قدم في واشنطن وعين على تل أبيب
الطريق إلى القدس يمر عبر نيويورك
بنيامين نتنياهو عندما كان ممثل إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة (الفرنسية)
بدأ نجمُ نتنياهو يعلو، وبوجود فلور الفاتنة إلى جانبه، أشرقت شمسُه على قلوب شباب الجمهوريين. أزعجت نجوميته زملاءه في السفارة، فاشتكوا من كون نائب رئيس البعثة يدير مناسباته الاجتماعية الخاصة منفصلة عن المتطلبات الدبلوماسية وعن برنامج السفارة. لكن أرينز لم يُلقِ لهم بالا، وأفسح لبنيامين المجال لكي يسطع في سماء الولايات المتحدة. خلال تلك الفترة، التقى به ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي يدرس في جامعة جورج تاون على متن رحلة جوية وأجرى معه محادثة تكشف طموحات الشاب الثلاثينيّ: "سألت بيبي على متن الطائرة: ’أين ترى نفسك بعد عشر سنوات؟‘، أجاب دون تردد: ’رئيسا للوزراء‘. فقلت له: ’يا رجل! عليك أولا التغلب على ديناصورات الليكود مثل شامير، ومن ثم أمراء الليكود'، أجاب بيبي: ’الديناصورات تموت والأمراء تمنعهم دماؤهم الزرقاء من القتال من أجل التاج‘".
وصلت انتخابات عام 1984 إلى طريق مسدود، حيث فشل شمعون بيريز للمرة الثالثة في الفوز زعيما لحزب العمل، ولم يتمكن بيريز ولا شامير من تشكيل ائتلاف أغلبية. وبسبب أوضاع الحرب مع لبنان والانهيار الاقتصادي، الذي بلغ فيه معدل التضخم السنوي 400%، لانت الأحزاب الكبرى لبعضها، وبعد أسابيع من المفاوضات اضطر بيريز وشامير إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث تولى كلٌّ منهما منصب رئيس الوزراء لمدة عامين. أخذ بيريز دوره أولا، وتولى شامير وزارة الخارجية. لم يكن شامير يحترم نتنياهو أبدا، كان يراه "سطحيا، ومغرورا، وضعيف الهمّة". ظل شامير يردد لسنوات: "البحر هو البحر، ونتنياهو هو نتنياهو!".
كان منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة على وشك أن يصبح شاغرا، وطلب بيبي من أرينز طرح فكرة تعيينه في هذا المنصب على شامير، ولكن شامير رفض، لعدم اقتناعه بالرجل.
سيلجأ نتنياهو إلى استثمار دمِ أخيه مرة أخرى، ويقصد بيريز. كان بيريز لا يزال يشعر بالذنب من مقتل يوني تحت إمرته، حين كان وزيرا للدفاع، وبوصفه رئيسا للوزراء كان لديه الحق في تعيين عدد قليل من السفراء، وقبل شامير قراره على مضض. كان بيريز يمدُّ يد العون للرجل الذي سيُنهي مسيرته في رئاسة الوزراء بعد أن يهزمه بنيامين في 1996.
في نيويورك احتفل نتنياهو بعيد ميلاده الخامس والثلاثين، بعد أن أصبح سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة. هذه المدينة التي قضى فيها طفلا سنة بائسة في تعلم اللغة الإنجليزية، عاد إليها اليوم وهو خطيبٌ مصقع، ومتحدثُ أنيق. كانت شقة السفير على زاوية الشارع الثاني والثمانين والجادة الخامسة، مقابل حديقة سنترال بارك ومتحف متروبوليتان للفنون. لقد ابتسم الحظ أخيرا لابن أستاذ التاريخ، وصار يعيشُ كأحد الساسة ذوي البدلات الأنيقة، ويأكل في مطاعم منهاتن التي تتهيّبها جيوب الطبقة الوسطى. سيعتاد الرجل على هذا النمط من الرخاء، وحين يعود إلى إسرائيل لاحقا سيخبرنا أحد العاملين في حملاته الانتخابية أنه لم يمد يده قط ليدفع حساب اجتماع عمل!
رجل الدعاية والدراما
ما المانع من أن نجري مقابلة صحفية خلف أقنعة الغاز؟
نتنياهو ظهر مرتديا قناع الغاز (من مقابلة مع سي إن إن)
أقنعة الغاز تملأ شوارع القدس وتل أبيب مطلع عام 1991 خوفا من الأسلحة الكيماوية، وجنود الاحتلال يفحصون أنظمة صفارات الإنذار، متجهزين لتوعُّدِ صدام بقصف إسرائيل. يصلُ رجلُ الدعاية الأول في إسرائيل إلى استوديو قناة "سي إن إن"، ترحبُ المذيعة ليندا شيرزر بالضيف القادم: "مرحبا سيد نتنياهو. علينا الاعتذار منك، لأن المقابلة قد أُلغيت، فقد جاءنا تحذير من احتمالية حصول قصف قريب من العراق". تلمعُ فكرة شيطانيّة في رأس نتنياهو. السياسيُّ الفذّ مَن يرى فرصة عظيمة في كل مأساة، هكذا يُحدِّثُ بنيامين نفسه، يتذكرُ وصية والده عن أهمية الدعاية، وأحاديثه المكرورة عن الهولوكوست.
هذه لحظة مناسبة لطبخِ مشهدٍ دراميّ يتفوق على كل تصريح رسميّ عن خطر النظام العراقي على إسرائيل. سوفَ يستدعي شبح الهولوكوست المخيف لدى الغرب، فها هو يهودي يلبس قناع الغاز، داخل كيان يهودي تحيط به بلدان معادية، ويحذر من نظام ديكتاتوري يقارنه بالنازيّة. يقول بنيامين: "حسنا ليندا، ما رأيكِ أن نبث الحلقة من وراء أقنعة الغاز؟". تبدو الفكرة مثيرة جدا للصحفيّة، بعد ترددٍ طويل، توافق على الفكرة، يرتديان قناعيهما، وتدورُ الكاميرا، ويبدأ البث.
كان هدف نتنياهو في سنوات سفارته شيئا واحدا؛ حفر صورته في ذاكرة الجمهور. يقول دبلوماسي سابق في البعثة الإسرائيلية للأمم المتحدة: "لم يكن بيبي مهتما كثيرا بالأعمال الداخلية للجان الأمم المتحدة، لكنه رأى خطاباته هناك بمنزلة أحداث تاريخية". "كان يسهر في تدقيق المصطلحات والألفاظ والاقتباسات التي سيُلقيها على مسامع العالم في كل خطاب، وكان يستغرق إعداده لخطاباته عدة أيام. وعندما يلقي خطابه أخيرا، يمنحك انطباعا وكأنه يلقي كلامه من عفو خاطره، وأن أفكاره ابنة ساعتها". كان الشيء الذي صاحبه منذ البداية على منصة الأمم المتحدة حبه لاستخدام الوسائل البصرية على المنصة. قال في مقابلة مع صحيفة معاريف إن أكثر ما يضايقه "الخطب المتكررة ذات النغمة الواحدة".
في أقل من شهرين، بدأ نتنياهو التطواف على وسائل الإعلام التي وثّق بها علاقته من أيام عمله في السفارة في واشنطن، فكان ضيفا دائما في غرفة أخبار صحيفة "نيويورك تايمز"، ولا يرد دعوة لقناة جديدة. سافر مرة إلى أتلانتا وكان مستعدا لإبهار المنتجين في شبكة "سي إن إن" الإخبارية، ثم أصبح ضيفا متكررا في برنامج لاري كينغ المباشر. حين سألوا لاري كينغ عن ضيفه، قال إنه ضيف جيّد، أعطيه 8 من 10، مشكلته أنه لا يملك حسّ الدعابة، وإلا لأعطيته 10 كاملة! أخذ بنيامين النصيحة، وصار يسهر على طبخ نكاتٍ ليقدمها في أي لقاء تلفزيوني يُدعى إليه أو خطاب يلقيه بعد ذلك. لكنْ شيئان يكون انعدامهما خيرٌ من تكلُّفهما: الظرف، والغناء. ظل بنيامين بغيضا حتى وهو يُلقي النكات المطبوخة.
لحفر صورته في ذهن المشاهد الأميركي، كان بنيامين يحمل إزميل الدراما، ومطرقة المقارنات الشعبيّة ليحفر في ذهن المشاهد الأميركيّ دعايته الصهوينية. في أحد لقاءاته التلفزيونية، اقتربت بعض الحاضرات لتسأل المذيع: "هل هو مواطن أميركي؟ لأنه يجب عليه الترشح للرئاسة يوما ما!".
لكن هذه الدراما أصبحت جزءا من شخصيته ذاتها. ففي 1986، دُعي إدوارد سعيد إلى حوار مع نتنياهو حول الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ. حين دخل إلى الاستوديو، لم يجد سعيد سوى المذيع وكرسي يتيم للقاء الذي ينبغي أن يدور بين رجلين. ابتدأ المقدم الحوار بقوله: "يرفض بنيامين نتنياهو وإدوارد سعيد الجلوس في غرفة واحدة لمناقشة الشأن الفلسطيني". يقاطعه سعيد: "ليس لديّ أدنى مانع! وقد تفاجأت من عدم وجوده معنا!". حين سأله المذيع: "سيد نتنياهو، لماذا ترفض الجلوس مع سعيد للحوار؟ ولمَ لم تكتفِ بالجلوس في غرفة أخرى، بل آثرت الجلوس في مبنى آخر؟". بلهجة صارمة يجيب نتنياهو: "لأنه يريد قتلي!". يضحك الجمهور الذي يسمع القصة، ويضحك سعيد، أستاذ الأدب في أرقى جامعات نيويورك، وعازف البيانو، الذي ربما لا يعرف من أين يُمسك المسدس، يُتهم بالإرهاب، فقط لأنه فلسطيني!
بخيل.. غني بمال غيره
سينمو حس التطفل والتملق للأغنياء لدى نتنياهو حتى يصبح الخطر الأكبر على مستقبله السياسي
انتخاب بنيامين نتنياهو لزعامة حزب الليكود في 21 مارس/آذار 1993 (غيتي)
- اقتباس :
"لاَ أَحَدٌ أَقْبَحَ جُرْمًا مِنَ البَخِيلِ"
سفر يشوع بن سيراخ
الإصحاح العاشر
بعد انتهاء فترة عمل نتنياهو في الأمم المتحدة، غادر نتنياهو نيويورك وقد ألِف عيش النجوميّة والفواتير المدفوعة، وأراد أن يعيش حياة الدبلوماسيين حتى في بلده. انتقل الزوجان إلى شقة على الواجهة البحرية في تل أبيب يملكها الملياردير الأسترالي جون غاندل، وقد أعفاهما من الإيجار. وسينمو حسّ التطفل والتملق للأغنياء لدى نتنياهو، حتى يصبح الخطر الأكبر على مستقبله السياسيّ بعد أن يقع بسبب جشعه فريسة لقضايا الفساد التي ظلت تطارده. كان نتنياهو شحيح النفس، محبا للمال، لا يخفى على جليسه بخلُه، يقول عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو: "إنه بخيل إلى حد التطرف، لا تسخو نفسه بدفع ثمن وجبات الغداء!". وتتذكر موظفة سابقة عملت معه لفترة وجيزة: "كان بيبي شخصا يتجول بدون محفظة نقود".
لم تطب الحياة لفلور في تل أبيب، فانفصلت عن نتنياهو وغادرت في أوائل عام 1989، عائدة إلى الولايات المتحدة. وعاد بيبي مرة أخرى إلى القدس بعد أن انفصل للمرة الثانية، كهلٌ في الأربعين من عمره، مطلقٌ مرتين ويعيش مع والديه. بعد فشله في حياته الاجتماعية، أقبل نتنياهو بحرارة على انتخابات حزب الليكود. ولم يكن بمستغرب على مَن تروّى من أساليب الدعاية الأميركيّة، وصفقات جماعات الضغط في نيويورك، أن يحقق مركزا متقدما في انتخابات الحزب، فجاء في المركز الخامس على قائمة الحزب. وحين عُيّن صديقه موشيه أرينز وزيرا للخارجية اصطحبه معه نائبا له.
لم يكن لنتنياهو مجدٌ عسكريٌّ يبني عليه حضوره السياسي في الداخل الإسرائيلي، حيث اعتمد الساسة -وخاصة في الليكود- على شرعية عسكريّة، مثل مينحايم بيغن أحد أوجه الإرهاب الصهيوني، ومؤسس الإرغون، وأرييل شارون ملك الحرب الذي لم يتخلف عن حرب خاضها الكيان، وشامير الذي خدم في الهاغاناه، ثم في إرغون. في مجتمع مأزوم بالخوف من الزوال، قدّم نتنياهو نفسه خبيرا عالميا في الإرهاب، لقد حلّ عقدته العسكرية بخطابه. لمّا فاتته الحروب، أحيا روح الحرب داخل المجتمع وبقي يسوقهم بعصا الإرهاب، وجزرة الأمن. وحين أجرى حزب الليكود انتخاباته لقيادة الحزب في 1993، كان نتنياهو يشحذ مخالبه.
استطاع نتنياهو أن يكسب الطبقة القديمة في الحزب بتجويده لأفكار جابوتنسكي، الأب الروحي للحركة والرافد الفكريّ الأول لليكود، وعوّل على قدراته على التلاعب في مواجهة الجيل الجد. اصطدم بنيامين بمجموعة من سياسيي الجيل الثاني من ذوي العلاقات الجيدة الذين يحظون بإعجاب كبير، والمعروفين باسم "أمراء الليكود"، وساهم آباؤهم في تأسيس الحزب، من بينهم إيهود أولمرت، ودان مريدور، وبيني بيغن، وأخذ بنيامين يفعّل قدراته على التلاعب والخداع في تعامله معهم.
يقول أولمرت: "في أحد الأيام تلقيت مكالمة هاتفية، كان المتصل بيبي. طلبَ رؤيتي، لذا التقيت به، وقال لي: "اسمع، هناك شخصان فقط يستطيعان إدارة هذا البلد؛ أنا وأنت. لنعقد صفقة. لا أحتاج إلى أكثر من دورة واحدة، سآخذ دورة، وأنت تأخذ دورة"، قال لي: "فقط لا تقف ضدي"". وبعد بضعة أيام، يقول أولمرت إنه فوجئ بأنه أجرى المحادثة نفسها مع ميريدور، إذ قال ميريدور لأولمرت: "لقد أخبرني أن هناك شخصين فقط يستطيعان إدارة هذا البلد؛ هو وأنا". وفي وقت لاحق التقى أولمرت ببني بيغن الذي قال: "لقد أخبرني بالشيء نفسه!".
سارة.. أبغض امرأة في إسرائيل
أيهما أكبر ضررا على السياسي: الخيانات المتعددة أم الزوجة المكروهة؟
سارة نتنياهو (شترستوك)
لم يكن نتنياهو يمارس التلاعب والخداع على زملائه في الحزب فحسب، ولكنه كان يمارسه أيضا على زوجته. أثناء الانتخابات داخل الحزب، اتصلت به زوجته الثالثة سارة وهي تبكي بحرقة.
كانت سارة بن أرتزي مضيفة تعمل في طيران العال، والتقى بها في مطار سيخبول في أمستردام عام 1988 وتركت له رقمها، مع أنه كان متزوجا. كانت سارة امرأة مطلقة تستعد للحصول على شهادة الماجستير في علم النفس. فوجئ العديد من أصدقاء نتنياهو بصديقته الجديدة، التي ظهرت فورا بعد رحيل زوجته الثانية، وبدت مختلفة تماما عن زوجتيه السابقتين المستقلتين المُهتمتين بالعمل. كانت سارة أصغر من صديقها بتسع سنوات، هشة وطفولية.
أثناء حضورها المناسبات الاجتماعية مع بيبي، لم تكن تفارقه، ونادرا ما كانت تتحدث. هل كان منجذبا إلى ضعفها؟ ربما. لكنه، كما هو الحال دائما، كان مترددا في الالتزام معها، خاصة مع شخص تعلق به بشدة. خلال عام 1990، كان بيبي يلهو يمينا ويسارا ويواعد فتيات أخريات، وابتعد عن سارة لبضعة أشهر. ولكن تلك الشقراء الضئيلة في جِرمها كانت تطوي صدرها على إصرار فولاذي لم يلحظه أحد، فأبقت خيوط العلاقة ممدودة، في يناير/كانون الثاني 1990، سيساهم صدام حسين في زواج نتنياهو الثالث، حيث سقطت صواريخ سكود بالقرب من شقة سارة في إحدى ضواحي تل أبيب، فدعاها بيبي للانضمام إليه في القدس. وفي إحدى ليالي القدس الوادعة، أبلغته سارة بأنها حامل، وستلد في 1991 ابنا خارج نطاق الزواج، سيسمونه يائير.
للمرة الثالثة، أُجبر بيبي المتردد على الزواج. بعد أسابيع قليلة من انتهاء حرب الخليج الأولى، أُقيم حفل صغير في منزل والديه بحضور شامير وأرينز. في صباح اليوم التالي، ظهرت في الصحف صورة أُعِدَّت بعناية للزوجين، كانت سارة ترتدي فستانا ورديا يُخفي حملها، وكانت هذه أول صورة لسارة نتنياهو في وسائل الإعلام الإسرائيلية، المرأة التي ستصبح أبغض امرأة في تاريخ إسرائيل.
بنيامين نتنياهو وزوجته سارة على متن طائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية (غيتي)
كان صوت سارة في اتصالها بزوجها، الذي يستعد ليكون رئيس الليكود، يتقطّع بالبكاء والنشيج، وبالكاد فهم نتنياهو منها أن أحدهم اتصل على منزله وقال لسارة: "أخبري زوجك أن لدينا شريطا فاضحا له مع إحدى موظفاته، وأن عليه الانسحاب من الانتخابات وإلا فإننا سننشر الشريط".
في سابقة في السياسة الإسرائيلية سيقف نتنياهو في 1993 ليعترف على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون بأنه كان على علاقة مع روث بار، مستشارته للعلاقات العامة، لكن نتنياهو، الذي اعتذر لزوجته وأعلن لها عن حبه، رفض الاستسلام أو الانسحاب من الانتخابات.
ظهرت تقارير في الصحافة الإسرائيلية حول شائعات مفادها أن سارة وافقت على استعادته فقط بعد أن جعلته يوقع على صيغة اتفاق ينص على أنه لا يمكنه الاتصال أو لقاء نساء أخريات دون علمها، وأن لها حق مرافقته في أي رحلة عمل. وبذلك فُتح بابُ المشاركة السياسية لسارة على مصراعيه، لكن نتنياهو لم يكن يعلم أن وجود سارة في حياته العملية سيكون أكثر ضررا عليه من خياناته المتعددة.
لاحقا سيقول أحد كبار مساعدي نتنياهو: "كان هدفنا كله هو بناء حاجز من الدفاع حول بيبي لحمايته من جنون سارة والسماح له بالقيام بعمله". قد تبدو علاقة نتنياهو بسارة أحد أكثر الألغاز استعصاء على التفسير؛ فهل كانت بتخصصها في علم النفس تتلاعبُ بالمتلاعِب؟ أم كانت تلبي حاجاته النفسية والزوجيّة، وربما شابهته في صفاته خاصة في حسن التدبير؟ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" أن موظفي البيت الأبيض تفاجأوا من حمل سارة لكميات من الملابس المتسخة، لتستفيد من خدمة الغسيل المجاني لضيوف البيت الأبيض! يقول أنشيل فيفر، كاتب سيرة نتنياهو: "سارة هي أكثر امرأة مكروهة في إسرائيل، ولو طلّقها لكان على الأرجح أكثر شعبية. إنه يحبها… ويعمل بلا كلل لتبرئة اسمها وحصولها على الثناء الذي يشعر أنها تستحقه، وقد أدت جهوده إلى توريطه في إحدى قضايا الفساد التي يواجه اتهامات بها اليوم".
سيكون حضور سارة وتأثيرها في عمله ظاهرا على مدى عقدين. يحكي مدير الموساد مائير داغان عن زيارته لنتنياهو في مقر إقامة رئيس الوزراء، وبينما كان يُطلع داغان نتنياهو على بعض التقارير، دخلت سارة. طلب منه بيبي الاستمرار، لأن سارة مطلعة على كل أسراره، لكن داغان امتنع عن الحديث، وسأل إذا كان لديها تصريح رسمي من الشاباك. غادرت سارة المكتب، ولم يُدعَ داغان لزيارة مقر إقامة رئيس الوزراء بعدها أبدا.
نجحت سارة ويائير في إحاطة بنيامين بجوٍّ من الأمن والارتياح، وساعداه على التغلّب على عقدته في الثقة بأن أصبحا شريكين له في العمل، محاكين النسخ الأخيرة من عائلات الرئاسة الأميركيّة. بعد يومين من الانتخابات 2022، حسب رواية أحد مساعدي نتنياهو السابقين: "دعا مستشاريه إلى اجتماع وأخبرهم أن شخصا واحدا هو المسؤول عن هذا النجاح، ثم التفت مشيرا إلى يائير. أُصيب الحضور في الغرفة بالصدمة".