منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Empty
مُساهمةموضوع: الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة   الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Emptyالإثنين 18 ديسمبر 2023, 10:24 am

في الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة


اندلعت حرب غزّة الراهنة، إثر تنفيذ المقاومة الفلسطينية هجومها المباغت على قوات الاحتلال ومستوطني "غلاف غزّة" في 2023/10/7. وعلى الرغم من أولويّة السياق الفلسطيني الإسرائيلي في تفسير احتدام هذه الجولة من الصراع، فإنّها سرعان ما تحوّلت من سياقها الداخلي، إلى معركةٍ ذات بُعدٍ دوليٍ واضحٍ، على نحو ما كشفه مؤشران متداخلان؛ أحدهما التدخل الكثيف من "التحالف الدولي/ الغربي ضدّ حرية فلسطين"، بزعامة الولايات المتّحدة، التي باتت تقود عمليًّا هذه المعركة، وتحاول التحكّم في تداعياتها الإقليمية والدولية، في مقابل إحجام الصين وروسيا وتركيا وإيران ومجمل الدول العربية، عن تحدّي سياسات واشنطن وتلّ أبيب، في الملف الفلسطيني تحديدًا، الذي لا يزال يعاني مستوىٍ من الهيمنة الأميركية- الإسرائيلية، منذ مؤتمر مدريد للسلام أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1991.


أما المؤشر الآخر فيتعلق بسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتبنّيه "السردية الإسرائيلية" دون تحفّظاتٍ، بالتوازي مع تكثيف سياسات "شيطنة الفلسطينيين"، خصوصًا حركة حماس، مع محاولة استدعاء سردية "مكافحة الإرهاب" من جديدٍ، ووضعها في صدارة الأجندات الدولية والإقليمية؛ إذ أصبح هدف التخلّص من حكم حركة حماس في قطاع غزّة على سُلّم أولويّات واشنطن، التي وجّهت رسائل واضحةً لإيران وحزب الله بضرورة عدم التدخل في الحرب، تجنبًا لتعميق المأزق الإسرائيلي، بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.


على الرغم من ارتقاء العامل التحرري الذاتي الفلسطيني؛ في "طوفان الأقصى"، إلى مستوىً متميزٍ جدًا، (مقارنةً بتاريخ كلّ المواجهات السابقة في الصراع العربي الإسرائيلي)، فإن هشاشة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وضعف تماسكه، وغياب إرادته الحاسمة، قد قلّصت من قدرة الفاعلين الإقليميين على الضغط في اتجاه تغيير السياسات الأميركية- الإسرائيلية تجاه حرب غزّة، وتجاه قضية فلسطين عمومًا.


آثرت هذه الدول الإقليمية عدم تحدّي الموقف الأميركي في هذه المرحلة، على اختلاف دوافع طهران وأنقرة والرياض


وتبدو المفارقة هنا في نجاح المقاومة الفلسطينية في تأكيد تحوّل إسرائيل وسياساتها الإجرامية إلى "عبءٍ استراتيجيٍ" على حليفها الأميركي، ما وضع السياسات الأميركية والإسرائيلية في مأزقٍ متجددٍ، في وقتٍ غلب على القوى الإقليمية كافّةً؛ بما فيها إيران وتركيا، عدم الجاهزية والتردد الواضح في إسناد العامل الفلسطيني، في مواجتهه الشرسة مع العامليْن الإسرائيلي والدولي، في هذه "المرحلة الانتقالية"، التي يمر بها النظامان العالمي والإقليمي، والتي تشابكت متغيّراتها الاستراتيجية، خصوصًا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا 2022- 2023.


وقد تجلّت مفارقة النجاح الفلسطيني والفشل الإقليمي في إخفاق القمة العربية الإسلامية في الرياض 2023/11/11، في تنفيذ بنود بيانها الختامي، خصوصًا البند الثالث "كسر الحصار على غزّة، وفرض إدخال قوافل مساعداتٍ إنسانيةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ ودوليةٍ؛ تشمل الغذاء والدواء والوقود، إلى القطاع فورًا، ودعوة المنظّمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظّمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها الكامل، ودعم وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".


والمؤكّد في السياق ذاته؛ أنّ تنفيذ البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية يقتضي تجاوز التصعيد الخطابي، والاكتفاء بتوجيه رسائل "الحدّ الأدنى" من الاعتراض اللفظي، إلى بلورة استراتيجيةٍ حقيقيةٍ لتوجيه الفعل السياسي للدول العربية والإسلامية، ودعم قضية فلسطين.




اتّفاق أوسلو في الميزان
على الرغم من تطوّر الخطابات الإيرانية والتركية والسعودية تدريجيًّا؛ على وقع تطوّرات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، فقد آثرت هذه الدول الإقليمية عدم تحدّي الموقف الأميركي في هذه المرحلة، على اختلاف دوافع طهران وأنقرة والرياض، ما قد يعني أنّ أثر العامل الإقليمي لن يكون الأكثر تأثيرًا في نتيجة حرب غزّة الراهنة وتداعياتها، التي ستتحدد بمقدار صمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية.


ربّما يمكن القول إنّ هذه الحرب الضروس لم تخلق آليةً إقليميةً تستطيع التعامل مع السؤال المصيري المتعلق بـ "وقف الحرب على غزّة"، على الرغم من امتلاك الدول العربية والإسلامية العديد من أوراق الضغط المؤثرة. رغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2712 (2023/11/15) الذي يدعو إلى إقامة هُدنٍ وممراتٍ إنسانيةٍ عاجلةٍ ممتدّةٍ في جميع أنحاء قطاع غزّة، والإفراج الفوري؛ دون شروطٍ، عن كلّ الرهائن، فإنّ السلوك الأميركي استمر بدعم إسرائيل في تعنتها بعدم تنفيذ هذا القرار.


