان يعمل في معمل سكر عدرا قسم الميكانيك وبعد تقاعده عمل في الجمعية الخيرية الفلسطينية حتى وفاته في تسعينات القرن الماضي.

إبراهيم النجمة : أبو قاسم من مواليد صفورية في عشرينات القرن الماضي من أوائل من سكن المخيم وكان ناشطا في الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين وكان وجيها يحل مشكلات الناس وعمل في الجمعية الخيرية الفلسطينية عدة دورات من أبنائه  قاسم  والمرحوم  المختار عادل والمهندس وعلي .

إبراهيم محمد صالح:  أبو عرب الشجراوي،  من مواليد قرية الشجرة عام ١٩٣١م ليس من سكان المخيم لكنه رحمه الله كان دائم الحضور إليه حتى يحسبه الناس أنه مقيم فيه ، عرفت أبا عرب في بيروت أثناء خدمتي الإلزامية وذلك قبل الاجتياح الصهيوني لبيروت يومها كان ابن أخته الفنان زيد تيم زميلاً لنا وبمناسبة لم أذكرها جيداً تم التدريب والاستعداد لحفل كبير يحييه المجندون الفلسطينيون وحتى يعطي زيد الحفل أهمية طلب من خاله أبي عرب الاشتراك فلبى الدعوة وغنى وذكرنا بالبلاد والأقصى والزيت والزعتر والزيتون والشهداء وبكى وأبكى، عرفته في مخيم اليرموك ضيفاً وزائراً وعاشقاً وفناناً مبدعاً، بالرغم من إقامته في مخيم حمص إلا أنه كان يعتبر مخيم اليرموك عاصمته الفنية والإبداعية والثقافية لذا كان دائم الحضور إليه يزور أرحامه مثل المرحومة بنت أخته أم عمر تيم التي كانت تقطن ما بين ساحة الريجة وحارة الفدائية توفي عام 2014.

أبو أحمد بيكو: من عكا أول شرطي سير من مخيم اليرموك كان مشهوراً على مستوى دمشق من خمسينات القرن الماضي عرف بمكانه عند جسر فكتوريا قبل بناء الجسر الإسمنتي كان مخلصاً في عمله معروفاً من قبل كل من يمر من تلك المنطقة، تصدرت صورته عدة مرات غلاف مجلة الشرطة، كان يقيم قرب جامع الرجولة وافته المنية قبل عشرين عاماً.

أبو أحمد هزيمة : من مواليد جباتا الزيت بالقنيطرة  سكن في مخيم اليرموك تتلمذ على يد الشيخ عبد الكريم الرفاعي إمام وخطيب جامع البشير وبعد أزمة المخيم استلم جامع الشيخ حسين خطاب في القاعة وهو من خيرة الناس خلقا وتواضعا له ثلاثة أولاد مهندسون يحفظون القرآن.

أبو دياب: أول وأشهر بَقَّال في المخيم يقع محله في شارع عز الدين القسام المتفرع من شارع لوبية جنوباً مقابل مشفى الباسل حالياً، وكما كان يقال: لو طلبت لبن العصفور لوجدته عنده، كان نشيطاً يعرف ما يطلبه الجمهور من الطلاب والطالبات وستات البيوت والأطفال ومما كان يبيعه: جميع أنواع البقول، كافة الألبان والأجبان، كازوز، قرطاسية، فطابيل، أول من اقتنى ماكينة لطحن القهوة، خيطان أبر نكاشات إلخ أي بلغة اليوم سوبرماركت محترم.

أبو رضا عودة : من فرعم كان آذن مدرسة في ثانوية اليرموك وتقاعد وأصبح يدور على التعازي من يعرفه ولا يعرفه يلقي كلمات وعظ وإرشاد وأدعية تناسب العامة.

أبو عادل أبو سويرح : من قطاع غزة، طويل القامة، أسمر البشرة، أبيض القلب، طيب المعشر، استقر في شارع الجاعونة حيث افتتح هناك أشهر محل للخضراوات، وذلك قبل افتتاح سوق للخضار، وبعض الناس سموه محل (خماخم) لوجود بعض الفواكهة والخضروات التي أوشكت على الصلاحية ونسوا أنَّ لها زبائنها الفقراء والدراويش، فسبحان مقسم الأرزاق!!

أبو علي صيام: وجيه من الوجهاء، أظنه من قرية عولم، لا يقصر في إصلاح ذات البين حيث يسعى لها، طيب العشرة، افتتح فرناً في شارع الجاعونة من سنوات عديدة.

أبو فؤاد الخواجا : صاحب الفرن المشهور مقابل شارع لوبية سكن في المخيم   منذ زمن واشتهر خبزه بالنظافة والإتقان .

أبو فواز الطنجي: أشهر ضريب مجوز في المخيم من الطنطورة، كان يشارك في أكثر الأعراس التي يدعى إليها مع مجوزه، توفي قبل عشرين عاماً.

أبو لطفي الصلح :  وجيه من وجهاء المخيم من مدينة حيفا ولكن أصوله ترجع لصيدا كان يعمل في مجال حفر الآبار والتعهدات ساهم في بناء جامع عبد القادر الحسيني عام 1956 وهو أول من تبرع لجامع الرجولة عام 1961  خلف عدة أبناء وبنات من خيرة أبناء المخيم توفي رحمه الله منذ عشرين سنة

أبو محمود ياسين:   من مواليد  حيفا  1912  كان قساميا مجاهدا في فلسطين وهو من أوائل من سكن المخيم شيخ ومحب للعلم وهو أول باشر جامع عبد القادر الحسيني وأم الناس في الصلوات وكان ابنه عبد الله خريج الشريعة يخطب فيه ، وكان مبتلى بعدد من الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة كان يحب المش وأحيانا يمشي من مخيم خان الشيح الذي بنى له فيه مزرعا إلى المخيم سيرا على الأقدام عاش حوالي مئة سنة وتوفي عام 2011 ودفن في المقبرة القديمة.

أبو هوين: كامل حياتله، ولد في الشجرة ١٩٠٥م من الشعراء الشعبيين ضرير، سكن في شارع جلال كعوش واتخذ من بيته مضافة وغدت ندوة للأدب والشعر توفي باليرموك ١٩٧٠ وابنه المرحوم عاطف حياتله شاعر ومدرس للتاريخ وأما حفيده فالشاعر إياد.

أحمد الخالد :  وجيه من وجهاء المخيم  من مواليد  قرية لوبية اشتهر في تجارة البناء والأراضي وافتتح محلات في شارع لوبية لبيع المفروشات أعقب عشرة شباب وأغلبهم في التجارة بالمخيم أديت فريضة الحج معه ومع والدي عام 1983 وقد كان طيب الذكر حسن المعشر توفي رحمه الله  قبل عشر سنوات

أحمد الكفري : أبو جاسر من مواليد لوبية 1932 هاجر إلى لبنان ثم استقر في مخيم اليرموك في شارع لوبية صادق بعض القيادات السولارية منهم وزير الخارجية منصور سلطان الأطرش إذ كان الوزير يزوره في بيته بالمخيم  عمل في منظمة الصاعقة وكان مسؤولها العسكري في البقاع وكان محبا للناس خدوما ومضيافا قضى نحبة في لبنان بالبقاع بحادث سير عام 1973 يرحمه  الله من أبنائه المرحوم جاسر الذي وهو طالب في الجامعة ومشهور ومنصور والدكتور نمر الناشط في العمل الخيري.

أحمد جراد : خرج من فلسطين عام 1959  من عرابية البطوف  قضاء الناصرة مع عمر جربوني وعبد الله ياسين ولجؤوا إلى سورية  سكن في مخيم اليرموك وتأهل من ابنة الأستاذ نور الدين عم علي ،ونظرا للغته العبرية درس في جامعة دمشق وأشرف على قسم اللغة العربية في إذاعة دمشق ثم رحل إلى القاهرة حيث شغل منصبا في جامعة الدول العربية .

أحمد حجو : أبو حسام   من مواليد  قرية لوبية كان ضابطا في الشرطة العسكرية السورية في ستينات القرن الماضي  هاجر للعراق مع  جماعة أمين الحافظ  ثم رجع لغزة وعمل في فتح .

أحمد خليل العقاد : من مواليد يافا 1916  مؤرخ وصحفي ،أول من أرخ للصحافة في فلسطين بكتاب تاريخ الصحافة في فلسطين وكان رئيس تحرير جريدة الرأي العام بيافا ، توطدت العلاقة بينه وبين الوالد وصار يأتي لبيتنا تقوده زوجته الصابرة أم خليل ليستعير كتبا من بيتنا وأذكر مرة أنه أستعار أجزاء من كتاب الأعلام للزركلي وصرت أمر عنده يحدثني عن يافا والصحافة ، أعقب من الذكور خليلاً وعدد من الإناث أذكر منهن أصغرهن عالية. أعارني وأنا يافع كتابه الثاني «من هو» وهي النسخة الوحيدة عنده، فاطلعت على الكتاب، فإذا هو على صغره كتاب قيم يضم عشرات التراجم عن الشخصيات والأعلام الفلسطينية وقد رددته وندمت لأنني لم أقم بتصويره؛يبدو أن التصوير في منتصف سبعينات القرن الماضي كان عسيرا نوعا ما ولا سيما على طالب ثانوي، توفي يرحمه الله عام 1977م ودفن في مقبرة الدحداح في دمشق وقد رأيت موكب جنازته بالسيارات يمر من أمام مسجد زيد بن ثابت في منطقة الفحامة ،وقد حزنت جدا لأنني لم أستطع مرافقة التشييع.

أحمد طالب تميم وإسماعيل تميم : أشهر لاعبي كرة قدم في القرن الماضي من قرية الجاعونة لعبا في الجيش ومع المنتخب السوري وقدما عروضا رائعة ، وبعد تقاعدهما عملا في تدريب الفرق الفلسطينية في المخيم .

أحمد موسى : أبو عدنان  ، من مواليد الخالصة ، هاجر لدمشق شابا واستقر في مخيم اليرموك ، وتخرج من جامعة دمشق ، من أشهر مدرسي الرياضيات في مدينة دمشق وقد درس قبلها في دير الزور ، درسني في الصف التاسع في إعدادية الميدان الأولى بالميدان " عزة حصرية" بموقف الغواص ، تقاعد في الثمانينيات وافتتح محلا تجاريا لبيع الأدوات المنزلية بشارع صفد ، أعقب عددا من الأولاد والبنات وأغلبهم ممن خريجي الجامعات منهم المهندس الاستشاري عدنان أبو نزار ورضوان ومروان والمرحوم حسان .

أحمد موعد : وجيه من الوجهاء رئس الجمعية الخيرية الفلسطينية عدة سنوات وهو أول من نظم رحلات للحج والعمرة بالباصات  وقد اجتمعت معه بحج عام 1983

أسعد عوض غنام :  تربوي ووجيه ولد في طيرة حيفا  عام 1926  وعمل في قريته بالكشافة  ولما هاجر عام 1948 استقر أولا في الرحيبة ثم مخيم اليرموك كان موظفا كبيرا في وزارة التربية السورية " مدير التعليم الابتدائي" وفي الوقت نفسه  كان يدرسنا مادة التربية الإسلامية  في إعدادية الميدان الأولى وفي السنة التالية وبعد افتتاح ثانوية اليرموك أصبح يدرسنا المادة نفسها وكان بارعا في التدريس له أساليب شيقة في رواية القصص التاريخية ، كان يسعى حثيثا لإصلاح ذات البين من المتخاصمين ،  قضى حياته في الإيجار ومما يؤثر عنه أن صاحب البيت  طلب بيته فما كان من الأستاذ أسعد إلا أن نزل عند رغبة صاحب البيت وأخلاه دون فروغ و مقابل  في وقت كان مثل هذا التصرف نادر الحدوث توفي رحمه الله في المخيم قبل عشرين عاما  أعقب شبابا تعلموا واشتهروا بأدبهم وخلقهم ، منهم محمود ومحمد والدكتور أحمد الذي  افتتح عيادة خلف مخبز حمدان  .

إسماعيل غريب الكيلاني :  أبو أيمن  من مواليد  قرية لوبية خرج منها وهو ابن ثمان سنوات استقر في دمشق يتيما  ودرس الشريعة والتاريخ في آن واحد علم في ثانوية الكواكبي واليرموك وقد درسني في الصف العاشر وكان من خيرة المدرسين علما وأدبا والتزاما بدينه   وكان يعطي دروسا في جامع صلاح الدين الأيوبي والرجولة هاجر لقطر وتجنس بجنسيتها حصل على الدكتواره من القاهرة  وصار رئيس توجيه العلوم الشرعية هناك له عدة كتب في التاريخ الإسلامي  مثل  لماذا يزيفون التاريخ ويعبثون بالحقائق ، وفصل الدين عن الدولة ،وتدريس العلوم الشرعية  وغيرها وله نشاط في أوروبا عند الجاليات العربية .

إيليا سلوم يارد: هو ليس من المخيم ولكنه نزيله وصديقه كانت عيادته في الساحة بشارع فلسطين يأتي كل يوم من حي التيامنة بباب مصلى ويقال إنه ابن خالة ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث ، غالباً ما كان يجلس على كرسي بمريوله الأبيض قرب دكان جاره اللحام ينتظر زبائنه حتى كا العض يظنه لحاما ، قرأت عنه في كتاب من هو في سورية ؟ الصادر عام ١٩٥٧ أنه طبيب الجيش الرابع.

تاج الدين عم علي : من مواليد الجاعونة  أشهر مدرس لغة عربية في المخيم شريك في مدارس الأندلس وثانوية العودة بالمخيم ألف كتاب المضيء في اللغة العربية  كان يعقد دورات تقوية للطلاب والطالبات في فترات الاختبارات.

تيسير إدريس  من طيرة حيفا  ومن مواليد 1954 كان معنا في ثانوية  اليرموك وفي أواسط السبعينات عمل في الفن ، ممثل بارع في المسرح  والمسلسلات التلفازية العديدة وأما الأفلام فله بطولة واحدة في صعود المطر عضو في نقابة الفنانيين السورية  سكن في المخيم حتى وقت النزوح ومن الجدير ذكره أنَّ عددا من  الفنانيين الفلسطينيين برزوا في سورية  أمثال :  أديب قدورة ونزار أبو حجرو أحمد رافع وابنه المرحوم محمد وشكران مرتجى ونسرين طافش وفرح بسيسو  وحسن عويني ويوسف حنا  وهاني السعدي ورامي حنا وديمة بياعة، وعبد المنعم عمايري،  ومحمد صالحية وأناهيد فياض وصفاء سلطان،والمخرج المثنى صبح وباسل يوسف الخطيب وأحمد قبلاوي وغيرهم.

جمال الحصري : أبو محمد من مواليد صفد ، هاجر لدمشق شابا ، ولما استقر في مخيم اليرموك افتتح فرنا شمال  شارع اليرموك  ولعله أول فرن بالمخيم ، كان وجيها ويسعى للإصلاح بين ذات البين وعضوا ناشطا في الجمعية الخيرية ، توفي بالمخيم في أواسط ثمانينات القرن الماضي، ومن مآثره أن الحجة التي ظل يرعاها حتى وفاتها وكنا نظن أنها أمه وتبين أنها زوجة أبيه وكانت يرحمها الله دائمة الحضور بالفرن تساعده وتراقب العمل، أعرف من أولاده محمد الذي يصغرني بعامين ومحمود الذي عمل في مجال العقار كما أنه كان نشطا في أزمة المخيم وأخيرا هاجر للسويد.

الحاج أبو الأمين العيلوطي : اسمه صالح عيسى ولد في عيلوط  من وجهاء المخيم سكن قرب جامع الرجولة وكان يؤم الناس إذا تأخر الإمام وظل محافظا على لباسه التقليدي حتى وفاته  2010 رحمه الله.

الحاج حسين حمادة: من رفاق المجاهد عز الدين القسام ومن مواليد حيفا سكن في أول شارع اليرموك وكان وجيها ويحب فعل الخير أذكر أنه نشط  أبان لجوء النازحين إلى المخيم عام 1967 فقام بحملات لجمع الملابس والطعام من أهالي المخيم للنازحين الجدد ، توفي في ثمانينات القرن الماضي ،أعرف أن له ابنين  هما  المرحوم عثمان الذي تعرفت على ابنه الأستاذ عاطف بمدارس الشويفات بالرياض  والآخر المرحوم عمر الذي اشتهر بالتجارة والصناعة وافتتح معملا لخياطة وبيع القمصان في الحريقة ولعمر ولدان عملا في حقل الأدب والعلم هما الدكتور حسين  صاحب كتاب الماسونية ، والأستاذ محمد صاحب كتاب أعلام فلسطين في عدة أجزاء  .

حسن الباش : أديب والشاعر وباحثوحاصل على الدكتوراه  في تاريخ الصراع العربي اليهودي وفي مقارنة الأديان ولد في طيرة حيفا عام 1947. خرج من الطيرة وهو لا يعي من الدنيا شيئا وحطت به الرحال منذ عام 1954 في مخيم اليرموك وفي شارع القدس بالتحديد بالقرب من مركز الأونروا لتوزيع المؤمن ، حصل على الإجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق في العام 1973. عمل في مجال التعليم لمدة طويلة، ثم ترك التعليم ليعمل في الصحافة وليتفرغ للكتابة فقد ترك أكثر من أربعين مؤلفا أذكر منها ،كان مشرفا على جمعية القدس الخيرية وكان بنفسه يشرف على توزيع المساعدات وإدخالها للمخيم إذ كان مقره في منطقة الزاهرة القريبة من المخيم ، أعرف من أشقائه عبد الرحمن الذي درس معي في ثانوية اليرموك وأحمد الناشط في المجال الإعلامي وأيضا ابنه وسام الباحث في الشؤون الفلسطينية  وهاجر الأخيران لأوروبا ،توفي حسن يرحمه الله عام 2016.

حسن الشهابي : من مواليد لوبية تخرج من كلية الآداب قسم الجغرافيا جامعة دمشق ، تطوع في جيش التحرير الفلسطيني وتقاعد برتبة عميد ، لجأ إلى ضاحية قدسيا بعد أزمة المخيم طيب المشر يحب خدمة الناس ووالده أبو حسن أول من افتتح بقالية في شارع فلسطين قرب الدوار وقد سمي موقف الباص باسمه.

حسن العبدو الشهابي : من مواليد لوبية  هاجر لدمشق واستقر في مخيم اليرموك عمل في تجارة الأراضي والبناء عرفت عنه صفات حميدة كالكرم وإغاثة الملهوف وحماية المستجير  من مؤيدي العمل الفصائلي ولا سيما القيادة العامة ، كنا في اجتماع في صالة البجعة بالمخيم لبحث تطورات الأحداث والمجتمعون من كافة الفصائل الفلسطينية  ويبدو أن أحد المتحدثين تكلم عن أحد قادة الفصائل فلم يعجبه كلامه فقام وأخذ المكرفون وصار ينهال سبا وشتما  على المتحدث وكل من يكره هذا القائد فحدث هرج ومرج وانفض الاجتماع إلى لا شيء

حسني ديب خالد من قرية لوبية  في عشرينات القرن الماضي أول افتتح معملا للبلوك وبيع الرمل والبحص والإسمنت بالمخيم مع إخوته الحاج علي والحاج موسى وورثوا المهنة لأولادهم،  وهو من مؤسس الجمعية الخيرية الفلسطينية .

حسين العودة :  أبو علي من مواليد لوبية تخرج في كلية العلوم جامعة دمشق ودرس في مدارس الأونروا بالمخيم  وكان من رجال الحاج أمين الحسيني  هاجر للبنان ثم الأردن وحصل على الجنسية الأردنية وعمل مع حركة فتح  جماعة غازي الحسيني ابن عبد القادر ومازال .

حسين رشدان :  من خيرة رجال المخيم نخوة وشهامة وكرما من مواليد 1956 سكن في شارع الجاعونة ، درس الرسم الهندسي وعمل في دمشق في مجال التعهدات والبناء أحب الكتب والمكتبات وعمل فترة من الزمن في  مكتب ميسلون ومما يسجل له أنه بجهوده الرائعة خفف بعض المعاناة عن المهجرين من المخيم  فقد استطاع أن يدخل جثامين من يتوفى إلى المخيم  بعد جهود حثيثة بين الأمن السوري والدائرة السياسية لمنظمة التحرير والمسلحين في المخيم وقد رافقته في صيف 2016 خلال تشييع إحدى قريباتي وعرفت المعاناة والخطر التي يتعرض لها يوميا بدون مقابل وفي بعض الأحايين يدفع الرسوم التي تقدر بنحو 50 $من جيبه الخاص.

خالد أحمد  عمايري :   أبو الأمين من مواليد الجاعونة 1926 درس في الجاعونة حتى الصف السادس  وفي دمشق أتم تعليمه وحصل على الشهادة الإعدادية واستقر في مخيم  اليرموك منذ تأسيسه وعمل موظفا مدنيا في وزارة الدفاع السورية ألف كتابا عن الجاعونة باسم ( الجاعونة قرية بحجم الوطن) وعمره 83 عاما  وهو من خيرة الكتب لأنه جاء من شاهد عيان، وعمل على توثيقه  بشكل جيد  بسبب امتلاكه لعدد من الوثائق الهامة التي أخرجها من بلدته الجاعونة،  بعد أزمة المخيم نزح لدمشق  وما زال هناك .

خالد الحسين :  كان المرافق الشخصي للرئيس حافظ الأسد  يوم كان  وزيرا للدفاع  أصوله من قرية عين غزال قضاء حيفا ، كان يسكن في خان الشيح وفي ستينات القرن الماضي أشاد بيتا كبيرا على شارع اليرموك وكان وقتها برتبة ملازم أول ثم ترك البيت لإخوته العميد:  نمر ، ووليد ،والدكتور علي  وانتقل للسكن في وسط العاصمة . وأما العميد نمر فقد كان في بداية حياته معلما في مدرسة أحمد عرابي  بالميدان وعندما كنت في  طالبا الصف السادس عام 1969 كان الأستاذ نمر من معلمي المدرسة ،ثم تطوع في الجيش حتى تقاعد برتبة عميد وكان من خيرة الجيران أدبا وخلقا وتدينا  آثر البقاء  في المخيم  وعمل في مساعدة الناس المحاصرة حتى اغتيل أمام منزله 2015.

خالد جلبوط : المحامي الشهير من مواليد الجاعونة درس المحاماة بدمشق وعمل في سلك الشرطة وصار مدير للجنائية ثم مديرا لقلعة دمشق ، ومن المصادفة أنه سجن فيها  حوالي سنتين بعد مكائد  دبرت له  توفي منذ عشر سنوات .

خليل البيطار:  من مواليد عكا أوائل عشرينات القرن الماضي عمل مديرا لعدد من مدارس الأونروا منذ افتتاحها وكان ناشطا في الجمعية الخيرية الفلسطينية وقد افتتح ابنه إبراهيم صيدلية القدس في شارع اليرموك توفي قبل 15 سنة .

داوود يعقوب:كبير مذيعي إذاعة دمشق في الستينات والسبعينات، ولد في طيرة حيفا ١٩٣٩ثم هاجر لدمشق مع أسرته استقر في المخيم حيث عمل على تثقيف نفسه فبنى مكتبة ضخمة واشترك إلى جانب عمله الإذاعي ببعض المسرحيات والمسلسلات، ظل وفيّاً لفلسطين وقضيتها توفي يرحمه الله عام ١٩٨٦، ومن الجدير ذكره أنه شقيق الإعلامي القدير طالب يعقوب.

سعيد موعد أبو إبراهيم: من صفورية أول مختار للمخيم منذ إنشائه كان المختار الوحيد للمخيم لأكثر من عشرين سنة يمتاز بدماثة أخلاقه وحسن سيرته، كان مكتبه بالقرب من منزله في شارع حيفا أو صفورية وبقي مختاراً حتى وفاته قبل عدة سنوات.

السقا والعلان: (إبراهيم السقا ومحمود العلان) شخصيتان مشاكستان اشتهرا في المخيم في أواخر الستينات والسبعينات وبالرغم من مشاكلهما الكثيرة مع الشرطة والأمن إلا أنهما يمتازان ببعض الصفات الجيدة كحماية الجار ونصرة الضعيف والمظلوم، قضى كلاهما مجتمعين ومنفردين سنيين عديدة في السجون، وقد بالغ الناس في سرد قصصهما وسيرتهما ولا شك أن الخيال لعب دورا في الحبكة القصصية: وقد شاهدت السقا في الثمانينات متزوجا يعمل هداما في بلدية اليرموك أي يحمل مهدة ويقوم بتنفيذ أمر هدم الملاحق والمخالفات.

سليمان أبو خرج: أبو توفيق من صفورية، من أوائل الذين افتتحوا بقاليات في المخيم، مجاهد ووجيه، كانت دكانه على شارع اليرموك مقابل الخان سابقاً، وبنك التمويل والتجارة الدولي حالياً، أنجب أكثر من عشرة أبناء عرفوا بالجد والعمل توفي بالمخيم قبل النزوح وقد اقترب من مئة عام.

شوكت جبالي :  اسمه الحقيقي شوقي  أصله من جباليا من غزة خريج كلية الشريعة وتعين في مكتبتها وكان خطيبا مفوها لجامع عبد القادر الحسيني بالمخيم  سكن في الفحامة  وكان من جماعة الشيخ عبد الكريم الرفاعي " جامع زيد " توفي يرحمه الله من سنوات عديدة .

الشيخ حمدان دخل الله: رجل عصامي متعلم بالأزهر من قرية داعل من درعا شبه مقعد يمشي على عكازه متثاقلا أول من بنى بناية متعددة الأدوار مقابل جامع الرجولة من بابها الشمالي لغرض التأجير حيث استقر بها حوالي عشرين عائلة تزوج ثلاث نساء أو أربع وخلف منهن عدداً كبيراً من الأولاد والبنات امتازوا بالطيبة والدماثة، منهم وزير الإعلام السابق مهدي وزميلنا تيسير المشرف التربوي لمادة العلوم بمدارس الرياض.

الشيخ رجا الكوسى:  من مواليد الجاعونة 1922 درس في عكا بالجامع أحمد الجزار في عام 48 هاجر لدمشق وسكن في الميدان وبنى بيتا في مخيم اليرموك خلف مؤسسة الكهرباء ورسكن فيه في سبعينات القرن الماضي ، عمل في حقل التعليم وكان خطيبا في عدة مساجد في المخيم كالقدس والرجولة وفلسطين  له كتاب عن الحج والعمرة  على مذهب الشافعي توفي يرحمه الله  عام 2001 ودفن بمقبرة الباب الصغير في أوائل القرن الحالي.

الشيخ عبد الكريم الأسعد:   أحد علماء فلسطين من مدينة حيفا كان مقيما في الميدان  ولكنه كان يتردد إلى جامع عبد القادر الحسيني منذ تأسيسه يعلم الناس الفقه والقرآن وكان إماما لجامع رجال الصحابة في الميدان توفي منذ عشر سنوات في الميدان ودفن هناك بعد عمر تجاوز التسعين عاما.

الشيخ ناصرالدين الألباني:  عَلَمٌ من أعلام العالم الإسلامي وأشهر عالم إسلامي في العصر الحديث، له أكثر من ٣٠٠ كتاب، وملايين المتابعين على مستوى العالم، سكن على شارع اليرموك سنوات عديدة قبل أن ينتقل للمهاجرين وبعدها للأردن فمن المعروف أنه بنى داراً واسعة على شارع اليرموك قبل دخلة فرن أبي فؤاد وتشغل الآن محلات مطر لبيع المفروشات، وكانت هذه الدار في ستينات وسبعينات القرن الماضي مركزاً لدعوة الشيخ فقد كان يقصدها محبو الحديث بالمئات من رجال ونساء من المخيم ومن المناطق المحيطة به كل يوم ثلاثاء يعقد درسه على سطح بيته يشرح الأحاديث ويفسرها، وأذكر أن بعض المناوئين لدعوة الشيخ كانوا يرسلون الأولاد الأشقياء كي ينفسوا عجلات الدراجات التي كانت تقلهم لمنزل الشيخ ،وأذكر أن أحد أبناء الشيخ وأظن اسمه عبد المصور كان يدرس معنا في مدرسة صرفند التابعة للأونروا قرب مستوصف محمد الخامس في شارع دير ياسين، وأما الشيخ فقد كان يغادر كل يوم منزله يوصل بناته إلى ثانوية المنصور بالميدان  والتي صار اسمها" بهجة البيطار " فيما بعد ، حيث لم تكن قد افتتحت مدرسة ثانوية في اليرموك بعد، ويذهب بعدها لمحله بالعمارة حيث كان يمتهن تصليح وبيع الساعات وكان يقضي بعض الوقت في المكتبة الظاهرية قرب الجامع الأموي  يقرأ ويحقق ، وكانت إدارة المكتبة فد خصصت له زاوية ومكتبا رأيته مرة في السبعينات وقد فرد المخطوطات يتمعم فيها ويكتب ولعله كان يومها يحقق سلسلة الأحاديث إما الصحيحة أو الضعيفة والموضوعة توفي يرحمه الله في عمان عام 1999 .

صبري بدر:  الرئيس العام المساعد لاتحاد نقابات العمال العرب، من مواليد سعسع في فلسطين، استقر في شارع اليرموك فوق استوديو القنديل توفي رحمه الله ٢٠٠٧ بعد أن ترك ثلاثة مجلدات عن تاريخ الحركة العمالية في فلسطين وأعرف من أولاده التوأم عماد وزياد كانا معي في مدرسة صرفند بالمرحلة الابتدائية وكنا لا نستطيع التمييز بينهما إلا في اللباس .

ظاهر حجو : أبو خلدون من مواليد قرية لوبية سكن في مخيم اليرموك في شارع فلسطين له عدد من الأبناء استشهد بعضهم في العمل الفدائي ، وكان ظاهر وطنيا وعمل في الصاعقة حتى وصل لرتبة مقدم ويقال أنه هو اعتقل اللبناني أحمد الخطيب قائد الجيش العربي اللبناني الذي انشق عن الجيش اللبناني .

عارف إبراهيم النعنيش:  أبو إبراهيم، من مواليد نابلس شاعر وقاض، ومحامي وثائر، ترك مهنة القضاة والمحاماة في فتح الانتفاضة واتخذ من عربة متهالكة يبيع عليها التمر والعجوة ليعيش حرا كريما، وبقي فيها أكثر من عشرة سنين وحتى وقت خروجنا من المخيم، اتخذ من ساحة الريجة مركزاً له، لم ينحنِ لأحد وكيف ينحني وهو والد الشهيد إبراهيم ٢٠٠٣ أثناء انتفاضة الأقصى.

عارف اللوباني :  أبو سليم من مواليد المجيدل قضاء الناصرة في عشرينات القرن الماضي ، عمل لعدة سنوات في إذاعة صوت فلسطين من الإذاعة السورية وكان برنامجا يوميا باسم حديث أبو سليم يتكلم عن اللاجئين ومعاناتهم ، بعد تقاعده عمل مع القيادة العامة حتى وفاته بالمخيم له عدد من الأبناء اشتهروا بالوطنية منهم فهد مدير الشؤون القانونية بمديرية تربية دمشق، والمرحوم فريد وفؤاد وغيرهم مما نسيت اسماءهم

عاطف موعد:  وجيه من وجهاء صفورية افتتح مضافة في بيته بين شارعي صفورية وحيفا غدت مركزا للتاريخ الشفوي الفلسطيني ومركزا وطنيا بامتياز، توفي رحمه الله قبل عدة سنوات ودفن بمقبرة المخيم الجديدة

عبد الفتاح خضر إدريس : ولد في طيرة حيفا عام 1943 . ولجأ مع والده إلى الأدرن. واستقر به المقام في مخيم إربد حيث درس المرحلة الاولى من دراسته في مدرسة المخيم.وأتم دراسته العليا في دار المعلمين جامعة اربد. بعد أحداث 1970 في الاردن خرج الى سوريا واستقر في دمشق واكمل دراسته الجامعية في كلية الاداب قسم التاريخ وتخرج من جامعة مشق.، عضواتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وعضو مكتبها الإداري .

عبد المجيد  نمرزغموت : من الصفصاف اتهم بقتل محمد حشمة و يوسف عرابي  من حركة فتح إثر خلاف تنظيمي في مكتب فتح بالمزرعة قرب الجامع الكويتي عام 1966 وسجن عبد المجيد وقد حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق والقانون ثم توفي  في السجن دفن في مقبرة اليرموك  الجديدة  عام 2003. أذكر أنني مرة راقبت عليه في كلية الحقوق إذ أحضرته الشرطة للقاعة وبقوا معه للانتهاء من الاختبار.

عبد الوهاب مصطفى :  أبو أحمد من مواليد ترشيحا 1929 درس الحقوق في جامعة دمشق استقر في المخيم خلف فرن أبي فؤاد درَّس في الأونروا عدة سنوات كان يخطب الجمعة أحيانا في جامعي صلاح الدين والرجولة ، نشط في العمل الدعوي الإسلامي ، هاجر لقطر 1981 وتوفي فيها وصلى عليه الشيخ علي خشان هناك ودفن بالدوحة أولاده المهندس أحمد وبلال ومعاذ .

عصام العم علي : من الجاعونة  زميل دراسة في ثانوية اليرموك ، ربما يكبرني بسنة أو سنتين ، تطوع في جيش التحرير الفلسطيني بعد نجاحه في الثانوية العامة عام 1974 وكان مثال الرجل المحب للناس فقد أحبه زملاء الدراسة والجيران وكذا المجندين الذين خدموا عنده وبرزت شجاعته في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لبيروت  وخاصة منطقة المتحف فقد سطر ملاحم من البطولة عرفها كل من كان قربه يحمل الأربجيه وينتقل من شارع لآخر يهاجم الصهاينة  والدوريات العسكرية ، رجع لدمشق بعد فك الحصار وتسرح من الجيش برتبة عقيد وأصيب بالشلل ولم يخرج من المخيم إلا قبل وفاته بشهر بسبب تدهور حالته الصحية برفقة زوجته الصابرة ميادة عمايري أعيد جثمانه للمخيم في  الشهر التاسع من عام 2016 وروي الترى في مقبرة الشهداء القديمة.

علي بدوان : من مواليد دمشق مخيم اليرموك 1959 من أوائل من سكنوا المخيم أصله من حيفا درس معي في ثانوية اليرموك ثم تخرج من قسم العغلوم في جامعة دمشق وعمل موجها اختصاصيا ، وعمل أيضا في الصحافة والإعلام  ونشط في كثير من المحطات الفضائية وأصدر أكثر من عشر كتب عن القضية انتسب للجبهة الديمقراطية منذ صغره وتركهم بعد سنوات عديدة .وهو صديق عزيز لين العريكة ونعم الجار هو وإخوته عبد وأحمد ومحمد .

علي حمد : أبو حسين  من مواليد قرية الصفصاف عام 1926 أتم دراسته في فلسطين ودرس هناك  وبعد النكبة لجأ لدمشق وسكن المخيم منذ تأسيسه درسني في الصف الأول في مدرسة أحمد عرابي بالميدان وكان جارا لنا ونعم الجار محبا للخير من أعضاء للجمعية الخيرية  الفلسطينية ومن مؤسسي لجنة جامع الرجولة أخونه الأستاذ قاسم حمد المتوفى عام 2016 بقطر وخليل مدرس اللغة الإنكليزية ومن أبناء الأستاذ علي حسن الذي كان في صفي والمرحوم عبد اللطيف ومحمد وعبد الله وأحمد بعد حوادث المخيم نزح إلى بيت أخته آمنة بالميدان وكل أبنائه وبناته على خلق وتربية وهم يقومون جميعا برعاية والدتهم المقعدة منذ أكثر من عشر سنوات .

علي خشان: ولد في كفر كنا ١٩٣٨ من أشهر تلاميذ الشيخ الألباني حتى تزوج بابنة أخيه وهو أول عرس إسلامي بالمخيم إذ أقامه في جامع عبد القدر الحسيني ووزع كتاب المرأة المسلمة ، عاش في المخيم  تخرج في  اللغة العربية في جامعة دمشق وانتسب لكلية الشريعة لكنه لم يكمل ، مارس تعليم اللغة العربية في مدارس الأونروا وكان داعياً سلفياً نشطاً هاجر للخليج والسودان ثم عاد لدمشق واسقر فيها لسنتين وبعدها سافر لقطر حيث وافته المنية هناك أواخر عام ٢٠١٢. وقد صلى عليه الشيخ القرضاوي .

غازي حسين  :  من مواليد سلمى 1938 درس القانون الدولي في جامعات ألمانيا ، وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية ،عمل مستشارا في القصر الجمهوري بدمشق وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية في فيينا، وممثل للمنظمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة التنمية الصناعية (يونيدو) في فيينا. وشارك في أهم المؤتمرات الدولية التي عالجت قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني وله عشرات الكتب عن القضية الفلسطينية.

غسان الشهابي : شاب عصامي من لوبية  صاحب دار الشجرة  وعضو اتحاد الكتاب والصحفينين الفلسطينيين أثرى المكتبة الفلسطينية بعشرات العناوين المتميزة ناشط متميز في الإغاثة  خلال فترة الأحداث وحصار المخيم ، ساعد كثير من القادمين للمخيم من مناطق الجوار وقدم لهم جل ما يحتاجونه ، وبعد أزمة المخيم  كان يدخل يوميا بسيارته عشرات ربطات الخبز وغيرها من المواد التموينية ، تم قنصه في 12/1/ 2013 قرب ساحة الريجة مقابل بنك التمويل والتجارة الدولي يرحمه الله .

فهد بلان: مطرب سوري مشهور قدم من السويداء وسكن مخيم اليرموك بالقرب من دكان أبو علي العيلوطي عام ١٩٥٩م عل شارع اليرموك مع أمه وأخيه تزوج قريبة له اسمها نادية، وفي عام ١٩٦١م جاء الفنان محمد سلمان لبيته وطار به لبيروت حيث انطلق من هناك، توفي ودفن بالسويداء عام ١٩٩٧م.

فوزي حميد :  من قرية  دلاتة مدرس بارع من وجوه المخيم آثر البقاء إلى يومنا هذا هناك يساعد الفقراء والمحتاجين بالرغم من تعرضه للخطر واستشهاد ابنه وحفيده  من مواليد  فلسطين عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين عضو اتحاد الكتاب العرب مدير مكتبة دار الكرامة بدمشق والتي نشر فيها عددا من مؤلفاته المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

فيصل دراج :  ولد في الجاعونة 1943 ناقد وكاتب وباحث. حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من فرنسا 1974. وعمل في عدة منشورات ومجلات ثقافيّة فكريّة منها: شؤون فلسطينيّة، سلسلة حصاد الفكر العربي، قضايا وشهادات، مصائر الحزب السياسي في العالم العربي. نشر عدداً من الكتب النقدية.

قاسم درويش : من مواليد الشجرة أول من افتتح معهدا لتعليم اللغة الإنكليزية في المخيم في ستينات القرن الماضي وقد درسني اللغة  الإنكليزية في إعدادية الميدان الأولى بالميدان يوم كنت في الصف التاسع عام 1971 توفي رحمه الله قبل خروجنا من المخيم بخمس سنوات.

كامل زغموت : من الصفاف هاجر لقطر وعمل في الديوان الأميري منذ خمسينات القرن الماضي  تابع تعليمه وحصل على الدكتوراه وتجنس بالجنسية القطرية  ، كتب بعض المقالات في الصحافة القطرية.

ماهر الطاهر : عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ومسؤول مكتبها بالخارج خاصل على دكتوراه في العلوم السياسية  من روسيا، من مواليد طيرة حيفا هاجر منها صبيا واستقر في مخيم اليرموك ، ناشط سياسي وإعلامي على كثير من الندوات والمحطات الفازية ، تعرض لهجوم في مقبرة الشهداء أثناء تشييع شهداء الجولان  2011 قبل خروجنا من المخيم إذ ظنه المهاجمون من القيادة العامة،  زار غزة لأول مرة عام 2012 .

محمد الطيب الإبراهيم : ولد عام 1935 بسر الحرير بدرعا ، سكن في حي التضامن بالمخيم  من ستينان القرن الماضي داعية ومرب مارس التعليم في ثانوية الكواكبي ثم رحل للمدينة المنورة ودرس فيها ثم رجع لدمشق ودرس في جامعة الأوزاعي ببيروت ، كان صديقا للوالد منذ أن استقر بالمخيم  لا تنقطع مجالسهم العلمية والأدبية حتى كنا نزوره حيث رحل أكان في  المدينة المنورة أو القاسمية في الغوطة الشرقية  وفي الفحامة وقبلها في حي التضامن قرب جامع خولة بنت الأزور ،أصبح إماما وخطيبا وخادما لمسجد قرية القاسمية وقد رأيته يقم المسجد بالرغم من حصوله على الدكتوراه في النحو العربي   كان طيب المعشر متواضعا لايبخل بعلمه  أو ماله على أحد ، له عدة كتب أشهرها إعراب القرآن الكريم الميسر توفي 2015.

محمد صلاح  العايدي :  أبو علاء من مواليد قرية لوبية هاجر لدمشق وهو طفل صغير درس الرياضيات  في جامعة دمشق وكان من المتفوقين ثم أصبح من أشهر مدرسي الرياضيات في مدارس الأونروا هاجر لقطر عام 1980 ثم عاد لدمشق بعد عشرين سنة  وتقاعد  وبدأ بحفظ القرآن حتى أتمه توفي رحمه الله قبل عشر سنوات.

محمد عباس (زيدان)  :أبو العباس  في طيرة حيفا عام 1946 هاجر هو وأهله لدمشق  . ترك مقاعد الدراسة الجامعية ويلتحق في صفوف الثورة الفلسطينية . وعرف عنه كقائد من خلال قيادته لعمليات الطيران الشراعي الموجهة للأرض المحتلة ، عضو في الملجس الوطني الفلسطيني عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني. انشق عن الجبهة الشعبية  ـ القيادة العامةـ  وأسس مع طلعت يعقوب جبهة التحرير الفلسطينية 1977  أسره الأمريكيون  أبان الغزو الأمريكي للعراق وفي عام 2004 أعلنوا عن وفاته بسكته قلبيه  ويقال بأنهم وضعوا السم في طعامه للتخلص منه بسبب عملية  أكيلي لاورو 1985 والتي راح ضحيتها كسيح أمريكي ،تم نقل جثمانه  لدمشق ودفنه في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك  .

محمد علي عودة :  أبو رياض  : من مواليد فرعم عمل في سلك التدريس وبدأ عمله في دير الزور ثم انتقل مدرسا ثم أمينا للسر لإحدى  مدارس مدينة دمشق ، انتسب لحركة فتح ،سكن في شارع لوبية وقد استأجر الوالد منه المكتبة منذ عام 1970 توفي رحمه الله منذ سنوات وهو شقيق مدرس اللغة الإنكليزية  المشهور فؤاد عودة.

محمد علي موعد : أبو أحمد من مواليد صفورية 1941هاجر لدمشق طفلا  ودرس فيها وعمل في سلك التعليم حتى وصل لمدير تربية القنيطرة ثم مديرا لتربية إدلب وبعدها انتقل إلى وزارة التربية مدير مكتب الوزير محمد نجيب السيد أحمد الذي معلما في إدلب  بالإضافة إلى عمله مديرا للتعليم الخاص ، سكن مقابل ثانوية اليرموك للبنات كان محبا للناس خلوقا يخدم الناس بقدر استطاعته توفي بدمشق 2016 وتم دفنه بمقبرة  المخيم القديمة .

محمد يوسف الخطيب :   أبو إبراهيم الصفوري  من مواليد صفورية  نهاية القرن 19كان إمام جامع الرجولة توفي بالطائف قبل ثلاثين سنة من أولاده إبراهيم ويوسف وحفيده الإعلامي زهير الخطيب في إذاعة القدس .

محمود اليوسف: أبو يوسف، من لوبية من أثرياء المخيم هاجر من لوبية إلى البطيحة بالجولان حيث استثمر في مجال الزراعة فأدخل أصنافا جديدة كالموز، بعد حرب حزيران استقر بالمخيم حيث عمل في مجال العقار والتجارة، أنجب عدة أولاد جميعهم يشتغلون في تجارة الأدوات الصحية: يوسف، دياب، محمد، أحمد.

محمود بديع  قاسم :  من مواليد ترشيحا 1920 حفظ القرآن في محلة الذي كان يفصل فيه الأحذية في أول شارع فلسطين  وأتقن الحفظ وصار إماما لجامع الرجولة  عهدي به مازال حيا يوم خروجنا من المخيم .

محمود رشدان : أبو عبد الله  من مواليد 1950 ناشط في العمل الإغاثي الخيري كان مسؤلا عن ملف الأيتام في جمعية الإسراء بالمخيم وبعد أحداث المخيم استطاع أن يستمر في عمل الجمعية وتقديم العون والمساعدات لمهجري المخيم في ضاحية قدسيا .

محمود عودة أبو منير : مختار ووجيه ولد في لوبية  عام 1928 ولجأ لدمشق وسكن المخيم تولى مخترة المخيم لمدة من الزمن ولم يكن يتقاضى أتعابا ويعدها عيبا فقد كان صاحب أملاك ورزق واسع عمل في تجارة الأراضي والبناء ولم يقصر في فعل الخير توفي رحمه الله ودفن بالمخيم .

محمود موعد  :أبو عماد من مواليد صفورية  1942من أوائل من حصل على شهادة الدكتوراه من السوربون  في موضوع الدين والعصر في أدب نجيب محفوظ درسنا في دار المعلمين عام 1975 ثم في جامعة دمشق عام 1980 وشغل منصب مدير عام  التربية والتعليم  في المنظمة كان ذا خلق رفيع محبا للناس متواضعا لا يغلق بابه أمام يساعد الطلاب في المراجع والكتب توفي رحمه الله فجأة  في عام 1997 وجفن بالمخيم .

مصطفى الآغا: أشهر مذيع رياضي عربي بشهادة عدة مواقع ولعشرة سنوات، له برنامج شهير اسمه صدى الملاعب، ولد في مخيم اليرموك عام ١٩٥٨م وتعلم هناك وتابع تعليمه في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، وبمساعدة الإعلامي الشهير عدنان بوظو مارس هواياته في المقالات الرياضية والتعليق، ترك سيرة ذاتية مستفيضة على موقع mbc ولكنه أغفل ثلاثة أشياء (ميلاده، فلسطين، مخيم اليرموك)!!

مصطفى بدوي : أبو سعيد الحطيني  أشهر زجال وحداء في المخيم، هاجر من حطين واستقر في المخيم، كان كثير التردد على مضافة أبو هوبن واشتهر بقوله: أنا أبو سعيد الحطيني. أعور من عيني اليميني

مصطفى حسين:  من لوبية  مواليد دمشق 1953 مع أنه تخصص في أمراض الجلدية إلا أنه في رأي الكثيرين أشهر طبيب أطفال في دمشق يقصده الناس من المخيم ومدينة دمشق وريفها، تكتظ عيادته الواقعة في دخلة اللورد بالزبائن في كل وقت، لم أدر أين حطت به الأقدار بعد خروجنا من المخيم.

مطر مسبل عبد الرحيم  :  أبو حسين من قرية نحف قضاء علي شرطي مرور  سابق  تقاعد وعمل مع أبطال العودة وانتهى مع الجبهة الديمقراطية ،ألف ثلاث روايات عن آلام التشرد واللوعة ، افتتح محلات مطر للمفروشات في بناء الشيخ الألباني  توفي  عام 2006 ودفن بالمخيم.

 موسى اللكود : أبو عدنان  ولد في قرية الحارة  بدرعا 1914من أبرز رجالات التربية والوعظ والحديث في أواخر القرن العشرين , تخرج في الأزهر (قسم الشريعة) وعاد الى مسقط رأسه واعظا ثم مدرسا في ثانوية البنين في درعا و في مدارس دمشق ومساجدها.. حفظ القرآن مبكرا , وكان يحفظ المعلقات العشر وله تفسير للقرآن الكريم عل أشرطة تسجيل , فسره على شكل حلقات في المسجد القريب من منزله  بحي التضامن  وقد لازم عددا من علماء دمشق وقد كان صديقا ودودا للوالد  بالإضافة للشيخ أبو عبد الله الطيب من بسر الحرير مذ وعيت الدنيا يجتعون كل أسبوع في أحد البيوت أو في البساتين يتدارسون بعض كتب الأدب والشعر ، وقد درسني الشيخ في الصف الأول ثانوي في ثانوية اليرموك سنة اقتتاحها 1972 توفي بدمشق 2003.

نايف الصمادي : عمي أبو وليد من مواليد لوبية  عام 1938 عمل في التجارة وافتتح محلا للملبوسات في شارع لوبية في ستينات القرن الماضي ثم تحول للبناء والعمار  في المخيم ، وخلال نشاطه التجاري عمل رئيسا للجمعية الخيرية الفلسطينية ثم عمل مختارا للمخيم ولكنه آثر الراحة وهداة البال فاستقال منها.

نمر المهرجي: أبو محمد، من لوبية أشهر رويس للدبكة في الستينات والسبعينات، عصامي افتتح محلا للحدادة ثم عمل في العقار وأخيراً استثمر في منطقة السبينة توفي يرحمه الله قبل عشرين عاما وأما ابنه محمد فقد بقي في المخيم لأكثر من سنة ونصف متحملا العناء والضنك يساهم ما استطاع في تقديم ما يستطيع للناس.

ياسين بقوش: فنان سوري من أصل ليبي سكن في شارع عين غزال في مخيم اليرموك قدم العشرات من المسلسلات والأفلام الكوميدية، لقي حتفه بقذيفة على سيارته في منطقة القدم في ٢٠١٣/٠٢/٢٤م.

يعقوب أبو غزالة:  من مواليد مدينة يافا 1926، وقد بدأ حياته الفنية في فلسطين عام 1940 فعمل في إذاعة القدس وعلى المسارح هناك في نكبة 1948 لجأ إلى سورية، وأقام في دمشق، حيث انضم إلى الفرقة السورية للتمثيل عام 1949 وعمل مع رواد الفن السوري وساهم  تأسيس المسرح القومي السوري عام 1960 كان أحد مؤسسيه،  وقد العديد من الأعمال الفنية لم يسكن المخيم لكنه  في ثمانيات القرن الماضي افتتح محلا لبيع الكاتو وهو مكان بنك التمويل التجاري توفي ودفن بمقبرة الشهداء.

يوسف الحاج علي :  أبو وسيم من مواليد شعب قضاء عكا  من عشرينات القرن الماضي درس في جامعة دمشق وعلم مادة التاريخ والتربية القومية كان وجيها من الوجهاء هاجر للسويد ووافته المنيه هناك عند أبنائه 2016

يوسف سامي اليوسف : أبو الوليد ،كاتب وناقد ولد في قرية لوبية قضاء طبرية 1938تخرج في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية من أعماله :مقالات في الشعر الجاهلي دمشق 1975. وغيرها من عشرات الكتب وافته المنية بعد خروجه من المخيم متحسرا في مخيم نهر البارد بطرابلس لبنان 2013 ويبدو أن عائلة اليوسف كلهم مبدعون فكاتب السيناريست ومؤلف المسلسلات السورية  حسن سامي يوسف  شقيقه الصغير وأمامحمد سامي اليوسف : " أبو النور" فأيضا شقيقه الأوسط  وهو  شاعر ومقاتل ، ولد في لوبية قبل النكبة  عام 1941ورحل إلى لبنان وسورية واستقر في مخيم اليرموك ، شارك في المقاومة الفلسطينية  حركة فتح وتمركز في العرقوب بلبنان، وشارك في أغلب المناوشات مع الصهاينة، عمل في أوغنده  عام 1987كملحق عسكري وثقافي ونائب للسفير حمل هم القضية الفلسطينية في شعره ، كتب الشعر المقفى ، أصدر عام 1983 مجلة " خيمة المقاتل " في توفي في ليبيا 17/12/1991 ، من أعماله : "هذا زمان القصف في كل اتجاه"، "أعوامي العشرون" ، "هويتي بندقيتي" ، وكتاب "مذكرات مقاتل في العرقوب".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:38 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٣٧ )
قصص وحكايا من المخيم
ــ 1 ــ
سأروي بعض القصص المتواترة في المخيم يعرفها بعض الناس علَّ ذكراها تعيد لنا ماضٍ مجيد يشابك خطوطه بالأقصى وفلسطين.

الحاج أبو نمر:
في نهاية عشرينات القرن الماضي خرج عبد الله من مكة المكرمة باتجاه فلسطين ليتعلم التجارة من أقاربه وأهل ديرته، كانت الأحوال صعبة والحياة شاقة فلا بد من خروج عبد الله للعمل والكد كي يساعد أسرته.

