بروفيسور شلومو ساند: “لا وجود لشعبٍ يهوديٍّ والصهيونيّة اخترعت أسطورة عدم وجود السُكّان والأرض الفارغة لتبرير سرقة فلسطين”… هكذا اختُرِع “الشعب اليهوديّ” وبدعة “أرض إسرائيل”..”لا علاقة لليهود بالأرض التي يُسَّمونها إسرائيل”
نشر البروفيسور المُعادي للصهيونيّة شلومو ساند، وهو محاضر كبير في كليّة التاريخ بجامعة تل أبيب، نشر مراجعةً لكتاب “المعادلة المفقودة”، للباحث والمثقف اليهوديّ الأمريكيّ المشهور، أيان لوستيك، والذي أكّد فيه أنّ النقطة الأساسيّة المركزيّة في طرح اليسار الإسرائيليّ حول السلام آخذ بالضمور من ناحيةٍ فكريّةٍ، وذلك بموازاة ضعف قوّته الانتخابيّة، على حدّ تعبير لوستيك.
وتابع البروفيسور ساند والذي يوجد خلاف عميق حول كتبه فيما يتعلّق بهوية الشعب اليهوديّ، هذا الخلاف الذي لاقى صدى كبيرًا في إسرائيل وخارجها، تابع في مراجعته، التي نشرها بصحيفة (هآرتس) العبريّة، أنّ دولةً واحدةً قائمةً اليوم بين البحر والنهر، نهر الأردن، وتتحقق أمام أعيننا بشكلٍ مُحتّمٍ، مضيفًا أنّ إسرائيل باتت دولةً ثنائية القوميّة لأنّ الإسرائيليين والفلسطينيين ارتبطوا الواحد بالآخر، دون إمكانية فكّ الربط بينهم، على حدّ تعبيره.
الأكاديميّ أوضح أنّه عندما طالب عرفات مقابل توقيعه على وقف العنف، تعهدًا من رئيس الوزراء الإسرائيليّ آنذاك، يتسحاق رابين، بوقف الاستيطان، فإنّ يدّ رابين تجمدّت، ولم يكّن قادرًا أنْ يُوقّع على مطلب عرفات، مُشدّدًا على أنّه برأيه في هذه اللحظة، وليس اغتيال رابين من قبل المُتطرّف اليهوديّ يغآل عمير، هي التي تُمكننا التوجّه لفهم أحسن وأفضل لجذور فشل اتفاق أوسلو، على حدّ قوله.
وكان البروفيسور ساند، قد ردّ على السؤال: لماذا قالت الحركة الصهيونيّة إنّه لم يكُن في البلاد، قبل إقامة إسرائيل، عام 1948، فلسطينيين وأنّها وَجَدَتْ أرضًا فارغةً، ردّ قائلاً:”إنّ الحركة الصهيونيّة ابتدعت هذا الأمر كي تحصل على عذرٍ وتبريرٍ، وكان يتحتّم عليها أنْ تقول ذلك، أيْ هذه أرضنا، وليس مهمًا إنْ كان هنا فلسطينيين”.
وأضاف، في حديثٍ للتلفزيون العبريّ “أنّ الحركة الصهيونيّة حاولت إقناع العالم بأنّه بعد مرور حوالي ألفيْ عام، عاد اليهود إلى فلسطين، بعد الخروج منها، أيْ أنّ اليهود خرجوا من فلسطين قبل ألفيْ عام وعادوا بعد أنْ أجروا إعادة تقييمٍ”، طبقًا لأقواله.