يبقى القول إنّه رغم ما كشفته هذه الحرب من تحوّلٍ في السياسة الأميركية تجاه إقليم الشرق الأوسط، على نحوٍ ينطوي على تهديدٍ جوهريٍ لمصالح مصر وتركيا وإيران خصوصًا، فإنّ المواقف الرسمية لمجمل الدول العربية والإسلامية لم تنجح في الارتقاء إلى مستوى هذا التحدّي الأميركي- الإسرائيلي، لا سيّما ما يتعلق بالموقف الرسمي المصري، الذي لا يزال يراوح بين سياساتٍ "تكتيكيةٍ"، هدفها الأسمى هو الحفاظ على اتّفاقيات كامب ديفيد، بكلّ تداعياتها السلبية على قضية فلسطين، التي اختزلت في أبعادها الإنسانية والإغاثية، في إطارٍ لا يتجاوز "الحكم الذاتي"، وتجريدها من أبعادها السياسية والتحررية المهمة، التي أكدتها عملية "طوفان الأقصى"، وأعادت وضع قضية فلسطين على الأجندتين العالمية والإقليمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة   الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Emptyالإثنين 18 ديسمبر 2023, 10:25 am

الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة GettyImages-1249274735
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء محمود عباس 17 /8 /2003 (


في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول؛ حلت الذكرى الثلاثون لتوقيع اتّفاق أوسلو، بين منظّمة التحرير الفلسطينية؛ برئاسة ياسر عرفات، وحكومة دولة الاحتلال؛ برئاسة إسحاق رابين. طوال الثلاثين عامًا الماضية؛ لم تتوقف النقاشات والتحليلات من مختلف الأطراف الفلسطينية، والمهتمة بالقضية الفلسطينية، المؤيدة منها للاتّفاق أو المعارضة له، أو التي تأخذ موقف الوسط منه، على اعتباره (شرًا لا بد منه).


ولكي نستطيع بناء رأيٍ أو موقفٍ علميٍ من الاتّفاق لا بدّ لنا؛ ولو سريعًا، معرفة سياقه المرحلي والتاريخي، ودوافعه لدى كلٍّ من الطرفين، إضافةً إلى دراسة نتائج الاتّفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والهيكلية. هذه النتائج ربّما لم تكن دراستها متاحةً لحظة توقيعه، لكن كان من الممكن التنبؤ بها، أو ببعضها.


السياق التاريخي للاتّفاق
١-على الصعيد الفلسطيني
هنا سوف نكتفي بالعودة إلى دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشر، المنعقدة في الجزائر عام 1988، التي نتجت منها وثيقة الاستقلال، وإعلان الدولة الفلسطينية، على أساس حلّ الدولتين، وقرار مجلس الأمن 242 لعام 1967؛ المختَلف على تفسيره، ما يمثّل تراجعًا واضحًا ليس عن الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظّمة التحرير فحسب، إنّما عن برنامج النقاط العشر أيضًا. تلا هذا الإعلان؛ خطاب الراحل ياسر عرفات أمام الجمعية العامّة في جنيف من العام نفسه، الذي اعترف به صراحةً بإسرائيل، وبقرار مجلس الأمن 242، إضافةً إلى "نبذ الإرهاب"، مقابل موافقة الإدارة الأميركية على فتح باب الحوار معه.


إنّ توقيع اتّفاقية أوسلو كان خطأً فادحًا، أضر بالقضية الفلسطينية، إلّا أنّ الخطأ الأكبر هو الاستمرار على هذا النهج


وفي السياق التاريخي أيضًا؛ لا يمكن تجاهل الانتفاضة الأولى، التي دفعت ياسر عرفات إلى تسريع الخطى نحو مشروع السلام، لضمان موطئ قدمٍ له في المرحلة القادمة، إذ أنتجت هذه الانتفاضة جيلًا جديدًا داخل الأراضي المحتلّة، منهم قادةٌ مستقلون عن منظّمة التحرير، ولا يخضعون مباشرةً لها.


كما مثّل الظرف الدولي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات دافعًا إضافيًا للدخول في عملية التسوية، إذ بدا واضحًا أثر اجتياح العراق الكويت، وحرب الخليج الثانية، وخروج أميركا منتصرةً على الصعيد الدولي، وتحوّلها إلى قطبٍ عالميٍ أوحدٍ يفرض أجندته على المنطقة، بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي، والمنظومة الاشتراكية الداعمين الدوليين الرئيسيين للقضية الفلسطينية. كما انتقمت الكويت من الفلسطينيين، منها طردتهم من الكويت، ردًا على انحياز منظّمة التحرير للعراق، ولا يخفى على أحدٍ أنهم كانوا يشكلون أحد الحوامل الاقتصادية المهمة، للمنظّمة وللانتفاضة الأولى، كما أدّى هذا الانحياز إلى ازدياد عزلة منظّمة التحرير من قبل الأنظمة العربية.