سار عبد الله مع القافلة باتجاه القريات حيث ستبيع هناك بعض التوابل التي اشترتها من الحجاج الهنود من مكة، وبالفعل باع الرجال ما تبقى من توابلهم بالقريات ومن هناك بدؤوا برفع أكياس الملح على ظهر الجمال التي ستتجه صباح الغد إلى شرق الأردن وفلسطين.

بعد عناء السفر ومشقته وصلت القافلة إلى فلسطين، وهناك وفي أحد الأسواق تاه الغلام عبد الله وتخلف عن القافلة وساح في شمال فلسطين من قرية لأخرى وهو يبحث عن جماعته حتى حطت به عصا الترحال في قرية لوبية، حيث طاب له المقام، سألوه عن اسمه فقال: عبد الله ولما سألوه عن كنيته لم يجبهم لأنه لا يعرف اسمه إلا عبد الله ابن محمد، فأطلقوا عليه عبد الله النصيري!! دارت الأيام وكبر عبد الله النصيري واشتغل مع أهل لوبية في الزراعة والتجارة، فأحبوه وأحبهم ولما صار في سن الزواج تأهل من فتاة جميلة من بيت العايدي وبعد سنوات أنجب نمراً وحسيناً وحسناً.

في عام ١٩٤٨م لجأ مع أسرته الصغيرة إلى دمشق واستقر في مخيم اليرموك وهناك فتح محلا للحدادة على شارع فلسطين، وذات يوم من عام ١٩٥٩م سمع من المذياع نداء حارا من امرأة من مكة تذكر أن ابنها عبد الله المهرجي خرج قبل ثلاثين عاماً إلى فلسطين ولم يعد!!

لم يصدق عبد الله ما سمعه فاستشار أولاده الذين غدوا شباباً فاقترحوا عليه أن يذهب للحج مع أم نمر لأداء الفريضة وللسؤال عن أهله.

وبالفعل بعد خمسة أشهر كان أبو نمر وزوجه يطوفون شوارع مكة للسؤال عن بيت المهرجي، سرعان ما أشار له الناس على عدة بيوت لآل المهرجي فإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فلا شك أنهم أدرى بأسرها، قال أحدهم هناك بيت أبو خالد المهرجي، وهذا بيت أبو سالم المهرجي، أما ذاك فبيت أم عبد الله الذي ضاع ابنها بفلسطين!! لم ينتظر أبو نمر لمعرفة بقية بيوت آل المهرجي، فقد وجد ضالته، شكر الدال وانطلق مسرعاً تتبعه زوجه الحيرى، حيث طرق الباب فنادى منادٍ من الداخل مين ؟ فقال: أنا افتحوا الباب، مش هون بيت أم عبد الله المهرجي !!

صرخ قلب الأم من الداخل والله هذا صوت عبد الله!!

ويعجز القلم عن وصف اللقاء بعد انقطاع دام ثلاثين سنة.

عمي أبو إبراهيم والرئيس شكري القوتلي:
كان عمي أبو إبراهيم جودة يرحمه الله شرطياً، وكان طيب المعشر وصاحب مقال ومقام، وكثيراً ما كان يروي لنا قصته الطريفة التالية:

في عام ١٩٥٦م وأثناء العدوان الثلاثي على مصر أصدر الرئيس السوري شكري القوتلي قراراً يحد من استخدام السيارات في سورية وذلك لتوفير الوقود من أجل دعم الشعب المصري الشقيق، فربما كان القرار يقضي بمخالفة السيارة التي تبدأ برقم مفرد في يوم تاريخه مجوز أو مخالفة السيارة التي تسير بعد ساعة معينة من الليل، لم أذكر جيداً ولكن الذي أذكره أن عمي أبا إبراهيم أوقف سيارة القوتلي عند جسر فكتوريا لمخالفتها، وعلى رواية عمي أن الرئيس قال له: أنا شكري بيك رئيس الجمهورية.

فرد عليه عمي: وحتى لو كنت رئيس الجمهورية، النظام نظام.

عندها أعجب رئيس الجمهورية العربية السورية بالشرطي الشاب أحمد إبراهيم جودة وبعد أن حرر له مخالفة شكره، وأرسل له في اليوم التالي هدية، وظلت هذه الحادثة ملازمة لعمي طيلة حياته.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣Cool
قصص وحكايا
ـــ ٢ ـــ
أبو أحمد الحداد:
درسنا في صغرنا عن العفو عند المقدرة، وعن الحلم عند العرب، وعن الأحنف بن قيس ومعن بن زائدة ولكن الكثيرين لا يعلم بقصص حدثت في مخيمنا وهاكم إحداها:

قبل أربعين عاماً عثر الحاج محمود الكبرا صاحب نادي كمال الأجسام على أجسام حديدية غريبة أثناء مغامراته في الأقنية المائية القديمة في منطقة قناة ترانس والتي تقع شرقي المخيم فأحضرها إلى جاره الحداد أبي أحمد عباس كي يصنع له منها أثقالاً ولم يكن بالمحل إلا صديقنا أحمد ابن السبعة عشر ربيعاً فما أن بدأ أحمد بلحم الكرات حتى انفجرت به فأردته شهيدا!!

وقد تبين فيما بعد أنها قنبلة قديمة كان ثوار الغوطة يخبئونها هناك لاستخدامها ضد الاستعمار الفرنسي، حضرت الشرطة وحققت بالموضوع وأوقف الحاج محمود، وكان موعد تشييع الشهيد في اليوم التالي فأصر أبو أحمد على إخراج الحاج محمود من محبسه والتنازل عن القضية، وبالفعل كان الحاج في مقدمة المشيعين، وفي واجب العزاء.

رحم الله أبا أحمد وأحمد والحاج محمود الكبرا فقد ضربوا أمثلة عجزت كتب الأقدمين أن تأتي بمثلها.

حادثة يلدا:
من القصص المتواترة في مخيم اليرموك والتي لم أشهدها بسبب صغر سني هي حادثة يلدا والتي سمعتها من الذين يكبروني سنة ومن أهل المغدور إبراهيم شحادة من صفورية حيث كان والده أبو إبراهيم قد افتتح دكاناً في حارتنا القديمة خلف فرن الحصري بالضبط في الحارة المطلة على شارع جامع الرجولة.

قال الرواة وليتهم ما قالوا: أنه في أواخر ربيع عام ١٩٦٠م قام المغدور الشاب إبراهيم شحادة حيث كان يعمل جابي باص بالتوغل في أراضي يلدا ولما رأى شجرة مشمش اشتهت نفسه حبة قرعون فقطفها من الشجرة وأكلها، ولما رآه بعض الشباب هناك حصلت مشاجرة بينهما كان ضحيتها المأسوف على شبابه إبراهيم، وطبعاً بما أن حبة قرعون أو حبتين لا تستحق إزهاق روح فلما علم أهل المخيم بما جرى هجموا على بساتين يلدا وحرقوا بعض المحصولات الزراعية وفي الحال تدخل أهل الحل والعقد من الطرفين لتطويق الحادثة كما كان لتدخل وزارة الداخلية آنذاك التي تتبع لحكومة الوحدة بجهود كل من الضباط عبد الحميد السراج ومحمد الجراح النافذين في حكومة الوحدة، وعلى الفور تم الاجتماع في مسجد عبد القادر الحسيني وألقيت بعض الكلمات التي تشجع إصلاح ذات البين وتمت المصالحة، ولا شك أن ذكر مثل هذه الحالة هو للتوثيق كما ــ سبقني به أخي علي بدوان ــ ولأخذ العبرة وكما هو معروف صارت يلدا ملاذا لآلاف العائلات الفلسطينية بعد توسع العمار فيها وفي الوقت نفسه غدا المخيم حاضرة لأهل يلدا يبيعون فيه منتجاتهم وخضارهم وحليبهم الذي كان يباع جزء منه مباشرة من ضرع الشاة للمستهلكين بعد نداء الباعة (حليوهيييييييب) وكما درس معنا في ثانوية اليرموك كثير من طلاب يلدا عندما كانت المدرسة في وسط المخيم قبل أن تنقل إلى أطراف يلدا منذ أكثر من ثلث قرن.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٣9)
الشيخ فضل حسن عباس من علماء صفورية:
كنت صغيرا لم أتجاوز العاشرة من عمري يوم شاهدت الشيخ فضل حسن عباس لأول مرة، كان ذلك قبل أكثر من أربعين عاماً يومها كان الشيخ يزور والدي في مخيم اليرموك بدمشق،

أذكر ملامح الشيخ بالضبط كان طويلا جسيما آتاه الله بسطة في الجسم وجهارة في الصوت، يومها أذكر أن والدي فتح له ضفتي الباب كي يدخل، حتى لا يصطدم بالباب فكما هو معروف، كان الشيخ ضريراً فاقدَ البصر إلا أنه كان كان ثاقب البصيرة، هذه هي صفات الشيخ الخَلقية أما صفاته الخُلقية فقد كان طيب المعشر صاحب طرفة لا يمل الجالس من مجلسه يستغل وقته في الدعوة إلى الله قرأت نعيه في
9/ 2/ 2011م وعلمت أن الشيخ كان ينوي الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة ولكن المنية وافته قبل تحقيق الأمنية.

فتذكرت الرجل وتذكرت أحاديثه من الإذاعة الأردنية ولقائي معه في مخيم اليرموك يوم كنت طفلا وأحببت أن أكتب عن الرجل وسرعان ما استنجدت ببعض كتب الأعلام الفلسطينية ورجعت إلى كتاب «أعلام فلسطين» لمحمد عمر حمادة فلم أجد شيئاً فتذكرت كتاب المؤرخ محمد محمد حسن شراب «تاريخ القبائل والعائلات الفلسطينية» وكذا لم أجد ضالتي!!

طلبت من الوالد أن يحدثني عن الشيخ فضل فتنهد وقال:

ولد الشيخ فضل حسن عباس أبو محمد في قرية صفورية قضاء الناصرة في عام 1932م، وكانت صفورية تعد أكبر قرية في القضاء وأغناها واشتهرت بزراعها وبنشاطها العلمي، حفظ القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين ثم انتقل لعكا حيث درس في جامع الجزار، ثم قصد القاهرة طلبا للعلم من أزهرها الشريف وذلك في أربعينات القرن الماضي بدعوة وتشجيع من خاله الشيخ يوسف عبد الرزاق المشهدي الذي كان من علماء الأزهر ودرس هناك الثانوية ولما قامت حرب 1948م طلب الشيخ من زملائه أن يشارك في حرب فلسطين فذكروه أنه من المعذورين عن الجهاد فلم يستكن بل ذكرهم بقول رسول الله صل الله عليه وسلم:

«رحم الله من كثَّر سواد المسلمين» وقال لهم: ضعوني في المؤخرة أنظف لكم الأسلحة... أحضر الماء أهيئ الطعام...

تابع الشيخ دراسته وكان من أساتذته الشيخ محمد حسين الذهبي الذي اغتيل في حكم السادات وكان الذهبي قد نال شهادة الدكتوراه بعنوان: «التفاسير والمفسرون» وذلك في العصور القديمة فاقترح الذهبي على تلميذه فضل أن يتم الموسوعة ويكتب عن التفاسير والمفسرين في العصر الحديث، وبالفعل بذل الشيخ جهداً وهو يتابع موضوعة فطار إلى الأصقاع باحثاً عن كتب التفسير ومفسريها، تابع الوالد:

أذكر أن الأستاذ محمد عزة دروزة له تفسير بعنوان: «تفسير القرآن بحسب النزول» فذكرته به فسرعان ما زرنا الأستاذ دروزة في بيته في حي الشعلان بدمشق فاستقبلنا استقبالاً حسناً وبحث الشيخ مع الأستاذ دروزة ما يريد وأطلعه عل تفسيره واستفاد منه، ولما عدنا إلى المخيم قضينا يوما ممتعا مع محبي الشيخ من أهل صفورية وغيرها وفي اليوم التالي قصدنا شمال سورية للبحث عن الشيخ الغزنوي إذ كان له تفسير للقرآن الكريم فأحضرنا التفسير من هناك، وعند عودتنا من الشمال السوري زارنا الحاج أحمد موعد وقد علم بقصد الشيخ و أحضر معه كتاب «تفسير العصر الحديث» للشيخ عبد الفتاح الإمام، فاستفاد منه الشيخ كثيراً وبعض أن قضى الشيخ عدة أيام في المخيم ودعنا ووعدنا أن يزور المخيم كلما قَدِم لدمشق.

وفي عام 1972م نال شهادة الدكتوراه بعنوان: «اتجاهات التفسير في مصر والشام».

سألت الوالد: ما الذي جعل عمان مقصده بالرغم من نزوح أهل صفورية إلى مخيمات لبنان وسورية؟

رد الوالد ــ وقد سرح بالتاريخ والجغرافيا ــ: بعد أن وضعت الحرب أوزارها عام 1948م نزح أهل الشيخ فضل أبوه وأمه وإخوته إلى لبنان واستقروا في مخيم عين الحلوة بصيدا كان الشيخ وقتها في القاهرة يتابع تعليمه في الأزهر ورجع إلى صيدا عام 1953م عقب وفاة والده وهناك نشط في العمل الدعوي والاجتماعي واشتغل فترة في أوقاف صيدا وفي هذه الفترة اقترن بفتاة من بلدته صفورية، ثم رجع للقاهرة لمتابعة دراسته العالية.

وبعد تخرجه كان على صلة برجل من بيت الشريف أظنه كامل الشريف كان يشغل وزيراً فيسر له عقداً مع الجامعة الأردنية وعين أستاذاً لمادة التفسير في كلية الشريعة ثم شغل منصب رئيس قسم أصول الدين ومنح الجنسية الأردنية.

ولما بلغ السبعين من عمره أحيل على التقاعد وبقي مقيماً في عمان واعظاً وخطياً ومؤلفاً.

كان قوي الحق عفيف النفس لا يسكت على باطل ولما رأى ظلم بعض المسؤولين اللبنانيين للفلسطينيين في لبنان وخاصة في صيدا لم يسكت أو يهادن بل بقي ينادي بضرورة معاملة الفلسطينيين معاملة تليق بالبشر. وكان يرحمه الله يبتعد عن مجالس المسؤولين وأصحاب الجاه والمال يحب الفقراء والمحتاجين وكذا العلماء والدعاة يدعوهم لبيته ويولم لهم ويسأل عنهم إن غابوا، أثرى المكتبة العربية بعدد لا بأس به من الكتب أشهرها:

ــ التفسير: أساسياته واتجاهاته

ــ إعجاز القرآن الكريم.

ــ القصص القرآني، إيحاؤه ونفحاته.

ــ قصص القرآن الكريم، صدق حدث وسمو هدف.

ـ لطائف المنن وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٠) 
صورة وقصة ومناسبة
 

هذه الصورة لها ذكرى خاصة عندي فربما تكون أول صورة لي يعود تاريخها إلى عام ١٩٦٢ لم أكن قد أكملت سنواتي الخمس.. 

أذكر أنّ والدتي ــ يرحمها الله ــ اصطحبتني مع أختي فاطمة التي لم تتجاوز سنواتها العشر إلى الشام وطبعاً الشام هنا بلغة أهل المخيم قلب مدينة دمشق، سرنا على أقدامنا من المخيم ووصلنا بوابة الميدان ومن هناك وصلنا إلى جامعة دمشق كي تعرضني الوالدة على أطباء المستشفى الجامعي حيث كان تلاميذ كلية الطب يتدربون هناك بمن ضاقت بهم الدنيا، وأما المرض الذي كان يقلق الأهل هو تأخر نطق خليل، فخافوا أن يكون ولدهم أخرس، أذكر الطبيب والمكان ولكنني لم أذكر ما قاله للوالدة ولكن الذي قيل لي بعد ما كبرت قليلاً وصاروا يشكون من ثرثرتي أن الدكتور (أظن الجلاد أو الكزبري) قال لها يومها: لا تخافي بكرة راح تقولي: إن شاء الله يسكت!! 

طبعا فرحت الوالدة وأختي فاطمة وأحبتا أن تفرحا الطفل خليل بجولة سياحية بمدينة دمشق بما أن الطبيب طمأنهم، فانطلق الجميع نحو ساحة المرجة حيث رأيت هناك رشاشاً كبيراً وحوله شرطة، والناس تتحلق بشدة حول محيط الساحة، أحبت الوالدة أن تتباهى بصغيرها خلف الرشاش فكانت هذه الصورة.

ظللت إلى يومنا هذا أعتبر هذه الصورة من أعز مقتنياتي تصحبني في حلي وترحالي، ولكنني للآسف لم أقف على قصة الرشاش والناس المجتمعة هناك إلا في أيامنا هذه؛ يوم باشرت بتوثيق ذكريات المخيم، وهاكم قصة الصورة:

معركة تل النيرب
في 16ــ17/3/1962 وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي ابن غوريون حدثت معركة بين الجيش السوري والصهاينة سميت بمعركة (تل النيرب) أو بالعبري (عين كيف) أو (عين غيف) بسبب قيام إسرائيل بتحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب بعد تجفيفها لسهل الحولة والسيطرة علي بحيرة طبريا باستثناء الجزء الشرقي منها الذي بقي تحت سيطرة القوات السورية بعد اتفاقيات الهدنة في العام 1949 في جزيرة رودس.

هي أول معركة عسكرية مباشرة بعد العام 1948 يحقق فيها الجيش السوري تفوقاً عسكرياً بارزاً وخسارة إسرائيلية في الأعداد والتخطيط والأرواح البشرية والمادية.

حيث اعتمدت الخطة السورية على استدراج القوات الإسرائيلية القادمة إلى قرية «النقيب السورية» من مستوطنة عين كيف «النقيب العربية» وزرع كل المنطقة بالألغام الأرضية المضادة للآليات والأفراد وبتكثيف القصف المدفعي على المستوطنات. وتمركز الجنود السوريين في مواقع استراتيجية ثابتة، تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في هذه المعركة وبعد أن لاذ جنودها بالفرار تركت آلياتها وأجهزتها مدمرة، وبعض رشاشاتها الصالحة والتي غنمها الجيش العربي السوري وأرسلها لدمشق.

يقول المؤرخ الإسرائيلي «اريه يتسحاكي» عن المعركة: «الانسحاب من المعركة كان قاسياً ومكلفاً بسبب المدفعية السورية التي لم تهدأ على الإطلاق طوال الليل وقصفوا عين كيف بكثافة، مدفعيتنا التي ساعدت قواتنا لم تنجح في إسكات مصادر النيران من المناطق العالية، وتقرر إشراك سلاح الطيران بمشاركة خمسة طائرات حربية دكت مواقع السورين، رغم صعوبة الوضع والأحوال الجوية. لقد كانت العملية غير مدروسة وكان السوريين متأكدين من رد الفعل وتوقيت العملية واستدرجوا قواتنا بعد أن أشركوا سكان قرية النقيب من جنوبها بخدعتهم».

وأقول: أنا العبد الفقير لله أنني وأثناء بحثي لتوثيق المعركة لم أجد ما يسرني في المصادر العربية وحتى المواقع العربية التي ذكرت المعركة فجلها منقول من أرشيف الجيش الإسرائيلي الذي ما ترك صغيرة ولا كبيرة عن المعركة إلا وذكرها مع الصور والخرائط والمستندات، وهنا عرفت أن أعداءنا لم يغلبونا بتفوقهم العسكري فقط بل بتفوقهم العلمي والتقني!!

وأضيف أيضاً: ما كان هذا الاستعراض الجميل في ساحة المرجة إلا رسالة للناصريين والوحدويين مفادها أننا حققنا انتصاراً على إسرائيل بالرغم من انفصالنا عن مصر.

 يتبع.....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:52 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٤١)
تباشير التعليم في خربة الشياب ١٩٧٦م:
بعد أن ذهبت إلى مديرية تربية ريف دمشق الكائنة يومئذ في الجسر الأبيض علمت أنه تم تعييني في مدرسة «خربة الشياب» ولأول مرة أسمع بالقرية ومدرستها، ورأيت هناك الصديقين ماجد أبو ماضي وقد تم تعيينه في مدرسة العادلية أو حرجلة لم أذكر بالضبط، وأما سمير فاخوري فقد تم تعيينه في مدرسة الغسولة قرب مطار دمشق الدولي، وهذان الصديقان كانا مثلي من العشرة الأوائل.

سألت عن موقع المدرسة وطريقها ووضعها فأخبرني موظف بالمديرية فلسطيني من بيت دبور ومن سكان ركن الدين أنها على طريق السويداء ولا وسائل نقل مباشرة إليها إلا من مقام السيدة زينب.

لم أنسَ تاريخ هذا اليوم: إنه ١٩٧٦/٠٩/١٦م ولم أنس أننا كنا في شهر رمضان المبارك، وأننا صمنا منه واحداً وعشرين يوماً ولم يبقَ للعيد إلا أسبوع ونيف.

انطلقتُ إلى السيدة زينب فوصلتها ما بين الظهر والعصر وهناك سألت عن وسيلة نقل تقلني لخربة الشياب فأشاروا لي إلى السيارات التي تنقل البحص والرمل!!

وصلت إلى سيارة بعد المقام بحوالي عشرين متراً كلمت سائقها فأشار لي أن أركب معنا، وأذكر أنه كان يتناول طعامه وهو عبارة عن قطع من اللحم النيئ المفروم على رغيف من الخبز، فقال لي: تفضل، فشكرته.

سارت بنا سيارة الرمل على طريق السويداء ومرت على نجها ومقبرتها وخربة الورد ثم رأيت مفرق الطريق الذي يصل إلى الكسوة مارّاً بقريتي الحرجلة والعادلية ثم صعدنا تلة على شرقها وغربها عدد من البيوت تناثر هنا وهناك وبعد حوالي خمسة دقائق أوقف السائق سيارته و أشار إلى قرية تبعد عن الخط العام حوالي ألفي متر وقال: هذه خربة الشياب.

نزلت من السيارة بعد أن شكرته، ولم أعطه الأجرة لأنني لم أدرِ فيما بعد أن الأجرة بهذه السيارات ليرة سورية واحدة كما علمت فيما بعد، ويبدو أن السائق الشهم خجل أن يطلبها.

رأيت القرية الوادعة وبدأت ملامحها تقترب شيئاً فشيئاً وأنا أسير نحوها وما أن انتهى الطريق الفرعي المسفلت حتى رأيت على يميني خزان ماء كبير، وعلى شمالي غرفتين تطلان من الشرق على فسحة ترابية نظيفة يحيط بها عدة أعمدة تربطها أسلاك متهالكة، فشككت أن هذه هي المدرسة.

وقفت هنيهة فرأيت نفراً من الناس سلمت عليهم ثم سألتهم عن المختار وبيته فقالوا لي: اسمه خليفة العودة (أبو محمد) وهناك بيته ولكنه غير موجود نزل إلى الكسوة، وأشاروا إلى دكان وقالوا: هذه دكان أخيه الحاج عودة.

انطلقت إلى دكان الحاج عودة فإذا هي مكان يشبه الغرفة لا لون بها إلا شحابير تلتصق بجدرانها وسقفها الخشبي، فيها رفان أو ثلاثة تتوزع عليها بعض المرطبانات وقليل من المعلبات، وحوله بعض أكياس فيها بعض كميات من السكر والرز والبقول وأمامه بعض أجهزة ضوء الكاز والشموع.

وصاحب هذا المتجر رجل ستيني طويل القامة نحيف الجسم يأخذ قليلاً من رجله، رحَّب بي على طريقة البدو وما أن علم أنني معلم القرية حتى تغيرت ملامحه وقال: (ابن أخوي المختار محمد هو المعلم)، لم أناقشه كثيراً ولكنني قلت له: والله سأخبّر مديرية التربية بذلك وأطلب مدرسة غيرها، عندها تغيرت ملامحه وبدت الابتسامة على محياه وقبل أن أستأذن بالانصراف بادرني بقوله: «حياك الله تفضل تغدى عنا»!!

قلت له: الحمد لله صايم.

طلبت منه أن يرشدني إلى موقع المدرسة فإذا هو المكان الذي شككت به من قبل، ودعته على أمل الحضور غداً للدوام والسلام على المختار.

وما إن خرجت من دكانه ونظرت صوب المدرسة رأيت تركتوراً (جراراً زراعياً) ينعطف من القرية يميناً ليأخذ طريقه الإسفلتي نحو الطريق العام صرخت عليه لكنه لم يسمعني ثم أتبعته بصفرة قوية ولا حياة لمن تنادي، سار في طريقه وتابعت حديثي مع عودة الذي قال: (خلص وإحنا صايمين خليك أفطر عنا ونام هون والصباح رباح) اعتذرت منه بحجة أن أهلي لا يعلمون مكاني وودعته وتابعت سيري للخروج من القرية التي ندبت حظي بها فهي بلا كهرباء ولا اتصالات ولا مسجد، وحتى ماؤها النسوة يحملنه على رؤوسهن من الحاووز إلى بيوتهن!! بالإضافة لذلك شعرت أنني غير مرغوب بي فلا شكّ أن ابن المختار القائد العام للقرية هو أولى مني بالتعيين.

وقبل أن أصل المدرسة رأيت غباراً يتناثر من جهة الشمال ولما انقشع فإذا بسيارة زيل عسكرية تقترب مني فأشرت للسائق فوقف وأومأ لي أن أركب بالخلف لأن رَجُلين كانا قربه على المقعد، فصعدت مسروراً ولم يكن في الخلف غيري فحمدت الله الذي هيأ لي سيارة توصلني للطريق العام، فبعد أن اجتاز السائق شارع القرية واقترب من طريق دمشق السويداء هممت بالنزول، فإذا به ينعطف يساراً، ففرحت وقلت سأنزل بالسيدة زينب، وصلت السيارة قرب المقام فتهيأت للنزول ولكنها تابعت مسيرها شمالا فقلت في نفسي: سأنزل في «ببيلا» التي تبعد عن المقام حوالي ثلاثة كيلومترات، هممت بالنزول عند ببيلا بعد أن ضربت بيدي قمرة السائق فلم يسمع فإذا به ينعطف يسارا باتجاه المخيم، سررت كثيراً وما أن وصلت السيارة لشارع فلسطين حتى توقفت اتجاه مستوصف محمد الخامس بالقرب من بيتنا الذي لا يفصل عنه إلا شارع فؤاد حجازي فقفزت من السيارة بعد أن نزل منها أحد الرجلين أسرعت لأشكر السائق فتابع سيره فأقبلت على الرجل أسأله: فأفادني الرقيب زهير وهو من قاطني حي التضامن أن هذه السيارة تمر كل يوم من شارع فلسطين في السابعة صباحاً تقل جنوداً وعُمّالاً لخربة الشياب، ولما علم أنني مدرس القرية الجديد رحب بي وواعدني غداً أمام محل أبو زهير بياع العوامة على زاوية شارع فؤاد حجازي!!

عدت إلى البيت فرحاً وكان الأهل مسرورين بالمعلم الجديد ولكن الوالد كان سروره مضاعفاً لأن علم بقصة السيارة التي تنطلق صباح كل يوم من المخيم باتجاه خربة الشياب.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٢)
أبو عرب الشجراوي ١٩٣١ ــ ٢٠١٤م:
ياطير هدي على الوطن وديني

كحل عيوني بتربة فلسطيني

قيثارة فلسطين، سنديانتها، زيتها وزيتونها وحتى زعترها، سمه ما شئت فرائحته المباركة تفوح من كل مكان تعبق فيها الأذن العاشقة للقدس وفلسطين والعودة بصوته الرخيم وكما قيل: والأذن تعشق قبل العين أحيانا، أبو عرب إبراهيم محمد صالح من مواليد قرية الشجرة عام ١٩٣١م القرية التي روى ثراها العنبتاوي الأصيل عبد الرحيم محمود وأنجبت المبدع ناجي العلي.

أبو عرب والد شهيد وابن شهيد؛ وبينهما وبعدها سطّر ملاحم العودة التي كان يحلم بها وإن لم يحققها فلا شك أنه رسم لنا خارطة الطريق، وليست كخرائط الطرق المبتدعة من أوسلو وأخواتها بل خارطة رسمت معالمها بالحق والإصرار على دحر الباطل، فوالده استشهد عام ١٩٤٨م على ثرى فلسطين وظل على مقربة منها وتنقل من كفر كنا لعرابة البطوف وغيرها وهو ابن سبعة عشر عاماً ليضطر بعدها للهجرة إلى لبنان ثم إلى حمص حيث طاب له المقام بين أهلها الطيبين ولاجئيها المنكوبين، وهناك عشق وغنى وتزوج وأنجب.

بالرغم من اسم ابنه البكر محمد فكان يحب اسم أبو عرب لإيمانه بالعرب والعروبة في تلك الفترة المبكرة من خمسينات القرن الماضي حيث كانت كل مشتقات (ع ر ب) في معاجم ذاك الزمن من أغلى المسميات وأحبها لقلوب الحالمين بالجهاد والتحرر والانتصار!!

ولم أدر لو علم الحالمون بمصير العرب والعروبة كما في يومنا هذا لاختاروا من المعاجم السياسية مادة (هجر) أو (أبحر) أو (كرتن) من كرتونة وأخواتها.

اختار أسماء أولاده بعد محمد: عرب، معن، رزق، مثنى، مهند، حيث قدم المهندس معن شهيداً في جنوب لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢م ودفن هناك مع ستة من المقاتلين في مقبرة جماعية في قرية عين عطا ويرى أن الذي دفنهم هو أبو إلياس النتمي للحزب القومي السوري في قرية عين عطا مع ستة من زملائه.

أبو عرب ليس بطل أرب دول أو بطل سوبر ستار بل هو بطل المخيمات الفلسطينية بامتياز حاز على ثقة أبناء شعبه على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم من أقصى اليمين لأقصى اليسار فهو باعتقادي قاسم مشترك للجميع، أبو عرب مسيرة جهادية لم تنتهِ بموته كما أنها ما انتهت من عهد نوح إبراهيم وفرحان سلام وأبي سعيد الحطيني ولاشك أن الغيورين على فلسطين وتراثها سيتابعون مسيرة العطاء حتى الشهادة أو النصر.

عرفت أبا عرب في بيروت أثناء خدمتي الإلزامية وذلك قبل الاجتياح الصهيوني لبيروت يومها كان ابن أخته الفنان زيد تيم زميلاً لنا وبمناسبة لم أذكرها جيداً تم التدريب والاستعداد لحفل كبير يحييه المجندون الفلسطينيون وحتى يعطي زيد الحفل أهمية طلب من خاله أبي عرب الاشتراك فلبى الدعوة وغنى وذكرنا بالبلاد والأقصى والزيت والزعتر والزيتون والشهداء وبكى وأبكى.

عرفته في مخيم اليرموك ضيفاً وزائراً وعاشقاً وفناناً مبدعاً، بالرغم من إقامته في مخيم حمص إلا أنه كان يعتبر مخيم اليرموك عاصمته الفنية والإبداعية والثقافية لذا كان دائم الحضور إليه يزور أرحامه مثل المرحومة بنت أخته أم عمر تيم التي كانت تقطن ما بين ساحة الريجة وحارة الفدائية، كان يؤدي رسالته الفنية الملتزمة هناك في مسارحه وأعراسه ونواديه ومضافاته فما أن يعلم الشباب بوجود أبي عرب في عرس فلان أو حفل علان حتى يضج المكان بالمحبين، فالصغير والكبير في مخيمي يعرف أبا عرب حق المعرفة ومن لم يعرفه وجها لوجه فقد عرفه عن طريق الكاسيت ومن إذاعة صوت فلسطين وقبلها من صوت العرب القاهرية وبعدها من التلفزيون العربي السوري ومن قناة فلسطين اليوم ومن الأقصى والقدس وغيرها من المحطات التي ما انفكت تذيع له حنينه للوطن.

غنى أبو عرب أكثر من ٣٠٠ أغنية وسجل حوالي ١٤٠ منها على مستندات صوتية ستظل تصدح ما صدح طير العودة.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٣)
في رحاب قرية خربة الشياب ١٩٧٦ ــ ١٩٧٧م:
في اليوم التالي وقبل السابعة صباحة كنت أقف على شارع فلسطين ما بين محل أبي زهير بائع العوامة ومحل اللحام أبو هشام، كنت أتفرس في وجوه المارة لأرى الشاب الذي ترجل من السيارة معي يوم أمس، لحظات ولمحته عيناي يقطع الشارع من جهة التضامن سلمت عليه ووقفت معه ولما حضرت السيارة سلمنا على السائق وذكرته بيوم أمس فرحب ترحيبا شديدًا.

وصلت المدرسة ودهشت من تجمع الأهالي بالمدرسة ولما دخلت الغرفة أخبرني رجل لا أعرفه أنه المعلم السابق للمدرسة وأن هؤلاء الناس يريدون أن يسجلوا أبناءهم بالصف الأول، علمت أنه محمد ابن المختار كان يكبرني بحوالي عشر سنوات أسمر اللون يعتمر سلكاً أحمر متوسط الطول، رحبت به وأبديت له أن الأمر ليس بيدي وما أرغب بقطع أرزاق الناس وطمأنته بأنني سأساعده فهو أولى مني.

سجلنا ما يقرب من سبعة عشر تلميذاً وتلميذة حضر الطلاب وكان طلاب المدرسة القدامى قد حضروا فأحصيتهم فإذا هم عشرة للصف الثاني وثمانية للثالث وخمسة للرابع وثلاثة للخامس وطالبان فقط للسادس.

وكان النظام المتبع في مثل هذه الحالة نظام المعلم الوحيد الذي عليه أن يجمع كل الطلاب في غرفة واحدة ويقوم بتعليمهم بالإضافة إلى أعمال أخرى يقوم فيها فهو بلا شك مدير المدرسة وأمين سرها وموجهها وحتى الآذن فيها، تجولت في المدرسة فلاحظت غرفة أخرى غير مشغولة مغلقة، صرفت الطلاب مبكرين وتوجهت لمبنى مديرية التربية بالجسر الأبيض وشرحت الأمر لرئيس لقسم الابتدائي الذين وعدوني بزيارة المفتش الإداري غداً.

وبالفعل في اليوم التالي حضر المفتش والذي صار اسمه فيما بعد الموجه وكان اسمه محمود ضوبع، وبعد أن شرحت له الأمر وأننا بحاجة لفتح شعبة أخرى، فكر ودبر وعبس وبسر وأخيراً وافق على طلبي ووافق على إبقاء محمد بن خليفة العودة مدرساً معي ولكنه طلب مني أن أدرس طلاب الصف الأول والخامس والسادس وأما ابن المختار فبقية التلاميذ، كان محمد بن خليفة أكثرنا فرحاً وابتهاجاً فها هو قد ضمن أعلى منصب حكومي في القرية فكيف لا يحصل عليه وهو ابن مختار والوحيد الذي يحمل الشهادة الثانوية منذ سنوات عديدة.

جمعت طلابي في الغرفة الجنوبية وبدأت مسيرة التعليم وكنت أظن أن مسألة المعلم الوحيد شاقة ولكنني من التجربة وجدتها ممتعة فقد جمعت الأطفال في مقدمة المقاعد وخلفهم طلاب الخامس وأما مفلح الحوامدة وعلي العزاوي طالبا الصف السادس فبعد أن أشرح لهما درسها يقومان بمساعدتي بتدريس طلاب الصف الأول في الوقت الذي يقوم به طلاب الصف الخامس بحل مسائل الرياضيات وهكذا.

 عشت عاماً تاما في خربة الشياب بين أهلها الطيبين ومن هناك بدأت مسيرتي في التعليم أحببت طلابي وأحبوني وما نسيت عادتهم في إحضار الفطور اليومي للأستاذ من بيض وجبنة وخبز وسمن إلا أنني ما نسيتهم أيضاً من هدايا تناسب هداياهم كنت أحضرها معي من المخيم يفرحون بها، وبعد مدة صرت مندوباً لأهلي ومعارفي وجيراني من المخيم إذ صرت أشتري لهم البيض البلدي والجبن واللبنة من هناك، وحتى بعد تركي للقرية ظل أهل الخربة يأتون للمخيم ولا سيما في مواسم الخير من أجل بيع منتوجاتهم للزبائن التي عرفتهم عليهم وبجوار بيتنا في ساحة الريجة.

وفي هذا العام حصلت معي بعض المواقف والطرائف أسجل ما أتذكر منها:

ــ كان راتبي الصافي ٣٦٠ ليرة سورية ولم نستلم رواتبنا إلا بعد العيد الكبير أي بعد ثلاثة أشهر بسبب قرار التعيين والبنك المركزي وغيره من البيروقراطية وأذكر أنني كنت فرحا جدا باستلام الراتب وفرحة أبي أشد فرحا لأنني أعطيته ألف ليرة منه.

ــ بعد خمسة أشهر تم زيادة جميع رواتب المدرسين ٢٥% فكانت فرحة كبيرة لكل من يعمل بهذا القطاع ولما طلبت مديرية التربية بالتجمع أمام حديقة السبكي لشكر الرئيس والحكومة على هذا القرار فعطلت ذلك اليوم وسارعت هناك لأقف تحت راية مكتوب عليها «قم للمعلم وفه التبجيلا...». رآني مدير التربية وأظن اسمه أحمد غزال فأشار لي أن أخرج ولما استفسرت عن السبب فهمت منه أنه ظنني طالباً بالمرحلة الثانوية تسربت من مدرستي!! عندها علمت أنني أصغر مدرس في ريف دمشق.

في البداية العام اكتشفت أن الطالب سليمان الترابين من الصف الخامس هو الطالب الفلسطيني الوحيد بالمدرسة وبعد شهر كنت ضيفاً عند أبي سليمان على الغداء وبعد أن تناولت الغداء أسمعني الربابة والشبابة كما أسمعني سيرته وكيف أنه خرج من بئر السبع باتجاه مصر وحتى حطت به الرحال بخربة الشياب مع أهله وزوجاته وغنيماته.

ذات يوم وتطبيقاً لما تعلمناه في كتب التربية والتعليم استدعيت أبا توهان الحوامدة لأطلعه على تقصير أولاده توهان وسعدى وحامد بالدراسة وأنهم بحاجة لمتابعة وشد الهمة، بعد أن انتهى نقاشنا فتح جزدانه وأخرج منه بعض الليرات وعد أربعة منها وقال: تفضل أستاذ هاي حق فنجان قهوة!!  فقدت عقلي وصرخت به فخرج متألماً.

كان من عادتي أن أحمل ختم المدرسة بجيبي وذلك لسهولة الحصول على الكتب أو الوسائل في أي وقت أكون فيه بعيداً عن المدرسة فذات اليوم وبعد انصرافي من المدرسة مررت على الوالد بشارع لوبية لأساعده بمكتبته وكانت من زبائنه السيدة أم عبد الله البرقاوي مديرة مدرسة أسماء العامرية بشارع لوبية، وزوجة نسيم البرقاوي مسؤول الحزب بالمخيم فسألت الوالد: شو بيدرس ابنك يا حج فقال لها: ما شاء الله خليل معلم مدرسة، فاستغربت أم عبد الله يرحمها الله ربما لصغر سني قائلة غير معقول معلم مدرسة، فما كان مني إلا أن أخرجت الختم من جيبي ونفخت عليه وطجيته على ورقة بيضاء وقلت لها: ومدير مدرسة أيضاً، أنا مثلي مثلك يا أم عبد الله!!.

فما كان منها إلا أن أخذتها الدهشة ضاحكة وهي تدعو لي بالتوفيق.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٤)
المخيم في أواسط السبعينات
بعد حرب تشرين تطور المخيم تطوراً ملحوظاً في اتساعه وزيادة عدد سكانه، ففي المجال الجغرافي شهد المخيم اتساعاً في غربه فتم فرز الأراضي وبيعها وبناؤها فنشأت أحياء جديدة كشارع ١٥ ومنطقة الريجة والتي اتصل بناؤها بشارع الثلاثين (عدنان غانم).

وأما في المنطقة الجنوبية فاتصل البناء العشوائي لمنطقة الحجر الأسود، وأدى هذا التطور إلى بناء بعض المنشآت الخدمية فأنشئت «الأونروا» عدة مدارس جديدة بسبب كثرة أعداد التلاميذ حتى وصل دوام التلاميذ في أحد الأعوام إلى ثلاث فترات!!

وفي تلك الفترة كما تم تشييد عدة جوامع كجامع القدس، وزيد بن الخطاب، تم الانتهاء من تشييد بلدية اليرموك وسوق الخضار، كما تم تعبيد أكثر شوارع وطرق وجادات المخيم.

 أدى هذا التوسع إلى استقطاب المزيد من السكان الفلسطينيين والسوريين، فأما الفلسطينيون فجاء أكثرهم من مخيمات دمشق ومخيمات المحافظات، وأما الإخوة السوريون فأغلبهم من محدودي الدخل ممن وجدوا سكناً يتناسب مع وضعهم الاقتصادي.

وفي تلك الفترة نشطت الحركة التجارية فانتشرت البقاليات والأفران ومحلات الملابس وغيرها، وأما المحلات التي كانت أكثر انتشاراً فهي المكاتب العقارية لا سيما في شارع الـ١٥ ومنطقة ساحة الريجة إذ نشطت حركة بيع وشراء العقارات، ومن الجدير ذكره: أنه تمَّ افتتاح أول محل لبيع الذهب والمجوهرات من قبل جورج حفته، وكان موضع دهشة أهل المخيم في حين أنه وقبل سقوط المخيم تجاوزت محلات الذهب والمجوهرات في المخيم أربعين محلاً بالإضافة إلى سوق للذهب في شارع لوبية.

وكذا نشطت حركة العمالة اليدوية في البناء مما أثر ذلك إيجاباً في تحسين دخل أغلب الناس، ووجد خريجو «الفي تي سي» فرص عمل كثيرة في البناء والإكساء بالإضافة إلى عمال الترحيل ونقل مواد البناء والذين كان أغلبهم يجتمع في ساحة الريجة قادماً من قرى اللجاة وحوران. 

وفي تلك الفترة بدأت شهرة شارعي اليرموك ولوبية وخلال تلك الفترة تم تحويل أغلب البيوت الأرضية إلى محال تجارية، أما حركة المواصلات فبالإضافة إلى باصات مؤسسة النقل العام نشطت حركة المكاري وهي عبارة عن نصف باص يتسع لأكثر من عشرين راكباً يسير باتجاهين واحد على شارع اليرموك ومن هناك للحجر الأسود، وآخر يسير في شارع فلسطين وحتى الدوار، وأوائل من اشتهر من أصحاب المكاري الحاج أبو سعيد أبو شهاب من أم الفحم الذي كان يملك مكرو أخضر اللون، وحسين صالح الشهابي (أبو مصعب) الذي ظل في مهنته حتى وفاته.

كما شهدت تلك الفترة بوادر الخلافات الفلسطينية الفلسطينية علناً ولأول مرة أعيشها التي انقسمت حيال الأحداث السياسية ولا سيما بعد مبادرات السلام إلى قسمين، لم أنسَ ونحن طلاب في ثانوية اليرموك من عام ١٩٧٤ يوم نظمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مسيرة ضخمة تمثل جنازات رمزية لأبطال عملية ترشيحاً (معالوت) يومها كان الحضور الشعبي كبيراً والضيوف من مختلف الفصائل والإعلاميون غالبيتهم من الدول الصديقة للجبهة ولا سيما الاشتراكية منها، مشت المسيرة في شارع فلسطين وانتابها بعض المناوشات بسبب الشعارات المرفوعة التي سرعان ما تم احتواؤها، وأما الذي صار حديث المخيم يومها المعركة الحامية في مقبرة الشهداء القديمة فعند قيام الرفيق نايف حواتمه بإلقاء كلمته علا هتاف: (سحقاً سحقاً بالإقدام، يا دعاة الاستسلام) ومما زاد الطين بلة قيام أحدهم بقطع التيار الكهربائي عن المنصة فحدث هرج ومرج كنت شاهداً على ذلك، فقام بعض المسلحين بإطلاق النار بالهواء وتم تهريب الأمين العام للجبهة وضيوفه مما أسفر ذلك عن بعض الجرحى شاهدت منهم أبا مصطفى الذي كان مسؤولاً عن مقصف ثانوية اليرموك وهروب الناس من المقبرة وقد كنت منهم. 

يتبع.....

 

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٥)
في مدارس مدينة دمشق ١٩٧٧ ــ ١٩٧٨م:
ما أن انتهى العام الدراسي في خربة الشياب حتى كلفت بدورة مدرب طلائع في معسكر ميسلون وذلك في صيف ١٩٧٧ وأذكر أن شهر رمضان المبارك زارنا ونحن في منتصف الدورة التي كان فيها من أصدقائي المرحوم الدكتور ماجد يحيى أبو ماضي الذي افتقدناه في ٢٠١٣/١١/٢٨م، لم أنس مناقشاتنا هناك وعلى طريق دير العشارنة يوم كان عندنا جولة كشفية (مسير) ولأول مرة أرى المنفذ الحدودي المتواضع هناك، وفي استراحتنا تناولنا الهم الفلسطيني حيث كانت الحرب الأهلية في لبنان على أشدها.

في بداية العامة الدراسي الجديد تم نقلي إلى مدينة دمشق ومن حسن حظي أنني عينت في مدرسة أحمد عرابي التي كنت طالباً فيها في بداية المرحلة الابتدائية وفي نهايتها.

لم أنسَ يومي الأول فيها ولم أنسَ زملائي المدرسين والذين كان منهم مَنْ علمني في المرحلة الابتدائية، فالأستاذ علي حمد (أبو حسين) من الصفصاف، أطال الله في عمره كان أستاذي بالمدرسة نفسها في الصف الأول الابتدائي عام ١٩٦٣م وغرفة المدرسين نفسها كانت فصلي الدراسي يومئذٍ، وكنت أكنُّ لشيخي الجليل الأستاذ علي كل الاحترام والتقدير فلاقيت صعوبة من انتقال التعامل من هيبة الأستاذ إلى أريحية الزمالة التي ما مارستها مع أستاذي وشيخي فبقيت له طالباً مطيعاً خجولا وحتى يومنا هذا، وأما زميلي الثاني فهو الأستاذ محمود السعدي، من قرية حطين، والذي درَّسني بالمدرسة نفسها يوم كنت في الصف السادس الابتدائي أي قبل سبع سنوات من ذلك العام: فقد تعاملت معه من اليوم الأول بأريحية الزملاء لم أدرِ لمَ؟ فربما لقرب سننا أو لحبه المرح والفكاهة، فذات يوم وخلال الاستراحة في غرفة المدرسين وقف متفاخرا بين المدرسين يقول: يا جماعة الأستاذ خليل كان طالبي بهذه المدرسة منذ سبع سنوات!! فانتظر الجميع سماع شهادتي فقلت لهم: والله صحيح يا جماعة الأستاذ محمود درسني بهذه المدرسة وأمسكت بطرف جاكيته وأردفت قائلا: وحتى هذه الجاكيت نفسها التي كان يرتديها ونحن بالصف السادس!! فانفجر الأستاذ محمود والزملاء ضاحكين.

 ومن الغريب العجيب في مدرسة أحمد عرابي الحكومية أنها كانت تضم في الدوامين أكثر من أربعين مدرساً: وكلهم فلسطينيون بلا استثناء ما عدا طلابها، بما فيهم مدير المدرسة الأستاذ جلال عميص يرحمه الله وحتى أذنة المدرسة فلسطينيون وجلهم من مخيم اليرموك. أذكر من الزملاء الأساتذة غير الذين ذكرتهم: موفق موعد، ماجد سليمان، محمود عللوة، خالد موعد، بشير الشهابي وغيرهم.

ومن الحوادث الهامة في هذا العام وفاة الشيخ حسن حبنكة الميداني الذي خرجت له جنازة مهيبة ما رأيت مثلها في حياتي فالناس قد وصلوا لمكان دفنه في جامع الحسن وما زال المشيعون متصلين بباب الجابية لدى خروجهم من الجامع الأموي حيث صلي عليه هناك وبالرغم من أنه أوصى أن يدفن بمقبرة الجورة بالميدان كما قرأت يومها أوراق نعوته.

لم أمكث طويلاً في مدرسة أحمد عرابي فقد خضعت لدورة رياضية مسائية مكثفة في مدارس التطبيقات المسلكية بالجسر الأبيض من أجل تأهيلنا كمعلمين لمادة التربية الرياضية، ففي شتاء ١٩٧٨م سلمت مكاني للأستاذ المنشد المقرئ ــ فيما بعد ــ محمد عارف العسلي كمعلم وكيل علما بأنه أول معلم سوري يخترق منظومة معلمي الإخوة اللاجئين الفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوة ولا واسطة في هذا التعيين بل لكثرتهم في مجال التعليم ولقرب مدرسة أحمد عرابي من المخيم حيث تقع حاليا خلف جامع الماجد في أول القاعة، وليست مدرسة أحمد عرابي وحدها بهذا الزخم الفلسطيني بل كان ذلك ديدن أكثر المدارس الحكومية المحيطة بالمخيم ولنا في ذلك وقفة بإذن الله

يتبع...


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 08 مارس 2022, 5:56 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:54 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٦)
قصص وحكايا
ـــ ٣ ـــ
قصة الشيخ علي الياسين الكفري:
من القصص المؤثرة قصة الحاج علي ياسين الكفري الذي ولد بلوبية وقد قدرناه عام ١٨٨٥م وذلك على ما يبدو من سجل الأحداث التاريخية حيث كانت المنطقة تخوض معارك هامة غيرت خارطة المنطقة سجلها الباحثون والمؤرخون في صفحاتهم.

كنت أراه في سبعينات القرن الماضي في بيته بشارع لوبية مقابل «فلافل الكلسلي» يحمل عكازه وينطلق إلى مسجد عبد القادر الحسيني، وبما أننا نرتبط به بطرف قرابة فقد عرفنا قصته المثيرة، وصلة القرابة هذه أنه كان متزوجا من عمتي «فدوى» وكنا نقول لها عمتي بالرغم من أنها ابنة عم الوالد واسم أبيها حميّد شقيق جدي إبراهيم، رحم الله الجميع.

كان يعيش هادئاً ووادعاً في لوبية مع أهله وعشيرته، فذات يوم سُحب إلى التجنيد الإجباري في الجيش العثماني، فغادر لوبية شاباً، أقدِّر الزمن بعام ١٩٠٥م ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره لسنوات عجاف طال بها الغياب.

كانت الدولة العثمانية في ذلك الحين تخوض عدة معارك في القرم واليونان والسويس واليمن وبما كان يعرف بـ( سفر برلك) وكانت تزج برعاياها في معاركها الخاسرة يوم تكالبت الدنيا على ورثة الرجل المريض.

 روى الشيخ علي مأساته فقال: تنقلت من جبهة لأخرى مدافعاً عن بلاد المسلمين وفي معركة الترعة التي حصلت عام ١٩١٥م عند قناة السويس مع البريطانيين قام أحد الجنود البريطانيين بإطلاق النار علي فأصابني إصابة مباشرة فظننت أنني سألقى ربي فنطقت بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، فلما سمع الجندي تشهدي صرخ بأعلى صوته: أنت مسلم وأنا مسلم كيف نقتل بعضنا، والله قالوا لنا إنكم كفار!! وتبين فيما بعد أن الجندي البريطاني مجند هندي مسلم جندته بريطانيا لمحاربة أعدائها.

بعد انتهاء المعركة نقلوا الجرحى وكنت منهم إلى المستشفى الذي كانت تسيطر عليه القوات البريطانية، وخفنا بعد شفائنا من الأسر والاعتقال، فاتفقت أنا وبعض الجنود على الهروب من المستشفى قبل الشفاء التام، وفعلا هربنا.واتجهنا من مصر إلى قارة آسيا وفي رحلة مضنية وشاقة تابعت ومن معي الهروب حتى وصلنا إلى اليمن، حيث التحقنا بالجيش العثماني حيث كانت تدور معارك حامية هناك.

وفي عام ١٩١٨م انهار الجيش العثماني تماماً وانفرط عقده، فاتفقت مع زميل لي بالرجوع لفلسطين مشياً على الأقدام ومن اليمن بدأ المسير حيث اتجهنا شمالاً نمشي ونمشي الأيام الطويلة ودخلنا جزيرة العرب. وعلى الحدود تعرض لنا قطاع الطرق وسلبوا ما كان معنا حتى ثيابنا جردونا منها وبقينا كيوم ولدتنا أمهاتنا، ومشينا حفاة عراة. حتى لقينا بعض القبائل فأعطونا ما نستر به عورتنا.

وفي أحد الأيام وخلال بحثنا عن طعام وجدنا بيضة قرب جحر من الجحور تحت شجرة فعرفنا أنها بيضة ثعبان فأخذها صاحبي ومن شدة جوعه التهمها وحده، ولم يبقَ لي منها شيئاً، وخلدنا للنوم وصحوت في الصباح فإذا بصاحبي قد فارق الحياة من لدغة الثعبان الذي عرف من الرائحة من اعتدى على بيضته فحزنت جداً على صاحبي فقمت بدفنه هناك.

