ضغوط متصاعدة.. ما هو مستقبل الأونروا في ظل حرب التجويع بغزة؟
كد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني، أنّه من غير الواقعي الاعتقاد بإمكانية
الاستغناء عن الوكالة أو نقل أنشطتها إلى وكالات الأمم المتحدة الأخرى أو إلى منظمات غير حكومية.
وأضاف لازاريني أنّ "الأونروا" هي الأكثر رسوخًا في غزة؛ وإن غادرت في ذروة الأزمة، فإن ذلك سيُضعف القدرة الجماعية على
الاستجابة لاحتياجات إنسانية غير مسبوقة.
ووصف لازاريني الوضع في غزة بأنّه جحيم، مشيرًا إلى تراجع حجم المساعدات التي دخلت للقطاع الشهر الحالي بنسبة 50%،
مقارنة مع الشهر الماضي.
وجاءت تصريحات لازاريني لمواجهة عاصفة الضغوط الإسرائيلية الهادفة إلى إلغاء "الأونروا" أو تقليص دورها على أحسن
تقدير، بعد مزاعم إسرائيلية غير مُثبتة بتورّط 12 من موظفيها في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووصف ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة هذه الضغوط بأنّها "شديدة"، محذرًا من وصول الوكالة إلى
مرحلة الانهيار، بعد إعلان دول عدة تعليق تمويلها.
المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني يصف الوضع في غزة بـ"الجحيم" - غيتي
المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني يصف الوضع في غزة بـ"الجحيم" - غيتي
غير أن المعضلة الكبرى في الحديث عن تصفية "الأونروا" أو إضعافها، أنّه يأتي في خضم الحاجة الشديدة والملّحة لدورها وسط
حرب تجويع ممنهجة يُمارسها الاحتلال بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة.
انقسام أوروبي
على صعيد تمويل "الأونروا"، بدا انقسام الموقف الأوروبي بشأن الوكالة واضحًا عبر الدعم الذي أعلنت المفوضية الأوروبية
تقديمه الجمعة.
وقرّرت المفوضية دفع 50 مليون يورو للوكالة فورًا، من أصل مبلغ تعهّدت به سابقًا قيمته 82 مليون يورو. لكنّها في الوقت نفسه،
قرّرت دفع المبلغ المتبقي على دفعتين، لمعالجة ما وصفته بالمخاوف الناجمة عن المزاعم الإسرائيلية.
وخلافًا للاتحاد الأوروبي، يبدو أنّ واشنطن حسمت أمرها كليًا بالالتفاف على دور "الأونروا"؛ إذ أعلنت وزارة الخارجية الأميركية
أنّها تدرس مشروعًا لتقديم مليار وأربعمئة مليون دولار لصالح المساعدات الإنسانية لغزة، على أن تُقدّم لصالح برنامج الأغذية
العالمي أو "اليونيسيف" أو غيرهما من منظمات الإغاثة الأممية، دون أن تذكر الوزارة اسم "الأونروا" التي أعلنت إدارتها الحاجة
إلى 450 مليون دولار مع بداية الشهر الحالي للحيلولة دون انهيارها.
فما هو حجم الضغوط التي تتعرض لها "الأونروا" في ظل حرب التجويع الإسرائيلية على القطاع؟ وما هو مستقبل الوكالة ومدى
نجاح المساعي الإسرائيلية لتصفيتها لأهداف سياسية؟
خلاف أوروبي حول الحرب على غزة
أوضح دانيال دبلن بومر الخبير في الشؤون الأوروبية والسياسة الخارجية الألمانية، أنّ الاتحاد الأوروبي يحاول إرساء توازن
صعب للغاية، نظرًا للجدل الكبير داخل أعضائه حول "الأونروا" والحرب بشكل عام.
وقال بومر في حديث إلى "العربي" من برلين، إنّ الكثير من دول الاتحاد لا سيما إسبانيا وإيرلندا تحاول الضغط على إسرائيل
واعتماد سياسات أكثر تشددًا تجاهها والدعوة لمقاطعتها، بينما تتضامن ألمانيا مع إسرائيل.
وأضاف أنّ الاتحاد الأوروبي سيُحاول إرساء التوازن بين تفهّم مخاوف إسرائيل وضرورة عدم التخلّي عن "الأونروا" في هذه
الظروف حيث إن الحاجات الإنسانية في غزة هائلة بشكل يحول دون استطاعة أي وكالة إغاثية الاعتماد على نفسها لتأمين هذه
الحاجات.
مقاربة أميركية جديدة لدعم سكان غزة
من جهته، أشار ريتشارد شمايرر الدبلوماسي الأميركي السابق، إلى أنّ واشنطن تسعى إلى إيصال المساعدات الإنسانية لسكان
القطاع، لكنّ التقارير عن انخراط موظفين في "الأونروا" في هجوم 7 أكتوبر أثّرت على المقاربة الأميركية في هذا الإطار.
https://youtu.be/BZhkB6-CDOYوقال شمايرر في حديث إلى "العربي" من واشنطن، إنّ الإدارة الأميركية تحاول إيجاد مقاربة أخرى لضمان وصول المساعدات عبر
وكالات أممية أخرى، أو طرق أخرى.
وأضاف أنّ إدارة بايدن لطالما كانت داعمة للأونروا على عكس الإدارات السابقة، وتقرّ بأنّ الوكالة هي المفتاح لدعم سكان القطاع
وكل اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات.
تماهي الغرب مع رغبات إسرائيل بإفراغ شمال غزة
بدوره، شرح رامي عبده رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ استهداف "الأونروا" سيُعمّق مأساة الفلسطينيين أكثر
ويتماهى مع رغبات تل أبيب بإفراغ شمال غزة.
وأشار عبده في حديث إلى "العربي" من جنيف، إلى وجود خطة إسرائيلية مُعدّة مسبقًا لوقف عمل "الأونروا"، إضافة إلى رغبة
أوروبية وانسجام أوروبي مع رغبة إسرائيل في القضاء على قضية اللاجئين الذي يمثّل عنوانًا مهمًا لبقاء حقّ العودة للفلسطينيين
والبقاء على أرضهم، والذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي بكل تأكيد إلى وقف هذا الحق وإبطال عمل "الأونروا".
وأضاف أنّه من خلال الحديث المستمرّ عن تورّط موظفين في "الأونروا" في هجوم 7 أكتوبر، تحاول أوروبا والولايات المتحدة
البحث عن شمّاعة تبرّر ما يجري بحق الشعب الفلسطيني من تجويع ينخرط فيه الغرب من خلال تمكين وكالات إغاثة أخرى غير "
الأونروا" لتقديم المساعدات للغزيين.