هل “البريكس” تخطت مجموعة السبع وفقاً لآخر البيانات والأرقام الاقتصادية؟ وهل ستنضم اليها المكسيك قريبا وتوجه ضربة قوية لامريكا.. تساؤلات حول تحول القوة الاقتصادية والجيوسياسية في العالم؟
ازداد في الآونة الأخيرة الاهتمام بمجموعة “البريكس”، التي تضم 19 دولة وتلعب دورًا حيويًا في اقتصاداتها، وتعتبر “البريكس” منافسًا قويًا لمجموعة السبع ومؤسسات النقد العالمية الرئيسية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
في الوقت الحالي، تحتل مجموعة “البريكس” موقعًا مهمًا في المشهد العالمي، حيث تتمتع الدول الأعضاء بقوة اقتصادية ونفوذ دولي متزايد، تعزز المجموعة التعاون والتبادل التجاري بين دولها الأعضاء، وتسعى لزيادة صوتها وتأثيرها في الشؤون العالمية.
تتعرض مجموعة “البريكس” لتحديات في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء، ولكنها تعد بديلاً قويًا للنظام الاقتصادي العالمي التقليدي.
ad
وبحسب أحدث البيانات المنتشرة، يُشير التقييم الاقتصادي إلى تفوق مجموعة “البريكس” على مجموعة السبع، حيث تضم المجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتعد تلك الدول الأعضاء قوى اقتصادية ناشئة تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي، و في المقابل، تتألف مجموعة الدول الصناعية السبع من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
من المعروف أن مجموعة “البريكس” تشهد توسعًا مستمرًا، حيث انضمت بنغلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة إلى بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة “البريكس”، وهناك عدة دول أخرى تستعد للانضمام أيضًا. هذا التحول يؤكد نمو قوة وتأثير مجموعة “البريكس” في الساحة العالمية، وقد يشكل تحديًا لمجموعة السبع في المستقبل.
وظهرت مؤشرات تنذر بتطورات هامة حول مستقبل “البريكس”، وهو احتمالية انضمام المكسيك اليها، التي تشكل جزءًا كبيرًا من الكتلة التجارية لأمريكا الشمالية (CUSMA)، هذا الانضمام المحتمل سيكون بمثابة تحدي مباشر للعلاقات بين المكسيك والولايات المتحدة، ويُعتبر إشارة إلى الشكوك المتزايدة بشأن قدرة الولايات المتحدة على المنافسة التجارية العادلة والمتساوية مع الاقتصادات العالمية على الحدود الأمريكية.
في الوقت الحالي، تساهم دول “البريكس” الخمس في حوالي 31.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما تنخفض حصة مجموعة الدول السبع إلى 30٪. ومن المتوقع أن تتجاوز دول “البريكس” حاجز 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، وسيعزز التوسع المقترح هذا الهدف بشكل قوي.
وفي السابق، قبل 30 عامًا، كانت مجموعة السبع أكبر بمقدار 2.5 مرة من دول “البريكس” من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن البيانات الحالية تشير إلى أن دول “البريكس” قد تفوقت على الدول الاستعمارية السابقة في مجموعة السبع.
بالفعل، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره في الولايات المتحدة في عام 2015 عندما تم مقارنة الاقتصادات بمعيار تعادل الشراء.
من ناحية أخرى لا تقتصر اهتمامات دول “البريكس” على التجارة فحسب، بل تتجذر أيضًا في الاعتقاد السياسي بأن العالم يجب أن يكون متعدد الأقطاب.
مجموعة “البريكس” تشجع لفكرة تواجد نظام عالمي يضم عدة أقطاب سياسية واقتصادية، ويتم فيه ضمان مصالحها بشكل أفضل من خلال توازن القوى وتعدد الشركاء، بدلاً من النظام الأحادي القطب الذي تهيمن فيه الولايات المتحدة.
و في عام 2021 كان لدول “البريكس” دور فعّال في تعزيز وإصلاح النظام العالمي متعدد الأطراف، حيث اعتمدت بيانًا مشتركًا يهدف إلى تعزيز النظام العالمي وإصلاحه.
ومن بين الجوانب التي دعت إليها هذا البيان كانت الحاجة لإصلاح نظام مجلس الأمن الحالي في الأمم المتحدة ليكون أكثر تمثيلية ومواءمة مع الواقع العالمي الحالي. كما تناول البيان العديد من القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك لدول “البريكس”.
وفقًا للبيانات الاقتصادية، يُشير إلى أن الصين تتفوق بشكل خاص في الناتج المحلي الإجمالي لديها، حيث يعادل الناتج المحلي الإجمالي للصين مجموعة من الدول في مجموعة السبع، بما في ذلك ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وكندا.
حيث تعكس هذه البيانات النجاح الاقتصادي البارز لدول “البريكس”، وتشير إلى أن للصين دورًا رئيسيًا في تحقيق هذا النجاح بفضل حجم اقتصادها الكبير ضمن مجموعة البريكس. إن اقتصاد الصين القوي يعزز مكانة البريكس” كمجموعة قوية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي يتزايد بشكل ملحوظ.
ومع ذلك، يجب ملاحظة أن تفوق الصين اقتصاديًا لا يعني بالضرورة أنها قد تجاوزت تمامًا مجموعة السبع في جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية. مجموعة السبع لا تزال تحتفظ بتأثيرها ودورها الهام في العلاقات الدولية والتجارة العالمية.
تتجاوز قيمة الصين تجارتها مع ثلاثة من أربع دول محتملة في مجموعة “البريكس” 100 مليار دولار أمريكي، وتصل مبيعاتها إلى 416 مليار دولار أمريكي. بالفعل، تمثل تجارة الصين وحدها أكثر من 90٪ من قيمة التجارة الإجمالية لدول “البريكس” بالنظر إلى القيمة الدولارية. يُعزى ذلك إلى الهيمنة الاقتصادية للصين ومعدل النمو المذهل الذي تحققه.
وفقًا للحكومة الصينية، سجلت التجارة الخارجية بين الصين ودول البريكس نموًا قدره 12.1٪ على أساس سنوي في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، وبلغت قيمتها حوالي 195.71 مليار دولار أمريكي. يعتبر هذا المعدل أعلى من معدل النمو الإجمالي للصين في التجارة الخارجية بنسبة 3.8 نقطة مئوية خلال نفس الفترة.
وتلعب روسيا أيضًا دورا مهماً نشطاً داخل مجموعة “البريكس” وخارجها، حيث بلغ حجم مبيعاتها حوالي 164 مليار دولار أمريكي. يمكن تفسير ذلك بواسطة حقيقة أن دول “البريكس” هي مجموعة تعتمد بشكل كبير على الطاقة، حيث يشكل سكانها أكثر من 40٪ من سكان العالم. وبالتالي، فإن مصدري الطاقة الصافية لديهم موقف قوي. وتستند قوة روسيا بشكل خاص كمنتج للطاقة لدول “البريكس”.
أما بالنسبة للهند قد سجلت تجارتها قيمة 142 مليار دولار أمريكي بين دول “البريكس”. و تتمتع الهند بتوازن أكثر في نتائج التجارة بين الدول الأعضاء، حيث يتم التداول بشكل متساوٍ مع جميع الأعضاء باستثناء الصين وجنوب إفريقيا، وخاصة بالنسبة للأعضاء الذين لديهم جالية هندية كبيرة.
والبرازيل من الملاحظ أن تجارتها البينية تتجه نحو آسيا، وخاصة الصين والهند، بدلاً من التجارة مع إفريقيا أو روسيا، هذا التحول قد يشير إلى أهمية آسيا في العلاقات الاقتصادية للبرازيل ويعكس الدور المهم الذي تلعبه الصين بصفة خاصة. وهذا يعني أن آسيا تشكل سوقًا مهمًا للمنتجات البرازيلية، وقد يعكس أيضًا التحول في التوجه الاقتصادي والتجاري للبرازيل نحو الأسواق الناشئة والقوى الاقتصادية الصاعدة في آسيا.
ويُلاحظ أن هناك تجارة نشطة بين جنوب إفريقيا ودول “البريكس” الأخرى. على الرغم من أن الاقتصاد الجنوب أفريقي يُعتبر أصغر حجمًا بين شركاء “البريكس”، إلا أن التجارة بين الهند وجنوب إفريقيا والصين وجنوب إفريقيا تتجاوز التجارة بين الهند وروسيا أو روسيا والبرازيل، وهذا يُشير إلى وجود علاقات اقتصادية مهمة بين جنوب إفريقيا وباقي شركاء “البريكس”. يُعكس هذا التوجه القوي للتجارة تفضيل جنوب إفريقيا لتعزيز العلاقات مع دول “البريكس” والاستفادة من فرص التجارة والاستثمار المتاحة في هذه الدول.
وفي النهاية وفقًا لجوزيف دبليو سوليفان، الخبير الاقتصادي السابق في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعتبر إنشاء عملة بريكس جديدة تهديدًا لهيمنة الدولار الأمريكي وقد يسهم في تحول النظام العالمي. وقد أشار أيضًا إلى جهود روسيا في تطوير عملة جديدة ستُستخدم للتجارة بين دول “البريكس”، وتشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
يُعتقد أن إنشاء عملة بريكس الجديدة قد يشكل تحديًا للدولار الأمريكي كعملة احتياطية وقد يُهز مكانته كعملة عالمية قوية. من المتوقع أن يكون هذا الموضوع جزءًا من جدول أعمال القمة المقبلة لدول “البريكس” في جوهانسبرغ. تلك الخطوة قد تعكس رغبة بعض الدول في تحقيق الاستقلالية والتخلي عن الاعتماد الشديد على الدولار الأمريكي في العلاقات التجارية والمالية الدولية.
في الختام ، يظهر تفوق دول “البريكس” على مجموعة السبع في العديد من المؤشرات الاقتصادية الهامة، هذا التفوق يثير التساؤلات حول تحول القوة الاقتصادية والجيوسياسية في العالم؟ هل نحن على وشك رؤية تحولات هائلة في النظام الاقتصادي العالمي؟ هل ستتراجع هيمنة الدول الغربية التقليدية وتستعيد الدول الناشئة مكانتها العالمية؟
قد تفتح هذه النتائج الباب أمام التساؤلات حول مستقبل العملات الاحتياطية ودور الدولار الأميركي كعملة عالمية قوية. هل يمكن أن تنشأ عملة بريكس جديدة تشكل تحديًا للدولار الأميركي وتهز مكانته؟ هل سيتم تعديل نظام العلاقات الاقتصادية العالمية بشكل جذري؟
إن هذه التطورات المثيرة تدعونا لمتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بعناية ومراقبة تحولات القوى الاقتصادية.