القنبلة الذرية – اللاغفران…اليورانيوم من فوقكم والبلوتونيوم من تحتكم.. في إنتظار إعادة البشرية إلى نقطة الصفر والتاريخ سيمنح اليابان ثأر مسح مدينتين أمريكيتين
عقب نجاح تجربة (ترينتي) في مشروع مانهاتن الذري راودت القيادة الأمريكية جبروتها بأنه لا بد من استخدام هذا السلاح لجملة من الغايات بعد كل هذا الإنفاق والجهد والصبر الطويل (كلفة مشروع مانهاتن في تقديرنا المعاصر وصلت إلى حدود 20 مليار دولار)، توفي الرئيس روزفلت في تلك الفترة واستلم الرئاسة المجرم هاري ترومان الذي قرر أن استخدام القنبلة صار جزءا حيويا من معالم الهيبة الأمريكية المزينة بالنسر الخالد وتقديم عرض قوة مجاني لبقية العالم المتبقي بعد الرماد، عدد كبير من فريق العلماء الذين اشتغلوا في المشروع كانوا يدركون تماما أن أمريكيا سوف تستخدم هذا السلاح ضد اليابان حتما فكان نزولهم إلى الشارع وتوقيعهم لعرائض ممانعة الضربة شيئا حيويا لما رأوه من هول ما فعلته التجربة .
بعد رحلة علمية لا بأس بها توضحت الصورة المطلوبة للحالة النووية ، إذا أردت صناعة قنبلة ذرية كالنموذج الأمريكي فهنالك خياران ، الأول هو ان تستخلص اليورانيوم 235 من صخور الأرض وتستمر في تخصيبه وتركيز نوعيته حتى تحصل على عشرات أو مئات الكيلوغرامات من هذا الفلز وبعدها يمكن استخدامه مباشرة في صناعة قنبلة ذرية سهلة التركيب وسريعة النتائج لكن الثمن هنا هو الوقت والكلفة والتجهيزات ، الطريقة الثانية هي مفاعل ذري يقصف اليورانيوم 238 بالنيترونات لتحويله الى البلوتونيوم 239 الانفجاري ثم يتم عزل هذا بالاذابة الكيميائية واستخلاصه تاليا والكلفة هنا أكبر ولكن النتائج أفضل وأسرع.
في السادس من آب من عام 1945 تحركت طائرة قاذفة تحمل في داخلها القنبلة الذرية الحربية الأولى ( الولد الصغير ) ، وهي عبارة عن تسمية استعلائية مرققة لملاك موت من الفولاذ يزن أربعة أطنان ويحمل في داخله ما يقارب 64 كيلو غرام من اليورانيوم ذي النظير 235 المركز بمستوى 80% ، كانت آلية التفجير بسيطة للغاية حيث وضعت شحنة من المتفجرات التقليدية أمام اسطوانة مجوفة من الفلز الفضي المستحضر من أحد وديان سقر وعند الانفجار فإنها تندفع بشدة نحو المقدمة بحيث تتلاقى مع كتلة اسطوانية مصمتة أخرى من نفس الفلز وتتحدان معا لتصلا إلى الكتلة الحرجة الانفجارية حيث ينطلق التفاعل المتسلسل تلقائيا في ظرف أجزاء من الثانية .
ad
تم تجهيز آلية التفجير كي يتم قدح الشحنة عند ارتفاع 600 مترا عن سطح الأرض لتوليد الموجة الانفجارية الكروية بأفضل انتشارية لها وتحقيق أعلى أذى ممكن .
عند حدوث الانفجار تولدت كرة نارية بقطر 370 مترا وتمددت باتساع مطرد ، درجة الحرارة المنتجة ليست سوى الجحيم بحد ذاته ، قتلت هذه القنبلة 140 ألف نسمة من الشعب الياباني في مجمل الجريمة ، هكذا مثل أعشاب خريفية تحرق في الفناء الخلفي للبيت دون ادنى إكتراث ، كانت القوة الانفجارية من فئة 14 كيلو طن ، بعد ثلاثة أيام من رفض اليابان الاستسلام تم دك مدينة ناكازاكي بالقنبلة الثانية ( الرجل السمين ) وهي بقوة 18 كيلو طن وتتألف من شحنة من البلوتونيوم تم تفجيرها بنفس طريقة تجربة مانهاتن ، تم قتل 80 ألف إنسان مباشرة ولو كانت الكثافة السكانية أعلى لكان عدد الضحايا أكبر بكثير .
