يترقب فلسطينيون من غزة قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد القضية التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي، متهمة إياه بجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب بحقهم خلال العدوان الحالي، وقد جهز العشرات من أُسر الضحايا دلائل ووثائق تثبت جرائم الاحتلال لتقديمها كمستندات في القضية من أجل محاسبة إسرائيل أمام المحكمة.
ويُبدي الفلسطينيون سكان غزة اهتماماً كبيراً بالقضية التي تحاول إنصافهم للمرة الأولى مقارنة بقضايا سابقة لم يجنوا منها الكثير، إذ إن الكثير من القرارات الأممية لم تنفذ منذ نكبة عام 1948، مثل قرار حق العودة رقم 194، وقرار مجلس الأمن رقم 2334 في العام 2016 بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
وتداول كثير من الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل حول جمع المعلومات والوثائق من سكان قطاع غزة، من أجل تقديمها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، إذ يتيح مكتب المدعي العام للمحكمة، رابطاً مباشراً لتقديم الضحايا أدلة بشأن الجرائم، ما شجع الغزيين على تقديم ملفاتهم، خاصة بعدما شاهدوا مرافعة الفريق القانوني لجنوب أفريقيا.
استشهد نحو 20 فرداً من عائلة النجار، وتسعى العائلة إلى دعم قضية الإبادة الجماعية عبر مقاطع فيديو وصور التقطتها كاميرات المراقبة في الشوارع، تؤكد أن الاحتلال يستهدف المدنيين. يقول المحامي عبد الرحمن النجار، إن "القانون الدولي الإنساني يفصل تفاصيل الأعمال العسكرية في حال الحروب، ويؤكد أن استهداف منشأة مدنية من دون أي دليل حول استخدامها عسكرياً هو جريمة حرب، خصوصاً إذا ما توفر دليل حول كون الضحايا مدنيين، ما شجع العديد من عائلات غزة على جمع الأدلة لإدانة الاحتلال".
يضيف النجار لـ"العربي الجديد": "جميع أفراد عائلتي الشهداء كانوا مدنيين، منهم معلمون وأطفال، وتم قتلهم من دون سابق إنذار، وإقامة القضية من دولة جنوب أفريقيا التي عانت من العنصرية هي الأفضل بالنسبة لنا كفلسطينيين، فلن يفهم قضيتنا إلا من شرب من نفس كأس الاحتلال والعنصرية، لذا فإن آمالنا كبيرة. حتى لو لم يتم تحقيق نتيجة كبيرة، فيكفي أن الاحتلال وصل إلى محكمة العدل الدولية، ونعرف أن الاحتلال يبحث عن مخارج بمساعدة الولايات المتحدة، لكن لدينا أملاً أن تكون تلك خطوة ننتزع فيها ولو حقاً واحداً، وأعمل على جعل الناس يسارعون إلى تقديم أدلتهم". الصورةعلم جنوب أفريقيا إلى جانب العلم الفلسطيني في بيت لحم (أحمد غرابلي/فرانس برس)وأصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تقريراً تفصيلياً يضم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع، مؤكداً أن الاحتلال ارتكب خلال 100 يوم من العدوان أكثر من 2000 مجزرة بحق المدنيين، ومجازر جماعية بحق عائلات، كما استهداف الصحافيين والطواقم الطبية.
جمع أحمد شهاب (34 سنة) عشرات من مقاطع الفيديو التي وثقها أفراد من عائلته التي استشهد منها نحو 40 فرداً، من بينها فيديوهات لأطفال من أبناء عمومته في لحظاتهم الأخيرة بعد استهدافهم بالقصف، وفيديوهات لأطفال يهربون وسط أصوات القصف.
يعمل شهاب كصيدلاني، وقد تواصل مع المحكمة لتقديم الأدلة التي جمعها، وهو يتطلع لأن تكون التحقيقات إيجابية. يقول لـ"العربي الجديد": "الفلسطيني بحاجة إلى ظهر قوي يسنده ويدعمه في الحصول على حقه، وتقديم قضيته، وأعتقد أننا نعيش مرحلة مهمة، فللمرة الأولى نشاهد من يترافع عن قضيتنا بكل قوة بعيداً عمّا هو مألوف في المحاكم الدولية التي تجاهلت الكثير من الانتهاكات بحقنا، وأتمنى هذه المرة ألا تضيع حقوق الفلسطينيين".
ويتوقع رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي، أن تقضي محكمة العدل الدولية بوقف جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وتقرر عدم التعرض للمدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مؤكداً أن قضية جنوب أفريقيا تمهد الطريق لوصول الغزيين إلى المحاكم الدولية للإدلاء بشهاداتهم، وإيداع وثائقهم.
الصورةقضت عائلات غزية كاملة تحت القصف (فرانس برس)ويوضح عبد العاطي: "ننتظر من هذه الدعوى البتّ في التدابير الوقائية، ثم تقديم الأدلة بمساعدة المنظمات الحقوقية التي رصدت الكثير من الانتهاكات الإنسانية من أجل إدانة الاحتلال، والتدابير المؤقتة تشمل وقف العدوان الإسرائيلي، وإدانة جريمة الإبادة الجماعية، وينبغي الحفاظ على الأدلة حتى السماح بدخول فرق تقصي الحقائق. ارتكب الاحتلال عدة جرائم إبادة، ومن بين الشهداء 47 من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين، وهم مدنيون، وبعضهم استشهدت عائلاتهم بالكامل، وأكثر من 95 في المائة من الضحايا مدنيون، ودولة جنوب أفريقيا قدمت ملفاً قوياً لتحميل الاحتلال المسؤولية، وتأكيد وجود نية لتدمير قطاع غزة، وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة عبر هدم كل مقومات الحياة".
ومن أجل دعم مسار الفحص الأولي، يبين عبد العاطي لـ"العربي الجديد"، أن "محكمة العدل الدولية قامت بإنشاء رابط إلكتروني كي يستطيع كل المتضررين الذين فقدوا أطفالهم ونساءهم، والعاملين في المنشآت الطبية، ومن فقدوا منازلهم وأعمالهم، أو أجبروا على النزوح، وتعرضوا لجرائم حرب، إرسال فيديوهات وصور توثق ارتكاب الاحتلال جرائم بحقهم. هذه القضية قد تكون محورية في حياة الفلسطينيين عموماً، أو تكون طريقاً للمحاكم الدولية، وتشكيل تكتلات حقوقية دولية للحصول على الحقوق الفلسطينية بعد عقود من التنصل الدولي، ومع تشكيل ضغط على الاحتلال في أي إطار يطالب بحقوقهم، ستتغير صورة الاحتلال أمام المجتمع الدولي، وخاصة لدى المدافعين عن حقوق الانسان الدوليين والمنظمات الحقوقية".
ويذكر: "لم يلمس الحقوقيون جدية من مكتب الادعاء العام في محكمة الجنايات الدولية، خصوصاً منذ وصول المدعي العام كريم خان الذي بدأت ولايته في 2021، إذ لوحظ أنه يماطل في الملفات الفلسطينية، في حين أنه لم ينتظر الكثير من الوقت في ملف أوكرانيا الذي أجرى فيه تحقيقاً خلال أقل من أسبوع، وأنهى التحقيق خلال أقل من عام، وأصدر مذكرات اعتقال بحق مسؤولين روس على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين".
ورغم عدم ثقة جميع الحقوقيين الفلسطينيين في إجراء تحقيق جاد بقضية الإبادة الجماعية، لكنهم يرون أن الاحتلال بات يواجه اتهاماً صريحاً بأنه نظام فصل عنصري، ما يجعل الضغوط تتزايد عليه دولياً، وأن القضية ستسهم في فتح ملف الانتهاكات الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن قدم فريق الدفاع الإسرائيلي دفاعاً ضعيفاً أمام المحكمة.