عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: الذكاء الاصطناعي.. آلة للإعمار والدمار الخميس 28 ديسمبر 2023, 9:22 am
الذكاء الاصطناعي.. آلة للإعمار والدمار
هل خطر في بالك يوما كيف يعرف الموقع الذي تتصفحه أنك تبحث عن حقيبة جديدة فيعرض عليك إعلانات موجهة خاصة
بهذه السلعة؟ أم كيف يتعرف هاتفك (الذكي) على وجهك عندما تنظر في الشاشة فيفتح قفله المغلق؟ أم كيف تعرف منصة
فيسبوك أنك تحب قراءة منشورات صديق معين فيعرضها لك في مقدمة المنشورات؟
تتداخل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع العديد من نشاطاتنا اليومية فتعيننا على أداء مهمات وتسهيل حاجيات وتحسين كثير
من الخدمات. لكن يغيب عن البعض أن لهذه التقنية المتقدمة جانبا مظلما يعمل أثره السلبي في حياتنا بشكل جلي أو خفي قد
يصل في أحيان إلى تدمير مدن وقتل مدنيين وأطفال.
يمكن تشبيه أنظمة الذكاء الاصطناعي بتطور الطفل الصغير يتعلم الكلام والتعامل مع مواقف الحياة المختلفة من خلال
مشاهدة أمثلة وتعلم أنماط من تصرفات من حوله ثم تعميم هذه الأمثلة والأنماط على مواقف جديدة في حياته.
صناعة الذكاء يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تعليم الآلات (مثل أجهزة الحاسب أو الهواتف الذكية) كيف تكتسب القدرة على المحاكمة
والاستنتاج بدون تدخل مباشر من المستخدم بحيث تصبح قابلة على القيام بإجراء ما كإيقاف تحويل بنكي لأن المعاملة
مشكوك بها مثلا، أو كترشيح لمقطع فيديو قد يعجبك على منصة يوتيوب بناء على مشاهداتك السابقة ومعلومات أخرى
تعرفها المنصة عنك.
عملية تدريب الآلة هذه لها عناصر ثلاثة:
الأول: كمية كبيرة من المعطيات والبيانات (مثل الصور والنصوص وغيرها). الثاني: خوارزميات ومعادلات رياضية تهضم هذه البيانات –والهدف هنا تعريض الخوارزمية لكم كبير من الأمثلة لمساعدتها
على استنتاج أنماط عامة من هذه الأمثلة. الثالث: استخدام هذه الأنماط المستنتجة للتنبؤ (الرياضي) بنتائج لم تكن مشمولة في البيانات والأمثلة التي استخدمت في
مرحلة التدريب، وهذه الأخيرة هي الغاية المطلوبة من هذه التطبيقات (أي بناء قدرة الآلة على تجاوز الأمثلة المقدمة
واستقراؤها في وضع جديد). يمكن للتبسيط تشبيه أنظمة الذكاء الاصطناعي بتطور الطفل الصغير يتعلم الكلام والتعامل مع مواقف الحياة المختلفة من
خلال مشاهدة أمثلة وتعلم أنماط من تصرفات من حوله ثم تعميم هذه الأمثلة والأنماط على مواقف جديدة في حياته. أذكر مثال
الطفل هنا لتقريب الفكرة مع التنبيه لفوارق عدة أهمها أن للطفل إرادة واعية وفهم فطري لا تملكه أنظمة الحاسب وهذه نقطة
يكثر الجدل فيها بين من يعتقد أنه يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تطور وعيا تشبه به البشر ومن يرفض الفكرة. وقد
شاعت هذه الأفكار في الخيال العلمي حتى غدا البعض يخشى أن الذكاء الاصطناعي سيكتسب ذكاء البشر وربما يسبقنا به
ويسيطر على العالم يوما ما. ولعلي أرجع لهذه النقطة بتدوينة مستقلة أستوفي فيها نقاط الاختلاف.
شاهدنا مؤخرا تقارير عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الجيش الإسرائيلي في عدوانه على غزة وما نتج عنه
مقتل عدد مهول من المدنيين العزل في منازلهم وتدمير للبنية التحتية غير مسبوق في تاريخ الحروب المعاصرة.
