سورة المنافقون
يعد النفاق من أقبح السمات السلبية؛ لأن صاحبه يظهر للناس من حوله عكس ما يضمر، بمعنى أن نيته في أغلب الأوقات تخالف ما يقوله أو يفعله. فإذا تحدث المنافقون كذبوا، وإذا وعدوا أحداً أخلفوا، وإذا ائتمنت واحدهم خانك. روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» رواه البخاري (33)، ومسلم (59).
ويعرف الإسلام النفاق على أنه ادعاء الشخص الإيمان قولاً وفعلاً، وإبداؤه أقوالاً وأفعالاً تظنها صادرة عن شخص مؤمن، غير أنه يخفي وراءها حقده للمسلمين وكراهيته لدين الإسلام الذي لا يشعر ضمنياً بالانتماء إليه.
ولا تقتصر صفات المنافق على ما ذكرناه أعلاه، بل تتعدى ذلك إلى الخداع والمكر، والتذبذب والتقلب والحيرة، فضلاً عن ارتكاب المعاصي والنهي عن المعروف والاستهزاء بالدين. ومن أشهر صفاته الكذب والبهتان، لأن قلبه فاسد بعيد عن الصلاح، كما قال سبحانه: «ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون» (سورة التوبة: 5). فتارة تراه من المؤمنين وتارة أخرى مع الكافرين. لهذا فقد جعل الله تعالى المنافقين في الدرك الأسفل من النار، كما قال عز وجل: «إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً» (سورة النساء: 145).
إن المنافق شخص يشكل خطراً أكبر بكثير من غيره، كونه يظهر عكس ما يضمر، ويمارس فن الخداع بمهارة كأنه ممثل ماهر يتقمص كل مرة دوراً جديداً حسب المشهد المطلوب تمثيله!
لهذا حذر الإسلام من المنافقين الذين فصل علماء الإسلام صفاتهم إلى درجة أنك تشعر بحاجة المؤلف إلى كتاب كامل لتفصيل صفات المنافق فحسب. ففساد مثل هذه الشخصيات، وخطرها على أمتنا عظيم للغاية، حيث إنهم يحدثون أضراراً جسيمة أينما كانوا، وينشرون التفرقة والظلم حيثما حلوا.
إن المنافق لا يكتفي بالكذب المتواصل وإبداء عكس ما يخفيه؛ بل إنه يكره أن يرى أي إنسان سعيداً. لهذا فإنه يسعى جاهداً لإفساد العلاقات الاجتماعية التي تجمع بين الناس؛ فيفتعل الخبائث أينما سنحت له الفرصة، ويوقع الآخرين في مكائده التي لا تنتهي. قال تعالى: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرْثَ والنسل والله لا يحب الفساد» (سورة البقرة: 205).
لهذا علينا أن نحذر من المنافقين، لأن من أبرز صفاتهم ازدواجية القول، وديدنهم هو إفساد العلاقات بين الناس ونشر الظلم، والحلف الكاذب بكثرة، إضافة إلى الضلال عن سبيل الهدى، ومخالفة المظهر الخارجي للداخل؛ حيث ترى المنافق حسن الهندام، طليق اللسان، فإذا تحدث انهار المظهر الحسن، وظهرت حقيقته.
إن خطورة النفاق تظهر جلية في المجتمع من خلال سعي المنافق لإفساده، وزرع الحقد والضغينة بين أفراده، وتشويه صورة الدين، وأكل أموال الآخرين بغير حق، وكرهه لرؤية أي شخص آخر عداه ناجحاً سعيداً في حياته؛ مما يدفعه إلى فعل أي شيء في سبيل إنهاء ذاك النجاح، واغتيال تلك السعادة.
ولنا في القرآن خير دليل؛ فمن آيات الله عز وجل أنه جعل سورة «المنافقون» أطول من سورة «الكافرون»، للدلالة على خطورة المنافق على كل نفس مؤمنة. فاحذر من إذا تحدث كذب، ومن إذا وعد أخلف، ومن إذا ائتمنته خانك.
احذر من أصحاب القلوب الفاسدة الذين يكرهون رؤية المحبة عامرة بين البشر، ويمقتون الناجح فيتمنون زوال النعمة عنه، ويبغضون السعيد فيحاولون بشتى الوسائل والطرق أن يسرقوا تلك السعادة من بين أحضانه، ويستهزؤون بأصحاب القلوب المؤمنة المطمئنة؛ لأن أفئدتهم فاسدة لا تقوى على الصلاح!