حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي البوابة الحقيقية لشرق أوسط جديد
قد لا يحدث التطبيع بين إسرائيل والسعودية قريبا لأن الطريق أمام هذا الاتفاق مازال معقدا وهناك أمور لا تريد أن تتنازل عنها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأولها الاحتلال الغاشم للأرض الفلسطينية ومنحهم حق تقرير المصير، وثانيها التخلص من عقدة العداء للعرب، وأن يتحول العالم العربي يوماً من الأيام لدول تعادي إسرائيل من جديد لأن هذه العقدة مبنية على أساس حقيقي وهي أن دولة الاحتلال لا تريد أن تقبل حلا شاملا وعادلا للصراع في الشرق الأوسط تقام معه الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الأمير( محمد بن سلمان) ولي العهد السعودي قال لمحطة فكس نيوز الأمريكية "نقترب كل يوم أكثر للتطبيع مع إسرائيل لكن القضية الفلسطينية تبقي مهمة للمفاوضات نحو هذا التقارب "، وهذا يعني ان أي اتفاق تطبيع مرهون بمدي قبول إسرائيل بحل الصراع على أساس مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية كمرجعية أساسية لاي علاقات عربية إسرائيلية، وفي تقرير لصحيفة (تايمز اوف إسرائيل ) العبرية جاء فيه أن الأمير (محمد بن سلمان) أخبر مساعديه أنه غير مستعد لتطبيع علاقات بشكل كامل مع إسرائيل وأنه لا يسعي إلى التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المتشددة بقيادة نتنياهو.
تحاول إدارة بايدن بكل ما تملك من علاقات مع العربية السعودية أن تتوصل إلى اتفاق تطبيع قبل مارس القادم وتحاول أن تجد حلول وسط لكافة الأمور التي تعيق التطبيع، وما يهمها هنا ليس حل الصراع ولا حصول السعودية على مفاعل نووي مدني ولا تسليح السعودية وتذويدها بأسلحة متطورة وانما يهمها التوصل لصفقة تطبيع ثلاثية تعزز فيها الحزب الديموقراطي في الانتخابات القادمة وتعيق فيها تشكل محور سياسي وتحالف أمني سعودي إيراني صيني روسي وتغير من خارطة الشرق الأوسط على أساس إيجاد شرق أوسط جديد.
هذه الخارطة التي استعرضها نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي دورتها 78 وما تحدث عنه بانتشار اسرائيلي في الدول التي تحيط بإسرائيل والتي جاء لونها باللون الأخضر وشملت مصر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب ورسم بالقلم الأحمر الممر الذي يصل آسيا بأوروبا مروراً بالأمارات والسعودية والأردن وإسرائيل باعتبار أن هذا الممر سيخلق شرق أوسط جديد يسهل ويقصر فيه خطوط التجارة العالمية وتمتد فيه خطوط الطاقة والنفط لتصل أوروبا بتكلفة اقل والفائدة بالطبع تعود على إسرائيل بالدرجة الأولى وليس دول المنطقة العربية.
دولة الاحتلال لا تريد أن تتنازل عن الاحتلال العسكري لفلسطين ولا تريد أن تعيد الأرض التي احتلتها عام 1967 على الأقل للفلسطينيين ولا تريد أن يمنح الأمريكان مفاعل نووي مستقل للسعودية، ولا تريد أن ترفع واشنطن مستوى تسليح السعودية حتى لا تتفوق السعودية على إسرائيل ولا تريد إسرائيل من ناحية أخرى وقف حركة تغيير الواقع التاريخي في القدس والمقدسات، ولا تريد الاعتراف بمبادرة السلام العربية كمرجعية شرعية لحل الصراع، وتريد في ذات الوقت أن ترسم هي والولايات المتحدة خارطة علاقات جديدة في الشرق الأوسط يتم من خلالها خلق شرق أوسط جديد تكون فيه دولة الاحتلال دولة مقبولة سياسيا وشعبيا تندمج في تحالفات أمنية كبيرة من دول المنطقة العربية.
وزير الخارجية السعودي لم يعلق على موضوع الشرق الأوسط الجديد في كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة لكنه قال "ان الامن في الشرق الأوسط يتطلب الإسراع في البحث عن حل عادل وشامل للمشكلة الفلسطينية على أساس القانون الدولي ومبادرة السلام العربية بما يضمن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وقال إن السعودية ترفض أي عراقيل لحل القضية الفلسطينية".
الواضح أن إدارة بايدن لا تريد أن تضغط على إسرائيل للاستجابة للمطالب السعودية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني ولا تريد أن ينتهي الصراع بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وإلا لكانت قد فعلت ذلك وضغطت على إسرائيل لتستكمل اتفاقية أوسلو التي ما بات منها سوى الاسم ولا تثق الولايات المتحدة أيضا في تمكين السعودية من امتلاك مفاعل نووي، لذلك فهي تقترح ان تتولي أمريكا وخبراء أمريكيين تخصيب اليورانيوم على الأرض السعودية من خلال مفاعل نووي أمريكي لخدمة الأهداف المدنية. السؤال الذي يطرح نفسه، هل من علاقة بين اتفاق التطبيع الثلاثي بين السعودية وكلاً من أمريكا وإسرائيل بخارطة الشرق الأوسط الجديد؟ نقول نعم وقد لا تسمح السعودية باستخدام أراضيها على الأقل في المرحلة الاولي الا بعد اتفاق تحقق فيه السعودية كافة مطالبها. مع هذا التعقيد يبقي الصراع هو كلمة الفصل لتحقق مخططات أمريكا وإسرائيل والامارات لشرق أوسط جديد تتربع فيه إسرائيل في حلف دفاعي أمني جديد، ولا أعتقد أن يتحقق مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الذي تراه إسرائيل والذي تحدث عنه نتنياهو في إطار هذه المعطيات حدتي لو حدث الاتفاق مع السعودية.
إن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلاً عادلاً بما يحقق الأمن والاستقرار هو البوابة الحقيقية لأي شرق أوسط جديد وحصول الفلسطينيين على حقوقهم كاملة هو معيار نجاح هذا المخطط ودون أن يحصل الفلسطينيين على حقوقهم السياسية وتقر دولة الاحتلال بأنهاء الاحتلال وتعترف بمبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية كقاعدة أساس للتفاوض لأنهاء الصراع لن يكون هناك شرق أوسط جديد.
وإذا حاولت دولة الاحتلال وشريكتها الاستراتيجية الولايات المتحدة اختزال هذا الحل في حلول مؤقتة لا تعطي الفلسطينيين حقوقهم السياسية فإن محاولات خلق شرق أوسط جديد ستبقى مجرد خيالات سياسة، لأن أي شرق أوسط جديد المعيار فيه قبول الشعوب واقتناعهم بتحول دولة الاحتلال إلى دولة سلام حقيقي تعيش بأمن واستقرار إلى جانب دولة فلسطينية ينعم فيها الشعب الفلسطيني بالحرية والأمن والسلام المتساوي، وغير ذلك فإن الشرق الأوسط الجديد لم يكون سوى مخطط وهمي، وإن تنفيذه على الأرض لا يغير من طبيعة الأمة العربية وتوجهاتها نحو إسرائيل من شيء لأن إسرائيل لم تغير من توجهاتها العدائية نحو الشعب العربي الفلسطيني ولا الحقوق الفلسطينية من شيء، وستبقي القضية الفلسطينية هي بوابة كل تغير إيجابي وعنوان الشرق الأوسط الجديد.