تأثير القوقاز على العالم الإسلامي.. وهل يعود علييف رئيساً للمرة الخامسة؟

تأثير القوقاز على العالم الإسلامي.. وهل يعود علييف رئيساً للمرة الخامسة؟

أحدثت الحرب في غزة قلقاً بالغاً في جميع أنحاء العالم بما فيه سكان المناطق النائية عن القتال، إذ إن الصراع المتصاعد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي والذي توغل إلى بيوت المدنيين، بات مثالاً واضحاً على كيفية تأجيج الحرب ومدى صعوبة التوصل إلى حل سلمي لكلا الجانبين.

في وقت يستمر الدبلوماسيون في جميع أنحاء العالم بعقد الاجتماعات ومحاولة إيجاد طريق بناء لحل سلمي للوضع في غزة، ومن ناحية أخرى، ينشر الساسة الراديكاليون نبوءات حول نيران الحرب المتنامية، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل وأيضاً في قارات أخرى.

إن الشرق الأوسط، الذي يسميه الشرقيون "غرب آسيا"، منطقة غير مستقرة تعود الصراعات بين شعوبها إلى قرون من الزمن، وكل خطوة نحو السلام في هذه الأراضي تصاحبها جهود هائلة ومفاوضات معقدة، وبطبيعة الحال، يعد السلام في هذه المنطقة رصيداً قيماً يجب الحفاظ عليه وحمايته من الحرب والمعاناة.

وفي عامي 2020 و2023، حلّ السلام الذي طال انتظاره في المنطقة، حيث واجهت أذربيجان مشكلة الجيب الأرمني على أراضيها - ناغورنو كاراباخ، وشكك العديد من الخبراء في إمكانية جر إيران إلى هذا الصراع، لكن تبيّن أن الوضع مختلف.

يذكر أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف اتخذ قراراً استراتيجياً لتجنب حرب طويلة وخطيرة، وقد اختار نهجاً دقيقاً جراحياً حال دون احتمال نشوب صراع واسع النطاق وأجبر الحكومة الأرمنية في ناغورنو كاراباخ على الموافقة على الاستسلام.

علييف قام بخطوة جريئة ومعقولة لتجنب العواقب المحتملة للصراع المسلح في منطقة مضطربة بالفعل، وبطبيعة الحال، كان قرار الرئيس الأذربيجاني موضع خلاف وأثار الكثير من النقاش، ولكن الحقيقة تظل قائمة "لقد تم منع الحرب وتم احتواء تصعيد الصراع".

وتبيّن هذه الحالة بوضوح أنه حتى في أكثر المناطق التي تعاني من الصراعات، يمكن تحقيق السلام إذا تم تطبيق الاستراتيجية الصحيحة والحفاظ على المفاوضات الدبلوماسية، كما يؤكد على أهمية الدقة الجراحية في اتخاذ القرارات ومنع الحروب الكبيرة وطويلة الأمد.

أذربيجان دولة لديها تحالفات قوية مع تركيا وروسيا، ولدى علييف حليفان مؤثران، هما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويؤيد هؤلاء القادة فكرة توحيد جميع الشعوب الناطقة بالتركية والتعاون في المجالين الاقتصادي والسياسي، ويعمل علييف مع أردوغان على تعزيز العلاقات بين تركيا وأذربيجان، الأمر الذي يجذب الشركات التركية للاستثمار في اقتصاد البلاد، في حين أشار أورخان محمدوف، رئيس مجلس إدارة وكالة تنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة (كوبيا) التابعة لوزارة الاقتصاد الأذربيجانية، إلى أن تركيا استثمرت بالفعل حوالي 15 مليار دولار في مختلف قطاعات الاقتصاد، وتم تخصيص أكثر من 11.7 مليار دولار لتطوير صناعة النفط والغاز، و3.5 مليار دولار لمختلف القطاعات غير النفطية والغاز، يفتح هذا التعاون فرصا جديدة للنمو الاقتصادي والتنمية في أذربيجان.

أذربيجان لم تكن - بالتعاون مع تركيا - قادرة على تحديث جيشها فحسب، بل تمكنت أيضاً من تحقيق نصر سهل في ناجورنو كاراباخ. لقد كان هذا نجاحًا كبيرًا، وقد أصبح ممكنًا بفضل التعاون العسكري المتزايد مع الدولة الشريكة، ومع ذلك، فإن النتائج المحققة لا تحد من نفوذ أذربيجان في المنطقة، لأنها تعد أيضًا مركزًا استراتيجيًا لتطوير الطرق اللوجستية التي تربط جنوب أوروبا والصين عبر بحر قزوين وآسيا الوسطى.

إن الملعب الوطني الجديد الذي بناه إلهام علييف جعل من أذربيجان لاعباً مهماً على الساحة الدولية، وبفضل موقعها الجغرافي، أصبحت باكو مفترق طرق بين الخليج العربي وروسيا وتركيا والصين، وهذا يعني أن نفوذ أذربيجان راسخ وسيبقى لفترة طويلة.

ويواجه إلهام علييف انتخابات رئاسية مبكرة ينوي استثمارها لتعزيز موقفه، وبعد عدة عقود، أصبحت البلاد أخيراً موحدة ومستعدة للمضي قدماً، وليس هناك شك في أن إلهام علييف سيصبح رئيساً مرة أخرى، إذ سبق له أن شغل هذا المنصب لأربع فترات سابقة، وهذا هو الخيار الأفضل ليس فقط بالنسبة لأذربيجان، بل أيضا لجيرانها وأوراسيا بأكملها، كما أظهرت تجربة السنوات الأخيرة، إن قيادته واستقراره مهمان ليس فقط للمنطقة، بل وأيضاً لضمان السلام والازدهار.

وباستخدام هذه القنوات الدبلوماسية والاعتماد على سلطته وخبرته، يستطيع إلهام علييف أن يلعب دوراً هاماً في حل الصراع.

ومما لا شك فيه أن إلهام علييف، الذي فاز بالانتخابات عدة مرات، سيحتل مكانة بارزة كزعيم قادر على حل الصراعات في المنطقة، إن نجاحه السابق في حل قضية ناجورنو كاراباخ الشائكة ويثبت قدرته على خلق سيناريوهات سياسية ذكية، ولعل آسيا، بعد يوم الانتخابات في السابع من فبراير/شباط، لن تستقبل سياسياً فحسب، بل وأيضاً صانعاً للسلام عميق الجذور، وسوف يُعترف بمزاياه خارج حدود بلاده.

إن حفظ السلام لا يتطلب مهارات دبلوماسية فحسب، بل يتطلب أيضاً الصبر والقدرة على الاستماع إلى أطراف الصراع وإيجاد حلول وسطية، لا شك سيواجه إلهام علييف العديد من الصعوبات والعقبات، لكن خبرته السياسية وجاذبيته الشخصية ستسمح له بمواجهة هذا التحدي، ومن المهم ألا يسعى جاهداً إلى تعزيز السلام والأمن في منطقته فحسب، بل أن يعمل أيضاً مع المجتمعات الدولية لتحقيق الوئام والعدالة العالميين.