قد يكون من الممكن في هذه الدنيا أن يموت الإنسان ميتة واحدة ممزقا أو محترقا او متسمما دون أي ذنب ، لكن أن يموت حرقا وتمزيقا وتسمما وإمتهانا ثم يتحول إلى رماد تذروه الرياح بلا قبر ولا مودعين فهذا ليس من العدل في شيء ، إنها جريمة واحدة تجمع كل جرائم ووحشية البشرية في حلة واحدة وهذا ما اقترفته الأيدي الأمريكية .
لم ترتكب الولايات المتحدة جريمتها من اجل إنهاء الحرب فقط ، لقد فعلت ذلك عدوانا وغطرسة وفرضا للقوة على العالم وفي جانب آخر نفذت الضربة كاختبار استراتيجي علمي سياسي ، لقد تمت دراسة تبعيات الجريمة بدقة كاملة وجمعت عينات وصور وسجلات دقيقة للمأساة عقب استسلام اليابان و كلها استخدمت كمدخلات وملاحظات علمية للتعرف على أبعاد جديدة للطاقة الذرية ، تم إرسال فرق المفتشين إياهم الذين يتوالدون عادة عقب حملات التركيع الأمريكي تماما كما فعلوا مع العراق المسكين لجمع الفتات وإحصاء الضحايا وعمل ملف كامل للمباهاة بفظائع القتل وجعل اليابان مضرب المثل في الصغارة والتأديب.
بناءا على الملاحظات الميدانية التي سجلت من جريمة اليابان تمكنت المذكورة من الانتباه للكثير من الحقائق والملاحظات الأولية التي يمكن أن تكون مدخلات بحثية تسليحية ومدنية في القادم من السنوات:
إن موضوع قذف أنوية العناصر بالنيترونات قد فتح الباب أمام علم جديد كامل أفاقه متعددة وواسعة وخلافا لخدمة الأغراض الحربية والردعية فقد كان حقلا علميا طبيا وصناعيا وسبقا للمعرفة ولأجله تم بناء المفاعلات و المسارعات الذرية المكلفة جدا وخصصت الخزينة الأمريكية مبلغا مهولا لهذه الغاية كمكافأة لهذا الفتح ، لقد توصلت الولايات المتحدة في السنوات الصاعدة إلى تحضير مضاد المادة وشخصت خصائصه والذي يمكنه أن يكون مادة الفناء للأرض ولا يتسع المجال للشرح حوله الان .
تم فتح الباب أمام تجارب الإندماج النووي الأشد فتكا من الانشطار النووي وصناعة القنبلة الهيدروجينية ذات البأس الشديد إنتشاءا وتعزيزا لنشوة الجريمة السابقة.
تم رصد الملاحظات المتعلقة بالتأثيرات الجوية للانفجار النووي وأخذت كدراسات لتصميم مشاريع بحثية حول أسلحة بمقدروها العبث بحالة الطقس أو التحكم بمساره .
تم اكتشاف التأثير الكهرومغناطيسي لكرة البلازما النووية الناجمة عن الانفجار وكيف يمكن لهذه السحابة أن تتسبب في عمل تحريض كهربائي في كل الأجسام المعدنية من حولها وبالتالي تعطل عمل أشباه الموصلات والدوائر الكهربائية .
تم تدشين عالم جديد من الاستخدامات العملية للطاقة النووية ، خلافا لمحطات توليد الكهرباء وكمثال يمتلك الجيش الأمريكي والروسي وغيرهم بطاريات ذرية ذات كثافة تيار عالية جدا تعمل لعشر أو عشرين سنة أو أكثر دون انقطاع ، يمكن صناعة غواصات وأليات تعمل بلا توقف لمدة عشر سنوات اعتمادا على كيلوغرامات من اليورانيوم او الثوريوم أو البلوتونيوم من خلال مفاعل بسيط ، نظير البلوتونيوم 238 يتوهج من تلقاء نفسه عند تحضيره لأن التفاعل الانشطاري فيه بطيء ويطلق حرارة تدوم لسنوات طويلة دون اية انفجارات وقد استخدم لتدفئة رواد الفضاء في مركباتهم دون اي وقود اضافي ، النظائر المشعة أثبتت نجاحا عاليا في مكافحة الأمراض ودراسة علم النبات ومجالات واسعة جدا.