أداة للخير والشر قبل ذكر المحاذير لا بد أن أنوه أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تدخل في الكثير من الاستخدامات المفيدة لا بل والحيوية أيضا
أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: تطبيقات الهواتف المحمولة والتسويق والاتصالات والطاقة والمعاملات البنكية
والتحويلات المالية والملاحة وحتى في التشخيص الطبي وتطوير الدواء. ومنها أبضا تطبيقات في حماية البيئة والإغاثة في
الحروب والكوارث الطبيعية. ولها دور في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق تطبيقات تساعد من يعاني من
صعوبات مؤقتة أو دائمة في النطق حيث تراعي هذه التطبيقات صعوبات النطق الخاصة بالمستخدم، أو الصعوبات البصرية
حيث يستخدم الصوت للوصول الى شبكة الإنترنت والتفاعل مع محتواها.
لكن للذكاء الاصطناعي أيضا محاذير ينتج عنها أضرار على الأفراد والمجتمعات إذا أهملت. فهو كباقي تطبيقات العلوم
والتكنولوجيا تحتاج إلى بعد أخلاقي يراقب آثارها على المجتمع ويرشد مسارها. ألخص بعض هذه المخاطر في ثلاث نواح
أساسية ولعلي أفصل فيها في مدونات لاحقة إن شاء الله:
الانحياز والتمييز العنصري: أحد أكبر محاذير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تكتب عنها الدراسات ويحذر من مخاطرها
الباحثون هو الانحياز المبطن الضمني في أنظمة الذكاء الاصطناعي والتي تنتج في الغالب من مضمون البيانات المستخدمة
لتدريب الخوارزمية. حيث تحمل هذه البيانات في طياتها انحيازات تتعلمها الخوارزمية فتعممها على شكل أنماط منحازة فتتنبأ
بنتائجها بناء على ذلك المضمون المنحاز. كمثال على ذلك نجد في بعض التطبيقات أن البيانات المستخدمة للتدريب مصدرها الإنترنت فهي تحتوي على معلومات
مشوهة عن المرأة المسلمة المحجبة في صورة امرأة ضعيفة مقهورة غير متعلمة عاكسة بذلك أنماطا من التحيز غير
مقصودة لكنها نتاج بيانات منحازة أصلا ملأت بها حبائل الشبكة العنكبوتية. وقد تنبه الباحثون في هذا المجال لهذه المسألة
وطوروا أساليب وأدوات لكشفها والحد من آثارها.
تطبيقات في الشر: ومنها تطبيقات إما معدة خصيصا لأهداف غير أخلاقية أو أن لها تطبيقات عامة واستثمرت في مساحات لا
أخلاقية. كما في أنظمة التعرف على وجوه المتظاهرين وحملات التأثير على الرأي العام (في مواسم الانتخابات مثلا) وفي
الرقابة على محتوى معين في وسائل التواصل الاجتماعي بغرض كف الأفواه. وقد شاهدنا مؤخرا تقارير عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الجيش الإسرائيلي في عدوانه على غزة وما نتج
عنه مقتل عدد مهول من المدنيين العزل في منازلهم وتدمير للبنية التحتية غير مسبوق في تاريخ الحروب المعاصرة.
الأضرار البيئية: تتطلب عملية التدريب في معظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمية كبيرة من الطاقة التي تصرف على تشغيل
وتخفيض درجة حرارة المعالجات الحاسوبية الفائقة المستخدمة في إعداد أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويكون لمعظم هذه الطاقة
المصروفة بصمة كربون لا يستهان بها. فمثلا وجد الباحثون أن عملية تدريب بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تنتج من الكربون خمسة أضعاف ما تنتجه السيارة
خلال عمر استخدامها. ولا تزال هذه المسألة تشغل الباحثين اليوم وقد نشط بعض من يهتم بالقضايا البيئية والأخلاقية
بالتوعية بها والسعي لإيجاد حلول لها.
