ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: هل يمكن طرد روسيا من مجلس الأمن؟ السبت 09 أبريل 2022, 9:05 pm | |
| هل يمكن طرد روسيا من مجلس الأمن؟في خطابه عبر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي، يوم الثلاثاء الماضي، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى طرد روسيا منه جرّاء ارتكابها “جرائم حرب” ضد المدنيين في بلاده، ومنعها المجلس من القيام بواجبه المتمثل بـ”حماية السلام” بسبب تمتّعها فيه بحق النقض (الفيتو). وليس زيلينسكي أول من يدعو إلى طرد روسيا من مجلس الأمن، فقد سبقه إلى ذلك آخرون، مثل المندوب الأوكراني الدائم لدى الأمم المتحدة سيرجي كيسليتسيا، والسفير الأميركي السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، والخبير في العلاقات الدولية البروفيسور إيان هيرد. ولكن، هل فعلاً يمكن طرد روسيا من مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو حتى تعليق عضويتها فيهما أو في أحدهما؟ الإجابة السريعة والمباشرة أن ذلك صعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، وفي ما يلي بعض تفصيل، من دون استغراق، وهو جهد مبنيٌ على بحث. من الناحية المبدئية، لا يحتوي ميثاق الأمم المتحدة على طريقةٍ لعزل عضو دائم في مجلس الأمن. ومعلوم أنه مجلس يتكون من 15 عضواً، خمسة منهم دائمون يتمتعون بحق النقض، وعشرة غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لعامين ممثلين عن المجموعات الإقليمية. ومع أن ميثاق الأمم المتحدة ينصّ، في مادته السادسة، على أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة”، إلا أن ذلك لا يكون إلا “بناءً على توصية مجلس الأمن”. وطبعاً، روسيا، وهي عضو دائم فيه وتتمتع بحق النقض، لن تصوت أبداً على قرار يتيح طردها من الأمم المتحدة. ولم يحدُث قط، في تاريخ الأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1945، أن طُردت دولة منها، مع أنه جرى تعليق عضوية بعض الدول فيها، بموجب المادة الخامسة من الميثاق، كما في حالة جنوب أفريقيا تحت حكم نظام الفصل العنصري، ما بين أعوام 1970-1974، ولم تشارك جنوب أفريقيا في أنشطة الجمعية العامة إلا عام 1994 بعد انهيار نظام الأبارتهايد فيها. ولكن، حتى تعليق العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتاج موافقة مجلس الأمن، إذ تنصّ المادة الخامسة على أنه “يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبَله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يردّ لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”. هذا يعني أن أي محاولةٍ لتعليق عضوية روسيا سيكون شبه مستحيل. أمام هذه المعضلة، يقترح بعضهم، مثل زيلينسكي، إصلاح الأمم المتحدة، وهو ما يعني تعديل ميثاقها. لكن تعديل الميثاق ينبغي أن يجري بموجب الفصل الثامن عشر منه، والذي ينصّ على أن “التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدّق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة، ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين”. إذاً، تعديل الميثاق ليس خياراً مطروحاً، فلن توافق روسيا على أي خطط تستهدفها وتستهدف نفوذها في الأمم المتحدة، وهي ستلجأ إلى حق النقض في مواجهة أي مسعىً في هذا الصدد. هل هذا يعني أنه لا توجد أي طريقة لمحاسبة روسيا، أو أي عضو دائم في مجلس الأمن، في الأمم المتحدة؟ الإجابة السريعة والمباشرة، بلى، ولكنها طريقة غير ذات معنى كبير وغير ذات جدوى عملية. يتعلق الأمر هنا بتعريف “حق النقض” وكيف يمكن استخدامه، وهو ما يخضع للمادة السابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة. تنص هذه المادة على: “1. يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد. 2. تصدُر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. 3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، شرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت”. ما الذي يعنيه ذلك؟ من دون تفاصيل كثيرة، تتمتع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 377 (د-5) لعام 1950، المعروف باسم “الاتحاد من أجل السلام”، بسلطة تقديم توصياتٍ لاتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين أو استعادتهما إذا رأت أن مجلس الأمن غير قادر على التصرّف بسبب غياب الإجماع بين أعضائه الخمسة الدائمين. يتعلق الأمر هنا بـ”المسائل الإجرائية” المنصوص عليها أعلاه في المادة السابعة والعشرين من الميثاق، إذ يكفي تصويت تسعة أعضاء في مجلس الأمن على تحويل قضيةٍ إلى الجمعية العامة، ولا يحقّ لأي عضو دائم أن يستخدم “الفيتو” هنا. هذا ما جرى في السابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي، عندما حوّل مجلس الأمن مشروع قرار 2623 إلى الجمعية العامة بموجب “الاتحاد من أجل السلام”، ولم تستطع روسيا منع ذلك. وفي الثاني من مارس/ آذار الماضي، صوتت الجمعية العامة بأغلبية كبيرة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. المشكلة أن قدرة الجمعية على إنفاذ قراراتها محدودة للغاية، فهي توصياتٌ غير ملزمة، على عكس قرارات مجلس الأمن. وعلى الرغم من أن النقطة الثالثة من المادة السابعة والعشرين سابقة الذكر تنصّ على ضرورة امتناع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن عن التصويت، عندما يتعامل المجلس مع نزاع هم طرف فيه، إلا أن ذلك محصورٌ في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة والفقرة 3 من المادة 52 فيه، واللذين يقتصر نطاقهما على التسوية السلمية للمنازعات، ولا تشملان الإجراءات المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين بموجب الفصل السابع. هذا يفسّر كيف تمكّنت روسيا من نقض مشروع قرار يدينها في مجلس الأمن، في حين أنها لم تتمكّن من وقف قرار إجرائي بإحالة الأمر إلى الجمعية العامة بعد تصويت تسعة من أعضاء مجلس الأمن على ذلك. يبقى هنا سيناريو أخير يطرحه بعضهم لطرد روسيا من مجلس الأمن والأمم المتحدة. يقوم عماد هذا الرأي على أن روسيا، أصلاً، ليست عضواً دائماً في مجلس الأمن. ويستند من يقولون بذلك إلى الفقرة الأولى من المادة الثالثة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة، أن “الأعضاء الدائمين” في مجلس الأمن هم: “جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأميركية”. وحسب هذه القراءة، فإن الاتحاد السوفييتي لم يعد قائماً منذ عام 1991، ولم يجر تعديل الميثاق ليشير إلى وراثة روسيا له، وبالتالي، حسب المندوب الأوكراني لدى الأمم المتحدة، كيسليتسيا، فإن “عضوية روسيا ليست شرعية، حيث لم تصوّت الجمعية العامة على قبولها في المنظمة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في ديسمبر (كانون الأول) 1991”. تواجه هذا الرأي مشكلات من أوجه عدة. أولاً، أنه يخالف الممارسة المعتمدة منذ عقود طويلة داخل الأمم المتحدة ووكالاتها، والتي استقرّت على قبول وراثة الكتلة الكبرى بعد تفكّك دولة أو اتحاد ما لهما. حدث هذا بعد تفكك الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، والتي كانت قد جمعت بين مصر وسورية، وخلفتها مصر، ثمَّ في انفصال سنغافورة عن ماليزيا عام 1969، وخلفتها ماليزيا، وبعد ذلك انفصال صربيا والجبل الأسود عام 2006، وخلفتها صربيا. ثانياً، أن وراثة روسيا الاتحاد السوفييتي عام 1991 في الأمم المتحدة وأجهزتها ووكالاتها جرت بدعم من بلدان الكومنولث المستقلة حينئذ عنه، بما فيها أوكرانيا. ثالثاً، إذا طبّق هذا المعيار على روسيا، فإن أوكرانيا نفسها ستجد نفسها خارج عضوية المنظمة الدولية، إذ إنها ورثت، من دون تصويت، مكان “الجمهورية السوفييتية الاشتراكية الأوكرانية” والتي كانت عضواً في الأمم المتحدة منذ 1945. باختصار، ليس فقط أن مسألة طرد روسيا أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة مجرّد وَهْمٍ لا أساس له، بل الأمر أعمق من ذلك، إذ إن كل هذه المنظومة الأممية فاسدة، وبحاجة إلى هدم وإعادة بناء، لا إصلاح فقط. ويكفي أن نُذَكِّرَ هنا بأنه ليست روسيا وحدها من تخلّ بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، متسلحة بحق الفيتو، فالأعضاء الدائمون الأربعة الآخرون ليسوا أقل إجراماً وفساداً منها. |
|