5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: 5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟ الأربعاء 24 يناير 2024, 9:27 pm
5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟
يقول أبراهام بورغ، الذي شغل منصب رئيس الكنيست الإسرائيلي في الفترة بين عامَيْ 1999-2003: "هناك احتمال حقيقي أن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير". كان بورغ يرى أن المشروع الصهيوني الاستعماري الذي بدأ في القرن التاسع عشر قد شارف على نهايته، ولم يعد له مكان في القرن الحادي والعشرين. وقد تنبأ رئيس الكنيست بذلك في مقال له ⑴ نُشر عام 2003، ورغم مرور أكثر من عشرين عاما، فإن التكهنات نفسها تردَّدت ⑵ على لسان المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية إيلان بابيه، عندما صرح في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قائلا إن إسرائيل ليست مجرد دولة، بل مشروع استيطاني إحلالي، ومشيرا إلى أننا نشهد حاليا بداية النهاية لهذا المشروع. في حديثه، يقر بابيه أن النهاية لن تكون في أي وقت بالمستقبل القريب، فبداية زوال الصهيونية هي حقبة طويلة وخطيرة على حد قوله، وقد تستمر لعقود، لكنه اعتبرها المصير المحتوم الذي "علينا أن نتحضر له من الآن". وأورد بابيه في هذا السياق مؤشرات عديدة اعتبرها إرهاصات الانهيار الصهيوني، وهي مؤشرات تناولتها من قبله كتابات العديد من المؤرخين والمفكرين على مدار العقود الماضية، وعلى رأسهم الراحل عبد الوهاب المسيري، الذي رسخ جزءا كبيرا من حياته الأكاديمية لدراسة الصهيونية وتفكيكها، على مستوى النظرية والممارسة كلتيهما.
حرب إسرائيل الأهلية
قد يكون وقع هذه الجملة غريبا، لكن الأشهر التي سبقت الحرب على قطاع غزة شهدت خروج مئات الآلاف ⑶ من الإسرائيليين إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك في خضم ما عُرف حينها باسم "أزمة التعديلات القضائية". في ذلك الوقت، سعت حكومة نتنياهو لإجراء عدة تعديلات دستورية من شأنها أن تحد من صلاحيات السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية. وكي نفهم أهمية هذه التغييرات، علينا أن ندرك أولا السياق الذي نبعت منه. إن حكومة نتنياهو ⑷ اليمينية تُعد من أكثر الحكومات تطرفا وعنصرية في تاريخ دولة الاحتلال، وقد جاءت في وقت يعاني فيه الداخل الإسرائيلي من الانقسام أكثر من أي وقت مضى، إذ يحتدم الصراع بين ما يُعرف بـ"الصهيونية العلمانية" و"الصهيونية الدينية"، وهو صراع يراه بابيه بداية النهاية للمشروع الصهيوني. ويشير بابيه إلى أن حالة توحد المجتمع الإسرائيلي الظاهرية التي نشهدها حاليا ستبدأ في التفكك والزوال بانتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ثم ما يلبث الصراع الديني العلماني في إسرائيل أن يشتعل مرة أخرى.
إسرائيل فشلت في أن تصبح دولة آمنة ومستقرة
وجود اليهود داخل دولة واحدة كان الأمان والأساس الذي بنى عليه ثيودور هرتزل الفكرة الصهيونية وأعلنت على إثره قيام دولة إسرائيل عام 1948. (أسوشيتد برس) قامت ⑸ الدولة الصهيونية على عقيدة أساسية، وهي أن اليهود لا يمكن أن يشعروا بالأمان إلا بوجودهم داخل دولة واحدة يسيطرون على حكومتها وقوانينها، فكان الأمان الهدف والأساس الذي بنى عليه ثيودور هرتزل الفكرة الصهيونية في كتابه "دولة اليهود" عام 1896، وأعلنت على إثره قيام دولة إسرائيل عام 1948. ورغم ذلك لم تستطع إسرائيل الحفاظ على سلامة اليهود داخل أراضيها، وذلك لعدة أسباب أهمها أنها ما زالت تتبع منطق العنف والاستيطان ذاته الذي اتبعته منذ أكثر من 75 عاما، فاستمرار نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، واحتلال أراضيهم وهدم منازلهم وتجريدهم من إنسانيتهم، بالإضافة إلى حروب دولة الاحتلال على مصر والأردن وسوريا ولبنان، وأخيرا الفشل الذريع في عملية "طوفان الأقصى"، كل هذا نتج عنه فشل الدولة الصهيونية في أن تصبح مستقرة وآمنة، وهذا من أهم مؤشرات بداية انهيار المشروع الصهيوني. أضف إلى ذلك، فشل إسرائيل في أن تصبح دولة لكل اليهود من كل أنحاء العالم كما أراد لها المشروع الصهيوني منذ بدايته، فرغم أن المشهد المُسيطر طوال القرن التاسع عشر والقرن العشرين تَمثَّل في موجات هجرة اليهود إلى فلسطين، نجد أن القرن الحادي والعشرين يشهد موجة هجرة عكسية ⑹ من الأراضي المحتلة إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وقد بلغ عدد المستوطنين الذين رحلوا عن إسرائيل حتى نهاية عام 2020 زهاء 750 ألفا، فيما وصل الرقم إلى 900 ألف بنهاية عام 2022. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تصاعدت موجات الهجرة خارج إسرائيل بشكل ملحوظ. وفي السنوات الأخيرة، أشارت العديد من الاستطلاعات إلى أن يهود الغرب الذين يسكنون حاليا الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا "أكثر سعادة" من اليهود الذين يقطنون الأراضي المحتلة في فلسطين، وهو أمر انعكس ⑺ على الجيل الجديد من اليهود، فلم يعد المشروع الصهيوني بالنسبة إليهم معقل الأمان من "معاداة السامية"، على النقيض من الأجيال السابقة.
الدعم العالمي "غير المسبوق" للقضية الفلسطينية
منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، شهدت القضية الفلسطينية دعما شعبيا "غير مسبوق" خاصة في الغرب، فرأينا المظاهرات الحاشدة تلف شوارع المدن الأوروبية وترفع أعلام فلسطين في الميادين، في حين ندَّد المتظاهرون بنظام الفصل العنصري الذي يفرضه الكيان المُحتل على الفلسطينيين. وقد أشارت صحيفة "فاينانشال تايمز" ⑻ البريطانية في مقال نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت إلى أن القضية الفلسطينية كانت قد تراجعت خلال السنوات الفائتة، وغالبا ما قوبلت في الغرب باللامبالاة مع دعم أميركي كامل لإسرائيل، لكن سيطرة مشاهد القصف المروعة لقطاع غزة على منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تحولات عميقة في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، ازداد على إثرها دعم الديمقراطيين في الولايات المتحدة لفلسطين. هذا وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها "مؤسسة غالوب" الشهيرة عام 2023 تصاعدا كبيرا ⑼ في دعم الأجيال الصغيرة من الشباب الأميركي للفلسطينيين، وذلك على النقيض من الأجيال الأكبر سِنًّا. ووفقا للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه فإن التحول في الرأي العام العالمي جعل أغلب المتضامنين مع القضية الفلسطينية حاليا على استعداد لتبني سيناريو إنهاء "دولة الفصل العنصري"، تماما كما حدث مع جنوب أفريقيا، وهو ما عدَّه أحد إرهاصات النهاية للمشروع الصهيوني. هذا هو السيناريو نفسه الذي تنبأ به المفكر والدكتور عبد الوهاب المسيري قبل أكثر من 15 عاما، إذ قال في أحد حواراته ⑽ مع قناة الجزيرة في برنامج "بلا حدود" إن المشروع الصهيوني غير قادر على حل مشكلة المقاومة الفلسطينية، وسينتهي به الحال أمام المصير ذاته لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مُعللا ذلك بأن حركات التحرير على مر التاريخ لم تستطع أية قوى هزيمتها. وهو ما يؤكده أيضا رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق أبراهام بورغ، عندما أشار في مقاله إلى أن قمع حركة النضال الفلسطيني لن يستطيع أن يقضي عليها، مناديا بالقضاء على نظام الفصل العنصري، لأن سفك دماء الفلسطينيين لن ينتج عنه إلا المزيد من المقاومة، وستدفع الدولة الصهيونية جراء ذلك ثمنا باهظا على حد وصفه.