يتطور حقل الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة وتتوسع تطبيقاته بصورة يصعب حصرها.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تختلف كثيرا عن باقي تطبيقات العلوم والتكنولوجيا من حيث قابليتها للخير والشر. فكما ينتج
عن بعض تطبيقات الكيمياء والبيولوجيا السموم وتلوث الهواء والماء، تسهم نفس هذه العلوم في تصنيع الدواء وإيجاد
الحلول لإصلاح مشاكل البيئة. وكما تستخدم معادلات الفيزياء في تصنيع السلاح النووي الفتاك، تستخدم أيضا نفس هذه
المعادلات في إنتاج طاقة بديلة وتحررنا من الاعتماد على المحروقات الملوثة. وكذلك الحال في الذكاء الاصطناعي حيث يمكن
كما عرضت أن تكون لها استخدامات في نشر الخير واستعمار الأرض كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى، وأخرى سلبية مدمرة.
وتقع المسؤولية على الباحث والدارس والمطور في مراقبة غايات تطبيقات هذه التقنيات وفي مراعاة الجانب الأخلاقي
كأولوية وضرورة ملحة ويشاركهم في هذه المسؤولية صناع القرار في مجالات الأعمال والسياسة.
يتطور حقل الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة وتتوسع تطبيقاته بصورة يصعب حصرها. ولعلي أكتفي بهذا كمقدمة وللحديث
بقية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الذكاء الاصطناعي.. آلة للإعمار والدمار الجمعة 29 ديسمبر 2023, 11:41 pm
نظام "غوسبل".. كيف ترتكب إسرائيل إبادة جماعية بالذكاء الاصطناعي؟
منذ بداية العدوان على قطاع غزة توسع جيش الاحتلال توسعا هائلا وصلت لاستخدام التقنية في قصفه لأهداف لا تمت بأي صلة لأهداف عسكرية
أكثر من 21 ألف شهيد، و55 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، هي الحصيلة الدامية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقا لما أعلنته وزارة الصحة بالقطاع الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول (1). هذه الحصيلة المرعبة من الضحايا المدنيين كانت نتيجة لتوحش هجمات جيش الاحتلال، عبر تحديد أهداف جديدة لقصفها بوتيرة متسارعة للغاية بمساعدة منصة جديدة نسبيا لتحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي والمعروفة باسم "غوسبل" (The Gospel). في شهر يوليو/تموز الماضي، أشار تقرير لصحيفة "بلومبيرغ" إلى أن جيش الاحتلال بدأ في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف للغارات الجوية وتنظيم الخدمات اللوجستية المرتبطة بها أثناء الحرب (2). وفي أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشر الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي بيانا مختصرا يوضح فيه كيفية استخدام نظام "غوسبل" في الحرب الدائرة حاليا على قطاع غزة، إذ تستخدمه وحدة الأهداف، التابعة للاستخبارات الإسرائيلية، لإنتاج عدد كبير جدا من الأهداف بوتيرة متسارعة بناء على أحدث المعلومات الاستخباراتية التي تغذي النظام.
بعد ذلك، يقدم النظام توصياته لأحد المحللين الذي يقرر بدوره ما إذا كان سيمررها إلى الجنود وقائدي الطائرات التي تتولى عمليات القصف في الميدان (3). كما ذكر الموقع أن وحدة الأهداف يمكنها إرسال تلك التوصيات إلى القوات الجوية والبحرية والبرية عبر تطبيق يُعرف باسم "عمود النار" (Pillar of Fire)، الذي يحمله قادة الجيش على الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى التابعة للجيش. الهدف المعلن من استخدام هذا النظام الجديد هو تقليل عدد الضحايا من المدنيين، واستهداف المقاتلين من حركة حماس وسائر فصائل المقاومة، لكن هذا الهدف ثبت أنه ادعاء مضلل مثله مثل سائر الادعاءات التي يلقيها جيش الاحتلال الإسرائيلي ليل نهار.
