الزكاة أحد أهم الأدوات المالية لتنفيذ وتنزيل أهداف ومقاصد النظام السوسيو-إقتصادي في الإسلام
د. طارق ليساوي
تناولت في مقال ” أوجه الإتفاق والاختلاف بين الزكاة والضريبة..” أوجه الاختلاف و التباين بين الزكاة والضريبة، فهناك خلط لدى البعض بين الزكاة والضرائب، والبعض يرى أن أداء الضرائب يغني و يجزي عن دفع الزكاة.. فالضريبة هي “إحدى أدوات السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدول والحكومات، وهي عبارة عن مقدار من المال يُحدد وفق أسسٍ معينة ومعايير محددة، وتُدفع من قبل الأفراد أو الشركات كحق مكتسب للدولة، وتمكن الدولة من الإنفاق على البنى التحتية والمرافق العامة… أما الزكاة فهي ركن من أركان الإسلام الخمسة الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.. وتختص الزكاة من بين الجبايات والضرائب المالية الأخرى بسمات من أبرزها وأعمها: ما يقترن بهذه الفريضة من روح الإيمان والاحتساب والقيام بالواجب، وهي الروح التي تتجرد منها الضرائب الرسمية…وتختص الزكاة بأنها تؤخذ من الأغنياء الذين يستوفون شروط وجوبها ويملكون نصابها وتصرف في مصارفها المحددة شرعا، وهذا بعكس الجبايات والضرائب والرسوم التي تفرض من الحكومات، فهي تؤخذ من الفقراء وأوساط الناس وترد على أغنيائهم وأقويائهم…
و قد تابعت تعليقات القراء الكرام بجريدة رأي اليوم وعلى صفحتي الرسمية أو على برنامج “إقتصاد ×سياسة”، وهذا التفاعل الإيجابي مؤشر على أهمية الموضوع و حاجة الجمهور إلى من يشرح و يوضح هذه الفريضة الغائبة… فشكرا لكل القراء على تفاعلهم الإيجابي و ملاحظاتهم القيمة و كلماتهم الطيبة في حق الكاتب، و بدوري أحاول قدر الإمكان التفاعل مع هذه التعليقات و الملاحظات و الاستفسارات.. ومن ذلك، تعليق قيم للأستاذ “انيس الخوري” على مقال ” تعطيل فريضة الزكاة أو عدم تطبيقها وفق المنهج الرباني السليم، أحد أهم أسباب اتساع دائرة الفقر والعوز وانتشار ظاهرة التسول في بلداننا العربية و الإسلامية” و قال فيه بالحرف: ” الزكاة نظام اقتصادي انساني لو طبق بالعالم أجمع بمعني بكل دول العالم لزال الفقر والبطالة والعوز والتسول وما إلى ذلك.. لكن اليهود لن يسمحوا بحدوث ذلك لأن الزكاة إن طبقت ستقضي على جشعهم وطمعهم واستغلالهم للناس ونهبهم لأرزاق البشر وسرقتهم لأموالهم بغير حق ( الربا في خدمة الصهاينة اليهود ).الاسلام دين الانسانية والبشرية جمعاء ودين الرحمة والإحسان والمساواة والعدل والتعاون والتضامن ..”..