ازدياد معدلات الفقر في إسرائيل
في يناير/كانون الثاني 2023، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" ⑾ الإسرائيلية النتائج الأولية للمسح الذي أجراه معهد اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ، التي أشارت إلى أن 1 من بين كل 5 إسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر. ووفقا لتقارير العام 2021، أفاد ما يقرب من 30% بين النساء والرجال أنهم يشعرون بالفقر، أي ثلث مواطني الداخل المُحتل. وكان هذا عاملا من عوامل سقوط "المشروع الصهيوني" التي أوردها بابيه في حديثه، إذ أشار إلى أن قدرة إسرائيل على الصمود اقتصاديا لن تبقى طويلا، مُتنبئا بزيادة معدلات الفقر في السنوات التالية، وهو أمر سيُعجِّل بانهيار الدولة الصهيونية من الداخل بحسب رأيه. قبل سنوات، تحدث عبد الوهاب المسيري هو الآخر عن النتائج المترتبة على فقر المجتمع الإسرائيلي، وكيف ستصبح عاملا مساعدا على الهجرة العكسية من الأراضي المحتلة إلى دول الغرب بحثا عن رغد العيش، أضف إلى ذلك تقلص أعداد الوافدين الجدد من المهاجرين، حيث قال المسيري إن الجيوب الاستيطانية من أجل بقائها تحتاج إلى الهجرة بشكل دائم، وإسرائيل دولة استيطانية عنصرية قائمة على العنف، وهي بحاجة إلى العنصر البشري لتظل "آلة القتال" دائرة، ما سيجعل دولة الاحتلال الصهيونية تواجه في المستقبل أزمة كبيرة وفقا للمسيري.
مقومات حياة إسرائيل من خارجها لا من داخلها
بنى المشروع الصهيوني استعماره للأراضي الفلسطينية بديلا عن الاستعمار البريطاني، فبحسب ما ذكره المؤرخ الفرنسي ماكسيم رودنسون في دراسته "فلسطين: حالة فريدة في تاريخ إنهاء الاستعمار"، تمتَّع المشروع الصهيوني بحماية القوة البريطانية المهيمنة، التي ساعدت المستوطنين الجدد على تكوين وجود خاص بهم بشكل منفصل ومهيمن، وذلك بالتوازي مع قمع الوجود الفلسطيني واضطهاده. فكانت بريطانيا مَن وضع حجر الأساس للوضع المتأزم الذي نشهده حاليا، ورغم جلاء الاستعمار البريطاني، فإن الفلسطينيين لم يُمنَحوا يوما حريتهم.
يعدُ المؤرخ اليهودي إيلان بابي، أحد الشخصيات البارزة في سماء الأكاديمية العالمية التي انتقدت الصهيونية في العالم، والتي أظهرت حقَّ الفلسطينيين في أرضهم
التي سلبت منهم جراء مجموعة من الأساطير التي سوق لها على أنها أفكار علمية، فمن هو البروفيسور البروفيسور إيلان بابي، وما هي أفكاره؟
وقد استقى الاستعمار الصهيوني أفكاره من أسس الإمبريالية الأوروبية للقرن التاسع عشر، ويرى كثير من المؤرخين والمفكرين أن استمرار المشروع ⑿ الصهيوني لأكثر من 70 عاما لا يعود إلى نجاح المشروع في حد ذاته، بل إن سبب استمراره الجوهري والمفصلي هو الدعم الخارجي الأميركي والبريطاني، الذي جعل الوجود الصهيوني يعتمد على الغرب تقريبا في كل المناحي، ولولا ذلك ما كانت إسرائيل موجودة حتى يومنا هذا. ولكن للسبب ذاته تقريبا، نجد أن المجتمع الإسرائيلي ⒀ أصبح يعاني من الهشاشة، فهو مجتمع مليء بالمشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يعيش فيه الجميع في خوف، مع قليل جدا من الشعور بالأمان. ومن هنا كان صعود تيار "ما بعد الصهيونية" في إسرائيل إبان ثمانينيات القرن الماضي، فهو بحسب المسيري يعني "نهاية الصهيونية" ويكسر تابوهات المجتمع الإسرائيلي. ولهذا عُدَّ هذا الجيل داخل إسرائيل معاديا للدولة ⒁ وشرعية وجودها، وهذا لأنهم أعادوا النظر في جوهر الفكر الصهيوني وقاموا بتفكيكه، كاشفين عن التناقضات التي تعج بها فكرة إسرائيل. وكان من أبرز رواد هذا التيار المؤرخ إيلان بابيه، الذي اشتهر بمؤلفاته مثل كتابَيْه "التطهير العرقي للفلسطينيين" و"10 خرافات عن إسرائيل"، وغير ذلك من الأبحاث التي كان أحدها دراسة بعنوان "ما بعد الصهيونية: توجهات جديدة في الخطاب الأكاديمي الإسرائيلي حول الفلسطينيين والعرب" ⒂، تناول فيه بالبحث جيل ما بعد الصهيونية من المؤرخين والمفكرين الإسرائيليين، وكيف استطاعوا تحدي السردية الإسرائيلية السائدة والقائمة لسنوات طويلة على شرعنة الاحتلال، وغض الطرف عن التهجير القسري والإبادة الجماعية للفلسطينيين. _________________________________________________ المصادر [list="box-sizing: border-box; color: rgb(0, 0, 0); font-family: Al-Jazeera,"][*]The end of Zionism [*]"The beginning of the end of the Zionist project?" w/ Ilan Pappé [*]مع تصاعد حدة أزمة التعديلات القضائية.. هل تتجه إسرائيل إلى حرب أهلية؟ [*]An Israeli civil war? [*]Does Israel Really “Keep Jews Safe”? [*]الهجرة العكسية للإسرائيليين تتزايد ومغردون: كابوس يلاحق قادة تل أبيب [*]This is the beginning of the end of the Zionist project – Ilan Pappé [*]How public opinion on the Israel-Hamas war has shifted [*]Why are Young People so Pro-Palestine? [*]بلا حدود: أسباب قرب زوال إسرائيل [*]1 in 5 Israelis lived below the poverty line in 2021 – report [*]?Is Zionism Coming to an End [*]ما بعد إسرائيل.. بداية التوراة ونهاية الصهيونية [*]Post-Zionism Doesn’t Exist [*]ما بعد الصهيونية: توجهات جديدة [/list]
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: 5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟ الخميس 25 يناير 2024, 9:04 am