وحدة الأهداف
بدأ عمل وحدة الأهداف منذ عام 2019 (4)، وساعدت تلك الوحدة جيش الاحتلال على بناء قاعدة بيانات ضخمة لنحو 30-40 ألف شخص مستهدف داخل غزة، ولعب نظام "غوسبل" دورا حاسما في وضع قوائم لهؤلاء الأشخاص المُستهدف اغتيالهم عبر القصف. خلال العمليات العسكرية السابقة على قطاع غزة، كان جيش الاحتلال يواجه معضلة في تحديد الأهداف بتدفق مناسب يتلاءم مع وتيرة القصف الوحشية، لهذا أنشأت المخابرات الإسرائيلية وحدة الأهداف بهذه الإمكانيات التقنية، لتسمح أنظمة مثل نظام "غوسبل" للجيش الإسرائيلي بتحديد مواقع ومهاجمة مجموعة أكبر بكثير من الأهداف داخل القطاع. خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، قصف الجيش الإسرائيلي 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى كثيرًا من العمليات العسكرية السابقة على القطاع (الأناضول) في مقابلته مع صحيفة "يدعوت أحرونوت" الإسرائيلية في شهر يونيو/حزيران الماضي (5)، ذكر أفيف كوخافي، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أن وحدة الأهداف تضم مئات الضباط والجنود وتدعمهم إمكانات الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أنها "آلة تنتج كميات هائلة من البيانات بصورة أكثر فعالية من أي إنسان، ثم تترجمها إلى أهداف يمكن مهاجمتها". وذكر أنه بمجرد تفعيل النظام، في حرب 2021، كان ينتج 100 هدف جديد كل يوم، في حين أن الجيش سابقا كان ينتج 50 هدفا في غزة خلال عام كامل، لكن وفقا لتصريحه "أنتج هذا النظام الجديد 100 هدف في يوم واحد، يستهدف الجيش منهم 50% فعلا بالقصف". ووفقا للأرقام التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال الأيام الـ35 الأولى من الحرب، قصف الجيش 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى كثيرا من العمليات العسكرية السابقة على القطاع، مثلا بالمقارنة مع حرب 2014، التي استمرت 51 يوما، وقصف جيش الاحتلال خلالها ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف هدف (6).
نظام غوسبل
وفقا لما ذكره الموقع الرسمي لجيش الاحتلال، فإن نظام "غوسبل" من تطوير وحدة الاستخبارات الشهيرة 8200، وهو نظام حديث نسبيا، وأشار إليه الموقع الرسمي لأول مرة عام 2020 بوصفه أحد المشاريع التي حصلت على جائزة الابتكار التي يقدمها جيش الاحتلال (7). كانت التجربة الأولى للنظام في حرب 2021 على قطاع غزة، إذ استخدمه الاحتلال لتحديد أهداف ثابتة ومتحركة في ساحة القتال، ووصل عدد الأهداف حينها إلى 200 هدف، وفقا لتقرير من المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي (، وهو مركز بحثي أميركي يعمل على تعزيز وتسهيل التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يُعَدُّ نظام "غوسبل" حلقة ضمن سلسلة أنظمة الذكاء الاصطناعي العديدة التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية، تتولى تلك الأنظمة عملية تجميع وتصنيف كميات هائلة من البيانات والمعلومات الاستخباراتية، ثم تغذي تلك البيانات هذا النظام، الذي يمكن اعتباره النظام الأخير في تلك السلسلة، وهنا يقوم بدوره في تقديم توصيات بقصف أهداف على الأرض لأحد المحللين البشريين في وحدة الأهداف.
