ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: لماذا أمر الله بني إسرائيل بذبح البقرة؟ سيكولوجية القصص القرآني الخميس 04 يناير 2024, 11:42 pm | |
| اهتمت بعض كتب المعاصرين ممن تناولوا القصة القرآنية، بما يسمى: (علم نفس الجريمة)، وبخاصة عند دراسة خصوم الإسلام وأعدائهلماذا أمر الله بني إسرائيل بذبح البقرة؟ سيكولوجية القصص القرآني أبرز ميدانين يتضح فيهما أهمية هذا اللون من التفسير، هما: ميدان القصص القرآني، وميدان آيات الأحكام التي تتعلق بالأحكام التشريعية من أوامرَ ونواهٍ، وإذا كان القصص القرآني قد استوعب ما لا يقلّ عن نصف القرآن، فإن أي تفسير نفسي له، ستكون القصة القرآنية هي الميدان الرحب الذي ينطلق منه، أو يتضح منه أهمية هذا اللون من التفسير.فالقصة القرآنية بوجه عام، قد شرَّحت النفس البشرية، وبينت جوانب انفردت بها عن جميع القصص البشري والسماوي السابق، سواء أوضحت ذلك في القصة بشكل بيّن، أو ضمنته ضمن الدروس والعبر التي تستخرج منها، وهو ما لم يهتم ببيانه وإيضاحه المفسرون القدامى، للأسف، وإن بدا في بعض نظرات طفيفة منهم، وحاولت دراسات أكاديمية معاصرة، أن تقترب من ذلك، لكن دون الإفاضة والإحاطة الكاملة بذلك.أطروحة عن الموضوعورغم صدور رسالة دكتوراه بعنوان: (سيكولوجية القصة في القرآن) للتهامي نفرة، سنة 1971م- وهو كتاب رائد ومهم في الموضوع، وإن أطال الكاتب النفَس في الجزء النظري عن القصة القرآنية، وهل هي أسطورة أم لا؟ وعند حديثه في الجانب التحليلي للقصة القرآنية، وذكر نماذج منها، وهي عمل مهم في الباب- لكن حَكمته متطلبات البحث الأكاديمي، من حيث تحديد مساحة البحث، ولم يكن بإمكانه تناول القصص القرآني كاملًا.وقد كان المأمول منه بعد الأطروحة، أن يبني عليها بأعمال تكمل ما بدأه، كما رأينا في نموذج الأستاذ سيد قطب، عندما كتب كتابه: (التصوير الفني في القرآن)، وقد كان النظرية التي وضعها للتعامل مع القرآن، ثم أتبعه بالتطبيق وأصدر كتابه: (في ظلال القرآن)، وهو ما لم نرَه للدكتور التهامي نفرة بعد عمله المهم.وقد سبقه ولحقه عدد من العلماء المعاصرين من المعنيين بالدراسات القرآنية، أو بالتفسير، فالتقطوا لقطات مهمة في سيكولوجية القصص القرآني، والجانب النفسي المهمّ في القصص، سواء كان القصص متعلقًا بالرسل والأنبياء، أم متعلقًا بالجبابرة والحكّام الذين واجهوهم، أو قصص المؤمنين، أو قصص الكافرين أو الملحدين عبر التاريخ من خلال القصة القرآنية، ونسوق بعض هذه اللفتات التي تدل على أهمية أن يكون هناك عمل كامل وليس مجرد وقفات محدودة.القصص القرآني وعلم نفس الجريمةاهتمت بعض كتب المعاصرين ممن تناولوا القصة القرآنية، بما يسمى: (علم نفس الجريمة)، وبخاصة عند دراسة خصوم الإسلام وأعدائه، وبخاصة حديث القرآن عن بني إسرائيل، وبدا هذا الاهتمام يزداد بعد عودة العداء واحتلال أراضيهم، فاهتمت كتب بقصص بني إسرائيل، وتشريح صفاتهم الخُلقية والنفسية، وذلك من خلال عرض آيات القرآن في حديثه عن قصصهم مع أنبيائهم، ومع نبي الإسلام، صل الله عليه وسلم.بقرة بني إسرائيل وضرب القاتل بجثمان القتيلولعل أول من لفت النظر إلى التأمل في الجانب النفسي في القصص القرآني من المعاصرين: الشيخ عبد الوهاب النجار، في كتابه: (قصص الأنبياء)، والكتاب كان مقررًا على طلبة الأزهر، وكتبت لجنة من علمائه تقريرًا ينتقد عددًا من الموضوعات في الكتاب؛ لأن المؤلف كانت له نظرات خاصة في بعض الأحداث.عند حديث الشيخ النجار عن قصة بقرة بني إسرائيل، لم يذهب إلى ما ذهب إليه جمهور المفسرين، من أن قتيلًا قتل من بني إسرائيل، وأن قريبًا له هو قاتله ليرثه، فذبحت البقرة وضُرب بجزء من البقرة، فأحيا الله الميت، فنطق باسم قاتله.بل ذهب إلى أن الآيات تحدثت عن قصتين، قصة ذبح البقرة، وهو أمر تشريعي لهم عند أحداث القتل، وهناك قصة أخرى، هي قصة قتيل قتل، ودليل ذلك قوله تعالى: (وإذ قتلتم نفسًا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا اضربوه ببعضها) البقرة: 73،72.يرى النجار: أن القصة الثانية لم تكن ضرب الميت بجزء من البقرة المذبوحة، بل تكون بإجلاس المتهم، والإتيان بجثمان القتيل من خلفه، ووضع يده على وجهه بالضرب، فيوهم نفسيًا بأن الميت قد قام حيًا، أو أنه لم يمت، فيضطرب نفسيًا عندئذ ويعترف بالجريمة، وهو ما يقوم به بعض المحققين في العصر الحديث من مواجهة القاتل بجثمان قاتله، من باب التأثير عليه وهزه نفسيًا للاعتراف، أو نظر المحقق له وقت رؤية الجثمان، ورد فعل وجهه. - اقتباس :
ذهب المودودي إلى تفسير نفسي في القصة، فقال: إن المقصود في آية "وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد.." ليس الطعام، بل الطعام يدل على نمط حياة، فالعدس والبصل والفول، هو رمز لنمط حياة فرعون، وهو طعام مرتبط بالذل والهوان والاستبداد، بينما نمط طعام المن والسلوى، هو طعام جلب لهم بعد حريتهم تأويل الشعراوي النفسي لجريمة إخوة يوسفمن المفسرين المعاصرين الذين عنوا بدرجة ما بالجانب النفسي أحيانًا في تفسيره: الشيخ محمد متولي الشعراوي، فقد كانت له لفتات مهمة، تدل على وقوفه على طبائع النفس البشرية في القصص القرآني، ومن ذلك: عند تفسيره لقوله تعالى على لسان إخوة يوسف: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه أبيكم ثم تكونوا من بعده قومًا صالحين. قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) يوسف: 10،9.فيقول: إن من يفكر بالجريمة، حينما يكون من غير معتادي الجريمة، ولا مجرمًا بطبعه، فإنه يتدرج في التفكير، من الأعلى للأدنى، لأن نفسه ليست نفس مجرم معتاد الإجرام، فقد بدؤُوا بالحديث عن القتل، ثم تدرجوا لطرحه في أرض بعيدة عن أبيهم، ثم انتهى بهم الأمر إلى اعتماد فكرة أن يوضع في بئر، ويأتي سيارة يأخذونه معه، فيبتعد بذلك يوسف عنهم وعن أبيه، ثم يتوبون بعد ذلك.سرّ تسمية سورة البقرة بهذا الاسمثم نسج على هذا المنوال عالم أزهري آخر، وهو الشيخ صلاح أبو إسماعيل، فقد سجّل عدة حلقات لتلفزيون الكويت، وفرّغت هذه الحلقات وطبعت في كتاب، بعنوان: (اليهود في القرآن الكريم)، وكان مما فتح الله به على الشيخ صلاح، أنه ناقش لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم؟ رغم أن أسماء السور توقيفية، أي: بوحي من الله تعالى، وليس من ترتيب البشر. وأن سبب التسمية لورود قصة بقرة بني إسرائيل في السورة.فكان مما فسر به أبو إسماعيل سبب التسمية، معنى نفسي، لم أجده -فيما أعلم- عند أحد من المفسرين قديمًا وحديثًا، فقال: إن بني إسرائيل عبدوا العجل من دون الله، فأمرهم الله بذبح بقرة، والعجل وليد البقرة، والأم أقوى من الوليد، فإذا رأى معبودهم أمًا له تذبح أمامه دون نفع أو ضر، فهو إسقاط لما أشربوه من عبادة العجل، ودرس عملي في العقيدة، يلقن في النفس بموقف لا ينسى.المودودي وتفسير نفسي للمن والسلوىومن العلماء المعاصرين الذين كان لهم إلمام بالعلوم الإنسانية: أبو الأعلى المودودي- رحمه الله- وصدر له تفسير بعنوان: (تفهيم القرآن)، صدر باللغة الأوردية، ولم يترجم منه إلا القليل للأسف، ومنه تفسير سورة البقرة، وعندما فسر قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادعُ لنا ربك يخرج لنا مما تنب الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) البقرة: 61.ذهب جلّ المفسرين إلى أن الذي هو أدنى بالذي هو خير، هو استبدال المن والسلوى بالبصل والثوم والعدس، بينما ذهب المودودي إلى تفسير آخر نفسي في القصة، فقال: إن المقصود هنا ليس الطعام، بل الطعام يدل على نمط حياة، فالعدس والبصل والفول، هو رمز لنمط حياة فرعون، وهو طعام مرتبط بالذل والهوان والاستبداد، بينما نمط طعام المن والسلوى، هو طعام جلب لهم بعد حريتهم، فهو طعام الحرية، فمقصود الآية: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، أي: أتستبدلون الاستبداد والهوان بالحرية والكرامة؟!ويمكنني سوق نماذج متعددة في تفاسير مختلفة، ولعلماء معاصرين كثر، أو قدامى، لكنها للأسف ليست رؤية كاملة للقصص القرآني، من خلال النظر الدقيق في الدلائل النفسية في هذا القصص، وإن لامس بعضهم بعض المواضع، وبخاصة أن القصة القرآنية هي الميدان الرحب للحديث عن النفس البشرية، ولذا رأينا الروايات والقصص العالمي مملوءة بالتشريح للنفس، بل إن كثيرًا من الروائيين يدُسّ أيديولوجيته في الرواية أو القصة، معبرًا بذلك على لسان أبطال قصته، لما لهذا المجال من مدخل مهم غير مباشر في التعبير عن الأفكار.أهمية هذه الدراسة للقصص القرآنيبلا شك، إن أي دراسة للقرآن الكريم من خلال التعمق في سيكولوجية القصص، تثمر فوائد لا حدود لها في فهم القرآن، فالقرآن الكريم لم يذكر القصص لعلة الاتعاظ فقط، بل القصص يدخل في الأحكام، ويدخل في فهم بلاغة وعظمة النظم القرآني كذلك، وهو مفيد على مستوى القارئ للقرآن، بأن يستلهم منه في حياته قوانين ونواميس للكون والحياة من خلال هذا القصص.فمثلًا، هناك فكرة شائعة لدى مشايخ ومتدينين، مفادها: أن من يرفض الإسلام، ويكفر به، دافعه فقط بغض الحق، وليست هناك أسباب أخرى، أو أن عقله مغلق، وهي أسباب قد توجد بالفعل، لكنها ليست حصرية، وهو ما يوضحه من يتأمل في الدراسة النفسية لقصص المكذبين، فنجد قوله تعالى: (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) الأنعام: 33، فهي تبين أنهم لا يكفرون تكذيبًا لمحمد- صل الله عليه وسلم- لأنهم يؤمنون بصدقه، ويعترفون بأنه الصادق الأمين.ولكنّ عاملًا نفسيًا آخر لديهم يصدهم عن الإيمان، وهو ما نطق به أبو جهل عندما سئل عن سر عدم إيمانه بمحمد فقال: كنا وبنو هاشم كفرسَي رهان، سقوا فسقينا، أطعموا فأطعمنا، قالوا: منا نبي، فأنى لنا بها. أي: أنه رافض لهذا النبي في سياق التنافس القبلي.ويستفيد القارئ للقصص القرآني بهذا المعيار أيضًا، أنه لا يضيع وقته في طول الأمل في شريحة من الناس لا أمل منها، وأنهم مهما أعطوا من فرص فلن يأتوا بنتيجة أخرى أفضل من قبل، وذلك في قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) الأنعام: 28، فهناك نفوس بشرية مصرّة على مبدأ ومنهج معين، ومصرة على الخطأ أو الجريمة، أو العصيان، وكلما أعطوا مهلة أو فرصة زاد خطؤُهم، واشتدّ عنادهم. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: لماذا أمر الله بني إسرائيل بذبح البقرة؟ سيكولوجية القصص القرآني الخميس 04 يناير 2024, 11:44 pm | |
| لماذا لا يوجد تفسير نفسي للقرآن الكريم حتى الآن؟اختلفت مسالك المفسرين للقرآن الكريم، فمنهم من اتخذ المسلك الفقهي ليكون بابًا لتفسيره، ومنهم من اهتم بالعلوم اللغوية؛ من نحو وصرف وبلاغة، ومنهم من تعددت مواهبه، فجمع بين المسالك اللغوية والفقهية والعقدية، كل ذلك يرجع إلى ثقافة المفسِّر الشخصية، وكذلك ثقافة عصره، وما يموج بها من أفكار، احتاجت لعلاج، فكانت عن طريق النظر في كتاب الله تفسيرًا.ومع تطور العلوم الإنسانية في العصر الحديث، بدأت حركة الدراسات الإنسانية للقرآن الكريم تخطو خطوات في هذا المجال، وإن لم تخلُ منها كتب التفسير التراثية من قبلُ، من حيث إشارات ودلالات التقطها من عنوا بالبحث في هذا المجال.ولكنها لم تكن في كتابات التراث بارزة بهذا الشكل الذي وصلت إليه العلوم الإنسانية حاليًا، وبدأت تزداد في القرن العشرين وما تلاه؛ نظرًا لزيادة عدد المختصين بهذه العلوم من المعنيين والمهتمين بالدراسات القرآنية، أو بالقرآن الكريم، سواء من حيث التأمل فيه، أو من حيث التعامل مع ما اشتمل عليه من جوانب تشريعية وقصصية وغيرها.محاولة الرافعيكتب العالم الأزهري الجليل الدكتور عبد الغني الراجحي ثلاث مقالات في مجلة "منبر الإسلام" تحت عنوان: "التفسير النفسي للقرآن الكريم"، وقد جمعت مؤخرًا مع مقالات أخرى له بعنوان: "في رحاب القصص القرآني"، أصدرتها مشيخة الأزهر ضمن سلسلة كتب لعلماء الأزهر المعاصرين.اكتفى فيها بالسرد التاريخي للعلماء الذين تعرضوا لهذا الموضوع، سواء من خلال التراث، وذلك بالنظر في تفاسير للقدامى، التقط منها موضعًا من هنا، وآخر من هناك، من تفاسير: "الكشاف للزمخشري"، و"التفسير الكبير" للرازي، أو من خلال بعض كتابات المعاصرين، مثل: قصص الأنبياء لعبدالوهاب النجار، وغيره.وقد رصد رغبة ملحة كانت لدى الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، الذي كان له عزم على تأليف كتاب في الإعجاز النفسي، على منهجية يسميها: "الطريقة النفسية في الطريقة اللفظية".القرآن وعلم النفسلعل أول من التفت لهذه المساحة، وأشار إليها من المعاصرين، حيث أفردها بحديث علمي، الأستاذ عبد الوهاب حمودة، في كتابه: "القرآن وعلم والنفس"، وهو نفس عنوان كتاب صدر فيما بعد عن الدكتور محمد عثمان نجاتي، لكن كتاب حمودة، عَقد فيه فصلًا بعنوان: "التفسير النفسي"، وبدأ يضرب لذلك نماذج مهمة في الموضوع، وأهمية هذا التناول، والإشارات والنماذج التي ذكرها مهمة، وهي هادية لمن يريد السير في هذا المسلك.أما كتاب الدكتور نجاتي، فقد كان أشبه بالتفسير الموضوعي، حيث تناول النفس البشرية في القرآن الكريم، بناءً على محاور علم النفس الحديث، وتناول الدوافع والنزعات في النفس البشرية من خلال آيات القرآن الكريم، والانفعالات النفسية لدى الإنسان، وأنماط الشخصية باختلافاتها وتنوعها، كل ذلك من خلال ما تناوله القرآن الكريم للنفس البشرية بمختلف مستوياتها. - اقتباس :
نجد اهتمامًا كبيرًا لدى سيد قطب بالدراسات القرآنية، ويستعين بخلفيته الثقافية من الدراسات الإنسانية، إضافة لمهارته الفائقة في علوم اللغة والأدب والنقد علم نفس قرآني جديدأمّا الدكتور مصطفى محمود، فقد حاول الكتابة في الموضوع، وجعل عنوان أحد كتبه: "علم نفس قرآني جديد"، وهو مأخوذ من فصل بعنوان: "علم نفس قرآني"، من كتابه: "من أسرار القرآن"، مع تعديلات طفيفة.وكتاب محمود ليس فيه عن الموضوع سوى محور واحد، وبقية الكتاب موضوعات أخرى، كشأن كتبه الأخيرة، فقد تحمل عنوانًا، ولا تجد داخل الكتاب ما يعالجه سوى مقالة كتبها في جريدة "الأهرام" التي كانت تنشر مقالاته في أخريات سنوات حياته، رحمه الله. وكان جلّ تركيز محمود في كتابه على معايب علم النفس الحديث، وخاصة سيجموند فرويد، والمدرسة الغربية في علم النفس، وبيان الرؤية القرآنية في النفس وأمراضها، وكيفية النجاة من ذلك.محاولة محمد البهيحاول المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد البهي، تقديم تفسير للقرآن الكريم، وإن أطلق على سلسلته عنوان: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم"، وقد فسر عدة سور، ولم يفسر القرآن كله، وإن حمل عنوان السلسلة التفسير الموضوعي، إلا أنه لم يكن تفسيرًا موضوعيًا بالمعنى المعروف علميًا، بل كان يتناول السورة تناولًا عامًا، ويفسرها بما هو أقرب للتفسير التحليلي العام.ولأن دراسة البهي وتخصصه في الدراسات الإنسانية، فقد برز ذلك بقوة في تفسيره، وبخاصة علوم الفلسفة والنفس والاجتماع، لكنه لم يكمل تفسيره، فقد وافته المنية قبل التكملة."ظلال" سيد قطب هو الأقربأما سيد قطب، فإن كتابه: "في ظلال القرآن"، يعد أقرب كتب التفاسير المعاصرة التي اقتربت من هذه المحاولة، حيث نجد اهتمامًا كبيرًا لدى سيد بالدراسات القرآنية، ويستعين بخلفيته الثقافية من الدراسات الإنسانية، إضافة لمهارته الفائقة في علوم اللغة والأدب والنقد، مما مكّنه من إصدار كتاب يمكن أن يكون أرضية مهمة لهذا الموضوع، وذلك من خلال كتابه: "التصوير الفني في القرآن".ففضلًا عن أهمية الكتاب بوجه عام في موضوعه، إلا أنه في المباحث التي تناول فيها القصة في القرآن، تعرض لما يمكن أن يدخل في التفسير النفسي، ثم طبقه بنموذج تفسير موضوعي في كتابه: "مشاهد القيامة في القرآن"، ثم طبق نظريته بوجه عام في كتابه الكبير "في ظلال القرآن"، ونجد فيه إشارات ونظرات مهمة تدخل في موضوعنا، وإن لم يعره اهتمامًا كبيرًا، بحيث يشمل كل السور والآيات.تفسير منشودبعد محاولة استقراء تجارب التفسير النفسي للقرآن، نجد جلها كان يتحدث عن أثر القرآن النفسي على الإنسان، أو ما يمكن أن ندخله في باب التفسير الموضوعي، وهو تناول الآيات التي تتحدث عن النفس، واهتدائها، وانحرافها، وعوامل الهدى والانحراف.وكان جل الاهتمام منصبًا على دراسة النفس البشرية من خلال حديث الآيات المباشرة عنها، لكن المطلوب هنا تفسير ينظر للآيات الكريمات كلها بهذا المنظار، فالقرآن كتاب نزل لهداية البشر، ولخطاب المؤمنين به وغير المؤمنين، ولا شك أن تنوع خطابه، واستهدافه النفس المخاطَبة، سيكون له مجالات مختلفة، وأساليب مختلفة، لا يبرز ذلك من خلال التفسير الموضوعي للنفس، بل من خلال التفسير كاملًا.فالمطلوب تفسير كامل للقرآن، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، كما رأينا في التفاسير الأخرى، فتجد تفسير القرطبي، يفسر القرآن كاملًا، لكنه يستخرج من الآيات الأحكام، ولذا أسماه: "الجامع لأحكام القرآن".والقرآن الكريم لا يخلو منه نص من هذا المعنى النفسي، سواء في خطاب البشر مؤمنين وغير مؤمنين، أو في حواراته، أو قصصه، أو أحكامه وتشريعاته، فكلها تنطوي على كنوز مهمة، استخرجها علماء ومفسّرون سابقون من خلال ثقافتهم، ويمكن لعلماء النفس والاجتماع، أن يستخرجوا منها كذلك، كما رأينا تركيزًا كبيرًا من الإمام محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، في تفسيرهما: "المنار"، على استخراج السنن الاجتماعية في التفسير.ولكي يتم ذلك لا بد من مواصفات أو شروط فيمن يقوم بهذا العمل المهم، وهي: ألا يسعى وراء إثبات نظرية من النظريات النفسية بآيات قرآنية، وهو ما يخطئ فيه من يتناول القرآن الكريم، في ضوء نظريات العلم، فالنظريات قد تصح وتبطل، وبخاصة في مجال كعلم النفس، وهو من أعقد المجالات البحثية على مدار التاريخ، وعلى مدار مسيرته العلمية.وألا يستحضر المفسر ما يقوله الغربيون، سواء من باب إثبات صحته، أو الرد عليه، فعليه التعامل مع القرآن من حيث مخاطبته للإنسان، وليس الهدف من عمل كهذا هو الرد، بل استجلاء ما يحتويه هذا الكتاب العظيم من مخاطبة للنفوس، وقراءة لها، وبحث عن كل وسيلة لهديها سواء السبيل.القيام بعمل ضخم ومهم كهذا، يحتاج من صاحبه تضلّعًا في اللغة العربية، أو تمكنًا منها، وعلى الأخص في علوم البلاغة العربية؛ لأن عمله سيتم من خلال تأمله في مفردات الآيات، وفي مراميها، ومعانيها، وما أثر هذا الخطاب على النفس، ولماذا كان ختام الآيات بعبارات معينة، وسياق الآيات، وابتداء وانتهاء السور، وما إلى ذلك من تمكن من الخطاب القرآني، حتى يستطيع القيام بهذه المهمة.لعل من المجالات- التي يمكن أن يضرب بها النموذج أو المثل في التقريب لعمل تفسير نفسي للقرآن الكريم- مجالَين من مجالات القرآن، وهما: القصة في القرآن الكريم، وآيات الأحكام والتشريع، وهو ما نفصل فيهما- إن شاء الله تعالى- كمداخل لهذا اللون من التفسير المنشود. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75783 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: لماذا أمر الله بني إسرائيل بذبح البقرة؟ سيكولوجية القصص القرآني الخميس 04 يناير 2024, 11:46 pm | |
| هل يمكن تفسير العبادات كالصلاة والحج تفسيرًا نفسيًا؟تنقسم آيات القرآن الكريم لأقسام عدة حسب المحاور التي تتناولها، فهناك آيات تتعلق بالقصص القرآني، وآيات تتعلق بالحديث عن العقيدة، وآيات تتحدّث عن السلوك والأخلاق، وآيات تتعلق بالحديث عن الأحكام، سواء ما يتعلق بالعبادات، أو المعاملات منها.وتمثل آيات الأحكام قسمًا كبيرًا من القرآن الكريم، فقد حاول بعض الفقهاء حصرها، حتى ذهب كثير منهم إلى أنها تصل إلى خمسمائة آية، وأرادوا بالآية هنا، كل جملةٍ تامة، أو جملٍ بينها رابطة – من ضمير أو عطف، أو نحو ذلك- صيّرتها كالجملة الواحدة، أفادت بظاهر منطوقها حكمًا عمليًا مجملًا أو مفصلًا، كما أوضح ذلك الإمام الزيدي المرتضى، في كتابه: (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار)، وهو كتاب في الفقه الزيدي.وهذا القسم من القرآن الكريم، له أهمية بالغة كما نرى، فمدار معظم التشريع الإسلامي عليه، ولذا اهتمّ كثير من المفسّرين بالعناية بتفسيره منفردًا، فرأينا بعض التفاسير تنفرد بتناول هذا القسم، ككتب تحمل عنوان: "أحكام القرآن"، للجصاص الحنفي، ولابن العربي المالكي، وللكيا الهراسي الشافعي.واهتمّ المعاصرون من المفسرين بالعناية به كذلك، بدايةً من الشيخ محمد علي السايس، والشيخ عبداللطيف السبكي، ومرورًا بالشيخ محمد علي الصابوني، وغيرهم من المفسرين، وكلها كانت تفاسير غير متوسّعة في آيات الأحكام، إلا ما صدر من عمل جماعي قام به مجموعة من علماء الهند، فأصدروا موسوعة من (17) مجلدًا تحمل عنوان: "أحكام القرآن"، تناولت جلّ الآيات التي تتعلق بالأحكام بالتفسير وإن خلت الموسوعة من عنصر التجديد.لكن ما لاحظناه من قبلُ من خلوّ مكتبة التفسير من كتاب يتناول التفسير النفسي، وكذلك خلو كتب القصص القرآني من تناول سيكولوجية القصة القرآنية، فكذلك خلت جلّ كتب تفسير آيات الأحكام من العناية بهذا الجانب، رغم أن الجانب التشريعي من أهم ما يتوخّاه من أهداف: العناية بالنفس، سواء من حيث آثار التشريع عليها، أو مراعاتها عند سنّ التشريع، فقد نزل لهدايتها، وتقويمها، ومراعاتها عند إنزال الأحكام.الجانب النفسي في آيات العباداتفالمتأمّل في الخطاب القرآني في آيات الأحكام، سواء في جانب العبادات أو المعاملات، سيجد حضور الجانب النفسي بشكل كبير، ففي حديثه عن العبادة نلاحظ هذا التوجّه فيربط بين العبادة والارتقاء بالنفس، كما قالَ تعالى: (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ) البقرة: 45.وفي الحديث عن الزكاة يقول تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) التوبة: 103، وعن الصوم يقول: (أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ) البقرة: 187، وعن الحج يقول تعالى: (ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ) البقرة: 197، ففي كل هذه الآيات نلحظ بجلاء العامل النفسي في هذه الأحكام. - اقتباس :
البحث عن الأبعاد النفسية في تفسير آيات الأحكام، له عدة فوائد تثري البحث الفقهي والقرآني بشكل كبير، فمنها: أنها تربط بين التشريع والسلوك، وهو ما يفتقده كثير من كتب الفقه المذهبي للأسف الجانب النفسي لآيات المعاملاتربما توهّم متوهّم أن ذلك موجود في آيات العبادة، بحكم أن العبادة بطبيعة حالها تخاطب النفس لارتقائها بالطاعة، لكن الخيط مستمر في آيات المعاملات، سواء كانت في شق الأحوال الشخصية، أو في الشق العسكري، فنجد آيات: (كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ) البقرة: 216، (فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا) النساء: 19.فرغم حديث الآية الأولى عن القتال والحرب، وأنها حالة يبغضها الناس، فخاطبت النفس البشرية بأن الله تعالى هو الذي يعلم الخير والشر، وإن بدا للناس غير ذلك، والخطاب نفسه نراه في آية تتحدث عمّن كره زوجه وظن أنها لن يأتي منها خيرٌ، فبيّن أنه ربما تبغض النفس شيئًا، ويكون فيه خيرٌ كثيرٌ.وهو ما يتّضح في جانب العقوبات الجنائية كذلك، فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة: 178، فرغم بيانِ التشريعِ القصاصَ العادل هنا، لم يهمل الحديث عن العفو، وأن ذلك تخفيف من الله تبارك وتعالى، ثم عقّب بعدها بآية تخاطب كل نفس لم تجرم، أو تقع في عقوبة جنائية، بأن هذا القصاص هو حياة للناس جميعًا، فقال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 179.نداءات القرآن الكريم والبعد النفسيمن تأمّل الخطاب القرآني فيما يتعلّق بالأحكام، فستزداد قناعته بما أوجزناه، وبخاصة من يتأمل نداءات القرآن الكريم، فقد اختلف النداء القرآني بحسب المخاطب، فهناك نداءات بـ: "يا أيها الناس"، و"يا بني آدم"، و"يا أيها الإنسان"، وهناك نداء خاص بـ: "يا أيها النبي"، ولكن الأكثر وجودًا في القرآن نداء بقوله: "يا أيها الذين آمنوا"، وهذه النداءات في حد ذاتها هي خط رئيسي واضح في تنوع الخطاب حسب النفس البشرية المخاطبة، وما يراد منها من أهداف إيمانية، أو تشريعية.فمن قرأ هذه النداءات، وقرأ ما يليها من أوامر أو موضوعات تتناولها الآيات، فسيكتشف فروقًا مهمةً يدركها مَن يبحث وراء تنوع هذا الخطاب من حيث الصياغة، ومن حيث الموضوع، ومن حيث المستهدف منها. وما يتعلق بنداءات الإيمان، سنجد أنّ جلها يليها أوامر تشريعية، وينفرد بها الخطاب القرآني في العهد المدني؛ لأنه نداء احتاج قبل صدوره إلى تهيئة نفسية وإيمانية من المخاطبين.وهو نداء انفرد به القرآن الكريم، ولم يسبقه إليه كتاب سماوي سابق، وكان خطابًا جديدًا على سمع العرب، التي لم تعتَد على هذا الخطاب الجديد، الذي كان جديدًا عليها من حيث أدبياتها، ومن حيث خطاب الكتب السماوية السابقة، التي لم يرد فيها مثل هذا النداء.فوائد هذا اللون من البحثالبحث عن الأبعاد النفسية في تفسير آيات الأحكام، له عدة فوائد تثري البحث الفقهي والقرآني بشكل كبير، فمنها: أنها تربط بين التشريع والسلوك، وهو ما يفتقده كثير من كتب الفقه المذهبي للأسف، فنرى فصلًا بين السلوك الخُلقي والنفسي، وبين الرأي الفقهي، وهو ما نعيبه على القانون الوضعي، إذ إنه لا يحثّ على غرس الضمير، بل يتعامل تعاملًا ماديًا بحتًا، فنزعُ هذا الجانب النفسي والخُلقي من الحديث الفقهي يفصل فصلًا مضرًا بين السلوك والتشريع، وهو ما لا نراه في القرآن والسنة، اللذين حرصا على هذا الدمج الدائم بينهما.كما أنه يُذهب جفاف الخطاب الفقهي، المعروف بعنايته بالجانب القانوني، فتناول البعد النفسي في التناول التفسيري يمزج الخطابَين: الفقهي والنفسي معًا، بما يشوق القارئ، ويرغبه في الاطّلاع على الحكمة أو فلسفة هذا التشريع.وهو عون كبير للفقيه والمفتي، على حالات تغير الفتوى، فلا شك أن البعد النفسي في الأحكام، يفيد في فهم طبيعة الأنفس، والتي تختلف من نفس لأخرى، فيتيح للمفتي هذه المساحة في معرفة ما يتغير وما لا يتغير في إطار ما يقبل التغيير شرعًا.وهو ما نلحظه بجلاء في حديث القرآن عند التحريم، حيث إن آياته نزلت متدرجة في بعض المحرمات التي أدمنها الناس، وصعب عليها تركها مرة واحدة، كتحريم الخمر، وتحريم الربا، فقد راعى فيها التشريع نفوسَ الناس، وكيفية علاجها، وهو ما يستفاد منه في كل عصر، وليس خاصًا بعصر واحد.ومما يستفاد في تناول الأبعاد النفسية لآيات الأحكام، أنها تضع الفقيه أو المفتي، أو رجال التشريع والإصلاح، بأنّ عليه عند الحديث عن المحرمات، أن ييسر للناس البدائل، فقد كان من عظمة التشريع الإسلامي أنه عند التحريم، دلّ الناس على البدائل الحلال، فحرم الزنى، وأحل الزواج، وحرم الربا، وأحل البيع، وهو ما نجده في مساحة التحريم والتجريم. وعند الوقوع في الجرائم والحرام، وضع العقوبات والتوبة، ورد المظالم والحقوق لأهلها.محاذير ومزالق في هذا الجانبعلى أهمية ما ذكرنا من هذا اللون من البحث، إلا أنه ينبغي الحذر من عدة مزالق قد يقع فيها دون قصد من يبحث في هذا الجانب، وأهمها: الحذر من تأويل الأحكام أو ربطها بعامل نفسي لم ينص عليه الشرع، فبعض المفكرين أو العلماء نجده يعلل أحكام الشرع تعليلًا لم ينص عليه الشرع صراحةً، بل استنبطه المفسر أو العالم بنفسه، من خلال تأملاته.مثل: تعليل عِدة المرأة بأنه لصبرها على فراق الزوج، أو لاستبراء الرحم من الحمل، وهي تأويلات وتفسيرات لم ينص عليها الشرع، وليست سديدة مائة في المائة، فقد تصح في حالات ولا تصح في أخرى، فهل معنى ذلك أن المرأة التي مات زوجها وهي كارهة له، لا تعتد، أو المرأة التي تجري اختبار حمل، وليست حاملًا لا عدة لها، أو كانت عاقرًا لا تنجب، فلا عدة لها؟! بينما العدة للمطلّقة والمتوفَّى عنها زوجها، في باب التشريع، هي حقٌّ لله، وليست حقًا للعبد، فلا يملك أحد إسقاطها.فمثل هذه التأويلات لا تصحّ، ومثلها كثير في هذا المجال. |
|