الخليل
تسمية وموقع الخليل:الخليل من أقدم مدن العالم وتاريخها يعود إلى ما يزيد عن 6000 عام، نزلها سيدنا إبراهيم عليه السلام منذ نحو أربعة آلاف عام، وسميت بالخليل نسبة إلى (خليل الرحمن) وتضم رفاته ورفاة زوجته سارة وعائلته من بعده اسحق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، ويونس والخليل، وهي بذلك ثاني المدن المقدسة في فلسطين عند المسلمين، وتضم الكثير من رفات الصحابة، وفي مقدمتهم شهداء معركة أجنادين.
وعرفت الخليل في العصر القديم بعدة أسماء هي قرية أربع (نسبة إلى اتحاد أربع قبائل كنعانية)، وحبرون وتعني (التجمع والاتفاق والصحبة)، وهي ليست كلمة عبرية.
والخليل مدينة عريقة تعد من أقدم مدن العالم، ويتضح من خلال الحفريات الأثرية في تل الرميدة سنة 1964وتعود إلى 3500 ق.م وسكانها الأوائل من الآموريين.
ومن أهم الاكتشافات الأثرية في تل الرميدة: لوح مسماري وهو عبارة عن نص اقتصادي يظهر فيه أسماء أربعة شخصيات آمورية، كما عثر على جرار فخارية عليها اسمHEBR) حبر).
وارتبطت مدينة الخليل بسيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث اشترى مغارة المكفيلا و دفن زوجته سارة في تلك المغارة. ويعود تشييد الجزء السفلي من مبنى الحرم الإبراهيمي إلى فترة حكم هيرودوس (37-4 ق. م). بكر والمتوسط والأخير (3200 –0012 ق.م)، والعصر الحديدي (0012–589 ق. م)، وفي العصر اليوناني والروماني(332–60 ق.م)، هُجر أهل تل الرميدة وبدأ الاستيطان حول مغارة المكفيلة.
بناها العرب الكنعانيون وأطلقوا عليها اسم (قرية أربع) نسبة إلى بانيها (أربع) وهو أبو عناق أعظم العناقيين، وكانوا يوصفون بالجبابرة.
والسور الضخم الذي يحيط بالحرم الإبراهيمي الشريف اليوم هو من بقايا بناء أقامه هيرودوس الأودي الذي ولد المسيح عليه السلام في أواخر عهده، أما الشرفات على السور؛ فهي إسلاميه. في عام 1948 احتلت المنظمات الصهيونية المسلحة جزءاً من أراضي قضاء الخليل الذي يضم (16) قرية واحتلوا الخليل في عام 1967م إثر حرب حزيران.
تقع الخليل جنوب غرب القدس، وتبعد عنها 36 كم، ويتراوح ارتفاعها من930 متراً إلى 1027عن مستوى سطح البحر الأبيض المتوسط، يربطها طريق رئيسي بمدنيتي بيت لحم والقدس، وتقع على الطريق الذي يمر بأواسط فلسطين رابطة الشام مروراً بسينا.
وموقع مدينة الخليل المتوسط جعلها مركزاً للتجارة منذ القدم، عرفت منذ القدم بأنها مدينة تحيط بها الأراضي الزراعية، واشتهرت بزراعة العنب الذي يحتل المكان الأول بين أشجارها المثمرة، كما تزرع التين، واللوز، والمشمش، وتزرع فيها الحبوب والخضروات.
مساحة الخليل:بلغت مساحة مدينة الخليل عام 1945 (2791) دونماً، وتحيط بها أراضي قرى بني نعيم، وسعير، وحلحول، وبيت كاحل، وتفوح، ودورا، والريحية، ويطا. تشتهر الخليل بالمهن اليدوية، وصناعة الصابون، وغزل القطن، وصناعة الزجاج، ودباغة الجلود.
عدد سكان الخليل:قدر عدد سكانها في عام 1922م بـ (16577) نسمة، وفي عام 1945م قدر عدد سكان الخليل بحوالي (24560) نسمة، وفي عام 1967م (38300) نسمة، وفي عام 1987م (79100) نسمة، وحسب إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 1997م؛ بلغ عدد سكانها (119093) نسمة، وحسب إحصاء عام 2007م؛ وصل عدد سكان الخليل (163146) نسمة.
