القتل الجماعي في الثقافة الصهيونية / لم نستوعب الدرس جيداً وأصابعنا تشير إلى الاتجاه الخطأ
يفيق الدم العربي من نكباته، ليجد أنه أصبح ماء... يسيل على الأرصفة والشوارع، يتاجر به أصحاب المصالح، والنوايا السيئة، ويصفى من خلال إهداره، كل من لديه رغبة قديمة في التنكيل، بمن يتوقع أنه كان مقصرا في الذود عن هذا الدم العربي المهان.
القضية... ضاعت في زحمة الأصابع التي تشير إلى الجانب في الجهة العربية المقابلة، في حين المجرم الحقيقي يصوب بندقيته في الظهر، ويرسل قنابله محملة على الطائرات ليدك بها المنازل والبيوت.
الأصابع تشير الى الجانب العربي المتهم بالتقصير، والمشاعر تلتهب وتفور، والحناجر تطالب بالقصاص، والمظاهرات تخرج، والاتهامات تتداخل في بعضها البعض، والمشاعل ترفع خلال مسيرة الادانة، وفي الخلف العدو يجهز عدته، ويتفرس في الظهور التي وجوهها منخرطة في التظاهر، كي يصب غضبه وسخطه على رؤوس البسطاء من أهل غزة.
والأصابع مازالت تشير إلى الجانب العربي في الجهة المقابلة، ولم يسأل أحد نفسه: ما الذي قدمته لأهل غزة...؟ وكيف يمكنني أن أخفف عن هؤلاء الطيبين البسطاء، آلامهم، وأجعل من دمائهم التي تسيل على الأرض ناراً تؤجج المشاعر؟ فيكون الاندفاع قوياً لبذل الغالي والثمين في سبيل حقن هذه الدماء، ليس من خلال التظاهر، وتحميل عبء المسؤولية على أي جهة كانت، فالموت والدمار لا يتحمل المضي في مظاهرات تنديد، وتبادل الاتهامات... انه بحاجة الى فعل... وكل من يحس بآلام أهل غزة الطيبين عليه ان يكون في مقدمة الصفوف وليس في المؤخرة، عليه ان يكون بقدر احاسيسه التي لا تظهر الا في أصبعه المشيرة الى الجهة العربية - تلك التي يعتبرها مقصرة... فقبل ان يدين الآخرين، عليه ان يبحث في نفسه... ويسألها سؤالا بسيطا: ما الذي قدمته لأهل غزة...؟
لسنا في موقع المدافع عن جهة كانت... اننا في موقع تحميل الجميع المسؤولية... الجميع بلا استثناء، الكل شارك في هذه المجزرة التي يتعرض لها البسطاء في غزة، منذ أعوام طويلة مضت.
نحن وآباؤنا... وأجدادنا... ربينا الكائن الصهيوني على دمائنا، ربيناه في مراعي خوفنا وفي كنف هواننا، جعلناه تنيناً يأكل فينا جيلا بعد جيل، لم نكن بالقوة الكافية في الاتحاد والتمسك بالعروبة، كي نباري سعاره، ونجاري سيطرته بسيطرة أكثر منها بطشنا، تركناه ينمو على شواطئ أيامي، ويستريح على منابع أحلامنا، نشاهده يستطيل ويكبر ويستفحل قوة وشدة، ونحن ندس آلامنا في قلوبنا، ونكتم أنفاسنا بغية الا يستمع الى دقات أفئدتنا المتلاحقة.
منذ عصابات الأرغون والبالماخ والماجاناة... ونحن نلطم ونشجب، ونراهن على وحدتنا، لنكتشف في النهاية اننا موزعون على أكثر من جهة، وكل جهة تريد الزعامة خالصة مخلصة لها، العصابات الاسرائيلية تقتل وترهب، وترعب، وتخطط في الاستيلاء على الأرض، ونحن مازلنا نبحث عن الزعامة... لنستيقظ من نومنا العميق وفلسطين قد تحولت الى أرض اسرائيل، وان شتات الصهاينة، أصبح لهم وطنا، والفلسطينيون مشتتون في كل أصقاع الأرض.
دخل العرب الحروب بين هزائم كثيرة، وانتصارات قليلة، ومازال الانقسام يزحف على الجسد العربي، يفتت من عزيمته، ويضعف من قوته، وحينما وجد الصهاينة أن الدم العربي هين، ولا ثمن له قرر ان يريح نفسه، وبدلاً من ان يقتل فرادا، عليه ان يجرب القتل الجماعي... نعم عليه ان يجرب ليرى النتيجة، فكانت المجازر الجماعية التي كان أبشعها في عام 1982 مجزرة صبرا وشاتيلا، بقيادة ايرييل شارون وراح ضحيتها 1600 عربي، وهي المعروفة بحرب لبنان الأولى... وقتها انتظر الصهاينة قليلا لمشاهدة العرب، وما سيكون فيه حالهم، وحينما وجدوا ان الامور طيبة، ولم تكن سوى أفواه تشجب، وأصابع تشير الى المتهم، دون ان تتحرك الاقدام خطوة للأمام للقصاص من القتلة، تكررت المذابح في مدرسة بحر البقر، وفي مجزرة قانا 18 أبريل 1996 وقتل فيها 118 انسانا عربيا، في هجمة دموية أطلق عليها الصهاينة «عناقيد الغضب» والاسم عنوان لرواية كتبها المؤلف الاميركي - الألماني الاصل - جون شتاينيل ونال عليها جائزة بولتير للادب عام 1940، ووجد الصهاينة ان لعبة القتل والابادة الجماعية في الصفوف العربية سهلة، ولن تجد في مقابل اجرامها الا الشجب، والرفض... فأصبح بين كل فينة وأخرى لديه شراهة في تكرار هذه اللعبة، والاستهانة بالنفس العربية، فغامر الصهاينة عام 2006 كي يشن حربا قذرة على لبنان وقتل مئات الأبرياء، وهدم المنازل.
وانهم الآن يقتلون في غزة، ويدمرون في حملة دموية تحمل عنوان «الرصاص المتدفق» تيمنا بقصيدة كتبها الشاعر بياليك عن أعياد الهانوكا اليهودية، التي تحتفل بها اسرائيل هذه الأيام.
فالقتل مستمر، والدماء مازالت حارة ساخنة على الأرصفة، وتحت أنقاض البيوت... والفزع والزعر يعم كل مناطق غزة... ومازالت الاصابع تشير الى الجهة العربية المقابلة، تدين... وتستنكر، ولا يفكر أي أحد فينا اننا كلنا متواطئون... كلنا مدانون، وكلنا يتحمل مسؤولية ما يحدث في غزة، وما سيحدث مستقبلا في مدن عربية أخرى، لاننا نحن وأسلافنا الغابرون، ربينا التنين الصهيوني، وأطعمناه من لحم خوفنا، وسقيناه من دمائنا التي رخصت... فهل نفهم... ما نحن فيه الآن من هوان... وان نسارع الى غزة نحتضنها، ونقف الى جانب أهلها... ونعيش مأساتهم بدلا من ان نتظاهر ونتبادل الاتهامات، ثم نذهب الى دفء منازلنا، ونتناول وجبة العشاء، ونتبادل مع أهالينا أطراف الحديث... كي «نشد» على أجسادنا المخدرة الغطاء الوثير... وننام... نعم ننام، ومازالت القنابل الصهيونية تصب غضبها على أهل غزة البسطاء الطيبين!