تابع الجندي الفار مسيرته وحيداً إلى أن وصل المدينة المنورة ومن هناك سار بمحاذاة الخط الحديدي الحجازي الذي كان معطلاً من سنتين حتى وصل بعد أشهر إلى المزيريب وهى قرية في جنوب سوريا ومن هناك إلى سمخ، ومن هناك وصلت الأخبار إلى لوبية بأن علي ياسين الكفري حيا!!

ولما سمع والده ياسين الخبر خرَّ ميتاً من شدة فرحته، بعد أيام وصل الغائب إلى لوبية التي احتارت أتفرح بعودة الغائب أم تحزن بغياب الوالد.

ولم يغلب الفرح الحزن بعودة علي الياسين فبعد يومين من وصوله إلى لوبية فارقت والدته الحياة أيضاً، وانقلبت عودة التائه إلى أحزان متتالية.

تزوج في لوبية من فدوى بنت حميد وأنجب من الذكور محمد (أبو علي) وأحمد (أبو جاسر) وياسين (أبو محمد) ومحمود (أبو عمر) وحسين الذي مات صغيراً، ولحق به بقية إخوته ومن البنات أمونة وفاطمة وذيبة وأمينه: حيث برز من أحفاده الناقد المرحوم يوسف سامي اليوسف وشقيقاه الناقد حسن والشاعر أبو النور لجأ مع أهله إلى لبنان في (ثكنة ويفل) في بعلبك في نكبة 1948م. ثم غادرها إلى دمشق حيث طاب له المقام في مخيم اليرموك حتى لقي ربه عام ١٩٧٥م بعد أن جاوز التسعين عاماً.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٧)
الشاعر محمد مهدي الجواهري في مخيم اليرموك ١٩٧٨:
زار الشاعر الجواهري دمشق عام ١٩٧٨م فاستضافته الحكومة السورية وأقامت له حفلاً تكريمياً برعاية وزارة الثقافة، وخلال زيارته هذه قدمت له دعوة لزيارة مخيم اليرموك فلبى الدعوة وحضر في اليوم المحدد إلى سينما النجوم حيث كان في استقباله الشخصيات السياسية والفكرية والأدبية وهناك في سينما النجوم ألقى عدة قصائد فنالت استحسان الحضور الذين اكتظت القاعة بهم وهم يصفقون لقصيدته «دمشق يا جبهة المجد».

ومما قال فيها:

شَممتُ تُربكِ لا زُلفى، ولا مَلَقا

وسِــرتُ قَصــدك لا خِــباً ولا مَــــذِقا

يا حاضِنَ الفِكرِ خَلاقاً كأنَّ بهِ

مـن نســجِ زَهـر الــرُّبى موشـــيَه أَنقا

لك القوافي، وما وشت مصارفها

تهدى وما استنَّ مهديها، وما اعتلقا

وكانت هذه الحفلة مشهودة بقدوم شاعر كبير إلى المخيم تفاعل مع أهله وقدم لهم أجمل قصائده.

وقبل زيارة الجواهري لسينما النجوم أنوه إلى أن المكان نفسه نشط بعدة عروض مسرحية، فقد برز على الساحة أسماء شبان عملوا كمخرجين قدموا عروضاً على مسرح سينما النجوم أذكر منهم فضل عودة من لوبية شقيق المختار أبو منير عودة، وغازي قاسم ولكن كانوا يطلقون عليه اسم غازي الضبع من قرية فراضية ابن أبو فيصل صاحب بقالية بساحة اليرموك والذي كان يقطن في شارع لوبية بالقرب من شعبة الحزب، وقدم عرضان كما أفادني بعض الأصدقاء الأول: «بلا الشاي يا نوال» والثاني: «مرسي ومسمار»، وهذه العروض نالت على استحسان المشاهدين، وأذكر أن عرض كرسي ومسمار قدم على أحد مسارح مدينة دمشق: إلا أن الحفل المحترف قدمته فرقة سورية بقيادة الفنان سعد الدين بقدونس لأكثر من أسبوعين وكان من أروع العروض التي قدمت في المخيم وأذكر أنه وبعد العرض كنا نقف على باب سينما النجوم لمشاهدة الممثلين والممثلات وتحيتهم وكانوا يردون عليها بأحسن منها.

وأما أهم حدث سياسي في ذلك الزمن هو احتلال إسرائيل لجنوب لبنان ففي 14 مارس 1978م وصلت القوات الإسرائيلية حتى نهر الليطاني وكان الهدف من الغزو كان خلق منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية وبطول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ففي تلك المرحلة كان المخيم يهوج ويموج ويتابع أخبار المقاومة الفلسطينية وأخبار جيش سعد حداد الذي حمى حدود الكيان الصهيوني ضد ضربات المقاومة.

يتبع...

 

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٨)
فرقة العاشقين ١٩٧٧م
منذ عام ١٩٧٧م انتشرت ظاهرة الأغاني الوطنية الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية وفي مراكز تجمعات الفلسطينيين، وبما أن مخيم اليرموك يعد أكبر تجمع فلسطيني بالعالم على مستوى الشتات فلا بد أن يكون مصدر إشعاع لهذه الظاهرة. 

كانت الأناشيد والأغاني الفلسطينية قبل فرقة العاشقين تعود إلى مصدرين الأول ما حملته أفواج اللاجئين من تراث شعبي تم تداوله غالبا شفاها بسبب ندرة التسجيلات آنذاك ومن أشهر ما تم تداوله بعد فترة اللجوء عدة مقطوعات مثل:

با الهنا ويم الهنا ياهنية

والتوت عيني على الشلبية

وهناك عدة أهازيج مطلعها مثل 

على دلعونا وعلى دلعونا 

راحوا الحبايب وما وداعونا. 

والميجنا مثل :

«يا ميجنا يا ميجنا يا ميجنا 

أهلا وسهلا طلوا حبابينا». 

والروزنا مثل 

على الروزانا وعلى الروزنا

ع الروزنا كلّ الحلا فيها

شو عملت الروزنا حتّى نجافيها

وجفرا ومما قيل في جفرا:

جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا اعمـامي

ماباخـــذ بنيّكــم لو تطحنوا عظامي 

وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي

لرمي حالي في البـحر للسمـك في المية. 

كما نقل اللاجئون فن (الحدا، الزجل) والذي اشتهربه الشمال الفلسطيني كما وبرزت عدة أسماء من مطربين وشعراء وعازفين ما ساعدهم الحظ لتشكيل فرقة متكاملة منهم أبو سعيد الحطيني، وأبو هوين حياتلي، أبو فواز الطنجي، وغيرهم. 

أما الظاهرة الثانية فهي الأغاني الثورية التي رافقت ظهور حركة فتح فمما لاشك فيه أنه ومنذ ١٩٦٨ انتشرت في تلك الفترة مئات الأغنيات التي مازالت الذاكرة تتعلق بكلماتها وترانيمها وكانت بمثابة النشيط الوطني في المظاهرات والأعراس والجنازات ومنها: 

على الرباعية، على الرباعية، رافعين الرأس فلسطينية

طل سلاحي من جراحي 

فوق التل تحت التل اسأل عنا مابتندل. 

بلادي بلادي بلادي فتح ثورة ع الأعادي

كانت دائرة الثقافة والإعلام تعد لإنتاج أول مسلسل تلفزيوني فلسطيني. وهو بعنوان: «بأم عيني» وكان على الملحن حسين نازك أن يضع له الموسيقى التصويرية، فوجدها مناسبة هو ومحمد سعد ذياب للبحث عن شبان وفتيات فلسطينيين مؤهلين ليكونوا نواة فرقة «أغاني العاشقين» وقد اختار حسين عدداً من نصوص شعراء فلسطينين مثل: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وصلاح الدين الحسيني ويوسف الحسون. وكان الفنان حسين المنذر (أبو علي) قائد الفرقة الذي يمتاز صوته بالقوة. وكان الملحن حسين نازك يلحن معظم اغاني الفرقة. ومن أشهر اغانيه مع الفرقة الأغنية الوطنية المشهورة والتي غنوها لثورة البراق. ومطلعها: «من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي».

وهي من قصيدة للشاعر الفلسطيني: نوح إبراهيم وهي بمناسبة إعدام ثلاثة مجاهدين محمد خليل جمجوم وفؤاد حسن حجازي وعطا الزير. كذلك لاقت أغنية اشهد يا عالم نجاحاً لافتاً لإلقائها الضوء على أسطورة الصمود الفلسطيني إبان اجتياح لبنان 1982.

من أشهر أغانيها: [عدل]

شريط عن عز الدين القسام وفيه من الأغاني (أبو إبراهيم ودع عز الدين ــ يا ويل ويلكم من الشعب ــ هدى البلبل عالرمان ــ هذا هو قدر الإنسان ــ يا حلالي يا مالي...

شريط بأم عيني (بأم عيني ــ عذَّب الجمال قلبي ــ سرحان والماسورة ــ يحكون في بلادنا....) .

شريط بيروت (اشهد يا عالم ــ جفرا ــ ظريف الطول ــ جمع الأسرى....).

العديد من الحفلات المصورة غنت فيها فارس عابس ــ يلا يَمّا ـــ.....

العديد من الأغاني والمواويل.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٤٩)
أكرم كايد السماك وحديث ذو شجون :
ما أن علمت بنبأ استشهاد جارنا أكرم السماك يوم أمس (الثلاثاء ٢٠١٤/٠٣/١١م) حتى فاضت العبرات وشجت بي الذكريات به فأحببت أن تكون هذه الحلقة عنه وفاء له ولما كان يتمتع به من أخلاق سامية يفتخر بها كل من ينتمي للمخيم.

عهدي بآل السماك في مخيم اليرموك منذ ستينات القرن الماضي، فالبيت الجميل الذي كان بمثابة فيلا في ذلك الوقت هو بيت الحاج توفيق السماك (أبو كايد) والذي يقع بالضبط في شارع اليرموك على الزاوية الشرقية منه والمطلة على مجمع مدارس «الأونروا» في الحارة التي كانت تعرف محلياً بحارة سمور.

هاجر الحاج توفيق من طبرية كما هاجر غيره عام ١٩٤٨م وحطت به الرحال، وبما أنه كان في طبرية صاحب ميناء لصيد الأسماك فقد فَقَدَ الميناء والسمك والبحيرة وطبرية، وتماشياً على ظروف النكبة فقد تعلم مهنة التصوير ومارسها في المخيم، فكما كان معروفاً في مدينة دمشق انتشار آلات التصوير اليدوية في ساحة المرجة والتي تركب على سيبة خشبية وكان يقال لها: تندرا (استوديو كم) فقد حاز أبو كايد السماك على واحدة منها وصار يمارس مهنته هناك في المخيم وبالقرب من بيته فإن لم تذكروا ذلك فأنا أذكره جيداً، وأذكر الاستديو المتنقل والذي كان يضعه أحياناً بالقرب من بيته وأحياناً مقابله بحسب سطوع شمس ذلك النهار، وأذكر همته ونشاطه وهو يدخل يده في كمٍ أسودَ يعالج فيه ما التقطته كمرته القديمة.

وهذا البيت المعروف خرّج عشرات من الأبناء والأحفاد عُرفوا كأطباء ومهندسين ومدرسين يفتخر المخيم بهم وبعلمهم وبأخلاقهم ومن هؤلاء أستاذ الرياضيات كايد السماك والد الشهيد أكرم.

عهدي بأكرم ليس بالبعيد فمعرفتي به منذ أربع سنوات أو خمس فهو في جيل أصغر أبنائي، عرفته جاراً طيّباً وخدوماً، عرفت فيه الأمانة والصدق والتفاني، قدمنا له العزاء قبل خروجنا من المخيم بأشهر باستشهاد عمه مروان على ما أذكر يومها جاءته رصاصة طائشة في شارع الثلاثين وهو يقود سيارته.

عرفته في «بيت فلسطين للشعر» ضمن أسرة تعمل بروح الفريق الواحد مع الشاعر سمير عطية ووسام الباش ومحمد توكلنا، كان سكرتيراً ناجحاً وطابعاً ماهراً، ومصححاً لغوياً وأهم من ذلك بشوشاً باستقبال ضيوف البيت.

ما اشتكى يوماً منه أحدٌ لأنه ما أخطأ بحق أحدٍ، كان رحمه الله لطيف المعشر، يحرص على رضا الناس، وإرضاء الناس غاية لا تدرك، ولكن أكرم أدركها فكيف لا يدركها وهو اللطيف والحنون حتى مع الطيور البكماء.

عرفته زبوناً في محلي فعرفت أمانته وصدقه ونبله وحبه للآخرين وإيثاره لهم، ففي أحد الأيام حصل خطأ في حساب أخطأت به فسرعان ما وجدته ينتظرني على باب المحل بعد استراحة الغداء من أجل رد المبلغ.

بقي في المخيم واقفاً في وجه اللصوص الذي استباحوا حرمات المنزل لا يلين له عريكة ولا يخشى تهديداتهم ما قصر في مساعدة من استطاع مساعدته، أحب المخيم وأهله، وأعتقد أنّ كل من عرف أكرم السماك أحبه.

رحمك الله أيها الطيب الغالي وجعل مأواك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

يتبع.....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٠)
أغاني الثورة الفلسطينية
ــ ٢ ـــ
أما ظاهرة الأغاني الثورية فقد رافقت ظهور حركة فتح فانتشرت في تلك الفترة مئات الأغنيات التي ما زالت ذاكرتنا تتعلق بكلماتها وترانيمها ويومها كانت بمثابة النشيد الوطني للاجئين في المخيمات يرددونها في المظاهرات والأعراس والجنازات، وقد برز عدة شعراء كتبوا هذه الكلمات منهم صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق) وسعيد المزين (فتى الثورة) ومحمد حسيب القاضي، ومن الملحنين حسين نازك، ورياض البندك، وغيرهم ومن الأغاني التي اشتهرت في تلك الفترة:

على الرباعية، على الرباعية، رافعين الراس فلسطينية

طل سلاحي من جراحي

فوق التل تحت التل اسأل عنا ما بتندل.

بلادي بلادي بلادي فتح ثورة ع الأعادي

يا جماهير الأرض المحتلة.

أنا صامد صامد أنا صامد

وثورة ويا هالربع

مش منا أبداً مش منا

غلابة يا فتح غلابة

هذا هو الرد ثورتنا هذا هو الرد

يا شعبنا هز البارود يا شعبنا

وغير ذلك من الأغاني وأذكر أنني حفظتها كلها وأنا في الصف السابع عام ١٩٧٠ في مدرسة الميدان الأولى والذي حفظنا إياها مدرس الموسيقى الأستاذ جمال أبو عاصي الغزاوي الأصل والمتخرج من جامعات القاهرة والذي حوّل دروس الموسيقى كلها لأغاني الثورة الفلسطينية، في حين أن جل أصدقائي الذين كانوا يدرسون في مدارس الأونروا يستغربون أنني أحفظها بالرغم من دراستي كما يقولون عند الشوام أي في مدارس الدولة!!

وهم ما سمعوا بها إلا عن طريق التسجيلات والأعراس ومن بعض الإذاعات؛ إذ كنا نلتقط هذه الأناشيد قبل السبعينات من إذاعة صوت العاصفة والتي تحولت إلى إذاعة صوت فلسطين من القاهرة ومع ظهور الكاسيت انتشرت هذه الأغاني في ربوع المخيم وصار المحلات تصدح فيها أوقاتا طويلة فانتشرت انتشار النار في الهشيم، وأذكر أنني حصلت وأنا بالصف الثامن أو التاسع على ألبوم ورقي لجميع الأغاني كل ورقة على حدة مكتوب في رأسها اسم الأغنية ومؤلفها وملحنها وبقيت احتفظت بالألبوم فترة طويلا ولم أدر أين حطت به المقادير.

وأذكر أنه في عام ١٩٧٢م كنت أشاهد بعض الشباب يتدربون على هذه الأغاني في مدرسة صرفند في تجمع مدارس الأونروا القريبة من مستوصف محمد الخامس استعداداً لإحدى الحفلات، وكم كانت فرحتنا جميلة ونحن نستمع إليهم ونردد ما يقولون.

ولا شك وبالرغم من انتشار هذه الأغاني في مخيم اليرموك وغيره من تجمعات الفلسطينيين إلا أن هناك بعض الملاحظات على هذا اللون الغنائي منا:

أنها تأثرت بالمشهد المصري من حيث الموسيقى والنهج والأداء فعلى سبيل المثال أن أنشودة:

بلادي بلادي بلادي، فتح ثورة على الأعادي

مستوحاة من النشيد الوطني المصري الذي لحنه سيد درويش.

ومن الملاحظات أيضاً أنّ جلّ هذه الأناشيد مثلت جهة فلسطينية واحدة وهي حركة فتح بتاريخها ونضالها وهذا ما يبدو واضحاً من حيث كلمات النصوص المغناة وحتى أنّ جل العاملين فيها أي الأغنية من شعراء وكتاب وملحنين ومغنيين يتبعون للحركة، كما أنها ركزت على طابع المقاومة والنضال والكفاح وتركت أوجه النشاط الفلسطينية الأخرى كالقرية الفلسطينية وعاداتها وتقاليدها وغير ذلك: فلذا لم يعد لها انتشار واسع ولم تستمر طويلاً؛ بل علنا أن نقول: أنا أصبحت من الذكرى لا سيما أنّ صانيعها قد تحولوا من النضال الثوري إلى النضال السلمي ويبدو أنهم بدؤوا يبحثون عن أغان تناسب الواقع بعيدا عن الثورية فانسحبوا حيث التاريخ وحنين البلاد وحق العودة وفلكلور القرية الفلسطينية ولنا وقفة في ذلك بإذن الله.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 5:58 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٥١)
فرقة العاشقين
ــ ٣ ـــ
فرقة غنائية فلسطينية يعرفها القاصي والداني من الشعب الفلسطيني ولا سيما أهل المخيمات وهي برأيي امتداد للأغنية الثورية الفلسطينية التي انطلقت مع بداية الكفاح الفلسطيني المسلح: فمما لا شك فيه أن تبني منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٧٤م فكرة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية جعلها تتاقض مع طرح الأغنية الثورية ومنذ ذلك الحين بدأ البحث عن بديل يتوافق مع حب فلسطين ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني ما عدا حق المقاومة المسلحة، ففي عام ١٩٧٧م كانت دائرة الثقافة والإعلام تعد لإنتاج أول مسلسل تلفزيوني فلسطيني، وهو بعنوان: «بأم عيني» وكان على الملحن حسين نازك أن يضع له الموسيقى التصويرية، فوجدها مناسبة للبحث عن شبان وفتيات فلسطينيين مؤهلين ليكونوا نواة فرقة «أغاني العاشقين» وقد اختار حسين عدداً من نصوص شعراء فلسطينيين مثل أحمد دحبور ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وصلاح الدين الحسيني ويوسف الحسون. وكان الفنان حسين المنذر (أبو علي) قائد الفرقة ويمتاز صوته بالقوة، وكان الملحن حسين نازك يلحن معظم اغاني الفرقة.

 وكانت انطلاقتها الشعبية عام ١٩٧٩م على صالة الفيحاء بدمشق واشتهرت بأغنية (والله لازرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر) من كلمات الشاعر أحمد دحبور فانتشرت في ذلك الحين الأغنية انتشار النار في الهشيم وصارت تتردد على شفاه معظم الفلسطينيين وغيرهم وبعد هذا النجاح الباهر قدمت عدة أغان مثل:

ــ أبو إبراهيم ودع عز الدين

ــ يا ويل ويلكم من الشعب

ــ هدى البلبل عالرمان.

ــ هذا هو قدر الإنسان.

ــ يا حلالي يا مالي.....

شريط بام عيني ومنه: (بأم عيني ــ عذَّب الجمال قلبي ــ سرحان والماسورة ــ يحكون في بلادنا...).

شريط بيروت ومنه: (اشهد يا عالم ــ جفرا ــ ظريف الطول).

إلا أن أغنية من سجن عكا طلعت جنازة وهي من كلمات الشاعر الشعبي الشهيد نوح إبراهيم كانت الأشهر بعد «والله لأزرعك بالدار ياعود اللوز الأخضر ».

تجولت الفرقة في عدد من العواصم العربية والأجنبية وقدمت عروضا رائعة وانتشرت أشرطتها انتشارا واسعا وظلت لفترة ليست بالقصيرة الفرقة الفلسطينية الأولى التي لا يقدر أحد على مجاراتها.

ومن الأسماء التي لها فضل في الفرقة آل هباش بأبنائهم محمد وخالد وخليل وأحمد والصبايا فاطمة وآمنة، فهؤلاء جميعهم شاركوا في تأسيس «أغاني العاشقين»، بالإضافة إلى صاحب الصوت الجبلي حسين منذر (أبو علي) وعازف العود يعرب البرغوثي والفنانين أحمد الناجي ومأمون الشايب، ومحمود نابلسي ومن الإخوة السوريين برز اسم ميزر مارديني، مها أبو الشامات، ابتسام جبري وغيرهم.

وتأثرت الفرقة بالواقع السياسي الفلسطيني وبالخلاف الفصائلي ففي عام ١٩٨٤ وبعد حصول الانشقاق الشهير في فتح تم تهميش الفرقة وتجفيف منابعها مما أدى إلى تشتيت أفرادها هنا وهناك بحثاً عن لقمة العيش.

ونتيجة لحب الناس للفرقة جرت محاولات لإحيائها فتم لملمتها من جديد وانطلقت إلى الأردن عام 1989م وقدمت بعض العروض ثم تنقلت للغناء بين دول الخليج، البحرين والإمارات وقطر، إلى أن تفككت نهائياً عام 1991م.

وفي تاريخ 11/11/2010م تم إحياؤها من جديد بعد عشرين عاماً من الإهمال استطاعت الفرقة البحث عمن تبقى من أعضائها واستطاعت الدخول إلى رام الله بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية لأول مرة في رام الله أحيت حفلة بحضور الرئيس محمود عباس. كما ساهمت بأحياء ذكرى انطلاقة حركة فتح في قطاع غزة عام ٢٠١٣ وبعد ذلك التاريخ ما زلنا بانتظار إحياء تلك الفرقة ليعود دورها الريادي كما كان سابقاً.

ومن الجدير ذكره وقبل غلق ملف الأغاني الفلسطينية التنويه إلى أن فرقة البراق الفلسطينية والمدعومة من حركة حماس ظهر نشاطها في مخيم اليرموك في غياب فرقة العاشقين وأنها أي فرقة البراق قدمت العديد من العروض الملتزمة في عدد من المناسبات كالأعراس الجماعية والحفلات والأعراس ولا بد من الإشارة ثانية إلى دور المرحوم الشاعر إبراهيم صالح (أبو عرب) في الأغنية الفلسطينية وتطويرها والرقي بها في تلك الفترة.

يتبع....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٢)
أبو عرسان رشراش:
شخصية من شخصيات مخيم اليرموك المشهورة يستحق الذكر والثناء، لجأ الى سورية عن طريق لبنان عام ١٩٤٨ حيث كان جريحا في معارك لوبية، وقد وصلت به الحال الى مدينة حماة، حيث علم سكان قرية (مورك ) به: لأنهم يعرفونه قبل احتلال فلسطين، فجاؤوا بسياراتهم وحملوه مع ثلاثين عائلة كانت ترافقه إلى القرية، وهناك أعطوهم البيوت وأغدقوا عليهم بما لديهم، بقوا هناك فترة من الزمن، ثم انتقل مجدداً إلى حماة، حيث استأجر بيتاً، وفتح محلاً كبيراً للبقول وغيرها قبل انتقاله الى دمشق عرّفه الحاج (أبو فياض الكرمو) من قرية مورك شمال حماة، على الزعيم أكرم الحوراني، وبدأ العمل للعودة إلى الحدود الفلسطينية السورية، لمقارعة العدو الصهيوني والأخذ بثأره منه، وبعد مدة من التعارف تم تعيينه رئيساً للمجاهدين على بحيرة الحولة، وقد بقي هناك مدة تزيد على خمس سنوات خاض خلالها معارك ضد الصهاينة ففي عام ١٩٥٧م فتح جبهة مع العدو الصهيوني: وسببها كما أخبرني ابنه (عمر حيث كان غلاماً صغيراً يرافق والده) أنّ والده كان يصلي قرب بحيرة الحولة على الجانب العربي منها، فاقتربت منه زوارق إسرائيلية وبدؤوا بكلمات السخرية والمهانة، فما كان منه إلا أن أنهى صلاته على عجل واستلَّ رشاشه وقام بفتح النار على الزورق ومن فيه فأرداهم جميعاً، وبعدها انتشلهم زورق صهيوني آخر بواسطة الصليب الأحمر وحملوهم إلى مخفر الجيش على قمة جبل (تل هلال) وبعدها استنفرت الحدود السورية الفلسطينية كلها وبدأ القصف وبدأت المعارك مجدداً.

وبعد مدة استدعت المحكمة العسكرية أبا عرسان إلى دمشق،وفي عام ١٩٥٩م صدر قرار من المحكمة العسكرية بحرمانه من الذهاب إلى منطقة الحدود السورية الفلسطينية.

كان كريماً معطاء لا يخرج ضيفه إلا بغداء أو عشاء، وإن لم يتوفر له المال يستدين كي يولم لضيوفه تروى عنه يرحمه الله حكايات طريفة يعرفها بعض أهل المخيم منها:

في سبعينات القرن الماضي كان ابنه عمر يدرس في جامعة دمشق، وفي الوقت نفسه كان أبو عرسان يتوسط بعض المسؤولين لإيجاد فرصة عمل له وذات يوم وبعد أن طمأنه أحدهم بتوظيف عمر سرعان ما انطلق للجامعة بلباسه الفلسطيني التقليدي يعتمر حطته وعقاله وبعد نأي وربما بمساعدة بعض أصدقاء عمر اقتحم أبو عرسان مدرج الجامعة فتفاجأ الطلاب والدكتور من سؤاله: وين عمر؟

استغرب الدكتور المحاضر ورد مستغرباً: مين عمر؟

أجاب أبو عرسان: هلأ عامل حالك غشيم بطلت تعرف عمر!

انفجر مدرج الجامعة بالضحك عندها تقدم عمر منهما فلما رآه والده قال له: تعال يا مشحر لقيتلك شغله.

وذات يوم ركب في باص المخيم المزدحم بالركاب وكان واقفا كأكثر الركاب فإذا بصبية تجلس في المقعد الأول تشد خراطتها بيديها حتى تستر ما انكشف من فخذيها فاسترعت انتباه من كان جوارها؛ فما كان منه إلا أن لامها بصوت مرتفع بقوله: هذا ما جنته يديك الأثيمتين!!

ومن القصص المتواترة عنه أيضاً أنه وخلال وجوده بدمشق زار شقيق الرئيس السوري رفعت الأسد في مكتبه، ودعاه إلى تناول الغداء بالمخيم في بيته القريب من موقف أبي حسن في شارع فلسطين وبالفعل وفي الموعد المتفق عليه كان رفعت الأسد ضيفا على مائدة أبي عرسان رشراش حيث نحرت الخراف وأوقدت النيران.

وأحب أن يكرر الدعوة ولكن هذه المرة للمرحوم ياسر عرفات فقد زاره في منطقة الهامة حيث كانت معسكرات فتح هناك وقبل أن ينصرف دعاه للغداء ببيته بالمخيم فوعده عرفات خيرا، وفي يوم المحدد ذبح أبو عرسان الخراف وهيأ الطعام وانتظر وانتظر ولكن عرفات لم يحضر وقبل غياب الشمس يئس أبو عرسان من حضور عرفات وظن أنه نسي موعدالعزيمة فما كان منه إلا أن استأجر طرطيرة (وذلك قبل انتشار السوزكيات) وحمل عليها الطعام وانطلق بها إلى منطقة الهامة حيث عرفات وصحبه فتناولوا معه غذاءهم.

رحمك الله يا أبا عرسان وجعل مأواك الجنة.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٣)
جنازات مشهودة في مخيم اليرموك:
تكلمت في حلقة سابقة عن جنازة الشهيدين علي خربوش ومفلح السالم عام ١٩٦٤ ويومها كانت تلك الجنازتين من الجنازات المشهودة في مخيم اليرموك لأنهما من سكان حارة الفدائية في المخيم ونظرا قاما به من أعمال بطولية ضد الكيان الصيوني.

وفي هذه الحلقة سأذكر بعض الجنازات التي كان لها ذكر وحشود شعبية ورسمية مع عدم الانتقاص من الجنازات الأخرى والتي ربما يكون أبطالها خيرا ممن سأذكرهم فرحم الله الجميع وجعل مأواهم الجنة.

زهير محسن ١٩٧٩م:
رئيس الدائرة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لتنظيم طلائع الحرب الشعبية لتحرير فلسطين والمعروف بالصاعقة اغتالته يد الإجرام في ١٩٧٩/٧/٢٥م في مدينة «كان» بفرنسا ونقل جثمانه لدمشق حيث دفن في مقبرة الشهداء القديمة بالمخيم وقد حضر الرئيس السوري حافظ الأسد جنازته وواكب الجنازة مشيا على الأقدام من موقف الساحة حتى المقبرة وكان بصحبته المرحوم ياسر عرفات وعدد كبير من القيادتين السورية والفلسطينية.

عبد الكريم الكرمي ١٩٨٠م:
 (أبو سلمى) زيتونة فلسطين وشاعرها أذكر ونحن طلاب في الصف التاسع كنا نحفظ قصيدته المقررة علينا:

هل تسألين النجم عن داري

وأين أحبابي وسماري

داري التي أغفت على ربوة

حالمة بالمجد والغار

ولد الشاعر المرحوم في طولكرم وعاش في دمشق قبل النكبة ودرس فيها حتى المرحلة الثانوية لأن أباه سعيد الكرمي كان عضوا في مجمع اللغة العربية بدمشق فأحبها وأحبته ثم غادر دمشق وأتم دراسته بالقدس وعمل في حيفا ولجأ لدمشق ثانية عام ١٩٤٨ وأذكر يوم وفاته إذ كان في ١٩٨٠/١٠/١١م وحمل النعش إلى مقبرة الشهداء في المخيم بجنازة شعبية ورسمية حضرها أكثر قادة الفصائل الفلسطينية.

سعد صايل ١٩٨٢م:
أبو الوليد من قرية كفر قليل قضاء نابلس من أشهر قادة فتح رئيس هيئة أركان قوات منظمة التحرير استشهد أول أيام عيد الأضحى في طريقه لبعلبك بلبنان في ١٩٨٢/٩/٢٧م ونقل جثمانه لمستشفى المواساة ومن هناك شيع إلى مقبرة اليرموك القديمة حيث حضر تشييعه ياسر عرفات وأقيم له واجب العزاء ورجع في اليوم نفسه لتونس.

خليل الوزير ١٩٨٨م:
أبو جهاد القيادي في حركة فتح والذي اغتاله الموساد الصهيوني في تونس ١٩٨٨/٤/١٦م لم يشهد المخيم جنازة بحجم جنازته فاخترقت شوارع المخيم وقدرها البعض بالمليون وبعد ثلاثة أيام تمكن المرحوم ياسر عرفات من زيارة ضريحة وقراءة الفاتحة عن روحه.

فتحي الشقاقي ١٩٩٥م:
أبو إبراهيم الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي من مواليد ١٩٥١ درس الرياضيات في جامعة بير زيت ثم الطب في جامعة الزقازيق بالقاهرة عام ١٩٧٤م اعتقل عدة مرات في فلسطين ومصر وأخيراً استقر بدمشق ذهب إلى ليبيا بجواز سفر باسم إبراهيم الشاويش من أجل حل مشكلة الفلسطينيين العالقين على الحدود وعرج منها لمالطا حيث اغتيل هناك في ١٩٩٥/١٠/٢٧م وخرجت له جنازة حاشدة في مخيم اليرموك بحضور أغلب قادة الفصائل الفلسطينية ثم وري الثرى في مقبرة الشهداء الجديدة.

جهاد جبريل ٢٠٠٢م:
ابن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة اغتيل ببيروت في ٢٠٠٢/٥/٢٢م نقل إلى دمشق وشيع بمخيم اليرموك بجنازة مهيبة حيث صُلي عليه بجامع الوسيم ودفن بمقبرة الشهداء الجديدة قرب ضريح فتحي الشقاقي علما بأن حسن نصر الله حضر مناسبة ذكرى أربعين وفاته.

محمد زيدان ٢٠٠٤م:
أبو العباس الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ولد في طيرة حيفا عام ١٩٤٨ واستقر في مخيم اليرموك ومارس التدريس في مدارس مدينة دمشق منها مدرسة أحمد عرابي بالقاعة خلف جامع الماجد استقر به المقام أخيراً في بغداد وفي عام ٢٠٠٣ اعتقلته القوات الأمريكية وأعلن عن وفاته في ٢٠٠٤/٣/٨ ورفضت سلطات الاحتلال استقباله فنقل لدمشق حيث دفن في مقبرة المخيم في جنازة حاشدة.

عز الدين الشيخ خليل ٢٠٠٤م:
من مواليد حي الشجاعية بغزة عام ١٩٦٢ تخرج في كلية أصول الدين بغزة، سجن لدى قوات الاحتلال وأبعد عام ١٩٩٢ ضمن ٤١٥ عنصرا من حماس والجهاد الإسلامي، استقر في دمشق واغتيل في منطقة الزاهرة بالقرب من المخيم في ٢٠٠٤/٩/٢٦م حيث صلي عليه في جامع الوسيم ودفن في مقبرة الشهداء الجديدة في جنازة حافلة حضرها من قيادة حماس موسى أبو مرزوق وأسامة حمدان.

محمود المبحوح ٢٠١٠:
أبو العبد، القيادي في كتائب عز الدين القسام والمسؤول عن تزويد الكتائب بالسلاح والمعدات، سكن فترة طويلة في ساحة الريجة ولم نكن نعرف مهمته وعمله، اغتيل بدبي من قبل الموساد وأعوانهم في ٢٠١٠/١/١٩م ولكن الإعلام صرح وقتها بوفاته في جلطة إلا أن ضغوط حماس وإصرارها عن قول الحقيقة تم الكشف عن الجريمة بعد هروب جميع المتهمين الذين تم تصويرهم بكاميرات الفنادق، شيع أبو العبد إلى مخيم اليرموك بعد عشرة أيام من اغتياله حيث صُلي عليه في جامع الوسيم ووري الثرى في مقبرة الشهداء الجديدة بحضور رئيس المكتب السياسي للحركة وحشد كبير من المشيعيين.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٤)
تتمة ذكريات التعليم ١٩٧٩م
بعد أن تم تأهيلنا كمعلمي مادة التربية الرياضية تم تعييني في مدرسة «شكري العسلي» بالميدان في موقف أبي حبل بشارع كورنيش الميدان وهو بناء مستأجر منذ القديم، فوجئت منذ اليوم الأول أن طاقم المدرسة كله إناث بمن فيهن الأستاذة فريال الكيخيا مديرة المدرسة وأما الطلبة فكلهم ذكور.

كنت أعاني من عدم وجود ملاعب في المدرسة إذ كان المكان الوحيد للفسحة هو قبو المدرسة الذي لا يصلح بتاتاً للعب كرة القدم معشوقة الطلاب؛ فركزت قليلاً على ألعاب القوى والجنباز، وكنت أحياناً أذهب إلى ثانوية الكواكبي من أجل لعب كرة القدم لأنها أقرب مدرسة حديثة من مدرسة العسلي.

كنت أَصِل للمدرسة من المخيم إما سيراً على قدمي وإما متعلقاً بباص المخيم المزدحم دائماً، وكم كنت أعاني من الوحدة بهذه المدرسة فبالرغم من حقي في الجلوس في غرفة المدرسات إلا أنني كنت أفضل ألا أخوض في أحاديثهن ومشاكلهن فكنت في حصص الفراغ أو الفسح أخرج وأتمشى قرب المدرسة وأحياناً أجلس عند الآذن أبي عدنان.

كان الاعتماد عليّ في المدرسة في كل مهمة فلِمَ لا؟ وأنا الذكر الوحيد فجميع الرحل كنت مسؤولا عنها أراجع مديرية التربية عند نهر بردى من أجل الحصول الموافقة عليها وفعلا قمنا برحلات كثيرة منها رحلة لقصر العظم وثانية للغوطة وثالثة للساحل في اللاذقية ورابعة لمدرج بصرى والمزيريب وغيرها كما كنت صلة الوصل بين مدرستي وغيرها من المدارس المحيطة بنا، وكنت المسؤول عن المشتريات والطابور الصباحي وحتى شبهت نفسي بضابط أمن المدرسة أخوّف الطلاب الذين يسيؤون للمعلمات وهكذا.

وذات يوم من أيام ١٩٨٨م كان هناك انتخابات للمعلمين الفلسطينيين وفجأة صرنا موضع اهتمام الفصائل الفلسطينية، الكل يريد أن يكسب أصوات المدرسين والمدرسات المنسيين طوال العام وذلك من أجل صندوق الانتخابات فتم إغراؤنا بسندويشة ووسيلة مواصلات تقلنا لمدرسة صرفند وترجعنا للمدرسة من أجل التصويت لمرشحي الفصائل، وفعلاً حضر جارنا في المخيم وأقلني مع أربع مدرسات فلسطينيات إلى المكان المذكور وهناك كان التنافس بين فتح والديمقراطية والشعبية والقيادة العامة والصاعقة والنضال واقترعت لأول مرة في حياتي: فنسيت من اخترت كما نسيت أنهم أأعطوني السندويشة أم لا؟ ولكنني تذكرت أنهم لم يوصلونا إلى مدرستنا كما تم الاتفاق.

قضيت عاماً دراسياً جيداً بين الطلاب والألعاب الرياضية وما أن انتهى ذلك العام حتى قررت أن أعيد تقديم امتحان الثانوية العامة من أجل الدخول للجامعة وبالفعل درست قليلاً واختبرت مع الطلاب وصرت أذهب إلى بساتين المخيم للدراسة كغيري من أبناء المخيم ولم أنس يوم تعرفت على زميلي العصامي محمد موعد والذي كان يحمل ثانوية صناعية واليوم أصبح دكتوراً مميزاً في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، اقتربت الاختبارات وكان مركزنا في ثانوية اليرموك للبنين في صيف
١٩٧٩م وبعدها التحقت بمعسكر الطلائع في الزبداني وبما أنني كنت مدرسا للرياضة فقد كنت مسؤولا عن ألعاب طابور الصباح والتي تضم أكثر من ألفي طليعي وكان رمضان قد حلّ علينا ومن هناك قررت تسليم نفسي للالتحاق بخدمة العلم ولما انتهت مدة المعسكر لم أذهب للمخيم بل اتجهت إلى ساحة العباسيين قاصداً مركز انطلاق باصات «الهوب هوب» إلى حماة وكان وذلك في أواخر شهر تموز ١٩٧٩م.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٥)
انطلق الباص ظهراً من ساحة العباسيين وأظن أنني دفعت أربع ليرات سورية أو خمس للأجرة، وكان الجو شديد الحرارة، وأخذ العطش مني مأخذا وحدثتني نفسي أن آخذ بالرخصة إلا أن فكري لم يطاوع شهوة نفسي، وما بين العصر والمغرب كنت في حماة حيث كانت أختي مؤمنة التي تكبرني بعام والتي تسكن هناك مع زوجها الحموي وأولادها الستة، تناولت طعام الإفطار وفي اليوم التالي أحببت أن أودع الحياة المدنية بزيارة مدينة حلب لأنني لم أزرها في حياتي فذهبت إلى مركز انطلاق الحافلات وانطلقت من هناك وكنت بُعيد الظهر كما يقول الحلبيون في فسط حلب.

ومن هناك اتجهت إلى الجامع الأموي الكبير ودهشت منه فهو كالجامع الأموي في دمشق ولكن لم يتجاوز ربعه من حيث المساحة، رأيت مشايخ عميان يجلسون في فناء المسجد يأخذون فرنكات معدودة من أجل قراءة القرآن حيث يقصدهم أصحاب الحوائج ظانيين أنّ ببركتهم ستقضى حوائجهم؛،صليت العصر بالمسجد وتجولت فيه وتمتعت بآثار بني أمية وعظمتهم وتذكرت منبر صلاح الدين الذي خرج من هنا للمسجد الأقصى.

وعند خروجي من أحد الأبواب رأيت سوقاً تجارياً ضخماً فمشيت فيه خطوات معدودة فلفت انتباهي لوحة صغيرة كتب عليها «الجمعية الخيرية الفلسطينية» أخذتني الدهشة والحيرة وقلت في نفسي: ما علاقة الجمعية الخيرية الفلسطينية التي في مخيم اليرموك بحلب؟! وحتى لو كان لها فرع هنا فالأحرى أن يكون في أحد المخيمات.

أخذني حب الفضول للاقتراب أكثر فأكثر فإذا أنا أمام غرفة متواضعة كأنها جزء من خان قديم يجلس فيها شاب في مقتبل العمر أبيض البشرة مربوع القامة، سلمت عليه وسألته عن سر اللوحة !! أشار لي أن أجلس فجلست فشرح لي الأمر فعلمت أنها جمعية خاصة بالفلسطينيين ولا علاقة لها بجمعية المخيم وفهمت أنها تعنى بالطلاب الفلسطينيين الأيتام الذين يدرسون في مدينة حلب. تبادلنا أطراف الحديث وعلمت أنه من قرية الجش قضاء صفد وعرفت أنّ اسمه محمدا وأظنه من عائلة الخليلي؛ وأصر أن أصحبه لمخيم النيرب ضيفاً على الفطور عنده والمبيت هناك، لم أتردد كثيراً لأن النفس تواقة لزيارة هذا المخيم.

خرجنا من مقر الجمعية واتجهنا إلى موقف الباصات فركبنا باصاً ثم نزلنا منه وأخذنا باصاً آخر وقبل المغيب بقليل كنا في مخيم النيرب نظرت إلى المخيم فظننته كمخيم اليرموك ولكن ظني باء بالفشل فإذا هو مخيم بالفعل ذو بيوت متواضعة ودكاكين فقيرة، وشوارع غير مسفلتة لا يميزه إلا مدارس الأونروا، دخلت منزله فإذا به يسكن وحيداً لأنه يتيمٌ، وسرعان ما أحضر طعاماً وماء وتمراً كان على مائدة الإفطار، وبعد الإفطار أخذني بجولة سريعة لتعريفي بالمخيم وأهله وعرفني بعائلة أبو دهيس اللوبانية وغيرها ثم عدنا للنوم وبعد السحور وشروق الشمس ودعنا المخيم فذهبنا إلى قلب حلب وهناك شكرته على الاستضافة وقبل أن أودعه تمنيت منه أن يزورني في مخيم اليرموك فوعدني خيراً.

قمت بجولة في أسواق المدينة وعند الظهيرة كنت قي قلعة حلب التي بهرت بها وبروعة تصميمها وبنائها فقمت بجولة متعت عينيَّ بماضٍ عريق وحضارة شهد بها الأعداء: يوم كنا أسياد العالم وأسوده؛ وعند استراحتي على ظهر القلعة على أحد المقاعد جلس بجانبي شاب أسمر البشرة نحيفاً فتجاذبنا أطراف الحديث فقلت له: هلا تعرفني على نفسك؟ فقال: فلسطيني من الشام سألته: من أين المناطق بالشام: قال: من مخيم اليرموك!! قلت: من أين؟ قال: من شارع اليرموك! قلت: ومن أي مكان؟ قال: هل تعرف أزهار الحسن؟ قلت: طبعاً وأعرف صاحبها الحاج سليمان الحسن؛ قال: أنا زهير بن سليمان الحسن!! وفعلاً غدا زهير الحسن من أصدقائي وجمعتنا مهنة التعليم بعدها في مدارس قريبة من المخيم.

ودعت زهيراً وحلباً وأسواقها وقلعتها ورجعت لحماة عند بيت أختي أم عبد الرحمن لأبيت عندها ليلة من أجل الانطلاق لمصياف في يوم الغد مودعاً الحياة المدنية ومستقبلاً الحياة العسكرية.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:03 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٦)
أم نضال فرحات في مخيم اليرموك. ٢٠٠٥م
أمرر هذه الحلقة بمناسبة مرور عام على استشهاد مريم فرحات (أم نضال) ففي ٢٠١٣/٣/١٧م توفيت أم نضال في قطاع غزة بعد صراع مرير مع المرض وقبلها صراع أدهى وأمر مع قوات الاحتلال الصهيوني.

فأحببت أن تكون هذه الحلقة وفاء لذكراها حيث أنها زارت مخيم اليرموك وألقت كلمة في النادي العربي الفلسطيني في أواخر عام ٢٠٠٥م حيثُ شهدتُ الحفل ووعيت كلمتها وكم كنت أتمنى أن أقترب منها لأقبل رأسها ولكن حشود نساء اليرموك التي أحاطت بها حالت دون ذلك.

ولمن لا يعرف أم نضال فهاكم سيرتها العطرة:

إنها مريم فرحات (أم نضال فرحات) والاسم قبل الزواج مريم محيسن خنساء فِلَسْطين، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عام ٢٠٠٦.

تفوقت مريم في دراستها، وواصلت حتى تزوجت بفتحي فرحات (أبو نضال)، وكان ذلك في بداية الثانوية العامة، حيث درست في ثانوية الزهراء بغزة، وقدمت الامتحانات الثانوية وهي حامل بمولودها الأول، وحصلت على ٨٠%.

لماذا سميت بخنساء فلسطين ؟ لأنها قَدَّمَت ثلاثة من أبنائها وصهرها فداء لفلسطين وترابها كما قدمت تماضر بنت عمرو الخنساء أربعة من أبنائها في معركة اليرموك بين المسلمين والروم، وأبناء أم نضال فرحات هم: محمد ٢٠٠٢م نضال ٢٠٠٣م ورواد ٢٠٠٦م، وأما صهرها وهو زوج ابنتها إنعام، هو الشهيد عماد عباس رحمهم الله جميعاً، وتم أسر ولدها وسام لمدة ثلاثة عشر عاماً.

وتعرضت أم نضال للاغتيال أكثر من مرة؛ حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية منزلها خمس مرات والأشهر كان في عام ٢٠٠٦م الكائن بحي الشجاعية حيث كان بيتها ملجأً للأبطال الذين أذاقوا قوات الاحتلال مرارة الهزيمة ومن هؤلاء الأبطال الشهيد عماد عقل حيث كانت أم نضال توفر له من بيتها ملجأ حين يشتد البحث عنه.

كشف مؤمن فرحات نجل أم نضال فرحات، أن والدته شاركت عناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، في عملية إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، أن والدته شاركت في معركتي «الفرقان» و«حجارة السجيل» بقصف المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقذائف الصاروخية من القطاع، وأوضح أن من ضمن المستوطنات التي شاركت والدته في قصفها، كانت مستوطنة «نتيفوت» خلال معركة "الفرقان" عام ٢٠٠٨م إضافة إلى صاروخ على مدينة تل الربيع في معركة «حجارة السجيل» في منتصف نوفمبر الماضي.

وفي مساء يوم ٢٠٠٥/١٢/٣٠م وفي جو شتوي بارد وتحت خيمة كبيرة نصبت في النادي العربي الفلسطيني على شارع فلسطين قرب البلدية وفي أول احتفال علني لحركة حماس فوجئ الناس بخنساء فلسطين أم نضال حيث ألقت كلمة جهادية أوصت فيها أبناء فلسطين على متابعة الجهاد والنضال وبينت فيها دور المرأة الفلسطينية في تربية أولادها التربية الجهادية حتى ينشؤوا على حب فلسطين والجهاد وكره المحتل وضربت من التاريخ أمثلة كثيرة كما استشهدت بنساء قدمن فلذات أكبادهن عربون محبة لفلسطين والأقصى والقدس وقد حازت الكلمة إعجاب الحضور ولم تنس نساء اليرموك يومها أم نضال فاحتضنونها وأكرموها خير إكرام وقد ألقى خالد مشعل كلمة بعدها وأعقبه الشهيد نزار ريان بكلمة نارية حثت على الجهاد والاستشهاد.

انتهى الاحتفال في برد ذلك اليوم وغادرت أم نضال مخيم اليرموك لكن سيرتها وصدى شخصيتها لم تغادر المخيم فكانت حديث الأُسَر حول المدافئ، وحديث الشباب في الشوارع والمقاهي، وحديث الفتيات في مدارسهن وتذكروا المرأة التي شاهدوها في ربيع ٢٠٠٢م على شاشات التلفزة وهي تودع ابنها ذا التسعة عشر ربيعاً ليكون بطل عملية مستوطنة «عتصمونا» في قطاع غزة والتي أودت سبعة من حراسها الصهاينة مع عشرات الجرحى لا عافاهم الله، وسلم الشهيد روحه لبارئها بعد أن نفذت ذخيرته، تذكر أهل المخيم المرأة الحديدية التي ودعته ابنها محمداً وهي توصيه بالثبات إنها تشبه المرأة التي ألقت كلمتها مساء اليوم في النادي العربي وما بين رد ونقاش وتشبيه وذكرى عابرة تأكدوا أنها هي خنساء فلسطين وغدت حديث المتعطشين للجهاد في فلسطين.

كانت عملية في منتهى البطولة والروعة، أفقدت قوات الاحتلال صوابه وصار بعدها التفكير جديا بترك غزة ومستوطناتها ويدعون الله أن يبتلعها البحر.

رحمكِ الله يا أم نضال وجمعك مع أولادك الشهداء في عليين ومع الصحابة والأنبياء وكل من قدم روحه من أجل فلسطين والحرية والعدالة وحسن أولئك رفيقاً.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٧)
ذكريات ــ الوالدة رحمها الله ــ في عيد الأم
رحمكِ الله يا أمي فها أنا ومنذ أكثر من أربعين عاماً لم أستطع أن أقول لك كل عام وأنت بخير وحتى قبل عام ١٩٧٣م؛ أي قبل وفاتك لم أقلها لك لأن هذه المناسبة لم تكن منتشرة في مخيمنا بعد فلم نكن نعرف من الأعياد إلا عيدي الفطر والأضحى وطبعاً وعد بلفور وتقسيم فلسطين ودير ياسين ونكسة حزيران وغيرها من ذكرى المآسي والأحزان.

رحلتِ في عزِّ شبابك ولم تكوني قد بلغت عامك الخامس والأربعين بعد، ولكنني وأنا أستعرض ذكرياتك أحسب أنك عشت قرناً أو قرنين من الزمان بحساب نساء يومنا هذا، فقد هاجرت من لوبية يوم كان عمرك عشرين عاماً وأنت تحملين صغيرتك سميحة بين يديك ابنة العامين وكما كنت تحملين جنيناً بين أحشائك ما لبث أن أسفر هذا الحمل عن سميح في بركسات بعلبك دون أن يرى أباه لأنه في المعارك مع اليهود، ولم يره إلا بعد أشهر من المعاناة.

انتقلتم إلى دمشق ــ ونعم الرأي ــ وسكنتم في جامع الخليلي قرب سوق الهال مع ثلة من عائلات اللاجئين فصبرت واحتسبت ولم تنس ود جيرانك الشوام فأذكر مرة أنك اصطحبتيني وأنا ابن تسع سنوات لسوق الهال فأحببتِ أنْ تطمئني عن جيرانك من عشرين عاماً أذكر جيداً أم كامل صنوفة وبناتها وكناتها وهن يسألنك عن الحجة أم محمود وأم إبراهيم وغيرهن من نساء المخيم، أذكر جيداً حديث الود بينكن وكأنكن أخوات وشقيقات.

رحلت إلى جوبر في بداية الخمسينيات وهناك رُزقت بفاطمة ومحمدٍ ولم أدرِ ما عانيتِ هناك ولكنني علمت فيما بعد أن كلّ النسوة الفلسطينيات عانين شظف الحياة وكدرها.

يبدو أنه لم يطب لكم المقام في جوبر فقد تبددت أحلامكم في العودة لفلسطين كما قالوا: شهرٌ أو شهران!! وقد مرّ أكثر من خمسة أعوام وأنتم تنظرون العودة!! لذا لابد من الاستقرار في مكان يجمع المآسي والأحلام وأيضا مع أبناء البلد حتى تتوزع المآسي ليكون وقعها أخف على الجميع.

وهناك في مخيم اليرموك بدأت مسيرة العناء والشقاء حيث وزعوا لكل لاجئ أربعين متراً وبعض مواد البناء البسيطة من أجل بناء قن يأويه، يومها لم يكن بالمخيم كهرباء ولا ماء، ولو أن التيار الكهربائي هرع قبل الماء فقد كنتم تتمنون الماء أولاً لأن الكهرباء لا لزوم لها كيومنا هذا فلا ثلاجات ولا غسالات ولا تلفزيونات ولا هم يحزنون، وحتى اللمبة الوحيدة كانت تطفأ قبل العشاء: ليهجع الجميع إلى فراشهم البسيط: ليصحوا مبكرين ليسعوا في مناكبها، وهناك في الحارة تنقلتم من بيت لبيت حتى أدركتكِ في بيت كبير سقفه من الباطون.