نعود إلى السؤال الأساسي الذي تصدر رأس المقالة : ما هي أوجه الخطر في انفجار القنبلة النووية وما الويل الذي ذاقه سكان المدينتين الحزينتين ؟ لماذا يلهث العالم أنفاسه مع كل تهديد تطلقه روسيا أو الدول صاحبة هذه الأسلحة ؟
الخطر الأول في الانفجار النووي يتمثل في كمية الطاقة المتحررة قياسا للكتلة والحجم ، في داخل المتفجرات التقليدية المعروفة فإن مصدر الطاقة هو تفاعل كيميائي بمعنى أن هنالك نوع من تفاعل الاحتراق أو الأكسدة الذي يولد منتجات غازية تتمدد بقوة بفعل حرارة الانفجار مما يولد الضغط ثم الانفجار وهذه الطاقة محدودة نسبيا ، اذا اعتبرنا أن مادة TNT هي وحدة قياس معقولة فإن قنبلة هيروشيما تكافىء في فعلها المفعول الانفجاري ل 14 ألف طن من هذه المتفجرات ، قنبلة Tsar الروسية المعلن عنها تمتلك طاقة تفجيرية بقوة ميغا ألف طن وليس من السهل وصف كمية الجولات المتحررة من هكذا بلاء أشد فداحة ، لكن ما هو مصدر هذه الطاقة الهائلة إذا لم تكن تفاعلا كيميائيا ؟ الجواب هو طاقة الربط النووي الكامنة في النواة والمعادلة الرياضية التي تقدم التفسير السريع والفوري هي معادلة اينشتاين الشهيرة التي تربط بين الطاقة والمادة ، في داخل القنبلة الذرية الانشطارية أو الاندماجية يتحول قدر ضئيل من المادة الى طاقة زخمة ، ففي قنبلة هيروشميا مثلا كانت كتلة اليورانيوم 64 كغم تحول منها فقط أقل من غرام إلى طاقة خالصة سببت كل ذلك الدمار ، إن الطاقة الأكبر تعني سعة ومساحة تدميرية واسعة جدا من الصعب أن يفلت منها شيء ، لا بشر ولا حيوان ولا نبات ولا بنية تحتية .
عند حدوث الانفجار النووي تتشكل كرة اللهب التي تتحول تابعا إلى شكل فطر المشروم الشهير ، هذه الكرة المرعبة من النار ليست إلا غازات ومواد في حالة البلازما ( أي أنها تفككت إلى أيونات والكترونات من شدة التسخين ) درجة الحرارة هنا عالية جدا تترواح ما بين مليون الى نصف مليون درجة مئوية ، مثل هذه الدرجة كفيلة بحرق كل شيء في قطر عريض ، في حالة قنبلة هيروشميا كانت دائرة الحرق بقطر 3 كيلومترات ومن يقع أبعد من ذلك يتعرض للشواء والحروق الشديدة والعمى المباشر من الوميض والإشعاع الحراري ، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهذه الكرة النارية تشع خلافا للحرارة أشعة إكس وأشعة فوق بنفسجية وأشعة جاما القاتلة خلافا لجسيمات ألفا وجسيمات النيوترونات والمقادير المباشرة والقريبة من التفجير تكون مهلكة فورا ، الأمر يشبه وضع هؤلاء البشر جميعا داخل حجرة ميكروويف عملاق وتشغيل الأشعة عليهم ، لقد رصدت لجان التحقيق العلمي في كارثة هيروشيما ظاهرة الظل المحترق ، وهي عبارة عن آثار على الجدران تدل على التفحم والتطاير الفوري لأفراد كانوا قريبين من مركز الكرة الناري .