يحلل النظام الكثير من البيانات، ويحدد أماكن قد يوجد بها أعضاء المقاومة، مع محاولة التنبؤ بعدد الضحايا من المدنيين ممن قد يصيبهم قصف تلك الأماكن. يعتمد النظام على منطق الاحتمالات، وهي من السمات المميزة لخوارزميات تعلم الآلة (9)؛ تبحث الخوارزمية داخل مجموعات ضخمة من البيانات في محاولة للعثور على أنماط تتطابق مع سلوك مقاتلي المقاومة. تتعلم تلك الخوارزميات من خلال البيانات، ويعتمد نجاحها على جودة وكمية تلك البيانات، ثم تقدم توصياتها للأهداف استنادا إلى الاحتمالات. يعني ذلك أنه إذا امتلك أحد الأشخاص جوانب تشابه كافية مع أشخاص آخرين مُصنفين بأنهم مقاتلو المقاومة، فسوف يُصنَّف هذا الشخص أيضا مقاتلا. تلك العملية تقوم في الأساس على افتراض أو احتمال أن هذا الشخص يتشارك صفات مع أحد عناصر المقاومة، وليس على اليقين المطلق أنه ينتمي إلى المقاومة فعلا، ما يعني توسيع دائرة المستهدفين لأقصى حد. لا نعرف تحديدا ما البيانات التي يستخدمها النظام ليقدم اقتراحاته للأهداف، لكن يذكر الخبراء (3) أنها قد تأتي غالبا من عدّة مصادر، مثل صور الأقمار الاصطناعية، والصور التي تلتقطها الطائرات المسيّرة، والمعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، وبيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأشخاص المستهدفين. ومع ذلك، فإن أحد عوامل الخطر في خوارزميات الذكاء الاصطناعي هو أنها تعيد إنتاج التحيزات التي تدربت عليها؛ وما أظهرته دولة الاحتلال على مدار سنوات طويلة من وحشية، يدعونا للتساؤل عن الطريقة التي تُصنَّف بها الأهداف بناء على تحيزات جيش الاحتلال. ربما يفسر هذا سبب قدرتها على توليد هذا الكم الهائل من الأهداف الجديدة للقصف، لأن أي مواطن فلسطيني ببساطة، في نظر إسرائيل، يمكن أن يكون هدفا قابلا للقصف.
مصنع إعدام جماعي
أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية السابقين وصف النظام بأنه "مصنع إعدام جماعي"، وفقا لتحقيق استقصائي مشترك أجرته مجلة "972+" وموقع "لوكال كول" الإسرائيليان، واعتمد على شهادات سبعة أعضاء حاليين وسابقين في الاستخبارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى شهادات وبيانات ومعلومات فلسطينية، والبيانات الرسمية التي أدلى بها المتحدث باسم جيش الاحتلال وغيره من المؤسسات الرسمية (10). يؤكد التحقيق أنه على عكس المفترض من استخدام مثل تلك الأنظمة المتطورة من أجل تقليص عدد الضحايا، ومحاولة تقليل "الأضرار الجانبية"، كما يسميها جيش الاحتلال، أي عدد الضحايا من المدنيين ممن سيصيبهم هذا القصف، فإن ما يحدث فعليا هو أن النظام يُستخدم مصنعا للأهداف التي يمكن قصفها، حتى تتمكن قوات الجيش الإسرائيلي من الاستمرار في قصف غزة بهذا المعدل المرعب، والهدف في النهاية هو عقاب جماعي لكل مواطني القطاع الأبرياء. وقد قال أحد المصادر، الذي عمل في وحدة الأهداف الجديدة، إنهم "يجهزون الأهداف تلقائيا ويعملون وفقا لقائمة أهداف، تماما مثل المصنع"، ويهتمون بالسرعة على حساب استهلاك مدّة زمنية كافية للتعمق ومعرفة تفاصيل أكثر عن هذا الهدف. الفكرة هنا أن تقييم محللي الوحدة يعتمد على نجاحهم في تحقيق أكبر عدد من الأهداف، ليصبح الاهتمام الأساسي هو الكم وليس التدقيق في الأهداف التي وضعها نظام "غوسبل" داخل هذه القائمة.
كما أكدت العديد من المصادر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يملك فعلا ملفات حول أغلب الأهداف المحتملة في غزة، بما فيها المنازل، التي تحدد عدد المدنيين ممن يُحتمل تعرضهم للموت في حالة قصف أحد الأهداف القريبة، وهذا الرقم محسوب ومعروف مسبقا لوحدات الاستخبارات، التي تعرف أيضا، قبل وقت قصير من تنفيذ الهجوم، عددا تقريبيا للمدنيين المؤكد سقوطهم جراء هذا القصف. مثلا ذكر أحد المصادر، في التحقيق السابق، أن قيادة الجيش وافقت، عن علم، على قتل مئات المدنيين الفلسطينيين في محاولة لاغتيال أحد قادة حماس العسكريين، إذ ذكر المصدر أن مقدار الضحايا السابق المسموح به عند تنفيذ أي استهداف، وهم خمسة أشخاص، قد تغير وارتفع إلى مئات الضحايا باعتبارهم "أضرارا جانبية". وإذا وسعنا قائمة الأهداف الإسرائيلية لتشمل أي شخص يُشتبه ولو من بعيد في انتمائه إلى المقاومة، أيًّا كان مكان سكنه داخل غزة، فيمكننا أن نفهم لماذا تسبب القصف الصهيوني في استشهاد عائلات بأكملها عن عمد في واحدة من أكبر جرائم الحرب في العصر الحديث.
استهداف المدنيين
لا تقف الوحشية عند حد التوسع في تقدير "الأضرار الجانبية"، فالحقيقة أن المدنيين باتوا أهدافا مقصودة للقصف الإسرائيلي. فمنذ بداية العدوان على قطاع غزة توسع جيش الاحتلال توسعا هائلا في قصفه لأهداف لا تمت بأي صلة للمقاومة، مثل المساكن والمباني العامة كالمستشفيات والأبراج والبنية التحتية للقطاع، التي ذكرت المصادر أن جيش الاحتلال يصنّفها بأنها ضمن فئة "أهداف القوة".
بحسب التحقيق الاستقصائي سابق الذكر (10)، يمكن تقسيم تلك الأهداف الإسرائيلية في غزة إلى أربع فئات: الفئة الأولى هي "الأهداف التكتيكية"، وتشمل الأهداف العسكرية مثل العناصر المسلحة ومستودعات الأسلحة وقاذفات الصواريخ ومراكز القيادة ونقاط المراقبة. بينما الفئة الثانية "الأهداف تحت الأرض"، وهي الأنفاق التي تستخدمها المقاومة، وقد أدت الضربات الجوية التي استهدفتها إلى انهيار المنازل الموجودة فوق الأنفاق أو بالقرب منها. أما الفئة الثالثة فأطلقوا عليها "أهداف القوة"، وتشمل المباني الشاهقة والأبراج السكنية في قلب المدينة، والمباني العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية، والفكرة وراء ضرب مثل هذه الأهداف، كما ذكرت ثلاثة مصادر استخباراتية شاركت في تخطيط أو تنفيذ تلك الضربات، هو "توليد حالة من السخط والضغط على حماس من مواطني غزة". والفئة الرابعة هي "منازل العائلات" أو "منازل النشطاء"، وهذا النوع كان سببا أساسيا في ارتفاع عدد الضحايا بهذا الشكل الجنوني، فبحسب المصادر فإن القوات الإسرائيلية من أجل تدمير منزل لأحد أفراد المقاومة موجود داخل بناية سكنية من عدة طوابق كانت تدمر البناية بأكملها، رغم أن دولة الاحتلال بالفعل تمتلك تقنيات يمكنها استهداف موضع محدد في البناية. ذكرت مصادر مختلفة، ممن خدموا في وحدات استخبارات الجيش الإسرائيلي، أنه سابقا كانت بروتوكولات الجيش تسمح بمهاجمة "أهداف القوة" فقط إذا كانت المباني خالية من السكان وقت القصف. لكن ما يحدث حاليا يناقض ذلك تماما، وتُهاجم تلك الأهداف دون إشعار مسبق للمواطنين، مما يؤدي إلى استشهاد عائلات بأكملها تحت الأنقاض. وأوضحت المصادر أن السبب وراء ذلك هو أن "كبار مسؤولي الجيش يدركون فشلهم بعد 7 أكتوبر، وينشغلون بكيفية تقديم صورة للانتصار لإرضاء الرأي العام الإسرائيلي في محاولة لإنقاذ ما تبقى من سُمعتهم داخليا".