٢- على صعيد الاحتلال الصهيوني
دخل الاقتصاد الإسرائيلي بأزمة كسادٍ وتضخمٍ، وتراجعت معدلات النمو، وازدادت الأسعار نتيجةً لحرب أكتوبر 1973، كما فاقم اجتياح لبنان عام 1982 هذه الأزمة، وطرد منظّمة التحرير بعد ارتكاب مجازر عديدةٍ، إما مباشرةً أو عن طريق وكلاء الاحتلال، ما ساهم في اهتزاز صورة الاحتلال عالميًا، فكاد الاقتصاد الإسرائيلي أن ينهار لولا خطة الإصلاح الاقتصادي، إضافةً إلى المنحةٍ الاقتصادية الأميركية (1.5 مليار دولار). إلّا أنه وبعد عامين على الخطة الاقتصادية؛ التي ساهمت بتعافي الاقتصاد، وارتفاع معدلات النمو، وانخفاض نسبة البطالة اندلعت الانتفاضة الأولى، ما أدّى إلى إرباك الاقتصاد مرّةً أخرى، وتوقف الانتعاش والنمو، لا سيّما بعد عجز الاحتلال عن احتوائها بالطرق العسكرية القمعية، في وقتٍ كان لاحتوائها ضرورةً اقتصاديةً وديموغرافيةً، تحديدًا في مرحلة ما بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي، استعدادًا لاستيعاب موجة هجرةٍ روسيةٍ زادت عن مليون مهاجرٍ.


نتائج الاتّفاق على الفلسطينيين
١- سياسيًا
سبق توقيع اتّفاقية أوسلو تبادلٍ لرسائل الاعتراف بين منظّمة التحرير والاحتلال، ففي حين اعترفت المنظّمة؛ على لسان رئيسها ياسر عرفات "بحقّ دولة إسرائيل في الوجود"، لم يعترف رابين بحقّ دولة فلسطين في الوجود، إنّما اكتفى بـ "الاعتراف بمنظّمة التحرير بوصفها ممثّلٍ للشعب الفلسطيني"، وهنا تكمن إشكاليتان، الأولى الاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود دون مقابلٍ، والثانية أن المنظّمة باتت تستجدي تمثيلها للشعب الفلسطيني من محتل هذا الشعب وأرضه، وليس من الشعب نفسه. هذا ما أثر على مكانة منظّمة التحرير كثيرًا، إذ تغير دورها من حركة تحررٍ وطنيٍ إلى سلطةٍ مقيدةٍ من قبل الاحتلال.




كما ساهم الاتّفاق بزيادة الشرخ، والهوة في المشهد السياسي الفلسطيني، كون معظم الفصائل الفلسطينية باستثناء حركة فتح؛ المنضوية وغير المنضوية في منظّمة التحرير، قد عارضت الاتّفاق.


كما أنّ الاتّفاق لم يأت إلّا بالخيبة لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ما دفع القوى الوطنية إلى إيجاد حلولٍ وطرقٍ جديدةٍ في مواجهة الأسرلة المفروضة عليهم.


كما هُمشت قضية اللاجئين نتيجة عدم التمسك بقرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة 194، وهي إحدى أهمّ ركائز القضية الفلسطينية.


كما لا يمكن أن نغفل عن الدور الذي لعبه الاتّفاق في فتح باب التطبيع مع الاحتلال أمام الأنظمة العربية، التي كررت في أكثر من مناسبةٍ "نرضى بما يرضى به الفلسطينيون".


٢- اقتصاديًا واجتماعيًا
نتج من اتّفاق أوسلو وملحقاته (اتّفاق أوسلو ٢ واتّفاقية باريس) اقتصادٌ فلسطينيٌ هشٌ مرتبط ارتباطًا وثيقًا ومحكمًا بالاقتصاد والإدارة الإسرائيلية، ومعتمدٌ كثيرًا على المساعدات العربية والدولية، المقدمة للسلطة الفلسطينية، والتي تمر عبر الاحتلال، والخاضعة لمزاج المانحين (قطعت المساعدات بعد فوز حماس بانتخابات 2006). كما أنّ السلطة لا تملك أيّة معابر، ما يسمح للاحتلال بالتحكم في الاستيراد والتصدير، معرقلًا بذلك أيّ فرصةٍ لتطوير الصناعات المحلية، حتّى البسيطة منها، إذ يمنع استيراد أكثر من مائة صنفٍ من المواد الخام، التي تدخل في الصناعات الجلدية والإنشائية والغذائية والهندسية والمعدنية والنسيج والصحية وغيرها. وتعطي الاتّفاقيات الاحتلال الحقّ بإدارة الموارد المائية الشحيحة، وحرمان الفلسطينيين من معظمها.


الثانية أن المنظّمة باتت تستجدي تمثيلها للشعب الفلسطيني من محتل هذا الشعب وأرضه، وليس من الشعب نفسه


جغرافيًا؛ يسيطر الاحتلال على المنطقة ج كلّيًا، والتي تشكل 60% من مساحة الضفّة الغربية المحتلّة، ما يحدّ من قدرة قطاع الزراعة على التوسع والازدهار، ويحرم الفلسطينيين من قطاع الكسارات واستخراج الحجارة.


أوقع الاتّفاق الفلسطينيين في الضفّة والقطاع تحت قمعٍ مزدوجٍ، فتحوّلت السلطة إلى الخط القمعي الأول، فهي المسؤولة عن ضمان أمن إسرائيل، من العمليات الفدائية الفلسطينية، ما جعل الشعب الفلسطيني يضطر للمرّة الأولى؛ في سبيل نضاله ضدّ الاحتلال، أن يصطدم مباشرة مع الفلسطيني الآخر، ما خلق شرخًا كبيرًا داخل المجتمع، ينذر بحربٍ أهليةٍ شاملةٍ، وما أحداث 2007 في غزّة بين فتح وحماس؛ ضمن صراعهما على السلطة، إلّا مؤشرًا بسيطًا على ذلك.