الخطر الأكبر من الانفجار والرعب الملموس الذي يحضر بعد ثوان هو ما يعرف بإسم الموجة الانفجارية أو موجة الصدمة ، ولتوضيح هذا المفهوم ركزوا معي جيدا : عند حدوث الانفجار في أي سيناريو انفجاري فإن مركز الانفجار يحرر غازات لاهبة مضغوطة بشدة تتسع بشكل كروي مجسم ، هذه الغازات بمجرد خروجها من الحاوية المتفجرة تعمل على التصادم مع الهواء من حولها وتعمل على رص جزيئاته بسرعة خارقة وكأنها تشكل فقاعة هوائية عالية الكثافة وسماكتها لا تتعدى ملمترات ، هذه الطبقة الرقيقة جدا من الهواء تتمتع بكثافة عالية جدا وتتصرف وكأنها جدار فولاذي بمعنى الكلمة ، هذه ( القشرة ) الهوائية تتمتع بميزتين قاتلتين ومدمرتين ، الأولى هي سرعة الحركة الكبيرة جدا الأسرع من الصوت ، والثانية هي الضغط والتراص المرتفع جدا الذي يفوق الضغط الجوي بمئات أو الاف المرات ، إن هذه الطبقة الهوائية الكروية التي تكتسح كل شيء وتتضخم بسرعة عالية تمسح كل شيء في طريقها وكأنها منجل يقص كل ما يعترضه بلا رحمة ، كثير من القذائف الصاروخية التي كانت اسرائيل المجرمة تلقيها على الأبرياء في غزة كانت تسبب الوفيات للأفراد ليس بسبب الشظايا او اللهب بل بسبب التمزق الداخلي للأنسجة اللينة بفعل الموجة الصدمية الانفجارية ، واذا كنت بعيدا عنها لمسافة أكبر فعلى الأغلب لن تنجو بسهولة لأن هذه الموجة ستسبب إقحاما قسريا للهواء داخل الرئتين مما يفجر كل الحويصلات الرئوية ويحول الرئتين الى ثريد دموي ويعرف الأطباء هذه الظاهرة بإسم تفجر الرئتين ( معظم اطفال ونساء القصف في غزة يحدث لهم هذا الأمر من تمزق النسيج الرئوي وتمزق طبلة الاذن بسبب الموجة الصادمة ) ، إذا لامست الموجة الانفجارية المخففة سطح جلدك فإنها تسفع البشرة وتسبب كدمات دموية ولطخات من التمزق الشعيري الدموي وكان ملاكما ضخما سدد إليك لكمة ، في حالة الموجة الانفجارية القادمة عن الانفجار الذري فالأثر هنا مضاعف ملايين المرات والطاقة المحمولة في الموجة الانفجارية فاقدة لعقلها تمسح البنايات وتقصم أساسات المنشآت الاسمنتية والشجر وتجرف كل الطبقة السطحية من التربة وتنسفها نسفا ، إنها عبارة عن مكنسة ماحقة لا يسلم شيء في طريقها الممتد بضعة كيلومترات حيث تنخفض الطاقة بعد ذلك.
الكارثة الأخرى المصاحبة للموجة الانفجارية هي الحمولة التي تستولي عليها في طريقها وتحملها بمعية حركتها ، هذه الحمولة مؤلفة من التراب والحصى والاغصان والشظايا والفتات من أي شيء ، هذه الحمولة عبارة عن قذائف صغيرة قاتلة مزودة بطاقة ميكانيكية تؤهلها لإختراق الجسد البشري بكل سهولة وحتى جدران المنازل والزجاج ، إن أثر هذه الحمولة يمتد عن مركز الانفجار لبضعة كيلومترات وتكون مسؤولة عن عدد كبير من الضحايا الذين مزقت أجسادهم حبات الرمل وألياف خشبية بسيطة .
