الخليج العربي بين الأطماع والحقائق التاريخية
الخليج العربي ، هذا المسطح المائي الهام والساخن دوماً بما يحيط به من أحداث وما تجري على سطحه من صراعات وتحركات سياسية وعسكرية على مر العصور، هذا الخليج العربي يشهد حاليا المزيد من السخونة وتسارعاً كبيراً في الأحداث والتي زاد من سخونتها وخطورتها ما يجري في الشرق الأوسط من ثورات عربية اطاحت بأنظمة حكم وتهز بقوة انظمة حكم أخرى.. فيما يراقب العالم والقوى الكبرى بشكل خاص ما يجري باهتمام لا يخلو من تدخلات واضحة او خفية.
ولعل اخطر ما يشهده الخليج العربي حاليا هو الأطماع الإيرانية التوسعية والتي أسبحت تأخذ أشكالاً اكثر وضوحاً ومباشرة وتحدياً لدول المنطقة وخاصة دول الخليج العربي المطلة على مياه الخليج.
في هذه المقالة سوف نستعرض ما يتعلق بالخليج العربي ، تاريخيا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا ، وسنلقي الضوء على ما يتهدد هذا الخليج من اطماع ومخططات لا يخفي واضعوها نواياهم ويسعون سرا وعلنا لتحقيقها.
الخليج العربي .. لمحة عامة
يبلغ المجموع العام لطول السواحل على الخليج العربي نحو 3300 كم، حصة إيران منها نحو الثلث. ويسكن العرب على ضفتي الخليج سواء في القسم الغربي ]عمان والإمارات والبحرين وقطر والسعودية والكويت والعراق[، أو من الشرق في إقليم عربستان ]الأحواز ولنجة[. وقد عرف المسطح المائي الذي يقع إلى الشرق من شبه الجزيرة العربية وإلى الغرب من إيران بأسماء مختلفة عبر التاريخ كانت تعتمد على الجهة التي تطلق هذه الأسماء .
اسماء الخليج الحالية في اللغة العربية :
بقي من أسماء هذا الخليج في اللغة العربية مستعملاً حتى اليوم :
- الخليج العربي: وتستعمله رسميا دول الجامعة العربية كما تستعمله الأمم المتحدة في وثائقها العربية والجمعيات الجغرافية العربية.
- خليج فارس: وتستعمله إيران ]في الصحف والوسائل الإعلامية التابعة لها ومنها كذلك تلك الناطقة بالعربية[ ، وكذلك مطبوعات ووسائل إعلام بالعربية تصدر عن هيئات ودول غير عربية. وتستعمل في عدة لغات أخرى.
- خليج البصرة وهي التسمية التي كانت شائعة في الوثائق العائدة إلى العهد العثماني، وما تزال تستخدم على نطاق ضيق في بعض الدول العربية خاصة العراق.
- الخليج الإسلامي وقد طرحه بعض المفكرين على الخميني لكنه رفضه .
الأسماء التاريخية
- أقدم اسم معروف هو اسم "بحر أرض الإله" ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي "بحر بلاد الكلدان" في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
- سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي" (lower sea). ويقابله البحر العلوي (upper sea) وهو البحر الأبيض المتوسط. كما أطلق عليه الآشوريون اسم "نارمرتو" أي "البحر المر".
- سماه الفرس "بحر فارس". قيل التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوش الأول ]521-486 ق.م[ في كلامه عن البحر الذي يربط بين مصر وفارس. والراجح أن الاسكندر الأكبر هو أول من أطلق تلك التسمية بعد رحلة موفده أمير البحر "نياركوس" عام 326 ق. م. وقد عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي فلم يتعرف إلى الجانب العربي من الخليج. مما دعا الاسكندر إلى أن يطلق على الخليج ذاك الاسم، وبقي متداولاً بطريق التوارث. وعن طريق اليونان تسربت التسمية للغرب واستعملها بعض العرب ]أحياناً باسم الخليج الفارسي[ كذلك حتى منتصف القرن العشرين.
- سماه الرومان "الخليج العربي". وممن أطلق تلك التسمية المؤرخ الروماني بليني Pliny the Younger في القرن الأول للميلاد. قال بليني: "خاراكس (المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة، وهي مبنية على مرتفع اصطناعي. ونهر دجلة إلى يمينها، ونهر أولاوس إلى يسارها. والرقعة التي تقوم عليها -والتي يبلغ طولها ثلاثة أميال- تقع بين هذين النهرين"
- سماه العرب"البحر الاخضر" "بحر البصرة" أو "بحر عمان" أو "بحر البحرين" أو "بحرالقطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونجد النحويون الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي ]توفي 160هـ] كما استعملها الجفرافيون مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والذهبي وعلماء الدين مثل ابن تيمية. وإن كان اسم “بحر فارس” شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً في نفس الصفحة. كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية “بحر العراق”، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. يقول د. عماد الحفيظ: “إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها”.
