معركة سيف القدس وتآكل قوة الردع "الإسرائيلية"
تنظر "إسرائيل" إلى الردع كأحد أدوات جيشها في مواجهة الخطر المحيط بها، ومحاولةً لرفع
المعنوية القتالية للجيش الإسرائيلي ولذلك تقوم بعمليات عسكرية هدفها القتل، وهذا متأصل في
الفكر الصهيوني، حيث يعد الإرهاب والقتل أحد ركائز الفكر الصهيوني، حيث أشاد زعماء الحركة
الصهيونية بفكرة الإرهاب وطالبوا بممارسته من أجل تحقيق المشروع الصهيوني، فهرتزل دعا إلى
استخدام السلاح، وممارسة العنف الجماعي من أجل إقامة "دولة يهودية"، وحاييم وايزمان رأى
ضرورة اللجوء إلى العنف والإرهاب كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي "اليهودي"، وشدد
بن غوريون على ضرورة بناء "القوة اليهودية"؛ لأنها العامل الذي سوف يقرر مصير اليهود،
وتحديد نتيجة الصراع في فلسطين.
فغولدا ﻤﺎﺌﻴﺭ ﺒﻌﺩ ﺼﺩﻭﺭ ﻗﺭﺍﺭ التقسيم عام 1947م ﺴﺎﻓﺭﺕ ﺇلى الولايات المتحدﺓ الأمريكية ﻭﺫلك
ﺒﻐﺭﺽ ﺠﻤﻊ ﺍﻷﻤﻭﺍل ﻹﻨﺸﺎء ﺠﻴﺵ لليهوﺩ ﻓﻲ ﺍلمنطقة، ﻭﻗﺩ ﺍﺴﺘﻁﺎﻋﺕ ﺠﻤﻊ ﻤﺒﻠﻎ 50 ﻤﻠﻴﻭﻥ ﺩﻭﻻﺭ ﻤﻥ
ﻫﻨﺎﻙ ﻭﻫﻭ ﺒﺎلطبع ﻤﺒﻠﻎ ﻴﻔﻭﻕ ثلاثة ﺃﻀﻌﺎﻑ ﺠﻤﻴﻊ مدخولات ﺍلبترول للمملكة العربية السعودية لسنة
1947م، ﻭﻗﺩ ﺭﺼﺩﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻷﻤﻭﺍل ﺍلتي ﺠﻤﻌﺘﻬﺎ لشراء ﺍلسلاح؛ وتحقيق التفوق العسكري، وبالتالي
تحقيق قوة الردع في المنطقة .
أخذ مفهوم الأمن لدى "إسرائيل" تفسيرات متعددة عبر حقب زمنية متعاقبة, وذلك حسب تطور
الأوضاع في المنطقة ووضع "إسرائيل" ذاتها, فعند قيامها كان مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي
يهدف الى تثبيت وجودها في المنطقة, وفي مرحلة لاحقة تضمن مفهومها الأمني اعتماد إستراتيجية
الردع والحفاظ على التفوق العسكري, إضافةً للارتكاز على مبدأ الحرب الوقائية والهجوم المسبق،
ورغم حالة الثبات النسبي التي تميز بها الردع الإسرائيلي في ضوء التطورات الإقليمية والدولية, إلا
أن القدرة على الحفاظ على مصداقيته وهيبته أصبحت أكثر صعوبة, مثله في ذلك مثل مرتكزات أمنية
أخرى تراجعت المقدرة على تطبيقها, كنقل الحرب لأرض العدو والعمق الاستراتيجي وقدرة القوات
الإسرائيلية على تحقيق الحسم في معاركها. فهناك علاقة ترابط وتكامل بين عناصر المرتكزات
الأمنية الإسرائيلية, ففي حين يضعف أحدهما يأتي الآخر ليعززه, فالردع حينما يكون ضعيفاً تأتي
الحرب الإستباقية لتعزيزه وحين تنجح الثانية في تحقيق أهدافها فهي تعمل على تعزيز قوة الردع,
"فإسرائيل" تستخدم الحرب لتحقيق الردع ولا تستخدم الردع لمنع الحرب بل لتأجيلها لفترة محدودة
فقط, وأيضاً تستخدم الحروب لتحقيق أهداف سياسية.
