خانيونس تحت النار... مخطط إسرائيلي لتهجير جميع السكان
يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تكثيف القصف والغارات وتشديد الحصار على مدينة خانيونس، أملاً في أن يتمكن من إجبار أهلها على المغادرة، باعتبار ذلك خطوة كبيرة في إنهاء الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، قبل تحويل القطاع إلى مجموعة من المنشآت العسكرية المحيطة بالمستوطنات، لكن كل تلك المساعي يقابلها صمود الغزيين في المدينة التي تظل خطط احتلالها وتفريغها شديدة التعقيد.
يتواصل القصف على خانيونس عبر البوارج البحرية من الجهة الغربية للمدينة، وعبر المدفعية من الناحية الشرقية التي تضم منطقة البلدات والقرى، فضلاً عن تكرار القصف الجوي. وأكد الاحتلال، قبل أيام، توسيع العمليات على المدينة بحجة أن قيادات المقاومة الفلسطينية تختبئ فيها، كما ألقى عبر الطائرات منشورات يهدد فيها سكان المناطق الجنوبية من مدينة خانيونس، ويطلب منهم المغادرة إلى مدينة رفح، لأن مناطقهم ستكون غير آمنة، وستتحول إلى ساحة قتال.
حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كانت مدينة خانيونس هي أكثر المناطق اكتظاظاً بالنازحين في القطاع، إذ استقبلت منذ بداية العدوان الإسرائيلي مئات آلاف النازحين من مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع، وتوزع الكثير من النازحين على خيام في مخيم خانيونس الذي أنشأته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في المنطقة الصناعية، إضافة إلى المدارس التي تتبع الوكالة، وعددها 16 مدرسة، ولا يزال الكثير من النازحين يحتمون فيها حتى الآن.
كانت مدينة خانيونس أكثر المناطق اكتظاظاً بالنازحين في قطاع غزة
ومع تزايد أعداد المنشورات التي تلقيها الطائرات الإسرائيلية، والتي تطلب إخلاء العديد من المناطق، والبعد عن مناطق القتال، وعدم التعاون مع المقاومة، أو تطلب من السكان معلومات في مقابل إغراءات مالية، تزداد المخاوف من تكرار السيناريو الذي تعرضت له مدينة غزة ومحافظة الشمال من جديد في مدينة خانيونس، وأن تجري اقتحامات لمدارس أونروا المكتظة، ويتم اعتقال أو قتل النازحين.
نزح كمال شاهين من مدينة غزة بعد تهديدات الاحتلال، وكان من أوائل الناس الذين استأجروا منزلاً صغيراً في مدينة خانيونس. كان المنزل عبارة عن غرفتين وحمام ومطبخ صغير، لكنه كان يؤوي كثيرا من النازحين معه، ووصل العدد في بعض الأيام إلى 32 فرداً في مساحة لا تتجاوز 70 متراً.
يقبع شاهين حالياً في المنزل الذي نزحت إليه عائلته على أطراف مخيم خانيونس، في المنطقة التي يطالب الاحتلال آلاف النازحين من كل المناطق بضرورة مغادرتها، وهو يبحث منذ أيام عن مكان يؤوي أسرته في مدينة رفح. يقول لـ"العربي الجديد": "أبحث عن مكان في رفح، لكن كل من أسألهم يؤكدون لي عدم توفر الأماكن، وأنهم يبيتون في الشارع. لا توجد غرفة ولا خيمة متاحة في رفح، ما يجعلنا مجبرين على البقاء في خانيونس، فنحن عاجزون عن النزوح في ظل عدم توفر أماكن للإيواء، إذ تكتظ المنازل والمدارس بآلاف من النساء والأطفال بينما يبقى الرجال في الشوارع، أو داخل خيام مهترئة. مصيرنا مجهول بعد رحلة النزوح الطويلة، وأخشى أن ينتهي بنا الحال إلى الاعتقال أثناء اجتياح الاحتلال للمدينة، أو الموت تحت ركام القصف".
مخاوف من تكرار سيناريو مدينة غزة ومحافظة الشمال في خانيونس
ودفع الاحتلال أكثر من 60 في المائة من سكان مناطق خانيونس إلى النزوح، بعد أن بدأ التوغل البري في المنطقة الشمالية لبلدة القرارة، والمنطقة الغربية القريبة من مدينة حمد السكنية، والبلدات والقرى الواقعة شرقي المدينة التي كانت أكثر مدينة حيوية في قطاع غزة منذ بداية العدوان رغم كل الظروف الصعبة.
نزح أحمد الفرا (27 سنة) من مدينة خانيونس إلى مدينة رفح رفقة 30 فرداً من عائلته، تاركين منزلهم في منطقة السطر الغربي الذي كان يؤوي مئات النازحين من أبناء عمومته وأقارب والدته، وجميعهم باتوا نازحين.
يقول الفرا لـ"العربي الجديد": "نحن من سكان مدينة خانيونس الأصليين، واستشهد عدد كبير من أفراد عائلتي خلال القصف المتكرر على المدينة، وكان من بين الشهداء نازحون من أقاربنا، ودمر الكثير من منازل عائلتي، ونحن حالياً نازحون في مدينة رفح، وفي الأيام التي نتمكن فيها من توفير الطعام، نعتبر ذلك إنجازاً كبيراً، وبعض أقاربي الآن على الحدود المصرية".
حجم الدمار في خانيونس مؤشر على التهجير (محمد زنون/فرانس برس)
حجم الدمار في خانيونس يؤشر إلى تعمد التهجير (محمد زنون/فرانس برس)
يضيف "كانت خانيونس تضم آلاف النازحين من مدينة غزة والشمال، وجميع هؤلاء كانوا ينتظرون انتهاء العدوان للعودة إلى مناطقهم، لكنهم أجبروا على النزوح عدة مرات وصولاً إلى مدينة رفح، والآن يحلمون بالعودة إلى مدينة خانيونس لأن رفح مكتظة بشكل لا يعقل، وهي أصغر من حيث المساحة من مدينة خانيونس. يسيطر علينا في الوقت الحالي هاجس التهجير، والبعض ينتظرون مناشير المغادرة إلى سيناء. هذا كابوس نتمنى أن ينتهي سريعاً لأننا لا نريد وطناً بديلاً، أو التهجير إلى دولة أخرى".
ويعيش الغزيون أوضاعاً شديدة القسوة في مدينة رفح المكتظة، والتي تعاني من قلة الإمكانيات اللازمة لخدمة مئات آلاف السكان، كما أن المساعدات الإنسانية التي تصل إليها لا تزال محدودة للغاية، ولا تلبي احتياجات السكان والنازحين.
حاصر الجيش الإسرائيلي محيط منزل أيمن أبو حطب (45 سنة) في مدينة خانيونس، ودمر القصف أجزاء من المنزل، وعند انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة، نزح رفقة أسرته وأقاربه النازحين إلى مدينة رفح.
يعاني أبو حطب من مرض الربو، ولم يجد مأوى في رفح، وعندما فقد وعيه بسبب الاكتظاظ الذي لا يتيح للأشخاص الحصول على الهواء النقي الكافي، ساعده بعض الناس بتوفير خيمة قريبة من الحدود المصرية له ولأسرته، كما أصبح قادراً على الحصول على العلاج من النقطة الطبية المخصصة للنازحين إلى المنطقة الحدودية. يقول أبو حطب لـ"العربي الجديد": "كانت مدينة خانيونس مفعمة بالحياة، حتى بعد العدوان، ورغم كل المشكلات الصعبة، وكانت تشهد ألفة غير عادية، وتكافلا بين الناس، لكننا أجبرنا على التهجير. الاحتلال يريد تهجيرنا إلى سيناء بأي شكل، لكني لا أريد أن أصبح لاجئاً في سيناء، فقد ولدت في مخيم خانيونس وترعرعت فيه، ولن أقبل أن أكون لاجئاً من جديد خارج غزة".
ووثق مكتب الإعلام الحكومي في غزة ووزارة الصحة هجمات إسرائيلية عديدة على مناطق جنوبي القطاع، في الوقت الذي يطلب فيه جيش الاحتلال من الغزيين النزوح إلى الجنوب باعتبار مناطقه آمنة، كما ارتكب العديد من المجازر بحق المدنيين في خانيونس، وفي رفح، واستشهد مئات النازحين الذين هربوا جنوباً فيها، وتشير البيانات الرسمية إلى سقوط أعداد كبيرة من النازحين شهداء في مدينة خانيونس خلال المجازر التي ارتكبها الاحتلال في الشهر الأخير من العام الماضي.
وبعد تهجير أجزاء كبيرة من مدينة خانيونس نحو مدينة رفح، أكد مكتب الإعلام الحكومي أن نحو مليون ونصف المليون مواطن غزي تركوا منازلهم بسبب تهديدات وقصف الاحتلال، وأن غالبية هؤلاء أصبحوا نازحين بلا مأوى.
يقول مدير مكتب الإعلام الحكومي، إسماعيل الثوابتة "هناك توقعات بظهور المزيد من العقبات والمشكلات ضمن المساعي المتكررة للاحتلال لزيادة أعداد المهجرين عبر تدمير المزيد من المنازل، وتهديد المزيد من المناطق. يقدر عدد سكان مدينة رفح في الوقت الحالي بقرابة مليون مواطن، وغالبيتهم نازحون قدموا من مدينة خانيونس، والتي كانت في بدايات شهر ديسمبر/كانون الأول، تضم قرابة مليون نسمة، قبل الهجوم الإسرائيلي على أطراف المدينة".
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نزح ما يصل إلى 1.9 مليون شخص داخل مناطق قطاع غزة، بحسب بيانات وكالة أونروا، ما يمثل أكثر من 85 في المائة من إجمالي السكان في مختلف محافظات القطاع، والكثير منهم نزحوا عدة مرات، أو أجبروا على التنقل بشكل متكرر بحثاً عن الأمان. وحالياً، يلجأ ما يقارب 1.37 مليون نازح في 156 منشأة تابعة للوكالة في محافظات قطاع غزة الخمس، بما في ذلك 160 ألف نازح مازالوا في محافظة الشمال ومدينة غزة.