تبدو فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، قد حسمت أمرها بالذهاب بعيداً عن التحركات التي تجري حالياً والرامية للتوصل إلى هدن إنسانية مؤقتة، مقابل إبرام صفقة تبادل جديدة شبيهة بتلك التي جرت قبل أسابيع بواسطة قطرية مصرية وحضور أميركي. وتصرّ حركة "حماس" على ألّا تفاوض على الأسرى إلا بعد الوصول إلى وقف إطلاق نار شامل وانسحاب الآليات العسكرية الإسرائيلية من كامل القطاع، وهو موقف مشابه ومتفق مع موقف "الجهاد الإسلامي" التي تمتلك هي الأخرى عدداً من الأسرى. وتسعى الوساطات الدائرة حالياً إلى تقريب الهوة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، حيث تتمسك "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بموقفهما الحالي الرافض التبادل الجزئي أو الهدن الإنسانية المؤقتة، فيما يرفض الطرف الإسرائيلي وقف إطلاق النار حالياً.
في المقابل، فإنّ فصائل المقاومة ترى أن الاحتلال تنصّل من الاتفاقيات السابقة وأخلّ بها مرات عدّة، وهو أمر بالنسبة لها غير مقبول حالياً جراء السلوك الإسرائيلي والاختراقات الميدانية المتكررة، فضلاً عن رغبتها في الوصول إلى اتفاق شامل يلزم بوقف إطلاق نار.
ويقول عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" حسام بدران، لـ"العربي الجديد": إن "الاحتلال يخدع العالم حين يضع عشرات من جنوده الأسرى لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، كأنهم أصل القضية وسبب الحرب الدائرة حالياً منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي". ويؤكد بدران أن "حماس" معنية بوضع الشعب الفلسطيني في غزة ووقف العدوان بشكلٍ دائم وشامل، ولذلك هي مصرّة على أن هذا هو موضوع التفاوض والحديث مع مختلف الأطراف خلال الفترة الحالية قبل الحديث في بقية الملفات الأخرى.
وحسب بدران، فإنه وحتى الوصول إلى وقف كامل للعدوان الإسرائيلي على غزة، يمكن حينها أن تصبح القضايا الأخرى على الطاولة، وأهمها إغاثة القطاع وإعادة إعماره من جديد، إلى جانب فتح ملف صفقة التبادل الخاصة بالأسرى لدى المقاومة في غزة.
ويعتقد بدران أن "الدافع الرئيسي لتحرك الاحتلال خلال المرحلة الحالية والطلب من الوسطاء فتح ملف التبادل من جديد مرتبط بمواجهة الضغوط الشعبية المتزايدة والمتصاعدة، لا سيما من أهالي الأسرى لدى فصائل المقاومة الفلسطينية".
وشهدت الأيام الأخيرة عرض "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، و"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين، في سياق الضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية للقبول بوقف إطلاق النار قبل فتح ملف التفاوض، لا سيما مع مقتل عدد منهم جراء القصف العشوائي على القطاع. ويؤكد نائب الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين، محمد الهندي، أن موقف حركته متناغم مع موقف "حماس" بأنه لا تفاوض بشأن الأسرى الإسرائيليين لديهما قبل وقف إطلاق النار الشامل في غزة والانسحاب الكاملة من القطاع.
ويقول الهندي لـ"العربي الجديد": إنه "لا يوجد أي مجال لإجراء تبادل للأسرى في ظل هدنة مؤقتة تعاود إسرائيل بعدها القصف على المدنيين، إذ أن العدوان على غزة فشل في تحقيق أي من أهدافه باستثناء المجازر بحق المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال وكبار السن".
ووفق الهندي، فإن الاحتلال لم يحقق شيئاً إلا حرق المستشفيات ومراكز الإيواء وتنفيذ مجازر إبادة أمام العالم، في الوقت الذي يريد فيه استعادة أسراه وإغلاق هذا الملف الحساس مع الاستمرار في عدوانه على القطاع دون أي حساب.
لماذا ترفض حماس والجهاد التفاوض على الأسرى قبل وقف إطلاق النار؟
من جانبه، يرى الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي أن الهدن الإنسانية في الحروب لا يجب أن تكون مشروطة وليست لتبادل الأسرى، وهو أمر لا يريده الاحتلال الذي يرغب في أن تكون مشروطة، بحيث يحقق من خلالها أهدافاً أبرزها تبادل الأسرى وتخفيف ضغط المجتمع الإسرائيلي عليه.
ويقول عرابي لـ"العربي الجديد": إن "الاحتلال يريد أن يتخلص من خلال الهدن الإنسانية من ورقة الضغط التي تمتلكها المقاومة وتستخدمها ضده، وبالتالي فإن الطرف الإسرائيلي يريد هدنة إنسانية للتخلص من الضغط ومن أجل أسباب عملياتية يقوم من خلالها بإراحة جنوده".
ويلفت إلى أن "المقاومة ترفض ابتزازها في ملف الهدن الإنسانية من خلال موقفها الواضح باشتراط وقف إطلاق النار الشامل لإجراء مفاوضات لتبادل الأسرى، وتسعى كذلك إلى تحسين ظروف الناس في غزة وتحسين الأوضاع المعيشية في ظل الحرب الحالية".
ويضيف أن الاحتلال يبحث عن الهدن الإنسانية حالياً لكبح جماح المقاومة عملياتياً، إلى جانب إفراغ حالة التضامن الشعبي والدولي مع القضية الفلسطينية، في ظل تزايد الضغط والتخفيف من حالة الانتقاد المتصاعدة بشكلٍ كبير في الأسابيع الأخيرة من الحرب الدائرة حالياً.
ويشير عرابي إلى أن "مسارات التفاوض هذه المرة تبدو مختلفة عن المرة الماضية، حيث كانت المقاومة هي من تسعى لها في المرة السابقة لكبح جماح العدوان والتخفيف من الضغط على الفلسطينيين في غزة، وهو أمر اختلف هذه المرة في اشتراطها وقف شامل للحرب.