فتح المسلمون مدينة الخليل في عام 13 ه/ 636م وقد شملها الخلفاء برعايتهم لأنها تحوي رفات سيدنا إبراهيم عليه السلام، كما زاد الاهتمام بها لارتباط الخليل بشخص الرسول (ص) بعد أن قطعها قبل وفاته إلى الصحابي تميم بن أوس الداري.
هذا وقد اهتمّ الأمويون بها بصورة واضحة؛ فبنوا المسجد الإبراهيمي والمقامات على قبور الأنبياء، ووضعوا الشواهد عليها. وأعاروا المسجد والمدينة اهتماماً لا يفوقه إلا اهتمامهم بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة والقدس.
وفي العصر العباسي قام الخليفة المهدي بعمل مدخل عند السور الشمالي الشرقي بارتفاع 3.5م، وقام بتركيب باب حديدي صغير للحرم الشريف، وفي ظل السيطرة الفاطمية أضافوا تطورات عمرانية على الحرم الإبراهيمي فبنوا دوراً للزوار حول المسجد، وأنشأوا بناء التكية الإبراهيمية بجوار الحرم، وظلّ الحرم الإبراهيمي يشع بنوره طيلة العصر الإسلامي السابق على قدوم الصليبيين.
أما في العصر الأيوبي، فقد قام السلطان الناصر صلاح الدين بعد تحرير القدس والخليل من الصليبيين، ببناء قبة المسجد، و نقل منبر عسقلان إليه عام1191م، وهو من أجمل المنابر التي أضافها المسلمون إلى المسجد. ثم قام الملك المعظم عيسى عام 1180-1226م بتوسيع المسجد وذلك بإضافة رواق جديد. كما اهتموا بتكية سيدنا إبراهيم لتستمر في تقديم الطعام المجاني للعباد والزهاد والضيوف، ولا تزال تقدم هذه الخدمات حتى الآن.
في العصر المملوكي اهتمّ المماليك بمدينة الخليل وأنشأوا كثيراً من الأبنية الخاصة والعامة، ومن أشهرها الحمام المملوكي، وبركة السلطان من إنشاء السلطان سيف الدين قلاوون عام 682ه/1283م، هذا عدا عما أدخله السلاطين من إنشاءات داخل الحرم الإبراهيمي وخارجه كالمسجد الجاولي، وبناء الزوايا كزاوية الشيخ علي البكاء، والتكايا والأربطة والمدارس، مثل: مدرسة السلطان حسن، والمدرسة القيمرية، والفخربة وغيرها من الأبنية، وأصبحت المدينة مركزاً للبريد الواصل بين دمشق والقاهرة.
وفي عام 1517م دخلت المدينة تحت الحكم العثماني، فتمّ الاهتمام بالمرافق العامة كالخانات، والسبل، والحمامات، والمرافق الأخرى. كما أن معظم بيوت البلدة القديمة تعود إلى العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية. وتشمل البلدة القديمة عدة حارات منها حارة بني دار، والقزازين، والشيخ، والأكراد، وغيرها.
وفي عام1917م خضعت الخليل لسلطة الانتداب البريطاني، وقد شارك أبناء الخليل في جميع الثورات التي قامت ضد البريطانيين واليهود وأهمها ثورة البراق1929 م. ووقعت المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. أقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أحزمة استعمارية حول المدينة، كما استعمرت قلب مدينة الخليل، وأقاموا أيضاً مستعمرات داخل الأحياء العربية، منها: "بيت رومانو"، و"هداسا "الدبويا"، الحي اليهودي "تل الرميدة" على مشارف مدينة الخليل إلى الشرق مباشرة. تعد مستعمرة "كريات أربع" من أكبر المستعمرات التي أقامتها إسرائيل. يوجد في الخليل أكثر من (20) مستعمرة مقامة على أراضيها التي صادرتها سلطات الاحتلال لهذا الغرض.
وأنشأت إسرائيل كريات أربع كأول مستوطنة في الضفة الغربية، وبعد أقامة المستوطنة امتدّ الاستيطان إلى قلب المدينة من أجل محاولة تهويدها وإخراج سكانها بالقوة والإرهاب، فأنشأوا أربعة بؤر استيطانية تحوي حوالي 200 مستوطن، يحرسهم 1200 جندي، والمستوطنات هي:
- رمات يشاي- تل الرميدة.
- بيت رومانو- مدرسة أسامة بن منقذ.
- أبراهام أبينو – سوق الخضار القديم.