مأزق نتنياهو أم أزمة كيان؟.."طوفان الأقصى" الذي هز المشروع الإسرائيلي لم يكن بنيامين نتنياهو سوى عنوان بارز للأزمة المركبة التي تعيشها إسرائيل، فقد كشفت ورطة الحرب الإسرائيلية على غزة التي يقودها وحكومته من المتطرفين التصدعات العميقة والأخطر من نوعها التي يعيشها المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية. تلك التصدعات تضرب أركان المشروع الهش الذي قام على إغراء "الدولة القومية" بطابعها الاستعماري الاستيطاني والديني والعنصري. وباتت كل السهام في الداخل الإسرائيلي وخارجيا توجه نحو رئيس الحكومة الإسرائيلية كعامل كسر للوحدة خلال الحرب، وفشل في تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية، في حين يعد نتنياهو مجرد عنصر يعبّر عن انكشاف التخبط السياسي والهوة المجتمعية والتصدعات الكثيرة التي تسببت بهزيمة لم تلحق به شخصيا بل بمشروع إسرائيل نفسها. لطالما اعتمدت إسرائيل في الترويج لنفسها على سردية الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط من الاستبداد (المعادي لها) والمتفوقة اقتصاديا وتكنولوجيا، والتي استطاعت صهر مكونات مختلفة في مشروع ديمقراطي ليبرالي تعددي مستقر، وبالمحصلة متفوقة عسكريا. لكن أركان تلك السردية باتت محل شكوك عديدة. بخلاف عوامل التآكل الداخلي، لم يتعرض هذا المشروع لاختبار وجودي، كانت الحروب الخاطفة والحاسمة التي تشنها إسرائيل كجزء أساسي من نظرية الأمن قد عززت كل هذه المقولات داخليا وخارجيا، لكن صدمة "طوفان الأقصى" وانهيار نظرية الحرب الخاطفة التي أخفت عوامل الوهن طويلا، واستمرار الحرب على غزة لأكثر من 3 أشهر دون تحقيق أية أهداف كشفت وهن كل تلك السرديات. تلقت إسرائيل هزيمة كبرى بعد اجتياح المقاومة الفلسطينية لغلاف غزة والمستوطنات والثكنات فيها (الجزيرة)
"طوفان الأقصى".. الحرب الكاشفة
جاءت عملية "طوفان الأقصى" في وقت كان فيه الكيان الإسرائيلي في حالة من الهشاشة البالغة، لتعمق الأزمة وتزايد الهوة بين مكوناته، وتشير تصريحات قادة المقاومة في غزة إلى أنهم كانوا على إدراك عميق ومعرفة دقيقة بالمشهد الداخلي الإسرائيلي وما يبدو عليه من التفكك والارتباك. ومثّل العدوان الإسرائيلي على غزة لحظة فارقة في مستقبل مشروع إسرائيل نفسه، فقد أثبت أن المؤسسة العسكرية والسياسية والبنية المجتمعية الإسرائيلية لم تعد مستعدة للحروب الخاطفة التي كانت تثبت بها أركان المشروع، وخلخلت الخسائر منذ يوم 7 أكتوبر أركان هذا المشروع بعنف على المستوى الإستراتيجي. وضغط موضوع الأسرى والمحتجزين بشدة على بنية المجتمع الإسرائيلي. كانت الحرب على غزة، التي تستمر للشهر الرابع، معمقة للشروخ في المشروع الإسرائيلي بالارتباك والضعف الذي بدا عليه الجيش الإسرائيلي، وبما أظهره من انحراف أخلاقي في عملياته، وما بدت عليه المقاومة من قوة وتصميم، وما تبين من تفكك في المؤسسة الإسرائيلية برمتها، وما أثاره من تشاؤم وشكوك في مقولة الاستقرارعلى الأرض المبني على القوة العسكرية الغاشمة، وما قوبلت به إسرائيل من رفض عالمي لجرائمها ازداد بمرور الوقت. وفي هذا السياق يشير المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه إلى أن ما يحصل في إسرائيل يؤكد "بداية نهاية المشروع الصهيوني"، والتي يعتبرها "مرحلة طويلة وخطيرة، ولن نتحدث عن المستقبل القريب للأسف، بل عن المستقبل البعيد، لكن يجب أن نكون جاهزين لذلك". مظاهرات في تل أبيب تطالب باستقالة نتنياهو (الجزيرة) كانت مؤشرات نهاية هذا المشروع حسب بابيه ماثلة في "الحرب اليهودية الأهلية التي شهدناها قبل 7 أكتوبر الماضي، بين المعسكر العلماني والمعسكر المتدين في المجتمع اليهودي في إسرائيل"، مشيرا إلى أن هذه الحرب ستتكرر، باعتبار أن "الإسمنت الذي يجمع المعسكرين وهو التهديد الأمني، لا يبدو أنه سيعمل بعد الآن". ويبني إيلان بابيه نظريته في نهاية المشروع الصهيوني بالأساس على عوامل التفكك الداخلي بين المعسكرين العلماني والمتدين التي ستزداد وتتعمق باختبار القوة التي لم تكن في صالح إسرائيل هذه المرة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وفقدان اليقين في استمرارية المشروع نفسه. وهنالك مؤشرات واضحة على تخلخل هذا المشروع من بينها:
انهيار قدرة الجيش الإسرائيلي على حماية المجتمع اليهودي في الجنوب (غزة) والشمال (جنوب لبنان)، وانهيار نظرية "جيش الشعب"، وسقوط خيار الحرب الخاطفة والاستباقية، وأصبحت الحرب بالضرورة داخل العمق الإسرائيلي، بما يمثله ذلك من خسائر.
ضغطت الحرب بشدة على المجتمع الإسرائيلي، ويلحظ انتشار حالة من التشاؤم والخوف من المستقبل والقلق الوجودي، ولم يعد المشروع الإسرائيلي جاذبا لمهاجرين جدد، وازدادت معدلات الهجرة العكسية.
لم تعد الأجيال الجديدة من اليهود الشباب في إسرائيل والولايات المتحدة (الداعم الأكبر لإسرائيل) مقتنعة بالمشروع الصهيوني مثل آبائهم. وقد تزايد النقد لمشروعية الصهيونية، ومبررات استمرارها باعتبار أن الصهيونية قد حققت هدفها الرئيس، وهو إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
انكشاف الطابع العنصري الوحشي للكيان الإسرائيلي وتجاوزه للأعراف والقوانين الدولية والدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية في العالم، شعبيا والمرور إلى "مرحلة جديدة بتحول الضغط من المجتمعات إلى الحكومات".
على المستوى الاقتصادي، باتت الفجوة كبيرة في إسرائيل بين الذين يملكون والذين لا يملكون ويوجد تفاوت بين الأغنياء والفقراء ولولا الدعم الأميركي المستمر لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي سيصمد، وفقا لإيلان بابيه.
زيادة الشكوك الأميركية في النظر إلى إسرائيل كمشروع في المنطقة لخدمة مصالحها والخلاف المتزايد مع بنيامين نتنياهو في رؤيته للحرب والحل.
ويلخص الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس أهم مؤشرات الفشل الإسرائيلي أمام الفلسطينيين بقوله: "إنّنا نواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائية، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديدية ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة".
لم تتشكل إسرائيل بشكل طبيعي مثل كل الدول، بناء على تطور اجتماعي يقوم على تفاعل السكان مع الأرض، بل تأسست من مجتمع هجين متعدد الأعراق والجنسيات والثقافات، خلافا على كونها جاءت في إطار مشروع إمبريالي للقيام بدور وظيفي في المنطقة، وهي بذلك تفتقر إلى البعد الحضاري والإنساني، وبقي المجتمع الإسرائيلي غير متجانس ومنقسما أفقيا وعموديا. وظلت الدولة تحرس بقاءها بالقوة الغاشمة في مواجهة الشعب الذي سلب أرضه. كما أن عملية تشكيل الكيان الإسرائيلي بنيت على فكرة استيطانية استعمارية إحلالية كان هدفها إلغاء حضارة وثقافة الشعب الفلسطيني وتصفية وجودهم بشتى الأساليب، لكن المقاومة الفلسطينية بقيت إسفينا مغروسا في قلب المشروع الإسرائيلي. لم يكن ديفد ﺑﻦ ﻏﻮرﻳﻮن أول رﺋﻴﺲ ﺣﻜﻮﻣﺔ إﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ غافلا عن خطورة مزج هذه التركيبة الهجينة في دولة وحدة، لذلك تحدث عن ما سماه "فرن الانصهار" بقوله: "ﻣﻊ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻤﻌﺎرك.. هذا اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ذو اﻷﻟﻮان اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺼﻬﺮﻩ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻨﻄﺒﻊ ﻣﻨﻪ أﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة.." بن غوريون أراد صهر مجموعات متنافرة في بوتقة إسرائيل (غيتي) انعكس إغراء المشروع في بداياته على تعبئة اليهود من مختلف أنحاء العالم، ونجحت الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية في استقدام المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين، لكنها فشلت في صهرهم في بوتقة واحدة، كما أراد بن غوريون. كانت العناصر والمكونات متنافرة بشكل جعل عملية الصهر غير مناسبة لتفرز مكونا صلبا، وظهرت التشققات تدريجيا. وفي خطاب اعتبر تحذيريا، تحدث الرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين منذ عام 2015 عن خطورة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي- عن ما سماه "أربع عشائر" علمانية، وقومية دينية، ومتشددة، بالإضافة الى العرب، مشيرا إلى أنها "لا تعيش جنبا إلى جنب، وأولادها لا يرتادون المدارس نفسها، وأفرادها حتى لا يقرؤون الصحف ذاتها". ورأى ريفلين أن لهذه الجماعات المتباينة رؤى مختلفة لما يجب أن تكون عليه دولة إسرائيل، بينما "الجهل المتبادل وغياب لغة مشتركة يزيدان من التوتر والخوف والعداء والتنافس بينها". ولم تكن مشاريع "الإصلاحات القضائية" والإضرابات والمظاهرات ومظاهر العنصرية والتطرف سوى تعبير عن حالة الخلاف البنيوي الذي يزداد اتساعا بين تلك "العشائر الأربع"، وقد جذبت إليها المؤسسة العسكرية والأمنية برفض قطاعات واسعة من جنود الاحتياط الالتحاق بالخدمة، وامتناع ضباط في سلاح الجو عن القيام بمهامهم. ويعبر رئيس الموساد السابق "تامير باردو" عن خطورة ذلك بقوله إن التهديد الأكبر لإسرائيل يتمثل في الإسرائيليين أنفسهم نتيجة التدمير الذاتي التي يجرى العمل به في السنوات الأخيرة، وشدد على أهمية "وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة اللاعودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيا". وباتت هناك شكوك في إمكانية إدارة هذه الخلافات وحلها ديمقراطيا. وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة التي لم تضع دستورا، ونتج ذلك بشكل أساسي عن عدم حل التناقضات القائمة وعدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على طبيعة الدولة وهويتها وحدودها ونظامها السياسي، وبالتالي فهي دولة ما زالت لا تستطيع تعريف نفسها داخليا وخارجيا إلا بكونها "دولة لليهود". حكومة نتنياهو اليمينية عمقت أسباب الخلاف والتفكك الداخلي في إسرائيل (غيتي) ويشير مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب (INSS) من جهته إلى أن الصراع السياسي يشكل خطرا إستراتيجيا على الأمن القومي الإسرائيلي، وأن هناك تراجعا جديا في المناعة الاجتماعية والقومية وصلت إلى حد التهديد بالتفكك الاجتماعي مع تصاعد التهديدات الأمنية والضرر في العلاقات مع الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية. وتبرز بوضوح المشكلة الإثنية وحالة الصراع الاجتماعي بين اليهود الأوروبيين (الأشكيناز) واليهود الشرقيين (السفرديم) والتي اتخذت طابعا طبقيا وثقافيا، حيث يستمر الأشكيناز في تبوؤ موقع المركز في المجتمع والدولة. ويبقى يهود الشرق، وكذلك يهود الفلاشا والعرب في أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي على مستوى الدخل والتوظيف والفرص، وزيادة منسوب العنصرية بين اليهود، وما سماه رئيس الموساد السابق .."الكراهية المجانية" التي تشكل التهديد الوجودي الحقيقي على مستقبل إسرائيل. ويخشى اليساريون والعلمانيون والأجيال الشابة من تغول اليمين الديني، وتحول إسرائيل إلى دولة تعيش على الهوية الدينية والأساطير التاريخية. ويتخذ المتدينون (أو الحريديم) موقفا راديكاليا من الصهيونية ومن الدولة ويقاطعون مدارسها ومعظم مؤسساتها وجيشها وإعلامها، ويعتمدون حتى توقيتا خاصا بهم. قوة تيار الحريديم ومعسكر اليمين الديني المتطرف تعاظمت في إسرائيل (الجزيرة)
هواجس النبوءات القديمة
تحت وطأة الهزيمة في الأيام الأولى من حرب أكتوبر 1973، تحدثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير عن "خراب الهيكل الثالث"، وهو ما ردده إسرائيليون كثيرون قبيل وبعد اجتياح 7 أكتوبر استنادا على نبوءة قديمة، تعرف بعقدة الثمانين، تنتهي فيها دولة اليهود. وفي كتابه "البيت الثالث" يشير الكاتب آريه شافيت إلى أن هذا "الخراب" سيكون بأيدي الإسرائيليين لأنهم أصبحوا أكبر عدو لأنفسهم، مشيرا إلى "أن التحديات الأمنية يمكن التصدي لها، ولكن لا يمكن التغلب على تفكك الهوية". من جهته أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك نفسه إلى ذلك بقوله في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت "على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، ويتوجب استخلاص العبر من التشرذم والانقسام اللذين عصفا بممالك اليهود السابقة، والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن". وارتبط ظهور هذه النبوءات بالزوال باحتدام الخلافات الداخلية المغلّفة بالأبعاد العرقية والدينية والطبقية، وأيضا بضغوط الحرب وصدمة الاجتياح يوم 7 أكتوبر ولجوء عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطنات الجنوب والشمال نحو الداخل، وضغوط قضية الأسرى والمحتجزين وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أية أهداف. تحضر هذه النبوءات أيضا كردّ فعل نفسي، كون فكرة الاستقرار على الأرض (كأحد أهم أركان الدولة) تعد محل شك لدى الإسرائيليين بحكم أنهم يعيشون على أرض غيرهم، ويدركون أنهم في وسط محيط معاد، ويعرفون أن صاحب الأرض ما زال يقاوم. تشير التقديرات إلى أن نحو 360 ألف إسرائيلي غادروا إلى الخارج بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول (وكالة الأناضول)
تيار الهجرة المعاكسة
وفي المحصلة، لم يعد الجيش يحمي الشعب، ولم يعد هناك إحساس بالأمان، ولم يعد هناك رخاء اقتصادي مع تراجع الدخل وارتفاع معدلات البطالة، ولم يعد هناك استقرار سياسي، ولم يعد هناك تأييد دولي كما في السابق، ولم يعد هناك غطاء أميركي كامل. ويدفع كل ذلك الإسرائيليين إلى التخلي عن "مشروع إسرائيل"، ليصبح خيار الهجرة المعاكسة حاضرا بقوة، كما تثبت الإحصاءات الإسرائيلية نفسها، وهو أخطر ما كان يحذر منه قادة المشروع الصهيوني. كان العامل الديمغرافي المرتبط بهجرة اليهود إلى إسرائيل هاجسا كبيرا لدى ديفد بن غوريون الذي يقول: "إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد، هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل". وتشير التقديرات إلى تراجع كبير في الهجرة إلى إسرائيل، السنتين الأخيرتين، وقد توقفت بعد "طوفان الأقصى". ونقلت صحيفة "زمان إسرائيل" عن سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية أن حوالي 370 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ يوم 7 أكتوبر وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني يضاف إليهم 600 ألف سافروا إلى الخارج خلال العطلات وبقوا هناك. وحسب استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان" في مارس/آذار الماضي، فإن أكثر من 25% من اليهود البالغين (فوق 18 عاما)، يفكرون بالهجرة من إسرائيل تفكيرا جدّيا. كما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في أبريل/نيسان الماضي أن 47% ممن هاجروا أو غادروا لا يزمعون العودة مرة أخرى. وفي ظل الهزيمة الإستراتيجية الماثلة، وتصدع صورة إسرائيل عسكريا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، لاذ كثير من الإسرائيليين بجنسياتهم وجوازاتهم الأصلية، وينتظر أن تتزايد نسبة الراغبين في ترك "المشروع الإسرائيلي"، وأن تتصاعد الهجرة العكسية، وهو ما يؤدي إلى أزمة ديمغرافية وتآكل المجتمع الإسرائيلي وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم. يشبه باحثون إسرائيل بكونها مجرد مشروع متعدد الجنسيات بحاملي أسهم من مشارب مختلفة، بينهم مستثمرون في الخارج. غطت بدايات التأسيس والنجاحات الأولى على مواطن الضعف ومواضع الخلاف، وأجّل الدعم الخارجي إفلاس المشروع، الذي انكشف فشله تدريجيا أمام الضغوط الكثيرة والتحديات وسوء الإدارة، التي مثلها نتنياهو لما يناهز 16 عاما. ولا يختلف نتنياهو -الذي يدير هذا المشروع راهنا- كثيرا عن غيره من السياسيين الإسرائيليين في تطرفه وتنكره للحقوق الفلسطينية، وهم لا يخالفونه في وحشية ما يرتكبه في غزة. مشكلته أنه عاد مجددا إلى الحكم بجرعات تطرف أعلى، وفي لحظة ارتباك قصوى للمشروع الإسرائيلي كان هو طرفا فاعلا فيها. وكان عليه أن يتلقى أكبر صدمة عسكرية تتعرض له إسرائيل في تاريخها وأن يتلقى ضربات المقاومة الفلسطينية التي تدير المعركة بذكاء واقتدار، وأن يراكم الأخطاء على وقع الخسائر التي تقوض مستقبله الشخصي، وتحدث مزيدا من الشروخ في بنية المجتمع الإسرائيلي والدولة.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: 5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟ الخميس 25 يناير 2024, 9:11 am
هآرتس: أكاذيب نتنياهو نفدت قالت صحيفة هآرتس إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقد السيطرة على كذبه كما يحدث له عندما يكون تحت الضغط، خاصة أنه محشور في الزاوية بسبب ضغوط الدعوة إلى صفقة المحتجزين والولايات المتحدة. وذكرت الصحيفة -في تقرير لأنشيل فيفر- أن نتنياهو قال في لقاء مع أقارب المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة إنه "خلافا لما يقال، لا يوجد أي اقتراح حقيقي من جانب حماس" وهذا غير صحيح، وفقا لفيفر. وأضاف الكاتب "سأقول ذلك بكل وضوح قدر استطاعتي، ليتساءل بعد ذلك "من قال إن هناك اقتراحا من حماس؟ ويرد بأن نتنياهو هو نفسه من قال قبل أقل من 24 ساعة "إنني أرفض تماما شروط الاستسلام التي يطرحها وحوش حماس". وبالتالي -يشير الكاتب- إلى أنه ليس هناك اقتراح فحسب، بل إن معه شروطا فعلية واصل نتنياهو تفصيلها، إذ قال "مقابل إطلاق سراح رهائننا تطالب حماس بإنهاء الحرب وانسحاب قواتنا من غزة وإطلاق سراح القتلة والمغتصبين من النخبة وترك حماس في مكانها".
إجابة واضحة
ورغم أن نتنياهو يستطيع التهرب من الكذب على عائلات المحتجزين وعلى الجمهور فإن ما يقلقه أكثر هو أن الحكومة المصرية توشك أن تقدم اقتراحا رسميا بشأن صفقة لإطلاق سراح المحتجزين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين ووقف طويل الأمد لإطلاق النار في غزة، وهو ما يفضله رفيقاه بيني غانتس وغادي إيزنكوت، وسيطالبانه بإجابة واضحة ولن يسمحا له بالتهرب. وفي الوقت نفسه، لا يزال نتنياهو يحاول الكذب على الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد أعطاه الانطباع بالاستعداد للنظر في أشكال معينة من الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ثم لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي وكتب "لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على غرب الأردن، وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية". وبعد أن أصبح عاملا الضغط -وهما الأميركيون وصفقة المحتجزين- غير محتملين فإن من الممكن أن يوافق نتنياهو على بحث إمكانية الاقتراح المصري والإطار الأميركي، لأنه من المحتمل أن ترفضه حماس والسلطة الفلسطينية، وبالتالي قد يلعب على كسب الوقت في هذه الأثناء.
قلق على الأغلبية
لكن القلق الأكبر وأكثر ما يخشاه نتنياهو هو خسارة الأغلبية في الكنيست بعد أن استغرق 4 سنوات و5 حملات انتخابية -بينها 18 شهرا محبطا خارج منصبه- حتى يتمكن من تأمينها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فهذه الأغلبية من الأحزاب التي دعمته في الانتخابات الأخيرة هي كل شيء بالنسبة له، وسوف يفعل أي شيء لتجنب تبديدها. وأي إشارة من نتنياهو إلى استعداده قبول وقف إطلاق النار أو الموافقة على سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة بعد الحرب -كما يقول الكاتب- سوف تعرّض 14 مقعدا للخطر، ليس لأن زعيمي الحزبين اليمينيين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في عجلة من أمرهما لمغادرة الائتلاف الحاكم ولكن لأنهما بحاجة إلى تعزيز ادعاءاتهما بأنهما "اليمينيان الحقيقيان" عندما تأتي الانتخابات المقبلة. وبدون هذين الظهيرين سيكون نتنياهو تحت رحمة غانتس وإيزنكوت الذي يمتلك حزب الوحدة الوطنية صاحب المقاعد اللازمة لإبقاء الحكومة واقفة على قدميها إذا غادرتها الأحزاب اليمينية المتطرفة، لكنهما سيرغبان في استبداله في أقرب وقت ممكن. وخلص الكاتب إلى أن نتنياهو لا يستطيع كبح الأحداث إلى الأبد رغم تجنبه إجراء مناقشة جدية في مجلس الوزراء بشأن إستراتيجية "اليوم التالي" في غزة، ولكنه مهما فعل من المرجح أن يخسر جزءا من ائتلافه الطارئ في غضون أسابيع، ولن يستطيع سموتريتش وبن غفير حمايته من القرارات التي يتعين عليه اتخاذها، وسرعان ما ستنفد أكاذيبه، وفقا للكاتب.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: 5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟ الخميس 25 يناير 2024, 9:13 am
لماذا لم يسقط نتنياهو رغم اتساع دائرة رفضه بإسرائيل؟ خبيران يجيبان اتفق خبيران سياسيان في الشأن الإسرائيلي على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستمر في اعتماد سياسة الهروب من أزماته وفشله إلى الأمام عبر البقاء في مساحة رمادية لا تستدعي اتخاذ قرارات حاسمة، متبعا في ذلك نهج الكذب على جميع الأطراف، مما ساعده في الاستمرار وعدم السقوط حتى الآن. بموازاة قصف مكثف وغير مسبوق تشنه قوات الاحتلال على منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة، قطع نتنياهو أمل عائلات المحتجزين في غزة بإبلاغها بعدم وجود ما سماه عرضا مناسبا وذا صلة يصلح، من وجهة نظره، أساسا للتوصل إلى اتفاق لإعادة ذويهم. ويرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي أن جزءا من أسلوب نتنياهو هو الكذب على كافة الأطراف للبقاء في المساحة الرمادية التي لا يتخذ فيها قررا، وهو ما يتبعه منذ بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وأوضح الشوبكي، خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، أن ذلك يظهر من خلال تعاطيه مع ملفات مختلفة كملف صفقات التبادل، واليوم التالي للحرب في قطاع غزة، وحتى مجريات العملية العسكرية في القطاع، لأنه يرى أن أي قرار لن يرضي كافة الأطراف ومن ثم فهو غير معني باتخاذه.
مرحلة "اللا غفران"
بيد أن هذا الأسلوب بات مكشوفا للشارع الإسرائيلي، حسب الشوبكي، وأن ما يدفعه للإصرار على البقاء في هذه المساحة هو إدراكه أن أي قرارات يستهدف بها إرضاء الشارع المنتفض ضده لن ترضيه لوصوله إلى مرحلة "اللا غفران"، ومن ثم فهو يركن للقاعدة اليمنية الصلبة عبر عدم إبداء أي مرونة في المختلف عليه. ويرى الشوبكي أنه مع كون هذا المسار بات مفضوحا لجميع الأطراف، إلا أنه يشكل معادلة ناجحة لنتنياهو في نهاية المطاف، حيث نجح من خلاله حتى الآن في البقاء في موقعه في الحكم، لافتا إلى أن جزءا من المعارضة يبدو متواطئا لأن بإمكانه تغيير المشهد السياسي من خلال خطوات أكثر جرأة فيما يتعلق ببقائهم داخل مجلس الحرب. ويبرر الخبير في الشؤون الإسرائيلية ذلك بأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن بقاءهم يخدم زيادة جماهيريتهم على حساب نتنياهو، وربما كان تفكيرهم مبنيا على الدفع به للاستمرار فيما يقوم به من ترهات تزيد من خسارته إلى حين سقوطه. وحول تحركات الأهالي، يرى الشوبكي أنها تدرجت على 3 مستويات، الأول كان متماشيا مع الاندفاع العام نحو العملية العسكرية وتصور نجاحها في تحرير المحتجزين، والثاني بعد الفشل في تحقيق ذلك بدأ التشكيك في العملية العسكرية والقائمين عليها، وأخيرا شخصنة القضية. ويرى الشوبكي أن نتنياهو يختار ما بين مسألتين، إما الموت السريع بوقف الحرب والذهاب لتغيرات سياسية حتمية داخل إسرائيل تطيح به في ضوء كل التقديرات التي تعتبر هذا الوقف هزيمة لإسرائيل، وإما الموت البطيء بالاستمرار في الحرب على أمل حدوث معجزة في المستقبل.
صراع لقبين
بدوره، يرى الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن نتنياهو يعيش صراع لقبين، الأول سيد الأمن الذي أطلقه على نفسه واعتمد من خلاله إستراتيجية عدم إدخال إسرائيل في غمار أي معركة طويلة الأمد، حيث كان يرى في ذلك قتلا للقضية الفلسطينية بإحداث توتر متواتر من غير موجات تصعيد. أما اللقب الثاني فهو ما ألصقه به الشارع الإسرائيلي وهو كذاب بن كذاب، الذي يعيش بسببه أزمة ثقة، حيث لم يعد يثق فيه الشارع الذي يرى أنه يقود معركة لا تجلب الأمن وإنما يسعى من خلالها للهروب إلى الأمام. ويعتبر جبارين تصعيد نتنياهو حملته البرية وعدم تجاوبه مع مطالب ذوي الأسرى بمثابة عودة للمربع الأول، لافتا إلى أنه يدير حروبا وجبهات بالوكالة، ويحاول الظهور بمظهر من يلبي مطالب قطاعات في الشارع الإسرائيلي، ومنها بعض ذوي الأسرى أنفسهم. ويشير جبارين إلى أن المعطيات تدفع إلى مآلات تصعيدية أكبر ضد نتنياهو، فتسريح قطاعات من جنود الاحتياط سيزيد من الحراك ضده في الشارع كون تلك القطاعات كانت النواة الصلبة للاحتجاجات ضده قبل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن ثم فهو يحاول استباق ذلك بالتصلب حول هدف متفق عليه، وهو عدم القبول بقيام دولة فلسطينية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: 5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟ الخميس 25 يناير 2024, 10:58 am
110 أيام من الحرب المستعرة على غزة.. هل حققت إسرائيل أهدافها؟
"لا حل كاملا لجيوب المقاومة في غزة"، و"لا يوجد حل عسكري بشأن مصير حماس"، تصريحان تردد صداهما في الأيام الأخيرة، الأول لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، والآخر لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ويلخصان ما آلت إليه الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة بعد 110 أيام؛ فما اعتبرتها إسرائيل حربا محسومة مسبقا بأهداف ممكنة، لم تكن كذلك. وقد أظهرت المعارك حقائق ومعطيات جديدة في مواجهة التصريحات والروايات الإسرائيلية المتلاحقة، سواء في أعداد قتلى جيش الاحتلال، أو ما حرصت المقاومة على بثه على امتداد الأيام الـ110 من مشاهد حملت عناوين لخصت المعركة، أبرزها: الأنفاق، والمسافة صفر، والميركافا، والنمر، والياسين 105. وبالتوازي مع ذلك، يواجه الجيش الإسرائيلي انتقادات واسعة من أطراف في الحكومة الإسرائيلية مع تحميله الفشل في منع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب حتى الآن.
هدفان رئيسيان
ومنذ أول خطاب له بعد صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوهدفين رئيسيين لحربه التي أعلنها، وهما:
محو كل وجود لحركة حماس في القطاع.
الإفراج عن المحتجزين لديها.
ويتوسع محللون في الأهداف الإسرائيلية من الحرب، متحدثين عن 4، وهي:
القضاء على قيادة حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة.
تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية.
تحرير الأسرى الإسرائيليين.
تهجير سكان غزة إلى سيناء.
ومرت الأيام وتوالت خطابات نتنياهو، ومن بعده أعضاء مجلس الحرب الذي شكّله، كما صبت قوات الاحتلال نيران غضبها على القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عاما، فاستشهد وأصيب عشرات الآلاف، ودُمرت آلاف البيوت على ساكنيها، ولم يسلم من القصف مسجد أو مشفى أو مدرسة أو غيرها.
تراجع في الأهداف
ومع مرور الأيام دون انتصار إسرائيلي ولو جزئي، بدأت الأهداف الإسرائيلية تتراجع، وانخفض سقفها بشكل واضح، وأُعلن عن هدف آخر هو تغيير السلطة الحاكمة في غزة وإبعاد حماس عنها. ومؤخرا، تنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قوله إن "هدف الجيش الإسرائيلي الرئيسي هو تدمير هيكل قيادة حماس في غزة، وبمجرد تحقيق ذلك فإن أفراد الحركة سيشكلون تهديدا أقل ويمكن هزيمتهم مع تطور الصراع من مرحلة القتال العنيف إلى مرحلة أقل حدة". أما صحيفة "واشنطن بوست" فنقلت عن مصادر مطلعة تأكيدها أن وجهة نظر واشنطن وكثير من قادة الجيش الإسرائيلي هي أن إسرائيل بعيدة عن هزيمة حركة حماس. والعجيب أن الحديث الطويل الذي كرره نتنياهو مرارا عن "غزة في اليوم التالي للحرب"، انقلب عليه؛ إذ تنقل "إن بي سي" عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن تتطلع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهدافها في المنطقة، وأنها تحاول وضع الأساس مع قادة إسرائيليين آخرين تحضيرا لتشكيل حكومة ما بعد نتنياهو.
أما صحيفة "نيويورك تايمز" فنقلت السبت الماضي عن قادة عسكريين إسرائيليين تأكيدهم أن هدفي الحرب -وهما استعادة الأسرى وتدمير حماس- بات مستحيلا تحقيقهما معا، مؤكدين أن المعركة الطويلة الأمد اللازمة لتدمير حماس ستكلف على الأرجح حياة الأسرى، ومشيرين إلى أن استعادتهم ممكنة فقط من خلال الوسائل الدبلوماسية لا العسكرية. وقال هؤلاء القادة الإسرائيليون إن معارك غزة عرقلتها بنية حماس التحتية الأكثر تطورا مما ظنته المخابرات الإسرائيلية، معربين عن خشيتهم من أن يؤدي طول الحملة على غزة من دون خطة لما بعد الحرب إلى تآكل دعم من تبقى من الحلفاء. ونقلت "يديعوت أحرونوت" أن قوات الاحتلال فوجئت بأن حجم الشبكة أكبر بنحو 600% عما كانت تتوقع. وبكلمات واضحة، تقول صحيفة هآرتس "من العسير رؤية طريق واضح لنصر عسكري حاسم لإسرائيل".
عدوان بلا أهداف
ويشير الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إلى أن العدوان الإسرائيلي فشل حتى الآن في تحقيق أي من أهدافه، وأصبحت الحرب عدوانا بلا أهداف؛ فقد فشلوا في استعادة الأسرى أو في القضاء على المقاومة، وفشلوا أيضا في بسط سيطرتهم في الأماكن التي دخلتها دباباتهم، كما فشلوا في تحقيق الهدف المركزي للعدوان وهو التطهير العرقي لقطاع غزة. ويضيف البرغوثي في مقابلة مع الجزيرة "وفوق كل ذلك، فقد فشل التطبيع الذي استُخدم كذراع ووسيلة لتصفية القضية الفلسطينية". ويؤكد أن إسرائيل دخلت الآن في أزمة داخلية عميقة، فهي تعاني من خسائر بشرية لا تستطيع تحملها، وبشائر انهيار اقتصادي لا تستطيع تحمله أيضا، وأزمة أخلاقية كبرى بخسارتها على الصعيد الدولي، وخصوصا ما نراه كل يوم من مسيرات ومظاهرات منددة بحربها على غزة.
صمود المقاومة
وفي خطابه في اليوم الـ100 للحرب، قال أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- إن الاحتلال تكبّد خسائر ضخمة تفوق كلفتها ما تكبده في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإن المقاومة أخرجت عن الخدمة 1000 آلية عسكرية إسرائيلية. وأكد أبو عبيدة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه أو تحرير أي أسير لدى المقاومة. وهنا يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن نتائج المعارك تقاس بمدى تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة، وهو الأمر الذي فشلت فيه إسرائيل. وأضاف أن حركة حماس لا تزال متماسكة تنظيميا، وقدراتها العسكرية لا تزال قائمة، وبعد 100 يوم من العدوان والدمار لم يستطع جيش الاحتلال إنقاذ أي من محتجزيه إلا من خلال التفاوض، بينما قتل بعضهم سواء بالقصف أو الاستهداف المباشر.
ووصف الخبير العسكري والإستراتيجي قصف كتائب القسام منطقة أسدود برشقة صواريخ بعد 100 يوم من الحرب بأنه رسالة سياسية للحكومة الإسرائيلية ومن يقف وراءها كواشنطن وبرلين، علاوة على أنها رسالة عسكرية صريحة تدحض مزاعم تل أبيب بالقضاء على مقدرات المقاومة وقتل آلاف المقاومين والسيطرة العملياتية على شمالي قطاع غزة. وعلى مدى أيام الحرب، فاجأت المقاومة الجميع بقذيفة "الياسين 105" التي تمكنت من تدمير دبابة "ميركافا" وناقلات الجند "النمر" المدرعة، اللتين تشكلان "فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية". ويشير الدويري إلى أن الواقع الميداني "يبطل مزاعم الاحتلال"؛ ففي المنطقة الشمالية من القطاع ادعى الاحتلال أنه حقق أهدافا ودمّر 700 قاعدة لإطلاق الصواريخ وقتل 9 آلاف من المقاومين، لكن الرشقات الصاروخية التي أطلقتها كتائب القسام أبطلت الادعاءات الإسرائيلية. وفي المنطقة الوسطى من قطاع غزة، لا يزال القتال محتدما لكنه يراوح مكانه، والحال نفسه بالنسبة للمنطقة الجنوبية التي حشدت لها إسرائيل 7 أولية. ولا يستبعد الخبير العسكري أن تتمكن المقاومة من توجيه صواريخها صوب حيفا ومطار إيلات.
تداعيات على الداخل الإسرائيلي
وعلى الصعيد الداخلي، لم يكن الغضب في الشارع الإسرائيلي هو العامل الوحيد الضاغط على حكومة بنيامين نتنياهو؛ فالهزات الارتدادية لزلزال حرب غزة تلاحقت منذ الساعات الأولى للسابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والأزمة في مربع التحالف الحكومي لم تعد خافية، ولعلها من بين ما سيحدد مآلات الحرب. ويمكن تلخيص التداعيات السلبية التي أصابت إسرائيل من المعركة فيما يلي:
انقسام سياسي حاد داخل النخبة الحاكمة في إسرائيل، سواء الائتلاف الحكومي أو مجلس الحرب؛ ففضلا عن غياب الانسجام بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، وضبابية الصورة بشأن مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فإن شرخا آخر أخذ بالاتساع يوما بعد آخر بين القيادتين السياسية والعسكرية.
انقسام حاد في الرأي العام الداخلي إلى موقفين، أحدهما يطالب بتكثيف الضربات ضد القطاع، والآخر يدعو لخيار التفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح الأسرى.
فشل مخطط تهجير سكان غزة في ظل تمسكهم بأرضهم ورفض الخروج منها.
خسارة معركة الرأي العام العالمي؛ إذ نزل الملايين في شوارع دول مختلفة للمطالبة بوقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، في حركة تضامنية عالمية تجاوزت الأديان والأعراق والثقافات والجنسيات، ووحدها إيمان جماعي بالحق الفلسطيني.
تراجع الدعم الدولي لإسرائيل على خلفية المجازر التي ترتكبها في غزة، وفي المقابل تزايد الدول التي تنتقد السياسة الإسرائيلية كجنوب أفريقيا وإسبانيا وأيرلندا، بل إن مواقف بعض الدول التي عُرفت تاريخيا بالتأييد المطلق لإسرائيل -كفرنسا على سبيل المثال- تحولت إلى مطالبتها مرارا بوقف إطلاق النار.
مثول إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها أمام العدالة الدولية ممثلة في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وهنا يقول الدكتور مصطفى البرغوثي إنها المرة الأولى التي تقف فيها إسرائيل موقف المساءلة والحساب، وتضطر للدفاع عن نفسها، بعد أن كانت دائما فوق القانون الدولي.
ضريبة باهظة
لكن وفي الوقت نفسه، فالمؤكد أن هناك ثمنا باهظا دفعته المقاومة الفلسطينية والفلسطينيون جميعا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد أدت الحرب العنيفة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة -حتى الآن- إلى استشهاد أكثر من 25 ألفا و700، وإصابة أكثر من 63 ألفا و740 آخرين، 70% منهم نساء وأطفال. ومع ذلك، فإن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن حركة حماس لم تخسر قادتها، وأن أغلبية مقاتليها لا يزالون على قيد الحياة بعد 110 أيام من الحرب، كما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت. وذكرت الصحيفة أن تقديرات الجيش تشير إلى أن عدد مقاتلي كتائب القسام عشية هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بلغ نحو 30 ألفا. ويزعم جيش الاحتلال أنه قتل 9 آلاف مقاتل في قطاع غزة، من بينهم نحو 50 من قادة كتائب القسام. لكن الناطق باسم الكتائب أبو عبيدة أكد أن ما يعلن عنه العدو من إنجازات عسكرية مزعومة خلال عدوانه على غزة "هي أمور مثيرة للسخرية بالنسبة لنا، وسيأتي اليوم الذي نثبت فيه كذب هذه الدعاوى وعيبتها". في المقابل، أكد أبو عبيدة أن جيش الاحتلال تكبّد خسائر باهظة تفوق تكلفتها ما تكبده في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وسبق أن نقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصادر مقربة من القيادة السياسية لحركة حماس قولها إن الإحصاءات الإسرائيلية بهذا الصدد "محض هراء، وإن الخسائر في صفوف كتائب القسام كانت قليلة للغاية". وقال أحد المصادر للموقع إن إجمالي الخسائر في صفوف كتائب القسام أقل من 10%، موضحا أن "القسام حركة عسكرية ذات بنية مركزية وحلقة تنظيمية فضفاضة، لم نسمع عن معاناة القوات المركزية من خسائر خطيرة".
ويعتقد ريتشارد ويتز، كبير المحللين العسكريين في معهد "هدسون" بواشنطن، أن "إسرائيل حققت بعض أهدافها خلال الحملة الماضية، حيث انخفض عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة". كما أنشأ جيش الاحتلال منطقة عازلة على طول شمال قطاع غزة. لكنه في مقابل ذلك يقرّ أيضا بأن المقاومة الفلسطينية -وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي– لا تزال تحافظ على مقاتليها، كما أن الرأي العام يتحرك ضد إسرائيل، فضلا عن أن مخاطر التصعيد من لبنان لا تزال قائمة. والمؤكد أن الفصل الجديد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي زلزل ثوابت عدة كان يسود الظن أنها راسخة، أو فوق كل احتمالات التغيير. وبدءا من تهاوي أسطورة الجيش الإسرائيلي أمام هجوم المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مرورا بأطنان البارود التي ألقيت على رؤوس أهل غزة وسط تأييد غربي لإسرائيل، ظلت تتبلور في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية قناعات جديدة، مفادها أن معادلات ما بعد الحرب لن تبقى على ما كانت عليه قبلها. 110 أيام من الحرب، وغزة الضئيلة المساحة والإمكانات، والكثيفة السكان، بل التي طالما وُصفت بأنها مجرد سجن كبير، لا تزال تستعصي على السقوط أمام جحافل الجيش الإسرائيلي الذي سبق له أن هزم جيوش ما كانت توصف بدول الطوق العربية مجتمعة، واحتل مساحات شاسعة من أراضيها في 6 أيام.
5 مؤشرات تخبرنا.. هل نشهد بداية النهاية للمشروع الصهيوني؟