فتح أوسلو الباب على مصراعيه أمام المنظمات غير الحكومية (NGOs)، الكبيرة منها والصغيرة، ولا يغفل على أحدٍ الدور السلبي الذي لعبته هذه المنظّمات في تدمير البنية الاجتماعية، فالعمل ضمن هذه المنظّمات أصبح حلمًا يراود شبانًا فلسطينيين كثر، نتيجة ارتفاع نسبة البطالة من جهةٍ، ومرتباتها المرتفعة؛ مقارنةً بسوق العمل المحلية، من جهةٍ أخرى. رغم أنّ استيعابها لليد العاملة محدودٌ، إلّا أنّها تستقطب العديّد من الكفاءات التي لا تستطيع ضمن هذه المنظّمات مراكمة أيّ خبراتٍ، وفي الوقت نفسه تحرم الاقتصاد المحلي من الاستفادة من هذه الكفاءات، التي تحوّلت إلى فئةٍ مضافةٍ إلى الفئة المستفيدة من السلطة، خصوصًا كبار الموظفين ورجال الأعمال، المرتبطين ارتباطًا مصلحيًا ووجوديًا باتّفاق أوسلو ومؤسساته، ما فرض تغيرًا في طبيعة العلاقة مع الاحتلال، وطريقة مواجهته، إلى حدّ أنّ بقاء الاحتلال، واستقرار العلاقة معه أصبح شرطًا موضوعيًّا لوجود هذه الفئات.


٣- البنية الهيكلية
من أهمّ مشاكل الاتّفاق أنّه خلق سلطةً من دون دولةٍ، ما ساهم في تحوّل النضال من أجل التحرير وإنشاء الدولة، إلى صراعٍ على سلطةٍ لا دولة لها، ولا سيادةً، إذ أخضعَ الراحل ياسر عرفات؛ ومن بعده محمود عباس، منظّمة التحرير للسلطة، ما أفقدَ المنظّمة تمثيلها لكافّة الشعب الفلسطيني، في الداخل المحتل وفي الشتات.




وفي مقابل الهياكل الاقتصادية الضعيفة، أو المعدومة، إضافةً إلى عدم السماح بوجود جيشٍ، فإن أساس البنية الهيكلية للسلطة قائمٌ على القوى الأمنية، إذ يقارب عدد موظفي السلطة الـ 150 ألفًا، أكثر من نصفهم من منتسبي الأجهزة الأمنية. مثل هذه البنية؛ لا يمكن أن يفهم سببٌ لوجودها، سوى أنّها قوىً رديفةٌ للاحتلال في قمع الشعب الفلسطيني.


نتائج الاتّفاق إسرائيليًا
١- سياسيًا
بدأ الاحتلال بحصد المكاسب السياسية قبل توقيع الاتّفاق، فحصل على اعتراف ياسر عرفات؛ رئيس المنظّمة، عام 1988، وكشرطٍ من الاحتلال للمشاركة في مؤتمر مدريد؛ ألغت الأمم المتّحدة القرار 3379 لعام 1975، الذي كان يعتبر الصهيونية أحد أشكال العنصرية.


كما لم يُلحق اعتراف الاحتلال بمنظّمة التحرير ممثّلًا للفلسطينيين أيّ ضررٍ بالاحتلال، طالما لم يعترف بحقّ الفلسطينيين بإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ على أرضهم، لذلك يعتبر الاتّفاق انتصارًا للرواية التاريخية الصهيونية، مقابل الرواية التاريخية الفلسطينية.


مثّل توقيع اتّفاقية أوسلو إعلانًا عن نهاية الانتفاضة الأولى، التي عجز الاحتلال عن إيجاد الحلول لها، ومن بعده قل احتكاك الاحتلال بالشعب الفلسطيني في الضفّة والقطاع، فأصبح قادرًا على إدارة الفلسطينيين وقمعهم بواسطة السلطة الفلسطينية، ما أعفاه من مسؤولياته في هذه المناطق، إذ أجهضت السلطة انتفاضاتٍ أخرى، مثل انتفاضة السكاكين، وهبّة كلّ فلسطين من خلال التنسيق الأمني المتنامي.


أوقع الاتّفاق الفلسطينيين في الضفّة والقطاع تحت قمعٍ مزدوجٍ، فتحوّلت السلطة إلى الخط القمعي الأول


كما ساهم الاتّفاق في تلميع صورة الاحتلال عالميًا، وفتح عديد الأبواب المغلقة في وجهه، ومن ضمنها أبواب الدول العربية.


٢- اقتصاديًا
ضغط رجال الأعمال الإسرائيليون من أجل توجه ساستهم نحو العملية السلمية، فلم يمضِ سوى عامين على الإصلاح الاقتصادي، حتّى أطاح اندلاع الانتفاضة الأولى ببيئة الأعمال والاستثمار، وبعد فشل الحسم العسكري، وانكشاف طبيعة الاحتلال عالميًا، كان الانخراط بالمفاوضات وصولاً إلى أوسلو مخرج الاحتلال من أزمته السياسية والاقتصادية، إذ مكّنه الانخراط في عملية التسوية من الدخول إلى الأسواق العالمية، خاصّةً التي كانت تقاطعه اقتصاديًا، وساعدت العلاقات الدبلوماسية الحسنة، وأجواء الاستقرار التي نشأت على زيادة حجم التصدير، وعلى الاستثمار الإسرائيلي في الخارج، وعلى الاستثمار الأجنبي في إسرائيل.


وأخيراً يبقى السؤال: هل كان من خيارٍ آخر أمام القيادة الفلسطينية في مواجهة تحدّيات تلك المرحلة؟


إن مشروع التسوية لم يكن إلّا محاولةً من قبل الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، فبعد أن أعادت الانتفاضة الأولى الزخم للقضية الفلسطينية؛ على المستويات العالمي والعربي والفلسطيني، بعد سنواتٍ من إخراج منظّمة التحرير من لبنان، كان من الأجدى إعادة هيكلة منظّمة التحرير، وإجراء تغييراتٍ جوهريةً، تبدأ من رأس الهرم، لتمثّل الشعب الفلسطيني؛ في الداخل المحتل وفي الشتات، ويمكّنها من استثمار الانتفاضة، وتطوير مختلف أنماط الثورة الشعبية؛ من ضمنها الكفاح المسلّح، بما لا يصل بها إلى أفقٍ مسدودٍ، وتنشيط حملات المقاطعة في وجه الاحتلال، إذ أثبتت هذه الحملات فاعليتها في العديد من ثورات التحرر الوطني؛ جنوب أفريقيا مثالاً.