- مبنى الدبويا.
ولم يكتف اليهود بإقامة هذه المستوطنات، بل قاموا بتقسيم الحرم الإبراهيمي الشريف ومنعوا إقامة الأذان فيه، ووضعوا البوابات الإلكترونية على مداخله، وارتكبوا مجزرة بحق المصلّين داخل الحرم في 25/2/1994م، راح ضحيتها 29 شهيداً، وأغلقوا شارع الشهداء أمام السكان وقطَّعوا أوصال المدينة عن بعضها البعض.
وللمحافظة على عروبة وإسلامية البلدة القديمة في الخليل ولمنع التغلغل الاستيطاني في قلب المدينة، والمحافظة على الإرث الحضاري لها، فقد تشكّلت لجنة إعمار الخليل بقرار من المرحوم الرئيس ياسر عرفات 1996م، وتقوم لجنة الإعمار بترميم وتأهيل الأبنية العامة والخاصة، وتأهيل الشوارع والبنية التحتية؛ ما شجّع السكان على الصمود والوقوف أمام المد الاستيطاني الإسرائيلي. |
الخليل - تصوير جوي |
التوأمة مع مدن أخرى:
تفتخر بلدية الخليل بالعديد من اتفاقيات التوأمة مع المدن التالية:
1. بيزا – إيطاليا.
2. بلفورد – فرنسا.
3. قرطبة – إسبانيا.
4. فاس – المغرب.
5. الدار البيضاء – المغرب.
6. المدينة المنورة – السعودي.
7. مدينة جنوا – ايطاليا.
8. مدينة اركوي – فرنسا.
الصناعات التقليدية في الخليل:تحتل الصناعات التقليدية الفلسطينية مكانة خاصة بين فروع الصناعة في فلسطين؛ نظراً للبعدين التراثي والاقتصادي اللذان تحملهما هذه الصناعة، فهي من جهة تعبّر عن تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني، حيث تجسّد الوجود الفلسطيني على أرضه عبر حضارات متواصلة، كما تشكّل هذه الصناعات مصدراً حقيقياً لتنمية الدخل الوطني إذا ما تمّ استغلالها وتطويرها بالشكل المطلوب؛ ففلسطين لم تحظ بوافر من الثروات الطبيعية الثمينة كالذهب والبترول، إلا أن كونها مهداً للديانات السماوية، وعلى أرضها نمت وترعرعت العديد من الحضارات التي تركت آثارها حتى يومنا هذا، جعلها قبلة للسياح والحجاج على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
وقد ارتبطت الصناعات التقليدية منذ زمن طويل بقطاع السياحة، وهكذا فقد شهد هذا القطاع حالات مد وجزر منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، حيث شهد في كثير من الأوقات ركوداً نتيجة انعكاسات سياسة الاحتلال السلبية والتي كانت واضحة المعالم على الصناعات التقليدية بما صاحبها من إغلاقات متكررة فرضتها سلطات الاحتلال، إضافة إلى المعوقات الضريبية والإدارية التي عملت على القضاء على فرص وامكانيات تسويق منتجات هذه الصناعة.
ومنذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، استهدفت التوجهات التنموية حل مجموعة من المشكلات الأساسية في الاقتصاد الفلسطيني، في مقدمتها مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل تضمن ارتفاعاً في المستوى المعيشي للشعب الفلسطيني في ظل إمكانيات مادية محدودة، وقد شدّدت هذه التوجهات على ضرورة تنمية وتطوير المشاريع الصغيرة التي من شأنها تحقيق فرص تشغيلية أكبر برأسمال أقل.