فالإسلام دين و دنيا ، عقيدة وشریعة، عبادات ومعاملات، ماديات و روحانيات، دين و دولة، فهو منهج شامل لكل نواحي الحیاة، صالح لكل زمان و مكان، لأنه منهج رب العالمين للعالمين كافة…فالإسلام جاء ليصلح الدنيا بالدين، بعدما عمها الفساد و الطغيان، و عبودية البشر لأمثالهم من البشر، فقد أخرج الله تعالى بالإسلام الناس من الظلمات إلى النور، ومن الظلالة إلى الهدى ، ومن الظلم إلى العدل ، ومن الفقر إلى الغنى ، ومن العبودية إلى الحریة ، ومن الغش إلى الحق ، ومن الربا إلى المرابحة ، ومن السرقة و العدوان إلى الأمن و الإستقرار ، فكان بذلك النبي محمد عليه الصلاة و لسلام الرحمة المهداة للعالمين قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء، الأية 107) …
ولما كان الإقتصاد الإسلامي إمتداد لفلسفة الإسلام الشاملة للحیاة و المجتمع ، فهو اقتصاد قائم على أسس عقائدیة و أخلاقية، إذ يستمد مبادئه و أحكامه من مصادر يقينية ثابتة و هي القرأن و السنة النبوية المطهرة، كما يستند إلى ثرات فقهي غني و متنوع تراكم عبر قرون من الزمن، و أثبت هذا الثرات فعاليته في مواجهة مجموعة من الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية في الماضي و الحاضر…ذلك أن الشريعة الإسلامية جاءت لرعاية لمصالح العباد ومسايرتها، فمن وراء كل حكم أو شعيرة، غايات وأهداف عظيمة، وكذلك الزكاة فهي الوسيلة التي تجعل من الإنسان سيدا للمال لاعبدا له، كما أنها حل رباني للعديد من المشاكل المنتشرة في المجتمع بأسره، ومن بينها الفقر و البطالة، بحيث تعتبر من أهم المشاكل الخطيرة التي تتخبط فيها دول العالم أجمع وبخاصة الدول النامية…
وبما أن الشّريعة الإسلامية عامة، والتشريع المالي خاصة أسمى مقاصدهما التيسير على الناس، إذ عنت الشريعة بحفظ الإنسان وما يخصه من (دين، عرض، عقل، نفس، مال).. بل إن الشريعة الإسلامية جعلت المال مقصدا من مقاصدها الضرورية، التي لا يمكن لأحد المساس بها دون وجه حق. ومن وسائل الشارع الحكيم في حفظ حقوق المال فرض الزكاة للفقراء في أموال الأغنياء، وجعل لهذا الفرض مقاصد عظيمة متبادلة بينهما، ولأهمية هذه الشعيرة والآثار البالغة التي تخلفها في الفرد والمجتمع والاقتصاد قررنا تخصيص مقالات شهر رمضان الكريم لهذه الفريضة…
أولا- شيوع الفساد وتوالي الأزمـات الاقتصـادية والإجتماعية
انتشار الفساد في الأرض وفقا للتصور الإسلامي، من ضمن أسبابه الابتعاد عن التطبيق و الامتثال لشرع الله و منهجه القويم، و كان من نتائج هذا البعد معاناة الأمة من إنتشار مجموعة من القيم و الظواهر الاجتماعية السلبية كالفقر و العوز و الحرمان و تفشي البطالة، و ما صاحب ذلك من ظواهر إجتماعية سلبية كالسرقة و الإجرام و الإدمان، و أيضا التفكك الأسري بل الإعراض عن الزواج، إذ أصبح العزوف عن الزواج في صفوف المسلمين ظاهرة مثيرة للقلق، و السبب المباشر لهذا العزوف ليس الرغبة في العزوبية، و إنما – في الغالب – العجز عن تحمل تكاليف بناء أسرة مسلمة..
فالفكر الاقتصادي الإسلامي يوضح مساوئ كلا من النظامين الرأسمالى و الاشتراكي، لكونهما معا يقومان على مبادئ تتعارض مع شريعة الله وسننه، ومع
القيم والأخلاق لأنه يقوم على الاحتكار والفوائد الربوية وهذه الأفعال غير الإنسانية تتعارض مع مبادئ وجود الإنسان.. أي أن الله جل و علا خلق الإنسان لاستخلافه في الأرض حتى يقوم بتحقيق الحق والمساواة والعدل و الكرامة و العدالة …
لذلك فإن شيوع الفساد و توالي الأزمـات الاقتصـادية و الإجتماعية، من منظور الفكـر الاقتصادي الإسلامي تتلخص في الاختلالات البنيوية التي تعتري النظام الاقتصادي المتبع و الذي أخل بالمبادئ الإنسـانية بمختلف معانيها.. فالنظم الاقتصادية المعاصرة أخلت بالمبادئ التالية:
1 – مبدأ الاستخلاف: وهي الحاجة إلى العدالة الاجتماعية و عدالة التوزيع للثروات و الموارد..