إنّ توقيع اتّفاقية أوسلو كان خطأً فادحًا، أضر بالقضية الفلسطينية، إلّا أنّ الخطأ الأكبر هو الاستمرار على هذا النهج، الذي أثبت ضرره وفشله بالمطلق. لقد استطاع غسان كنفاني أن يجيب عن هذا السؤال بقوله "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نغير المدافعين.. لا أن نغير القضية".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة   الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Emptyالإثنين 18 ديسمبر 2023, 10:26 am

التطبيع الإقليمي إلى أين بعد 7 أكتوبر؟


خلقت عملية "طوفان الأقصى" (2023/10/7)، مناخًا مختلفًا على أكثر من صعيد، على نحوٍ ألقى بظلالٍ من الشك على استمرارية الترتيبات الأميركية في إقليم الشرق الأوسط، خصوصًا ما يتعلق بمآلات عملية التطبيع مع إسرائيل، ومسار العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.


عبر تحليل سياقات هذا الحدث وتداعياته الأوليّة، يمكن الوقوف على خمسة عوامل/ متغيرات تتحكّم في مآل عملية التطبيع الإقليمي مع إسرائيل؛ أوّلها تبدّل موقع العامل الفلسطيني في المعادلات الإقليمية، وبروز الإرادة الذاتية الفلسطينية، ومبادرة فصائل المقاومة إلى الهجوم، وقدرتها على "مفاجأة" قوات الاحتلال ومستوطني "غلاف غزّة"، ما يؤكد استحالة تجاوز قضية فلسطين وتجاهل صمود شعبها، خصوصًا في ظلّ محدودية نجاح مقاربات "الحلّ الإقليمي"، وصفقة القرن، واتّفاقات أبراهام.


على الرغم من وجود تحدّياتٍ كبيرةٍ أمام المقاومة الفلسطينية في سعيها لإحياء المشروع الوطني واستعادة مكانة قضية فلسطين عربيًا وإقليميًا ودوليًا، فإن تصاعد روح العدوانية الإسرائيلية وهيمنة نزعة الانتقام الأعمى على سلوك قوات الاحتلال والمستوطنين يمكن أن يلعبا دورًا مهمًّا في تغيير اتجاهات الرأي العامّ الغربي على نحوٍ يفضح أكاذيب الدعاية الإسرائيلية و"ازدواجية المعايير" لدى القوى الدولية الداعمة لها، كما تجلّى إبان ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة (2023/10/17)، التي أدت إلى إلغاء  قمة عمّان، الأميركية الأردنية المصرية الفلسطينية، على الرغم من استمرار ضعف خطاب سلطة رام الله، وعدم ارتقائه إلى مستوى التحدّي الإسرائيلي- الأميركي المتصاعد.


تقود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ما يشبه "التحالف الدولي/ الغربي ضدّ حرية فلسطين وشعبها"


يتعلق العامل الثاني بتأثير تصاعد البعد الشعبي العربي، وضغوط الشارع، وخروج المظاهرات، في عرقلة وتيرة التطبيع العربي الإسرائيلي، (وهو ما يظهر واضحًا في مصر والأردن والمغرب)، مع التأكيد على أمرين؛ أحدهما إمكانية توظيف نظم التطبيع العربية لهذا البعد لتحقيق مصالح معينة (مثل تعزيز شرعيتها الداخلية، أو رفض القاهرة وعمّان ضغوطًا لقبول تهجير الفلسطينيين).


والآخر زيادة الفجوة بين المواقف الشعبية والرسمية العربية بشأن فلسطين، ما يفتح الباب لتعظيم دور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في احتمال إطلاق موجةٍ جديدةٍ من الحراك في المنطقة العربية، ربّما تعود القضية الفلسطينية إلى مركز التفاعلات العربية والإقليمية، وذلك على الرغم من استمرار عداء بعض المواقف العربية لحركات المقاومة، خصوصًا حماس والجهاد الإسلامي، ورفض الانفتاح عليهما، أو حتّى مجرد إجراء اتصالاتٍ سياسيةٍ معهما.


واستطرادًا في تحليل الترابط بين تهميش قضية فلسطين عربيًا، وتفاقم أزمات نظم التطبيع العربية، واحتمال استمرار مستوياتٍ من التطبيع مع إسرائيل، تبرز معضلات غياب الرؤية الاستراتيجية العربية لطبيعة الخطر الإسرائيلي المتربص بالمنطقة إجمالًا، وخطورة تزايد التنافس العربي على الرضا الأميركي، وتحوّل نظرة بعض النخب العربية لإسرائيل بوصفها "موازنًا إقليميًّا لإيران".


يتعلق العامل الثالث المؤثر في مسارات التطبيع بتضعضع "الصورة الإسرائيلية"، ومحدودية الخيارات الإسرائيلية وتآكل قدراتها على ردع المقاومة الفلسطينية، (ناهيك عن ردع حزب الله وإيران)؛ إذ يبدو أنّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد وظّفتا "هشاشة" الوضع الداخلي الإسرائيلي، وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو تجاه أزمة "التعديلات القضائية"، لحشر إسرائيل في الزاوية، وإظهار عجزها عن توسيع حربها نحو "الجبهة اللبنانية"، على الرغم من سياسة "التسخين المتدرج"، التي ينتهجها حزب الله.