وتصنّف الصناعات التقليدية في فلسطين إلى حوالي سبع عشرة حرفة، منها: الخزف، الزجاج اليدوي التقليدي، الفخار، التطريز اليدوي، البسط، والسجاد اليدوي، منتجات خشب الزيتون، الصدف، الخيزران، القش، الشمع، الفسيفساء وغيرها، غير أن الأصناف الرئيسية كما يلي:
صناعة الخزف في الخليل:
يعود تاريخ صناعة الخزف في الخليل إلى فترة لا تقل عن 400 عام، حيث كان الأتراك هم أول من أدخل هذه الصناعة إلى فلسطين من خلال عمليات ترميم المسجد الأقصى المبارك. وتعتبر مدينة الخليل حالياً المدينة الفلسطينية الأولى في إنتاج الخزف، حيث تم إنشاء أول مصنع عام 1962م، وازدهرت هذه الصناعة على مدى العقود الماضية، حيث ارتبطت هذه الصناعة بهذه المدينة التي تعرف بمدينة خليل الرحمن أيضاً نسبة إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام. وازداد عدد المصانع ليصل إلى أكثر من ثلاثين مصنعاً قبل بداية انتفاضة الأقصى، ثم انخفض إلى أقل من النصف في بداية الانتفاضة، وعاد لينتعش قليلاً في الوقت الراهن. ويبلغ عدد العاملين في هذه الصناعة حوالي 200 عاملاً في الوقت الراهن، بمعدل عشرة عمال في المنشأة الواحدة. وتصل قيمة الإنتاج السنوي لهذه الصناعة ثلاثة ملايين دولار، يتم تسويق 30% من الإنتاج، محلياً، ويصدر 40% منه إلى إسرائيل، و30% إلى الخارج خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول العربية.
تستورد المواد الخام وهي الصلصال أو الطين الأبيض ومسحوق الزجاج والأصباغ من أوروبا، وحاول مصنّعون محليون إنتاج المادة الخام محلياً، إلا أن تكاليف الإنتاج كانت أعلى من تكلفة الاستيراد؛ بسبب عدم توفر جميع المواد الطبيعية اللازمة في التربة الفلسطينية.
صناعة خشب الزيتون في الخليل:
تعدّ صناعة خشب الزيتون من أقدم الصناعات التقليدية، يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، وظهرت مع قدوم البعثات التبشيرية إلى الأراضي المقدسة، وبدأت بصناعة مسابح الخرز؛ إذ حاول الرهبان الفرانسيسكان تشكيلها من بذور الزيتون، وتطورت هذه الصناعة إلى إنتاج أشكال دينية تسوق إلى السياح المسيحيين في منطقة بيت لحم.
تستخدم في هذه الصناعة أخشاب شجر الزيتون، وقبل العام 1967م كان يتم إحضار أغلب الأخشاب من سوريا والأردن، أما بعد الاحتلال؛ فأصبحت مناطق رام الله ونابلس هي المصدر الأساسي لهذه المادة.
صناعة الزجاج في الخليل:
عرفت صناعة الزجاج اليدوية في فلسطين منذ الحضارات القديمة التي قامت على أراضيها، وتطوّرت بشكل واضح بعد دخول الإسلام، حيث ابتكرت أساليب متنوعة في الألوان والزخارف.
وتتركز هذه الصناعة بشكل خاص في مدينة الخليل، حيث يوجد أربعة مصانع. ويعمل في صناعة الزجاج حوالي 30 عاملاً، تلقوا تدريبهم من خلال العمل في مصانع آبائهم، حيث يغلب على هذه الصناعة كغيرها من الصناعات التقليدية النمط العائلي.
ولعل أهم متطلبات العمل في مهنة الزجاج هو تحمّل مشقة العمل أمام أفران الحرق، وتوفر الروح الإبداعية والفنية التي تؤهل العامل لاكتساب مهارات التشكيل، وتعتمد صناعة الزجاج على المواد الخام المحلية التي غالباً ما تكون من مخلفات الزجاج، لذا فهي صناعة صديقة للبيئة على الرغم من ذلك فإن أفران الشي التي ما زالت تستخدم زيوت الديزل والوقود الضار بالبيئة يعتبر من أهم المشاكل التي لا بد من معالجتها لتطوير هذه الصناعة بالأساليب العلمية التي تواكب المتطلبات البيئية.
يقدر دخل الإنتاج السنوي من الزجاج بنصف مليون دولار، وتتوزع أسواق منتجات الزجاج اليدوي على شكل50 % تسوّق إلى إسرائيل، 40% تسوّق في أوروبا عبر المعارض بشكل خاص، 10% تسوّق في الدول العربية وبشكل أساسي في الأردن.