- واستقر تسميته عند العثمانيون بـــ”بحر البصرة” .
النزاع السياسي
يرى الكاتب الفرنسي “ميشال فوشيه” في كتابه “تخوم وحدود” (Fronts et Frontieres) أن الخليج الذي سمي الخليج الفارسي بسبب النفوذ القوي والتاريخي لإيران، وجد دعماً من الإستراتيجية الأميركية في زمن شاه ايران والقائمة على دعم الشاه وجيشه لتحقيق الأمن الإقليمي في حماية النفط. ويؤكد ذلك نبيل خليفة، كاتب لبناني في الشؤون الإستراتيجية، في صحيفة دار الحياة في 14 اغسطس 2005 : “ليس الخلاف بين العرب والإيرانيين مجرد خلاف لفظي – اسمي. وانما هو خلاف يعكس صراعاً سياسياً وقومياً ذا أبعاد ومضامين استراتيجية، خلاصتها من له الهيمنة على الخليج، على مياهه وجزره ونفطه ومواقعه الاستراتيجية وأمنه وثرواته”.
وجهة النظر الإيرانية
ترى إيران أن لها الحق في السيطرة على سائر الخليج العربي، وتعتبر ان سواحله الغربية كانت مستعمرات تابعة لمملكة الفرس قبل الإسلام. كما أنها تعتبر “الخليج الفارسي” هي التسمية الوحيدة التي أطلقت على الخليج، وتنكر وجود أي اسم آخر. لذلك بعد أن أعلنت مؤسسة “ناشيونال جيوغرافيك” عن كتابة اسم الخليج العربي إلى جانب الخليج الفارسي، في أطلسها الجديد، وأشارت إلى الخلاف على الجزر الثلاث بين إيران ودولة الإمارات العربية واعتبرت ان طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى محتلة من إيران ، غضب القوميون الفرس، واتهموا المؤسسة بتلقي الرشاوي، واتهموها كذلك بأنها “بتأثير من اللوبي الصهيوني، وبدولارات النفط من بعض الحكومات العربية قررت تشويه واقع تاريخي لا يمكن نكرانه” حسب قولهم . مع أن الكيان الصهيوني يستعمل مصطلح “الخليج الفارسي”. واعتبر المسؤولون الإيرانيون ذلك مؤامرة صهيونية لشق صفوف المسلمين ! ، وبادرت الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ اجراءات تمنع بموجبها الجمعية الوطنية للجغرافيا من بيع مطبوعاتها وخرائطها في إيران. كما منع أي مندوب من قبلها بدخول الأراضي الإيرانية. كما دعا رئيس البرلمان الإيراني كل من اسماهم “عباد الوطن” للدفاع عن فارسية الخليج. كما تجمع المعارضة الإيرانية بمختلف أطيافها عن أن الخليج فارسي. وعبثاً حاولت الجمعية أن تشرح أسباب زيادة صفة “الخليج العربي” إلى الخليج الفارسي، بأن هناك من يعرف الذراع البحرية بالخليج العربي. ولا بد من التفريق بينها وبين بحر العرب القريب منها والواقع بين مضيق هرمز والمحيط الهندي. لكن الإيرانيين غير مستعدين لسماع أي تبرير، لأن اسم الخليج الفارسي “صار جزءاً لا يتجزأ من الهوية القومية الإيرانية” كما يقولون.
وفي 15 حزيران 2006، قامت إيران بمنع مجلة “الايكونوميست” The Economist من دخول إيران لمجرد أنها تضمنت خريطة عليها تسمية “الخليج” بدون ذكر الفرس.
وجهة النظر العربية
يرى أغلب العرب حاليا أن اسم “الخليج العربي” تاريخي وقديم، وأنه مبرر لأن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، بينما تطل إيران على حوالي الثلث، وأنه حتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال ]إقليم الأهواز[ أو في الجنوب ]السواحل إلى الشرق من بندر عباس، حيث كانت دولة القواسم مسيطرة على تلك البلاد حتى ضمتها إيران[، وبالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وفق الشعب الذي يعيش حوله. لذلك يقول الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "معجم المناهي اللفظية": "الخليج الفارسي: هذه التسمية الباطلة تاريخاً وواقعاًْْْْْْ[صدرت] من شعوبية فارس. فكيف يكون الخليج الفارسي وكل ما يحيط به أرض عربية من لحمة جزيرة العرب وسكان عرب خلص؟ فلنقل: الخليج العربي” . وكتب في الحاشية :”الخليج الفارسي: أغاليط المؤرخين. لأبي اليسر عابدين ص264″.