2- مبدأ الاختيار والحرية الاقتصادية: وذلك أن يكون الإنسان في تصرفه يسير وفق ضوابط وأطـر شـرعية، بمعنى أن يسعى الإنسان إلى الكد وبذل الجهد وذلك بتعظيم أجره وثرواته، وأن يسعى في المقابل إلى تحقيق المنفعة لنفسـه
وللمجتمع، عن طريق الاختيارات الشخصية التي لا تعارض دينه و مصالح أمته و مجتمعه، فسلوكه و اختياراته الاقتصادية ينبغي أن تكون صالحة ونافعة في
دنياه وآخرته..
3 – مبدأ الإحسان والتعاون: وفي هذا المبدأ أن يكون هناك تعاون أخوي وذلك بتجسيد الإنسان الأعمال الفاضلة في كـل شؤون حياته العملية كالتجارة والصناعة والثقافة والتعليم.. إضافة إلى أن يسعى الإنسان إلى إعانة جميـع مـن في حاجة إليه و سعي نحو تحقيق النفع لجميع أفراد المجتمع سواء كانوا منتجين أو مستهلكين.
وإذا أخلت المعاملات البشرية بأي مبدأ من هذه المبادئ السابق ذكرها، فإنه لا مفر من حدوث الاختلالات و توالي الأزمـات
ثانيا – الربا و كنز الثروة و احتكارها بأيدي القلة أصل كل الشرور
تناولنا في أكثر من مقال و محاضرة أزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي، و كيف أصبح الاقتصاد الوضعي يوصف باقتصاد الأزمات..فعلى مستوى التنظير للفكر الاقتصادي فُتح باب الجدل واسعا حول مدى كفاءة الأدوات الاقتصادية المالية والنقدية التي ارتكزت عليها تلك الأنظمة في معالجة و احتواء وتقليص، أثر الأزمات الاقتصادية و المالية المتتالية، و ما يصحبها من أزمات اجتماعية و نفسية معقدة و مركبة. و الجدير بالذكر، أن السياسات الاقتصادية والنقدية على وجه الخصوص في الفكر الرأسمالي ترتكز في الغالب على معدلات الفائدة، لأن التمويل التقليدي يتحدد من خلالها، كما أن التحكم في الائتمان يتحدد عبر آليات ضخ السيولة أو تقليصها وفقا للتغيرات المختلفة في الفائدة، وبرغم نجاح هذه السياسات نظريا وعمليا في كثير من الأحيان في التحكم في حالات اللاستقرار، إلا أنها تضخم و توسع من الاقتصاد الرمزي القائم على المضاربة في مقابل تقليص الاقتصاد الحقيقي، و هو ما يؤدي إلى ظهور الفقاعات المختلفة ويوسع من حدة الفجوة بين الاقتصاد الوهمي والحقيقي، مع إهمال جانب تحقيق العدالة الاجتماعية و عدالة توزيع ثمار النمو.. لذلك، فإن السياسات الاقتصادية المتبعة لعلاج الأزمات هي العوامل الداعمة و المنتجة للأزمات والتقلبات الاقتصادية الدورية المستقبلية.