رام الله والبيرة
الموقع والتسمية:
تتوسط مدينتا رام الله والبيرة السلسلة الجبلية الوسطى في فلسطين، وبالتحديد على خط تقسيم المياه الفاصل بين غور الأردن والسهل الساحلي الفلسطيني، كما يتوسط موقع هذه المدينة منطقة الغور شرقي فلسطين، ومناطق السهل الساحلي، ويظهر هذا الموقع من خلال الأبعاد التي تحكم مدينة رام الله، فهي تبعد 164كم عن أقصى نقطة في شمال فلسطين و25 كلم عن آخر موقع في جنوب فلسطين، كما تبعد بحوالي 67كم عن شواطئ البحر المتوسط و52 كم من البحر الميت، تقع على خط طول 168-171 شرقاً، ودائرة عرض 144-197 شمالاً حسب إحداثيات فلسطين.
وتتمتع مدينتا رام الله والبيرة بمناخ معتدل جعلهما مركزاً لجذب المصطافين. والبيرة وهي الأقدم والأكبر، وتحظى بموقع استراتيجي هام على تقاطع الطرق التجارية الرئيسية، وهي الطريق الواصل بين الغور والسهل الساحلي الفلسطيني، والطريق الجبلي الواصل بين الشمال فلسطين وجنوبها، هذا بالإضافة إلى موقعها الهام، ويعود الفضل في نشوء مدينة البيرة إلى توفر المياه فيها من عيونها المختلفة، وخاصة عين البيرة المعروفة "بالعين"، الواقعة على طريق القدس- نابلس الرئيسي، لأهمية هذه العين بنى أهل البيرة قربها خاناً مازالت آثاره ماثلة للعيان حتى اليوم في البلدة القديمة، وهو يعود للفترة الصليبية. وبنى المسلمون في الفترة الإسلامية المبكرة مسجدين بالقرب من الخان مازالا مستخدمين حتى اليوم، يعرف الأول منهما باسم "الجامع العمري"، وهو الجامع الملاصق لكنيسة العائلة المقدسة وسط البلدة القديمة، "وجامع العين" الواقع على عين شارع القدس- نابلس بالقرب من مبنى البلدية الحالي. وتغير مركز مدينة البيرة من عصر إلى آخر، ويبدو أن أقدم موقع استوطنه أهل البيرة هو منطقة الإرسال، ثم تل النصبة، ثم عين أم الشرايط، ثم موقع البلدة القديمة الحالي، أما الآن فقد توسعت حدود المدينة فشملت كل هذه المناطق.
أما عن تسمية البيرة؛ فقد كانت تدعى قديماً بتيروت، وأغلب الظن أن الذين بنوها هم الحيثيون قبل الميلاد في الفترة التي بنيت فيها أختها يبوس أي القدس القديمة، وكلمة بتيروت اسم البيرة القديم، وهي كلمة كنعانية ويقول مصطفى الدباغ: البيرة بلدة قديمة تعود بتاريخها إلى العرب الكنعانيين، وقد بنيت على موقع مدينة بتيروت عرفت في العهد الروماني باسم بيرة من أعمال القدس، ثم حرف إلى البيرة.
هناك عدة بلدات تحمل اسم البيرة في فلسطين إحداهما تقع شمالي بيسان، وأخرى في منطقة الخليل، وثالثة قرب صفد، ورابعة في منطقة بئر السبع، ولكن بيرة القدس تبقى أهمها وأكبرها وأشهرها جميعاً، يعتقد أن الاسم البيرة مشتق من الأصل الكنعاني (بيئرون) ويعني (الآبار) نسبة إلى العيون الكثيرة المنتشرة في المدينة وأهمها عين البيرة، والعيون الأخرى الكثيرة مثل: عين القصعة، وعين أم الشرايط، وعين جنان، وعين الملك وغيرها وربما كان الاسم من الأصل الآرامي (بيرتا) ويعني القلعة أو الحصن نسبة إلى تل النصبة الأثري.
أما عن تسمية رام الله؛ فقد تضاربت فيها الأقوال؛ إذ زعم البعض أنها عرفت في التوراة باسم أرتا يم صوفيم، كما ذكرها المؤرخ يوسيفوش باسم فكولا، وقيل جلبات إيلوهم. وقد أثبت الأثريون عدم صحة هذه الأسماء؛ لأن أمكنة الملوك التي نسبت إليهم مثل الملك صموئيل وشاؤول مختلفة عن المدينة الحالية.
إلا أن هناك تفسيرات أقرب إلى الصحة، حيث تعني كلمة رام المنطقة المرتفعة، وهي كلمة كنعانية منتشرة في أماكن مختلفة في فلسطين، وأضافت إليها العرب كلمة الله فأصبحت رام الله، وقد عرفها الصليبيون بهذا الاسم، ولكن الثابت تاريخياً أن قبيلة عربية جاءت في أواخر القرن السادس عشر وسكنت في قرية أو غابة حرجية اسمها رام الله.