المؤكّد أن عملية "طوفان الأقصى" قد ألحقت أذىً هائلًا بصورة إسرائيل، ومكانتها الإقليمية، على نحوٍ يقتطع من "ثقة" دول التطبيع في نجاعة البرامج والقدرات التقنيّة والتجسسية الإسرائيلية، التي فشلت فشلًا ذريعًا في مواجهة كفاءة المقاتل الفلسطيني، في النيل من سمعة "الجيش الذي لا يُقهر".


يتعلق العامل الرابع بموقفي طهران وأنقرة من العدوان الإسرائيلي، واحتمال نجاحهما في التأثير على السياسات الأميركية/ الإسرائيلية تجاه قطاع غزّة؛ إذ تصاعد الخطاب الإيراني في انتقاد الممارسات الإجرامية الأميركية/ الإسرائيلية تجاه قطاع غزّة، واتسعت مساحة حركة الدبلوماسية الإيرانية مستفيدةً من تقاربها مع السعودية. كما شهد الموقف التركي تحولًا نوعيًا بعد دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان (25/10/2023) إلى وقف إطلاق نارٍ عاجلٍ، وفتح ممرٍ إنسانيٍ لإدخال المساعدات لقطاع غزّة دون عوائق، وعقد مؤتمر سلامٍ فلسطينيٍ إسرائيليٍ دوليٍ إقليميٍ برعاية دولٍ ضامنةٍ.


تضمنت رسائل أردوغان أربع إشاراتٍ مهمةٍ؛ التأكيد أنّ "حماس ليست منظمةً إرهابيةً"، وإبراز صمت النظام العالمي عن مقتل الأطفال والنساء في غزّة، والحاجة إلى تطوير مجلس الأمن والأمم المتّحدة للخروج من حالة العجز، وازدواجية معايير الدول الغربية، المدينة لإسرائيل، في مقابل تركيا غير المدينة لإسرائيل بأيّ شيءٍ.


يتعلق العامل الخامس بانعكاسات البعد الدولي على حرب غزّة؛ إذ تقود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ما يشبه "التحالف الدولي/ الغربي ضدّ حرية فلسطين وشعبها"، الذي يتقاطر أركانه لزيارة إسرائيل، وإظهار الدعم الكامل لها، وتبنّي "السردية الإسرائيلية" دون تحفّظاتٍ، على التوازي مع تكثيف سياسات "شيطنة الفلسطينيين"، خصوصًا حركة حماس، مع محاولة استدعاء سردية "مكافحة الإرهاب" من جديد، إلى صدارة الأجندات الدولية والإقليمية، مع تجاهلٍ تام لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا سيّما إهدار إنسانية أهل غزّة، عبر استعادة آلية المؤتمرات الإقليمية والدولية الرامية لاختزال قضية فلسطين في الأبعاد الإغاثية والإنسانية، وتجريدها من أبعادها السياسية والتحررية، والإصرار على تكريس التطبيع الإقليمي مع إسرائيل ودمجها في المنطقة العربية، سياسيًّا واقتصاديًّا واستراتيجيًّا، كأنّ مجازر لم ترتكب، ولا شيء تغير.


بينما تستمر على الجانب الآخر سياسات موسكو وبكين في توظيف تصاعد المأزق الأميركي في فلسطين، وغيرها من الأماكن، تظهر مواقف لافتةٌ أقرب لإنصاف الحقّ الفلسطيني، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، ناهيك عن المظاهرات الحاشدة في مدنٍ عالميةٍ وعربيةٍ عدّة، احتجاجًا على همجية السلوك الإسرائيلي.


تصاعد روح العدوانية الإسرائيلية وهيمنة نزعة الانتقام الأعمى على سلوك قوات الاحتلال والمستوطنين يمكن أن يلعبا دورًا مهمًّا في تغيير اتجاهات الرأي العامّ الغربي


يبقى القول إنّ عملية "طوفان الأقصى" قد أوجدت فرصةً ثمينةً يمكن استثمارها في عرقلة مسار التطبيع الإقليمي مع إسرائيل، بيد أنّ صعود العامل الفلسطيني لن يؤتي ثماره المرجوة دون حصول تغيرٍ جذريٍ في سياسات الدول العربية الكبيرة (مصر والسعودية والجزائر)، مع تشكيل وقيادة ائتلافٍ دبلوماسيٍ عربيٍ لدعم قضية فلسطين، وتوسيعه (عبر التنسيق مع دول مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وتركيا وإيران وباكستان وأندونيسيا وماليزيا والفاتيكان وروسيا والبرازيل.. إلخ)، علمًا أنّ تمادي إسرائيل في سياساتها الوحشية تجاه فلسطين، وعودة أطروحات التهجير والتوطين، تحمل في طياتها "تهديدًا حقيقيًّا"، في المديين المنظور والمتوسط، لاتّفاقيات السلام المصرية والأردنية مع الجانب الإسرائيلي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة   الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة Emptyالإثنين 18 ديسمبر 2023, 10:27 am

قراءة في الموقف التركي من الحرب الإسرائيلية ضدّ غزّة


تصاعد الموقف التركي، وارتفع مع الوقت سقف خطابه المتعاطف مع غزّة وفلسطين في مواجهة الحرب الإسرائيلية، وفظاعة الجرائم التي ترتكبها الدولة العبرية، بدعمٍ كاملٍ من الغرب المنحاز، والمنافق، والمنفصم حسب التعبيرات المتداولة سياسياً وإعلامياً في تركيا.