فالنظام الاقتصادي الرأسمالي السائد تحكمه نواقص بنيوية تعد سببا في متتالية الأزمات ومنها:
– تسليع المال، فالمال أصبح يولد المال دون الحاجة إلى العمل ، فتكدس الثروة بواسطة الثروة نفسها وليس بواسطة العمل،
– نظام هدفه الأساس نمو الثروة، بغض النظر النتائج الإنسانية والاجتماعية والبيئية،
– تحويل السلطة من الحكومات إلى الكيانات الاقتصادية العابرة للحدود، وهو ما أدى إلى تقييد الحكومات والسياسات أمام الكيانات الاقتصادية الرأسمالية الضخمة..
ثالثا- المقاصد والأهداف الكبرى للنظام الاقتصادي في الإسلام..
وجه الخلاف بين الاقتصاد الوضعي و الاقتصاد الإسلامي يمتد إلى الأهداف و المقاصد، والأساليب المرتبطة بإلغاء نظام الفائدة وفقا للمنهج الإسلامي الذي يحرم المعاملات الربوية، كما أن الاقتصاد القائم على المبادئ الإسلامية يمتلك أداة الزكاة والتي تعد من ضمن الأدوات المالية والنقدية الفاعلة والمدعمة لأثر أدوات السياسة الاقتصادية المختلفة، ولها من القدرة ما يساهم في ضبط التضخم وعلاج حالات الانكماش والركود، و الحد من الفقر و البطالة، و تحقيق عدالة التوزيع و تقليص الفوارق الإجتماعية و الحد من الفقر المدقع مقابل الغنى الفاحش…و حظر إكتناز الثروة ومنع الاحتكار، والدعوة إلي العمل و الإنتاج و عدالة التوزيع و هي مقاومات أساسية لتأسيس لاقتصاد حقيقي بدل إقتصاد مبني على الفقاعات المالية، إقتصاد في خدمة عامة الناس و ليس إقتصاد يسخر عامة الناس لصالح قلة من الناس…
ويمكن إجمال الأهداف الكبرى للنظام الاقتصادي في الإسلام كما يلي:
1- كفالة حد أدنى من المعيشة لكل فرد و هو ما يصطلح عليه في الأدبيات الاقتصادية بنظام الضمان الاجتماعي..
2- السعي نحو ترسيخ الكرامة و الحرية عبر بوابة تحقيق القوة والعزة الاقتصادية مصداقا لقوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ( الأنفال الآية 60)، و عبارة ” من قوة ” الواردة في الآية الكريمة لا تقتصر على القوة العسكرية و إنما تتعدى ذلك الى كل مظاهر و أشكال القوة ، بما فيها القوة الاقتصادية على اعتبار أن المال عصب الحياة..
3- تحريم إكتناز الثروة باعتباره شر مطلق: فالإسلام حرّم بشدة تكديس الأموال وحذر من خطورة هذا الفعل، و ذلك خلافا لما هو سائد اليوم في الاقتصاد الرأسمالي القائم على مبدأ تكديس المال في يد فئة قليلة.. وهو الأمر الذي له عواقب وخيمة و نتائج مدمرة على البشرية، لأنه يؤدي إلى تكدس الثروة في يد فئة قليلة من الأثرياء وحرمان الغالبية من المال.. فبحسب منظمة “أوكسفام” البريطانية إن ثروة 1 في المئة من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة.. و هو الأمر الذي حرمه الاسلام جملة وتفصيلا، عندما حرم تكديس الأموال تحريما شديدا، لدرجة أن هذا المال الذي هو سبب نعيم الانسان في الحياة الدنيا، سيكون مصدر تعاسته و عذابه الشديد يوم القيامة قال تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة 34).
4- الحد من التفاوت في الدخل والثروة بين الناس و خلق نوع من التوازن الاجتماعي، عبر تقليص فجوة الدخل بين أفراد و طبقات المجتمع، ولتحقيق هذا الهدف تم تشريع الزكاة قال تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة الآية 110)، و الإرث قال تعالى: (للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) (النساء الاية 7) ، و الحث على الإنفاق قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ(10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) (المنافقون)..