يرحمكِ الله يا أمي، كيف كنت تلحقين علينا فنحن عشرة أولاد هل كنتم تتبارون مع الجيران في مسابقة الخلفة؟ فهناك وفي بيوت مؤسسة اللاجئين بالمخيم أنجبتِ أختي مؤمنة التي تكبرني بعام، وأنا العبد الفقير،ومنيرة، وكاملة، وآمنة، وهدى، غير الأربعة الذين رحلوا وهم أبناء أيام.

وأنا أي العبد الفقير ولدت هناك عام ١٩٥٧ في حي جامع الرجولة الذي لم يكُ قد بني بعد ومنذ أن وعيت على الدنيا وأنا أذكر عناءك: أذكر جيداً اهتمامك بنا وبالبيت، أذكر أنني كنت أرافقك للقاعة من أجل جلب الماء وذلك قبل أن نحفر البير بالبيت، أذكر مرافقتك كل أسبوع لسوق الهال من أجل شراء الخضار والخميرة والزيت الذي كنت تبتاعينه من تاجر فلسطيني من عيلوط من بيت أبو راس، يوم كنا نحمل الشناتي الثقيلة ونمشي بها من سوق الهال القديم إلى قرب مقهى الحجاز حيث كان هناك موقف باصات المخيم.

عشرة أولاد في البيت ومع الوالدين اثنا عشر نفراً، فكم يحتاج هؤلاء إلى عناية في المأكل والمشرب والملبس آهٍ كم تعبتِ وتعب جيلك حيث يبدأ يومكن من الفجر في إعداد العجين من طحين الأونروا، وبعدها يبدأ تحضير الفطور والجلي بالماء البارد ثم العودة للعجين لتقطيعه ورقه بالشوبك ووضعه على الطبق لإرساله للفرن، وبعدها غسيل الملابس يوميا على الأيادي والنشر على السطح، وهل تذكرون بابور الكاز؟ حيث كنا نعد الطعام عليه وكم مرة يحرد ولا تنفع معه النكاشات فنأخذه عند أبي العبد السنكري ويتأخر طعام الغداء لأكثر من ساعة.

 يرحمك الله يا أمي ولعل الله يكرمك عنده بسبب اهتمامك بنظافة مسجد الرجولة حيث كنت مع جدتي ونساء أعمامي وجاراتنا تساهمن في كنس وشطف المسجد كلما اتسخ لوجه الله تعالى.

 أذكر جيداً مواسم تخزين الأطعمة فما أن ينتهي موسم حتى يطل أخوه فمن موسم مربى المشمش إلى الزيتون إلى رب البندورة إلى المكدوس إلى الملوخية ورحلة لا تنتهي من أجل إطعام أفواه أطفال لتوفير بعض النقود.

كما أنني أذكر مواسم الحصاد الذي كان ينالنا منها القش، نعم القش الذي يتخلص منه الحصادون بالحرق كنت يا أمي وطبعا أغلب نساء المخيم تذهبن إلى بساتين المخيم الغربية حيث تبدو لنا محطة القدم للقطارات ومن هناك كنَّ وكنتُ نحمل أكوام القش وجلبها للبيوت من أجعل صنع الأطباق الكبيرة لوضع أرغفة العجين عليها قبل إرسالها لفرن الحصري أو فرن أبي عوض كما كنّٓ يصنعن الحلل والأواني القشية بأشكالها المتعددة.

ولم أنسَ موسم الخريف ففي نهايته تبدأ رحلة الصوف والسنارة من أجل صنع كنزة لي جاكيتا لأخي أو شالا لأختي أو جوارب لأبي ولم تكن المهمة سهلة بل شاقة وتحتاج لصبر ومثابرة قلما يقمن بها نساء اليوم فربما يكن معذورات بسبب انتشار الفيس بك والواتس أب الذي يقطع الوقت بسرعة البرق.

ماذا أذكر في رحلة العذاب هذه رحلة الشقاء والتشرد رحلة الأمهات اللواتي صنعن رجالا فتعلموا وعملوا وبنوا مخيما صار عاصمة الشتات ولما صار، كان يا ما كان.

لم أنس يوم ١٩٧٣/٦/١١م يوم رحلت عن الدنيا بعد أن أديتِ فريضة الحج التي كنت تواقة لها، رحلت تاركة وراءك أكواما من اللحم كما يقولون، لم نعرف قيمتك جيداً إلا بعد رحيلك عنا؛ رحلت مبكرا قبل أن تمتعي عينيك بأولادك وأحفادك رحلت قبل أن يلتحق المخيم بغيره من المناطق الراقية والتي تحتفي بعيد الأم حيث يهرع الناس فيه لمحلات الورود والهدايا لإكرام أمهاتهم بهدية تليق بها: ولكننا تعلمنا منك أن الميت لا ينفعه إلا صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد يدعو له وأتمنى أن أكون ممن ينفع والديه بدعائه لهما.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٨)
نساء من مخيم اليرموك (١)
بعد أن كتبتُ عدة حلقات عن شخصيات مشهورة من مخيم اليرموك وكانوا جميعاً من الرجال ففكرت قليلاً لمَ لا أكتب عن بعض النسوة اللواتي كن رجالاً بمعنى الكلمة من حيث التربية والعلم والنضال والجهاد وعصرت ذاكرتي لأذكرهنّ فتذكرت بعضهن وهنّ:

ابتسام الصمادي :
شاعرة وعضو مجلس الشعب سابقاً، مديرة مدارس السمو في المخيم وصحنايا، سورية الجنسية من محافظة درعا لكنها أم لسمو وأخوته الفلسطينيين حيث تأهلت من جهاد الصعبي وسكنت المخيم منذ ثلث قرن، أصدرت عدة دوواوين شعرية، إذ تهتم بالشعر والأدب تخرجت في جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية وتابعت دراستها العليا، حيث عينت مدرسة بالجامعة، كان لها صالون أدبي في مدرستها بالمخيم يجتمع به أهل الفكر والشعر والأدب قبل كارثة المخيم، أعرفها ولكنني أعرف المرحوم أباها أبا ماجد أكثر حيث أبهرني كما يبهر الجميع حين يحدثك عن فلسطين وميناء حيفا ومغامراته الرجولية هناك.

آمنة قاسم العيساوي:
جدتي أم محمود يرحمها الله من مواليد طرعان حسب ما كنت أقرأ في بطاقة المؤسسة ١٨٩٩م ولكنها كانت تقول: هم كبروها مشان الإعاشة، منذ وعيت على الدنيا وهي معنا تساعد أولادها وبناتها بالتخطيط والتنظيم والنصح والإرشاد حريصة على مستوى أولادها وأحفادها تفرح لفرحنا وتحزن لحزننا، كنا نلجأ إليها في الأوقات العصيبة لتحمينا من علقة الوالد فنشعر حينها بالأمن والأمان، كان عندها حس سياسي ورؤية واعية، أذكر في أوائل السبعينات يوم افتتح عماي أبو يوسف وأبو إبراهيم محلاً لبيع الدجاج بشارع لوبية فكتب الخطاط لوحة: مدجنة الجليل وعلى طرف اليسار أبو يوسف إخوان، فاعترضت جدتي أم محمود على هذه العبارة وخشيت على ابنها وابن زوجها بقولها: «ولكو يا مشحرين هلأ بفكروكو إخوان مسلمين»، تكفلت بتربية ابن عمي وليداً بعد أن توفيت أمه أثناء الولادة فكان شغلها الشاغل حتى توفاها الله عام ١٩٨٦م.

بديعة محمد أديب الجغليط:
أم عبد الله البرقاوي من مواليد يافا ١٩١٩م تعلمت في مدارس يافا وتخرجت في دار المعلمات في القدس عام ١٩٣٨م لجأت إلى نوى بمحافظة درعا عام ١٩٤٨م مع زوجها نسيم البرقاوي وصارت مديرة مدرستها ثم استقرت في مخيم اليرموك واستلمت إدارة مدرسة أسماء العامرية بالشارع المتفرع من شارع لوبية إلى عيادة الدكتور فتحي حمادة ربت أجيالا عديدة كما ربت أبناء عرفوا بحبهم للعلم وفلسطين منهم عبد الله ودكتور الفلسفلة المفكر أحمد وطبيب الأسنان حسام، بقيت تحن ليافا وفلسطين حتى وفاتها عام ١٩٨٨ وشهد لها المخيم جنازة مشهودة.

بوران الخضراء:
ابنة الزعيم صبحي بيك الخضراء والذي كان من مؤسسي حزب الاستقلال والمناضل المعروف وأول رئيس لمؤسسة اللاجئين الفلسطينيين بدمشق، وأخت الشاعرة الأديبة سلمى الخضراء الجيوسي، عملت بوران مديرة لمدرسة الفالوجة للبنات من ستينات القرن الماضي في شارع فؤاد حجازي الواصل بين شارعي فلسطين واليرموك قرب مستوصف الخامس، وكانت تتمتع بشخصية قوية وتربية وطنية أثرت في طالباتها من بنات المخيم.

عائدة الحاج:
أم عمار، عائدة بنت جمال الحاج حفيدة زعيم حيفا ورئيس بلديتها عبد الرحمن الحاج يرحمه الله والذي ما زال يحمل اسمه شارعا في حيفا، زوجة الأستاذ أحمد القاضي من صفد خريجة دار المعلمات بدمشق ثم كلية الآداب قسم التاريخ أولادها لينا خريجة تجارة و مقيمة في عمان، لميس خريجة تاريخ مقيمة في جدة. لبنى خريجة معهد فنون مقيمة في عمان. نور خريجة تجارة مقيمة في الولايات المتحدة وعبد القادر (عمار) طبيب النسائية المعروف في ساحة الريجة، كانت الأستاذة عائدة مديرة ثانوية اليرموك للبنات لسنوات عديدة وتركتها بعد أن تركت أثرا طيبا لدى طالباتها ومعلماتها.

إلى اللقاء في حلقة أخرى عن نساء المخيم بانتظار تذكيري بأسمائهن وسيرتهن فلا تبخلوا عليّ.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٥٩)
الشيخ أحمد ياسين في مخيم اليرموك
يصادف اليوم ٢٠١٤/٠٣/٢٢م الذكرى العاشرة لاغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين ففي مثل هذا اليوم أغارت طائرات الأباتشي الإسرائيلية على موكب الشيخ المقعد وهو عائد من صلاة الفجر.

 تذكرت أن الشيخ زار دمشق لستة أيام والتقى مع أهله وأحبته في مخيم اليرموك فأحببت أن أكتب عنه ما يليق بذكراه وأكتب عن زيارته التي ما شاهدتها حيث كنت مدرسا في الرياض ولكنني سمعت عنها إذ كان لها وقعاً كبيراً إلى يومنا هذا على أهل المخيم.

لقد عرف الناس الشيخ في قطاع غزة منذ عقود طويلة، عرفه الصغير والكبير، والصديق والعدو، لقد استولى على قلوب الناس بأسلحة الحبِّ القوية، لقد فرض احترامه على الجميع بقوانين العدل والهمة العالية، لم يترك أهله في محنهم الشديدة، ساعد الجميع بكل ما استطاع من قوة، أسَّس البنية التحتية لأهل قطاع غزة، ساهم في إنشاء الجمعيات الخيرية التي كانت تواسي آلاف العائلات المشردة، فتح المشافي والمدارس والصيدليات ومشاغل الخياطة، وافتتح دوراً لحضانة الأطفال ومدارس عديدة، وحتى الجامعة الإسلامية، كان من مؤسسيها، ورعى الأرامل والأيتام، لقد أحبه الشعب الفلسطيني بقلبه وعقله ووجدانه، وكيف لا يحبُّ من لا يضمد جراحه في مآسيه الكثيرة.

وقد أزعج نشاطه السلطات الإسرائيلية فاعتقلته عام 1982م، ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة، وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، لكنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985م في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «القيادة العامة».

عاش الشيخ في غزة معلماً ومرشداً ومصلحاً وقاضياً، يفض النزاع بين الناس بالحق والعدل كانت أحكامه ــ في أغلب الأحيان ــ مبرمة، غير قابلة للطعن أو الاستئناف؛ لأن المتخاصمين رضوا بحكمه، وذلك قبل قدوم السلطة وبعدها.

اعتقل مرة ثانية بعد الانتفاضة عام ١٩٨٩م وحكم عليه بالمؤبد بالإضافة إلى خمسة عشر عاماً ألا أنه وبعد المحاولة الفاشلة في اغتيال خالد مشعل عام ١٩٩٧م تم الإفراج عنه في صفقة دولية شاركت بها عدة دول عربية وإقليمية.

وبالرغم من اختلافه مع السلطة الفلسطينية التي كانت في غزة إلا أنه كان يفشل خطط الصهاينة وأعوانهم فقد كان بحنكة السياسي المجرب يسدد ويقارب لا يخون ولا يندفع بل كان حريصا على الدم الفلسطيني أشد الحرص لذا فقد احترمه المخلصون والصادقون من كل الأطراف ومن جميع الفصائل: بل أحبوه، كان ــ رحمه الله ــ صِمام أمان للوحدة الوطنية؛ حرَّم الاقتتال بين الفلسطينيين تحت أي ظرف من الظروف، كان حليماً تحمَّل كثيراً من التصرفات الحمقاء والقرارات الجائرة التي اتخذت بحقه من قبل ذوي القربى، تحمل ذلك وصرَّح أكثر من مرة بأنه لا يريد أن يفرِّح أعداءنا بإراقة دمائنا، وكثيراً ما كان يردد الآية الكريمة ﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [المائدة].

بهذه الأخلاق الرفيعة والأفعال الحميدة وصل الشيخ إلى الناس فأحبهم وأحبوه.

كانت زيارته لدمشق ومخيم اليرموك في منتصف شهر أيار من عام ١٩٩٨م فبعد أن أدى الشيخ فريضة الحج أحب أن يقوم بجولة علاجية وسياسية؛ وبعدها اجتمع مع المسؤولين السعوديين ثم أحب أن يزور بعض العواصم العربية والإسلامية من أجل إطلاع الحكومات والشعوب على خططه لمقاومة سلطات الاحتلال ومن أجل حشد التأييد الحكومي والشعبي لمقاومة شعبنا في غزة وغيرها. فكانت رحلته لدمشق والدوحة والإمارات والكويت وصنعاء والخرطوم وطهران علماً أن هناك بعض العواصم العربية اعتذرت عن استقباله!!

في جولته على دمشق كان في استقباله عصام القاضي زعيم منظمة الصاعقة ممثلاً عن الرئيس السوري مع معظم قادة الفصائل الفلسطينية وبعد الاستراحة في فندق المرديان عقد اجتماعاً مع بعض قادة الفصائل ثم أعقبه بمؤتمر صحفي بين فيه ما تم تداوله خلال الاجتماع وموقف حماس من الهدنة والسلطة وفتح وغيرها من القضايا التي كان شغل الناس والصحافة والمسؤولين يومها، وفي اليوم التالي اجتمع مع عدد من المسؤولين السوريين كان في مقدمتهم الرئيس حافظ الأسد وبعد لقاءات المسؤولين السوريين زار مجمع النور والتقى بالشيخ أحمد كفتارو وبعدد من العلماء هناك.

 

وكان حريصاً على لقاء شعبه وأهله فزار مخيم اليرموك وكانت الألوف المؤلفة بانتظاره في ملعب اليرموك الكبير في المدينة الرياضية حيث ألقى كلمة بين الحشود الغفيرة وحثهم على الثبات والصمود ولم ينس شهداء فلسطين ومن هناك بشّر الحضور بزوال دولة إسرائيل في القريب العاجل، وسرعان ما توجه لمقبرتي الشهداء، وهناك قرأ الفاتحة على أضرحة الشهداء ودعا لهم بالثبات ووقف أمام قبر الدكتور فتحي الشقاقي الذي دفن هناك ثم التقى مع زوجته. ثم غادر دمشق مكملا رحلته وبعدها عاد إلى غزة عن طريق مصر حيث أصدر الرئيس مبارك تعليمات تقضي بترحيله مباشرة من مطار القاهرة لمعبر رفح دون أن يتمكن من لقاء أحد!!

 وظل الشيخ وفياً لمخيم اليرموك ففي الشهر الأول من عام ٢٠٠٠م أقامت حركة حماس مهرجاناً خطابياً في سينما النجوم بمناسبة الذكرى الرابعة لاغتيال الشهيد يحيى عياش ومن هناك خاطب الشيخ أحمد ياسين الحاضرين في المخيم بكلمة مسجلة أكد فيها "حق الشعب الفلسطيني في المقاومة حتى تحرير الأرض رافضاً اتفاقات التسوية" التي "تجاوزت شعبنا". كما شدد على أن «حماس ماضية في طريقها الجهادي المقاوم غير مبالية بالعقبات التي تواجهها».

يرحمك الله يا شيخ الانتفاضة ورحم من سار على دربك.

يتبع......

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٠)
خدمة العلم ١٩٧٩م
بعد أن رجعت من زيارة حلب مررت على شقيقتي في حماة وبت ليلة وفي صباح الثاني من شهر آب من عام ١٩٧٩م والموافق لليوم الثامن من رمضان من عام ١٣٩٩هـ صحوت مبكراً متجهاً لكراج مصياف حيث ركبت من هناك لمركز التدريب في مصياف، ومصياف اسم على مسمى منطقة سياحية تقع إلى الجنوب الغربي من حماة وعلى بعد حوالي خمسين كيلا منها جوها معتدل وهواؤها منعش ولكنه شديد في أغلب الأيام فيها قلعة قديمة استعصت على صلاح الدين الأيوبي لقوتها.

نزلت في وسط البلد فشاهدت بيوتها الجميلة وتلالها العديدة وعلى البعد من الاتجاهات كلها تقبع قرى صغيرة بين الأشجار والخضرة النضرة، وأخيراً وصلت لمعسكر التدريب حيث سلمت هويتي المدنية للذاتية وكان يومها المسؤول عنها المساعد خير الدين القاضي يرحمه الله وهو كما علمت الكل بالكل في المعسكر وهو من صفد يسكن في حمص، وبعد ذلك أرسلوني للحلاق حيث أطاح بشعري الطويل ولم يبق منه إلا ما لمسته اليد وعجزت عنه ماكينة الحلاقة، وأعطوني بدلة عسكرية ارتديتها وقد كانت كبيرة عليّ فلما طالبت بأصغر منها صُرخ عليّ: يلا عسكرية دبّر حالك، وبعد ذلك أعطوني رقماً ما زلت أذكره (٦٢٦٦٨) وكتبوه على لوح صغير وطلبوا مني أن أرفعه أمام صدري لالتقاط صورة لي طبعا ليست صورة تذكارية!!

بعدها أشاروا عليّ أن أخرج فخرجت للساحة حيث ألحقوني بمجموعة وصلت مثلي حديثاً تتعلم النظام المنضم وهذه العبارة الأخيرة مفردة من مفردات الجيش التي تعلمتها مثل: سحب، سوق، سخرة، رقصة روسية، زحف، انتبه، تهيأ، مسير، حقل رمي ...إلخ وبعد أن أخذنا الدرس الأول في النظام المنضم عملياً صرخ علينا المدرب: منبطحاً فامتثلت للأوامر كغيري، ثم صرخ علينا: زاحفاً، نظرت حولي فإذا مَنْ حولي يزحفون فامتثلت للأمر لكنني تذكرت قبل أسبوع كيف كان تحت إمرتي ألف طليعي في معسكر الزبداني يمتثلون لتدريباتي الرياضية الصباحية، وها أنا الآن أزحف على مرفقيّ جارّاً جسماً هزيلاً أنهكه التعب بين الغبار والعفار، ولو علم الطليعيون ما حلّ بمدربهم لقضوا يومهم ضحكاً وسروراً وربما شماتة.

المهم انتهى تدريب اليوم الأول بعد أن فرزوني لإحدى السرايا والمهاجع أسرعت إلى المهجع وعرفت سريري فألقيت بجسدي المنهك عليه دون تفكير، وصرت أحسب أن يوماً سينقضي من ألف يوم مما يعد المجندون، ولما اقتربت الشمس من المغيب سمعت صوت منادٍ ينادي: انتباه، الجميع استعداداً للمطعم!!

اصطففنا وسرنا بطابور نحو المطعم وعلى بابه كان الفرز الذي أدهشني: الصائمون على طاولات صف اليمين والمفطرون على الباقي، وبما أنني كنت صائماً ــ على ما اعتقد ــ فقد وقفت مع الواقفين حول طاولات الصائمين وأذكر أن الصائمين كانوا أقل من ربع المجموع، وكان طعامهم بلغة الجيش محسّنا؛ أي: فيه اهتمام أكثر من حيث النوع والكمية، اكتمل الجنود واقفين حول الطاولات والكل ينتظر الإذن بالمباشرة، وتأخر الآمر دقائق عديدة لقد كان كل لحظة ينظر إلى ساعته، وفجأة صرخ بأعلى صوته: (انتباه الصايم... باشر طعام) عندها تحول الهدوء إلى جلبة وساعتها ولأول مرة شعرت بالتمييز الإيجابي، ولكن نظرات الجنود الآخرين أخذت تلاحق ملاعقنا وما حملته من طعام أشهى مما سيتناولونه، وفي خضم طرق الملاعق والصحون سمعنا صوتاً آخر: انتبه... فسكت الجميع ورجعت أيادي الصائمين بما تحمله إلى القصعة، ووقف المضغ والبلع، وكأن الجميع على رؤوسهم الطير... فجأة قال: الجميع باشر طعام، فاختلطت قرقعة الصحون مع الملاعق في موسيقا صاخبة لا يقدرها إلا الجائعون.

وعلمت فيما بعد أن برنامج مدرسة التدريب في الطعام ثلاث وجبات وأما في رمضان فوجبتان فقط واحدة على السحور والأخرى على أذان المغرب وذلك احتراماً لشعور الصائمين.

بدأنا باقي أيام دورة الأغرار في تدريب مستمر يشمل الرياضة الصباحية والنظام المنضم وفك وتركيب الكلاشنكوف وغيرها من الأسلحة والمسير والرمي في حقل الرمي والدروس التعبوية وغيرها.

وهناك رأيت معظم أصدقائي من المخيم وممن كانوا معي في دار المعلمين ومعظمهم أصبحوا رقباء بمهمة «معلم صاعقة» منهم سمير فاخوري وسليم الماضي وعدنان موسى والمرحوم مصطفى البحطيطي وغيرهم وأما الذي لا أنساه فالملازم الجامعي وليد شبيب الذي كان ولا أروع ولا أنقى وأصفى!! يرحمه الله.

ومن الأحداث التي لا أنساها أنه وصلتنا جريدة الناجحين في شهادة البكالوريا وبما أنني قد قدمت اختباراً فأسرعت للجريدة وفرحت لما علمت بنجاحي، وقد سألت من هم أقدم مني: هل بإمكاني أخذ إجازة والنزول لدمشق للتسجيل بالجامعة فكان ردهم: من المستحيل أن يمنح المجند إجازة في دورة الأغرار!! لم أيأس ففي يوم الجمعة إذ كانت العادة في المعسكر أنهم يوصلون من أراد صلاة الجمعة في مسجد مصياف بسيارات الجيش البعيد أكثر من كيلين، فكنت منهم ومن حسن حظي أن قائد المعسكر من بيت كساب كان يجلس على يميني فلما قضيت الصلاة، صافحته وأبلغته طلبي فقال لي: قدم لي غداً طلباً بذلك، فعلاً في صباح السبت قدمت طلباً وفوجئت عند الساعة الثانية ظهرا الموافقة على طلبي ومنحي إجازة لمدة ٤٨ ساعة!!

 سرعان ما جهزت نفسي في وسط دهشة كل من بالمعسكر من مجندين وصف ضباط وضباط وقولهم: كيف يأخذ غرٌ إجازة؟ والغرّ باللغة العربية معناها البياض وأما بلغة الجيش فتعني المجند الجديد الغشيم والذي عليه أن يقوم بكل الأعباء المطلوبة منه دون اعتراض، وفي الثانية والربع خرجت إلى مصياف ومن مصياف إلى حمص ومن حمص إلى مخيم اليرموك ومع موعد الإفطار كان موعدي مع أهلي بهيئتي الجديدة والغريبة، وفعلا في اليوم التالي قصدت جامعة دمشق وفي قسم شؤون الطلاب مقابل كلية الحقوق سجلت في قسم اللغة العربية.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:05 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٦١)
تتمة خدمة العلم
رجعت لمصياف في اليوم التالي وأنا في غاية السرور وتابعت تدريباتي في دورة الأغرار وقبل عيد الفطر بيوم منحوا الدورة كلها إجازة لمدة أربعة أيام، يومها كنا في غاية السرور وقد أحضروا الباصات لتقلنا لدمشق ودفع كل واحد على ما أذكر ست ليرات سورية وقد تأخرت عدة ساعات للانطلاق لأن حريقاً كبيراً شبّ في جبال مصياف فأرسلونا هناك للمساهمة في إطفائه، ولما وصلنا هناك عجزنا عن اقتحام غابات النيران الملتهبة فمثل هذه حرائق لا يطفئها إلا طيران الهليوكبتر وبعد أن تسلقت الجبل كغيري واقتربنا من ألسنة اللهب وهي تأكل الأشجار بشراهة، رأينا أنه من المستحيل أن يقوم أفراد لا خراطيم ولا أدوات معهم من إطفاء هذه النيران ويبدو أن قيادة المعسكر فهمت ذلك فأمرونا أن نخرج ونركب الباصات حيث اتجهت بنا إلى حيث المخيمات أظن أن ثمانية باصات سارت باتجاه دمشق وواحداً إلى حلب وآخر إلى حمص وحماة.

قضينا إجازة العيد وفي يوم العيد الأخير وعند ساحة سينما النجوم كانت باصات الهوب هوب بانتظارنا بعد مغيب الشمس وركبنا إلى مصياف حيث واصلنا تدريباتنا هناك.

ذات يوم ولما انتهت دورة الأغرار نادى منادٍ: منْ يحسن السباحة فليسجل اسمه، فسجلت اسمي مع عشرات من المجندين، فأحضروا سيارة زيل وألقونا بها إلى نهر العشارنة وهناك نزل الأستاذ تيسير الحموي بطل السباحة العالمي من سيارة الجيب وجمعنا صفاً وسار بنا إلى ضفة النهر وطلب منا أن نغوص ليعرف مهارتنا في السباحة ولما جاء دوري وقفت ولما سمعت الصافرة شككت بالنهر ولما رفعت رأسي، وقفت بالماء واستدرت للخلف فصرخ علي: ليش وقفتْ؟ قلت له: فلت السروال يا أستاذ!! وبما أن سروال الجيش الأزرق كان كبيراً فقد طفا على سطح الماء بعد أن تركني كما خلقني الله وسرعان ما خطفته وبثوان ارتديته وتابعت السباحة.

 رجعنا للمعسكر وبعد أسبوعين جاء فرزي مع خمسة مجندين للمسبح البلدي قرب ساحة الأمويين بدمشق ومن حُسن حظي أنه كان قريباً من كلية الآداب حيث كنت أنهي تدريبي اليومي في السباحة أذهب للجامعة من أجل مواصلة دراستي في قسم اللغة العربية، وفي الجامعة تعرفت على شلة من الأصدقاء أذكر منهم محمد موعد وعبد الله موعد ومهيبة جلبوط وهزار سلوم وعامر موالي ومحمد حسين وأحلام القطلبي وابتسام كركي وياسين معراوي وعشرات غيرهم لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم وكان جل الشلة من مخيم اليرموك حيث تجمعنا ملامح عديدة، ومن الدكاتره الذين درسونا في السنة الأولى والثانية أذكر منهم: وهب رومية، مختار البزرة، عجاج الخطيب، نور الدين العتر، منى إلياس، عدنان درويش، أسعد علي، رضوان الداية، سهيل زكار، إبراهيم الشهابي، أحلام الزعيم، حسام الخطيب، سليمان الخش وغيرهم.

كنا في المسبح صباحا نعاني من قسوة البرد وقرصه أثناء التدريب لا سيما في فصل الشتاء ولكننا تعلمنا فنون السباحة بشكل مبدع حتى دخلنا في بطولات محلية وعربية، وكانت مهمتنا في المسبح أن نتدرب كل يوم ساعتين أو ثلاثة من أجل الذهاب إلى سدي العشارنة ومحردة ثلاث مرات في السنة من أجل الإشراف على المجندين الذين يؤدون السقطات في الماء في دورة الصاعقة.

في منتصف عام١٩٨١ تم نقلنا لإتمام الخدمة في لبنان حيث كانت المشكلات هناك بين شطري المدينة كنت مترفعاً للسنة الثالثة في الجامعة وأسفت لضياع دوام الجامعة التي اعتدت عليها يوميا في دمشق.

ولنا وقفة قادمة في لبنان إن شاء الله.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٢)
التعليم الخاص في مخيم اليرموك
يشتهر مخيم اليرموك بمكانته التعليمية فهو بالإضافة إلى شهرته في الأسواق الشعبية للملبوسات والخضراوات فقد أضاف شهرة جديدة في الشهادات العالية وفي المدرسين والمعاهد حتى غدا من يقول لك: إذا أردت الحلويات فعليك بالميدان وإذا أردت الملابس فعليك بالصالحية وإذا أردت الموالح فعليك بحي الأمين وأما إذا أردت التعليم فعليك بمخيم اليرموك.

ولا شك أن المدارس واكبت المخيم منذ بداية ستينات القرن الماضي فبدأت الأونروا ببناء عدة مجمعات هنا وهناك ما زالت خدماتها إلى يومنا هذا وأما وزارة التربية فنظرا لوجود أكثر من نصف سكان المخيم من الإخوة السوريين فقد بنت عددا من المدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية منها ثانوية اليرموك والبعث وعائشة بنت عثمان ومدرسة عبد القادر الحسيني وعبد الله بن المبارك وأسد بن الفرات وأسماء العامرية وغيرها.

أما التعليم الخاص فالمقصود به التعليم الأهلي والذي أصبحت معاهد مخيم اليرموك العديدة سمته البارزة وقبل التطرق لهذه المعاهد لا بد من الإشارة إلى أن التعليم الخاص بدأ من بداية الستينات فيما عرف بالخجا وهي عبارة عن روضات متواضعة للأطفال يزرب بها الصغار من الصباح للظهر لقاء أجر بسيط تدفع لصاحبة الروضة والتي غالبا تكون غير متعلمة.

وأما التعليم الخاص بمفهومه التربوي فعلى ما أعتقد أن أول من أدخله للمخيم هو الأستاذ المرحوم قاسم درويش من قرية الشجرة إذ افتتح معهدا سماه معهد القدس حصل على رخصته من بلدية اليرموك أواخر ستينات القرن الماضي في مكانه الواقع جنوب شارع جلال كعوش مقابل حديقة الشهداء وقام الأستاذ قاسم الذي درسنا اللغة الإنكليزية في إعدادية الميدان الأولى بتدريس اللغة الإنكليزية هناك وظل معهده وحيدا إلى أن انتشرت ظاهرة المعاهد في بداية ثمانينات القرن الماضي إذ انتشرت سنتها المعاهد انتشار النار بالهشيم وبرزت في المخيم معاهد كثيرة منها: معهد البشير، الكوري، الشهابي، العلا، البهاء، الخيام، الإباء، طارق بن زياد، النور، المستقبل، الشام، فلسطين، وغيرها.

وقد قدمت هذه المعاهد خدمات كبيرة لأبناء المخيم وغيرهم إذ كان عدد كبير من الطلاب والطالبات والقادمين من وسط المدينة أو من غوطتها ينتسبون لهذه المعاهد وقد تخرج في هذه المعاهد الكثير من الأوائل على مستوى الجمهورية العربية السورية.

وفي الفترة الأخيرة تنبهت الفصائل الفلسطينية والمنظمات الشعبية لأهمية المعاهد فأخذت تتسابق في تقديم خدماتها التعليمية فقد افتتحت منظمة الشبيبة الفلسطينية برعاية الأستاذ عامر القاضي مركزا تعليميا في مكانها الكائن في ساحة أبي حشيش وأما الجبهة الديمقراطية فقد افتتحت دورات مكثفة وبأسعار تشجيعية للطلبة في مركزها المسمى المركز الثقافي الفلسطيني القريب من جامع صلاح الدين الأيوبي وكذا القيادة العامة والجهاد وفتح والشعبية وهكذا صار يتبع لكل تنظيم معهد تعليمي من أجل تقديم خدمات تعليمية لأبناء المخيم أو من أجل إثبات الوجود أو غير ذلك والله أعلم، إلا أن المسيرة لم تكتمل فقد صدر مرسوم قبل خروجنا من المخيم بأشهر قليلة يقضي بإغلاق جميع المعاهد التعليمية في القطر وحصر الترخيص فقط في معاهد اللغات.

وفي تلك الفترة افتتحت مدرستان خاصتان رسميتان وهما ثانوية العودة مقابل مشفى فلسطين للإناث وتعود ملكيتها لآل العم علي من الجاعونة ومدرسة السمو الخاصة في غرب اليرموك في دخلة فروج اللورد والتي تحولت من روضة إلى مدرسة للتعليم الإلزامي وتعود ملكيتها للأستاذ جهاد الصعبي وبعد تطور المدرسة تم افتتاح فرع ثان لها في صحنايا.

ومن الجدير ذكره أنه اشتهر عدد من مُدرسي المخيم عملوا في المعاهد وغيرها حتى طارت شهرتهم الآفاق كانت بيوتهم ليلة اختبارات الثانوية وكأنها أسواق المربد أو عكاظ وأذكر منهم: أستاذ اللغة الإنكليزية فؤاد عودة من فرعم وأستاذ اللغة العربية فؤاد العم علي من الجاعونة والمرحوم أستاذ الفيزياء عبد الرحمن السلال والذي صار رئيس بلدية اليرموك فيما بعد والمرحوم أستاذ الرياضيات أحمد موسى من الخالصة، وغيرهم من المدرسين الأكفاء ويجب أن نذكر أيضاً أن هناك عدد من المعاهد والمدارس حول المخيم وفي وسط مدينة دمشق تعود ملكيتها لفلسطينيين مثل ثانوية الأندلس ومعهد البجيرمي وابن حزم وغيرها.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٣)
نساء من مخيم اليرموك (٢)
سلمى اللحام:
كاتبة وقاصة ومديرة، بدأت بكتابة الخواطر الأدبية في سن الرابعة عشرة، ثم كتبت المقالة النقدية، ومن ثم بدأت بنشر قصصها القصيرة على صفحات المجلات والجرائد.

وهي عضو مؤسس لفرع سورية للاتحاد العام للكتَّاب والصحفيين الفلسطينيين وكانت فيما سبق مديرة الشؤون الاجتماعية في جيش التحرير المعروفة بمركز حلوة زيدان، من مؤلفاتها المطبوعة:

أعواد الثقاب (قصص) بلا تاريخ.

الانتظار (قصص) دمشق 1984.

الدكتورة منى السايغي:
طبيبة برتبة عميد متخصصة بالنساء والولادة سورية الجنسية مديرة مشفى الشهيد محمد فايز حلاوة اشتهرت بعد اختطافها من المخيم بأواخر شهر آب ٢٠١٢ بعملية رعناء غير مسؤولة وتم الافراج عنها بعد ثلاثة أيام.

والدة الشهداء الأربعة:
لم أعرف اسمها ولكنها اشتهرت في المخيم بسبب تضخياتها وهي زوجة حسين خالد المعجل من عرب القديرية بشمال فلسطين بني لهم دار كبيرة على شارع اليرموك مقابل مؤسسة الكهرباء في أواسط السبعينات من القرن الماضي تقديرا للشهداء الأربعة

أمونة الناجي:
أم أحمد يقولون لها أمونة العيد من طيرة حيفا يرحمها الله كانت من أطيب الجارات في حارتنا القديمة، تحب الجيران كلهم، وتعطف على الأطفال وتعاملهم كأولادها خلفت عدداً من الصبيان أحمد وحسن ومحمد وعبد الناصر ومحمود ويحيى ومن البنات فادية ونادية استشهد ابنها عبد الناصر في بيروت أثناء الاجتياح ١٩٨٢م.

رسمية أبو راشد:
أم أحمد من طيرة حيفا يرحمها الله جارتنا في الحارة القديمة خلف فرن الحصري ونعم الجارة أخت الرجال لا تسكت عن ضيم تدافع عن المظلومين.

أم خليل العيلبوني:
امرأة من خيرة نساء المخيم كانت الجناح الأيمن لزوجها أبي خليل العيلبوني في محلهما الواقع جنوب ساحة أبي حشيش تساعده في عمله وفي البيت تقوم بكل أعباء الأعمال المنزلية بالإضافة إلى التربية فقد خرَّجتْ عددا من حملة الشهادات الجامعية أعرف منهم (خليل وكميل وميلاد ونادية وماري) وساحوا في أرض الله الواسعة للبحث عن الرزق الحلال، وبالرغم من أن أم خليل من مسيحيي فلسطين إلا أننا لم نشعر يوماً بهذا التمييز حتى أنها وفي بداية بناء جامع عبد القادر الحسيني القريب من منزلها كانت تسرع مع نساء الحي في قم المسجد.

ذابلة الأبطح:
أم أحمد الأبطح من طيرة حيفا زوجة أبي أحمد الذي كان يبيع الفول على عربة بالمخيم أما أولادها أعرف منهم أحمد وزيادا وعيسى كانت تسكن على شارع فلسطين قرب فرن أبو طه كانت يرحمها الله تشارك في الجنازات والمناسبات الوطنية تهتف بصوتها العالي لفلسطين وكنا نردد خلفها توفاها الله منذ سنتين.

الحجة عاقلة:
 من سيلة الظهر قضاء جنين سكنت مخيم اليرموك منذ الستينات كانت تعمل في الرياض مع زوجها أبو محمد ومات زوجها هناك كانت كل عام في رمضان تطبخ وجبة كبيرة من المفتول «المغربية» وترسلها لمسجد الرجولة عن روح زوجها، اشترت عدة أبنية وعمارات في منطقة الريجة كان لها أخت اسمها الحجة نظيرة من أولادها عبد الرحمن ويحيى وعادل بعضهم رجع للأردن وبعضهم بقي بالمخيم.

 يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٤)
الشاعر حسن البحيري في بيتنا ١٩٨٢م
كنت صغيراً في المرحلة الإعدادية يوم سمعت بالشاعر حسن البحيري، لم أسمع به عن طريق المدرسة أو المناهج المدرسية؛ كما عرفنا سميح القاسم، ومحمود درويش، وتوفيق زياد، وأبا سلمى،وإبراهيم طوقان، وشقيقته فدوى وغيرهم من أصحاب اليمين واليسار.

ولما كبرت قليلاً وأصبحت في المرحلة الثانوية وفي عهد انتشار صحافة المقاومة الفلسطينية «فلسطين الثورة»، فتح، الهدف، إلى الأمام، الطلائع، القدس،.. كذا لم أقرأ له أي قصيدة في تلك الصحف الثورية آنذاك!!

أول ما سمعت به عن طريق الإذاعة السورية فالبحيري كان له برنامج أسبوعي يقدمه من إذاعة دمشق فكنت أطرب لشعره الوطني الذي يطير عبر الأثير ليلامس قلوب من يعشق حيفا وما حولها وكنت أسأل نفسي عن سبب إهمال هذا الرجل من قبل مؤسسات منظمة التحرير الثقافية والإعلامية بالرغم من عشرات الدواوين المنشورة له في دمشق وبيروت وعمان.

ظل اسم هذا الرجل يتردد في ذاكرتي كلما قرأت لشاعر فلسطيني مشهور أو مغمور حتى جمعني الله به في بيته وفي بيتنا وفي مخيم اليرموك عدة مرات.

أظن أنني أول ما رأيته كان في صيف 1982م يومها رن هاتف المركز الجغرافي الفلسطيني بدمشق وكان المتحدث الشاعر حسن البحيري يومها سأل عن بعض الإصدارات التي أصدرها المركز ليشتريها خارطة فلسطين النافرة، ساعة حائطية على جنيه فلسطيني، صور لمدن فلسطينية.... سأل عن موقع المركز ليأتي عندنا، سألته عن موقع سكنه فقال لي: أسكن في الشقة الأرضية التي تواجه باب المالية الرئيس بدمشق.قلت له: رجل في مقام حسن البحيري لا يأتي الناسَ بل تأتي الناسُ إليه.

بعد ساعة كنت مع سائق المركز أبي الوليد ــ من الجولان المحتل ــ أمام باب مالية دمشق في ساحة التجريدية المغربية والتي يسميها الناس ساحة السبع بحرات، نظرت مقابل باب المالية فإذا أنا أمام شقة أرضية لها مدخل خاص يعلوه لوحة نحاسية كتب عليها «حسن البحيري» قرعنا الجرس ففتح لنا رجل تجاوز الستين عاماً، أصلع الرأس متوسط الطول نحيفا عرف عن نفسه: «حسن البحيري» عرفناه على أنفسنا وحملنا له تحيات مدير المركز الأستاذ عبد الرحمن طافش كما حملنا الأشياء التي طلبها وأصر علينا الدخول معه إلى المنزل؛ لم أعتذر أو أبدي أية ممانعة، كما حاول أبو الوليد، فأنا توَّاقٌ لمعرفة الأعلام لا سيما أهل الفكر والأدب.

 دخلنا بيته برفقته فكانت شقته تحت مستوى الشارع وبلغة الشوام «قبو» تحيط به فسحات سماوية مزروع بها بعض الأشجار الدمشقية، وما أن دلفنا باب الشقة حتى ظننت نفسي في أحد المتاحف الفلسطينية الرسمية وما أقلها!!

الجدران مزدانة بعشرات اللوحات الفلسطينية: هنا صورة القدس وهناك صور لحيفا وتلك صور ليافا وهذه لوحة للرسام الفلسطيني إسماعيل شموط وهذه لوحة للفنانة تمام الأكحل زوجة شموط، وفي الغرفة التالية لوحات أثرية تحاكي تاريخ فلسطين وأما في الممر فهناك العشرات من القطع الأثرية التي لها علاقة بتراث فلسطين وأما غرفته الثالثة فلم أر أي جدار فيها، فرفوف الكتب غطت حتى مفاتيح الكهرباء، اختلست النظر إلى الرفوف سريعاً فإذا دواوين شعراء فلسطين، وغيرها وكتب لعارف العارف،ومصطفى مراد الدباغ،ومحمد عزة دروزة، وهارون هاشم رشيد، وكتب في التفاسير والأحاديث والأدب والتراث، عندئذ عرفت في قرارة نفسي سبب الإهمال الذي يلاقيه هذا الشاعر من الدوائر الثقافية والإعلامية الفلسطينية والعربية التي كان يسير غالبها باتجاه اليسار.

سألت الرجل ممازحا: هل هذا بيتكم أم أنه مركز ثقافي تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية؟

تبسم الرجل قائلاً: أوقفت جل حياتي من أجل فلسطين وجمعت هذه الكتب واللوحات وزينت بها بيتي وقد أوصيت بعد وفاتي أن يكون بيتي مركزاً ثقافياً فلسطينياً لأنني لم أتزوج وأعقب!!

فاض الرجل في حديثه عن ولادته في وادي النسناس: على قمة الكرمل قرب طيرة حيفا، وعن يتمه وهو صغير وعن عمله وهو شاب في سكة حديد حيفا، وعن شعره وشعر الآخرين، وأصر على أن يسمعنا إحدى قصائده الجديدة.

انتهت الزيارة خرجت من عنده وأنا معجب بهذا الرجل العصامي الذي يحب فلسطين بصمت ويعمل من أجلها، نقلت إعجابي للأستاذ عبد الرحمن طافش ورجوته أن يتعاون مع الرجل في أي مشروع ثقافي فلسطين قادم، وبالفعل استجاب الرجل ودعا البحيري لزيارة المركز واتفقا على يستعين المركز ببعض لوحاته التي تزين بيته لعرضها في المعارض التي يقيمها المركز بشكل دوري كما تم الاتفاق على تسويق دواوين الشاعر في المعارض نفسها.

لم أكتفِ بتعريفه على المركز بل نقلت للوالد «أطال الله في عمره» إعجابي بالبحيري وقمت معه بزيارته وسررنا أيما سرور وفاجأه الوالد بأن عنده عدد من مجلة الرسالة التي كانت يصدرها الأديب أحمد حسن الزيات في القاهرة فيه قصيدة للشاعر البحيري نشرت له عام 1943م تحت عنوان أفراح الربيع، لم يصدق البحيري ما سمعه ولم يذكر أنه أعطى الزيات هذه القصيدة ولكنه يذكر القصيدة جيداً، انتهت زيارتنا له ودعوناه إلى بيتنا واستجاب لدعوة على الغداء سألناه عن الأكلة المفضلة عنده كي تطهوها الخالة أم سهيل زوجة أبي فطلب الملوخية الناعمة وكان موعد الغداء في بيتنا بمخيم اليرموك وقبل الغداء أخذ مجلة الرسالة يتصفحها وينظر إلى قصيدته الجميلة وقمنا قبل حضوره بنسخها وأهديناه إياها، كما استفاض الوالد معه في الحديث عن فلسطين والقدس وحيفا والحاج أمين الحسيني وفرحان السعدي وعز الدين القسام وعن طوقان والعبوشي والسكاكيني، ذكر أنه اشترك مع المجاهدين في حيفا بالتخطيط لنسف مطحنة يهودية يتمترس بها القناصة اليهود ويقطعون طريق العرب منه وتقع في وسط حي عربي قرب نصب فيصل الأول، فاستقل البحيري القطار وهو يحمل عربة مليئة بالمتفجرات وبصعوبة بالغة ترك المتفجرات هناك وهرب بقطاره وبعد دقائق دوى انفجار أسكت المحطة وقناصيها، كما حدثنا عن طفولته البائسة وكيف صار يتيما وهو قي بطن أمه ومن النوادر التي قالها أن زار بلدة أبيه بعد وفاته " طيرة حيفا " ولأول مرة تراه عماته ففرحن به فقمن بنزع ريشتين من ريش ديك لحقنه وغرسنها حول رأسه في طاقيته الصغيرة، كما تحدث عن زيارته لمصر ولقائه مع الشاعر أحمد رامي وأعلام مدرسة أوبولو وغيرها من الأحاديث الشيقة نصحه الوالد أن يبيع بيته ويشتري له بيتا كبيرا في المخيم ليكون أقرب وأكثر تأثيرا بين أهله وأحبابه.

سافرت إلى الرياض وكنت في كل صيف أزور الشاعر الكبير ولا سيما أن بيته قريب من إدارة الهجرة والجوازات إذ كنا نقضي أياما من أجل استخراج تأشيرة الخروج.

وفجأة انقطعت أخبار الرجل.

وبعد بضع سنين وبينما كنت في سيارتي عائدا إلى المخيم وفي منطقة الفحامة قرب سكة الحديد الحجازي لمحت الأستاذ الشاعر حسن البحيري، وسرعان ما أوقفت سيارتي وترجلت منها وأنا ألحق به وأصرخ: أستاذ حسن، أستاذ حسن، التفت إلي الرجل بعد أن هرولت عدة خطوات وعانقته مُسلِّما، فلاحظت أن الشيخوخة بدأت تدب فيه، أصررت على أن يصحبني إلى بيت الوالد بالمخيم فاستجاب الرجل تكرما وكانت مفاجأة للوالد ولأشقائي وتناولنا الغداء سوية ومن المصادفة كانت الملوخية الأكلة الرئيسة، فقال مداعباً: «شو كل يوم بتطبخوا ملوخية؟».

كان الرجل مثقلاً بالأمراض ولكنه كان مسروراً بما لقي من تكريم في الإمارات من قبل سلطان العويس الذي احتفى به خلال تكريمه هناك، شكر الشيخ سلطان كثيراً والدموع تترقرق من عينيه،وأفصح أنه أدخله المستشفيات على نفقته الخاصة لعلاجه من بعض أمراض الشيخوخة التي ألمت به أخيرًا أو كانت من قبل.

سررنا من الجلوس معه وبعد أن انتهت الجلسة أصررت على توصيله لبيته بسيارتي لكنه أصر على أن يستقل الحافلة ويعود لوحده، حاولت كثيراً لكنه أصر فنزلت عند رغبته فتوجهت معه إلى شارع اليرموك وهناك كان اللقاء الأخير كما أحسست نظرت إلى الرجل نظرة مودع وهو يقطع الشارع إلى الطرف الآخر واقفاً قرب خزان الكهرباء وسرعان ما استقل الحافلة المتجه إلى مركز المدينة لوحت له بيدي مودعا بأمان الله.

في الصيف التالي وعند قومي من الرياض سألت عن الرجل فعلمت أنه انتقل إلى الدار الآخرة حزنت عليه كثيراً وحملتني قدماي بعد أيام قرب بيته اقتربت من الباب فإذا الورقة التي تحمل نعيه ملصقة على بابه تحت اللوحة النحاسية الصفراء التي تحمل اسمه قرأتها بتمعن وحزنت أكثر لأنني لم أقرأ في زحمة الأقارب الناعين: أولاد الفقيد.

رحمك الله يا شاعر فلسطين والقدس وحيفا ويافا واللاجئين فإن أنكرك أكثر أهلك فقد أنكرت الأمم السابقة الأنبياء والمرسلين والمصلحين.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٥)
ذكريات مجند في بيروت ١٩٨١م
نقلت في خدمة العلم من المسبح البلدي بدمشق والقريب من جامعتي وأهلي في مخيم اليرموك إلى بيروت حيث كان لزاماً عليّ أن أكمل ما تبقى من خدمة العلم هناك وكان ذلك في ربيع ١٩٨١م.

أخذت مهام نقلي من الأركان، وكنت في صباح اليوم التالي: وفي السابعة والنصف صباحاً كنت أقف مقابل وكالة سانا؛ لانتظار سيارة الزيل التي ستقلني مع المجندين إلى بيروت، لم أكن قد زرت بيروت من قبلُ ولم أعرفْ أيّاً من ملامحها إلا عن طريق القراءة والتلفاز والأفلام، اجتزنا الأراضي السورية وبعد قليل صرنا في شتورة ومن هناك تابع السائق سيره حتى مررنا على عدة مناطق مرتفعة، هي ظهر البيدر، وصوفر وبحمدون وعالية، ومن هناك إلى خلدة فالطريق الساحلي حتى وصلت إلى ساحة في وسط بيروت قرب فندق «الهولدي إن» والذي كانت جدرانه تشتكي من آثار القذائف التي تركتها الحرب هناك، ومن أحد الفنادق العامرة حيث كانت القيادة أخذت فرزي إلى أحد الكتائب في الأسواق التجارية وكان عليٌ أن أبيت الليلة الأولى هناك في أحد الأبنية المهشمة والتي حولها الجنود كغيرها إلى مناطق للسكن حيث سحبوا لها بعض خطوط الكهرباء والماء لتتماشى مع الحياة، لم أعرف النوم في تلك الليلة من شدة القذائف التي كانت تصلنا من جهة الشرق ومن قبل الكتائب اللبنانية وكنت أظنها فوق مبنانا ولكن المجندين القدامى طمأنوني أن هذا الأمر يجب أن اعتاد عليه لأنه شبه يومي ومما زاد قلقي أيضاً الناموس والبرغش الذي ربما رحب بالضيف الجديد والذي لم يفطن أن يشتري ناموسية للاتقاء منها كما يفعل جل العساكر.

 في صباح اليوم التالي كنت أتجول في المنطقة المسماة بالأسواق التجارية، والتي كانت قبل الحرب من معالم بيروت التاريخية والاقتصادية، فهي تمتد من ساحة «رياض الصلح» وحتى منطقة الميناء، بما فيها من ساحات وبنوك ومساجد مشهورة ومن ساحاتها ساحة النجمة ورياض الصلح والشهداء، أما البنوك فحدث ولا حرج وأما المساجد فكأن نصف مساجد بيروت في تلك المنطقة أشهرها الجامع العمري نسبة لسيدنا عمر بن الخطاب والوالغ في قدمه وجامع الأمير منذر من عهد المماليك وجامع المجيدية نسبة للسلطان العثماني عبد المجيد وجامع الدباغة قرب البحر وجامع الأمير منصور، وغيرها، ولاحظت أن هذه المساجد كلها مغلقة إلا جامع الأمير منذر الذي كان يعمره بعض جنود جيش التحرير بالإضافة لبعض المصلين المدنيين ممن كانوا من أصحاب المحلات في ساحة رياض الصلح، ومما استرعى انتباهي أكوام القمامة في الشوارع لذا عرفت سرّ الناموس الذي أرقني طيلة الليلة الماضية مع أصوات القذائف.

 ومع مرور يومين أو ثلاثة، صرت أعرف معالم المنطقة التي أعيش فيها، وأعرف الشوارع المقنوصة من الشوارع الآمنة، والشوارع التي عليَّ أن أعبرها رَمَلاً أو بسرعة البرق، قبل السواتر الترابية، وصرت أعرف وادي أبو جميل الذي كان حيّاً لليهود قبل النكبة، والطيوني والحدث والروشة والمنارة وغيرها، وكل يوم تزداد معرفتي ببيروت بلد العجائب والغرائب فكل ما يحتاج المرء يجد فيها بما فيها من متناقضات.

كنت متضايقاً جداً في بداية الخدمة في بيروت ولكنني مع الزمن اعتدتُ عليها وأحببتها فقد كنت أرتاد الجامعة الأمريكية في عين مريسة وأستعين بمكتبتها في المطالعة وكتابة حلقات البحث لتقديمها لجامعة دمشق، كما أنني تواصلت هناك مع أقارب لي حيث كان عم والدتي أبو أحمد اللبابيدي يفتح بقالية صغيرة مقابل مشفى المقاصد الإسلامية وتعرفت على أولاده أحمد ومحمود ووصال ومسكنهم في منطقة الجامعة العربية قبل «مخيم صبرا» رحمهم الله جميعاً، كنت كثير الزيارة لمخيمي صبرا وشاتيلا وشاهدت بأم عيني البؤس الذي يعانيه اللاجئون الفلسطينيون هناك، وكم عتبتُ على فصائل منظمة التحرير التي كانت لها القوة الفعلية هناك لأنها لم تقم بتحسين وضع الفلسطينيين ومخيماتهم في الوقت الذي كانت تبذخ فيه المال لتنظيمات لبنانية معروفة وغير معروفة.

وذات يوم ملأت حركة أمل الشوارع في بيروت الغربية ملصقات تحمل صورة الشيخ موسى الصدر وكتبت تحت الصورة شطرا من بيت أبي فراس المشهور: «لنا الصدر دون العالمين أو القبر» ولكنهم وفي أواسط عام ١٩٨١م وضعوا ملصقاً مهمّاً به صورة لمصطفى شمران، وقرأت أنه من مؤسسي حركة أمل في لبنان قبل الثورة الإيرانية وأنه بعد انتصار الثورة تسلم وزارة الدفاع في طهران وقضى في أحد المعارك مع الجيش العراقي.

وفي ذلك الوقت نشطت في الوسط الديني حركة عبدالله الهرري الحبشي وأخذت تدعو لفكرها هناك من خلال جمعية المشاريع، وذات يوم أقلتني سيارة أجرة إلى موقعي بالأسواق التجارية وكان السائق منهم فأحب أن يصلي العصر معنا في جامع الأمير منذر ونظرا للحيته الطويلة أصرّ العساكر على أن يؤمّنا وأمّنا بصلاة استغربنا منه بعد الانقضاء وكادت تحدث مشاجرة بيننا لولا لطف الله.

أذكر أنني في ذلك العام ترددت مرة على معرض الكتاب الدولي ولأول مرة في حياتي أرى مثل هذا المعرض الذي يضم آلاف دور النشر ويومها اشتريت كتاب القيادات والمؤسسات الفلسطينية للسيدة بيان نويهض الحوت وهي ابنة اللبناني المجاهد عجاج نويهض من رجال الحاج أمين الحسيني وزوجة المرحوم شفيق الحوت، كما سررت يومها إذ رأيت الشاعر نزار قباني يقف أمام دار نشره للتوقيع على منشوراته بعد بيعها.

ولم أنسَ في تلك الفترة يوم حضرت مسرحية عادل إمام وعمر الحريري «شاهد ما شفش حاجة» على مسرح البيكادلي بشارع الحمراء وظللت أحتفظ ببطاقة الدخول ضمن مقتنياتي التي بقيت في المخيم.

 أذكر مرة وفي ليلة ما ولعت بيروت بالرصاص فسألت عن السبب فقيل لي: إنها مناسبة رأس السنة الميلادية اعتاد الناس على الاحتفال بها على طريقتهم، وبعد أسبوعين كذا ولعت بيروت بالعيارات النارية فلما سألت عن السبب قيل لي: الليلة عيد المولد النبوي الشريف!! وأضافوا ألم أتعلم أن حركة «المرابطون» بقيادة إبراهيم قليلات افتتحت اليوم محطة تلفزيونية باسم «تلفزيون لبنان العربي» لتعبر عن حركتهم الوطنية وأنهم أول ما عرضوا فيه فيلم الرسالة لمصطفى العقاد.

 خلال تواجدي في بيروت كانت الساحة تعج بالفصائل الفلسطينية وبالحركة الوطنية اللبنانية والتي كانت تحت قيادة وليد جنبلاط فوجدت الفوضى والتسيب تدب في كثير من جوانبها فشكوت حالنا لمن لا يشكى إلا له وحتى ضمن صفوف تنظيمات الحركة الوطنية كانت تحصل اشتباكات عديدة لا سيما بين حركة أمل والتنظيمات الموالية للعراق وكان ذلك ترجمة لما يحدث على الجبهة الإيرانية العراقية.

كان رئيس وزراء لبنان في تلك الفترة هو الأستاذ شفيق الوزان وبرز بتلك الفترة شخصية أمريكية من أصل لبناني هو فيليب حبيب والذي عرف برحلاته المكوكية بين بيروت ودمشق وواشنطن، وسبب هذه الرحلات وقف إطلاق النار في بيروت وزحلة وهي المعركة التي حضرتها في صيف ١٩٨١م وراح ضحيتها أكثر من عشرة من جنودنا في بيروت خلال المعارك بيننا وبين الكتائب اللبنانية ولا سيما الذين قضوا في بناية المتقدمة التي كانت شرق ساحة الشهداء بين مباني الكتائب والتي لا يصل إليها إلا من خلال نفق ضيق من ساحة النجمة.

وفي هذه الفترة تم دعوة الشيخ البوطي من أجل إلقاء درس بمناسبة المولد النبوي بجامع عين مريسة وكان الداعون جمعية المقاصد الإسلامية وإكراماً للشيخ أحضروا فرقة موسيقية مؤلفة من شباب وصبايا يرتدون بدلات كشفية سراويلها قصيرة دون الركبة إذ وقفوا على الجانبين يعزفون للشيخ بالطبول والأبواق والزمامير عند دخوله من الباب الجنوبي؛ فما كان من الشيخ وقبل أن يبدأ بدرسه أن استنكر هذا العمل، مما أثار دهشة الداعين له.

لم أهمل الجامعة، بل كنت أحاول كثيراً من أجل النزول لدمشق، وكنت أوفق في كثير من الأحايين،فقد كان أكثر الضباط يقدرون ظروفي،ويمنحوني إجازة لمدة يومين أو ثلاثة كل عشرة أيام: إذا لم يكن عندنا استنفار أو تمنعنا ثلوج ضهر البيدر إذ أقضي جلها في جامعة دمشق.

وهكذا بقيت في بيروت حتى تسريحي بالسادس عشر من شهر شباط من عام ١٩٨٢م أي قبل الاجتياح الصهيوني بأشهر عديدة وقد يطول المقال في سرد الذكريات لذا لم أسجل إلا أشهر الحوادث التي بقيت عالقة معي.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:05 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٦)
البابا شنودة في مخيم اليرموك صيف ١٩٩٧م
البابا شنودة عَلَمٌ من أعلام مصر فهو عندهم ‏قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر وعندنا نحن الفلسطينيين الرجل الشجاع المقاوم للمخططات الصهيونية وللتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي حرم أتباعه من زيارة القدس حتى لا يعطي الاحتلال شرعية دولية ومسيحية.

ماذا تتوقعون من هذا الرجل الذي جاءه اتصال وهو في القاهرة يعرض عليه أن يزور مخيم اليرموك وأن يلقي كلمة في مركز الشهيدة حلوة زيدان أمام جمع غفير من الفلسطينيين بالرغم من أن جدول الزيارة كان لمقابلة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.

بالطبع لم يتردد البابا شنودة لهذا الاقتراح بل رحب به وأكد عليه كما أنه وفي الوقت نفسه تلقى اتصالاً آخر يطلب منه أن يزور مجمع أبي النور المعروف شعبياً مجمع الشيخ كفتارو بدعوة من المفتي حينئذٍ؛ أي الشيخ كفتارو نفسه عندها قال: نزوره أيضاً وحتى لو مددنا الزيارة يوما آخر.

في مساء الخامس من أيار عام ١٩٩٧م وصل البابا شنوده الثالث الى محيط المخيم وحالت الجموع المحتشدة دون المضيف والسيارة، سيارته وسيارات الوفد المرافق والمراسم.. فترجّل البابا وصحبه على بعد مئات الأمتار من مركز «الشهيدة حلوة زيدان».. وسار بموكبه محاطاً بأبناء المخيم وزواره من محبي البابا وهم يرددون: «بالروح، بالدم، نفديك يا شنوده» ولا شك أن من يصفق وينشد له يعرف ماضي الرجل الوطني وموقفه من الاحتلال ولولا هذه المواقف لما كان هذا الترحيب والاحتفاء.

دهش البابا وهو يرى معالم مخيم اليرموك من دوار البطيخة وجامع البشير والأسواق التجارية العريقة وشارع اليرموك وفلسطين عندها قال: «أنتم الزاي عملتوا المخيم دا؟!» وربما كان يظن أن المخيم هو عبارة عن مجموعة من الخيم أو البركيات أو كبعض العشوائيات على أفضل تقدير.

دخل البابا مركز الشهيدة حلوة زيدان مع الوفد المرافق له بالحفاوة والتكريم من قبل هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني وقيادات فصائلية وثقافية ودينية من أهل فلسطين ودمشق، ولم يهدأ التصفيق والترحيب إلا بعد أن اعتلى البابا المنصة قائلاً:

بسم الله الواحد الذي نعبده جميعاً أحييكم يا أخوتي:

أشكركم على هذه المحبة وعلى هذا الترحاب، والأصوات التي كنت أسمعها اليوم لا شك أنها قد صعدت الى الله تصرخ إليه طالبة منه العون.‏

نحن حينما نتكلم عن الحركة السياسية في فلسطين إنما نهدف الى أن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة ذات سيادة، لها كل طابع الدولة، وليس من الإنسانية في شيء أن يترك شعب عريق بلا وطن، لهذا كان سبب الاضطراب في الشرق الأوسط، إن الفلسطينيين بلا وطن، ومما لا يريح النفوس، أن تنادي إسرائيل بالقول: أنه لن يكون هناك دولة لفلسطين. فلنقبل منها هذا التحدي...

ثم استعرض البابا بشكل موجز أوجاع القضية الفلسطينية من هجرة اليهود لفلسطين وانتهاء بحفر الأنفاق حول المسجد الأقصى.

ثم وضع يده على الجرح الذي يعاني منه العرب وهو التشرذم والتفرقة ومما قاله:

«إن تفكك العرب هو أكثر سلاح تستخدمه إسرائيل، أكثر من القوة النووية، وطالما ظل العرب على هذا الوضع فإن إسرائيل تستمر في إجراءاتها ولا تأبه بالكلام ولا الخطط ولا تأبه بالشجب ولا بالإدانة. المسائل تحتاج إلى إجراء عملي قوي ووقفة العرب وقفة رجل واحد إزاء الأمر و المطلوب: سياسة عملية عربية، الكلام لا ينفع ولا يخرج اليهود من بلادنا، الذي يخرجهم حتماً، وحدة العرب، أن يكونوا وحدة واحدة وخطاً واحداً وسياسة واحدة ومنهجاً واحداً وقوة واحدة وأن يقف الله معهم.. فلا يستطيع اليهود أن يقفوا في وجهنا».‏

 وأضاف كملته الشهيرة:

«لن ندخل القدس إلا مع إخواننا العرب والمسلمين».‏

عندها لم تهدأ قاعة حلوة زيدان من التصفيق والإعجاب ويومها كان حديث المخيم عن زيارة البابا شنوده له وعن إعجابه بالمخيم وهكذا ظل البابا وفياً لمبادئه ومصرّاً على فتواه بتحريم زيارة القدس لأتباعه حتى وفاته في ربيع ٢٠١٢ م.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٧)
ذكريات الأرض ويوم الأرض
لا بد في مناسبة يوم الأرض أن يكون لذكريات من مخيم اليرموك سهما بها ولمَ لا ؟ ومخيم اليرموك على ما فيه من ذكريات وحنين فهو لا شك الطيف الذي يوصلنا لفلسطين والقدس والأقصى وحيفا ويافا والناصرة وغيرها من المدن الأبية على التهويد والتغريب، أنه الإقامة المؤقتة للعودة للأرض التي ولد فيها آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا.

يوم الأرض هو رمز لتذكير الناس بإجرام المجرم حين استولى على أراضي فلسطين تدريجيا فبدأ بالأراضي الأميرية وبلغة اليوم أملاك الدولة وبدأ يوسع مغتصباته ومؤسساته عليها ولم يكتف بذلك فصار يصادر فيما يعرف بأملاك الغائبين وبعدها حاول مصادرة الأراضي تحت مسميات أخرى ولما بدأ الوعي وطفح الكيل كان هذا اليوم.

تعود أحداث يوم الأرض إلى الثلاثين من آذار لعام ١٩٧٦م بعد أن قام المحتل بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة في منطقة الجليل أو ما يعرف بمنطقة المثلث والهدف من ذلك تهويد الجليل وتقدر الأراضي المصادرة بـ 21 ألف دونم من أراضي قرى عرابة وسخنين ودير حنا وكابل وطرعان وعرب السواعد وغيرها.

وعلى أثر هذا المخطط الإجرامي قررت لجنة الدفاع عن الأراضي في اليوم الأول من شهر شباط من عام ١٩٧٦م عقد اجتماع لها في الناصرة وتم إعلان الإضراب العام الشامل في ٣٠ آذار احتجاجاً على سياسية المصادرة وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكرياً ودموياً إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت بإطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة يوم ٢٩ من شهر آذار وسرى نبأ استشهاده في المحيط كله فتواعد الغاضبون في اليوم الثاني على الخروج وإعلان العصيان ضد المحتلين فانطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين وعشرات الجرحى، وكان للشاعر الكبير توفيق زياد الدور الكبير في تجييش الناس ضد الظلم والاضطهاد.

وفي خارج الأرض المحتلة تفاعلت الجماهير الفلسطينية والمحبة لفلسطين مع هذه المناسبة فانطلقت المسيرات والمظاهرات في أغلب الأماكن التي يتجمع فيها الفلسطينيون وكان لمخيم اليرموك في تلك الفترة من عام الأرض الأول مهرجاناً ضخماً في ثانوية اليرموك حضره عدد من المسؤولين الفلسطينيين والسوريين وأما في الأعوام التالية فما مر عام دون الاحتفاء في هذه المناسبة وحتى في أوج الخلاف الفلسطيني الفلسطيني كان يوم الأرض يجمعهم لأن لا أحد مهما فلسف نظرية مقاومته للعدو الصهيوني يستطيع أن ينكر الأرض وأهميتها، ومرت السنون الثماني والثلاثون ومخيم اليرموك يحتفي كل عام بهذه المناسبة فعاليات متعددة كان آخرها الاحتفالات والمهرجانات والمعارض التي تحمل أسماء القرى ويعرض بها كل ما يخص تلك القرية من آثار وذكريات وتاريخ ومناقشات وفي هذه المناسبة لا بد من ذكر بيت التراث الفلسطيني بقيادة المرحوم هشام عارف الموعد والذي اتخذ من حديقة الشهداء بشارع جلال كعوش مقرا له على مدار العام ليكون شاهدا على حق العودة وحتى يكون يوم الأرض بالنسبة للاجئ الفلسطيني هو كل يوم يقضيه خارج فلسطين، وحتى يومنا هذا وبرغم الجوع والحصار يخرج المئات من أطفال ونساء وما تبقى من رجال يعبرون عن تمسكهم بفلسطين وأرضها المباركة ويشكلون سلاسل بشرية لتذكير البشر بالبشر ويحملون مفتاحا تنوء العصبة من حملة لتذكير العصابات بحق العودة ويهتفون لفلسطين وأرضها وشعبها ليسمع من يسمعهم أن فلسطين هي قبلتهم ولكن عليهم أن يعيشوا كالبشر يعملون ويأكلون ويشربون وينامون ريثما تتحق أمنية العودة وحتى لا تنتشر مقولة المريض الملهوف «خدوني عند اليهود» وهو يلفظ أنفاسه.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٨)
الشيخ رائد صلاح في مخيم اليرموك
لا أظنُّ أن أحداً في وقتنا هذا دافع عن الأقصى والقدس مثلما دافع الشيخ رائد صلاح، فالرجل مذْ عرف الطريق الصحيح جعل همه الأول أولى القبلتين ومسرى النبي الكريم، هو ليس أول من دافع عن الأقصى غير أنه دافع عنه بكل ما أوتي من قوة؛ دافع عنه بلسانه، وقلمه، وجسده، وماله، أصابته الأمراض، وبات في العراء، وحجز في مراكز الشرطة، وقاد المظاهرات، وضُرب، وشُجَّ رأسه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية، ومُنع من دخول القدس شهوراً، ودخل السجن مراتٍ عديدةً؛ من أجل الأقصى، والقدس، وفلسطين.

أول ما تعرفت الشيخ رائد صلاح كان عن طريق مقالاته في صحيفة "الصراط المستقيم" وذلك قبل زهاء ربع قرن، والتي أحضر بعضَ أعدادِها أحدُ حجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ القادمينَ إلى مكةَ من الأراضي المحتلَّة، فوجدت الصحيفة وكتابها غير ما كنا نعهده في الصِّحافة الفلسطينية، ولا سيما الصادرة في الداخل، بعدها صرت أتابع أخبار الرجل، وأتتبَّع مقالاته وأعماله.

ذات يومٍ قرأت مقابلة معه في مجلة «المجتمع الكويتية» بعد فوزه في انتخابات بلدية أم الفحم عام 1989، وما زلت أذكر رده على السؤال الذي يتكرر في أكثر اللقاءات مع الإسلاميين، وهو خوف الناس من وصول الإسلاميين للمراكز القيادية! فقال: أول اتصال بالتهنئة وصلني من مطران فلسطيني، من أم الفحم، أو من القرى المجاورة لها ــ لا أتذكر بالضبط ــ يهنئني من قلبه بالفوز، لما عرفه عن سيرة جيرانه الإسلاميين، بإخلاصهم، وتفانيهم بالعمل من أجل الآخرين، ورويدًا رويداً صرتُ متعلِّقاً بالرجل أتابع أخباره وتصريحاته.

لم أنسَ اليوم الثاني من كانون الثاني من عام 1994م، يوم كنتُ في مكةَ المكرمةِ منْ أجل أداء العمرة، ومن أجل رؤية شقيقتي وأولادها القادمين مع فوج من عرب 1948م، من الناصرة، للغرض نفسه، وكانت هذه الطريقة الوحيدة لرؤية أهلنا هناك، كنا نَسمُر مع أهلنا في أحد الفنادق، يومها قال أحدهم: الشيخ رائد في الفندق الفلاني، قلت: منْ رائد هذا؟ قالوا: الشيخُ رائد صلاح رئيس بلدية أم الفحم، لم أصطبر طلبت منهم أن نزوره في الحال إن أمكن، فما كان منهم إلا أن استجابوا مشكورين، وفي أقل من نصف ساعة كنت ضيفَ الشيخِ، سلمتُ عليه ورد بأحسن من سلامي، وكأنَّه يعرفني من عشرات السنين، هو كما رسمته مخيلتي، شاب متواضع في منتصف العقد الرابع من عمره، كان لقاؤه يدل على كرم أخلاقه، هشَّ وبشَّ، وأهَّل وسهَّل، قام وحضَّر الشاي والضيافة بنفسه، بالرغم من وجود العديد من الشبان ممن يصغرونه سنًّا، إلا أنه أبى إلا أن يخدم ضيوفه بيديه، و تجاذبنا أطراف الحديث ما يقارب الساعة، وتحدث عن فلسطين، وأم الفحم، والصحوة الإسلامية، والانتفاضة المباركة، ولم ينس الأقصى والقدس، وغيرته على المحارم، والمقدسات، يومها زاد إعجابي بالرجل، وتمنيت من الله أن يجعل في أمتنا الآلاف من أمثاله، ودَّعتُه، على أمل اللقاء به في الأقصى، أمنيةً، وتفاؤلاً، أو في مكة المكرمة حقيقة، وعلى باب غرفة الفندق أصر على النزول لمدخل الفندق لوداعنا وما بين شد وجذب نظرت إلى الغرفة المجاورة فقرأت على بابها أسماء نزلاءها من أبناء الشيخ ولفت نظري اسم «حماس رائد صلاح» لم أستوعب المفاجأة إلا بعد عشرين عاماً يوم علمت أن الشيخ أسمى ابنته الثانية «حماس» تيمناً بالحركة.

طبعاً كلنا نتمنى أن يكون اللقاء في الأقصى بعد تحرير فلسطين إن شاء الله، وما ذلك على الله ببعيد، أما اللقاء في مكةَ فمقدورٌ منذ عدة سنوات عندما سُمحَ لعربِ فلسطينَ المرابطين في الأراضي المحتلَّة بالحج والعمرة، أما أن تقول لضيفك من عرب 1948م: إن شاء الله نلتقي في دمشق فإن ذلك من المستحيل، أو ضرب من الجنون، وتم اللقاء الثاني بدمشق!!

كان يوماً سعيداً على دمشق يوم استقبلت عشرات الشخصيات القادمة من الأراضي المحتلة، منهم النواب والكتاب والشعراء والوجهاء، وذلك صيف 1997م بمساعٍ من بعض الشخصيات الوطنية هنا وهناك، وفي مخيم اليرموك بالذات احتشدت الجماهير الفلسطينية في جامع فلسطين، لاستقبال وفد عرب الأراضي المحتلة في زيارتهم الأولى لدمشق، لقد سارت الجماهير مع الوفد الفلسطيني إلى مقبرة الشهداء القديمة، حيث أقيم احتفال كبير، أُلقيت فيه الكلمات ترحيباً بالضيوف القادمين بعبق فلسطين، وبعد الاحتفال انقضَّ الأهالي على الزائرين، كل على من يعرف أنه من قريته، أو ممن يمت له بقربى؛ قريبة، أو بعيدة، أو بصداقة، عن طريق الآباء، والأجداد، انقض أهل الشجرة على الشيخ كمال الخطيب، والبدو على من قدم من النقب، ومحبو الشعر والأدب على سميح القاسم، وهكذا كلٌّ يريد أن يحظى بضيف أو أكثر، حاولت الانقضاض على الشيخ رائد صلاح، إلا أنني وجدت أهل أم الفحم قد حازوا المكرمة قبلي.

كانت شوارع المخيم الرئيسة اليرموك وفلسطين ولوبية والقدس مليئة بعراضات فلسطينية شعبية عراضات ذات طابع خاص فبعد أن انتهى الحفل سار الضيوف مع أهاليهم ليشاهدوا المخيم الذي صار حديث العودة وأسطورة النضال خرج الناس ليستنشقوا عبير فلسطين من ضيوفهم القادمين من غير حساب.

اكتملت الفرحة مساءً بلقاء الشيخ رائد صلاح عند «آل أبي شقرا» الذين لجؤوا من أم الفحم عام 48 وسكنوا المخيم، أذكر أن سطح منزل الأستاذ محمد قرب محكمة اليرموك قد امتلأ بمحبي الضيف العزيز، حيث كان الشيخ رائد يتوسطهم، آسرًا القلوب بأحاديثه الممتعة؛ عن الأقصى والقدس، وأم الفحم، وجامع سيدنا علي بن عليل، وجامع البحر، وجامع حسن باشا، وتدنيس قبر القسام،.. إلخ، ولكن أكثر ما شد الحضور روايته عن أم الفحم، وكيف تحولت لأم النور، قال الشيخ ــ مما أذكر ــ: لم تكن نكسة 1967م شريرة على الإطلاق، لقد كان فيها بوادر خير، لا سيما لعرب 1948م إذ خرجوا لأول مرة من السجن المغلق، الذي فرضته الإدارة الإسرائيلية على من تبقى من فلسطينيين، قال: كنا أطفالاً في ساحة القرية، إذ خرج من مسجدها الوحيد ــ الذي لم يكن يرتاده إلا كبار السن ــ شيخ مقعد، واتجه إلى ساحة البلدة، حيث كنا نلهو ونلعب، واجتمع الناس حوله، وأخذ يعظهم، ويحثهم على الصلاة، وتقوى الله، فاستجاب بعض الشباب لدعوته، وكرر الزيارة عدة مرات، ولم يكن أحد يعرف أن هذا الشيخ المقعد هو الشيخ أحمد ياسين، لقد كاد عرب 48 أن يضيعوا، وينسلخوا عن محيطهم العربي والإسلامي؛ بانتشار الأفكار اليسارية، بشقيها؛ العربي، واليهودي.

وتشجع الفتى رائد صلاح، وانتظم مع ثلة من أصحابه في المسجد، وتابع مراحل تعليمه ما قبل الجامعي في أم الفحم، وفي عام 1976م سافر للخليل، وفتح الله عليه بإكمال تعليمه الشرعي في مدينة أبي الأنبياء، إذ تخرج في كلية الشريعة، ونال قسطا من التعليم الشرعي، عرف من خلاله قداسة فلسطين، والقدس، والأقصى، والحرية، والجهاد، وبعدها كانت مسيرته الجهادية.

انتهى اللقاء مع الشيخ الشاب بعد أن أعطى الحضور الفحماويين صورة تفصيلية عن بلدهم، وأخبرهم أن اسمها صار أم النور، بعد أن منَّ الله عليها بالصحوة، وأن مسجد القرية الوحيد صار أربعة عشر مسجداً، يؤمها الشباب أكثر من الشباب، وبشرهم ببناء عشرات المراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية، والفرق الرياضية، والمدارس ورياض الأطفال، والمكتبات، والكليات، وغيرها من المراكز الاقتصادية، التي تعمل من أجل من بقي مرابطا في البلاد.

وبعد يومين كان الشيخ رائد ضيفاً على التلفزيون السوري يشرح واقع القدس والأقصى وما يقوم به المحتل من جرائم بحق المدينة المقدسة.

يستحق الشيخ رائد صلاح مسمى شيخ الأقصى، لأن همّه الأول والأخير صار المسجد الأقصى، فبعد أن استقال من رئاسة بلدية أم الفحم، وترك لغيره العمل، حمل في قلبه همًّا أكبر من أم الفحم، وبلديتها، حمل الأقصى في قلبه، ووضعه بين جوارحه، فما من مناسبة تحل بالأقصى إلا وتراه جندياً، في الصف الأول مدافعاً بكل ما أوتي من قوة، تحدى قوة الاحتلال فكان عرضة للسجن، والاعتقال، أكثر من مرة، بالرغم أنه عرف مرارة السجن قبل أن يصبح رئيساً للبلدية، فقد سجن في مطلع شبابه عام 1981م، بتهمة الانتماء لأسرة الجهاد، ومكث سنين، ثم سجن عام 2003م ليلاً، فقد اقتاده الصهاينة من جنب أبيه الذي كان يُحتضر في المستشفى، ولم يرعوا بذلك إنسانية، ولا شفقة، اقتادوه بتهمة حبه الأقصى، ومكث في السجن سنوات، تعلم خلالها المزيد من حب فلسطين، والأقصى، والناس وما أحد ينسى قبل سنوات أسطورة أسطول الحرية الذي كان بطله الشيخ رائد مع ثلة ممن يحبون فلسطين ويعشقون الحرية.

يتبع...

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٦٩)
بستان المهايني
من منكم يعرف بستان المهايني؟
أظن أن الكثيرين يعرفونه وأما الجيل الجديد فيعرف «المشروع» الواقع في وسط اليرموك مقابل مستشفى الشهيد محمد فايز حلاوة.

بستان المهايني هو نفسه المشروع وسمي المشروع لبدء مشروع بناء منظم من قبل محافظة مدينة دمشق للمنذرين بالهدم أي الذين هدمت بيوتهم داخل مدينة دمشق من أجل توسيع الطريق الرئيسة ولا سيما طريق المحلق والذي أكل عدة بيوت في الجزماتية وغيرها فعوضت الدولة عنهم بتلك المساكن الجديدة.

يرجع تاريخ المهايني إلى قبل إنشاء مخيم اليرموك فهو موجود هناك ضمن أراضي الغوطة ولما أسس المخيم وتوسع انتشرت البيوت حوله فيما عرف بالعصرونية وموقف الملجأ وغيرها، وظل يقاوم البيع والشراء والتوسع حتى منتصف تسعينات القرن الماضي إذ تم استملاكه من قبل المحافظة وبناء المشروع عليه وتم التعويض على صاحبه شاهر المهايني بمبلغ زهيد لا يسوي ثمن قصبة اليوم، كان بستان المهايني فيما سبق محاطاً بسور طيني كبير تتوسطه بوابة خشبية كبيرة من جهة شارع اليرموك وكانت هذه البوابة تفتح أحيانا لترى عددا من الأبقار ترعى بين الأعشاب والأشجار يقوم برعايتها الشاب حسان ابن شاهر المهايني والذي كان على علاقة جيدة مع شباب المخيم وبالإضافة إلى عمله الزراعي كان قد اتخذ دكاناً من أرضه بجانب البوابة يتخذها كمكتب عقاري بسيط.

أما من جهة الغرب فكان البستان مفتوحا على البساتين الأخرى يزدان بأشجار الزيتون المثمرة والتي بدأ أصحابها بالتخلص منها تدريجيا بالحرق منذ بداية الثمانينات عندما استعرت أسعار الأراضي فكنت ترى كل يومين أو ثلاثة شجرة تحترق ولما سألنا بعض الخبثاء عن السبب قيل لنا إنها أرض زراعية لأنها مثمرة فلو تم التخلص من الأشجار فيتضاعف سعرها عشرات المرات!!

كنا ونحن طلاب ندرس في تلك البقعة من الأرض أو حواليها كانت جلسة تحت شجرة زيتون والكتاب بيدنا تعادل جلسة في أرقى النوادي الأدبية أو المكتبات العامة فالطيور تصدح فوقنا والأعشاب بمنظرها الأخضر يذكرنا ببلادنا الخضراء أما خوار البقر فهو سيمفونية أجمل وأروع من الراب وغيرها.

المهم تم استملاك الأرض وأقيم فيها وبجوارها عدة معالم منها مدرسة المعتمد بن عباد ومدرسة أسد بن الفرات ومؤسسة للمياه وأسواق ومطاعم عديدة تطل على شارع اليرموك أما أهم معلم فهو جامع الوسيم والذي له قصة، وقصة جامع الوسيم أنّ ثريّاً فلسطينياً من عكا ومن بيت عجينة توفي ابنه الشاب وسيم فأحبّ أن يبني مسجداً يكون صدقة جارية لا تنقطع، فسأل عن أرض في المخيم لمشروعه فأُخذ إلى ساحة الريجة أولا وكانت هناك قطعة أرض بحانب نادي اليرموك الرياضي المعروف بنادي الكبرا قد تم فرزها من قبل بلدية اليرموك لبناء مسجد وتعود ملكيتها في الأصل لآل العظم ولكن واحداً من الورثة ويقال: إنه المفكر صادق جلال العظم قد رفض الفكرة مما جعلها في نزاع قانوني فانصرف أبو وسيم إلى بستان المهايني وكانت المحافظة قد خصصت قطعة أرض من الاستملاك لبناء مسجد وسرعان ما أعجبته الفكرة وباشر بالاتفاق مع المحافظة ووزارة الأوقاف ببناء المسجد وتم الانتهاء منه في عام ٢٠٠٠م ويقال وعلى ذمة الرواة: أن صاحب البستان الأصلي بحث عن الممول وأقنعه أن هذه الأرض مغتصبة ولا يجوز بناء مسجد عليها إلا برضا صاحبها وبعد جدال تم ترضيته بمبلغ مليون أو مليوني ليرة سورية والله أعلم، وأما قطعة الأرض السابقة فقد أضحت جامع الحبيب المصطفى فيما بعد بتمويل من آل زرزور الدمشقيين جيران المسجد.

ومنذ مطلع القرن الجديد غدا جامع الوسيم من أشهر مساجد اليرموك بعد جامع البشير فهو الوحيد الذي يقع على شارع اليرموك وتم بناؤه بشكل هندسي رائع، ولكونه وفي طريق مقبرة الشهداء فتم اتخاذه للصلاة على جنازات الشهداء بعد أن كان جامع فلسطين مركزاً للصلاة عليهم لقربه من المقبرة القديمة، وكما أضحت الساحات الواسعة في المشروع مربعاً ومركزاً للنشاطات الفلسطينية الثقافية والتنظيمية والخطابية فكثيرا ما كانت تقام المعارض الفنية والتراثية كما كانت تقام وقفات احتجاج لأكثر من مناسبة وأما خيمة الاعتصام فكانت تنصب للمناسبات الكبيرة ولقبول العزاء وربما أقيم آخر واجب العزاء بالشهداء الذين قضوا في محاولة اقتحام الجولان في صيف ٢٠١١م وكان احتفالاً كبيراً شهدته أكثر الفصائل الفلسطينية وجمع غفير من الناس، وفي صيف عام ٢٠٠٧م أقيم أول عرس جماعي فلسطيني هناك إذ تم زفاف خمسين عريساً وفي العام التالي تم هناك أيضاً زفاف جماعي لأكثر من خمسمئة شاب وشابة في أجواء حماسية ونضالية.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٠)
الصفوري مطهر الأولاد
ربما أهم ما يمتاز به مخيم اليرموك عن غيره من مناطق دمشق بل سورية كلها أنه منبع لماركة مسجلة على مستوى سورية كلها ألا وهي ماركة الصفوري فبالرغم من اشتهار قرية صفورية والتي كانت من أكبر قرى الناصرة بالعلم والجهاد والزراعة إلا أن مهنة ختان الأولاد ألصقت بها تماماً، فأذكر من أكثر من عشرة سنوات ومن شاشة التلفزيون العربي السوري ومن برنامج الكمرا الخفية يرد عصام عبه جي: «شو مفكرني صفوري» بعد أن تكرر اتصال أحدهم عليه يطلب منه أن يطهر ابنه.

يرجع تاريخ هذه المهنة لآل أبو القاسم من صفورية وقد عرفوها أباً عن جد وقد مارسوها بفلسطين قبل عام ١٩٤٨م ووصلت شهرتهم إلى القدس وغزة ونابلس وحيفا ويافا وحتى وصلت شهرتهم وأدواتهم الطبية إلى شرقي الأردن فما من قرية في فلسطين إلا والصفوري دخل عليها وقام بمبضعه يختن الأولاد تاركا الأهل في فرحة غامرة والأطفال في عذاب وبكاء، وحتى والدي المولود في لوبية عام ١٩٢٨م على ما قال لي أنّ أبا سعيد الصفوري قد أجرى له عملية الختان، كما حدثته والدته وأوصاها أي أبو سعيد أن تستعمل زيت الزيتون فقط بعد ثلاثة أيام من عملية الختان، وأثناء عملية الختان احتفلت قرية لوبية بختان والدي بذبح الخراف وبزغاريد النسوة وغنائهن:

طهروا يا مطهر بالموس الرفيع

طهروا يا مطهر وناولُه لأمُّه

يا دمعته هالغالية نزلت على كمُّه

طهروا يا مطهر وناولُه لأبوه

يا دمعتُه هالغالية نزلت على ثوبُه

بعد نكبة ١٩٤٨م هاجر أشهرهم قاسم آبو نديم الصفوري من فلسطين ووصل لدمشق وهناك وفي عام ١٩٤٩م قابل حسني الزعيم طالباً له السماح بالترخيص لافتتاح عيادة نظامية حيث كانت مهنة الختان في دمشق وغيرها غالباً ما يقوم بها الحلاقون!! وبالفعل وفي عام ١٩٥٠م تم افتتاح أول عيادة نظامية لختان الأولاد بعد أن حصل على ترخيص نظامي من وزارة الصحة السورية، وذلك قبل تأسيس مخيم اليرموك، ومن هناك حيث سكن أكثر أهل صفورية في حي الميدان افتتح أبو نديم الصفوري عيادته ومارس عمله بكل مهارة وتقنية حتى طارت شهرته مدينة دمشق وريفها بسبب نشاطه وهمته العالية إذ كان ينطلق بدراجته الهوائية ثم النارية من حي لحي ومن قرية لقرية فمن الكسوة إلى جوبر إلى المليحة إلى دمر إلى الهامة إلى جرمانا إلى غيرها من أرض الله الواسعة، وبعد تأسيس المخيم تم افتتاح أكثر من مركز وقد علم أبو نديم أولاده الأربعة هذه المهنة إلا أنهم زهدوا فيها وفضلوا التجارة أما أقاربه وبعض أبناء بلدته صفورية فقد امتهنوا هذه المهنة أيضاً وكل واحد أطلق على نفسه اسم الصفوري وانتشرت عياداتهم انتشار النار بالهشيم في المخيم تجد أكثر من عشرة مراكز كلها تحمل لوحات «مطهر أولاد الصفوري» وكما امتدت المراكز لخارج المخيم ففي باب مصلى وقرب الأمن الجنائي عدة مراكز وفي الميدان وغيرها ودب التنافس بين العيادات وكلهم صار يكتب لوحة «نحن المركز الأول الرئيسي» وانتشرت هذه الإعلانات على الحيطان واللوحات وعلى صفحات المجلات التجارية كالدليل والوسيلة وغيرها وحتى على الزجاج الخلفي من السيارات حتى غداً اسم الصفوري في دمشق وحولها تعني مطهر الأولاد، وتطورت المهنة وأدخل عليها بعض التقنيات كالليزر وغيرها.

وإذا كان والدي أطال الله في عمره قد طهّره أبو سعيد الصفوري فأنا كما قالوا لي طهّرني أبو نديم الصفوري عام ١٩٥٧م، وأما ابني ملهم المولود في المخيم سنة ١٩٨٧م فأيضاً طهره الصفوري ولعله ابن أبي نديم وأما حفيدي إياد الصمادي المولود عام ٢٠٠٢م فأيضاً طهره الصفوري وأظن أن ٩٥% من ذكور المخيم و٨٠% من ذكور دمشق عرفوا الألم والصراخ الذي لا بدّ من بسبب مبضع الصفوري.

أتمنى من الله أن يعود أهل المخيم لبيوتهم وحاراتهم وأن يملؤوا المخيم بالذرية الصالحة ليعود الصفوري هناك حاملا أدواته ليطهر أبناءنا بعد أن نطهره من كل كاره وحاقد ريثما نرجع إلى فلسطين الحبيبة ونطهرها من الصهاينة الغادرين وليس ذلك على الله ببعيد.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:06 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٧١)
العودة للتدريس وحصار بيروت ١٩٨٢م
أرجو من الإخوة القراء تحملي بقراءة المذكرات الخاصة والتي لا بد من ذكرها لأنني تورطت في بعض الحلقات السابقة بذكرها إذ كان لا بد من متابعتها والذي يشجعني على سردها ولو مختصراً ارتباطها بالمخيم وحالته الاجتماعية.

بعد أن سرحت من خدمة العلم من بيروت في منتصف شهر شباط من عام ١٩٨٢ عدت إلى التدريس وبعد أن أخذت هويتي المدنية وشهادة إنهاء الخدمة راجعت الأستاذ عبد الرزاق المصري موجه قسم التربية الرياضية في مديرية تربية دمشق وكان مقرها يومئذٍ شمال المتحف الوطني بالقرب من نهر بردى ومن هناك أخذت فرزي إلى مدرسة ابن جبير الأندلسي بالمزة حيث وجدت أن أكثر طاقمها التعليمي من الفلسطينيين أذكر منهم المدير جهاد دياب من سكان حارة اليهود والمعلم محمود رشدان من خان الشيح والمعلم زياد عمورة من سكان المزة وغيرهم.

كنت قريباً من جامعة دمشق والواقعة أيضاً في منطقة المزة إذ كنت في كثير من الأحايين أخرج من مدرستي متجها نحو قسم اللغة العربية في كلية الآداب لمتابعة المحاضرات إذ كنت سنتها في السنة الثالثة ومع نهاية العام الدراسي كنت قد قدمت طلباً للنقل إلى مدرسة قريبة من المخيم.

وفي صيف ذلك العام ١٩٨٢م وأثناء العطلة الصيفية تم اجتياح لبنان من قبل جيش الاحتلال الصهيوني وصار حديث المخيم كله عن أخبار الاجتياح وصمود المقاومة الفلسطينية في بيروت حيث تركت هناك زملائي في جيش التحرير الفلسطيني ولم تمض عدة أسابيع حتى أُستدعيت للالتحاق بالاحتياط حيث تم استدعائي مع أغلب المجندين الذين سرحوا معي وذهبت إلى مصياف حيث أعيد تشكيلنا ضمن قوات الجيش التي تستعيد التدريب.

وخلال تلك الفترة تطورت الأحداث تطوراً مذهلاً فبعد اغتيال بشير الجميّل تم محاصرة بيروت لمدة ست وسبعين يوماً وتم بعدها الاتفاق على خروج المقاتلين الفلسطينين، ولم أنسَ يوم أن خرج معظم الشباب والصبايا من المخيم بواسطة الباصات التي امتلأت بهم حتى ركب البعض وكنت منهم على سقف الباص وسارت بنا حتى مركز الجديدة وهناك كان موعدنا مع المقاتلين الصامدين وكان من بينهم من كان معي بالخدمة وفوجئنا باستشهاد بعض الزملاء وكانت الواقعة شديدة على أمهاتهن اللواتي خرجن لاستقبالهن وعلمن باستشهادهن، فصارت بعض النساء ممن كن معنا بالباص يهدئونهن ويطلبوا منهن أن يحتسبوهم عند الله: ودخلنا معهم إلى دمشق ولكن بعد أيام جاءت الأخبار المزعجة بمجزرتي صبرا وشاتيلا حيث استشهد أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني من قبل عصابات شارون والقوى اللبنانية المتحالفة معه.

لم نلبث هناك إلا شهراً أو أقل حيث تَمَّ نقلنا للمعسكر في «قطنا» ومع افتتاح المدارس وحاجتها للمدرسين صدر قرار من القيادة السورية يقضي بتسريح المعلمين والمدرسين من المسحوبين للاحتياط حيث سرحت من هناك، والتحقت بمدرسة شكري القوتلي في منطقة القدم القريبة من المخيم وبعد حوالي شهر من الدوام وفي تاريخ ١٩٨٢/١١/٢٥ حصلت على إجازة لمدة ستة آيام بمناسبة زواجي.

أتممت العام الدراسي في هذه المدرسة والتي كثيراً ما كنت أذهب إليها سيراً على الأقدام أو على الدراجة الهوائية بين البساتين وكانت أياماً حلوة لا سيما مع زميلي في تدريس الرياضة الأستاذ إبراهيم أبو كنور من حارة المغاربة بالمخيم والمرحوم الأستاذ إسماعيل زغموت من الصفصاف وموفق دكاكني من صفورية وغيرهم من المدرسين وأما الإخوة السوريين فأغلبهم من محافظة درعا حيث يقطنون في منطقة القدم وأذكر منهم الزميل الشاعر أكرم قنبس.

وكانت هذه السنة هي آخر سنة تدريس لي في دمشق حيث أنني تعاقدت مع وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية عن طريق مكتب التوظيف السعودي بالمزة في آخر سنة تعاقد له في سورية وحيث سافرت للرياض بصيف ١٩٨٣م مع زوجتي بالطائرة التي أركبها لأول مرة بحياتي.

يتبع ...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٢)
مدارس «الأونروا» ومخيم اليرموك
هذه خاطرة كنت قد خططها لحفيدي الغالي إياد قبل سبع سنين يوم كان المخيم عامراً بأهله وبيوته ويومها كان الحفيد ابن ست سنين في يومه الأول بمدارس الأونروا واليوم إياد يمارس هواية آبائه وأجداده القسرية بالهجرة فهو يبحث عن مدرسة له في السويد ليسجل في الصف الخامس بعد أن أضاع عاماً ما بين بيروت وإستانبول وأثينا وفيينا واستوكهلم في البحث عن رحلة البقاء.

أمسك الجد الخمسيني بيد حفيده في صباح يوم باكر، ينذر بنهاية الصيف، ويبشِّر بالخريف، الوقت مبكرٌ جدّاً، والساعة تدق السادسة وأربعين دقيقة، آلاف من الطلَبة وذويهم على موعد جديد، موعد يأتي كل عام في مثْل هذا الوقت، موعد يستعد له الناسُ جميعاً، حتى هنا في المخيم الاستعداد على أكمل وجه.

أحبَّ الجدُّ أن يصحبَ حفيده في هذا اليوم إلى مدرسته الجديدة؛ لذكريات دفينة في أعماقه، أحَبَّ أن يسترجعها بصُحبة أحب الناس إليه.

قال الجد لحفيده: اسمع يا إياد، هذه المدرسة التي تتوشح باللونيين الأبيض والأزرق هي المدرسة نفسها التي كنتُ طالبًا فيها، وأنا في سني عمرك، قبل خمسة وأربعين عاماً ونيِّف، يومها لم يصحبني جدي ولا جدتي، ولا أبي ولا أمي، بل صحبني أولاد الحي الأشقياء في هذا المخيم، هذا المخَيَّم الذي كان من قبل مخيمًا بمعنى الكلمة، كله زفت إلا الشوارع، بيوت متواضعة ومتراصة، سقفها من الخشب أو الزنك، يضع الناس في غرفهم في فصل الشتاء عددًا من الأواني الكبيرة، حتى تستوعب مطر الشتاء، هذه الأراضي وزعتها مؤسسة اللاجئين على المستحقين منَّا، أسماها الناس بالنمرة، مساحة كل قطعة منها أربعون مترًا، تزيد أو تنقص قليلاً، والناس يومها لم يهتموا بالبناء كثيرًا؛ لضيق ذات اليد، ولأمل العودة الذي ظنوه قريباً.

هذا البيوت يا أياد أصبحت اليوم سوقًا تجاريًّا بامتياز، يحمل أشهر الماركات العالمية، اعتاش منه عدد منَ اللاجئين، وإخوتهم السوريين والعراقيين.

هذا الشارع يا إياد هو الشارع نفسه الذي درجتْ فيه المحلات نفسها، ولكنها اليوم تطورتْ، ولحقت بها الديكورات الخلاَّبة، هذه المكتبة يا أياد كانتْ في أيامنا محلاًّ لتأجير الدراجات، كنَّا نخرج من المدرسة، ونعطي أبا عبده ــ يرحمه الله ــ فرنكًا أجرة مقابل ربع ساعة، نطوف بها مزهوين في شوارع المخيم الترابيَّة، والويلُ لِمَن يتأخَّر عن تسليم الدراجة، أو يأتي بها «مبنشرة»، وأما مطعم أبي رضوان هذا، فهو نفسه المطعم القديم، وأبو رضوان هذا العجوز كان يبيع لنا سندويتش الفلافل بفرنكين، واليوم يبيعها لكم بعشرين ليرة.

سأل إياد جده: شو يعني فرنك وفرنكين؟

تبسَّم الجد ــ وهو يتمتم ــ: سقى الله أيام زمان.

وهذا المستوصف يا إياد هو المستوصف نفسه الذي كنَّا نتعالج فيه، ونحن في مثْل سنك كنَّا نصطفُّ فجرًا لنقطع النمرة من حسين السليم ــ يرحمه الله ــ لم يتغيَّر اسمه؛ إنه مستوصف محمد الخامس، أذكرُ يا أياد وأنا أصغر منك بسنة أو سنتين، يوم زار ملك المغرب محمد الخامس ــ يرحمه الله ــ هذا المخيم، ووضع حجر الأساس في هذه الزاوية التي أصبحتْ موقفًا لسيارات أطباء الوكالة، أذكر الواقعة وكأنها طيف خفيف.

وما أن ولج الجد وحفيده باب المدرسة، حتى شد الجد على يد حفيده، ورافعًا صوته من ضجة الطلاب وذويهم:

هنا في هذه المدرسة درجتُ وتعلَّمتُ، الثوابت كما هي، والمتغيرات كثيرة، الملعب في مكانه، وكذا الفصول والحمامات والجدران نفسها، إلا أنها أصبحتْ ملونة، ومليئة بالرُّسومات الجميلة، حتى تتلاءَم مع التربية الحديثة، كما يدَّعي ذوو الخبرة والفهْلوة، وأسماء المدارس لم تتغيَّر، إنها الأسماء نفسها: صرفند، والنقب، والفالوجة، وصبارين، ونمرين.

كان دوامنا فترة واحدة، وكنَّا في أيام السبت والاثنين والأربعاء نذهب لمنازلنا أو إلى مطعم الوكالة القريب من هنا؛ لتناول طعام الغداء، ثم نعود إلى الفصول لنتابع الدروس حتى العصر، وكانت المدرسة تقدِّم لنا في الفسحة الأولى كوباً من الحليب، وحبتين أو ثلاثاً من «زيت السمك»؛ لأنَّ أكثر الطلاب كانوا فقراء، لَم يتناوَلوا الإفطار في بيوتهم.

طبعًا المعلمون الذين علَّموني يا إياد نصفهم في ذمَّة الله، ومنهم من ينتظر، والغريب أنَّ كثيراً منهم مات بالجلطة؛ بسبب شركات توظيف الأموال التي وضعوا فيها كلَّ مُدخراتهم، فطارتْ ثم طاروا بعدها إلى مستقرِّ رحمته.

ألقى الجد نظرة سريعة على المدرسة ومعلميها، فقال لحفيده:

يا بني، كان مُدَرِّسونا كلهم من الرجال، واليوم أرى معلمات كثيرات يحملْن دفاتر التحضير والطباشير الملونة؛ استعدادًا للعطاء، أما مُدَرِّسونا فكانوا يحملون العصي الغليظة، والويل لمن قصَّر في دروسه، أو خالفَ النظام.

كنَّا نرتدي المرايل ذات الألوان الكاكية، حتى تتناسَب أكثر مع أحلامنا، أما أنتم اليوم، فترتدون المرايل ذات الألوان الزرقاء، ربما تكون أجمل من مرايلنا، ولكنني لو رجعت صغيرًا وخيَّروني، لاخترت (المريول) ذا اللون الكاكي.

ما زلت أحفظ دروسًا من الصف الأول:

سافر قطار درعا

يا سوزان قولي عاش بابا

ساعد خالي جارنا

حارب جميل اليهود في فلسطين

أظن أن هذه العبارات تغيَّرتْ من مناهجكم، فلا قطار درعا بقي، ولا خالي غدا يُساعد حتى أقاربه، وصارتْ سوزان تقول: عاشتْ ماما، وترك جميل فِلَسطين، وصار يُحارب في كل مكان إلا فلسطين !!.

هنا يا حفيدي كنَّا نصطف في الطابور، كان المديرُ محمد عطية ــ يرحمه الله ــ يقف على هذه الشرْفة بعد قرع الجرس، كنا ــ ليس كأيامكم هذه ــ نقف وكأن العصافير فوق رؤوسنا، لا تطير خوفًا مِن عصاه الغليظة، بعدها يُعطي المدرس المناوب أوامره للطلاب: «ترادف، أسبل، استرح، استعد».

صاح الحفيد: «شو يعني ترادف أسبل؟».

ابتسم الجد قائلاً: ما زلتَ في اليوم الأول يا إياد، وغدًا تعرف لغة الانضباط الجديدة.

كنَّا يا إياد نحلم بأن يطول شعرنا، كانت التعليمات تقتضي بأن نحلقَ على الصفر؛ خوفًا على طُلاب الوكالة من القُمَّل والسيبان، أما أنتم اليوم فلم أرَ طالبًا شعرُه قصير، بل أرى قصَّات بموديلات مختلفة.

كان والدي عندما يزور المدرسة ــ وقلَّما يزورها ــ يقول للمدرس: «اللحم لك، والعظم لنا».

تابع الجد قائلاً: أهم شيء يا إياد كنَّا في الطابور الصباحي ننشد يوميًّا نشيد الشاعر هارون هاشم رشيد:

عَائِدُونَ عَائِدُونَ إِنَّنَا لَعَائِدُونْ

فَالقِلاعُ وَالحُصُونُ لَنْ تَكُونَ لَنْ تَكُونْ

فَاصْرُخُوا يَا نَازِحُونَ عَائِدُونَ عَائِدُونْ

كان أهل المخيم يظنون أنهم سيعودون قريبًا؛ لذا كان هذا نشيدنا اليومي، حتى نقلناه إلى بيوتنا، فصارتْ أمهاتنا تغنين به، إلى أن انتقلن إلى رحمة الله، ودفنَّ في مقبرة اليرموك القديمة والجديدة، والتي لم تَعُد تتَّسع لموتى جُدد، حتى إن اليهود هجروا لنا رفات عشرات الشهداء الذين قضوا نحْبهم على أرض الوطن السليب، فضاق المكان على السكان.

أشار الجد إلى أحد الفصول قائلاً: انظر إلى هذا الفصل يا بني، لقد كان فصل أمك الغالية، وهي بالصف الثاني، يومها هربنا من حرب الخليج الثانية إلى هذا المخيم، ففتحت الأونروا أبوابها للطلاب القادمين من الخليج، دون قيْد أو شرْط، لم تمكُث أمك فيه سوى شهرين، لقد انتهتْ حرب الخليج سريعًا، وعاد صدام حسين من حيث أتى، وعُدنا نحن إلى أعمالِنا في الرياض.

قرع الجرس، واصطف التلاميذُ دون خَوْف أو وجَل، ووقفت المعلمات أمامهم يحْملن لطلاب الصف الأول الحلْوى والألعاب، يوزعنها على الضيوف الجُدد، رجع الجد القهقرى، وراح يتحسَّر على طفولته البائسة، وتذكر اليوم الأول، يوم استقبله الأستاذ المحترم في المدرسة نفسها بالعصا الغليظة والعبوس، الذي يشبه عبوس المخيم في حينه.

 

 

يتبع...

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٣)
الشهيد سرور برهم «أول استشهادي فلسطيني» (١)
 

بالمصادفة اجتمعت مع عدد من الزوار والأصحاب والأصدقاء في إحدى المزارع القريبة من دمشق مساء الأربعاء 22/8/2007م وطلب الداعي من الحضور التعريف حتى يتسنى للجميع معرفة بعضهم وبدأ التعريف: محمد من صفد،خالد من صفورية، سعيد من الجولان المحتل،الشيخ أحمد من الشام،أبو ثائر من لوبية،ونزار من كوسوفو طالب علم في دمشق،ويحيى سرور برهم مدرس متقاعد من حيفا و.....

ذكَّرني هذا الاسم «سرور برهم» بمجاهد كبير سمعت عنه الكثير وأعادني أربعين سنة للوراء يوم كانت إحدى البقاليات القريبة من منزلي بمخيم اليرموك لمحمود سرور برهم الابن البكر للمجاهد سرور برهم وكانت في شارع اليرموك وبجادة حارة دير ياسين الرابعة المطلة على مجمع مدارس الأونروا، ذكرني الاسم ونحن صغار السن عندما كنا نسمع من الكبار أن المجاهد سرور برهم فجر سيارة مليئة بالأسلحة حتى لا يستولي عليها اليهود، وعاد تذكر الشهيد سرور برهم في موجة العمليات الاستشهادية الكبيرة أبان الانتفاضة المباركة.

سألت الأستاذ يحيى أن يحدثنا عن والده سرور برهم ولكن يبدو أن أمراض الشيخوخة حالت بينه وبين سؤالي فلم يسمعني جيداً فما كان منه إلا أن هز رأسه قائلاً: «بارك الله فيك».

ولما رجعت إلى البيت وفي صباح اليوم التالي صبحت على الوالد أطال الله عمره أحدثه عن سهرة الأمس وسألته عن المجاهد سرور برهم فأمدني بمعلومات قيمة وطلبت منه كتابا ذكر هذه المعلومات فسرعان ما نزل إلى مكتبته وبحث في الفلسطينيات فأخرج لي كتابين الأول للشيخ نمر الخطيب «من أثر النكبة» دمشق ١٩٥٠«والآخر كتاب الشيخ عبد الرحمن مراد» صفحات عن حيفا ومعركتها الأخيرة دمشق ١٩٩١ ومما رواه المؤلفان عن الشهيد سرور برهم ومما سمعته من الوالد أدون ما يلي:

الشهيد من مواليد حيفا ١٩٠٣م تربى على التدين والجهاد من صغره سرعان ما شارك في الجهاد ضد الغاصبين والمحتلين، وأما قصة استشهاده فهي كما يلي:

ذهب قائد حامية حيفا العربية المجاهد الأردني محمد حمد الحنيطي إلى بيروت ودمشق للاجتماع بالمسؤولين في الهيئة العربية العليا وباللجنة العسكرية العليا التابعة لجامعة الدول العربية كان برفقته سرور برهم وزوجته وعدد من المجاهدين وطلبوا إرسال أسلحة وذخائر ومتطوعين إلى حامية حيفا التي كانت تشكو من قلة الذخيرة والسلاح وأخيراً وبعد محادثات مضنية استطاعوا الحصول على شاحنتين كبيرتين مجموع حمولتهما ١٢ طناً وسارت السيارتان برفقة الحنيطي الذي أصر على المرافقة بالرغم من نصائح الشيخ نمر الخطيب على السير في طريق آخر يسبق القافلة حفاظا على سلامته وسارت السيارتان ورافقهما القائد الحنيطي بسيارة خاصة وسيارة بها سرور برهم وزوجته من بيروت لصيدا حيث انضمت إلى القافلة شاحنة مملوءة بأسلحة مرسلة من الهيئة العربية العليا لفلسطين واستمرت القافلة بالمسير حتى رأس الناقورة مركز العبور بين لبنان وفلسطين والذي كان تحت السيطرة الإنجليزية وتحت أعين ضباطها وجنودها الذين كانوا عيونا لليهود وأخيراً وصلت القافلة إلى عكا فاقترح سرور برهم على الحنيطي المبيت في عكا ونقل الأسلحة إلى حيفا عن طريق البحر فرفض الحنيطي وأصر على متابعة المسير وكذا نصحه بعض وجوه عكا، ولكنه أصر على المسير لأنه اعتبر أن المبيت في عكا نوع من الجبن والهزيمة، وتابعت القافلة سيرها بعد أن انضم إليها عدد من المجاهدين العكاويين وعند وصول القافلة مدخل مستعمرة «موتسكين» الواقعة في منتصف الطريق بين حيفا وعكا كانت قد تنامت لليهود عن طريق جواسيسهم وربما عن طريق مركز الناقورة أخبار القافلة، يقول الشيخ نمر الخطيب: وقبل وصولها بـ(٧) كيلومترات شاهد أحد رجال القافلة أن يهودياً كان يراقب وصول القافلة فلما رآها امتطى دراجته النارية وعدا أمامهم،ففوجئ المجاهدون بإغلاق الطريق ببراميل كثيرة أو دبابة، وعند توقف القافلة انهمرت عليها النيران من كل حدب وصوب فتسلل بعض المجاهدين واشتبكوا مع اليهود وقد استطاع سائق إحدى السيارتين المملوءة بالسلاح أن يفلت من الطوق اليهودي ويعكس سيره وينجو بالسيارة كما استطاعت سيارة صغيرة رافقتهم من عكا بالإفلات وكان باستطاعة سرور برهم أن يفلت أيضاً إذ كانت سيارته بالمؤخرة ولكن عز عليه أن يرى صحبه في المعركة ويتأخر عنهم فما كان منه إلا أن فتح باب السيارة وخلع سترته وطربوشه وسلمها لزوجه أم محمود قائلا لها (اشهدي لي، اشهدي لي يا أم محمود).

وتناول سرور بندقيته وأخذ يزحف على الأرض حتى وصل إلى قرب القائد الحنيطي وصحبه المنبثين في ميدان القتال فوجده قد استشهد، ونظر إلى شاحنة الأسلحة فوجد اليهود قد صعدوا فوقها للاستيلاء عليها فعز عليه ذلك فتناول قنبلة كانت في جيبه واقترب من السيارة وصعد فوقها وألقى بها على مبدأ «عليَّ وعلى أعدائي يا ربي» فخر الجميع صرعى بما فيهم الشهيد سرور برهم وقد احترقت جثته، وقد دوى شمال فلسطين بالانفجار وقد سمع من الحدود اللبنانية ورجت حيفا وعكا وما جاورهما، لقد أفتك هذا الانفجار بعشرات من اليهود الذين هرعوا لغنيمة الأسلحة كما دمرت العشرات من المنازل اليهودية ومن شدة هول الانفجار أحدث حفرة عميقة على مسافة بعيدة، كانت هذه المعركة في
17/3/ 1948م.

ولم ينجُ من المجاهدين في هذه المعركة إلا مجاهد واحد في قصة عجيبة بل معجزة فقد كان مستلقياً على ظهره وإذا بالهواء الشديد من شدة الانفجار يرفعه إلى مئات الأمتار ويلقي به فوق إحدى عربات القطار المتجهة إلى عكا وهذا الرجل معروف باسم أبي طوق وكان سائقاً للقائد محمد الحنيطي وفعلاً وصل إلى عكا يحدث الناس بما حصل.

وأسفرت العملية البطولية عن ١٤ شهيداً صلي عليهم جميعاً في الجامع الكبير ودفنوا في مقبرة الياجور بحيفا أما القائد محمد الحنيطي فلف بالعلم الأردني ووضع في سيارة متجهة إلى شرقي الأردن حيث دفن هناك في بلده رحمه الله.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٤) 
الشهيد سرور برهم، أول استشهادي فلسطيني (٢)
 

لم أكتف بالمعلومات التي قرأتها وسمعتها عن الشهيد سرور برهم وخطر على بالي زيارة ابنة الأستاذ يحيى في بيته بمخيم اليرموك علني أسمع المزيد عن حياة والده، قرعت الباب ففتح لي نجلا الأستاذ يحيى «عمر وعمار» اللذان كانا معنا في سهرة أمس فرحبا بي أشد ترحيب وبعد دقائق دخل الأستاذ يحيى ولما عرفوا مطلبي قدموا لي ما أريده. 

قال الأستاذ يحيى أنا من مواليد حيفا 1938 وخريج جامعة دمشق قسم الجغرافيا، وأضاف: ولد الشهيد سرور برهم عام 1903 وقد أنجب والدي ذكرين هما محمود ويحيى وست بنات هن ظريفة وفاطمة ونعمات ومنيفة وكوثر ونصرة أردف قائلاً:

 كان والدي وغيره من المجاهدين شغلهم الشاغل الجهاد في سبيل الله وطرد اليهود شذاذ الأفاق الذين استولوا على البلاد، ولكن كما يقولون العين بصيرة واليد قصيرة لم تكن الأموال متوفرة عند الناس كان الوالد يبيع فراش الصوف والأغراض الثمينة من أجل شراء السلاح، كان بيتنا الواقع في وسط حيفا في شارع الناصرة مركزا للثوار ومخبأ للأسلحة أذكر كبار القادة وهم يزوروننا والوالدة تعد لهم الأكل والشرب يسهرون ويتناقشون في أمور الثورة، اشترك الوالد في عمليات فدائية جريئة كما أنه تزعم جماعة الكف الأسود في حيفا التي كانت تلاحق لعملاء والخونة،كما أنه كان معاون قائد حامية حيفا.

ويردف الأستاذ يحيى قائلاً: أذكر يوماً أنني شاهدت كفيه محروقتين ولما سألت عن السبب أجابتني الوالدة رحمها الله لقد كان يستعمل مدفع هاون جديد وقد حرقت كفاه من حمم النار.

سألته عن العملية البطولية التي قام بها الوالد إن كان يذكرها قال: كنت يومها في صيدا مع أخواتي البنات لاجئين مشردين لأن المعارك كانت على أشدها بين المجاهدين واليهود وقد ودعنا الوالد وأصرّ على اصطحاب الوالدة معه لأنها كانت تتوق للجهاد في سبيل الله فخرجا مع قافلة الأسلحة ونحن ندعو لهما ولامجاهدين بالنصر والثبات.

أضاف الأستاذ المرحوم يحيى: سمعنا ونحن في صيدا دوي انفجار قوي فأوجسنا خيفة فصرنا ندعو أن ينصرنا الله على اليهود ولم نعلم أن هذا الانفجار كان العملية البطولية للوالد إلا بعد آيام حين وصول الوالدة إلى صيدا حزينة على فقدان زوجها ومنتشية بما قام به من بطولة حالت دون استيلاء اليهود على سيارة الأسلحة. 

تابع الأستاذ حديثه: مكثنا في صيدا مدة ثم انتقلنا إلى دمشق وسكنا مخيم اليرموك، توفيت الوالدة أم محمود في الأردن لدى زيارتها لإحدى بناتها هناك ونقلت إلى مخيم اليرموك ودفنت في مقبرتها.

خرجت من بيت الأستاذ يحيى وأنا معجب بأن روح الجهاد والاستشهاد ما زالت تسري في بيته فولداه عمر وعمار حدثاني كذلك عن جدتهم أم محمود رحمهما الله وعن عمهم محمود أبي أحمد الذي توفي في اليرموك عام ١٩٩٠ وعما كانا يحدثانهما عن جدهما وعن المجاهدين أمثال رشيد الحاج إبراهيم وفخري البرد وأحمد عمورة وسعيد عطية وغيرهم من المجاهدين والشهداء، خرجت وكلي ثقة بأن الخير في أمتنا إلى يوم القيامة ويممت شطري نحو منتصف المخيم لأنني أذكر أنني عندما كنت في العاشرة من عمري رأيت شارعاً باسم «سرور برهم» متفرعاً من شارع صفد، ذهبت هناك لأتأكد من أن الشارع ما زال يحمل اسمه القديم فوجدته كما هو عندها شكرت بلدية المخيم التي ما زالت على عهدها القديم. 

توفي الأستاذ يحيى في الشهر الأخير من عام ٢٠١٠ وبعد عام توفيت زوجته لطيفة السهلي أم عمر أي قبل خروجنا من المخيم، وبعد نكبة اليرموك وهاجر ولداها عمار وعمر إلى ضواحي دمشق بعد أن بقيا شهورا هناك يقدمان العون والمساعدة لكل بقي هناك. وهما كغيرهما من شباب المخيم ينتظرن بفارغ الصبر العودة لبيوتهما ومخيمهما وحارتهما. 

يتبع...

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٥)
عملية النورس ١٩٧٩م
هي أول عملية علنية لتبادل الأسرى بين المنظمات الفدائية الفلسطينية والكيان الصهيوني الغادر وتمت العملية بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة ــ والكيان المغتصب، بتاريخ ١٤ آذار من عام ١٩٧٩م حيث حررت العملية ٧٦ مناضلاً فلسطينياً معتقل لدى الكيان الصهيوني من مختلف التنظيمات الفدائية الفلسطينية مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي أسير لدى الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، حيث أسرت الجبهة في الليطاني بتاريخ الخامس من نيسان عام ١٩٧٨م، جندياً إسرائيلياً من قوات الاحتياط هو «إبراهام عمرام» حينما تم مهاجمة شاحنة إسرائيلية في كمين قرب صور وقرب عن مخيم الرشيدية فقتل آنذاك أربعة جنود إسرائيليين أيضاً.

وقد بدأت عملية النورس لتبادل الأسرى يوم التاسع من أذار عام ١٩٧٩م حيث تم جمع جميع المعتقلين والمعتقلات البالغ عددهنم ٧٦ في مكان واحد داخل الأراضي المحتلة وانتهت العملية يوم ١٤ من الشهر نفسه حيث تم تحرير ٧٦ معتقلاً مناضلاً من سجون الاحتلال وإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، كما تم إطلاق العديد من أسرى التنظيمات الفلسطينية من فتح والديمقراطية والشعبية والصاعقة، ومن ضمنهم ١٢ فتاة فلسطينية.

عصر ذات يوم من ربيع ١٩٧٩م كانت الباصات تجوب في شوارع مخيم اليرموك لتقل الناس إلى مطار دمشق الدولي، لم أتردد وبدقائق معدودة كنت مع كمرتي بالباص الذي انطلق للمطار وفي الطريق لم نترك أغنية فلسطينية تحمل معاني النصر إلا غنيناها، وما أن وصلنا المطار وكان الآلاف غيرنا بانتظار الحدث التاريخي، حلقت الطائرة في سماء دمشق لم يصبر الشباب كثيراً تسلقوا سور المطار وكنت منهم حطت الطائرة على المدرج وحمل العمال الدرج الحديدي وألصقوه بباب الطائرة فركضت معهم صعدت على الباب ولما فتحت الطائرة أبوابها كنت أول المستقبلين لهم فما أجملها من ذكرى غالية عليّ، أما من كان في الأرض فكان المطران كبوتشي مع بعض القيادات الفلسطينية من القيادة العامة وغيرها من الفصائل الفلسطينية وكذا بعض المسؤولين السوريين والحمد لله لم أتذكر أحداً منهم، نزل العشرات من الطائرة ولما طل مصطفى حجو لم أدر لمَ عانقته ألأنه من لوبية بلدي أم أنه من المخيم؟ المهم نزلت معه ورافقته حتى استقل باصاً كان بانتظار المحررين، وكان منهم أيضاً سمير درويش الذي استشهد أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢م ومنهم محمد جابر شتا وصالح الأبطح وعمر أبو راشد وتحسين الحلبي وغيرهم من سكان مخيم اليرموك.

انتهى الحفل الكبير ورجعنا للمخيم دون الأسرى وقيل لنا أنهم بضيافة الدولة من أجل إجراء بعض الفحوصات والترتيبات، وفعلا في اليوم الثاني أو الثالث بدأت قوافل الأسرى تصل للمخيم في عراضات جميلة يحتف فيها الأهل والجيران بقدوم الأسير وقد شهدت عددا من هذه العراضات.

وكان من بين الأسرى المفرج عنهم اثنتا عشرة امرأة منهم عفيفة حنا بنورة التي عملت في مجمع الخالصة وكانت على خلق كبير ومن النساء أيضاً ممن آثر البقاء في فلسطين ست وهنّ مريم روحي حافظ الشخشير من نابلس،وسامية مصطفى محمد علي من بيت لحم، وابتسام محمد عابد من غرايبة طمون، وفريال سمعان حنا سالم عدي من الطيبة رام الله، وإيمان نبيه علي صمادي من نابلس،وإيمان يوسف عبدالرزاق الخطيب من بيت لحم، هذا وقد أصدرت القيادة العامة كتابا توثيقا حمل اسم عملية النورس أرخت فيه للعملية وللمحررين من الألف للياء وقد كان عندي نسخة بمكتبتي بمخيم اليرموك ولم أدر إن اغتيلت أم لا كباقي الكتب والوثائق في خضم ما حل بنا من دمار وخراب.

يتبع....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:08 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٦)
البوسنيون في فلسطين والشتات
في عام 1937م حاول المستعمر البريطاني القبض على الحاج أمين الحسيني إلا أنه توارى عن الأنظار وفرَّ خفية من القدس مسقط رأسه، إلى بيروت في مغامرة جريئة ومكث هناك عدة سنوات، ولما علم البريطانيون بوجوده هناك، طلبوا من الفرنسيين إلقاء القبض عليه، وبالرغم من العلاقات السيئة بين الاستعمارين، فقد جرى التضييق على الحاج هناك، وقبل أن يتمكن الفرنسيون من اعتقاله بساعات فرَّ إلى الشام ثم العراق ومن هناك ضاق به المقام بسبب ملاحقة البريطانيين له ففر متنكراً إلى عدة مدن حتى وصل به المقام إلى روما وذلك عام 1941م.

يذكر المفتي في مذكراته أنَّ وفداً طلابياً من جامعة روما اتصل به في أواخر عام 1942م وأنبأه بالمجازر التي يتعرض لها المسلمون هناك، وأبرقت له كذلك إلى برلين حيث إقامته جمعية علماء المسلمين في البوسنة والهرسك مستنجدين بالله ثم بالمفتي أن يتحرك لنجدتهم، وأعقب البرقية رسالة شارحة تلك الفظائع التي نزلت بهم، وبعد أيام وصل وفد من علماء البوسنة والهرسك برئاسة مفتيها عمر أفندي جابيتش وحدثوا المفتي بما يجري هناك.

سفر المفتي إلى البوسنة:
وفي هذا يقول الحاج الحسيني: سافرت يوم
14 / 3 /1943م إلى فيينا ثم إلى زغرب وقابلت رئيس دولتها ورئيس وزرائها وأبدى رئيس الدولة اهتمامه بالموضوع، وقد حاولت الحكومة الكرواتية بالاشتراك مع سفيري ألمانيا وإيطاليا في زغرب أن يثنوني عن عزمي على السفر إلى البوسنة بحجة الحرص على حياتي من المجازفة في تلك البلاد المضطربة والمملوءة بالعصابات الدموية الخطيرة، لكنني أصررت وكتبت لهم كتاباً سجلت فيه: «أني أتحمل مسؤولية كل ما يصيب من تهلكة في زيارتي لبلد البوسنة برغم نصائح المسؤولين في كرواتيا وممثلي ألمانيا وإيطاليا» وسلمته لهم.

وبالفعل أصر المفتي على زيارة البوسنة، وجاهد حتى وصل إلى هناك، فاستقل طائرة أقلته إلى بوسنة سراي فحلقت حول العاصمة ولم تستطع الهبوط لشدة العواصف الثلجية فعادت إلى مدينة بانيا لوقة حيث حطت هناك. يقول المفتي: ولما خرجنا من المطار دهشنا لما شاهدنا أهل بانيا لوقة يلبسون العمائم والطرابيش ونساءهم يرتدين الحجاب، وشعرنا كأننا نجتاز شوارع القدس القديمة أو أسواق الحميدية في دمشق، وأخيراً غادرنا بانيا لوقة إلى بوسنة سراي وبعد البحث مع زعمائهم ومع قيادات القوات الألمانية في كيفية الحفاظ على أرواح البشانقة والدفاع عنهم ومنع وقوع المذابح فيهم، وافقت الحكومة الألمانية على تجنيد الشبان منهم وتدريبهم وتسليحهم، بشرط الدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم داخل بلادهم، وقبل أن أغادر البوسنة كان قد تم تسجيل نحو سبعة آلاف متطوع.

وصول البوسنيون إلى فلسطين:
مع احتدام المعارك بين العرب واليهود عام 1948م، ومع وصول المتطوعين المجاهدين إلى أرض فلسطين، كان في مقدمة المتطوعين مئات من الضباط والجنود البوسنيين الذين وصلوا إلى فلسطين بالرغم من الصعوبات والعقبات التي كانت تقف أمامهم، إلا أنهم ذللوها وأثبتوا أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. توزع المتطوعون في القرى والمدن الفلسطينية، ولا سيما في قرى الشمال، وأخذ الضباط منهم يدربون أبناء القرى والمدن على السلاح استعداداً للمعارك مع اليهود، كما عمل بعضهم في جيش الإنقاذ خبراء للمتفجرات والآليات والمدرعات؛ فقد اكتسب البوسنيون مهارات عالية في التدريب بسبب معاركهم الشديدة مع الصرب، ولم يكتفوا بالتدريب، بل خاضوا أشرس المعارك في يافا والقسطل والمالكية وترشيحا وسعسع والشجرة وكابرة وطولكرم، وامتزج الدم الفلسطيني مع الدم البوسني على أرض فلسطين وخاض المجاهدون البوسنيون أو البشناق معارك ضارية وقدموا أرواحهم فداءً لفلسطين. ومن الشهداء الذين ارتقوا هناك: علي بولو باشش، هابر وديثابو استشهدا في معركة القسطل، وكامل بودورغ استشهد في معركة يافا، وأمين خليلوفتش ومحمد رامش وحسن بشيش ومنيب بينو ومصطفى أماموش ارتقوا في معركة المالكية.

أما الجرحى فهم كثر وما زال سكان المخيمات من اللاجئين الفلسطينيين يذكرون منهم: شوقي موفيتش الذي جرح مرتين: إحداهما في القسطل والأخرى في المالكية، ورفعت بكريش الذي بترت يده في معركة الشجرة، وموشان شابا نوفيش، وإسماعيل كوكورد زويتش اللذان جرحا في يافا، وشيفكو باشيش الذي فقد عينه في معركة يافا. أما محرم بيرقدار ونذير فرلباك، فقد جرحا في معركة يافا. والمرحوم مصطفى دولاس بترت يمينه في معركة المالكية، وفي هذا يقول الأستاذ محمد الأرناؤوط: «ومن بين العسكريين الآخرين الذين أبلوا في هذه الحرب سعيد زوبتشفيتش وإلز دوريشفيتش وعاصم باركوفيتشوحسن تشوستوفيتش وصفوت فريزوفيتش ورامو كوفاتشوفيتش ومويو أفدوفيتش وثابت بودروغ».

أما القيادي الفلسطيني الراحل شفيق الحوت فيقول في مذكراته: «وما من شعب عربي إلاّ وله مَنْ مثّله في دفع ضريبة الدم من أجل فلسطين. ولن أغفل دور من جاؤوا باسم الإسلام من مختلف البلاد، وأخص بالذكر أبناء من كان يعرف بالشعب اليوغوسلافي، وكلهم من مسلمي البوسنة. لقد شاهدت مجموعة من هؤلاء المجاهدين في الميدان قرب منزلنا في حي المنشية، وما زلت منبهراً بنضالهم البطولي وما تميزوا به من مهارة وشجاعة وإيمان برسالتهم. كانوا جنوداً محترفين، وبينهم من اختار البقاء في فلسطين، أو ما تبقى منها، بعد نهاية الحرب».

وينقل الأستاذ محمد قاروط عن الأستاذ زهير الشاويش: «إن الذين اشتركوا في حرب فلسطين عام 1948 من المسلمين البوسنيين فاق عددهم (500) رجل، واستشهد منهم ما يزيد على (200) رجل في يافا وأكثر من (50) رجلاً قضوا في حيفا، ومن الجدير بالذكر، أن أحد هؤلاء المجاهدين البوسنيين واسمه «إسماعيل البوسني» قام بتعليم مجموعة مجاهدي دمشق كيفية صنع القنابل والألغام، وكان لي مع المجاهدين البوسنيين صلات كثيرة».

ومن الجدير ذكره أن عدداً من المجاهدين البوسنيين كان قد حضر إلى فلسطين مع عائلتهم وأولادهم، وبعضهم تزوج هناك بوسنيات أو فلسطينيات، وكوّنوا عائلات توزّعت في بعض القرى والمدن الفلسطينية وتأثرت عاداتهم بعادات أهل فلسطين والعكس صحيح، حتى إن لفظ بشناق اشتق منه مصطلح «مبشنقة» ليدل على المرأة التي تضع منديلاً على شعرها بشكل معين، أي بالطريقة التي تضعها المرأة البوشناقية، وهو الذي يغطي الشعر ويعقد أسفل الذقن.

اللاجئون البوسنيون:
وبعد توقف حرب 1948م أصاب البوسنيين ما أصاب إخوانهم الفلسطينيين، فلجؤوا إلى البلدان العربية المجاورة، إلى سورية ولبنان، واستقر معظمهم في سورية فعاش بعضهم في التكية السليمانية بدمشق وفي بعض المساجد مؤقتاً ريثما يُنقَلون إلى أماكن أخرى، وظلت العلاقات بينهم وبين الفلسطينيين في أماكن اللجوء جيدة؛ فالزيارات لم تنقطع، وقد روى لي الوالد الحاج محمود الصمادي أن السيد مصطفى دولاس كان يزورهم في المساجد التي نزلوا بها في دمشق عام 1948م، وكان يطلع على أحوال أصدقائه اللاجئين، وكان اللاجئون يردون له جميل الزيارة في أماكن إقامته. وأخيراً كانوا يزورنه في ملجأ للعجزة بشارع بغداد، ولما سألته عما حلَّ بهم وأين هم الآن خانته الكلمات بفيض العبرات، وبعد أن سكت برهة أردف قائلاً:

ومن المؤسف قوله: أنه لما تمت الوحدة بين مصر وسورية كانت علاقة الرئيس عبد الناصر مع تيتو علاقة مميزة، بيد أن علاقة البوسنيين مع تيتو كانت سيئة، حتى إنه أصدر حكماً غيابياً بإعدام المفتي الحاج أمين الحسيني وانعكست تلك الأحوال على إخواننا البوسنيين فتم التضييق عليهم فهاجر أكثرهم من سورية إلى أوروبا وأوستراليا وبقي القليل منهم يعيش في دمشق وغيرها من المدن.

نال بعضهم الجنسية السورية وخدم بعضهم في الجيش السوري ووصل إلى رتبة لواء كما ذكر الدكتور أرناؤوط في دراسته السابقة وكم تمنيت لو ذكر اسمه.

وفي تسعينيات القرن العشرين وقعت المجازر الرهيبة بحق مسلمي البوسنة، وهبّ المسلمون بالدفاع عنهم ووصلت قوافل الإغاثة بكل أنواعها إلى سراييفو وقاموا بالدفاع عنهم ولم تخل قوافل الإغاثة من الفلسطينيين الذين أردوا أن يردوا الجميل لهذا الشعب الذي يتلاقى معه في كثير من القواسم المشتركة، وخلال محنة البوسنيين لم ينسوا فلسطين وأهلها وليس غريباً أن يصرح الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش قائلاً: القدس ليست فقط مسألة الفلسطينيين أو العرب، بل هي قضية الإسلام والمسلمين.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٧)
رحلة من مخيم اليرموك إلى حي الصالحية
تعج مدينة دمشق بالكثير من المواقع الأثرية ولعل من أهمها منطقة الصالحية المنحدرة من جبل قاسيون، ويبدو أن كثيراً من الناس لا يعرف إلا بوابة الصالحية لشهرتها التجارية والاقتصادية ولكن القليل منهم يعرف الصالحية وتاريخها، ويعرف من أسسها وما هي صلاتهم بفلسطين، زرت الصالحية والشيخ محيي الدين والشيخ إبراهيم وركن الدين، وأنا شاب يافع زيارات عابرة لم ألتفت كثيراً إلى التاريخ،لم يكن يعنيني حينئذ التاريخ فيها أوعنها، ولما شببت قليلا وقع في يدي عدة كتب تتحدث عن مدينة دمشق، منه خطط الشام لكرد علي وخطط دمشق للعلبي ومدينة دمشق للشيخ علي الطنطاوي، وفي رحاب دمشق لشيخ المحققين محمد أحمد دهمان والقلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية لابن طولون ووو وعلمت من هذه الكتب أن الصالحية كانت قبل حوالي ثمانية قرون مدينة فلسطينية بامتياز...
ففي عام 551هـ وصلت أول قافلة للاجئين الفلسطينيين من منطقة نابلس ومن قرية جماعين بالضبط إلى دمشق فرارا من الاضطهاد الصليبي فأقاموا مخيمهم الأول في جامع أبي صالح شرقي باب شرقي وقد بلغ عددهم نحو مئتي شخص ونظرا لاختلاف البيئة بين جماعين ومخيمهم الجديد مات منهم نحو أربعين نفسا بسبب الأوبئة والأمراض وبعد ثلاث أوأربع سنوات قام السلطان نور الدين محمود بمساعدتهم في الرحيل إلى سفح جبل قاسيون، وكانت منطقة خالية من البيوت والسكان وهناك خط الشيخ أحمد آل قدامة كبيرهم ثلاثة دور لإيواء أتباعهم وفي غضون بضع سنين وصلت البيوت إلى العشرات، ثم المئات وسمي المكان بالصالحية: لصلاح آل قدامة كما ذكر المؤرخون، وغدت الصالحية مدينة علمية بامتياز يقصدها طلاب العلم من دمشق وغيرها ويخرج منها العلماء والمشايخ إلى مساجد دمشق ولا سيما الأموي لإعطاء الدروس والفتوى حتى انتشر المذهب الحنبلي في دمشق ووصل إلى دوما وجيرود والضمير وبعلبك، فألّفت عشرات الكتب كالمغني والمقنع وصارت الصالحية محط أنظار العلماء والأعيان، فقد ذكر الضياء المقدسي ابن الشيخ أحمد بن قدامة أن السلطان نور الدين كان يزور والدي، وصارت الصالحية تنمو بشكل مذهل يستقر فيها من تتوق نفسه للعلم والمعرفة...

 عشت بين أسطر الكتب وأنا مندهش من هذه الجماعة التي أقامت في ثلث قرن تقريباً مدينة فاضلة، بمعنى الكلمة، أفضل من مدينة أفلاطون الخيالية، مدينة تم تخطيطها من قبل أروع المهندسين وأهل الشورى وأصحاب الحل والعقد،فلم يغفلوا عنها البنية التحتية حتى فاقت حواضر العالم الإسلامي آنذاك فقدعدَّ الشيخ دهمان في كتابه " في رحاب دمشق 350 مبنى من مباني الحضارة الإنسانية فقال: فأنشئت عشرات المساجد والمدارس والجوامع والخوانق والزوايا والحمامات والخامات والربط ودور الأيتام في ربوع الصالحية وانتشرعلم الفقه والحديث حتى نساء آل قدامة صرن محدثات يتلقى الرجال العلوم منهن، يقول ابن طولون: إن مما اختصت به الصالحية صنع الورق لا يصنع إلا بها، ومنه يجلب إلى سائر الدنيا...

في يوم الجمعة أواخر شهر تشرين الأول 2010م وأواخر ذي القعدة 1431هـ أحببت أن أزورها، رافقت والدي أطال الله عمره وصلينا الجمعة في مسجد الشيخ عبد الغني النابلسي واستمعنا بكل شغف إلى حفيده الشيخ محمد راتب النابلسي وبعد الصلاة طلبت من الوالد أن يسوح بي في المدينة الفاضلة، فوافق مشكوراً، مشينا باتجاه الجنوب قليلا فعلى يميننا رأينا معلماً كبيراً جداً سألت الوالد عنه فقال: هذه المدرسة العمرية التي أنشأها الشيخ ابو عمر ابن الشيخ أحمد بن قدامة وكانت أكبر مدرسة في المكان تخرج فيها عشرات الألوف من الذين نشروا المذهب الحنبلي، كانت هذه المدرسة بمثابة جامعة إسلامية في أيامنا هذه فقد اعتنى بها أولاد الشيخ وأحفاده وزادوا فيها حتى بلغ عدد غرفها وحجراتها أكثر من 300 غرفة. نظرت من خلال قضبان النوافذ فرأيتها كما وصفها المؤرخون والمؤلفون والوالد، وكما وصفها المتأخرون من حيث الإهمال والهدم فالأحجار متساقطة على الأرض والجدران آيلة للسقوط وو رجعت لكتاب دهمان وشاهدت رسما لها منذ عام 1930م فوجدته كما هو حالها اليوم إلاّ أن ما يثلج الصدر أن وزارة الأوقاف وضعت لوحة بالقرب من المدرسة تبشر المهتمين بقرب ترميم المكان سألت الوالد أين الأماكن الأخرى التي قرأنا عنها في الكتب والمجلدات ؟ قال: بعضها موجود وبعضها استولى عليه العامة منذ مئات السنين وحولوه إلى دور للسكن وبعضها هدم أثناء غارات المغول والتتار.

تجولنا في المدينة القديمة الحديثة استمعت إلى الوالد بكل شغف: انظر يابني هذه الدار الكبيرة كانت فيما مضى المدرسة الضيائية التي أنشأها الحافظ ضياء الدين المقدسي حفيد مؤسس مدينة الصالحية من جهة أمه وابن أخت الشيخ أبي عمر مؤسس المدرسة العمرية ولقبه (موفق الدين) صاحب الكتاب الشهير المغني في الفقه الحنبلي، ولشدة ولعه بالكتب أنشأ في مدرسته مكتبة عامرة، فجال في حواضر العالم الإسلامي خمس سنوات يأخذ من علمائها وينسخ من نفائس مخطوطاته الشيء الكثير حتى غدت مكتبتها أعظم مكتبة علمية في دمشق.

سرنا باتجاه جامع الشيخ محيي الدين بن عربي التي تبدو منارته من المدرسة العمرية وعلى بعد عشرات الأمتار من المدرسة العمرية شاهدنا على الطرف المقابل جامعا كبيرا كتب عليه جامع الحاجبية سألت الوالد عنه فقال: استمر آل قدامة في إنشاء المدارس والمعاهد وصارت الصالحية قبلة الناس فتجمع فيها التركمان والأكراد وهذا الجامع أنشأه الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك، عام 872هـ كان حاجباً ثم صار أميراً للتركمان وسميت بالحاجبية نسبة لمهنته. نظرت إلى الجامع فشاهدت بالقرب منه مبنى شاهقاَ كتب عليه ثانوية الشيخ محيي الدين بن عربي.

لم نستطع أن نكمل جولتنا فالوالد أرهقة المشي والأماكن الأثرية كثيرة وتحتاج معرفتها إلى أسابيع كثيرة ووعدني بأنه يملك خارطة للأماكن الأثرية في الصالحية سيبحث عنها بين أسفاره لتكون لنا دليلا في جولتنا الثانية يممنا شطر مخيمنا وفي الطريق سرحت في الصالحية ومدارسها وجوامعها وفي جماعيل ونابلس والقدس ولم أنتبه إلا وأنا في مدخل مخيم اليرموك استفدت من الجولة الخيالية أن هناك قواسم مشتركة بين دمشق ونابلس والقدس وعدت نفسي أن أبحث عنها عندما تسمح لي الظروف.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٨)
نموذج من رجال اليرموك
أبو إبراهيم، بائع التمر على سوكة الريجة عمل على عربته حوالي عشر سنوات في المخيم، كان مثال الجار المناضل الخلوق المثقف، بعد نكبة اليرموك هاجر مع من هاجر من أبناء المخيم انقطعت أخباره، آخر مرة رأيته قبل عام وشهرين في الزاهرة القديمة قرب جامع بدر يجلس على كرسي مهترئ في السوق يلتمس الدفء من أشعة الشمس حيث هناك البرد والقهر والتشرد والحنين والحزن، ومشكلة أبي إبراهيم أنه لا يؤمن بالهواتف النقالة فرجعت للمكان نفسه أكثر من مرة أسأل عنه فقيل لي إنه غادر من هنا ولم أدر أو يدروا إلى أين غادر!!

وكنت قد كتبت عنه مقالة ونشرتها في مجلة العودة قبل خمس سنوات وأعيدها في هذه الذكريات مختصرا ومضيفاً ما يقتضيه الحال:

أبو إبراهيم، عارف إبراهيم النعنيش، من مواليد نابلس ــ المدينة القديمة في حارة الياسمينة عام 1952م، مناضل، قاض، شاعر، أديب، مثقف، والد شهيد، يحلم بالعودة إلى حارته العتيقة في نابلس، بائع متجول على عربة، يبيع أحياناً الفاكهة وأحياناً المكسرات وأخيراً استقر يبيع التمور، يمدّ عربته على مفترق ساحة الريجة في شارع اليرموك بمخيم اليرموك، كان هذا هو الموجز، وإليكم الأخبار بالتفصيل:

أبو إبراهيم درس في مدينة نابلس المرحلة الابتدائية والإعدادية، وبسبب عمل والده انتقل إلى مدينة طولكرم التي تبعد 28 كم عن نابلس، وهناك درس المرحلة الثانوية عام 1969م، وفي ذلك الوقت تعرض للاعتقال على أيدي السلطات العسكرية الصهيونية بتهمة مقاومة الاحتلال، وظل معتقلاً مدة سنة كاملة، وبعدها حكمت المحكمة عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التفيذ لاعتباره قاصراً.

التقينا بأبي إبراهيم ليحدثنا عن نفسه فقال:

بعد سجني انقطعت عن الدراسة لعدة سنوات وعملت بالتجارة، وبسبب شغفي بالعلم قررت العودة إلى مقاعد الدراسة، وكنت وقتها متزوجاً وعندي طفلان هما إبراهيم وولاء، وبعد أن نجحت في امتحان التوجيهي (الثانوية العامة)، جئت إلى دمشق والتحقت بكلية الحقوق بجامعتها، وتخرجت منها عام 1976.

كنت قبل قدومي إلى دمشق في تنظيم حركة فتح، وحين قدمت إليها التحقت بأحد أجهزة الحركة، وفي عام 1982م انتقلت للعمل في مدينة أبناء الشهداء بعدرا القريبة من دمشق كمدير لشؤون الطلاب، وكان فيها ثلاث مدارس قدمت من لبنان أدمجت مع بعضها..

أبو إبراهيم قاضياً:
في عام 1984 أُفرزت لجهاز القضاء الثوري الذي كان تابعاً لمنظمة التحرير وأصبح بعد انتفاضة فتح تابعاً لها، وعملت داخل الجهاز مدعياً عاماً عسكرياً وقاضياً للتحقيق حتى عام 1994. في هذا العام أنهيت علاقتي بالحركة لأنني لم أعد مقتنعاً بما أقوم به من عمل يرضي الله سبحانه وتعالى ثم يرضي شعبي المنكوب. تركتُ العمل القضائي غير آسفٍ، ولم أطالب بأي تعويض أو راتب تقاعدي لأنني كنت مقتنعاً بأن تفرغي بالحركة كان رغبة مني في النضال من أجل فلسطين، لا من أجل راتب شهري.

بلا وثيقة إثبات:
هذا المناضل الذي أحب فلسطين وأهلها يعيش الآن دون أي إثبات، فلا هوية أو جواز سفر أو حتى وثيقة سفر.

يقول أبو إبراهيم: كنت أحمل جواز سفر أردنياً، لكن الحكومة الأردنية نزعت عني الجنسية لكوني في فتح الانتفاضة ككثير غيري وذلك عام 1994م، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني ما أعانيه من تشردٍ وقلق، فالسفر من المحرمات، وكذا حقوق المواطنة لا أعرفها، فليس لدي هوية أو جواز سفر أو وثيقة أو قيد نفوس، لم أغادر دمشق منذ عام 1994م، ولولا لطف الله ثم الحكومة السورية المضيافة التي احتضنت المئات أمثالي لكان وضعنا مزرياً أكثر من ذلك.

والد الشهيد إبراهيم:
استشهد ولدي البكر إبراهيم في يوم 28/10/2003 أثناء انتفاضة الأقصى، وكان هذا اليوم يوافق الثالث من رمضان على يد وحدات الموت الصهيونية بعد عدة محاولات لاغتياله حيث كان قائداً لكتائب شهداء الأقصى في طولكرم ومسؤولاً عن عدة عمليات استشهادية، وقد تصدى لجيش العدو الصهيوني في عدة مواقع، ولا سيما عند اجتياح الجيش الصهيوني مخيم طولكرم، وقد حوصر مع عدة مقاومين تمكنوا من اختراق الطوق والانسحاب إلى الجبال، وكذا دفاعه المستميت عن حارة الياسمين في البلدة القديمة بنابلس، وقد تكمن بحنكته من الإفلات من قبضة العدو بعد أسره. لم أتألم لاستشهاده، بل اعتبرت ذلك واجباً دينياً ووطنياً، لكن الذي آلمني أنني لم أره منذ عام 1989م ولم أشيّعه إلى مثواه.

استشهاد إبراهيم:
في يوم استشهاده ذهب لصلاة الظهر ومعه سلاحه الذي لا يفارقه أبداً «حسب وصيتي له»، رأى إبراهيم سيارة مريبة تجول في الشارع الرئيس في مخيم طولكرم، وقد أوقفته امرأة فاضلة أخبرته أنها مرتابة من هذه السيارة وعليه أن يأخذ حذره، دخل إبراهيم المسجد وبعدما أدى الصلاة أوقفه بعض مرتادي المسجد وأخبروه أن هناك تحركاً مشبوهاً وسيارات مشبوهة، وعليه أن يختفي في الأزقة، فضحك إبراهيم قائلاً: إنني أدعو الله في صلاتي لملاقاتهم فكيف تطلبون مني أن أهرب؟

خرج إلى الشارع العام، وبعد أن تأكد من السيارة، أسرع بإطلاق الأعيرة النارية عليها من بندقيته، وظل يتبادل إطلاق النار مع القتلة أكثر من نصف ساعة، وتبين بعد ذلك أنه تمكن من قنص سائق السيارة وجرح من كان جواره، ولم يتمكنوا منه إلا بعد أن جاءت سيارة أخرى وعربة مصفحة لمساندة القتلة، وقد أصيب رحمه الله في صدره ورقبته ويديه، وأحصى الطبيب في جسده ست عشرة رصاصة.

أبو إبراهيم شاعراً:
لا عجب في أن نرى أبا إبراهيم في كثير من الأحيان يحمل في يده كتاباً، إما القرآن الكريم وإما مذكرات عزة دروزة أو كتاب بلادنا فلسطين للدباغ أو دواوين الشعر المتعددة الأغراض، حتى يخيّل للشاري أن أبا إبراهيم عنده مركز ثقافي متنقل، وحتى أنه يقرض الشعر الموزون والمقفى وعندما سألناه عما يحفظه من شعره قال:

يــاجبـال النــار ثـــوري فجِّـــري نهــــر الــدمــــاء

قدّمــــي الأرواح تترى واستمـــري فــي العطــاء

ليــس يثـنـيــنــــا عـــدوٌّ أو جـــبـــــــان أو مــــــــراءٍ

حقُّنا يا قدس شمسٌ سوف تسطع في السماء

بائع متجول:
استغربت من ثقافة أبي إبراهيم، وأستغرب الكثير، ولا سيما زبائنه الذين يوقظونه من غفلة الكتاب: أبو إبراهيم بكم كيلو تمر الخضري؟ يرفع أبو إبراهيم رأسه ويحدق في وجه الزبون الذي قطع أفكاره، ولولا ضيق العيش لتمنى أبو إبراهيم ألا يسأله أحد حتى ينسجم مع جليسه الوفي. سألناه: لماذا اخترت هذه المهنة؟

قال: رفضت أن أستجدي رزقي من التنظيمات الفلسطينية، فاشتريت عربة بتسعة آلاف ليرة سورية «أقل من مئتي دولار» وصرت أبيع الفواكه حيناً والخضار حيناً والمكسرات حيناً، إلى أن ارتأيت بيع التمور لأنها مباركة والله يبارك في رزق من يبيعها. كذلك فإنني ارتحت من التسوّق اليومي من الفواكه. سألناه: هل أنت راضٍ في عملك هذا؟ قال: هذا ما قسمه الله لنا والحمد لله على نعمه.

أنهينا الحديث مع الأذان وتصاحبنا إلى مسجد المخيم، ولم يغطِّ أبو إبراهيم عربته، خشية السرقة أو المصادرة فكل أبناء المخيم يعرفون هذا البائع المثقف حق المعرفة.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٧٩)
ذكريات وحضارة وألم
يظن كثير من الناس أن مخيم اليرموك مجموعة من البيوت المتواضعة سقفها من الزنك يخر الماء منها شتاء وتتسلل الحرارة منها صيفاً وأن هؤلاء اللاجئين يقضون معظم أوقاتهم لاستلام معونات الأونروا وغيرها.

وربما تغيرت الصورة النمطية ولا سيما منذ العام الماضي فكثير من وسائل الإعلام سلطت كمراتها وأخبارها على المخيم ففوجئ كثير من الناس أن مخيم اليرموك مدينة بكل معنى الكلمة وأنها تستحق بجدارة أن تكون عاصمة الشتات كما اشتهرت أخيراً.

أعرف كثيراً من أهل اليرموك لم يخرجوا من المخيم منذ أكثر من عشر سنين لا لشيء بل لأن كل ما يحتاجونه موجود بالمخيم من أبسط الأشياء إلى أثمنها، فأسواقها المتعددة مليئة بكل الاحتياجات.

مخيم اليرموك يجمع بين شارعيه الرئيسين الثلاثين وفلسطين الكثير من معالم الحضارة والرقي والتنمية فهو مجتمع غزير السكان ولكن غالبيتهم كل في عمله فالآلاف يمتهون مهن البناء منهم المعماري والكهربائي والطيان والبلاط ومنهم الأطباء بكافة الاختصاصات ومنهم المهندسون والمدرسون وأساتذة الجامعات وسائقو السيارات وبائعو الخضار في أسواقه الثلاث الشهيرة.

مخيم اليرموك مدينة تمتلئ بالمؤسسات غير الربحية والتي تعمل من أجل النفع العام ولا أعتقد أن هناك منطقة بسورية تعج بمثل هذه المؤسسات ففي المجال التعليمي هناك عشرات المراكز التي قدمت خدماتها لمن يحتاجها من طلاب ومتدربين ناهيك عما قدمته الأونروا من مدارس ومراكز للشباب تعقد فيها دورات لتطوير المهارات وحتى أنني وجدت مركزًا باسم القراءة للجميع خلف موقف الملجأ يدرب النشء على حب القراءة والمطالعة من خلال بيت فيه عدة غرف للمطالعة والقراءة الحرة بالإضافة إلى تعليم بعض العلوم والمهارات وكلها بالمجان.

في مخيم اليرموك أكثر من خمسين مدرسة مابين ابتدائية وإعدادية وثانوية تدير الأونروا أكثر من ثلاثين مدرسة وأما الباقي فتتبع وزارة التربية السورية وهناك أكثر من ثلاثين ألف طالب وطالبة كانوا يتلقون تعليمهم هناك في المخيم.

في مخيم اليرموك أكبر مركز ثقافي على مستوى مدينة دمشق قامت وزارة الثقافة بتشييده ودعمه وغدا منارة ثقافية لا يخلو أسبوع فيه من محاضرة أو مسرحية أو ندوة أو احتفال أو معرض للكتاب.

في مخيم اليرموك أكثر من عشرين معهدا يقدم خدماته التعليمية بأسعار معقولة للطلاب والطالبات ولا سيما طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية بل حتى غدت هذه المعاهد مقصدا لكثير من غير طلاب المخيم.

في مخيم اليرموك ومنذ زمن بعيد لا بد أن يكون عدد من طلابها أو طالباتها من الأوائل على مستوى الجمهورية العربية السورية.

في مخيم اليرموك أكبر سوق للسراميك في أوله وأكبر سوق للسيارات في آخره وشارع لوبية وشارع اليرموك وشارع صفد وغيرها من المعالم التي لا بد لها من وقفات.

لهذا كان مخيم اليرموك مطمعاً للحاقدين والموتورين الذين انتهكوا المخيم ومدارسه وبيوته وأسواقه وعاثوا فيه فساداً وخراباً وسرقة ونهباً.

هذا المخيم الذي نحتفل بميلاده الستين ونحن بعيدون عنه لا يزيدنا إلا إصراراً على حبنا له وتعلقنا به وليعلم الحاقدون أننا بنينا مخيمنا بجهدنا وعرقنا ودمائنا وبهمة شبابنا ونسائنا ولن نتخلى عنه إلا يوم عودتنا لفلسطين وليس ذلك على الله ببعيد.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٠)
مواسم الهجرة إلى مخيم اليرموك
توافد اللاجئين على المخيم:
إن كان المخيم شهد الهجرة القسرية الأولى للاجئي فلسطين فقد ظل مركزاً للهجرات المتتالية ومركزاً لإيواء المئات من الإخوة السوريين واللبنانيين والعراقيين وغيرهم، ولعل السبب في ذلك يعود إلى طبيعة أهل المخيم المتعاطفة مع أهل المصائب والمحن، وإلى رخص الإيجارات مقارنة بالعاصمة دمشق وكذا رخص الحياة المعيشية وإلى قرب المخيم من مركز المدينة وكذا وجود عدد من المراكز الاجتماعية المهتمة بالبعد الإنساني العائد أكثرها للفصائل الفلسطينية وإلى وجود بعض النشطاء المهتمين بالخدمات الاجتماعية.

ففي عام 1967م وفي أيام النكسة لجأ الآلاف من أهلنا في الجولان المحتل إلى مخيم اليرموك أذكر تماما وأنا ابن عشر سنين كيف استقبل الفلسطينيون إخوانهم النازحين، أذكر جيداً مدارس الأونروا التي فتحت أبوابها: صرفند، النقب، الفالوجة، المالكية، المنصورة.. إذ غدت مقرّاً مؤقتاً لهم، كما أذكر النادي العربي في شارع فلسطين الذي أصبح مركزاً لتوزيع المواد الغذائية لم أنسَ شباب اليرموك وهم ينقلون المواد الغذائية من الشاحنات التي تدخل النادي ليفرغوها في ساحتها؛ ريثما يتم توزيعها على العائلات حسب الحاجة، أذكر تماماً علب السردين والطحين والزيت والسمنة وكذا الحليب المجفف، وكذا البيض المجفف ذا اللون الأصفر القادم من بلغاريا الذي عرفناه لأول مرة وكنا نتعجب من ذلك!!

ولم أنس الحاج المجاهد المرحوم حسين حمادة أبو عمر رفيق المجاهد عز الدين القسام بصحبة زوجته إذ هب يقرع بيوت المخيم ليأخذ منها ما زاد عن حاجات أهلها من فرشات ووسائد ولحف وملابس وطعام، فكنا نحن الأطفال نسير خلفه ونحمل ما جاد به الناس ونرسلها لمسجد الرجولة ريثما يتم توزيعها للمحتاجين من أهل الجولان يومها زادت معرفتنا بالجولان والقنيطرة إذ فرضت علينا ثقافة جديدة فصرنا نعرف جباتا الزيت والخشب، وواسط، وسعسع، وقلعة جندل، وخان أرنبة والخشنية والعال وسكوفيا، وبير عجم والشيخ جودت سعيد والشراكس والتركمان، وعرفنا جيرانا أصبحوا فيما بعد أشقاء لنا استوطنوا بالقرب منا فصرنا نعرف نحن باللاجئين وهم بالنازحين ومع مرور الزمن أصبحنا (ناجئين) لوحدة الحال واللغة المشتركة بيننا وأصبح بيننا صهر ونسب، فالحال واحدة والمصيبة تجمعنا وأمل العودة حلمنا، كما غدا الشيخ أبو أحمد هزيمة خطيب وإمام جامع البشير أكبر جوامع المخيم بل المنطقة كلها، يعظ الناس ويعلمهم القرآن ويحل مشكلاتهم ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، لا فرق عنده بين نازح ولاجئ ولا بين سوري وفلسطيني.

