اخطار ثلاثة تهز الاقتصاد العالمي في ظل الحرب الجارية
الناس يقتلون الآن بقذائف المدافع والصواريخ، الملايين يهربون خوفاً على حياتهم. العالم كله مرعوب من احتمالية شن بوتين، ديكتاتور موسكو، حرباً نووية. في الوقت نفسه، تجري حرب اقتصادية، فيها أخطار أخرى، جزء منها يهدد سلامة البشر وأمنهم في أرجاء العالم.
غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا في أعقابها، أدت إلى هزة في الاقتصاد العالمي. في المقام الأول، سوق الطاقة التي تعد فيها روسيا لاعبة كبيرة. وثمة ضرر شديد آخر لحق بسوق الحبوب. روسيا وأوكرانيا مصدرتا القمح والشعير، إضافة إلى منتوجات زراعية وصناعية أخرى. وهناك خطر ثالث يعتبر في هذه الأثناء منخفضاً، لكنه لا يقل خطورة عن سابقيه، هو نقص السيولة.
تبدو المنظومة المالية العالمية واثقة أكثر مما كانت في العام 2008. الانفتاح المالي في العالم أمام روسيا تضاءل جداً منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، والعقوبات قللت النشاطات معها. الغارق في وحل روسيا هي شركات النفط وتجاره. مع ذلك، النفوذ المتراكم لأزمة كورونا، والارتفاع الحالي في أسعار البضائع وسقوط البورصات، تثير علامات تحذير أولى.
دراما النفط
بدت أسعار النفط هي الدراما الأكبر صباح أمس عند افتتاح التجارة في معظم دول العالم. صفقات النفط من نوع برينت، التي تشكل العلامة الفارقة في بورصات التجارة، ارتفعت إلى 139 دولاراً للبرميل، محاذياً للرقم القياسي الذي بلغه النفط في تاريخه، وهو 142 دولاراً للبرميل، في 2008. ارتفع إلى جانبه أيضاً سعر نفط تكساس إلى 130 دولاراً للبرميل، أي 10 دولارات تحت الرقم القياسي. يجب الاشارة إلى أن هذه معطيات اسمية. عندما نخصم منها التضخم، فإن الرقم القياسي الحقيقي في سعر النفط تقريباً 180 دولاراً للبرميل. سبب الارتفاع الحالي هو بيان البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة تبحث منع استيراد النفط ومنتجات الطاقة من روسيا، وهي خطوة ستتم دون إشراك حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.
الارتفاع الحالي يهدد الاقتصاد العالمي. وفي عدد من أزمات العقود الأخيرة، سبق الوصول إلى الرقم القياسي في النفط ركود عالمي. نقص الطاقة قد يعرض الحياة للخطر أيضاً، مثلما شاهدنا في الشتاء القاسي الأخير في الولايات المتحدة وأوروبا، عندما تسبب سقوط شبكات كهرباء ونقص في غاز التدفئة بموت أشخاص جراء البرد. نشوب حرب في الربيع يبدو أقل خطراً من هذه الناحية، ولكن أزمة الطاقة الحالية قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية التي تشكل خطراً على حياة العائلات الأضعف والدول الأفقر.
يلعب النفط في هذه الأيام دوراً أقل مما كان قبل 14 سنة. معدل الطاقة المتجددة من مجمل الخلطة العالمية في 2019 هو 11 في المئة. صحيح أن جزءاً كبيراً منها استهدف إنتاج الكهرباء، التي ليس فيها استخدام للنفط (129 في المئة من الكهرباء في العالم في 2021 تم توليدها بالطاقة المتجددة) ولكن السيارات الكهربائية والوقود النقي تحتل مكان النفط أكثر فأكثر. مع ذلك، سنحتاج إلى وقت كبير، ربما عقود، لإنهاء الاعتماد على النفط من قبل الاقتصاد العالمي.
بالنسبة للمستهلك، فإن ارتفاع أسعار النفط ينعكس بالأساس على الثمن الذي يدفعه في محطات الوقود. في أمريكا، تجاوز سعر البنزين للمرة الأولى منذ عقد سقف 4 دولارات للغالون، الرقم القياسي الذي سجل في 2008، وكان 4.11 دولار للغالون. وحسب التقدير، سيتم تجاوز هذا الرقم القياسي في هذا الأسبوع.
ارتفاع أسعار القمح
في سوق الغذاء، تتمثل الصدمة الأساسية في سعر القمح. روسيا وأوكرانيا هما المسؤولتان عما يقارب ثلث تصدير القمح والشعير العالمي. وأوكرانيا المزودة الكبرى للذرة وزيت عباد الشمس. قد تقلل الحرب مخزون الغذاء، تماماً في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار إلى أعلى مستوى منذ 2011. قفز سعر القمح 7 في المئة في صباح الاثنين، ووصل إلى 1.294 دولار للبوشل، وهو ارتفاع 50 في المئة منذ 25 شباط، و68 في المئة منذ بداية السنة.
النقص في الغذاء يعرض السكان الفقراء في العالم للخطر. وليس القمح وحده هو ما يرتفع سعره، بل الحبوب وأنواع أخرى من المحاصيل. وهي تستخدم لإعداد الطعام الأولي في مطابخ العالم، بل وللإنتاج الصناعي الغذائي، بدءاً من الخبز وحتى الحلويات. ولا يقل عن ذلك أهمية، كأعلاف للحيوانات.
الخسائر الكبيرة من نصيب شركات وتجار النفط. صناديق التقاعد وصناديق حكومية، التي تريد الآن التخلص من العقارات الروسية، ستخسر المليارات هي أيضاً. دروس العام 2008 والمخاطرة العالية لروسيا التي ظهرت في 2004، ساعدت في تخفيف الانكماش المالي في الجولة الحالية، لكنها بعيدة عن الانتهاء. ولن يكون تأثيرها على الاقتصاد العالمي ضئيلاً