الكارثة الخامسة التي تظهر بشكل عاجل ثم آجل هي المخلفات المشعة الناجمة عن الانفجار والتي يتم ابتلاعها او تنفسها او لمسها قسرا في كامل المساحة الملوثة ، كما ذكرنا فإن كمية اليورانيوم في قنبلة هيروشيما التي تحولت الى طاقة هي أقل من غرام واحد وباقي كمية اليورانيوم (64) كغم تحولت الى غبار ذري ونظائر قاتلة توزع على كل المدينة إضافة إلى جسيمات النيوترونات والنظائر المشعة المباشرة ونفس الأمر ينطبق على شحنة البلوتونيوم ، كل من تعرض لهذه المواد عن قرب فإنه يذوق عذابا مريرا من التسمم الإشعاعي وانهيار كل أنظمة جسمه عن العمل وفقدان فاعلية الجهاز المناعي ويكون الموت هو المصير المحتوم خلال أيام قليلة ( نذكركم كمثال بقصة اغتيال الرئيس ياسر عرفات من خلال جرعة ميكروية من عنصر البولونيوم المشع ورحلة العذاب التي قضاها في أيامه الأخيرة بسبب التسمم الإشعاعي ) العذاب الحقيقي طويل المدى يكون من نصيب من بقي على قيد الحياة من تنفس واجتراع الدقائق المشعة بكميات أصغر حيث يصاب الجسد بالوهن وسرطان الدم والأخطر من ذلك هو التشوه الوراثي الممتد لسنوات طويلة بسبب التأثر بإشعاعات جاما المسببة للتحور في الحامض النووي للبشر ، إن سجل الآلام الخاص بالشعب الياباني في هذا الجانب لتدمع له العين ويدرك العقل مدى فداحة الجريمة الأمريكية ناهيكم عن تسمم التربة والمياه الجوفية والنسيج النباتي لمئات السنين من هذه المصائب .
إن القنبلة الذرية ليست إلا الشر المطلق بحق الإنسانية ، إنها تكديس للجريمة والخراب وإنتهاء الحياة وبؤس البشرية في عبوة واحدة لا يقدمها سوى الشيطان بنفسه للإنسان لقتل أخيه الإنسان ، إنها محرقة لا يقترفها إلا عدو للبشر وخطيئة كبرى لا يمحوها التاريخ أبدا .
هنالك عبر وحقائق لا بد من ذكرها تماشيا مع حق التاريخ في ثأره وغلبته لأن التاريخ لا يمكن إلا أن يكون عادلا وحكيما وقاسيا أيضا ، هنالك حقائق لا يمكن إلا أن تكون صحيحة على الرغم من هولها ورعبها رغما عنا ، هنالك عبارات من الصعب على الجوف أن يبتلعها لأنها مثل الشوك يجب أن تقال :
إن صناعة الأسلحة الذرية ليست صعبة ولا هي بالمعجزة ، المسألة هي كلف وتجهيزات ومعامل محضرة وخبراء ، يكفي الحصول على العناصر المشعة وتحضيرها للوصول إلى غايات عسكرية عالية جدا ، يمكن للدول الأقل حظا أن تصنع القنبلة النيوترونية والكوبالت والقنبلة الملوثة dirty bomb المخصصة لإثارة الرعب .
كانت الولايات المتحدة تعتقد ان الضربة التأديبية لليابان ستجعل هذا العالم يخر صاغرا بين يديها وعابدا مسبحا من خوفها وبحمدها ولكنها خلقت من حيث هي اقترفت جريمة فريدة من نوعها كابوسا مخصصا لها وذلك بانها أدخلت العالم بأكمله في سباق تسلح نووي لا يرحم وصنعت لنفسها عدوا جديدا لا يفهم سوى لغة واحدة وهي بأن هذا البلد لا يفله إلا قنبلة ذرية بعيار أقوى مما هو يمتلك وبعدد أكبر مما يخزن فكانت روسيا اليوم تتربع على اكبر تسليح نووي بمقدوره أن يهدم ظاهرة الحياة على كوكب الأرض .
إن جميع أصناف وأنواع الأسلحة الذرية هي جريمة بحق الانسانية مهما كانت ذريعتها وحجتها وإن كان هنالك من عدالة مؤجلة ستكون يوما ما في هذا العالم فيتوجب ان تقضي بإزالة وحظر هذا النوع من التسليح حظرا تاما .
بما أن اتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية هي أضحوكة وأكذوبة أخرى لا تختلف عن اكاذيب الحريات والديموقراطية الأمريكية فمن حق الدول ان تمتلك السلاح النووي كسلاح رادع في ظل غياب عدالة هذا العالم وسياسات القوى الكبرى وهذا لا يتعارض أبدا مع النظرة في النقطة السابقة ما دامت فكرة الحظر الكلي غير واردة ، من غير المعقول تطبيق فكرة الزعرنة العالمية على العراق و ايران لمحاولتها الحصول على الطاقة النووية السلمية واحتكار ذلك على عصابة الفلك الصهيو-أمريكي ، من غير العدالة ترك الشعوب العربية والعالمية تحت رحمة وجبروت الزعرنة الأمريكية.
إن كان هنالك من أكذوبة لأسلحة الدمار الشامل التي تم تدمير العراق بسببها فهي تنطبق و تتعلق أولا وأخيرا بالولايات المتحدة التي تسببت بدمار شامل لكل موضع تدخلت فيه ولأجل أسبقيتها في استخدام السلاح النووي في اليابان فهي إذا المهدد للسلم العالمي .
إن الشعب الياباني لا يمكن أن يسامح أو يغفر للولايات المتحدة جريمتها مهما طال الزمان ودارت السنوات ولن نستغرب أبدا ان تاريخا ما في يوم ما سيسجل مسح ولايتين او أكثر من الولايات الأمريكية على يد اليابانيين بنفس الطريقة ونفس السيناريو كرد فعل تاريخي على تلك الجرائم التي لا تغتفر .
إن النظرة التي تنبأ بها اينشتاين عندما قال بأن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة هي نظرة صحيحة بالمطلق لأن هذا المجتمع العالمي المصاب بالسعار وجنون العظمة والقتل وإراقة الدماء لن يقتنع ولن يهدأ باله حتى يذوق وبال أمره على يد هذه الأسلحة الفتاكة .
إن الحرب التي تدور رحاها الان بوتيرة تصاعدية وجر روسيا فيها نحو التصعيد رغما عنها تتحمل وزرها الولايات المتحدة امام التاريخ والعالم بشكل لا ريب فيه ، وإن كانت تهديدات الرئيس بوتين مقلقة وفي غير محلها لكن من اختبر وجرب السياسات الأمريكية يفهم أن هؤلاء لا يليق بهم سوى لغة القوة المضاعفة .
إن أية ضربة نووية من العيار الثقيل لا تعني ان الموضع المصاب هو الذي سوف يعاني وحده ، بما أننا مشتركون في غلاف جوي واحد ومساحة مائية مشتركة وسطح أرضي واحد فمسألة النقل هي مسألة وقت ، ومسألة التلوث الإشعاعي وتخريب نظم الطقس وتدمير موارد الكوكب هي مسألة وقت ، ومسألة قتل وإزهاق الروح البشرية في مكان لن ترحم مكانا آخر مهما طال الزمان .
إن عدد وحجوم الأسلحة النووية التي تتوزع بين مراكز القوى ليست ذات أهمية في الحقيقة ، لن يكون هنالك من فرق بين أن تمتلك ألف رأس نووي أو مائة لأن العبرة في المكان والزمان للضربة الأولى دائما وأبدا ، وفي حال اندلعت مثل هذه الحرب النووية فلا معنى لأي تهدأة او سلام أو حياة على كوكب سيتعرض لخراب ويعيش سكانه في الجحور مثل الفئران ويقتاتون شبه طعام بعد أن كانوا يعيشون في الجنة .
إن هذا الموضوع وتفرعاته يتطلب حزمة من مقالات لمنحه الحق المعقول من الشرح والتوضيح وقد اختصرت كثيرا مما كان في بالي لشرحه لأنني أعلم أنني أثقلت على القارىء الكريم .
إن عظمة الإسلام ورحمته وقيمه ونظرته للحياة هي المستدعاة في هكذا موقف حيث حرم الإسلام قتل النفس أو قطع الشجرة او الإعتداء على كرامة الإنسان وهذه هي الثقافة الحياتية التي سيعود لها العالم مرغما ذات يوم إنقاذا وشفاءا من بؤسه وعذابه