ولم تكتفِ الحكومة السورية بتركهم هملاً بل أنشأت لهم مدارس ومنشئات تتبع لمحافظة القنيطرة منها عدد محدود في مخيم اليرموك أشهرها مدرسة شاكر قاسم طه بالقرب من جامع الوسيم، إلا أن بعضهم درس معنا على مقاعد مدارس الأونروا وترافقنا كزملاء بعدها حتى التخرج في الجامعة.

وخلال حرب أيلول عام 1970م لجأ إلى المخيم عشرات العائلات الفلسطينية قادمة من الأردن هربا من أتون المعارك التي كانت دائرة هناك ونزل أكثرهم ضيوفا عند أقاربهم لقوا كل حفاوة وتكريم، ولما انتهت المعارك عاد أكثرهم من حيث قدموا وبقي من بقي منهم حيث استقر في المخيم إلى يومنا هذا.

وكذا خلال الحروب الأهلية اللبنانية منذ عام 1975 وخلال تعرض المخيمات الفلسطينية هناك للتضيق والحصار والإبادة كان مخيم اليرموك مأوى لكثير من العائلات الفلسطينية الفارة من لهيب المعارك فبعضهم قدم من مخيم تل الزعتر والبعض من صبرا وشاتيلا والجليل ونهر البارد وغيرها، والبعض هاجر من لبنان لسوء الحالة الاجتماعية وللتمييز التي ما زال يتعرض لها الفلسطيني هناك حيث لا ترقى للحقوق الآدمية.

أما الهجرة الكبيرة الثانية الني شهدها مخيم اليرموك فهي قدوم عدد كبير من الإخوة العراقيين فرارا من الحروب هناك فإن قدر عدد اللاجئين العراقيين الذين قدموا إلى سورية بمليونين فلا شك أن نصيب المخيم كان ما بين خمسين ألفا إلى سبعين كانت تتراوح بالزيادة والنقصان بحسب الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق إلا أن العراقيين لم يسكنوا في المدارس بل استأجروا الشقق المفروشة وبعضهم تملك العقارات وبسبب ذلك نشطت حركة الإيجار والاستئجار كما نشطت حركة بيع المفروشات وبناء الملاحق وزادت معرفة الناس بالدولار وسعر الصرف وغالى بعض الملاك في رفع الأسعار بسبب وفرة المال مع بعض اللاجئين العراقيين مما أثر ذلك سلبا على أهل المخيم من الفلسطينيين والسوريين الذين يسكنون بالإيجار كما قامت طبقة من الإخوة العراقيين بممارسة الأعمال التجارية ومنها الأعمال العقارية من شراء البيوت وفرشها وإيجارها وأصبحت لهم أماكن خاصة كثر فيها نزلاؤهم كالمنطقة القريبة من جامع الوسيم حيث الشقق السكنية والمطاعم وقد شهد المخيم في تلك الفترة انتشار عدد من العادات العراقية كانتشار المقاهي والأفران الصغيرة التي تنتج خبزا لم يك معروفا بالمخيم من قبل.

وأما الهجرة الثالثة فكانت في صيف 2006م أبان حرب تموز يومها استقبل المخيم الآلاف من الإخوة اللبنانيين في مدارس الأونروا منهم بعض اللبنانيين الفلسطينيين قدموا من مخيمات الجنوب، كما تم استضافة أعداد منهم في بعض البيوت والشقق، يومها هب شباب المخيم في حملات إغاثية فتم جمع التبرعات من أموال ومواد غذائية ومفروشات وتم توزيعها على المهجرين، كما نشطت المنظمات الفلسطينية في تقديم يد العون لهم دون تمييز بين فلسطيني ولبناني إلا أن هذه الهجرة كانت قصيرة إذ سرعان ما هدأت الحرب وعاد المهجرون إلى وطنهم.

وفي عام ٢٠١٢م بدأت الهجرة الرابعة مع بداية الأحداث المؤسفة في البلاد فقد استقبل المخيم منذ أحداث حمص مئات من العائلات الحمصية قامت باستئجار البيوت بأسعار معقولة كما نشطت بعض المنظمات والهيئات الفلسطينية والسورية في تأمين بعض الاحتياجات الضرورية لهم وظل الوضع هكذا لمدة عام تقريبا إلا أن الحالة تفاقمت قبل شهر رمضان المبارك إذ لجأ مئات الأسر إلى المخيم قادمة من المناطق المحيطة به من الحجر الأسود وحي التضامن و القدم والعروبة وحي التقدم، فاضطرت الأونروا لفتح أبواب المدارس فاكتظت بهم الأماكن فتم افتتاح بعض مدارس وزارة التربية السورية وكذا فتحت أكثر مساجد المخيم أبوابها وسرعان ما تشكلت لجان من الأونروا وبعض ناشطي المنظمات الفلسطينية الذين أضحوا يعملون كخلية نحل البعض يؤمن الطعام والبعض الكساء والبعض الأطباء والأدوية وحتى قام بعض الشباب بعرض أفلام للتوعية الاجتماعية والصحية في ساحات المدارس.

وفي عيد الفطر المبارك لم ينس النشطاء هذه المناسبة فقاموا بتوزيع الهدايا على الأطفال وإقامة الحفلات الترفيهية في باحات المدارس ومن الجدير ذكره أن هذه الهجرة ترافقت مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك مما سهل تنظيم إدارة رعاية المحتاجين فقد عملت بعض المواقع على التواصل الدائم مع أماكن المحتاجين وبث ما يحتاجونه من طعام أو أدوية او أغطية على حسابات النشطاء فسرعان ما يهرع الخيرون لتأمين ما يحتاجه المحتاجون، كما نشط الكثير من الشباب في حماية المخيم وضيوفه في تحييد المخيم من معركة خاسرة لا ناقة له فيها ولا جمل ومن أروع الصور التي رأيتها مشاركة أكثر الشباب في حملات نظافة المخيم إذ قام الكثيرون منهم بجمع القمامة وترحيلها إلى أماكنها خوفا من انتشار الأمراض الفتاكة.

هكذا كان مخيم اليرموك فقد ظل على عهده القديم يحمل معنى اسمه فإن صار به أبنية شاهقة بها ست أدوار ومحلات تجارية تضاهى أرقى محلات دمشق وشوارع غلبت شهرتها أسماء القرى التي تحملها إلا أنه بقي مخيماً يحتضن أي لاجئ أو مهاجر قسري كيف لا وقد كان المخيم الأول في سورية حمل فوق أرضه الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وتحت أرضة الآلاف من الشهداء وانطلق من حناياه الفدائيون والمجاهدون ليحلموا بالعودة ورسم على جدرانه ملاحم الشهداء والأسرى والحق الذي لن يضيع بإذن الله، كيف لا يحتضن الإخوة الأشقاء السوريين وقد احتضنونا من قبل منذ نكبة 48 في جوامعهم ومساجدهم وتكاياهم فلا يكون رد الجميل إلا بالأجمل منه.

وفي نهاية عام ٢٠١٢م خرج معظم أهالي مخيم اليرموك، في أيامنا هذه لم يبق من سكان هذا المخيم إلا بضع آلاف حاصرهم الجوع والبرد والخوف لأكثر من عام ونصف وأما من تمكن من الخروج فساح في أرض الله الواسعة في دمشق وخارج سورية ولنا وقفة لمواسم الهجرة من مخيم اليرموك حتى يكتمل المقال بما يطابق الحال.

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:09 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٨١)
مسيرتا العودة الأولى والثانية أيار وحزيران ٢٠١١م
مسيرة العودة الأولى: في ذكرى تقسيم فلسطين في الخامس عشر من أيار من عام ٢٠١١م دعت بعض الفصائل الفلسطينية بمسيرة العودة لاجتياز الأراضي المحتلة فلبى المئات الدعوة إذ حضرت الباصات لمخيم اليرموك وغيره من المخيمات الفلسطينية ووصلت الجموع الغفيرة للقنيطرة والجولان وبالتحديد إلى قرية عين التينة المطلة على مجدل شمس المحتلة ودخل العشرات إلى قرية مجدل شمس فجن جنون جيش الاحتلال الصهيوني ففتح نيرانه على الحشود إلا أن نخوة أهل مجدل شمس حالت دون وقوع العديد من الضحايا فسقط من الشهداء ثلاثة من المخيم وهم عبيدة زغموت وبشار الشهابي وقيس أبو الهيجاء وواحد من مخيم خان الشيح سامر خرطبيل، وجرح العشرات وقد تم تشيعهم في مخيم اليرموك وأقيم لهم خيمة عزاء قرب جامع الوسيم وألقيت كلمات من أغلب الفصائل الفلسطينية أكدت على لحمة الفلسطينيين وحق العودة ولم تخلُ الكلمات من تعزيز الحياد الإيجابي بالنسبة للأحداث التي تعصف بسورية والنأي عن الانجرار إليها.

 وأعقب هذا العزاء حفل أقيم قرب مكتب الشتات شرق شارع الثلاثين تم فيه تكريم ذوي الشهداء والجرحى وكما تم تأكيد الدعوة للحياد الإيجابي عما يحصل في سورية.

ومن الجدير ذكره أن أحد الأبطال المقتحمين حسن حجازي الموظف في وزارة التربية بدمشق استطاع الوصول إلى مسقط رأسه في يافا حيث استطاع وفي مغامرة بطولية الوصول هناك وقضاء يوم ممتع وإجراء مقابلة مع القناة العاشرة والرجوع إلى مجدل شمس ومنها للأراضي السورية.

 مسيرة العودة الثانية وكانت في ذكرى الخامس من حزيران إذ دعا بعض الأفراد إلى مسيرة كالأولى إلا أن أغلب الفصائل لم توافق على هذه الدعوة واعتبروها غير مسؤولة ولكن كانت لمسيرة العودة الأولى وقعاً شعبوياً كبيراً لدى الذين فاتهم الاشتراك فيها ولا سيما أن وسائل الإعلام لعبت دوراً هاماً في تشجيع الناس ولا سيما اللقاءات التلفازية مع الشخص الذي وصل ليافا أرض آبائه وأجداده؛ فتمنى الكثيرون أن يصبحوا مثله.

وبالرغم من نداء العقلاء بعدم الذهاب وتملص أغلب الفصائل من الدعوة للمشاركة فقد وصل المئات هناك وكان العدو الصهيوني مستعداً للمواجهة ففتح نيرانه على المدنيين فسقط ٢٤ شهيداً وجرح المئات وكان نصفهم من مخيم اليرموك وفي اليوم التالي تم تشييع الشهداء لمقبرة الشهداء في المخيم في أجواء مكهربة وفوضوية، وكما كان متوقعاً حدثت مناوشات في المقبرة إذ تم الهجوم على السيد ماهر الطاهر المسؤول في الجبهة الشعبية وبعدها توجه بعض المهاجمين إلى مقر القيادة العامة في الخالصة وحدث ما لم يحمد عقباه من قتل وحرق وقصف راح ضحيتها ثلاثة من القيادة العامة وأربعة من المدنيين خالد ريان و رامي أبو صيام وناصر المبارك ووليد بربار، كما تم حرق عدد كبير من السيارات وجزء كبير من مقر الخالصة.

ولكن الغيورين على المخيم ساءهم الجرح الفلسطيني فسرعان ما دعوا إلى جلسة مصالحة في صالة الباسل قرب المدينة الرياضية فاجتمعت الأطراف كلها وأكدت على حرمة الدم الفلسطيني وكان ذلك في ٢٠١١/٦/١٨م.

وكان أهم كلمة التي ألقاها أبو علي صيام إذ دعا الجميع إلى التسامح والعفو من أجل فلسطين وقد بدأ بذلك واحتسب حفيده رامي عند الله داعياً الجميع إلى الهدوء والاستقرار.

وبعد هذه الحادثة توتر المخيم ولا سيما أن المناطق المحيطة به كالحجر الأسود ويلدا والتضامن أصبحت مناطق اشتباكات، ولم تمضِ أيام قليلة حتى وصل البل إلينا وكأن مخيم اليرموك دخل دائرة الصراع وتسارعت وقامت كثير من المناوشات بين المعارضين في الحجر الأسود واللجان الشعبية التي شكلتها القيادة العامة وأطلقت عدة تهديدات لأهالي المخيم إذا لم يحددوا موقفهم من الحراك وبدأت النعرات تطفو على السطح فتوجس أكثر الناس مما ستسفر عنه الأيام القادمة.

يتبع...

 

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٢) 
واقع المخيم قبل الخروج الأخير
أفراح وأتراح ومستقبل مجهول:
ما أن انتهت الحلقة الأخيرة من مسلسل «بوابة القدس» على محطة الشارقة الذي جسد بطولة الاستشهادي الفلسطيني الأول سرور برهم وزميله الأردني محمد حمد الحنيطي حتى فوجئنا في صباح اليوم التالي ٢٠١٢/١١/١بنعوة ملصقة على جدران المخيم تنعي الحاجة نعمات سرور برهم!!

كان موعد الصلاة عليها ظهراً في جامع الوسيم أدينا الصلاة وودعناها إلى مثواها الأخير في مقبرة المخيم ندعو لها بالمغفرة والرحمة.

هكذا صار حال المخيم فأخبار الفيس بوك تنبؤك يومياً بما لا تحب أن تسمعه: استشهاد، خطف، اعتقال، اشتباك، انفجار سيارة مفخخة..... ولكن في الوقت نفسه هناك جرعة من الأنباء السارة، فالحياة في المخيم كباقي الدنيا كلها لا تتوقف فكم من مولود أدخل الفرحة على أبويه وأقاربه وكم من معتقل أفرج عنه أو مخطوف أخلي سبيله أو مهاجر استطاع بكل وسائل الحيل والفهلوة الوصول إلى بلاد الواق واق دون أن تلتهمه الأسماك والحيتان!!

كنت في اليوم نفسه مدعواً مع الصديقين علي بدوان وأوس يعقوب إلى حفل زفاف الأسيرة المحررة «مريم الترابين» التي حررت فيما عرف بصفقة شاليط، وحتى نغير نمط اليوم الفلسطيني المليء بالغم والهم فأحببنا أن نلبي الدعوة وقبل الوصول إلى مكان الحفل يممنا شطرنا أولاً إلى عزاء آل سرور حيث واسينا الصديقين الناشطين في العمل الخيري والإغاثي عمر وعمار برهم بوفاة عمتهم، وأخيراً وصلنا مطعم «إيلياء» حيث كان الحفل هناك باركنا للعروسن مريم وفراس عودة واستمعنا إلى خليط من الأغاني بعضها فلسطينية ثورية، وبعضها أجنبية ودبكة وكوفية وإشارات النصر وغيرها مما يعكس حياتنا الفوضوية ووصع مخيمنا المضطرب. 

 سألت زميليَّ: أليس هذا المكان هو الملجأ الذي بني في أواخر الستينات لأبناء المخيم حتى يقيهم ضرب الطائرات وقذائف المدافع ؟

قالا: بلى.

عدنا من حيث أتينا وأنا أتذكر يوم بني هذا الملجأ في ستينات القرن الماضي، يوم كنا أطفال نلهو بالتراب الذي تكوم كالجبل إذ جعلناه «سحسيلة» للهونا إلى أن يتم ترحيل التراب وكنا ندعو الله أن تتأخر الجرافات بالحضور كي نطيل الاستمتاع بلعبتنا المحبببة فأقرب سحسيلة كانت في حديقة بوابة الميدان بالقرب من خط سكة القطار. رافقنا بناء الملجأ خطوة خطوة وعاصرنا جشع التجار يوم أقاموا مبنى فوقه وكان عزاؤنا أن مؤسسة صامد افتتحت في الطابق الأرضي منه معرضاً دائماً للتراث الفلسطيني تبيع المهتمين بالتراث ما يحتاجونه بأسعار معقولة، ولكن يبدو أن اللوحات والنياشين والخرائط والأعلام اختفت وحل مكانها المقلوبة والمفتول والمسخن!! 

ويبدو أن مستقبلاً مجهولاً ينتظرنا في الأيام القادمة لا يعلم سرها إلا اللطيف الخبير. 

يتبع...

 

 

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٣)
من أيام مخيم اليرموك قبل الخروج
دروس وعِبَر:
في منتصف الشهر السابع من صيف عام ٢٠١٢م استفاق مخيم اليرموك من الصباح الباكر على أصوات جلبة مصدرها أصوات أطفال ونساء ونساء وسيارات سوزوكي صغيرة تقل العشرات من جيراننا القدامى في حي الميدان وأغلب هؤلاء القادمين فروا من المعارك التي كانت محتدمة هناك بين الجيش النظامي والمناوئين له، وكان أغلب هؤلاء الفارين قد نزلزا عند أقارب لهم إذ أن المخيم يحتوي على مئات العائلات الميدانية لا سيما في منطقة الحبيب المصطفى قرب ساحة الريجة وفي محيط جامع الرجولة، وقلما من نزل منهم في المدارس والمساجد.

لم تطل إقامة الضيوف كثيراً في مخيمنا فقد تم انسحاب المسلحين من الميدان بعد أسبوع باتجاه الجنوب أي إلى الحجر الأسود والقدم وغيرها من المنطقة الجنوبية وسرعان ما تم إصلاح وترميم المنطقة إذ كانت ورشات المحافظة تشتغل على مدار الساعة لإصلاح البيوت والشوارع وما خلفته الاشتباكات، ويقال: إنه تم تفاهم بين أهل الحل والعقد في الميدان مع المسلحين للانسحاب السريع وتجنيب الميدان من شر الاقتتال، كما تم التفاهم مع الجيش العربي السوري لإنجاح الخطة.

وبالفعل عاش حي الميدان بعدها في صفاء وهناء وعاد الفارُّون لديارهم وفتحت أسواقهم وحاراتهم ومخابزهم ومدارسهم وأما المناطق التي انسحب إليها المسلحون أضحت مناطق توتر وبعد مرور عدة أشهر لم يبقَ من سكانها إلا منْ عجز عن الفرار لقلة ذات اليد إذ أن أغلب الفارين لاقوا معاناة في إيجاد بيت يأويهم فقد ارتفعت أجرة البيوت أضعافاً مضاعفة.

ولنا وقفات وعبر من هذه الأحداث التي مرت سريعة أولها أن العقلاء من أهل الميدان جنبوا حيهم ويلات الحروب إذ وقفوا يداً واحدة وأنهم قدروا الأمور فآثروا التفاهم مع الأطراف كافة.

 وبالمقارنة مع مخيمنا نجد أننا كنا نفتقد للعقلاء أو أن أغلبنا رؤوس كبيرة مختلفة الآراء والأهواء، أثر هذا الاختلاف على وضع المخيم الأمني فمن أجل النكاية بتنظيم فلان أو علان ضاع المخيم باختلافهم وأذكر أننا وقبل الخروج من المخيم دعا المرحوم غسان الشهابي إلى اجتماع للنشطاء في المخيم في صالة سلام على مفرق شارع لوبية وما أن بدأت المباحثات حتى تحول الاجتماع إلى مهاترات فصائلية طاحت بالاجتماع وحولته إلى مناظرات في الردح والسباب والشتائم نجم عنه فرط الاجتماع أعقبه بعد مدة فرط المخيم.

طبعاً لم يكن أي من المجتمعين يتمنى أن يصبح المخيم منطقة توتر ولكن التعصب الفصائلي والنكاية أضاعت منهم ومن اجتماعات عديدة أخرى التفاهم من أجل تحييد المخيم فكيف لفصيل ما يدعو إلى تشكيل لجان شعبية دون موافقة تنظيم فلان أو علان وأن فصيل كذا يكيد لفصيل كذا فعليه أن يفشل خطته، وهكذا كان التفكير والعقلية السائدة في مخيمنا من قبل عناصر جاهلة غير مسؤولة أصبحت في غفلة من الوعي أصحاب الحل والعقد!!

ولم أجد في هذا المقام ما أذكره إلا قول الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي إذ قال:

لا يُصلِحُ الناسَ فوضى لا سَراةَ لهم

ولا سَــراةَ إذا جُهّــالُـهُـم ســــــــادوا

 

تُهدى الأمورُ بأهلِ الرأيِ ما صَلُحَتْ

فــإنْ تـولَّتْ فبالأشــــــرارِ تَـنْقـــادُ

إذا تـــولّى ســَراةُ القــــــومِ أمــــــرَهُـــــــــم

نما على ذلك أمرُ القومِ فازدادوا

يتبع...

 

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٤)
ذكريات ما قبل الخروج (٢)
تغير كل شيء في المخيم، فلا الشوارع بقيت شوارع ولا الأسواق أسواقاً، وكل الناس يترقبون ما ستسفر عنه الأيام ولا أحد يعرف المصير المجهول.

سيارات الإسعاف هي الأكثر حضوراً في الشوارع بصوتها المرتفع... وإطلاق أعيرة نارية هنا وهناك .وقذائف الهاون تضيء ليلاً مع صفير اعتدنا سماعه وهي تنطلق من فوق المخيم.... وجنازات كثيرة ولكن بمشيعين أقل من أصابع اليد أذكر أننا صلينا على قريب لنا في جامع صلاح الدين الأيوبي وبعد الصلاة طلب منا إمام المسجد أن يرافق الجنازة خمسة أفراد فقط من أهله!! ولما خرجت الجنازة من المسجد وضعوها في سيارة سوزوكي صغيرة وانطلقت مع سيارتين أو ثلاثة ولما وصلنا المقبرة الجديدة سرنا بين القبور وجدت الكثير من قذائف الهاون هناك يأخذها الأطفال ويلهون بها عندها قلت: كان إمام المسجد على حق.

أما بالنسبة لمشافي المخيم فلسطين والباسل وحلاوة فاكتظت بالجرحى والمصابين وكانت كل حين تطلق صيحة للتبرع بالدم ولا سيما من الزمر النادرة.

في المساء صار أبناء كل حي يسهرون في حييهم يتداولون المستجدات والإشاعات، ونحن في ساحة الريحة كنا نسهر بالقرب من مكتب الجودة العقاري حتى ساعة متأخرة من الليل، وكانت تمر من قربنا اللجان الشعبية بأسلحتها الخفيفة وكانوا قد قسموا المخيم إلى مناطق عديدة كل مجموعة مسؤولة عن منطقتها، وفي ساحة الريجة وغيرها من ساحات وسوق اليرموك كانت جدال المناقشات وتنبؤ المستقبل وتداول الأخبار وغيرها وكل يدلي برأيه وكأنه في برنامج حواري تلفزيوني.

 أصبح الوضع خطيراً لا ينبؤ عن خير فالتجار القاطنون خارج المخيم بعضهم آثر الإغلاق بعد سحب الكثير من بضاعتهم وبعضهم صار يتأخر في فتح المحل ويغلق أياماً... أذكر يوماً قبل ظهر أحد الأيام وأمام بقالية الكوثر أو كما كنا نقول لها: دكان اليلداوي في شارع اليرموك والمطلة على شارع فؤاد حجازي سقطت امرأة برصاص قناص فخرت صريعة فهرع الشبان نحوها وأوقفوا سيارة تكسي صفراء اللون وانطلقوا بها للمشفى، وبعد يومين أو أكثر حيث كنت في محلي على شارع اليرموك مع صديقي أوس إذ بإطلاق نار كثير وصيحات تطلب من الناس عدم الخروج فحاولنا الهروب فلم نستطع فما كان منّا إلا أن أنزلنا الغلق حابسين أنفسنا داخل المحل لأكثر من نصف ساعة ونحن نسمع أزيز الرصاص حوالينا ولما هدأ قليلاً رفعنا الغلق مسافة ما يمررنا وانطلقنا بسرعة البرق إلى ساحة الريجة بعد أن صدم رأسي بطرف الغلق، وذات يوم دوى انفجار كبير في شارع عين غزال أسفر عن ضحايا وتدمير عدة مبانٍ، كما حدث انفجار لسيارة بيك آب قرب محكمة اليرموك في شارع راما أسفرت عن مقتل اثنين أو ثلاثة.

يتبع....

 

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٥)
الخروج من المخيم (3)
بالرغم من المناوشات في المخيم وإطلاق النار هنا أو هناك أو اغتيال عدد من الأفراد لم يكن أحد من أهالي المخيم ظن أننا سنخرج منه يوماً، فبالرغم من كل شيء فالوضع كان حذراً ولكن الأمور عادية فالأفران مفتوحة والسيارات تدخل وتخرج ولكن لم تعد المحلات تفتح لساعة متأخرة من الليل أو مبكرة فأول ما يحل الظلام كان التجار يؤون لبيوتهم.

بيد أن الخروج الكبير حدث بعد دخول المناوئين لوسط المخيم وقيام الطيران بقصف مسجد عبد القادر الحسيني ومدرسة الفالوجة في شارع المدارس، وكان ذلك ظهر ٢٠١٢/١٢/١٦م ويعد هذا هو الحادث الجلل الذي قلب الموازين رأساً على عقب ففي اليوم التالي ومنذ ساعات الفجر الأولى وقبل شروق الشمس بدأت حركة الناس تتجه من المخيم إلى اتجاه الشمال في منظر يستدعي الهجرة الأولى من عاصر اللجوء أو مسلسل التغريبة الفلسطينية لمن تابع المسلسل قبل سنوات.

خرج الناس جماعات وفرادى رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً بعضهم راكبين وبعضهم مترجلين وكل يحمل ما خفَّ وغلا، وبالرغم من مناشدة عقلاء المخيم لهم بالعودة وعدم الخروج إلا أن حركة الخروج استمرت طوال النهار.

هذا المنظر يشبه لحدٍّ كبير نفرة الحجاج من عرفات إلى منى فالواقف على أي طرف من شارع اليرموك يرى بحراً من البشر لا أول له ولا آخر وكلهم باتجاه الشمال أي خارج المخيم، فقد هام الناس على وجوههم فقد استقر البعض في الفنادق والبعض وصل لبعض المناطق مثل ضاحية قدسيا وقدسيا والميدان والمزة بعضهم استأجر بيتاً لمدة شهر على أمل الرجوع القريب والبعض نزل عند أقاربه، والفقراء منهم لجؤوا لبعض المساجد فقد افتتح جامع بدر والأشمر في الزاهرة القديمة أبوابه للفقراء كما فتح جامع قدسيا أبوابه أيضاً وكذا افتتحت بعض المدارس أبوابها أيضاً وخلال هذه الفترة نشطت بعض الهيئات الخيرية في توزيع الأغطية إذ أن الفصل فصل شتاء وكذا الأطعمة والأشربة وغيرها من مستلزمات الحياة ولاننسى في هذا المجال ما قامت به بعض الفصائل الفلسطينية في تقديم يد المساعدة والعون.

بقيت في المخيم ولم أخرج كالمئات مثلي وكنت كل يوم أراقب حركة الخروج التي ما انقطعت ولكن أقل حدة من يوم النفرة، علماً بأن المخيم كان مفتوحاً من شارع اليرموك والثلاثين يخرج الناس ويدخلون حتى بالسيارات وحتى أن أكثر التجار أحضروا سيارات شحن كبيرة وأفرغوا معظم بضائعهم وقليل من الناس أخرجوا عفشهم لأن الغالبية ظنوا أنهم سيرجعون بعد يومين أو ثلاثة.

كما اشتدت موجة الخروج بعد ضرب منطقة المحكمة أيضاً فقد ظن الكثيرون أن المنطقة أضحت مستهدفة ولا بد من الخروج فخرج يومها عدد لا بأس به وظل من لا يرغب بالخروج.

ومن مظاهر الفوضى أنك كنت ترى أناس يسارعون في الخروج وأناس يعودون لبيوتهم بعض أن ضاقت بهم السبل في الخارج أو لضيق ذات اليد، وبعد أيام تم نصب بعض الحواجز لتقييد حركة الدخول والخروج وبدأت الاشتباكات بين الطرفين مما جعل شارع اليرموك مقنوصاً..

يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:10 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٦)
التغريبة الجديدة
خرجت من المخيم بعد ضرب المحكمة وخرج معظم الجيران يومها، ولم يبقَ منهم إلا القليل، منهم والدي وزوجته وأخي سامر فبالرغم من انقطاع التيار الكهربائي وندرة الحاجيات وغلائها إلا أنهم أصروا على البقاء مع عدد من سكان حي الريجة.

وأما رحلة التيه فكانت مأساة حقيقية عشناها يوماً بيوم أثرت في حياتنا وصحتنا ومستقبلنا وعلى سبيل المثال أذكر ما حلّ بعائلتي حيث أنها شبيهة بأكثر العائلات لجأت إلى حي المهاجرين حيث كان بيت والد زوجتي فارغاً بسبب ذهاب عمي وأولاده إلى جمهورية مصر قبل خروجنا بيومين، وأما ابنتي الكبيرة فقد لجأت إلى ضاحية قدسيا مع زوجها وأولادها واستقرت في بيت جدتها هناك حيث كان فارغاً إلى أن يسر الله سفرها للسويد عن طريق اليونان، وأما أخي سميح فقد سكن مع زوجته وأولاده وبناته وأحفاده في مزرعة في خان الشيح، ثم غادرها بعد أن حمي الوطيس إلى قدسيا، وأخي سهيل غادر دمشق إلى لبنان ومن هناك إلى القاهرة ومنها للإسكندرية حيث ركب البحر تهريباً مع زوجته وأولاده ووصل إيطاليا ومنها لألمانيا، وأما أخي سمير فاستأجر بيتاً في ضاحية قدسيا، وأختي أم أسامة سكنت في بيت شقيقتها في الضاحية أيضاً إذ أنها في الإمارات، وأما أسرة أخي سامر فاستقرت في بيت خالها في الزاهرة الجديدة حيث بقي سامر في المخيم يعمل في الإغاثة وتقديم الإعانة للمحتاجين، وأختي فاطمة استأجرت في الضاحية بعد أن مكثت عدة أشهر في البرامكة، وأما أختي أم حسام فبقيت في حي العروبة عدة أشهر لكنها تمكنت من الخروج عن طريق الحسينية، واستقرت في صحنايا وكذلك استقرت هناك أختي الصغيرة سهيلة مع زوجها وأولادها، وبعد أشهر وصل زوجها للسويد عن طريق ليبيا وإيطاليا منتظرين لم الشمل.

أما أولاد عمي فتشردوا في بلاد الله الواسعة بعضهم في لبنان وبعضهم في جرمانا والضاحية والزاهرة وبعضهم ما زال في المخيم.

كان الطريق قبل رمضان الفائت مفتوحاً يستطيع أي شخص من الدخول والخروج ولكن كانت هناك صعوبات على الحاجز عند جامع الماجد بدأت تزداد تدريجياً يوماً بعد يوم وكنت وقتها أذهب عند الوالد كل يومين أو ثلاثة أحضر له بعض الطعام والخبز والكتب، إذ كان وما زال مدمناً على القراءة فوجد في الكتب خير جليس وأنيس، وأذكر أن آخر كتاب أحضرته هو مذكرات واصف جوهرية عن مدينة القدس في مجلدين فقرأهما واستمتع بهما ولا أظن أنه استمتع يوم وصف جوهرية رحلة خروجه المؤلمة من القدس لبيروت لاجئاً وتاركاً وراءه متحفاً فنياً وتراثياً لا مثيل له في القدس، وكنت أنام أحياناً هناك أو أقضي بضع ساعات وأخرج حاملاً بعض الملابس والأوراق الثبوتية.

كان الوضع الأمني كل يوم يزداد صعوبة فقد تم منع دخول السيارات للمخيم حيث كان الداخلون يمشون من جامع الماجد وحتى أول المخيم من شارع اليرموك حيث كانت المكاري تأخذ الركاب من هناك لساحة الريجة ومنها لآخر شارع اليرموك وقد ازدادت قذائف الهاون والقنص حيث كان يقع كل يوم أكثر من ضحية كان منهم صاحب دار الشجرة للنشر غسان الشهابي في الشهر الأول من عام ٢٠١٣م وكذلك ابن عمي الغالي أيمن جودة أبو علاء إذ تم قنصه في منتصف الشهر الثاني من العام نفسه قرب مطعم علي بابا على شارع اليرموك فنقل إلى مشفى المجتهد وبعد أن تمكنا من استخراج شهادة وفاة له أدخلناه للمخيم ودفناه في مقبرة الشهداء القديمة، وفي المساء أقمنا له عزاء في صالة إخواننا النازحين من أهل جباتا الزيت القريبة من منازلنا، ففي تلك الفترة اقنعنا الوالد وخالتي أم سهيل زوجته بالخروج من المخيم حيث لم تعد الحياة تطاق، فقد بلغ الخامسة والثمانين أطال الله في عمره فلا كهرباء ولا طعام ولا شراب بل قذائف في كل مكان ولا سيما في ساحة الريجة وهذه القذائف تركت آثاراً مدمرة في أغلب المباني فخرجت بهما من المخيم وكأنني أخرج الروح من الجسد فقد ودع ما بناه وأولاده خلال فترة الكفاح وداع المحبّ لحبيبه حيث كانت العبرات تخونه والنظرات لا تفارق مبناه ذا الطوابق الأربعة وخرجنا من ساحة الريجة باتجاه الشمال وسار على يميني وهو يتكأ على عصاه مثقلاً من الهموم مودعاً المخيم الذي سكنه منذ عام ١٩٥٥م؛ أي أكثر من نصف قرن ونيف إلى أن وصلنا قرب سيارتي قرب جامع الماجد ولم أنسَ أنه قال لي في الطريق: إن هذا اللجوء أصعب من الخروج من فلسطين!!

وانطلقت بهما حسب رغبته إلى خان الشيح حيث زرنا شقيقي الكبير وهناك تناولنا الفطور وأحضرنا من يحلق له شعره ومنه إلى قدسيا حيث بيت أخي الصغير وأختي الصغيرة، ولم يطب له المقام هناك فكانت رغبته أن يسافر إلى مصر مع زوجته فنزلنا عند رغبته ووصل القاهرة في منتصف عام ٢٠١٣م وما زال إلى يومنا هذا هناك يرنو للرجوع إلى بيته ومخيمه.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٧)
انفجار ساحة الريجة ليلة لا أنساها
يوم ٢٠١٢/١٢/٢٨م دخلت إلى المخيم بسيارتي من شارع اليرموك فالطريق لم يكن قد أغلق بعد وكان معي صديقي أوس فما أن دخلت إلى ساحة الريجة حتى لقيت عمي أبو الوليد وأبناء عمي كمال وجمال وهشام ومأمون فسلمت عليهم وعندما هممت أن أركب سيارتي لصفها في حارتنا القريبة قال لي ابن عمي كمال: اتركها هنا في الساحة فنحن ندير بالنا عليها فقلت له: لا سأتركها أمام منزلي فربما احتاج لبعض الأغراض والملابس لوضعها في السيارة، وصلت دارنا فدخلت شقة الوالد فسلمت عليه وجلست معه ردهاً من الوقت وبعدها صعدت مع أوس وأشقائي سميح وسامر وسمير إلى شقتي نتجاذب أطراف الحديث وأي حديث يكون حاضراً إلا حديث المخيم ولما حل الظلام شعرنا بالبرد القارس فههمت أن نشعل المدفأة فاقترح أوس أن نذهب لبيته عند مطعم اللورد وننام هناك حيث أقنعنا أنه صغير ودافئ، استحسنا الرأي فذهب أخي سميح لبيته وانطلقت مع أوس وأخي سمير لبيت أوس أما سامر فقد امتطى شنطة الإسعافات الأولية وساح يبحث عن جريح أو مصاب.

بعد الثامنة أوينا للنوم وماهي إلا لحظات حتى ارتج البيت فظننا أن قذيفة نزلت بالقرب من مطعم اللورد، ولما حاولنا الاستسلام للنوم رن جرس الهاتف فإذا بأخي سامر يخبرنا أن سيارة مفخخة انفجرت في ساحة الريحة وأن الدمار هائل ومرعب.

 انطلقنا بسرعة للساحة فإذا الدمار كبير جداً فعامود الإنارة في وسط الساحة لا أثر له وبيت عمي أبي الوليد طارت كل واجهته وكذلك بيت عمي أبو إبراهيم والأبنية المجاورة، سرعان ما سألت عن الأهل والجيران فأخبروني أن الجميع بخير فالأضرار مادية فقط، ذهبت إلى مبنانا فشاهدت الوالد والخالة أم سهيل بخير إلا أن الأبواب والشبابيك وكل ما هو متحرك في المبنى قد خرج من مكانه صعدت لشقتي فلم أجدد لها أبواباً ولا شبابيك فالأباجورات في الشوارع والمدفأة الجديدة في غير مكانها وقد انسكب المازوت على السجادة وقد اختلط الزجاج به وكذا لم يبقَ أي حمالة للستائر أو صناديق الأباجورات أو الرفوف.

تجمع الناس في الساحة وأصبح أكثرهم محللين وشاهدي عيان بعضهم قال: نزل السائق بعد أن ركن السيارة بالساحة فحاول أن يهرب فشك به المسلحون فأخلوا الشارع من الناس. وبعضهم قال: دخلت السيارة من دخلة علي بابا ولما أوقفه المسلحون سألهم عن حارة المحكمة فطلبوا منه أن يفتح الصندوق فلما رأوا الأشرطة الكهربائية عرفوا نيته فأمسكوا به... وهكذا بدأ التحليل واتساع الرواية لمن رأى أو لم يرَ المهم الذي شاهدته في الساحة أن الانفجار الهائل تم بواسطة سيارة عمومي صفراء تطايرت أجزاؤها في الساحة كلها وفي الشوارع القريبة منا حتى وصلت لمنتصف شارع اليرموك.

عدنا إلى حيث كنا ولم نعرف تلك الليلة النوم إلا قليلاً وفي الصباح الباكر نزلت للساحة فإذا بمئات من الناس تتفرج وتصور وتتحدث، وفي تلك الأثناء حضرت مجموعة من المسلحين تريد اعتقال ابن عمي هشام جودة لسبب لا نعرفه فوقف الأقارب والجيران وقفة رجل واحد حالوا دون اعتقاله بالرغم من شراسة المسلحين وإطلاق النار بالهواء ولم أنسَ ما قاله أكثر الناس يومها: العمى، الرجل منكوب بيته نزل نصفه وتريدون أن تعتقلوه اتركوه بحاله، وأشهد أن أكثر الذين وقفوا لهم وصدوهم هو جارنا أبو عبده المهرجي الذي لم يأبه لهم ولا لرصاصهم الذي أطلقوه بالهواء.

يتبع.....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٨)
مأساة اللاجئين إلى لبنان
كنت قد كتبت حلقة سابقة تحت عنوان: «موسم الهجرة إلى مخيم اليرموك» وقد نشرتها في مجلة العودة وربما كانت آخر مقالي لي بهذه المجلة إذ إن المجلة قد توقفت مع توقف الحياة في مخيم اليرموك وقد ذكرت كيف أن المخيم أصبح ملاذاً للعديد من اللاجئين إليه من المناطق البعيدة والقريبة.

لفت انتباهي قبل قليل مقطع فيديو انتشر على مواقع الفيس بك يصور امرأة سورية تلد في الشارع بسبب رفض المستشفى اللبناني استقبالها، لم تطعني نفسي في فتح الفيديو ومشاهدته فيكفينا ما نراه يومياً من مآسٍ ودمار وخراب وعلى قول المثل: «ما ناقصنا مصايب» بل اكتفيت بقراءة التعليقات التي كتبها بعض القراء وكان أغلبها تذكير اللبنانيين يوم اضطروا للجوء إلى سورية أبان حرب ٢٠٠٦م.

وكنت قد ذكرت في مقالي السابق عن استضافة مخيم اليرموك للمئات من المهجرين اللبنانيين وتقديم كافة أنواع المساعدة لهم من الناس والفصائل الفلسطينية والأونروا، وأحب أن أذكر أن سورية كلها مدنها وقراها ونواحيها استنفرت لاستضافة الأشقاء اللبنانيين وأنا في هذا المقام أذكر أن عام ٢٠٠٦م، لم يكن هو العام الأول لاستضافة اللبنانيين إذ تعود بي الذكرى لسنوات خلت وبالتحديد إلى أيام الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥م فأيضاً استضافت سورية العديد من الفارين من الحرب هناك فاستقبلتهم الحكومة والناس استقبالاً حسناً، وأذكر أيضاً فضلاً عن ذلك أن الحكومة السورية أصدرت قراراً يقضي بموجبه أحقية أي لبناني يملك سيارة خاصة أو عامة أن يشغل سيارته تكسي أو سرفيس ينقل بها الركاب من مكان لآخر وفي أي منطقة في سورية وذلك لتخفيف عبء الحياة وشظف العيش عنهم وبالفعل فقد استفاد المئات من اللبنانيين من هذه الميزة وغدت سياراتهم تنطلق بكل الشوارع تقل الركاب الذين صاروا مرشدين للسائقين الذين لا يعرفون شوارع البلاد، وحتى تجد أن أكثر الناس كانت ترغب بالركوب مع اللبنانيين رأفة بهم، وبالرغم من تذمر السائقين السوريين لأن فرص عملهم ضعفت من هذا القرار إلا أنهم سكتوا من أجل الأشقاء والإخوة والعرب.

لقد ساءني بعض التعليقات التي تناولت جميع اللبنانيين بالتهجم والشتائم من جراء هذا الفيديو المثير ولكن أقول: ليس كلهم سواء هناك العديد ممن يعمل بصمت من أجل تخفيف المعاناة عن الشعب السوري ومن في حكمهم ولكن ما استطاعت هذه الأعمال أن تشكل ظاهرة يلمسها القريب والبعيد لأن المزاج الحكومي يتذمر من ظاهرة اللجوء للبنان ويتخوف في إعلامه ليل نهار ويبالغ في تصوير المشكلة ربما لمساهمة الدول الكبرى في دعمه أو لتبرير فشله أمام مواطنيه مما انعكس ذلك على المزاج الشعبي الذي ظن أن كل مشكلاته الاقتصادية والسياسية والتعليمية سببها هؤلاء المساكين.

وأما اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ومعاناتهم هناك فهي مشكلة داخل مشكلة لا يتسع المجال لذكرها علها تكون في حلقة قادمة بإذن الله.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٨٩)
اللاجئون إلى لبنان وضنك العيش
لا شك أنّ أغلب الدول العربية تمنع الفلسطيني حامل الوثيقة السورية من دخول أراضيها أو تضع العراقيل دونهم ومن هذه الدول لبنان في حين أن السوري يدخل على الهوية مباشرة وبدون رسوم ويحصل على إقامة لمدة ستة أشهر وأما الفلسطيني فيحتاج أولا إلى موافقة فرع فلسطين في إدارة الهجرة والجوازات والتي مقرها شارع بغداد عين كرش وبعدما يتخطى الحدود السورية ويصل للحدود اللبنانية يعطى تأشيرة لمدة أسبوع فقط مقابل خمس وعشرون ألف ليرة لبنانية، وأما من يتأخر عن الأسبوع فعليه دفع غرامة عند الخروج، ولم تكتف الحكومة بذلك فقد أضافت عراقيل أخرى مؤخراً منها أن يبرز القادم عقد إيجار أو بطاقة طائرة وغير ذلك وكثيراً ما كانت تخضع الأمور لمزاجية عالية بين مدة ومدة ترجع إلى الضابط المناوب، وكثيراً ما كانت تدفع رشى من أجل السماح بالدخول.

طبعاً هناك أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان ما زالت معاملتهم كما هي في السابق، وغريب أن التخوف من أقل من خمسين ألف فلسطيني وكأنهم كارثة حلت بلبنان!!

وأما المعاناة الثانية فهي على الأراضي اللبنانية أهمها: غلاء المنازل فإذا ما قورنت أسعار الإيجارات بسورية فإنها في لبنان ضعفين أو ثلاثة أو أربعة وكذا غلاء المعيشة أيضاً من طعام وشراب ومواصلات التي لا يقدر عليها إلا الميسورين فأسعار لبنان مرتفعة أو سياحية بمعنى الكلمة.

ومن الصعوبات أيضاً وضع العراقيل في الدخول للمخيمات الفلسطينية ولا سيما الجنوبية إذ يمنع الأمن اللبناني الدخول إليها إلا بموافقة الثكنة العسكرية وهذا ما حصل وما زال بالنسبة لمخيم عين الحلوة بصيدا فالمخيم محاط بالسياج لا يسمح بدخوله إلا بموافقة، ومن المنغصات أيضاً أن مخيمات لبنان بائسة في كل شيء وكأنها خارج الحضارة والحياة الآدمية إذ يمنع الفلسطيني هناك من ترميم بيته أو إصلاحه مما يجعل الحياة هناك لا تطاق لا ضيفاً ولا مستأجراً إن استرخص ذلك، وكما أن العمل هناك محرم على اللاجئ القادم من سورية وكما هو معروف أن اللاجئ الفلسطيني اللبناني ما زال محروما من ممارسة عشرات المهن الجيدة أو المستورة.

نصف اللاجئين للبنان تقريباً سكنوا في المخيمات الفلسطينية هناك والنصف الآخر سكنوا خارج المخيمات في مناطق متطرفة بعيدة عن مدارس الأونروا ومن المؤسف له أنه لم يلتحق من الأبناء بمدارس الأونروا إلا الثلث وذلك لعدة أسباب منها اختلاف المنهج اللبناني عن السوري إذ يعتمد المنهج اللبناني في الصف الخامس وما فوق على اللغة الإنكليزية وكذا وضيق ذات اليد ولا سيما للقاطنين خارج المخيمات إذ أن أجرة المواصلات فوق طاقتهم وكذا اعتقاد الكثيرين أن الأزمة ستحل قريباً ومضت مدة طويلة أضاعت السنة الدراسية كلها، وأعتقد أن هذه هي أم المشكلات لا تتضح إلا بعد سنوات.

أعرف كثيراً من العائلات رجعت لسورية بعد أن اكتشفت صعوبة العيش هناك لا سيما الفقراء منهم وندموا على فعلتهم، ولعل الكثير من العائلات غامرت بالسفر إلى لبنان ناهيك عن البحث عن الأمان هو سوء تنظيم إدارة تقديم المساعدات من قبل الأونروا في لبنان وسورية إذ كانت الأونروا تعطي للاجئ الفلسطيني السوري في لبنان ما يقارب المئة دولار للفرد كل شهرين أو ثلاثة في حين كان نصيب الفلسطيني في سورية ثلاثة آلاف ليرة سورية في أول مساعدة لها أي ما يعادل عشرين دولاراً؛ مما حذا بعدد كبير من العائلات للذهاب إلى لبنان من أجل الفارق الكبير، ويبدو أن الأونروا تنبهت لذلك فضاعفت المبالغ في سورية ومنعت الازدواجية التي سببت فوضى الذهاب للبنان في بادئ الأمر.

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعيد الأمن والاستقرار لربوع بلدنا الثاني سورية وأن يعود كل من غادر سورية لبلده في جو من الأمن والأمان وأن نعود لمخيمنا الذي لم نعرف أغلى منه إلا فلسطين الحبيبة.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٠)
لم يكن مخيم اليرموك بمنأى عن الأحداث التي شهدتها البلاد فبالرغم من شبه الاجماع الوطني على تحييد المخيم إلا أنه شهد أحداثا عصيبة أدت إلى نزوح أهله منه وغدا منطقة للصراع بين الأطراف.

وهذا سجل مختصر لأهم الأحداث التي ألمت بالمخيم:
ــ ٢٠١١/٥/١٦ تشييع شهداء مسيرة العودة الأولى وإقامة سرادق عزاء عند جامع الوسيم.

ــ ٢٠١١/٦/٦ تشييع شهداء مسيرة العودة الثانية والهجوم على مقر الخالصة وسقوط أربعة ضحايا من الجميع

ــ ٢٠١١/٦/١٨ اجتماع للهيئة المنظمة في مخيم اليرموك في صالة الباسل بحي العروبة قرب المدينة الرياضية لعقد مؤتمر التصالح والتسامح إثر الضحايا الذين سقطوا قرب مجمع الخالصة.

ـــ منذ أواخر عام ٢٠١١ وصل المئات من اللاجئين السوريين من المناطق المجاورة للمخيم واتخذوا من المساجد والمدارس سكناً لهم وقيام شباب المخيم من أغلب الفصائل بتقديم المعونة لهم

 

ـــ ٢٠١٢/٢/٢٨ اغتيال الضابط عبد الناصر مقاري قرب منزله في شارع القدس المطل على مقبرة الشهداء القديمة.

ــ ٢٠١٢/٣/١ تشكيل اللجان الشعبية في المخيم وتسليم السلاح لبعض المتطوعين وقيامهم بدوريات لحمايته.

ــ ٢٠١٢/٣/١٧ اغتيال عميد في الجيش السوري وثلاثة من الشباب الفلسطينيين على شارع الثلاثين أثناء ملاحقة بعض المطلوبين في شارع المدارس.

ــ ٢٠١٢/٦/١ بدء خروج مسيرات مناهضة من جامع الحبيب المصطفى من ساحة الريجة بعد صلاة كل جمعة ولمدة شهرين تقريباً.

ــ ٢٠١٢/٦/٢٨ انفجار سيارة بيك آب مفخخة في شارع راما بين المحكمة وجامع الحبيب المصطفى.

ــ ٢٠١٢/٦/٢٩ اغتيال المساعد أول في فرع فلسطين والمسؤول عن أمن المخيم مع اثنين من مرافقيه عماد سرية أبو محمد قرب صالة ليالينا.

ـــ ٢٠١٢/٧/١٥ نزوح المئات من أهالي الميدان لمخيم اليرموك.

ـــ ٢٠١٢/٨/٢٩ اختطاف الدكتورة منى السايغي من مشفى محمد فايز حلاوة ودخول دبابتين للمخيم وخروجهما مباشرة.

ـــ ٢٠١٢/٨/٢ سقوط قذائف الهاون في شارع الجاعونة وسقوط حوالي عشرين شهيداً وجرح خمساً وعشرين.

ـــ دخول عناصر من لجان نسرين واعتقالهم لبعض المطلوبين.

ـــ ٢٠١٢/١٢/١٤ انفجار سيارة مفخخة نهاية شارع عين غزال من جهة شارع الثلاثين.

ـــ ٢٠١٢/١٢/١٦ ضرب الطيران الحربي لجامع عبد القادر الحسيني ومدرسة الفالوجة ومقتل أكثر من عشرين شخصاً وخروج معظم الناس خارج المخيم.

ــ ٢٠١٢/١٢/١٨ ضرب منطقة المحكمة وخروج أغلب من تبقى من السكان وسيطرة المناوئين على كافة المخيم.

ـــ ٢٠١٢/١٢/٢٨ انفجار سيارة مفخخة مساءً في ساحة الريجة وتدمير عدد من الأبنية والمحال التجارية ولم تسفر عن قتل أو جرح أحد.

ـــ منتصف رمضان ٢٠١٣ إغلاق المخيم بشكل تام.

وبعدها عقدت عشرات الاجتماعات والهدن وللأسف لم تسفر عن شيء إلا المعاناة والموت جوعاً وبسبب نقص العلاج وأهل المخيم بعضهم وصل لأقاصي الدنيا في رحلات شبيه بالموت وبعضهم تبعثر في ضواحي دمشق وبعضهم في لبنان يعانون المر والأمر وبعضهم ما زال في المخيم يعانون الأمرين والكل يدعو الله أن يحل عسيرها، وأتمنى أن أكتب في قريب الأيام عن الذكريات الجميلة في مخيم اليرموك وهل أجمل من العودة لشارع اليرموك ولوبية وصفد ولفروج علي بابا وبن الأمراء والحسناء وفلافل الكلسلي وفروج التاج وبيتفور أبو خليفة وأجبان حمادة وحلوة زيدان والخالصة والشتات وجفرا والإقليم والشعبة وكل الأماكن التي تعبق بالذكرى وليس ذلك على الله ببعيد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:11 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٩١)
رمضان في المخيم
هذا هو رمضان الثاني يمر علينا ونحن بعيدون عن مخيمنا الحبيب وكم أتمنى والآلاف مثلي أن نعود إلى بيوتنا وأهلينا في هذا الشهر الفضيل.

ماذا أذكر من رمضان في مخيم اليرموك؟
أذكر بالضبط أنتي بدأت بالتدرب على الصوم وأنا في الصف الثاني الابتدائي حيث كنت في مدرسة صرفند وكان أستاذنا الأستاذ غازي زغموت وأما المدير فكان الأستاذ محمد عطية ونائبه علي شما وكانت المدرسة في المجمع الذي يقع بين شارعي فلسطين واليرموك بالقرب من مستوصف محمد الخامس.