وكان تهجير الفلسطينيين من أرضهم جزءاً من إستراتيجية المنظمات الصهيونية، التي اتفقت
أهدافها على طرد السكان الأصليين من أجل بناء دولة لليهود، وقد اتبعت أبشع الأساليب الإرهابية
لدفع السكان لترك أراضيهم، وقامت بارتكاب العديد من المجازر بهدف بث الرعب في قلوبهم، مما
دفعهم إلى الفرار والنجاة بأرواحهم، واقترف الصهاينة عشرات المجازر لكي يتحقق لهم الاستيلاء
على فلسطين، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وكان من أشهرها مذبحة دير ياسين
في 1948/4/9م التي اعترف الصهاينة أنفسهم بقتلهم وذبحهم 254رجلاً وامرأةً وطفلاً، وعبر
الإرهابي ميناحيم بيجين عن تأثير مذبحة دير ياسين بقوله: "أن قوة هذه المجزرة قدمت "
لإسرائيل" من النفع ما يعادل فائدة ست فرق عسكرية فقد أصبحت القرى العربية خالية من البشر
من الخوف والرعب دون قتال".
كما وكان الاستيطان من أهم الوسائل لتعزيز قوة الردع الصهيونية والحفاظ على أمنهم، قال زئيف
جابوتنسكي: "الصهيونية تعني الاستيطان، وهي تحيا وتموت مع القوة المسلحة للاستيلاء على
الأرض"، بهذه العبارة اختزل جابوتنسكي، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية في الثلث الأخير من
القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واحداً من أبرز معالم أيديولوجيا الحركة الصهيونية، بل
يعد ركيزتها الأساسية، ومحرك ممارساتها، القائم على الاستيطان والاستيلاء على الأرض، كونه
مشروع حياة لهذه الأيديولوجيا يتغذى على الخرافة التوراتية والقوة المسلحة، ولذا أدرك القادة
الصهاينة أهمية جعل الاستيطان وسيلة لحفظ أمنهم، يقول بن غوريون: "علينا أن نتخذ من
العمليات العسكرية أساساً للاستيطان وواقعاً يجبر الجميع على الرضوخ له والانحناء أمامه"، بينما
اعتبر موشي ديان في عام 1956م "أن جيله هو من المستوطنين لن يستطيع أن يزرع شجرة أو أن
يبني بدون الخوذة الفولاذية"
إن نظرية الردع الإسرائيلية تعتمد دائماً وأبدأ على الافتراض بأن نصراً إسرائيلياً جلياً في كل مجابهة
عسكرية مع العرب, يؤدي ليس فقط لإنهاء الحرب, بل يساهم أيضا في إقناع العرب بعقم الخيار
العسكري, فقد فضلت "إسرائيل" ممارسة سياسة الردع تجاه الدول العربية والفصائل الفلسطينية
كبديل عن سياسة الحرب بمفهومها الشامل, لذلك استخدمت نوعين من الردع وهما الردع العام
والردع الخاص المحدود, فقد ركز الردع العام الإسرائيلي على مفهوم إظهار ملكية "إسرائيل" للقوة
الفائقة وظلت "إسرائيل" تردد القول "أن بإمكان العرب اختيار وقت الحرب بينما نحن الذين نقرر
مجالها ونطاقها", وقد أريد بذلك توصيل رسالة إلي الدول العربية بأن لا تبادر الى الحرب لأن "
إسرائيل" ستلحق بهم هزيمة يفوق ثمن الذهاب الى الحرب ثمن أية فوائد قد تجنيها من ورائها.
وأثبتت الحروب الأخيرة التي خاضتها "إسرائيل في كل من لبنان وغزة, أن ثمة تراجع ملحوظ في
قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وفق الأسلوب القديم القاضي بتدمير قوات الخصم
واحتلال أرضه، وقد تبنت "إسرائيل" في الألفية الجديدة عقيدة عسكرية جديدة مستوحاة من العقيدة
الأمريكية في حربها على العراق عام 2003م, وهي تعتمد على الصدمة والرعب وترتكز على الحسم
والردع, باستخدام قوة نيرانية هائلة بكافة الأسلحة مرة واحدة وبشكل مفاجئ مع سرعة حسم
المعركة بقوة, ومن دون النظر للرأي العام العالمي, لأن كل شيء مباح بالحرب أسوة بالحليف
الاستراتيجي الأمريكي وما فعله بالعراق, ومظاهر حروب القرن الحادي والعشرين بالعالم, وهذه
كانت سمات الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز 2006م , وعلى غزة 2008م-2009م،
و 2012م، و2014م على التوالي, والذي اجتمع في هذه الحروب الأربعة هو هدف إسرائيلي رئيسي
تمثل بمحاولة ترميم قدرة الردع الإسرائيلي وإعادة هيبة الجيش الإسرائيلي إزاء اللبنانيين
والفلسطينيين، فلقد حددت "إسرائيل" منذ البداية أهدافها وتتمثل ب:
تعزيز قدرة الردع الإسرائيلية، وتوجيه ضربة قاصمة لنشطاء الفصائل الفلسطينية للحد من قدرتهم
على إطلاق الصواريخ، وتقليص عدد الهجمات على الجبهة الخلفية الإسرائيلية وإضعاف الحركة
الإسلامية والوطنية الفلسطينية.
فالعدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2008/2009م (الرصاص المصبوب) استمر حوالي 23 يوماً،
حيث أعلنت "إسرائيل" وقفاً أحادياً لإطلاق النار يوم الأحد 18/1/2009م، وسحبت قواتها المتوغلة
في القطاع خلال ثلاثة أيام بعد ذلك التاريخ، وضمن إحصائيات المواجهة مع قوات الاحتلال
الإسرائيلي أكدت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أنها تمكنت من إطلاق980
صاروخًا وقذيفة هاون، كما أكدت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أنها تمكنت
من إطلاق 235 صاروخًا وقذيفة هاون باتجاه المواقع والتجمعات والمستوطنات الصهيونية.
وشنت "إسرائيل" عدوانها (عامود السحاب) يوم 14 نوفمبر 2012م على غزة في ظروف غير
نموذجية، ورغم التهديدات الإسرائيلية لفصائل المقاومة وتحذيرهم بإطلاق الصواريخ باتجاه تل
أبيب وكذلك إلي مناطق المدن الإسرائيلية مثل غوش دان والخضيرة، إلا أن المقاومة أطلقت
صواريخها باتجاه تل أبيب في 15/11/2012م وباتجاه القدس في اليوم الخامس من الحرب، وقد تم
إطلاق الصواريخ على كلا المدينتين ثلاث مرات وهو ما أثار الرعب لدى سكان المدن الإسرائيلية،
حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية 1731 صاروخاً من غزة استهدفت مستعمرات الجنوب المحيطة
بالقطاع، بالإضافة إلى تل أبيب والقدس.
وجاء العدوان الإسرائيلي (عملية الجرف الصامد) مع بداية يوليو2014م واستمرت 51 يوماً،
وانطلقت مثل كل حروب وحملات "إسرائيل" لسبب نفسه وهو أن الردع الإسرائيلي الذي أرادات "
إسرائيل" فرضه بالتهديد أو بالعمليات قد انهار، ولذلك سعت من حملة الجرف الصامد إعادة ترميم
قوة الردع الإسرائيلي الذي لم يتحقق، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية 4500 صاروخا باتجاه
البلدات والمدن الإسرائيلية، ومطار بن غوريون الدولي.
وبالتالي هناك تراجع في آلية الردع وهناك مطالبة بإضافة عقيدة جديدة للجيش الإسرائيلي وهي
عقيدة الدفاع، وهي التي تم وضعها بعد انتهاء عدوان 2014م على قطاع غزة، والتي تتلخص في أن
مبدأ الدفاع لم يكن ضمن العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي، إلا أنه أصبح جزءاً من العقيدة القتالية،
إضافة إلى ذلك إتباعها أحد نظريات الردع وهي نظرية جز العشب: ومفادها تكرار الحرب كلما بدا أن
العشب ينمو, بمعني كلما زادت قدرات المقاومة القتالية وترسانتها, تقوم إسرائيل بشن حرب عليها
للقضاء على ترسانتها والتقليل من خطرها، فإسرائيل باتت لا تؤمن بأن الحرب الشاملة تحقق لها
أهدافها وأصبحت تؤمن بمبدأ قضم قوة خصومها وأعدائها من خلال عمليات استهداف إستراتيجي.
واستطاعت المقاومة الفلسطينية في معركة (حارس الأسوار) سيف القدس بتاريخ 11/ 5/ 2021م
وخلال أحد عشر يوماً أن تضرب قوة الردع الإسرائيلية في مقتل، حيث حققت ما تصبو إليه من
تحقيق النصر على الاحتلال الإسرائيلي وذلك من خلال:
أولاً/ نقل المعركة إلى أرض العدو:
اعتمدت مفاهيم الأمن الإسرائيلي على نقل المعركة إلى أرض العدو والحرب الإستباقية والردع
والحدود الآمنة, إلا أن أياً من هذه المفاهيم لم تحقق الأهداف المرجوة منها وعجزت عن مواجهة
تأثير صواريخ المقاومة الفلسطينية وتهديدها للعمق وللمجتمع الإسرائيلي وأمنه القومي برمته،
حيث أنها عجزت القوات البرية الإسرائيلية عن التقدم داخل قطاع غزة، واكتفت بتوجيهات ضرباتها
العسكرية من خلال السلاح الجوي والبحري وسلاح المدفعية.
في المقابل المقاومة الفلسطينية نقلت المعارك إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأصبح جزء
من الردع يمس الجبهة الداخلية الإسرائيلية وهذا جزء من تآكل عمليات الردع الإسرائيلي ضد غزة،
حيث استهلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفها لما جرى أمس في مدن وسط "إسرائيل" بما
فيها تل أبيب "كان هجوما لم يعرف مركز البلاد مثيلا له من قبل"، وكتبت تحت عنوان باللون
الأحمر العريض "البلد تحترق"، إن الأصوات المزعجة "أرعبت غوش دان بأكملها ووسط إسرائيل،
وملأت أصداء الانفجارات ومسارات الصواريخ السماء، تم إطلاق عشرات الصواريخ من غزة وكان
إصابة بعضها قاسيا"، إضافة إلى توجيه ضربات كبيرة للقوات البرية على حدود غزة وذلك عن
طريق قاذفات الهاون.
ثانياً/ التفوق العسكري:
يعتمد الجيش الإسرائيلي على التفوق العسكري لحسم أي معركة وتحقيق وتعزيز قوة الردع له في
المنطقة، فالجيش الإسرائيلي الذي يحتل المرتبة الخامسة عشر عالمياً، ومن أقوى خمسة جيوش في
منطقة الشرق الأوسط، تراجع بعد معركة سيف القدس خمسة مراتب ليحتل المرتبة العشرين عالمياً،
ويحمل ذلك دلالة واضحة على النصر الذي حققته المقاومة في معركة سيف القدس.
بالتأكيد لا يوجد مقارنة بين السلاح الذي تملكه "إسرائيل" والمقاومة، فالأولى تملك أسلحة متفوقة
بكثير من الثانية، ولكن المقاومة الفلسطينية المحاصرة استطاعت بإمكانياتها البسيطة أن تخلق قوة
ردع للاحتلال الإسرائيلي من خلال صواريخ محلية الصنع والتي برزت في هذه المعركة تغطي كل
أرجاء فلسطين المحتلة وكان آخرها صاروخ عياش الذي يصل مداه 250 كم2، إضافة للقوة
التدميرية التي تحملها صواريخ المقاومة ومنها صاروخ القاسم الذي يحمل رأسه 400 كجم من
المتفجرات، أيضاً القوة التدميرية لقاذفات الهاون والتي شكلت علامة عسكرية فارقة في معركة
سيف القدس، وبروز عنصر جديد في المواجهة العسكرية الطائرات المسيرة، إضافة للغواصات،
وتشير الإحصائيات بأن ما أطلقته المقاومة في عام 2014م ويتمثل 4500 صاروخ ومقذوفة خلال
51 يوماً، أطلقته المقاومة الفلسطينية خلال 11 يوماً في معركة سيف القدس.
هذه القوة والقدرة على الرد على العدوان، هي اللجام الذي كبح جماح الجيش الصهيوني من التفكير
بالاجتياح للحدود شمالا ًوجنوباً، إنها قوة الردع التي عجزت الجيوش العربية عن تحقيقها لعشرات
السنين الخالية، حتى جاءت المقاومة الفلسطينية، وصنعوا المعجزات، ونجحوا في جعل قلب المدن
الإسرائيلية خط المواجهة في أي حرب قادمة.
كما ونجحت المقاومة الفلسطينية في قلب التفكير العسكري الإسرائيلي، فما كان آمناً بالنسبة
للإسرائيليين أصبح مستباحاً، وما كان مستحيلاً صار ممكناً، وانتقل التفكير العسكري الإسرائيلي إلى
الدفاع بعد أن كان منصباً على الهجوم، وصارت الطائرات الأمريكية التي تحط مساعداتها في
المطارات الإسرائيلية تزودهم بمنظومة الدفاع، واحتياجات القبة الحديدية، وغيرها من المضادات
لصواريخ المقاومة، بعد أن كان الشحن لمعدات الهجوم.
ولخص بينيت المحلل الإسرائيلي هذا المشهد بأن "أكثر المؤيدين لنتنياهو بدأوا يدركون أن ردع
الدولة للمقاومة الفلسطينية في غزة ولفلسطيني الداخل، أصبح في أدنى نقطة في تاريخها".
ثالثاً/ الجبهة الداخلية
الحفاظ على هدوء واستقرار الجبهة الداخلية الإسرائيلية هدف استراتيجي للمؤسسة السياسية
والعسكرية والأمنية، وهو ما يعكس رضا الجمهور الإسرائيلي وثقته بتلك المؤسسات، فطوال
سنوات الاحتلال كانت هناك ثقة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي بهذه المؤسسات وخاصةً المؤسسة
العسكرية وانعكس ذلك باستقرار الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في العشر سنوات الأخيرة تصدعت الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد إخفاقات الجيش الصهيوني في
عدوانه المتواصل على قطاع غزة في أربعة حروب متتالية والتي أصابة قوة الردع الإسرائيلية في
مقتل، وفشله في تحقيق أهدافه بالحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية بسبب الفعل المقاوم، وزاد ذلك
بعد معركة سيف القدس التي استطاعت من خلالها المقاومة الفلسطينية زعزعت الجبهة الداخلية
وثقتهم بقيادتهم، مما منع قيادتهم الكشف عن الأضرار المادية والبشرية الحقيقية؛ لتهدئتهم
والحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية.
معركة سيف القدس كشفت الكثير من العيوب التي دللت على هشاشة الجبهة الداخلية ومنها:
1- فشل منظومة الدفاع الجوي المتمثلة بمنظومة الصواريخ المضادة لصواريخ المقاومة،
وإحداث خسائر مادية وبشرية كبيرة ، وأدى ذلك إلى إرباك الجبهة الداخلية.
2- دقة صواريخ المقاومة واتساع نطاقها وكثافتها، أدى إلى عدم ثقة الجمهور بقيادتهم.
3- عدم قدرة الجيش على الاجتياح البري أدى إلى الخوف والهلع وشعورهم بعدم العيش بأمان
في بيوتهم وتفكيرهم بالهجرة من فلسطين المحتلة.
4- انهيار الحياة المدنية بكافة أشكالها، إضافة لتعطيل المنشآت الحيوية مثل المطارات والسكك
الحديدية.
5- ضعف وسائل الإنقاذ رغم التقدم التكنولوجي الكبير لدولة الاحتلال.
6- انتفاضة فلسطينيو الداخل المحتل مما أثار الخوف والرعب داخل الجبهة الداخلية.
رابعاً/ حسم المعركة في وقت قصير
هو أسلوب يستخدمه الجيش الإسرائيلي لترسيخ مفهوم الردع في المنطقة منذ احتلاله لفلسطين قبل
73 عاماً، فمعظم الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال كانت لصالحها حيث تميزت بالسرعة
والضربة الحاسمة الإستباقية وكثافة النيران، وأن تكون المعركة في أرض العدو، وهذا بالفعل ما
حدث في حرب عام 1948م عند احتلال أرض فلسطين، وحرب عام 1967م والتي استطاع الجيش
الإسرائيلي في ستة أيام احتلال باقي فلسطين وأجزاء من الدول العربية.
هذه المعادلة تغيرت في بدايات القرن الواحد والعشرين عندما استطاعت المقاومة اللبنانية إخراجه
من لبنان عام 2000م، ثم صد عدوانه عام 2006م وإلحاق الهزيمة به، وأيضاً عند اجتياحه لمدن
الضفة الغربية عام 2003م استطاعت مجموعة قليلة من المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين صد
عدوانه والصمود ما يقرب من 11 يوماً، وأيضاً خروجه من قطاع غزة عام 2005م، إضافة إلى فشله
في حسم المعارك التي خاضها في قطاع غزة ما بين أعوام 2008-2021م. وكان لمعركة سيف
القدس الدور الكبير في تحطيم قوة الردع الإسرائيلي في المنطقة، وترسيخها معادلة جديدة في
الصراع مع الاحتلال بأنه ما كان ممكناً في السابق سيكون مستحيل في الوقت الحاضر، وبأن
المبادرة في بداية الحرب ونهايتها لن يكون في يد الاحتلال الإسرائيلي.
ختاماً معركة سيف القدس حطمت قوة الردع الإسرائيلية وقربتنا أكثر لتحقيق النصر وتحقيق وعد
الله وتتبير علو بني إسرائيل مصداقاً لحديث الرسول صل الله عليه وسلم " لا تقومُ الساعةُ حتى
يقاتلَ المسلمون اليهودَ ، فيقتلُهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ و الشجرِ ،
فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ : يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي ، فتعالَ فاقْتلْه . إلا الغَرْقَدَ ، فإنه من
شجرِ اليهودِ"