بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس

“أنا كشخص ناضل في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، وشهدت نكبة 48، ثم يسألني بعضهم: ماذا حققتم؟ فأقول له: إن استمرار المقاومة منذ ذلك الحين وحتى الآن هو أكبر إنجاز، وإن 60 عاما منذ قيام دولتهم، لم يستطع الصهاينة كسر المقاومة فيها لهو أعظم نصر، وإنني أهيب بالأجيال القادمة أن تستمر على نهج المقاومة والتصدي، حتى تحرير كامل فلسطين وزوال دولة الاحتلال الصهيوني”.

هذه كلمات ٌ لشيخ المناضلين الفلسطينيين، بهجت أبو غربية، من مذكراته التي سطّرها في أكثر من 2000 صفحة، وأودعها آماله وآلامه وأحلامه، حكى فيها عن القدس وقصص البطولة والصمود، وذكر المؤامرات التي حيكت في الليالي السود، وكيف سقطت بلدات فلسطين تباعا.
وقد تتبعت الجزيرة الوثائقية هذه المذكرات، وصاغتها فيلما من إنتاجها وبثته تحت عنوان: “شيخ المناضلين.. بهجت أبو غربية”.

المولد والنشأة.. موعد مبكر مع الصراع

مع نهايات الحرب العالمية الأولى، كانت المؤامرة تحاك في الغرف المظلمة ضد فلسطين وأهلها. وفي عام المؤامرات 1916 ولد بهجت عليان أبو غربية في خان يونس جنوب فلسطين، والذي بات يعرف بشيخ المناضلين، حيث عاش ما يقارب قرنا من الزمان شاهدا ومشاركا في النضال الفلسطيني.
ينتسب بهجت إلى عائلة أبو غربية، وهي من عائلات مدينة الخليل العريقة. كان والده أحد موظفي الدولة العثمانية، ومن كبار شخصياتها في فلسطين، وبسبب طبيعة عمل الأب تنقلت عائلة بهجت في عدة مدن فلسطينية، قبل أن تحط رحالها في القدس.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B4%D8%B3%D9%8A%D9%81

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B4%D8%B3%D9%8A%D9%81

شيخ المناضلين الفلسطينيين وبطل فلسطين القائد بهجت أبو غربية

يقول المرحوم إبراهيم غوشة، القيادي في حركة حماس وصديق بهجت أبو غربية: “تعود أصول عائلة أبو غربية إلى الخليل، مثلها مثل كثير من عائلات الخليل التي سكنت القدس. وبعض آل أبو غربية الكرام يعملون في التجارة وآخرون في أعمال القطاع الخاص، وأهم مآثرهم في القدس إنشاء المدرسة الإبراهيمية، وهي مدرسة خاصة”.

في القدس نشأ وكبر بهجت، ليغدو فيها مقدسيا بامتياز، يعرف كل ذرة فيها ويحفظها عن ظهر قلب، قضى في أزقتها أجمل ذكريات طفولته، قبل أن يُجبر على فراقها:
القدس تعرف والتاريخ يشهد لي           أني فتاها قائد الشجعان
أقسمت بالأقصى المجيد وربه            أني الشهيد على ثراها القاني
فحملت رشاشي وحولي فتية              وقفوا معي صفا كما البنيان
تتحطم الهجمات عند صمودنا            ونبادر النيران بالنيران

في دكّان ساعاتي يهودي.. نحن أو هم

دخلت فلسطين منعطفا خطيرا عندما احتلتها القوات البريطانية. في تلك الفترة كان بهجت على مقاعد الدراسة في الكلية الإبراهيمية التي أنشأها شقيقه ناهض أبو غربية، لكن ظروفه المعيشية اضطرته إلى ترك المدرسة وهو في سن الـ16.
يقول أبو غربية: “بدأت البحث عن عمل، وحاولت أن أتدرب على حرفة الساعاتي، فالتحقت بدكان ساعاتي يهودي أشكنازي في القدس، لأن صناعة الساعات في ذلك الوقت كان يحتكرها اليهود، وكانت هذه التجربة مفيدة لي من قبيل: إعرف عدوك، فتعلمت التحدث بالعبرية وصرت أتكلمها بالدارجة، وكان نقاش يجري بين العمال اليهود عن دولتهم القادمة، حينها شعرت بالخطر الداهم، وقلت في نفسي: نحن أو هم”.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%89

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%89

الجنود الإنجليز يقمعون بعنف المظاهرة التي قامت في شوارع القدس احتجاجا على سياسات الإنجليز والهجرة اليهودية
في 13 أكتوبر/تشرين أول 1933 خرجت مظاهرة في شوارع القدس، احتجاجا على سياسات الإنجليز والهجرة اليهودية، لكن بريطانيا تعاملت معها بوحشية، وسقط العشرات بين قتيل وجريح، وشارك بهجت في المظاهرة وهو ابن17 عاما.
يقول: “كنت مشاركا في هذه المظاهرة، وكانت المرة الأولى التي أتعرض فيها للنار، فقد كنت في الصفوف الأولى معرضا للموت في كل لحظة، وسقط من حولي القتلى والجرحى، كان ذلك يعني أن الحكومة البريطانية قررت استخدام أقصى درجات الإرهاب لإخماد الانتفاضة الشعبية، ومنذ ذلك اليوم نشأ في صدري حقد عميق على الإنجليز”.

ثورة 36.. اغتيال رئيس شرطة القدس

في 1936 جاء إضراب أهل فلسطين احتجاجا على الهجرة اليهودية، تلته ثورة 36 الشهيرة، والتي هبت لمقاومة بريطانيا وسياساتها، وخلال تلك الفترة كان بهجت منضويا تحت لواء الثورة، ولم يمنعه صغر سنه أن يكون ثائرا ضد بريطانيا، وقام بتشكيل فرقة عسكرية أطلق عليها “تنظيم الحرية”.
يشرح قائلا: “في هذه الفترة بدأت حياتي المسلحة، وكانت مجموعتنا في مقدمة المشاركين في ثورة 36، وكنا نشتري السلاح والذخيرة من مالنا الخاص، ونتدرب على استخدامه سرا، فالمناضل لا يتوقف مهما كانت الصعوبات وضعف الإمكانات”.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%8A

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%8A

الشهيد سامي الأنصاري رفيق بهجت أبو غربية في عملية اغتيال قائد شرطة القدس الإنجليزي “ألان سيكرست”
يقول عنه إبراهيم غوشة: “كان مجاهدا من الطراز الأول، بدأ جهاده بعد استشهاد عز الدين القسام عام 1935، وشارك في ثورة 36 ضد الإنجليز الذين سهّلوا قيام دولة الصهاينة”.
ثم كانت عمليته الأبرز التي دوّت في أنحاء فلسطين، ففي صباح الجمعة 12 يونيو/حزيران 1936، وقرب مخفر باب الأسباط، رأى بهجت وصديقه سامي الأنصاري رئيس شرطة القدس “ألان سيكرست” الإنجليزي من أصول يهودية، وقاما باغتياله. فعمّ الفرح أرجاء القدس، لكن الحزن خيّم على بهجت باستشهاد رفيق دربه الأنصاري، والذي تكنّى باسمه لاحقا ليدعى “أبو سامي”، تيمنا ووفاء.
كانت جذوة الثورة تتقد في كل فلسطين، إلا أن بريطانيا عزمت على إخمادها بأي شكل، وتحقق لها ذلك في 1939، حيث استشهد قادة الثورة أو أودعوا السجن ونفوا، وبقي بهجت في القدس، مسؤولا عن المجموعة الكشفية في الكلية الإبراهيمية.

لقاء الحسيني.. التنسيق لقيادة جيش الجهاد المقدس

يذكر أبو غربية لقاءه مع القائد عبد القادر الحسيني، فيقول “في أبريل/نيسان 1947 سافرت إلى القاهرة للقاء الشيخ عبد القادر الحسيني، قائد جيش الجهاد المقدس، الذي كان يقوم بنشاط واسع لإعادة تنظيم المقاتلين، ووضعت معه مخططا تنظيميا وتسليحيا لمدينة القدس، وحددنا بالأرقام ما يحتاجه كل حي من السلاح والعتاد. وكانت تجمعني به علاقة أخوة، وتشكل الجيش بقيادته، وكان حسن سلامة في منطقة اللد وأنا في القدس”.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أُعلن قرار التقسيم، وأعلنت بريطانيا أنها ستُنهي انتدابها في 15 مايو/أيار 1948، مما يعني قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين، وجاء الحسيني إلى القدس ليباشر بنفسه قيادة الجيش الذي سيحمي القدس من تقدم الصهاينة نحوها، ونجح الجيش المقدس في فرض طوق مسلح حول القدس، وقام بعمليات نوعية أربكت العصابات الصهيونية.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA%D9%8A

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA%D9%8A

مشهد تمثيلي للفتى بهجت أبو غربية وهو يتعلم حرفة الساعات واللغة العبرية عند تاجر يهودي
يصف أبو غربية ذلك الحدث قائلا: “كان اليهود على علم مسبق بالقرارات السياسية، ولذلك فقد استعدوا مبكرا لإعلان دولتهم في وقتٍ كان الفلسطينيون والعرب في غفلة عما يجري. أما بين المقاتلين فكانت الروح عالية، وحب القتال والاستشهاد دفاعا عن القدس في أوجه، وإن كان الاستعداد والتسلُّح يواجه صعوبات وخطرا شديدا حيث كان الإعدام ينتظر من يُعثر بحوزته على سلاح”.
دوّن بهجت معلومات ووقائع مهمة عن تلك الفترة، حيث رجحت كفة الثوار مرارا حول القدس بالكمائن وتفجير القوافل الصهيونية، وروى قصة اعتقاله مطلع 48، وكانت التهمة حيازة السلاح وتهريبه، ولم تستطع المحكمة إثبات التهم فقضت ببراءته.
يقول إبراهيم غوشة: “كنت بعمر 12 سنة في هذه الفترة، وكنا نلعب بحارة السعدية، حين شاهدنا مجموعة من المجاهدين يحملون بنادق إنجليزية، ورشاشا أمريكيا ثقيلا، فقيل لنا هذا بهجت أبو غربية ورفاقه يتجهون نحو القلعة بباب الخليل أو لحارة اليهود، وكانت هذه أول مرة أرى فيها بهجت”.

معركة القسطل.. لماذا تُرِكت القدس دون حماية عربية؟

في أبريل/نيسان 1948 اندلعت معركة القسطل الشهيرة غرب القدس بين الجهاد المقدس والقوات الصهيونية، وكانت مقدمة لاحتلال القدس. وحوصر عبد القادر ورفاقه في القسطل، فهبّ المقدسيون لنجدتهم، وتحرك بهجت من موقعه شمال غربي القدس، ومن خلال طريق مختصرة يعرفها جيدا، ووصل القسطل برفقة المقدسيين، وتم تحريرها من الصهاينة، إلا أن عبد القادر الحسيني سقط شهيدا.
لم يتحمل الفلسطينيون صدمة استشهاد قائدهم، ولم يبق في القسطل من جموع المجاهدين الذين بلغوا أكثر من 2000 مقاتل، إلا 40 رجلا يقودهم بهجت ومحمد عادل النجار. تقدم اليهود بسرعة نحو القدس، وباستشهاد الحسيني غدا وضع جيش الجهاد المقدس صعبا، فتوجه بهجت إلى الحاج أمين الحسيني للتباحث، والذي عرض عليه أن يصبح قائدا للجيش بعد عبد القادر.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86%D9%8A

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86%D9%8A

بهجت أبو غربية يلتقي الحاج أمين في بيته بدمشق بعد نكبة فلسطين في 1948
يقول: “في أواخر 1948 زرت الحاج أمين في بيته بدمشق، وعرض عليَّ قيادة جيش الجهاد في القدس، فبادرت إلى الاعتذار، ولكنه أكد لي أن الخبرات والتجارب التي خضتها تفوق أية رتبة عسكرية نظامية، وطلب مني تقديم قائمة بالاحتياجات من المال والسلاح، فكررت اعتذاري، فالمفتي يعلم بلا شك أنني لا أستطيع القيام بما طلب، وأنا أعلم أنه لا يستطيع تأمين احتياجاتنا من المال والسلاح”.
في مايو/أيار 1948 انسحبت بريطانيا من فلسطين ودخلت الجيوش العربية إليها، لكن اليهود استمروا في التقدم نحو القدس، حيث كانت تحرسها قوات الجهاد المقدس، والتي تعرضت لهجمات شرسة من الصهاينة، وكان بهجت وقتها مسؤول إحدى المجموعات التي قاومت ببسالة حتى اللحظات الأخيرة.
يقول: “كنا نخطط لاحتلال بناية هامة في حي الشيخ جراح، فأصبت بأربع رصاصات وخرجت من المعركة، ولكن ما لبثت أن عدت. أستطيع أن أؤكد كم كانت المحبة والروح الوطنية سائدة بين المقاومين الفلسطينيين في تلك الأوقات العصيبة. وأتاني أمر خطي بالانسحاب من منطقتي إلى داخل السور، فرفضت وقلت لن تسقط منطقتي وأنا حي”.

النكبة وقيام دولة اليهود.. فلسطين تصحو على واقع جديد

مع نهايات 1948 وضعت الحرب أوزارها، وأعلن الصهاينة قيام دولة إسرائيل، فحلّت النكبة وهُجّر الفلسطينيون من بلداتهم. لكن القدس لم تسقط في الحرب، ولم يستطع الصهاينة احتلالها كما كانوا يريدون، غير أن وقْع النكبة كان قاسيا على بهجت وباقي الفلسطينيين، وحفرت مرارتها في ذاكرته.
يقول أبو غربية: “ما أقسى ذلك الشتاء، أُمنا فلسطين تتلاشى شيئا فشيئا، ووالدتي الحبيبة يشتد عليها المرض، وأراقبها وهي تتلاشى أيضا، مأساة وطنية ومأساة إنسانية وشتاء قارس مرير”.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%BA%D9%88%D8%B4%D8%A9

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%BA%D9%88%D8%B4%D8%A9

القيادي إبراهيم غوشة الصديق المقرب لبهجت أبو غربية
كانت تلك المرحلة الأصعب في حياة المناضل بهجت، فلقد توقف القتال وصار على المناضلين أن يتعاملوا مع واقع جديد، لقد باتت فلسطين أرضا محتلة.
وبحسرة يكتب: “في جو المرارة والألم كنت كثير التفكير والتأمل لفهم حقيقة ما جرى، ووجدتني بعد قليل أحمل القلم لأدون أفكاري تحت عنوان: أنا تائه، لكن بعد إنهاء علاقتي بقيادة جيش الجهاد المقدس في مارس/آذار 1949 كان عليّ أن أبحث عن عمل ومجال نضاليّ آخر، فعدت للتدريس في الكلية الإبراهيمية”.
أما عن الوضع السياسي، فبعد حرب 48 وتبعا لسياسة الأمر الواقع، ضُمّت الضفة الغربية والقدس للحكم الأردني، وغدا الفلسطينيون في تلك المناطق مواطنين أردنيين، وتشكلت حكومة وبرلمان موحد، “كانت الوحدة أمرا واقعا، بل ضرورة، لأن الضفة الغربية مستهدفة، فكنا بحاجة للجيش الأردني، والذي كان بحاجتنا أيضا”.

حزب البعث العربي الاشتراكي.. البحث عن حاضنة عربية

في تلك الفترة بدأ بهجت يشق طريقه سياسيا، فانضم عام 49 لحزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن. يقول: “كان أبرز ما شدني للبعث دعوته للقومية، ما سيؤدي إلى حشد تنظيم عربي قادر على قيادة الأمة إلى أهدافها وخاصة تحقيق الوحدة وتحرير فلسطين”.
يقول ضافي الجمعاني القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي: “انضم بهجت أبو غربية لحزب البعث بعد نكبة 48، وأصبح عضوا في القيادة القطرية للحزب لإيمانه أن فلسطين لن تتحرر بدون إرادة عربية موحدة، أما مقولة أن فلسطين للفلسطينيين فهي مقولة الأنظمة العربية العاجزة التي تريد التخلص من عبء القضية، وإلقائها على كاهل الفلسطينيين وحدهم”.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A

ضافي الجمعاني القيادي في حزب العث العربي الاشتراكي يقص سيرة بهجت أبو غربية
كان الحزب ملاحقا في الأردن، وقد اعتقل بهجت أكثر من مرة من قبل المخابرات الأردنية، فتوارى عن الأنظار تماما بين عامي 57 و59. وبعد إعلان الأحكام العرفية، وفي 1960 تحديدا تم اعتقاله مدة عامين في ظروف سيئة، وأفرج عنه ضمن عفو عام.

منظمة التحرير الفلسطينية.. عضوية قلقة

يقول أبو غربية: “لم يكن مضى على خروجي من السجن سوى شهرين حتى رحت أبحث عن شريكة تقبل بي، فعمري وظروف ملاحقتي المستمرة تجعل من الصعب على أي فتاة أن تقبل بي، لكن ما لبثتُ أن وجدت ضالتي في سهام توفيق أبو زهرة، واحتفلت القدس كلها بزفافي في يوليو/تموز 1962، يومها أخبرت زوجتي أن لها ضرة، فانزعجت، فقلت لها إنها فلسطين، فقالت هذه بسيطة، فقلت لها: إنها ليست بسيطة”.
وفي 1963 أوكلت قمة القاهرة لأحمد الشقيري مهمة إنشاء كيان سياسي جديد لتنظيم الشعب الفلسطيني، وكان بهجت أبو غربية ممن التقاهم الشقيري لينضموا إلى المنظمة ويشاركوا في تأسيسها. يقول: “لم يخطر ببالي أن يعرض عليّ الشقيري الاشتراك في اللجنة التنفيذية، فالأجواء السائدة بيننا قبل المؤتمر الأول لم تكن إيجابية، وعندما زارني في بيتي بوجود عبد الخالق يغمور عرض عليّ المشاركة”.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D9%82%D9%8A%D8%B1%D9%8A

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D9%82%D9%8A%D8%B1%D9%8A

إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 وتعيين أحمد الشقيري رئيسا لها
أصبح بهجت عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعايش كل لحظة فيها، واعترفت جامعة الدول العربية بالكيان الجديد. ومن أهم اللجان التي عمل فيها اللجنة العسكرية التابعة للمنظمة، والتي تولت إنشاء جيش التحرير الفلسطيني. لكن سرعان ما دب الخلاف بين أعضاء اللجنة، وتحديدا بين بهجت والشقيري الذي وُصِفت قيادته للمنظمة بالمركزية.

احتلال القدس.. القيادة الفلسطينية تتنكب طريق النضال

وقبل أن تلتقط المنظمة أنفاسها حلت هزيمة 67، وضاع ما تبقى من فلسطين، وسقطت القدس خلال ساعات في أيدي الصهاينة، وكان بهجت حاول مع بعض السكان تكوين نواة لمقاومة شعبية، لكن الأحداث كانت أسرع من ذلك. يقول: “كان أسوأ يوم في حياتي.. القدس الحبيبة تسقط أمام ناظريّ وأنا عاجز عن فعل شيء، ثم غادرتُ مع رفاقٍ مجهولين.. إلى المجهول”.
أُرغم بهجت على مغادرة القدس التي لازمها أكثر من 50 عاما، فخرج منها محملا بآلامه وآماله، وفقد مع القدس شقيقه صبحي، وتوجه إلى عمّان، ربما ليكون أكثر قربا من القدس. وفي تلك الفترة تولى ياسر عرفات رئاسة منظمة التحرير، ونشط العمل الفدائي من الأراضي الأردنية، ولعب بهجت دورا كبيرا في دعم الفدائيين الذين أدموا العدو في أكثر من مناسبة.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84

بسبب أحداث أيلول الأسود، خرج الفدائيون من الأردن سنة 1970 إلى لبنان
خرج الفدائيون من الأردن بعد أحداث أيلول الأسود 1970، لكن بهجت بقي في عمان، وافتتح فيها مطبعة للكتب كمشروع تجاري لكسب العيش، وكان يعتبر الاستقلال المالي ونظافة اليد مبدأه الذي لا يفرط فيه. وكان إلى ذلك متواضعا صادقا، وبقي عضوا في منظمة التحرير حتى نهاية الثمانينيات، حين نسجت الخيوط الأولى لاتفاقية أوسلو، والتي كان يرفضها بهجت رفضا قاطعا.
يقول: “بُنيت اتفاقيات أوسلو على رسائل الاعتراف المتبادل بين عرفات ورابين، والتي بموجبها تعترف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود، وتقبل المنظمة بقراريْ مجلس الأمن 242 و383، وترفض المنظمة العنف والإرهاب ضد الصهاينة، وأن المشكلات المتبقية يجب حلها بالمفاوضات السلمية، بعيدا عن العمل المسلح”.

الاستقالة من المنظمة.. نهاية رجل شجاع

في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1991 قدّم أبو غربية استقالته من منظمة التحرير على خلفية موافقتها على الانخراط في العملية السلمية، الأمر الذي اعتبره تفريطا بحقوق الشعب الفلسطيني وتضييعا لنضاله الطويل. وتفرغ بعد ذلك لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وعزز ذلك بالتواصل مع كافة الفصائل الفلسطينية التي ما زالت تؤمن بالعمل المقاوم ضد الصهاينة، والذين كانوا يعتبرونه أبا روحيا للنضال.
بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9

بهجت أبو غربية.. شيخ المناضلين الذي نذر نفسه للقدس %D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9

استقالة بهجت أبو غربية من المجلس المركزي للمنظمة بإثر بدء محادثات السلام التي خالفت مبادئ الثورة الفلسطينية
وفي 26 يناير/كانون الثاني 2012 ترجل شيخ المناضلين عن صهوة جواده، وأسلم الروح إلى بارئها، عاهدا بالقدس إلى أمته التي أودعها قضيته، وواضعا بين يدي فلسطين 96 عاما من الحب والنضال. يتعلق حلمه برؤية القدس كلما عظمت الهوة بينه وبينها، فكان عزاؤه أنه دنا منها ما استطاع، كيف لا، والقدس تعرف والتاريخ يشهد له أنه فتاها وقائد الشجعان.