رام الله والبيرة عبر التاريخ:تاريخ مدينة رام اللهكلمة رام الله تعني "الله أراد" أو "الله قضى" وقد أعطي هذا الاسم لها بعد القرون الوسطى ولا سيما أن رام الله كانت خربة ضمن أراضي قرية البيرة، ليس لرام الله كما هو الحال بالنسبة لشقيقتها البيرة ذكر في التاريخ القديم حتى العهد الروماني، يبدو أن رام الله خلال فترة الفتح العربي الإسلامي لم تكن أكثر من خربة، إلا أنها أخذت تنمو شيئاً فشيئاً بعد ذلك.
في الحملات الصليبية كانت رام الله مستعمرة زراعية صليبية صغيرة دعاها الصليبيون Ramalie، ويبدو أن البرج القائم في منطقة الطيرة من بقايا بناء صليبي من هذه الفترة. يربط التاريخ الشعبي نشوء رام الله الحديثة بهجرة عائلتين عربيتين إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية من الشوبك في جنوبي الأردن في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد، العائلة المسيحية هي عائلة راشد الحدادين التي أقامت في رام الله التي كانت خربة تابعة لإحدى عائلات البيرة، والثانية مسلمة وهي عائلة حسين طناش التي أقامت في البيرة، واندمجت مع عائلاتها.
تقول قصة نشوء رام الله إنه كان بين عشائر الكرك قبيلة عربية مسيحية تدعى الحدادين، وأن عميدها راشد الحدادين وقع بينه وبين شيخ قبيلة بني عمر المسيطرة على بلاد الكرك خلاف بسبب رفض هذا تزويج ابنته لابن شيخ القبيلة المسلم، فاضطر الحدادين للرحيل متخفياً تحت جنح الظلام. ونزل ومن معه في ضواحي البيرة، وقد راقت لهم خربة تدعى رام الله لما فيها من أحراش وحطب ضروري لمهنة الحدادة التي كانوا يمارسونها فابتاعوها من أصحابها الغزاونة أهل البيرة الأصليين، وهكذا قدر لعشيرة الحدادين أن تعمر هذه القرية التي ينتسب إليها معظم سكان رام الله الحاليين.
يشير الأرشيف العثماني إلى أن عدد سكان رام الله في بداية الفترة العثمانية (وتحديداً سنة 1592م) قد بلغ 225 شخصاً، موزعين على 45 عائلة، أما في سنة 1838؛ فقد زار الرحالة الأمريكي إدوارد روبنسون رام الله وذكر أن عدد سكانها كان يتراوح بين 800-900 نسمة، ارتفع هذا العدد سنة 1912م إلى 1000 نسمة، ووصل إلى 2292 نسمة سنة 1922م حسب أول إحصاء سكاني قامت به حكومة الانتداب، في العام 1944م وصل عدد سكان البلدة إلى 2920 نسمة، في حين بلغ عدد سكان المدينة المجاورة البيرة حسب إحصاء سنة 1945م أكثر من 6000 نسمة.
وبعد حرب عام 1948م لجأ عدد كبير من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم في الساحل الفلسطيني إلى المدينتين، فتضاعف عدد سكانهما عدة مرات، هؤلاء اللاجئون الذين يشكلون الأغلبية في كلتا المدنيتين اليوم أعطوا للمدنيتين طابعهما الحالي الخاص الذي يميزهما عن بقية المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع.
فالمدنيتان اليوم مدينة واحدة حديثة ومنفتحة، وتتوفر فيهما إمكانيات لا تتوفر في أية مدينة فلسطينية أخرى، وتشكل المدنيتان عامل جذب للكثير من الفلسطينيين بسبب توفر فرص العمل فيهما، ولقربهما من مدينة القدس؛ ما جعلهما مؤخراً تقعان تحت ضغط التزايد غير الطبيعي لعدد السكان. وتفيد آخر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "تقرير السكان الجزء الأول أيلول/ مايو 1999"، أن إجمالي سكان محافظة رام الله والبيرة بلغ 205448 نسبة، منهم 70098 نسمة حضر، و 122181 نسمة ريف، 13169 نسمة عدد سكان المخيمات.
تاريخ مدينة البيرةيعود تاريخ مدينة البيرة الكنعانية إلى القرن الخامس والثلاثين قبل الميلاد (حوالي سنة 3500 ق.م) ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى أكثر من خمسة آلاف سنة؛ بقيت البيرة مأهولة بالسكان، ورد ذكر البيرة في العهد القديم أكثر من مرة باسم بيئروت، وذلك في قصة كل من النبي هارون والبني موسى عليهما السلام، وقصة احتلال بني إسرائيل لفلسطينيين زمن يوشع بن نون، ولكن المدينة لم تعتبر مقدسة لدى اليهود؛ لذلك لم تنضم إلى الممالك اليهودية التي نشأت في فلسطين. وفي لعهد الحديدي المتأخر عرفت البيرة في العهد الروماني باسم بيرية، وأصبحت مدينة مهمة في هذه الفترة وخاصة في بداية العهد المسيحي؛ فيقال أن السيدة مريم العذراء وخطيبها يوسف النجار فقدوا المسيح بها وهو طفل في الثانية عشرة من عمره في طريق عودتهم من القدس إلى الناصرة، حيث شيّد في المكان كنيسة بيزنطية مازالت أثارها ماثلة حتى اليوم وسط البلدة القديمة، عرفت هذه الكنيسة باسم كنيسة العائلة المقدسة.
|
رام الله والبيرة - تصوير جوي |
بعد الفتح الإسلامي لعبت البيرة دوراً مميزاً على مسرح الأحداث في فلسطين، ويعتقد أن عمر بن الخطاب قد حل بها في طريقه من المدينة المنورة إلى القدس لاستلام مفاتيح القدس من البيزنطيين. وقد أقيم سنة 1195م -في المكان الذي يقال أن عمر صلى فيه- مسجداً يعرف بالمسجد العمري، وهو مازال قائماً ومستخدماً حتى اليوم، وهو ملاصق للكنيسة البيزنطية، وقد أعيد تجديده عام 1995م.
وفي الفترة الصليبية كانت البيرة قرية مهمة لقربها من القدس خاصة بعد استيلاء الصليبين على القدس سنة 1099م، حيث أصبحت مركزاً للمقاومة الإسلامية ضد الصليبين، وبعد احتلال الصليبين لها؛ أوقفها الصليبيون هي و 21 قرية فلسطينية أخرى من منطقة القدس- على كنيسة القيامة، وكانت المدينة وكنيستها البيزنطية التي تم تجديدها وتنظيفها في الفترة الأخيرة مركزاً لفرسان القديس يوحنا القادمين من إنجلترا.
وعندما حرر صلاح الدين الأيوبي فلسطين استولى على البيرة ودمر المستوطنة الصليبية فيها سنة 1187م، ويقال أن عدد الصليبين الذين استسلموا له في البيرة بلغ 50000 أسير، وهكذا تعربت المدينة من جديد.
في العهد العثماني 1517-1918م، كانت البيرة مركزاً سياسياً وإدارياً مهماً ومركز قضاء، سكنها المتصرف العثماني، وكان فيها طابور عسكري، عرف بطابور البيرة وتشكل من أبنائها، وكان له دور في الدفاع عن عكا أثناء حملة الصليبين في أواخر القرن 18م.
في عهد الانتداب البريطاني؛ ألحقت البيرة بقضاء رام الله، واستمر الحال كذلك خلال الفترة من 1919-1994.
ومع بداية عهد السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، أصبحت البيرة بعد توأمتها مع رام الله مركزاً لمحافظة رام الله والبيرة.
النشاط الاقتصادي:
مارس سكان مدينة رام الله والبيرة العديد من الحرف منذ القدم، منها الزراعة وتربية الماشية، حيث زرعوا العنب والتين والزيتون، واشتغل السكان في التجارة، حيث تنقّل التجار بين المدن والقرى المجاورة، كما اشتغل السكان في الصناعة، مثل: صناعة الأحذية، والملابس، والمواد الغذائية، والفخار، واستمرّ الحال حتى أوائل القرن العشرين، حيث اتجه السكان إلى الهجرة إلى أمريكا خصوصاً الشباب منهم، فأخذت الأموال تتدفق على المدينة، ليستثمرها السكان في شراء الأراضي وبناء العقارات لاستغلالها في السياحة، وازدادت حركة التعليم، وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى وقعت حرب عام 1948م، فكان معظم سكان المدينة قد هاجروا إلى أمريكا باستثناء 12% منهم بقوا في المدينة.
الصناعة:
توجد حالياً العديد من الصناعات، مثل: صناعة الورق الصحي، والكرتون، والأثاث، والمواد الغذائية، وعصر الزيتون، والصابون، والألمنيوم، والأدوية، والكثير من الحرف اليدوية والتقليدية.
وعموماً فإن مدينة البيرة الحديثة بأبنيتها الحديثة، والمناخ الملائم، والهواء النقي، وتوفر معظم الخدمات الصحية والمؤهلات الصحية والبيئية، وموقعها على قمم الجبال عند إلتقاء الطرق الرئيسية أهمية مكانة المدينة وقدوم الناس إليها، وخاصة من الأقطار المجاورة قبل عام 1967م.
الزراعة:
أما بالنسبة للزراعة؛ فقد اضمحلت بسبب هجرة السكان للأراضي الزراعية وتحويلها بنايات لتأخذ مكان البيوت القديمة، وأصبحت المدينة تعج بمئات المحال التجارية الممتدة.
النشاط الثقافي:
لقد أدرك سكان مدينة البيرة ورام الله أهمية التعليم منذ القدم، حيث أنشئت الكتاتيب لتعليم القراءة والكتابة والقرآن الكريم وأصول الدين، وظلّ الحال هكذا حتى قامت الدولة العثمانية ببناء مدرسة واسعة عام 1913م ولا تزال غرف هذه المدرسة قائمة، وتمثل جزءاً من المدرسة الهاشمية الثانوية حتى عام 1984م، ثم أسست مدرسة الفرندز عام 1912 وباشرت التعليم عام 1919م وكانت مدرسة متميزة، لاقت نجاحاً منقطع النظير وأصبحت محط أنظار الطلاب من أنحاء فلسطين وشرق الأردن. ثم أسّست مدرسة البيرة الثانوية في الوقت الحاضر، وهناك العديد من المدارس أهمها:
• المدارس الحكومية، وتضم خمس مدارس: ثلاث للبنين، واثنتان للبنات.
• مدارس وكالة الغوث، وتضم خمس مدارس أيضاً.
التعليم:
كان التعليم في رام الله، أول الأمر في المساجد، حيث يتلقى الطلاب العلوم الدينية، واستمرّ الحال حتى عام 1846م؛ عندما حضر مبشر من طائفة البروتستانت اسمه صموئيل غوبات وأسس خمس مدارس إحداها في رام الله، وهي مدرسة تبشيرية؛ بينما كانت الأولى الأرثوذكسية مدرسة وطنية، وظلّت مدرسة غوبات مفتوحة حتى قبل الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1857قدم اللاتين إلى رام الله، وافتتحوا لهم مدرسة لم تعمر طويلاً. وكان للمدارس السابقة طقوس طائفية.
أما عن مدارس الإناث؛ فقد أسست جماعة الفرندز في عام 1889م أول مدرسة من نوعها للإناث في رام الله. والأولى من نوعها في فلسطين، وكان افتتاح هذه المدرسة حافزاً للروم الأرثوذكس لإنشاء مدرسة للبنات، وحذا حذوهم اللاتين، وفي عام 1901 افتتح الفرندز مدرسة البنين في رام الله.
أما الآن ففي رام الله ثلاث مدارس حكومية للذكور، ومدرستان للإناث. وبعد عام 1950م افتتحت بعض المعاهد، مثل: معهد المعلمات الحكومي ،وألحق به مدرسة للتطبيقات والتجارب التربوية، والتعليم فيها مختلط، ولوكالة الغوث أربع مدارس للذكور، ومدرستان للإناث في رام الله. كما يتبع وكالة الغوث مركز لتدريب المعلمين والفتيات، وهناك سبع مدارس خاصة مختلطة، وثلاث مدارس خاصة للإناث، وواحدة للذكور، ودار لرعاية الأحداث، وكلية بيرزيت التي تحوّلت إلى جامعة، وتعتبر من أهم الجامعات الفلسطينية.
كما أن مدينة رام الله تعتبر مركزاً للنشاط الثقافي في الضفة الغربية، إذ تمتلئ بالمسارح ودور السينما والمراكز الثقافية، وفيها المعهد الوطني للموسيقى ومجموعة كبيرة من المنتديات الثقافية.