وفي الواقع فإن الفرس لم يكونوا يركبون البحر، حتى في أوج عظمتهم. وإذا ما أنشؤوا في الخليج أسطولاً، كان بحارته من غير الفرس. يقول د. صلاح العقاد: “أما الساحل الشمالي الشرقي الذي يكوّن الآن الساحل الإيراني، فيمتد على طوله نحو ألفي كيلومتر سلسلة عالية من الجبال الصعبة المنافذ إلى الداخل، مما عزل سكان الفرس والسلطة المركزية فيها عن حياة البحر. ولقد اشتهر الفرس منذ غابر الزمن بخوفهم من حياة البحار، حتى قال بعض مؤرخين العرب: “ليس من الخليج شيء فارسي إلا اسمه”. وعلى ذلك فإن ذيوع اسم “الخليج العربي” الآن قد جاء موافقاً لحقيقة جغرافية ثابتة”.
كما توثقت بين مياه الخليج العربي وبين العرب أوثق الصلات قبل الإسلام وبعده. ويؤكد هذا سير برسي سايكس Sykes بقوله : “إن السياسة البحرية التي كان يتبعها نادر شاه الأفشاري هي ضد تأثير العوامل الطبيعية التي جعلت ميول الناس وسلوكهم في إيران تفضل النفور والكره دائماً من ركوب البحر الذي تفصلهم عنه حواجز جبلية شاهقة”، وهو يعني بتلك السلسلة من الجبال: جبال زاغروس التي تحد وتفصل بين إقليم الأهواز وفارس.
ويمكن القول ان هناك وجهتي نظر متناقضتين حول تسمية الخليج . فمن جهة يرى مؤيدو تسمية الخليج باسم ”الخليج الفارسي” ان هذه التسمية هي الأصح للأسباب التالية :
- اسم “الخليج الفارسي” محايد سياسيا.
- اسم “الخليج الفارسي” هو الاسم الوحيد المعتمد من الأمم المتحدة.
- اسم “الخليج الفارسي” هو الاسم الذي شاع تاريخيا لوصف هذا الخليج بينما اسم “الخليج العربي” ابتعثه جمال عبد الناصر إبان المد القومي العروبي في الخمسينيات، الذي واكبه تغير المطبوعات والإعلام العربي والمناهج التعليمية، وواكبه كذلك تشكل وعي سياسي ونهضة تعليمية وإعلامية في دول الخليج العربية التي تبنت الاسم وعملت على ترسيخه.
ويرى مؤيدو تسمية “الخليج العربي” أن النزاع على الاسم يعكس صراعاً سياسياً وقومياً ذا أبعاد ومضامين إستراتيجية. وأن إيران ترفض أي تسمية أخرى بما فيها الاسم الأكثر حيادية: “الخليج” (The Gulf) بدون ذكر كلمة عربي أو فارسي، وبأن مجلة The Economist منعت من دخول إيران لمجرد أنها تضمنت خريطة عليها ذلك الاسم الحيادي، وكذلك الدعوات الشعبية لمقاطعة الخطوط الجوية البريطانية بسبب استعمالها له. ويوردون ايضا :
- ان كون اسم Persian Gulf معتمد في وثائق الأمم المتحدة الإنكليزية، لا يعني منع أي منظمة أخرى من استخدام اسم Arabian Gulf. وهذا كذلك لا ينسحب على اللغات الأخرى بدليل أن الأمم المتحدة نفسها في وثائقها العربية تذكر اسم “الخليج العربي”. ومعلوم أن اللغة العربية هي من اللغات الرسمية الستة في الأمم المتحدة.
- استعملت الشعوب المختلفة أسماء كثيرة لوصف هذا الخليج، ابتداء من عهود السومريين والبابليين إلى الوقت الحالي. وتعود تسمية بحرالعرب إلى عهد اليونان والرومان .
- عرف الخليج العربي حيناً من الدهر باسم البحر الارثيري Erythraean، وهو هي كلمة مشتقة من Erythros والتي تعني “الأحمر” باللغة اليونانية. وقد سماه ستراسبون (64 ق.م – 19 م) بالبحر الأحمر، وفي أحيانا أخرى كان يسميه أيضا بالخليج العربي. وفي حديث له عن مدينة ميسان ]أي المحمرة[ ذكر فيه "أنها مدينة واقعة على النهاية القصوى للخليج العربي". وقد تغير المكان الذي يشير إليه مصطلح "البحر الأرثيري" بالتدريج، فتقول موسوعة كولومبيا عن البحر الارثيري: "اسم بغير مصدر واضح. استعمل في القديم للإشارة إلى المحيط الهندي، ثم لاحقاً للخليج العربي، وأخيراً للبحر الأحمر". وتقول الكثير من المصادر أن هذا المصطلح (البحر الأرثيري) قد استعمله المؤرخ اليوناني هيردوتوس ليشير إلى البحر الأحمر ]الحالي[ والخليج العربي والمحيط الهندي معاً، أي باعتبار البحر الأحمر والخليج العربي متصلين مع المحيط الهندي]. لكن بعد التوسع اليوناني العسكري بقيادة الاسكندر الأكبر، عاد موفده نياركوس عام 326 ق. م. من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي فلم يتعرف إلى الجانب العربي من الخليج، مما دعا الاسكندر إلى أن يطلق على الخليج اسم الخليج الفارسي. ومال مؤرخو اليونان المقيمين بمصر إلى تبني التسمية المصرية للبحر الأحمر [ بحر القلزم ] للخليج العربي [بحر العرب ]. وهذا الانتقال كان تدريجياً وليس كاملاً. حيث نجد أن المؤرخ الروماني بليني بقي يستعمل مصطلح بحر العرب لوصف مدينة أهوازية قرب مصب نهر دجلة. وكذلك بقيت خرائط الأوربيين تشير للخليج أحياناً ببحر فارس وأحياناً ببحر العرب. فالإصرار على أن الخليج العربي يشير إلى البحر الأحمر الحالي دون غيره، هو الذي يوقع الارتباك ولا يمكّن من فهم كلام المؤرخين الأوائل.
من اثار الخلاف الايراني العربي
كان للخلاف على تسمية الخليج العربي بين العالم العربي وإيران عدد من الانعكاسات وردود فعل على مستوى الدول, من أبرزها:
- في فبراير 2010, صرحت السلطات الايرانية لسفير الكويت في إيران أن التسمية ليست موطن خلاف, وأن تسميته بالخليج العربي تمت تحت ظرف سياسي معين وأن اسمه سيظل الخليج الفارسي.
- في فبراير 2010, قامت إيران بطرد مضيف جوي يوناني بسبب استعماله مسمى الخليج العربي.
- في يناير 2010. إلغاء الدورة الثانية من ألعاب التضامن الإسلامي بسبب اعتراض العرب على تدوين كلمة “الخليج الفارسي” على قلائد البطولة وجميع وثائقها, وكان العرب قبل ذلك اقترحوا كتابة لفظة الخليج فقط. لكن إيران واجهتهم بالرفض.
- مايو 2006, في لقاء في طهران بين أحمدي نجاد وحمد بن خليفة آل ثاني, قال الأخير في معرض حديثه عن منتخب إيران لكرة القدم, أن نجاح منتخب إيران في مونديال 2006 سيسعد سكان الخليج العربي الفارسي فرد عليه نجاد موبخا: أعتقد أنك كنت تقرأ اسمه الخليج الفارسي عندما كنت بالمدرسة.
وفي المقابل لم يقف العرب مكتوفي الأيدي. ففي يناير 2010، أقدم الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ومقره الرياض، على إلغاء بطولة ألعاب القوى التي كانت ستستضيفها إيران في أبريل لأن الميداليات التي كان سيوزعها الإيرانيون تحمل عبارة “الخليج الفارسي”. وقد سارعت السلطات الإيرانية في الردّ على هذا الإلغاء فأعلنت أنها ستمنع كل شركة طيران أجنبية لا تستعمل عبارة “الخليج الفارسي” من دخول مجالها الجوّي.
كما أغلق الإيرانيون الجناح المصري في معرض طهران الدولي للكتاب بعد مصادرة أحد الكتب التى ذكرت اسم “الخليج العربي”. وقد بلغت الأزمة ذروتها عندما وصف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الإصرار على تسمية هذا الخليج بالخليج الفارسي “بالضحك على التاريخ” لأن “الوجود العربي على الساحل الشرقي للخليج العربي مستمر ومثبت تاريخيًا منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام بينما الوجود الفارسي هناك مستحدث ولا يعود لأكثر من الدولة الصفوية (1501 – 1736)”.
الأطماع التوسعية الايرانية – الصراع على الجزر الإماراتية
منذ سنوات طويلة والنزاع بين دولة الإمارات وإيران على الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى يشد الباحثين من مختلف أنحاء العالم لعدة أسباب : فمنهم من يرى فيه انعكاساً لتقلبات السياسة الدولية ، ومنهم من يعتقد أنه ترجمة لنزاع تاريخي بين العرب والإيرانيين . وهناك أيضاً من يرى أن موضوع الجزر ما هو إلا ردة فعل لعوامل السياسة الداخلية في كل من إيران والعالم العربي . لكن الواقع أن مسألة الجزر تسترعى الاهتمام لأنها من النزاعات الحدودية القليلة الموثقة توثيقاً جيداً . فكلا الدولتين : الإمارات العربية المتحدة وإيران تستند إلى مصادر رئيسية هي عبارة عن مخطوطات ورسائل وخرائط يعود بعضها إلى أكثر من مئة سنة مما يجعل دراسة الموضوع وكأنه رحلة عبر تاريخ منطقة الخليج يكتشف المرء خلالها وقائع إقليمية ودولية كان لها تأثيرها في صنع تاريخ تلك المنطقة المهمة من العالم .
كانت جزر الخليج العربي وأهمها طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى دائماً محط أنظار مختلف الأطراف التي لعبت دوراً في منطقة الخليج كالبرتغالين والإنجليز ثم محاولة الألمان للتغلغل إليها وأخيراً اصرار إيران على احتلالها والسيطرة عليها خصوصاً منذ 1992م. وتكمن اهمية هذه الجزر في موقعها الاستراتيجي في وسط الخليج العربي.
عروبة الجزر
منذ أكثر من 200 عام ، كان القواسم يسيطرون على الساحلين الغربي والشرقي القريبين من مدخل الخليج الغربي. ومنذ 1763م تمت لهم السيطرة على جزيرة قشم ومدينة لنجة ولفت وشناص على الساحل الشرقي، وكان شيوخ العرب القواسم يمارسون نشاطاً ملحوظاً على هذه الجزر مثبتة بوثائق تاريخية كثيرة تثبت ذلك .
ويضم الخليج العربي عدداً كبيراً من الجزر والتي شكلت دائماً محور صراع مستمر بين الإمارات العربية وإيران وأهم الجزر هى :
صرى – قشم – هنجام – أبوموسى – طنب الكبرى – وطنب الصغرى .
وبالرغم من ضألة مساحة هذه الجزر إلا أن أهميتها تتركز في وقوعها بالقرب من بوابة الخليج العربي ” مضيق هرمز” . واستطاعت إيران في النصف الثاني من القرن التاسع عشر احتلال جزر قشم –وصرى – وهنجام – وذلك بالإضافة إلي إحتلال إقليم عربستان أى ” أرض العرب ” ، الرابض على الساحل الشرقى للخليج العربي .
ولكن يبدو أن هم إيران كان يتركز في السيطرة على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى . والواقع أن إيران كانت وما تزال تصر على أن هذه الجزر إيرانية ، لكنها لم تقدم حتى الآن أية وثيقة تاريخية أو قانونية تثبت أحقيتها بملكية الجزر ، سوى بعض الحجج الواهية مثل انها توجد ضمن الخليج الفارسى .
بداية أطماع إيران في الخليج العربي
كان الإيرانيون يتوقعون وبشتى الطرق إحياء مجد الإمبراطورية الفارسية القديمة . فقد توجهت أنظارها للخليج العربي منذ قرون طويلة . في عام 1845 طالبت بملكيتها للجزر خاصة البحرين . وكانت مطالبها غير محددة بل شاملة للجزر في الخليج العربي. وفي عام 1854 أرغمت إيران الشيخ سيف بن نهيان حاكم منطقة بندر عباس على مغادرتها وإثر ذلك قام سلطان عُمان بإعداد حملة بحرية وقدم الشيخ سعيد بن طحنون شيخ أبوظبي حملة بحرية لمساعدة جيش سلطان عمان إلى بندر عباس ، ونتيجة للخلافات والمكيدة الإيرانية استولت على ميناء لنجه على الساحل الشرقي للخليج العربي وكان يحكمها شيوخ القواسم وكذلك المناطق المجاورة لها .
كما توجهت قوة من المشاة والمدفعية لتستولي على جزيرة “صري” كما نزلت إلي جزيرة طنب لرفع العلم الإيراني عليها وتشتت القواسم إلى الشارقة ورأس الخيمة .