كان رمضان في تلك الفترة من عام ١٩٦٤ أو ١٩٦٥ يأتي بالشتاء والبرد كنا تصحو على صوت المسحر أبو حسن يعقوب من طيرة حيفا وكان بيته قرب مطعم علي بابا حاليا على شارع اليرموك وهو يدق طبلته الصغيرة وأحيانا على الطنجرة بقوله: يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحد الله، قم على سحورك خلي النبي يزورك.

وقتئذٍ تصحو الوالدة يرحمها الله وتعد لنا السحور بعد أن تشعل مدفأة المازوت وبعد السحور كنا نذهب مباشرة لجامع الرجولة الذي يكتظ بالمصلين على غير عادته حيث كنا نؤدي صلاة الفجر حيث كان أمام المسجد على ما أذكر الشيخ أبو إبراهيم الصفوري من آل الخطيب وهو جد الزميل الإعلامي زهير الخطيب وبعد الصلاة كنا نعود للبيت استعداداً للذهاب إلى المدرسة التي كنا نتبارى فيها من منا صائم أو مفطر فببراءة الأطفال نسأل أحدهم هل أنت صائم ؟ فإن قال نعم نقول له: مد لسانك فإن كان أبيض فهو صادق وإن كان أحمر فهو كاذب!!

وفي طريق عودتنا كنا ننشد في الأزقة:

أهلاً أهلاً يا رمضان. شهر الخير والإحسان.

هيا نشدو يا صبيان. أهلاً أهلاً يا رمضان

وكنا ننشد أحياناً عندما نرى مفطراً في الشارع:

يا مفطر اليوم بتمه جردون يا صايم البارحة بتمو تفاحة

وقبل العيد بيوم ننشد:

اليوم الوقفة وبكرة العيد وحضّر حالك يا سعيد

وأيضاً: وبكرة العيد وبنعيد وبندبح بقرة السيد، والسيد ماله بقرة، بندبح بنته هالشقرة، والشقرة ما فيها دم بندبح بنته بنت العم.

في تلك المرحلة كان الأهل يقنعونا بأن نصوم درجات المئذنة وفتواها أن الصغار لا تقدر على الصوم للغروب فعليهم أن يتناولوا وجبة خفيفة عند أذان الظهر فكان منا من يأخذ بها ومنا يصبر حتى يفطر مع أهلة مع أذان المغرب.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٢)
في أجواء رمضان (٢)
ما زلنا في أجواء الذكريات الرمضانية في مخيم اليرموك قبل نصف قرن من الزمن حيث كان مخيمنا تتشابه طقوسه مع مدينة دمشق القريب منها والتي اكتسبناها بالمعاشرة والمصاهرة والمقاربة، وعلى ما اعتقد أن بلاد الشام بها قواسم مشتركة فيما بينها كالمسحر والأكلات الرمضانية الموسمية والمشروبات والحلويات إلا أنني على ما أظن أن أهل دمشق يمتازون بما يسمى: «تكريزة رمضان» عن غيرهم من بلاد الشام وهذه التكريزة عبارة عن نزهة أو سيران خارج دمشق كالربوة أو الغوطة أو الزبداني يودع بها المنتزهون الطعام والشراب نهاراً ببعض المشاوي والمقبلات اللذيذة، ولم تدخل هذه العادة إلى مخيم اليرموك إلى يومنا هذا.

وأما ما هو مشترك بيننا وبين أهل الشام من أطعمة وأشربة والتي دخلت المخيم بأيدي مهرة دمشقيين وفلسطينيين فأهمها القطايف والعوامة والعرقسوس والتمر هندي والمعروك والفول «ويلي رماك الهوى يا ناعم» وهي عبارة عن رقائق مقلاة بالزيت يضع عليها بعض الدبس خفيفة جداً لذا سميت بهذا الاسم.

أذكر في منتصف الستينات محل أبو زهير بياع العوامة والذي يقع على شارع فلسطين بالقرب من مستوصف الخامس فهو يبيع العوامة طوال العام وأما في رمضان فيضيف لها القطايف وكنا ونحن صغار نقف أمام محله لنرى كيف يقوم برمي كرات العجين الصغيرة بواسطة ملعقة يقبض عليها بسبابته وإبهامه وكأنها ماكينة كهربائية تلقي بشكل اتوماتيكي في قدر الزيت المغلي ما تملأه كفه الأخرى، ثم يقوم بسحبها بكفكير كبير ليلقي بها في وعاء القطر، وأما القطايف فقد كان يملأ وعاءً على شكل مخروط يملأه بالعجين السائل ويقوم بسكبه على صاج محمى صانعاً منه أقراصاً منها الصغير ومنها الكبير.

وأما جارنا أبو محمد عباس والذي كنا نسميه أبا محمد العنبر لأنه كان يبيع التفاح الصغير المطلي بالأصباغ والذي نسميه «العنبر» طوال العام وأما في رمضان فقد كان يبيع بعض المأكولات والمشروبات أمام بيته الواقع على زاوية ساحة الريجة من شارع اليرموك.

ولم أنسَ محل أبو يوسف الصفوري الواقع على دخلة جامع الرجولة من شارع فلسطين والذي يمتاز بفوله اللذيذ ومسبحته طيبة الطعم والتي كنا نشتري الصحن منها بربع ليرة سورية وأما التسقية فيجب عليك أن تحجز دوراً منذ العصر واضعا في القصعة أو الزبدية كأسا من الزيت بين فتات الخبز اليابس، وأما البدوة فلم نعرفها إلا بعد التسقية ببضع سنيين وهي عبارة عن فتة بالمسبحة وبالحمص الحب تحمى السمنة بالصنوبر وتسكب فوقه، وأما التسقيه فهي عبارة أيضاً عن فتة بالحمص الحب وتسكب فوقها الفقسة والكمون وأما الفقسة فهي عبارة عن زيت زيتون عالي الأكسدة يخلط مع الماء المضاف إليه القليل من ذرات الكربونة، إذ يصبح الخليط أبيض كلون الحليب وذا طعم لذيذ، ويقال: إن من اكتشفه بدمشق الشيخ عبد الغني النابلسي قبل قرون عديدة.

وأما المشروبات الرمضانية من العرق السوس والتمر هندي والجلاب والليمون وملكها أبو الشكر فلندعها للحلقة القادمة بإذن الله

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٣)
في أجواء رمضان (٣)
كما أسلفنا سابقاً بأن مخيم اليرموك وبحكم قربه الشديد من دمشق لم تختلف طقوسه وعاداته عن عادات إخوتنا الشوام بل قل إن أكثر العادات مشتركة بين فلسطين والشام ولا سيما في الطعام والشراب فأهل دمشق وحلب وحمص وحماة وحيفا ويافا والقدس ونابلس أطعمتهم متشابهة، كما أن أهل الريف الفلسطيني والسوري يشتركون في البرغل والعدس والفريكة ومما تجود به الأرض المحلية.

وإذا انتقلنا للمشروبات الرمضانية في مخيم اليرموك نجد أن المدن الفلسطينية قد عرفتها قبل النكبة كما عرفتها في تلك الفترة المدن السورية ومن تلك المشروبات نقيع قمر الدين وهو عبارة عن ألواح من عصير المشمش يتركه الفلاحون بعد هرسه على ألواح تحت أشعة الشمس عدة أيام ثم يلف ويغلف بالنايلون لاستخدامه غالبا في شهر رمضان إذ ينقع بالماء عدة ساعات حتى ذوبانه، وكذا كنا نستخدم نقيع التمرالهندي ذا الطعم الحامض في هذا الشهر الفضيل، وأما سيد المشروبات في شهر رمضان المبارك فهو العرق سوس الذي كنا نعده قديما في بيوتنا إذ نشتري المطحون من عيدانه بالكيلو فنبل بعضه بالماء بعد إضافة بعض ذرات الكربون عليه وتركة بالشمس لمدة ساعة ثم نلفه بقطعة نظيفة من القماش الأبيض ونقوم بسكب الماء عليه رويدا رويدا من شامخ عال إلى خفض فينساب الشراب بلونه الأسود في الوعاء وكأنه الزلال، وبعد حين لم يعد أحد يصنعه في بيته فقد كثر البائعون في شوارع اليرموك وفلسطين ولوبية والمدارس وفي كل زاوية يضعونه في أكياس شفافه، مع بعض المشروبات الدخيلة الأخرى التي لم نكن نعرفها قديما في رمضان كالجلاب والليمون والفيمتو وغيرها وقد اشتهر عدد من بائعي هذه المشروبات في المخيم.

 


ذكريات من مخيم اليرموك (٩٤)
سميح القاسم في مخيم اليرموك
كنا ونحن فتيان في دمشق نعرف سميح القاسم من خلال أشعاره التي ملأت كتبنا المدرسية ولا سيما في كتاب الأدب للصف الثالث الثانوي إذ كان أدب المقاومة الفلسطينية يشغل حيزا كبيرا من هذا الكتاب فمن خلاله تعرفنا إلى عدد كبير من شعراء الأرض المحتلة منهم محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وراشد حسين وغيرهم وحفظنا هذه الأشعار كما حفظنا أسماءنا وحارات المخيم وساحاته.

ولما أطل علينا مرسيل خليفة بأغانيه الوطنية كانت الأغنية الأشهر والتي رددها الفلسطينيون والعرب كثيراً هي قصيدة سميح القاسم التي صور فيها سيرة المناضل الفلسطيني:

منتصبَ القامةِ أمشي

مرفوع الهامة أمشي

في كفي قصفة زيتونٍ

وعلى كتفي نعشي

وأنا أمشي وأنا أمشي....

قلبي قمرٌ أحمر

قلبي بستان

فيه العوسج

فيه الريحان

شفتاي سماءٌ تمطر

نارًا حينًا حبًا أحيان....

في كفي قصفة زيتونٍ

وعلى كتفي نعشي

وبقينا مع شعر المقاومة وأدبها حتى جاء اليوم الذي بقينا فيه مع الشاعر سميح القاسم في مخيم اليرموك ساعات مباركة مع ثلة من أصحابه

هذا المخيم الذي أحبه الشاعر المقاوم وأحب أن يزوره ويلتقي بأهله هناك أهله الذين يرتبطون معه برابطة المقاومة والحرية والإنسانية والعودة والزيتون والبرتقال.

كان يوماً سعيداً على دمشق يوم استقبلت عشرات الشخصيات القادمة من الأراضي المحتلة، منهم النواب والكتاب والشعراء والوجهاء، وذلك صيف 1997 وفي مخيم اليرموك بالذات احتشدت الجماهير الفلسطينية في جامع فلسطين، لاستقبال وفد عرب الأراضي المحتلة في زيارتهم الأولى لدمشق، لقد سارت الجماهير وتجاوز عددهم الآلاف مع الوفد الفلسطيني إلى مقبرة الشهداء القديمة.

التف محبو سميح القاسم حوله في حارة المغاربة بعضهم يصافحه وبعضهم يقبِّله، وأما الذي لم يقدر على الاقتراب منه كان يلوح له بيده من بعيد أو يصرخ بأعلى صوته: أهلاً وسهلاً بالضيوف أهلاً وسهلاً بالشاعر الكبير، وكان يرد عليهم بأحسن منها بكل تواضع ومحبة وحتى أن أحدهم أخترق الصفوف وانحنى خلفه يريد أن يحمله على كتفيه فما كان من الشاعر إلا أن اعتذر بلباقة وأدب وفضّل ألا يكون متميزاً عن غيره من ضيوف الأرض المحتلة.

ولما وصلنا إلى مقبرة الشهداء القديمة زار الوفد المتحف هناك والتقى مع بعض الشخصيات السياسية والأدبية ثم أطل على جمهوره المحتشد في ساحة المقبرة حيث أقيم احتفال كبير، أُلقيت فيه الكلمات ترحيباً بالضيوف القادمين بعبق فلسطين، وبعد الاحتفال انقضَّ الأهالي على الزائرين، كل على من يعرف أنه من قريته، أو ممن يمت له بقربى؛ قريبة، أو بعيدة، أو بصداقة، عن طريق الآباء، والأجداد، أو ممن يرتبطون مع الضيف بروابط فكرية ومنهجية، انقض أهل الشجرة على الشيخ كمال الخطيب، والبدو على من قدم من النقب، ومحبو الشعر والأدب على سميح القاسم، وهكذا كلٌّ يريد أن يحظى بضيف أو أكثر.

كانت شوارع المخيم الرئيسة اليرموك وفلسطين ولوبية والقدس مليئة بعراضات فلسطينية شعبية عرضات ذات طابع خاص فبعد أن انتهى الحفل سار الضيوف مع أهاليهم ليشاهدوا المخيم الذي صار حديث العودة وأسطورة النضال خرج الناس ليستنشقوا عبير فلسطين من ضيوفهم القادمين من رائحة الزيتون والبرتقال.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٥)
عيد ميلاد سعيد
الرياض ١٩٨٣/٩/٢٢م
حبيبتي غالية نبهني قلبي والفيس بك أن اليوم هو عيد ميلادك الواحد والثلاثين،رجعت بي الذاكرة يوم كنا في دمشق وأنت في رحم أمك وكنا على موعد السفر للرياض يومها ارتدت أمك ثوباً فضفاضاً حتى لا يكتشف طبيب المطار أو أمنه سرها، وكم كنت أتمنى أن تكون ولادتك بالطائرة ربما حتى لا تعانين كما يعاني أبناء بلدتك من الوثيقة البغيضة.

آه يا بنيتي كم كانت فرحتي غامرة يوم اتصلتُ من مكة المكرمة في ثاني أيام التعجيل إذ أخبرتني أمك أنها على وشك الولادة. فانطلقت إلى مطار جدة بعد طواف الوداع وبالرغم من مئات المنتظرين هناك إلا أن الله سبحانه وتعالى يسر لي هذه السفر فخلال ساعتين كنت بالرياض في حي النسيم حيث رافقتُ أمك إلى المستوصف هناك فأخبروني بالانصراف ولكنهم وفي منتصف الليل جاءت سيارة الإسعاف إلى بيتنا وأخبروني أنهم سينقلونكما إلى مشفى الرياض المركزي «الشميسي» فأقلوني معهم لأوقع على بعض الأوراق، وبعد منتصف الليل ومع تباشير الفجر أخبروني بقدومك الميمون. آه يا غالية كم كانت فرحتي عظيمة لما سمحوا لي في الصباح بالولوج إلى سرير أمك فقبلتك قبلها وحملتك بين أضلعي وروحي ورفعت الأذان في أذنيك الصغيرتين وحنكتك بتمرة أحضرتها من أجلك كما أوصاني جدك الذي تركته في مكة المكرمة.

انطلقت من الشميسي إلى البطحاء ومنها ركبت بالباص إلى حي النسيم حيث أن الرياض في ١٩٨٣/٩/٢٣ لم تكن تعرف سيارات الليموزين بعد ولم يكن أبوك قد اشترى سيارة لأنه لم يقبض أي مرتب من وزارة التعليم بعد فالمدارس لما تفتح بعد.

أتذكرين يا غالية بيت جارنا الأستاذ سليم الزواوي الذين شممنا منهم رائحة فلسطين وصفد من اليوم الأول في سكنانا في حي النسيم قرب جامع فهدة الشريم والدة الأمير عبد الله والملك فيما بعد: يومها انطلق معي الطالب أيمن الزواوي بسيارة والده الأستاذ سليم لتحمل إلينا الوالدة وما ولدت.

لم أنسَ فضل والدته أم محمد الزواوي التي قامت بالواجب، فرعت أمك واستقبلت المهنئين وغلت القرفة ووو وكل هذا بفضل دعاء جدتك التي حرمت من حضور ولادة بكرها.

كانت فرحنا بسيطاً يتناسب مع حالنا فتم إخبار بيت جديك عن طريق هاتف الشارع الذي كان يبتلع الريالات الحديدية بعد محاولات عديدة. وكنا يومها نخط الرسائل ونضع عليها طابعاً ونذهب لصندوق البريد، وعندما كنت تناغي كنا نحضر المسجلة لنسجل لك مناغاتك ونرسلها للشام حيث كانت تجتمع العائلة في المهاجرين لسماع أول صوت أول حفيد لجدك نزار ثم يعود الشريط إلى مخيم اليرموك ليستمع بيت جدك الشيخ محمود لحفيدتهم الثمانين أو التسعين!!

لم أنسَ ذلك اليوم المشهود عندما كان عمرك تسعة أشهر يومها نزلنا نقضي إجازة الصيف في ربوع دمشق فلما هبطت الطائرة أقلتنا سيارة الأجرة ومشينا في طريق المطار وعرجنا من عقربا باتجاه ببيلا ثم يلدا ومنها لشارع فلسطين وعند ساحة سينما النجوم طلبت من السائق أن يخترق شارع لوبية المزدحم وذلك حتى نفاجئ جدك الشيخ القابع في مكتبته بحفيدته الجميلة وبعد أن قبَّلك وقبَّلنا تابعنا سيرنا اتجاه ساحة الريجة ولحقنا بدراجته المتهالكة.

أذكر يوماً لا أنساه يوم كان عمرك أربعة أعوام بالضبط في اليوم الدراسي الأول من عام ١٩٨٧/١٤٠٧ يومها صحوتِ مبكراً للذهاب معي إلى مدرسة المستقبل وكم كانت فرحتك غامرة وقت دخولك لمدرسة البنات ولكن هذه الفرحة انقلبت إلى بكاء وعتب عند الظهيرة يوم نادى عليك العم الصعيدي عبد الحميد بالميكرفون: غالية الصمادي عشرات المرات ولما خرجت حملتك بين ذراعيّ.

وآثار النوم في عينيك الذابلتين ووبر الموكيت الأخضر الجديد على وجنتيك الناعمتين، سرعان ما أخذت أناملك الناعمة تشد وجنتيّ وأنت تصرخين عليّ: بابا ليش تأخرت بابا ليش تأخرت؟ وأجهشتِ بالبكاء، حينها عرفت أنني تسرعت في حرمانك من حنان أمك ولذة نومك.

آهٍ يا غاليتي توقف شريط الذكريات فجأة وانهملت الدموع ففي القلب لوعة وفي الصدر حرقة فما فائدة الأسرة التي رعوتها سنوات بحلوها ومرها، فالأسرة هي أجمل معاني الترابط الإنساني والتواصل الاجتماعي عند البشرية كلها، وأما عندنا نحن الفلسطينيين والسوريين أضحت ذكريات أليمة ومستقبل مجهول توزع أفرادها في كل بقاع الأرض ما عدا وطنهم السليب.

فها أنت مع زوجك وأولادك في السويد، وأخوك ملهم بالرغم من وصوله للبلد إلا أنه يعاني الغربة إذ أنه يبعد عنك مئات الأميال. وأخوك عمرو فمنذ سنتين ونصف وهو متشرد فمن دمشق إلى بيروت ثم إلى دبي ومنها الرجوع إلى بيروت فدمشق ومنها تهريباً إلى إستانبول ومنها بحراً إلى اليونان، وبعد أن ضاقت به بلاد العرب أوطاني ينتظر من يقله إلى حيث البلاد التي لا يُظلم عند ملوكها أحد، وأما أختك بيان ففي هذه اللحظات تعد حقيبتها للسفر لدمشق على الانتظار أيضاً حتى تكمل جامعتها وسوف تترك ولدين سيقتاتان الذكريات ليشبعا أملهما في الحياة.

غاليتي كما تعرفين أنَّ هذا التشرد ليس لي وحدي بل أصبح سمة شعبنا بجناحية الفلسطيني والسوري يلف ويدور حول أصقاع العالم عله يجد أمناً واستقراراً وعملاً يأكل به مما يكد.

آهٍ يا بابا هذه سنة الحياة فمن سره زمن ساءته أزمان فكما كنت سعيداً وأنت وأخوتك حولي فأنا اليوم حزين للغربة التي فرضت علينا قهرا ولكن الذي يواسيني ويعزيني أنكم ستشقون طريقاً علكم تجدون فيه الكرامة والإنسانية والحرية التي كانت عندنا نادرة.

ودمت ذخراً لنا ولوطنك وأمتك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب ذكريات من مخيم اليرموك   كتاب ذكريات من مخيم اليرموك Emptyالثلاثاء 08 مارس 2022, 6:12 am

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٦)
عرس تحت الحصار
قُدِّر للشعب الفلسطيني أن يعيش المأساة منذ ست وستين عاماً بكل جوانبها فمن لجوء إلى تشرد إلى هجرة إلى منع من السفر إلى قيود هنا وهناك بسبب لعنة الوثيقة التي يحملها.

حتى أفراحه التي لا بد منها كالأعياد والزواج والختان فلا شك أن المأساة اختلطت مع هذه الأفراح ففي العيد حال لساننا يقول: عيد بأي حال عدت ياعيد، وفي رمضان ربما لا يجد البعض سحوراً أو فطوراً كما يجده الآخرون وأما الفرحة في السفر فكثير منها ينتهي بمآس كارثية أقلها التعرض للنصب والاحتيال والعودة بخفي حنين.

ومن المآسي التي لفتت انتباهي ما أنبأني به الفيس بك أمس أن فلسطين بنت الشهيد أيمن محمد إبراهيم جودة زفت أمس لعريسها أمجد طيراوية تحت الحصار في مخيم اليرموك.

وفلسطين هذه أسماها والدها ابن عمي المرحوم الشهيد أيمن بهذا الاسم لولعه وحبه لوطنه الذي ولد خارجه بحوالي عشرين عاماً وطبعا في مخيم اليرموك، لقد حمل أيمن هم فلسطين البلد والذرية طيلة عمره وما كان يفرق بينهما فكلاهما عنده الروح من الجسد.

حاول أبو علاء يوماً أن يخرج من مخيم اليرموك في صباح يوم السبت ٢٠١٣/٢/١٦ ليقضي بعض حوائج أهل المخيم ويعود إلا أن رصاصة قناص حالت دون ذلك وأردته شهيداً، وهو في أواسط الأربعين من عمره، كان يوماً مشهوداً هرعنا إلى مشفى المجتهد فغُسل وكُفّن وحملناه إلى مقبرة الشهداء القديمة وتقبلنا العزاء في المقبرة تحت القذائف وفي المساء تقبلنا العزاء في صالة جيراننا الأكارم شركائنا في اللجوء أهل جباتا الزيت.

كانت فلسطين مخطوبة لأغيد طيراوية من شباب مخيم اليرموك وبعد اشتداد الحصار خرجت فلسطين مع أمها وإخوتها وجدها وأعمامها خارج المخيم ولكن خطيبها لم يخرج، وتشتت عائلة فلسطين فأشقاؤها ما بين السويد واليونان وأعمامها ما بين الزاهرة وصحنايا والسويد حالها حال أكثر عائلات فلسطين الكبيرة.

في الأمس استطاعت فلسطين أن تدخل المخيم بعد محاولات عديدة ومتكررة للالتحاق بأسرتها الجديدة بعد زفافها.

آهٍ يا عمي... أشكر صفحات الفيس التي أخبرتني ورأيت صورتك مع بيت حميك وفرحت فرحا شابه الحزن والمأساة، ولم أر صورة أمك ولما سألت قيل لي: لم يسمح لها بالدخول !!

ألف مبارك يا عمي وكما قلت في المقدمة لقد اختلطت أفراحنا بالحزن والغم والهم هذا قدرنا فنرجو الله أن تكوني كما أرادك أبوك فلسطين بعطائها وحبها وصبرها وكما عادت الابنة فلسطين لمخيمها فلا بد أن يأتي اليوم الذي يعود فيه شعبنا إلى فلسطين العزيزة بعد مرورهم إلى مخيم اليرموك، لا تقولوا مستحيل فمن المعاناة ينبثق الفجر وتشرق الشمس وليس ذلك على الله ببعيد.

يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٧)
مخيم اليرموك وحي المهاجرين وجزيرة كريت
سرعان ما خطر على بالي ربط هذه الثلاثية السابقة التي عنونت بها ذكرياتي بعد أن اتصل بي ابني عمرو من جزيرة كريت اليونانية بعد أن حطت به رحال التغريب بانتظار الهجرة لبلد يحترم الإنسان، بعد مغامرة شاقة في ثلاثين شهرا ونيّف ما بين دمشق وبيروت ودبي والرياض واستانبول وأثينا وأخيراً وليس آخراً جزيرة كريت.

أما ما يجمع الثلاثية فهي عنوان عريض وبائس فسمّه الهجرة أو اللجوء أو التشرد أو دورة التهجير في الطبيعة أو حيث تطيب لك أسماء النكبة.

مخيم اليرموك كان مستقرنا بعد الهجرة من فلسطين وهناك عشنا وعملنا وتغربنا وبعد ثمان وخمسين عاماً من البناء والعمل تشردنا منه شذر مذر.

وأما حي المهاجرين في دمشق فهو من اسمه يوحي بأن سكانه من المهاجرين أي اللاجئين المنكوبين، فهو منذ عام ١٨٩٥م يستقبل من فقد الدار والأحباب وأرجو الله أن تكون عائلتي هي آخر من هاجر إليه، حيث لجأنا بعد خروجنا من المخيم إلى بيت أهل زوجتي أم عمرو جزاها الله خيرا، وجزاهم.

 وأما جزيرة كريت اليونانية التي هاتفني منها ابني عمرٌو فهي الجزيرة التي تشرد منها سكانها المسلمون منذ أواخر القرن التاسع عشر في عهد السلطان عبد الحميد فساحوا في بلاد المسلمين ووصل عدد لا بأس منهم إلى دمشق واستوطنوا سفح جبل قاسيون الغربي فسمي الحي بالمهاجرين وكذا سمي الحي الذي سكنوا فيه بطرابلس لبنان أيضاً بحي المهاجرين، وأما قرية الحميدية التي أنشأها لهم السلطان عبد الحميد جنوب مدينة طرطوس وشمال طرابلس فكانت من نصيب سورية بعد تقسيم البلدين من قبل الاستعمار الفرنسي عام ١٩٢٠م ومع مرور الزمن والكوارث صار حي المهاجرين ملجأ لكل من تشرد من بلاده فانضم للكريتيين الشركس والألبان والبوسنيين والأتراك وغيرهم من أمة «لا إله إلا الله».

ويبدو أن الهجرات من كريت قديمة جداً؛ أي قبل الإسلام وقبل الميلاد أيضاً لذا يقال أن أصل الفلسطينيين من هناك من بلاد الفليست من جزيرة كريت وانتشرت مثل هذه المقولات بعد فشل نظرية «بلاد العرب أوطاني» حيث ظلت أي الأغنية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وإذ صار الكثيرون من أبناء جلدتي يعتز بهذا الأصل نكاية بذوي القربى.

طلبت من ابني أن يتجول في جزيرة كريت عله يستأنس بمسجد أو تكية أو أي معلم يدل على المسلمين فأخبرني بأنه لم يلحظ أي شيء من هذا، بالرغم من أنها بقيت جزيرة إسلامية تخضع للدولة العثمانية لأكثر من مئتي سنة ويومها كان أكثر من نصف سكانها من المسلمين !!

هُجِّر المسلمون من كريت إلى دمشق وغيرها، وهُجِّرنا نحن الفلسطينيين من بلادنا واستقر بعضنا في دمشق ولا سيما في مخيم اليرموك واستقر البعض في المهاجرين قريبا من الكريتيين ودارت الأيام واضطر كثير من أبنائنا أن يرد الهجرة بأحسن منها أو مثلها فانطلقوا لليونان وإيطاليا فمنهم من وصل ومنهم من قضى نحبه في البحر ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.

كريت، فلسطين، مخيم اليرموك، حي المهاجرين، جزيرة كريت، دورة حياة النزوح واللجوء على هذه الكرة الأرضية وهذه سنة الله في خلقه وهذه الدار لا تبقي على أحد، ولا يدوم على حال لها شان، فإن كان حظنا أن نخرج من بلادنا ونسيح في بلاد العالم لنبحث عن الأمن والأمان، فهذا قدر لا رادّ له، وسقى الله أيام كانت بلادنا تستقبل المهاجرين من هنا وهناك مسلميهم ومسيحييهم وحتى اليهود منهم.

ومن نافلة القول ومما يثير الدهشة والاستغراب والذهول: أن أبناءنا يدفعون الغالي والثمين وربما تحويشة العمر التي ادخرها أهاليهم للوصول إلى أوروبا في مغامرات خطيرة للنأي عن فتنة الحروب ومآسيها، وللبحث عن بلد لا يظلم عند ملكها أحد، وفي الوقت نفسه تجد عددا ليس بالقليل من شباب القارة العجوز يتركون رغد العيش ويغامرون للوصول إلى مناطق النزاع في سورية والعراق للقتال فيه!!

ولله في خلقه شؤون.

يتبع....

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٨)
حامل الوثيقة إنسان
تم في هذه الفترة دفن جثمانيين للاجئين فلسطينيين من سورية واحد في لبنان والثاني في دمشق وكليهما وراءه قصة وحكاية.

الأول المرحوم أبو علي رمضان (٧٥) عاماً الذي توفي ببيروت قبل أسبوعين وظلت جثته رهينة في مشفى بعبدا الحكومي حتى تم إدخال ابنه علي صباح اليوم لبيروت بعد وساطات من جهات عليا!! حيث تم دفع المبلغ المطلوب وتشييع الجثة إلى مقبرة سبلين قرب صيدا. وأبو علي هذا رجل فقير كادح كان يشتغل في بيروت منذ عقود من الزمن يوصل الطلبات للبيوت ويقتات من الإكراميات حيث كان يمكث في لبنان كل مرة أسبوعين فقط وهي المدة التي كان يسمح للفلسطيني السوري البقاء بها، كان كل مرة يأتي حاملاً معه مئة وخمسين أو مئتي دولار أو بضع آلاف من الليرات اللبنانية يصرفهم على عياله ثم يرجع لبيروت بتأشيرة أخرى ورسوم جديدة إلى أن تم منع الفلسطيني من دخول لبنان فآثر البقاء هناك حتى لا يفقد عمله المتواضع.

وأما الحالة الثانية التي أُنبئت بها صباح اليوم ونحن نتابع دخول علي رمضان للبنان فهي وفاة ابن عمتي وزوج شقيقتي الحاج خليل قاسم (٧٠) عاماً فمنذ وعيت على الدنيا عرفت أبا محمد عاملا مجدا كادحا بعمله في مصلحة المطاعم وقد خرج من بيته أكثر من خمسة إجازات جامعية في الصحافة وعلم النفس وغيرها وكان مثال الأب المحب لأولاده وعائلته كريم النفس معطاء حنونا جدا وقد تأثر منذ خروجه من المخيم فأصابه الغم والهم وهو يتنقل من بيت لآخر وقد أصيب بقذيفة قبل عام وهو يعمل في مطعم العز فألزمته الفراش أكثر من شهرين ولكن الهم الذي هده هو استشهاد ابنه أحمد صاحب ملحمة المليون بالمخيم والذي ترك ثلاثة أطفال وأمهم، وأما ابنه البكر محمد فلم يره منذ أكثر من سنة ونصف بسبب حصاره في المخيم وكذا لم يستطع أن يشارك بتشييع أباه الذي لا يبعد عنه سوى خمسة كيلومترات.

ومما أثر بصحته أيضاً هجرة أولاده حسام وأيمن إلى أوروبا وكذا بناته إلى الإمارات. فغدا شبه وحيد بعيد عن عائلته المشردة. وحتى أثناء تشييعه نادى مناد ألا يصحب الجنازة إلى منطقة اللوان ألا ثلاثة أنفار فقط. رحمك الله يا أبا محمد فقد مر شريط الذكريات وأنا طفل صغير ابن عشر سنوات يوم تزوجت أختي فاطمة فقد كنت تدللنا وتحبنا وتكرمنا وكم كنا نحب زيارة أختي فاطمة لأننا كنا نشعر كأننا في بيتنا.

ورحمك الله يا أبا علي رمضان وحتى لو أنني عرفتك قبل خروجنا من المخيم بعام واحد إلا أنني عرفت فيك الطيبة والكد وحب العمل من أجل توفير العيشة الكريمة لأسرتك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هذان النموذجان اللذان ذكرتهما ليسا وحيدين بل هما قيض من فيض صورا معاناة الفلسطيني في بعض الدول العربية ولا شك أن هناك ظروفاً قاهرة قد يستطيع الفلسطيني التأقلم معها لأنها فوق إرادته وأما القهر السياسي الذي تمارسه أغلب الأنظمة العربية بحقه فهو الطامة الكبرى كما حدث مع المرحوم أبي علي رمضان يرحمه الله فأغلب الدول العربية بل قل كلها تمنع حامل الوثيقة من دخول أراضيها لذا لم يبق أمام اللاجئ الفلسطيني إلا الهروب إلى الدول الأوروبية باحثاً عن الأمن والأمان ولا حول ولا قوة الا بالله.

 يتبع...

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (٩٩)
ميلاد سعيد
يحتفي ابني عمرٌو اليوم بذكرى ميلاده الثلاثين، فقد امتلأت صفحات الفيس بعشرات من قوالب الحلوى، تحمل أجمل التهاني والتبريكات.

أي بُني: ربما لا تفرح أنتَ بميلادك كفرحة والديك وإن تأخرا في تقديم التهاني، ففي مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاماً عمت الفرحة والبهجة بيتنا الصغير في حي النسيم بالرياض، وسرعان ما أخبرت أهلي وأهل أمك بالهاتف ففرحوا ولكن فرح عمتك كاملة كان الأشد فقد زغردت من أبو ظبي فسمعها بيت جيراننا «الدوسري» الذين هاتفتها من عندهم.

 تعود بي الذكرى لتلك الأيام التي خلت وربما زادت الفرحة، ولا سيما أنّ شقيقتك غالية التي تكبرك بعام قد صار لها شقيق، وربما أيضاً بنوعية جنس المولود كما ورثناه كابرا عن كابر والأهم من ذلك كله صحة الوالدة ومولودها.

لم نحتر في تسميتك عمرًا لاستثنائه في كتابته باللغة العربية وهو الذي كان سبب لقائنا مع والدتك يوم كنا طلابا في السنة الأولى من قسم اللغة العربية بجامعة دمشق فكلانا أبدى إعجابه بالاسم وهكذا.

أيْ بُني، أعرف ما عنيت في السنتين الأخيرتين، أي بعد خروجنا من المخيم، ولعلها ضريبة حامل الوثيقة دفعتها من سني حياتك أرجو الله أن تكون آخر ضريبة تدفعها.

أذكر يا بُنيّ محطات مثيرة في حياتك ولعل الذاكرة تسعفني بأهمها، أذكر يوم أن طهرناك في مستشفى النسيم وأن الذي قام بعملية الختان د من عائلة بافرط من أصل حضرمي، ولعلها أول وآخر عملية ختان أحضرها لم يكن بطلها الصفوري!!

واذكر دوامك مستمعاً في الصف الأول عند الاستاذ القدير حميدي العمر من رقة الرشيد أو الرافقة بسورية في مدرسة المستقبل بالرياض وبالرغم من أنك كنت مستمعا إلا أنك فقت أقرانك الأكبر منك سنا واذكر أنك درست في العام الذي يليه،في الصف نفسه والمعلم نفسه، وأذكر طالبين في صفك هما التوأمان ساري وسائد ابنا سميح كتيلة من مخيم اليرموك فقد تعرفت على والديهما بالرياض فقد كان يدرس اللغة الإنكليزية.

وأذكر حادثة لم أنسها يوم كنا راجعين من المدرسة بسياراتنا لبيتنا في حي النسيم إذ قلتِ لي ببراءة الطفولة: بابا اشتري لي معلمة!! بابا لأن فيصل العقل ابن صاحب المدرسة اشترى له أبوه معلمة وبتعلمه بالبيت !!

أتذكر يا عمرو حرب الخليج الأولى يوم أغلقت المدارس أبوابها في الرياض فأعطانا صاحب المدرسة الخاصة إجازة مفتوحة ريثما تنتهي الحرب أو ننتهي، وليس حبًا بنا أو بحثا عن راحتنا، بل من أجل ألا يدفع لنا الرواتب المستحقة!! المهم سرعان ما نزلنا دمشق ومكثنا في بيتنا بالمخيم ومن اليوم التالي ذهبت معك ومع أختك غالية لمدارس الأونروا في حينا قرب مستوصف الخامس حيث قبلك مدير المدرسة الأستاذ مروان أبو خميس في الصف الأول بمدرسة النقب أو صرفند التي كنت فيها طالبا قبل عشرين عاماً من ولادتك يومها طلبنا من مروان أن يضعك في صف ابن ابن عمك نايف الصمادي وأظن أن أستاذك كان من بيت حياتلي أو تيم المهم من قرية الشجرة.

أذكر أنني رافقتكَ مرة مع كمرتي الآلية في رحلة إلى حديقة تشرين في ساحة الأمويين آه يا عمرو تمر السنون الطويلة وكأن الرحلة كانت بالأمس!! وآه يا عمرو على ذكريات المخيم وسورية وما أجمل أيامها وما أبسطها أتعلم يا عمرو أنهم قبلوك في المدرسة بغير أوراق أو ثبوتيات. وكذا أكثر الطلاب الذين نزحوا من الخليج.

لم تطل الحرب فبعد أقل من شهرين وضعت أوزارها وعاد الجميع للبلاد التي كانوا يعملون فيها إنها حرب عالمية انتهت بسرعة ونحن يا بني ــ سنتان ــ ولم نستطع أن نعود للمخيم أو يخرج منْ فيه.

أي بُني... عدنا للرياض وعدت لمدرستك وانتقلت بعد سنتين لمدارس الملك فيصل في الحي الدبلوماسي في منحة للمتفوقين وبقيت فيها حتى تخرجك فيها أي قضيت فيها ثلث عمرك وعدت لدمشق لتدرس هناك وها قد تخرجت وتابعت دراستك ونزلت للسوق وعملت وفضلت دمشق على الرياض حتى خسرت إقامتك. فلم تدر ما الأيام تخبئ لنا ولك.

ومنذ خروجنا من المخيم طفت نصف العالم في سنتين ما بين بيروت فدبي فالرياض فبيروت فمكبلا للحدود السورية فدمشق فحمص فإدلب فانطاكيا (تهريباً) فاستانبول فأثينا فكريت ثم رودس وفيينا ووووووقبل يومين وصلت للسويد لتلتحق بشقيقك وشقيقتك.

آمل منك أن تسطر ما عانيته في الأشهر المنصرمة في عيد ميلادك الثلاثين علها تكون عبرة لأولادك في المستقبل أو للجيل القادم عله يعرف كم عانى عمرو وأمثاله لكي ينجوا من أتون الفتن.

وكل عام وأنتم بخير

والدك المحب خليل.

 

 

ذكريات من مخيم اليرموك (١٠٠)
ختامها غير

 

مخيم اليرموك غير

ماذا مخيم اليرموك غَيْر ؟ سؤال يراود الكثيرون لا سيما الذين لا يعرفونه !!

هل على رأسه ريشة ؟ أم أنه ليس كغَيْره؟ هل هو غير ؟ !!

نعم مخيم اليرموك غير .

مخيم اليرموك غير غير غير بالنسبة لي ، ولهم !!

مخيم اليرموك بالنسبة لنا ( أنا ونحن ) الذين ولدنا وعشنا جل عمرنا فيه هو غير ، لأنه مسقط رأسنا ومهوى أفئدتنا وملعب صبانا ؛ فلو لم يكن (غير ) لما تدفقت الذكريات الأليمة عليّ وعلى كل من شرب من مائه وتنفس هواءه وحتى لو كان ملوثا؛ كل يوم وساعة بل ودقيقة .

مخيم اليرموك بالنسبة لنا غير : لأنه عاصمة الشتات أو هو فلسطين الصغرى فتجد فيه القدس وحيفا ويافا وعكا وطبرية والطنطورة والطيرة ولوبية وجبع وعرابية و... في الزمان والمكان، ولا مكان لنا سواه ، فلا ضياع عندنا ولا مزارع ولا مصانع وما سواها.

اليرموك غير لأنه المكان الوحيد الذي حوى الفلسطيني والسوري والعراقي واللبناني والسوداني والصومالي، واليساري واليميني والبعثي والإخواني والقومي السوري ،والسلفي والناصري وكل ألوان الطيف العرقي والفكري تحت سقف واحد.

المخيم غير : ففيه الفتحاوي والحمساوي والجهادي ، والجبهاوي بأنواعها المتعددة ، والتقدمي واليساري والموالي والمعارض .

المخيم غير : فمنه انطلق أبطال العودة إلى حدود فلسطين والجولان، وإلى الأردن في الستينات، وإلى جنوب لبنان، وحتى إلى العراق أيام الغزو الأمريكي وووو

مخيم اليرموك غير : فيه مقبرتان للشهداء امتلأتا عن بكرة أبيهما منذ علي خربوش ومفلح السالم وحتى محمود المبحوح وما بينهما من فتحي الشقاقي وجهاد جبريل وخليل الوزير وعبد الكريم الكرمي و..... وهذا كاف لمن يتهمنا بالاسترخاء والركون للدنيا.

المخيم غير : ففيه عشرات المدارس والمعاهد والمراكز الثقافية ودور النشر وحتى صارت مقولة : من أراد اللباس الجميل فليذهب إلى سوق الحميدية ومن أراد الطعام والشراب فليذهب للجزماتية " من أراد العلم والتفوق فليذهب إلى مخيم اليرموك وليسجل في معاهدها.

مخيمنا غير : ففيه ثانوية للبنين والبنات منذ عام ١٩٧٢ وقبل استباحته وحصاره صارت فيه أربع ثانويات وعشرات الإعداديات ومئات الابتدائيات بما فيها من التعليم الحكومي والأونروا والتعليم الخاص والمعاهد وغَيْرها.

مخيم اليرموك غير : لأنه مركز اقتصادي بامتياز فلا بطالة ففيه فمن مئات الأطباء إلى آلاف المدرسين ومثلهم من المهندسين والصيادلة والبائعين والمستثمرين ، فليس غريبا أن تجد في حارة من حاراته أكثر من عشرين طبيبا ما بين جراح وطبيب أسنان.

مخيمنا غير : لأنه علامة مميزة وماركة مسجلة، فثالث أكبر مساجد دمشق في شماله ( البشير) وأكبر مركز ثقافي في دمشق جنوبه وبينهما ثاني أكبر سوق تجاري بعد سوق الحميدية ألا وهو سوق شارع لوبية.

مخيمنا غير : فهو رمز التعايش الفلسطيني السوري فللمعلومية نسبة الفلسطينيين في مخيم اليرموك أقل من السوريين بكثير ولكن يصعب عليك أن تميز بينهما فكم من سوري لم يكتشفه أصدقاءه أو جيرانه أنه سوري إلا بعد حين وكم من فلسطيني يحسبه الناس سوريا ولولا لباس جيش التحرير الفلسطيني المميز لما عرف .

مخيمنا غير : لأن المراهق فيه إذا سولت له نفسه أن يعاكس فتاة يقول لها : خيتا ؛ فينتبه لخطيئته ويعتذر ، وإذا فتاة أعجبت بشاب تقول له : خيّا .

مخيم اليرموك غير : ففيه عشرات المشافي والمستوصفات التي قدمت للفقراء والمساكين العلاج والدواء فيستقبلك من أوله وبجوار مخفر الشرطة مستشفى الرحمة لينتهي بك عند مشفى فلسطين وما بينهما من مشاف ومستوصفات كالباسل وحلاوة والجمعية الخيرية والخامس وما أدراك ما الخامس ؛ هو المستوصف الذي أهداه ملك المغرب محمد الخامس في بداية ستينات القرن الماضي للاجئين الفلسطينيين.

مخيم اليرموك غير : يكفيك منه وهج الأسماء حلوها ومرها، أحياءهم وأمواتهم :

المختار أبو إبراهيم موعد ، الشيخ الألباني، علي خشان، تاج الدين عم علي ، ، إيليا سلوم يارد ، أبو خليل العيلبوني ، العنبر ،المعجل والد الشهداء الأربعة ، القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي ، داوود يعقوب وشقيقه طالب ، فوزي حميد ،أبو منير عودة ، د. أحمد برقاوي ، د. محمود موعد ، د. فيصل دراج،د. أسامة الأشقر، علي بدوان، نبيل السهلي، مروان زرزر، فهد بلان ، ياسين بقوش ، سلوم حداد، هاني السعدي ، تيسير إدريس، أبو فواز الطنجي، نمر المهرجي، أبو نايف العايدي ، أبو قاسم النجمة ، أحمد الخالد، الحاج حسني ذيب الخالد ، الشيخ رجا الكوسى، شوكت جبالي ، أبو شريف إمام مسجد عبد القادر، أبو إبراهيم الخطيب الصفوري ، عبد الوهاب مصطفى ،إسماعيل كيلاني، محمد العايدي ، أبو سعيد الحطيني، أبو هوين ، الدكتور مصطفى حسين ، نجاح مشينش ، علي حمد ، غازي زغموت، قاسم درويش، أبو أمين عمايري ،عبد الرحمن السلال ، نور الدين محمود ، ماهر حمادة، أسعد غنام ، موسى اللكود ، خليل البيطار ، محمد الطيب الإبراهيم، فؤاد عودة ، علي الرفاعي ، أحمد موسى ، حسن أبو عيسى ، عماد رحمة ، أبو رضا عودة، خالد جلبوط ،الشاعر محمود مفلح ، أحمد سرساوي، ومحمود ، د. حسن الباش، سمير عطية ،أوس يعقوب د. ابتسام الصمادي ، مي جليلي ، فيحاء استيتية ، فرجة الهنوش ، أم علي الشهابي، غريبة ، فاطمة المجنونة ،مأمون الشايب ، يحيى عشماوي، عبد المعطي أبو زيد، د. أسعد الفلو ،د.نبيل أبو عمشة ، د.يوسف الحطيني، د.محمد عطا موعد، د. إبراهيم عبد الله ، د. نادر صيام ، القاضي رشيد موعد ، المحامي محمد جبول ، أبو عبد الله البرقاوي وأم عبد الله ، يوسف سامي اليوسف وشقيقه السيناريست حسن ، إسماعيل وطالب تميم ،محمود الكبرا، محمود اليوسف وأبناؤه دياب وأحمد ومحمد سلاطين الأدوات الصحية في المخيم ودمشق ،أبو أحمد بيكو، عزت قادرية ، أحمد قادرية، إياد الشهابي، أبو أحمد فؤاد، أبو العباس وجبهة التحرير الفلسطينية، أبو جاسر الكفري ،أبو حسين مطر، اللواء محمود عزام ، أبو سليم لوباني ، عبد الله موعد ، عامر القاضي سمير غوشة ، عربي عوّاد ، أبو محمد سرية ، سائد عبد العال ،حسني حمدان ،حسين رشدان، أبو خليل العقاد ، سميح جبر ، محمد أبو عزة، أحمد جراد ،علي العيلوطي، محمد عطية ، حسن التيس ، وعلي العجل وأحمد البس، أبو مروان الديك ، وعوض النيص ، وراتب الفار ، وغازي الضبع ، والأستاذ عصفور ، السقا والعلان ، ديب الجارحي، الأخرس ، الخطاط ميلاد عيلبوني ، رستم الشهابي ، الحلاق أبو توفيق خرطبيل ، والحلاق أبو بشير الرفاعي ابن عم رئيس وزراء الأردن السابق ( سمير أو عبد المنعم)، ، وأسماء كثيرة وكثيرة لا مجال لذكرها كلها.

مخيم اليرموك غير : ففيه معالم يصعب أن تجدها خارجه : دوار البطيخة ، مدينة الملاهي، محكمة اليرموك ، روضة العودة، المدينة الرياضية ، المطهر الصفوري الأصلي والتقليدي، بناية الشيخ حمدان دخل الله وابنه وزير الإعلام مهدي، مشحم عامر، بيت خالد الحسين ونمر الحسن ، مكتبة الرشيد والطلاب والنهضة والقناعة وعبد الحق ، مكاتب الطيران أربعة أو خمسة ، سوق الخضار ،بلدية اليرموك ،مؤسسة اللاجئين ، مركز حلوة زيدان ، مستوصف رجاء أبو عماشة ،معاهد البشير والكوري والخيام والقدس والإباء والمستقبل وفلسطين وطارق بن زياد والسمو وأشهرها العلا ، ومجوهرات الجمّال وفريد وأبو حطب والأحمد وجورج حفته وأبو عياش ومروان ، ومطعم علي بابا والطربوش وفروج التاج وفلافل الكلسلي ، مخبز حمدان و فرن أبو فؤاد والحصري وأبو عوض وأبو راشد والآلي ، وحلويات نفيسة وماهر والمطبخ الملكي الذي وصل للعالمية، وبيتفور أبو خليفة الذي طارت شهرته في الآفاق واستديو فينوس وبدر والكبرا ، أزهار الحسن ، وأزهار وليد العايدي ، سوق السراميك الرئيس في دمشق ، المشرع ، قناة ترانس ، العصرونية ، مسبح الباسل، صالة البجعة واللؤلؤ ،وليالينا والنبلاء والسعادة والقدس ، بستان أبو علي قاروط ، المهايني ، الإعاشة ، الحليب ، الدوار ، اللوثري ، شارع لوبية ، اليرموك ، فلسطين ، فؤاد حجازي ، وحارة الغوارنة ،حارة المغاربة ،حارة الشوام، حارة الطيارنة، حارة الصفافرة، ومحلات مطر ، الخالد ، الأهرام ، أبو طالب ، عميص ، البجعة، محلات عللوة ، موقف أبو حسن ، معمل البسكوت، مطبعة شاهين ، البنك السوري التجاري ،والتمويل والتنمية ،والعربي، والهرم ، معامل البلوك ، عصرونية أبو أسعد الحيدري ، أبو عادل خماخم، أجبان وألبان حمادة، دكان أبو رزق ، شعبة الحزب ، بيت فلسطين للشعر، مؤسسة فلسطين للثقافة ،مكتبة الديمقراطية ، غسان كنفاني ، الخالصة ، جفرا ، ماجد أبو شرار، دار الشجرة وغسان الشهابي ، مضافة عاطف موعد ، كازية عودة ، الشهابي ، سينما الكرمل ، النجوم، مقهى الحاج إسماعيل ، أبو حشيش، أبو عيسى ، منجرة الفار،المؤسسة الاستهلاكية، عصير أبو الشكر ، بن الأمراء، الحسناء، البدر، ساحة الريجة ، جامع عبد القادر الحسيني ، الوسيم ، الرجولة ، زيد بن الخطاب، الفاروق ، البشير، صلاح الدين ، والحبيب المصطفى، النعمان بن منذر، فلسطين القدس ، أويس القرني ، وملبس كرم ، شارع الثلاثين ، ال ١٥ ، لوبية ، المدارس ، جلال كعوش ، فلسطين ، غاز اليرموك ،صيدلية اليرموك والعودة وفلسطين والقدس الجاعوني وغَيْرهنَّ سبعون ونيف ، الملجأ، المشروع ، ثانوية اليرموك ،عائشة، البعث ، العودة ، مدارس الأونروا، النادي العربي ،أبو زرد ، الكبرا ، معسكر الأشبال ، مفوضية الكشافة ، الهاتف ، البريد ، سوق السيارات ،و ........

هذا هو اليرموك بالنسبة لي ولأمثالي أي النحن ، أبناؤه الفلسطينيون والسوريون الذين بنوه بعرق جباههم.

مخيم اليرموك غير : لأنه ناقص ؛ نعم ناقص من فندق يرتاده الزائرون والضيوف ؛ فشعار أهله : بيت الضيق يسع 100 صديق ؛ لذا تجد فيه كل شيء إلا الفنادق .

وأما مخيم اليرموك بالنسبة ( لهم ) فهو غير أيضا ، وكما قال عمر بن الخطاب كل ذي نعمة فهو محسود فلذلك تم استباحة المخيم ونهبه وطرد أهله والتشفي بهم وربما يسأل سائل من هم ال (هم ) فغني عن الخوض في التفاصيل أقول :

هم أعداء فلسطين وسورية في آن واحد ، من الصهاينة وما دون، استكثروا على الفلسطينيين أن يكون لهم كيان معتبريمارسون فيه حياتهم المعيشية بقدر من البحبوحة والعيش الكريم ، ونسوا أن الفلسطيني تغرب عشرات السنين ليبني بيتا يأوي إليه ونسوا أن الفلسطيني يخرج من الفجر للنجر يلحق رزقه الذي أمره به رب الخلق

أعداء المخيم هم أعداء فلسطين هم كل واحد ساهم في مأساته ونكبته هم الذين لا يحبونه ولا يحبون ساكنيه هم أعداء الحرية والنشاط والتقدم والازدهار ، بعض ( الهم ) صرحوا في بداية الأزمة فيما بينهم :شارك في الهجوم على المخيم واحصل على بيت مجانا ، أو على محل ببضاعته.

أعداء المخيم بعضهم ظنًّ أنه أحسن صنعا ولا يدري أنه صب الزيت على النار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
كتاب ذكريات من مخيم اليرموك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة :: المخيمات الفلسطينيه النشأة والتاريخ-
انتقل الى: