لماذا يقتلوننا؟!
أسئلة كثير تطرح نفسها؛ حول أسباب إمعان التحالف الصهيو-أميركي في تدمير كل شيء في قطاع غزة وقتل المدنيين بمنتهى الوحشية والبربرية، ودون أي تمييز، على النحو الذي يشهده العالم يومياً على مدار الساعة منذ ثلاثة أشهر، بالرغم من الآثار الفادحة التي يتركها هذا السلوك الهمجي على صورة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني واليهود وعموم الدول الغربية، بسبب تناقضه مع القيم التي يزعمون تمسكهم بها وحراستهم لها. والغريب في الأمر أن يقابل هذا السلوك التدميري الاستئصالي بتواطؤ تام من الدول الغربية وعجز فادح من المؤسسات الدولية والإقليمية، رغم مظاهر الاحتجاج الشعبية المتواصلة.
لماذا يمعن التحالف الصهيو-أميركي في تدمير قطاع غزة وقتل سكانه يومياً على مدار الساعة منذ ثلاثة أشهر، بالرغم من الآثار الفادحة التي يتركها هذا السلوك الهمجي على صورة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني واليهود وعموم الدول الغربية؟
أسئلة لا تزال مفتوحة
هل هو الانتقام من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والعائلات التي تنجب وتربي هؤلاء المقاتلين، بسبب ما حدث في طوفان الأقصى؟ أم هو الانتقام للعقدة التاريخية التي سببها لهم الفلسطينيون (العماليق) ويتوارثونها جيلاً بعد جيل؟ فإذا كان كذلك، فإلى متى سيستمر هذا الانتقام؟ وكيف يصمت العالم على حدوثه، وهو يمثل سابقة خطيرة يمكن تكرارها في أي دولة أخرى من العالم؟
أم أن هذا الإسراف في الدمار والقتل؛ محاولة لتحويل قطاع غزة إلى مكان غير ملائم للحياة، وإجبار سكانه على مغادرته واللجوء إلى دول أخرى، بما يسمح للكيان الصهيوني بضمه إلى دولته، ومن ثم تجريفه بالكامل، وإعادة بنائه على أسس حديثة متطورة تتلاءم مع المشروعات الاستثمارية التي تتحدث عنها التقارير الصحفية الخاصة بخطوط الملاحة الجديدة واستخراج الغاز من شواطئ غزة التي تقدّر احتياطاته بأكثر من نصف ترليون دولار؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يفتحوا ممرات آمنة تسمح لسكان غرة بالتدفق نحو الحدود المصرية دون خوف وإذلال وقصف وقنص وملاحقة للنازحين من مأوى إلى مأوى، ومن ملاذ جماعي إلى آخر؟ ولماذا هذه السلوكيات اللاإنسانية ضد الرجال والنساء والأطفال والمصابين والقتلى؟
هل يعود هذا السلوك والإصرار على المضي فيه؛ إلى الاستكبار الصهيوني وهيمنته على القرار الغربي، واطمئنانه إلى تأييد الدول الغربية له والتماسها الأسباب والحيثيات اللازمة لتبرير هذا السلوك مهما بلغت تجاوزاته؟ وها نحن نرى أن التغيرات الطفيفة التي طرأت على مواقف بعض الدول الغربية مثل بلجيكا وفرنسا، قد تبخرت دون أن يكون لها أي جدوى؟
أم أنه يعود إلى الشراكة المباشرة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، والتوافق التام على استكمال هذه الحرب حتى تحقيق أهدافها، انطلاقاً من المصالح المشتركة التي يتطلع إليها الجانبان في نهاية الحرب، والتي تعزز مباشرة مصالح اللوبي اليهودي والمؤسسة الصهيونية في العالم؟
أم أنه الاطمئنان التام إلى عجز الموقف العربي والإسلامي عن القيام بأي خطوات من شأنها التأثير على هذه الحرب سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، بل وإلى وجود تأييد شديد من بعض الدول للمضي قدماً في هذه الحرب حتى استكمال مراحلها وتحقيق أهدافها.
أم أنها رسالة ترهيب وتحذير للدول العربية (الإبراهيمية) وشعوبها؛ من أن قيادة الإقليم في المرحلة القادمة ستكون لدولة الكيان الصهيوني، وأن أي محاولة من الإقليم، أو من إحدى دوله، للتمرد على ذلك ستكون عاقبتها مثل قطاع غزة، على غرار الرسائل التي تبعث بها قيادة الحرب الصهيونية إلى القيادة اللبنانية من أن توسيع دائرة الحرب في شمال دولة الكيان الصهيوني، سيجعل بيروت مثل غزة؟
خسائر أوكرانيا من القتلى والمصابين المدنيين، طيلة عامين من الحرب الروسية وصل إلى حوالي ٣٠ ألفاً، أي معدل ١٢٥٠ شخصاً شهرياً، في حين بلغ عدد القتلى والمصابين من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة على أيدي التحالف الصهيو-أميركي حوالي ٣٣ ألفاً شهرياً، أي ٢٦ ضعف الضحايا الأوكرانيين.
أم أن الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذه السلوكيات تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ضمن التحولات الكبيرة التي يتهيأ العالم للدخول إليها في النصف الثاني من القرن الحالي، وعلى رأسها تأسيس النظام العالمي الجديد، الذي سيحل محل النظام العالمي الراهن، الذي تشكّل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث تعتبر حرب الإبادة الصهيو-أميركية التي أعقبت عملية طوفان الأقصى أحد المعاول المتأخرة في تحطيم هذا النظام وتمزيق اتفاقياته ومواثيقه وقوانينه؟
لا تنتهي الأسئلة عند هذا الحدّ، فنحن أمام ظاهرة لم تحدث من قبل على هذا النحو في العصر الحديث. وها هي الحرب الروسية على أوكرانيا توشك أن تنهي عامها الثاني، وقد استخدمت فيها أحدث المعدات والأسلحة التقليدية المتطورة، وكميات هائلة من القذائف والذخائر والصواريخ، وتتواصل فيها العمليات العسكرية على مدار اليوم، إلا أن خسائر أوكرانيا من القتلى والمصابين المدنيين، طيلة هذين العامين وصل إلى حوالي ٣٠ ألفاً، أي حوالي ١٢٥٠ شخصاً شهرياً، وفي المقابل وصل عدد القتلى والمصابين من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، حوالي ١٠٠ ألف شخص في ثلاثة أشهر فقط، بمعدل ٣٣ ألف شخص شهرياً، أي أكثر من ٢٦ ضعفاً من الخسائر في صفوف المدنيين الأوكرانيين، ولم تتعرض أي من المدن الأوكرانية على يد القوات الروسية إلى عشر معشار ما تعرّض لها قطاع غزة من الدمار الشامل لكل شيء على أيدي قوات التحالف الصهيو-أميركي.
هذه المقارنة السريعة تعيدنا من جديد إلى التساؤل عن سر هذا السلوك الذي ينتهجه التحالف الصهيو-أميركي في حربه ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.