بدايةً كان الموقف التركي متحفظاً نسبياً تجاه عملية طوفان الأقصى، مع رفض استهداف المدنيين، والمطالبة بالإفراج عن الأسرى، خاصةً الأطفال والنساء والشيوخ منهم، لكن بعد الرد الإسرائيلي الدموي، وسقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين، تبدت معالم موقف أنقرة العامّ في رفض الخيار العسكري، والمطالبة بهدنةٍ إنسانيةٍ لإدخال المساعدات، ثم وقف إطلاق النار نهائياً، ورفع وتيرة التواصل مع الدول العربية والإسلامية والعواصم المعنية بالحدث، عبر اتصالات ولقاءات الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته هاكان فيدان، وعلى سبيل المثال وفي الأسبوع الأخير فقط، سافر الرئيس أردوغان إلى ألمانيا ثم الجزائر، ويفترض أن يستقبل بعد أيّامٍ نظيره الإيراني. في حين استضافت عقيلته، السيدة أمينة، قمةً خاصّةً لزوجات زعماء الدول العربية والإسلامية المعنية بغزّة، والقضية الفلسطينية. كما زار فيدان أو اتصل مع نظرائه في القاهرة والدوحة والرياض وعمان وبيروت، كما استقبل نظيريه الأميركي والإيراني في أنقرة.


بتفصيلٍ أكثر، وقبل مرور أسبوعٍ على الحرب؛ يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول، كانت تركيا من أوائل الدول التي أرسلت مساعداتٍ لغزّة عبر مطار العريش ومعبر رفح، حيث وصلت ثلاث طائراتٍ محمّلةٌ بالمساعداتٍ، وصل حجم مجمل مساعداتها حتّى اللحظة إلى 800 طن، كما أرسلت 8 مستشفياتٍ ميدانيةٍ إلى سيناء، كأول دولة تفعل ذلك أيضًا، مع استقبال مئات الجرحى الفلسطينيين ومرافقيهم، وهي أوّل دولةٍ تستقبل عددًا معتبرًا من الجرحى للعلاج في مستشفياتها أيضًا، كما أعفت طلاب غزّة من رسوم الدراسة في الجامعات التركية.


في الأثناء، أيّ الأسبوع الأوّل من الحرب بلورت نواة الموقف الأول، عبر الدعوة إلى هدنةٍ إنسانيةٍ، وإدخال المساعدات إلى غزّة، مع التأكيد على ضرورة العودة إلى الخيار السياسي، ومعالجة أصل القضية الفلسطينية وجذرها، ورفض تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعدما قال أنه حضر إلى إسرائيل كيهوديٍ، إذ انتقده الرئيس أردوغان مباشرةً، وكان التصريح سبباً مباشراً في عدم استقباله في أنقرة، أثناء جولته الأولى على المنطقة منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل أن يستقبله بعد شهرٍ تقريباً بخفوتٍ دبلوماسيٍ وتباينٍ واضحٍ بالرؤى والمواقف، ومحاولاتٍ لجسر هوة الخلافات، خاصّةً  في ما يتعلق بزيادة المساعدات إلى غزّة.


توضح الموقف التركي شبه النهائي من الحرب في غزّة فلسطين، مع بلورة خطةٍ مزدوجةٍ، تتضمّن عزل إسرائيل دولياً


في الأسبوع الثاني؛ ارتفع سقف الخطاب أكثر مع رفض الجرائم الإسرائيلية ضدّ المدنيين، والدعوة إلى وقف إطلاق نارٍ نهائيٍ، وصفقة تبادل أسرى عادلةٍ وشاملةٍ، والعودة إلى الخيار السياسي المتمثّل في حلّ الدولتين، وفق قرارات الشرعية الدولية، والتأكيد على أن لا استقرار أو سلام في المنطقة دون حلٍّ نهائيٍ وعادلٍ للقضية الفلسطينية، كان قد أكّد عليه الرئيس أردوغان في خطابه أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامّة للأمم المتّحدة، قبل أيّامٍ من الحرب فقط.


في السياق، وجهت تركيا انتقاداتٍ حادةً للغرب؛ أميركا والاتّحاد الأوروبي، لنفاقه وتجييشه وحشده العسكري، كما حملته المسؤولية المباشرة عن الممارسات والجرائم الإسرائيلية، كونه قادرًا على إيقافها، مع التركيز على ازدواجية موقفه تجاه أوكرانيا وغزّة، مقارنةً مع تركيا المنسجمة دائماً مع نفسها وقناعاتها أخلاقياً وسياسياً هنا وهناك.


ثم ارتفع سقف الخطاب والموقف التركي ضدّ الدولة العبرية مجددًا، عبر اتهام الأخيرة بارتكاب جرائم حربٍ وإبادةٍ ضدّ الفلسطينيين، ووصفها بالدولة الإرهابية، بموازاة انتقادٍ دائمٍ لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وتحميله المسؤولية المباشرة، واعتباره منتهيًا سياسياً، وطيّ صفحة التعاطي معه نهائياً، حسب تعبير الرئيس أردوغان حرفيًا.


خلال هذه الفترة استدعت تركيا سفيرها من تلّ أبيب، بعد سحب كلّ الدبلوماسيين الإسرائيليين من أنقرة، لدواعٍ أمنيةٍ نهاية أسبوع الحرب الثاني، لكن لم تقطع العلاقات نهائياً، دون استبعاد قطعها كجزءٍ من الضغط والعمل الجماعي رفقة الدول العربية والإسلامية، كي يكون مجديًا ومؤثرًا أكثر، حسب تعبير وزير الخارجية فيدان.