وتابع قائلاً: “في كتابي أكّدت أنّ الرواية الصهيونيّة، حول عدم وجود فلسطينيين في البلاد ووجودها فارغةً، كانت بدعةً، وفي الحقيقة ذلك لم يحدث أبدًا، لقد دحضت الرواية الصهيونيّة، لأنّه في نهاية المطاف كانت الرواية الصهيونيّة عبارةً عن مشروع بناءٍ قامت فيه لترويج روايةٍ، تعتمِد على مشروعٍ ميثولوجيٍّ، أيْ أسطوريٍّ، الأمر الذي خلق دولة إسرائيل، وخلق أيضًا حدود الهويّات، وهذه الهويّات هي أشّد خطرًا على مفهوم الدولة، أيّ دولةٍ، في بداية القرن الـ20″، على حدّ تعبيره.
يُشار إلى أنّ البروفيسور ساند، المعروف بمواقفه المُعادية للصهيونيّة، والذي قام بتأليف كتاب “متى وكيف اختُرع الشعب اليهوديّ”، تلقى رسائل تهديد بالقتل، كما كتب المجهولون في الرسالة أنّ ساند هو معادٍ للسامية ويعمل ضدّ إسرائيل.
وقال ساند آنذاك لصحيفة (هآرتس) إنّ الحملة المسعورة ضدّه جاءت على خلفية كتابه الجديد “متى وكيف اختُرع الشعب اليهوديّ”، والكتاب الثاني الذي أصدره وجاء تحت عنوان: “كيف اختُرعت أرض إسرائيل”، ولفتت الصحيفة إلى أنّ الكتابيْن، اللذيْن أثارا ضجةً كبيرةً في إسرائيل وخارجها، هدفهما الرئيسيّ تطوير مصطلح دولة جميع مواطنيها، والعمل على فرض هذا الوضع على أرض الواقع.
يُشار إلى أنّ ما يؤكّده البروفيسور ساند جاء بناءً على دراسةٍ تاريخيّةٍ موثقة بأنّ هناك دينًا يهوديًا، ولكن ليس هناك “شعبًا يهوديًا، مُوضِحًا أنّه “لكلّ دولةٍ معتقدات أوْ ثوابت جوهرية تشكل حقائق من المحظور التشكيك بها وهذا ما يعرف بالـ(طابو)، وفي إسرائيل هناك ثلاث حقائق شبه مُقدسّةٍ: “فلسطين أرض اليهود، وحتمية استمرارية دولة إسرائيل، وثالثًا الهولوكوست – المحرقة”.
وبحسب نظرية البروفيسور ساند: “أنا مثل بقية الإسرائيليين اعتقدت بأنّ اليهود كانوا شعبًا يعيشون في يهودا، وأنّ الرومان نفوهم عام سبعين ميلاديّ. ولكن عندما بدأت أنظر إلى الأدلّة اكتشفت بأنّ النفي هو أسطورة، إذْ لم أجد أيّ كتابٍ تاريخيٍّ يصف أحداث النفي، والسبب لأن الرومان لم ينفوا شعبًا وفي الحقيقة معظم اليهود في فلسطين كانوا فلاحين وكلّ الأدلة تشير إلى أنّهم مكثوا على أراضيهم”، على حدّ قوله.
وشدّدّ ساند على أنّ “معظم اليهود اليوم لا علاقة لهم بالأرض التي يسمونها إسرائيل، وأنّ فكرة الشعب اليهوديّ أوْ القومية اليهوديّة التي بنيت على أساسها الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل هي أسطورة اخترعت منذ نحو قرنٍ”.
أما فيما يتعلّق بتاريخ اليهود فقال: اليهود اعتبروا أنفسهم يهودًا لأنّهم اشتركوا بديانة واحدة. في بداية القرن العشرين تحدّى الصهاينة هذه الفكرة وبدؤوا بخلق تاريخٍ قوميٍّ باختراع فكرةٍ أنّ هناك شعبًا يهوديًا منفصلاً عن دينهم، وأنّ على اليهود العودة من المنفى إلى أرض الميعاد. ولكن إذا كان على اليهود العودة من المنفى إلى أرض الميعاد فالسؤال هو لماذا لم يعودوا خلال الألفين سنة الماضية؟”، تساءل البروفيسور ساند.