وهناك أهداف أخرى مشتقة عن هذه الأهداف كالتوظيف الكامل، ومكافحة التضخم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي و الأمن الاجتماعي و تعزيز شبكات الأمان.. فتحقيق الأهداف الرئيسية يقود بالتبعية إلى تحقيق غيرها من الأهداف و قد حاول الفكر الاقتصادي الاسلامي معالجة جملة اختلالات شكلت و لاتزال تشكل نقاط ضعف و قلب الأزمة في الاقتصاد الرأسمالي المعاصر..
رابعا – الزكاة أهم الأدوات المالية التي لها تأثير بالغ الأهمية على العديد من القطاعات الاقتصادية و الفئات الاجتماعية..
من روائع الإسلام بل من معجزاته الدالة على أنه دين الله الحق، أنه سبق الزمن، وتخطى القرون، فمنذ أزيد من 1400 سنة حرص على علاج مشكلة الفقر والحاجة، ووضع الفقراء والمحتاجين، دون أن يقوموا بثورة، أو يطالبوا – أو يطالب لهم أحد – بحياة إنسانية كريمة، بل دون أن يفكروا هم مجرد تفكير في أن لهم حقوقا على المجتمع يجب أن تؤدى، فقد توارث هؤلاء على مر السنين والقرون أن الحقوق لغيرهم، وأما الواجبات فعليهم….
ولم تكن عناية الإسلام بهذا الأمر سطحية ولا عارضة، فقد “جعلها من خاصة أسسه، وصلب أصوله، وذلك حين فرض للفقراء وذوي الحاجة حقًا ثابتًا في أموال الأغنياء، يَكْفُر مَن جَحَدَه، ويَفْسُق من تَهرَّب منه، ويُؤخذ بالقوة ممن منعه، وتُعلن الحرب من أجل استيفائه ممن أبَى وتمرد”…وكان ذلك الحق هو الزكاة، الفريضة الإسلامية العظيمة التي اهتم بها القرآن والسنة، وجعلها ثالثة دعائم الإسلام…
فالزكاة هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام الخمسة، وبها -مع التوحيد وإقامة الصلاة- يدخل المرء في جماعة المسلمين، ويستحق أخوتهم والانتماء إليهم، كما قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11)…وهى -وإن كانت تذكر في باب العبادات باعتبارها شقيقة للصلاة- تعد في الحقيقة جزءًا من نظام الإسلام المالي والاجتماعي، بل أحد أهم الأدوات المالية التي لها تأثير بالغ الأهمية على العديد من القطاعات و الفئات، و لإبراز أهمية الزكاة و محوريتها في الاقتصاد الإسلامي يكفي الإشارة بعجالة إلى بعض أهم أدوارها:
1- الزكاة تعمل على توفير حد الكفاية وإشباع الحاجات الأساسية لكل محتاج في المجتمع الإسلامي، لأن الأصل في الإسلام هو ضمان حد الغنى لكل أفراد المجتمع، وبالتالي فهي تعتبر أفضل ضمان اجتماعي للأفراد..
2- كما أنها تؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي بشكل مباشر من خلال توجيه جزء من حصيلة الزكاة لتحقيق حد الكفاية للفقراء و المساكين..و غير مباشر من خلال تحفيز الزكاة لدالة الإستثمار…إذ أنها تؤدي إلى زيادة الاستثمار الكلي الخاص، و يتم ذلك من خلال استخدام جزء من حصيلة الزكاة على شراء آلات و معدات وإنشاء مشروعات صغيرة الحجم و كبيرة الحجم و تمليكها للفقراء.
3- تضغط فريضة الزكاة لتحرير الأموال المكتنزة والأموال العاطلة وتوجيهها للاستثمار حتى لا تأكلها زكاة النقود.
وسنحاول في مقال موالي التوسع في هذه العناصر إن شاء الله تعالى … و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…