في الوقت ذاته أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار عن تجميد التعاون مع إسرائيل، في ما يخص هذا القطاع شرق البحر المتوسط، كما أعلن وزير الاقتصاد عمر بولات عن انخفاض مستوى التبادل التجاري الذي يدار أساساً من القطاع الخاص، بين البلدين إلى النصف منذ أكتوبر الماضي. ويبدو أنّ العلاقات لن تعود إلى طبيعتها أبداً، حتّى انتهاء الحرب، مع تطورٍ مهمٍ ولافتٍ عبّر عنه وزير الخارجية فيدان بقوله إنّ تحسن العلاقات مع إسرائيل كان جزءًا من الانفتاح والتهدئة بالمنطقة كلها، وإن الظرف كلّه قد تغير الآن، مع الحرب والفظائع الإسرائيلية، ما يعني أن وتيرة التحسن "والتطبيع" ستتعثر حتماً، خاصّةً مع فهم تركيا واستيعابها لدلالات عملية طوفان الأقصى، والحرب نفسها، لجهة أنّ إسرائيل محميةٌ من الغرب، ولا يمكنها العيش ثلاثة أيّامٍ دون مظلّته، وستنشغل بنفسها لفترةٍ طويلةٍ بعد الحرب، ولن تكون قادرةً على التأثير سلباً، أو تهديد المصالح التركية لا شرق المتوسط ولا في المنطقة عامّةً.


في الأيام الأخيرة، توضح الموقف التركي شبه النهائي من الحرب في غزّة فلسطين، مع بلورة خطةٍ مزدوجةٍ، تتضمّن عزل إسرائيل دولياً، والسعي إلى محاسبتها على جرائمها أمام المحاكم الدولية، وفتح ملف سلاحها النووي المسكوت عنه، والدعوة إلى تشكيل لجنةٍ لإعادة إعمار غزّة بعد الحرب، مع الاستعداد للعب دورٍ مركزيٍ في الإعمار، ودور الضامن سياسيًا، تماماً كما هو الحال مع القضية القبرصية.


لا بدّ من الإشارة إلى التعاطف الكبير مع غزّة، والشعب الفلسطيني بصفته الأحبّ والأقرب إلى قلوب الأتراك، من مختلف الفئات والشرائح، والفعاليات التضامنية الواسعة جداً، كما في أيّ دولةٍ ديموقراطيةٍ، والانخراط الواسع والمنظم في حملة مقاطعة الشركات الدولية الداعمة لإسرائيل، 19 مليون تركي أوقفوا التعامل مع شركتي ماستر كارد وفيزا، وسط تغطيةٍ إعلاميةٍ مساندةٍ جداً للفلسطينيين، واعتداء ومضايقة مراسلي وسائل الإعلام التركية من قبل مواطنين إسرائيليين، أثناء تغطيتهم الحرب، والتطورات في فلسطين المحتلة.


مثالٌ واضحٌ لتطوّر الموقف التركي شاهدناه منذ أيّامٍ، في مؤتمر الرئيس أردوغان الصحافي رفقة المستشار الألماني أولاف شولتز، حين انتقد الأوّل إسرائيل بقوةٍ ووضوحٍ، لتجاوزها حقّ الدفاع عن النفس، ودعا إلى وقفٍ كاملٍ لإطلاق النار النهائي، مع الإشارة إلى ازدواجية الغرب في التعامل بين أوكرانيا وغزّة، وتبنّي تركيا؛ غير المديونة لإسرائيل، سياسةً مختلفةً وصائبةً وأخلاقيةً في القضيتين، إضافةً إلى تأكيد اعتباره حماس حركة تحرّرٍ وطنيٍ، تدافع عن حقوق الفلسطينيين المشروعة.


بعد الرد الإسرائيلي الدموي، وسقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين، تبدت معالم موقف أنقرة العامّ


هذا بموازاة دورٍ تركيٍ فاعلٍ في اللجنة السباعية، المنبثقة من القمة العربية الإسلامية في الرياض، المكلفة بمهمةٍ مزدوجةٍ، تتمثّل في الضغط لوقف إطلاق النار، وهي ستذهب إلى بكين وموسكو ولندن في جولةٍ أولى، يفترض أن تشمل عواصم أخرى في ما بعد، مع العمل على تنفيذ قرار كسر الحصار عن غزّة، ، ونفس المنحى رأيناه في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية هاكان فيدان، لجهة التنسيق الفاعل والجماعي مع العواصم المعنية والمؤثرة، لتنفيذ قرارات مؤتمر القمة العربية الإسلامية تحديداً، وقف الحرب، وكسر الحصار عن غزّة، وإدخال المساعدات والمستلزمات الضرورية لها، من غذاءٍ ودواءٍ وماءٍ ووقودٍ.


ختامًا وبتركيزٍ، بدت تركيا منسجمةً مع نفسها وقناعاتها ورؤاها تجاه القضية الفلسطينية، والمنطقة عامّةً، ودورها كلاعبٍ مركزيٍ ومهمٍ فيها، لا يمكن تجاوزه، كونها دعت دوماً إلى حلٍّ سياسيٍ ودبلوماسيٍ وفق الشرعية الدولية وقراراتها ومواثيقها، كما بذلت وتبذل أقصى ما في وسعها لوقف الحرب، بالتنسيق مع الدول الفاعلة، وبالإمكانيات ووسائل الضغط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المتاحة لديها، مع دعمٍ وتمسكٍ بالرؤية الفلسطينية- العربية للحلّ، ورفضٍ قاطعٍ لأن تفرض إسرائيل تصوراتها بالقوّة الجبرية، في غزّة والضفّة الغربية والقدس وعموم الأراضي المحتلة عام 1967، التي تراها تركيا ملكًا للدولة الفلسطينية التي تعترف بها، وفق المواثيق والشرائع الدولية ذات الصلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الأبعاد الدولية والإقليمية لحرب غزة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: اعرف عدوك - أصول اليهود العرقية-
انتقل الى: