منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس  Empty
مُساهمةموضوع: يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس    يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس  Emptyالسبت 02 مارس 2024, 10:00 am

يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس  1f045af6-2c46-4c0b-8a82-f0c0195c6e29


يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس (1)

كانت أصوات خروج قذائف راجمات الصواريخ التابعة لميليشيات الزعيم الصربي البسنوي رادوفان كاراجيتش التي سيطرت على التلال الواقعة وراء المنطقة التي كنت أعيش بها في ساراييفو تصم الأذان وهي في طريقها إلى ملجأ الغارات الذي اعتصمت به.
قبل دقائق من بدء القصف الصربي، كنت مستلقيا على أرضية الملجأ منهكا بعد يوم طويل من تغطية الحرب في البوسنة. وبالرغم من إدراكي أن القذائف في الطريق إلى الملجأ، فإن الرعب الذي أصبت به أصابني بالشلل.
كنت أتصبب عرقا من تحت القميص الواقي من الرصاص، كما كانت ضربات قلبي تصل إلى مسامعي. فجأة تحررت من قبضة الشلل الذي أصابني في نفس اللحظة التي أصاب صاروخ الملجأ. جلست على أرضية الملجأ محاولا التغلب على عتمته لتفقد أثار الدمار الذي أحدثه الصاروخ.
استغرق الأمر ثوان لأدرك أنني كنت نائما في فراشي بمنزلي الكائن في مدينة القاهرة، ومن أنني عدت إلى مصر منذ ثلاثة أيام. رقدت ثانية في الفراش وما زالت ضربات قلبي تصل إلى أذني عاجزا حتى عن أمسح العرق المتصبب من وجهي.
اقتباس :
خلال الدقائق الأولى من هذه المكالمة التي استغرقت ما يقرب من الأربعين دقيقة، شعرت بحماسة شديدة لمجرد اكتشاف أن طفلا في ذلك العمر يقرأ ما أنشره.
من الواضح أنني كنت أعاني مما يسمي في الطب النفسي متلازمة ما بعد الصدمة كنتيجة لمستويات العنف غير المسبوق التي تعرضت لها أثناء تغطيتي الصحفية لحرب الإبادة في البوسنة على مدار ما يقرب من العام ونصف العام. وبالطبع، فإنني في ذلك الوقت في بداية التسعينيات لم أكن على علم بماهية متلازمة ما بعد الصدمة، ناهيك عن كوني أعاني منها.
وبالرغم من أن عقارب الساعة كانت تشير إلى السادسة صباحا، إلا إنني عجزت عن معاودة النوم حتى يحين موعد ذهابي إلى مكتبي في مقر صحيفة الأهرام المصرية الواقع في منطقة وسط القاهرة، حيث كانت تنتظرني سلسلة من الاجتماعات مع مسئولي الإدارة المالية للترتيب لاستئناف مهمتي في البوسنة.
بعد فترة من التحايل الفاشل على النوم العصي، ارتديت ملابسي وشربت فنجانا من القهوة قبل أن استقل سيارة أجرة ذاهبا إلى الصحيفة.
وحيث إنني وصلت مبكرا عن موعد وصول العاملين في الإدارة، فقد جلست إلى مكتبي أطالع صحف الصباح، وذلك قبل أن يطلب مني زميلي في المكتب المجاور أن أرفع سماعة الهاتف للرد على مكالمة.
ولوهلة، ظننت أن الشخص على الجانب الأخر فتاة، إلا إنني تداركت الأمر عندما سمعت الشخص على الجانب الأخر من الهاتف وهو يقول بصوت غاضب: أنا رجل ولست امرأة، واسمي محمد.
في تلك اللحظة أدركت أن المتصل -الذي عرف نفسه بالرجل كعادة الصبية في تلك المرحلة الحرجة من العمر- لا يعدو أن يكون صبيا لا يتجاوز عمره الثانية عشرة على أقصى تقدير.
أظهرت احتراما لمشاعر الصبي محمد مستمعا له، وذلك قبل أن يتحول مجرد الاستماع إلى الإصغاء. كان محمد يناقشني ما قرأه في بعض تقارير التغطية للحرب والتي نشرت لي مؤخرا.
خلال الدقائق الأولى من هذه المكالمة التي استغرقت ما يقرب من الأربعين دقيقة، شعرت بحماسة شديدة لمجرد اكتشاف أن طفلا في ذلك العمر يقرأ ما أنشره. إلا أن الحماسة باتت جارفة عندما علمت أن محمد أسس ناديا للقراءة مع بعض من أقرانه لمتابعة ما ينشر عن الشؤون العامة، بما في ذلك حرب البوسنة.
ولذا، لم أتردد في الموافقة على طلب محمد وصحبه في لقاء لمزيد من النقاش، حيث اقترحت عليه اللقاء في اليوم التالي في صحيفة الأهرام.
ولثواني قبل أن يرد على اقتراحي، احسست بأن محمدا وضع يده على سماعة الهاتف. كان واضحا أن عددا من أصدقاء محمد كانوا بجواره، وأنه كان يستشيرهم في الموعد.
إلا أن الصدمة حدثت بعد أن عاود محمد الحديث، حيث قال إنهم يفضلون أن يكون اللقاء خارج صحيفة الأهرام، بعيدا عن أيه احتمالات لرقابة من الأمن. كانت صدمتي عنيفة، فلم اتخيل أن يخشى صبية من السلطات الأمنية؛ فلا عمرهم ولا الشخص الذين يسعون للقائه ولا الموضوع الذي يريدون مناقشته تدعو لهذا التخوف.
ولذا، كان ردي حاسما: " ما هذا الكلام محمد؟ لا تخشي شيئا. سأنتظرك أنت وكل صحبك غدا في مكتبي".
اقتباس :
بمجرد بدء النقاش، بات واضحا أن محمدا طفل مميز، ليس فقط بملامحه السامية الجميلة من شعر أسود كثيف وعينين شديدتا سواد المقلتين، وإنما أيضا كقائد للمجموعة.
صباح اليوم التالي، اتصل بي موظف الاستقبال في صحيفة الأهرام متعجبا من هؤلاء الصبية الذين يطلبون لقاء مراسل حرب الأهرام. على الفور، توجهت إلى الاستقبال، كي أفاجئ بستة صبية يتراوح أعمارهم بين 9-12 عام يتقدمهم محمد.
تملكتني سعادة غامرة واصطحبت هؤلاء الصبية -الذين سبقوا سنهم الصغيرة بالاهتمام بشأن دولي – إلى "كافيتريا" الصحفيين في الطابق الرابع في مبنى صحيفة الأهرام الواقع في شارع الجلاء.
لم تزعجني همهمات الزملاء الصحفيين الجالسين في "الكافيتريا"، وسخرية البعض منهم مما زعموه اكتشافهم أن مصادري لا تعدو أن تكون مجموعة من الأطفال.
بمجرد بدء النقاش، بات واضحا أن محمدا طفل مميز، ليس فقط بملامحه السامية الجميلة من شعر أسود كثيف وعينين شديدتا سواد المقلتين، وإنما أيضا كقائد للمجموعة. في الوقت ذاته، فإنه بمرور الوقت، اتضح لي أن هؤلاء الأطفال كانوا على دراية بأخر التطورات في الحرب، وذلك قبل أن يفاجأني محمد بما اتضح أنه الهدف الرئيسي للزيارة، وهو الهدف الذي كان صادما، فجاء الجزء الأخير من الحوار على النحو التالي:
  • "عمو" يحيى، واضح أنك تعرف مداخل ومخارج البوسنة وعاصمتها ساراييفو بشكل جيد بالرغم من الحصار الشديد.


الواقع أنني في الغالب ألجأ إلى طريقة مختلفة في كل مرة سواء في الدخول أو الخروج بمساعدة أصدقاء لي.
  • عظيم، ولهذا نريد أن نصاحبك في رحلتك القادمة. (قالها محمد وعلامات الجد تلوح على وجهه ووجوه أصدقائه، وهي الجدية التي أصابتني بالذهول)


لماذا؟ ولأي غرض؟
  • لكي ندفع الظلم عن المظلومين هناك.


قالها محمد بحماسة شديدة قبل أن يستعرض دوافع أخرى لطلبهم العجيب. خلال حديث محمد، حاولت التفكير في رد مناسب يرضي حماسة هؤلاء الصبية من دون أن يشعرهم بأنني استخف بهم بسبب أعمارهم الصغيرة.
ومن ثم بدأت حديثا طويلا استعرضت فيه الموقفين العسكري والأمني وموضحا أن الحصار الشديد يحرم البوسنويين من السلاح ومن أن ذلك سيؤدي إلى أن يكونوا عبئا على القوات البوسنوية في حال اصطحابي لهم، وذلك بدلا من أن يكونوا عونا.
بعد أن انتهيت من ردي، تدافع الصبية لاقتراح ما تصوروه مخارج من الطريق المسدود الذي وصفته لهم، وذلك قبل أن يسلموا باستحالة تلك الرحلة، وهنا كانت المفاجأة الثانية:
  • في هذه الحالة، فهل لك أن تأخذ هذا المبلغ من المال الذي كنا قد ادخرناه لهذه الرحلة؟ فطالما الظروف لا تسمح لنا بالذهاب، فلا أقل من أن نساهم بهذا المال في جهود إغاثة المستضعفين هناك. (قالها محمد وهو يمد يده بحقيبة جلدية).


ما قدر هذا المال محمد؟
  • أربعة ألاف وخمسمائة جنيه. (هالني ضخامة المبلغ بقيمة بداية التسعينيات وخاصة أنه مقدم من أطفال).


من أين حصلتم على هذا المبلغ؟
  • لقد ادخرناه على مدار العامين الماضيين.


هل أخذتم موافقة أولياء أموركم على هذا التبرع؟
  • كلا، ولماذا نأخذ موافقة على التبرع بأموال ادخرناها؟ (هكذا جاء ردهم بلهجة غاضبة).


أنا مصر على أن يأذن أولياء أموركم على هذا التبرع، وفى حال موافقتهم سأدلكم على منظمات إغاثة هي الأقدر على توصيل هذه الأموال إلى من يستحقونها.
بعد حوار دام أكثر من ثلاث ساعات، غادر أصدقائي الجدد من الأطفال الذين استشعرت فيهم رجولة ومروءة وشجاعة عزت علي كثير من الرجال. صحبت أصدقائي الجدد إلى البوابة الخارجية لمبنى الأهرام ووقفت أراقبهم في شارع الجلاء وقد توسطهم محمد.
اقتباس :
الصدمة العنيفة التي صاحبتني منذ ذلك اليوم تمثلت في تفسير أفزعني فيما يتعلق بخوف هؤلاء الأطفال في اليوم السابق على اللقاء من فكرة الاجتماع معي في صحيفة الأهرام. فما هو القمع الذي رسخ في أذهان هؤلاء الأطفال
في تلك اللحظات تمنيت أن أعيش اليوم الذي يقود مصر محمد أو أي من صحبه. فبالرغم من صغر عمر هؤلاء الأطفال، فإنهم أظهروا علامات قيادة حقيقية مبكرة غابت عن مصر عشرات السنين. فعلى مدار عقود، نجحت الديكتاتورية في إصابة البلاد بالعقم سياسيا وذلك قبل أن تصيبها بالجدب اقتصاديا واجتماعيا.
إلا أن الصدمة العنيفة التي صاحبتني منذ ذلك اليوم تمثلت في تفسير أفزعني فيما يتعلق بخوف هؤلاء الأطفال في اليوم السابق على اللقاء من فكرة الاجتماع معي في صحيفة الأهرام. فما هو القمع الذي رسخ في أذهان هؤلاء الأطفال والذي دفعهم إلى الخوف من الذهاب إلى صحيفة – حتى وإن كانت مملوكة للدولة- لمثل هذا الهدف النبيل الذي حملوه؟
وبالرغم من أن هذا الموقف الدال وقع بعد ما يقرب من العام ونصف العام على بدء الصرب -بتواطئى مع ما يسمي المجتمع الدولي- حرب إبادة ضد مسلمي البوسنة، إلا أن علاقتي بصحافة الحروب بدأت قبل ذلك التاريخ وفى نفس منطقة البلقان. كانت البداية في العام 1991 مع بداية انهيار الاتحاد اليوجوسلافى. والغريب أن البداية كانت صدفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس    يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس  Emptyالسبت 09 مارس 2024, 11:57 am

يوميات مراسل حرب في البلقان.. تغطية حرب صربيا – كرواتيا (2)

أن تعلم الآخرين، فإنك بذلك تقوم بتكليف إلهي، فالتعليم يقوم على الإبلاغ بالحقيقة قدر ما تحريتها – وتحراها من سبقوك – 

بإنصاف وصدق. ولعل ذلك هو ما جعل الصحافة حلما منذ الصغر، كما جعل صحافة الحرب هي قمة الأحلام الصحفية. وصحافة 

الحرب تتطلب- ضمن ما تتطلب- وجود الصحفي في قلبها، وهو ما يجعلها من أصعب ألوان العمل الصحفي على الإطلاق.

وبالرغم من أن البداية الباكرة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين تمثلت في الصحافة السياسية، إلا إنه لم يخطر على بالي أن 

تتحقق أمنيتي بممارسة صحافة الحرب عن طريق الصدفة في ربيع العام 1991 وأن تمتد منذ ذلك الحين – ومن دون توقف 

تقريبا – حتى العام 2010.

يقولون في الأمثال "رب صدفة خير من ألف ميعاد". إلا أن هذا القول المأثور لا ينطبق على إطلاقه ولا طوال الوقت على العمل 

الصحفي. فقد كانت بداية علاقتي بمنطقة البلقان، ويوجوسلافيا في القلب منها، اهتمام باكر في فترة الصبا بموضوع ظواهر ما 

وراء الطبيعة.

لم يقف الاهتمام عند حد القراءات الخفيفة لمجرد التسلية، وإنما تخطي ذلك إلى ما يقرب إلى الدراسة والبحث. وحيث إن 

الباحثين الجادين في هذا المجال في كثير من الأحيان يكونون على تواصل مع بعضهم البعض، ولكوني صحفيا مهتما بهذا 

الشأن، تلقيت دعوة في منتصف العام 1990 لحضور المؤتمر الرابع للمجلس العالمي لدراسات ظواهر ما وراء الطبيعة. وجهت 

الدعوة لي للحضور بصفتي مهتم وباحث، ولكن السبب الأهم من وراء الدعوة كوني صحفيا لتغطية أعمال المؤتمر.

على مدار ما يقرب من أربع ساعات هي زمن الرحلة بالطائرة من القاهرة إلى بلغراد عصفت برأسي العديد من الأفكار، وأهمها ما 

يمكن أن يحدث في حال اندلاع الحرب. قبيل هبوط الطائرة كنت قد اتخذت القرار بألا أضيع الفرصة، وبدء أولي خطواتي في عالم 

صحافة الحرب.

المؤتمر كان مقررا أن يعقد في جزيرة بريونى الساحرة التي تسبح في مياه بحر الأدرياتيك والتي تتبع جمهورية كرواتيا.

كان من الصعب اقناع إدارة التحرير في صحيفة الأهرام بالموافقة على منحي إجازة لحضور المؤتمر وكانت الحجة أن القضايا 

التي ستبحث فيه ليست من بين اهتمامات إدارة التحرير.

ولهذا السبب، كان على أن أبحث عن صيغة مناسبة تلبي احتياجات واهتمامات إدارة التحرير كي يسمحوا لي بالسفر لحضور 

المؤتمر، فكان مقترحي: أن أبكر في السفر وبدلا من الذهاب إلى بريونى مباشرة أن أذهب إلى بلجراد العاصمة الاتحادية 

ليوجوسلافيا لتغطية ما بدا أزمة سياسية حادة تهدد سلامة جسد الاتحاد.

والاتحاد اليوغوسلافي في ذلك الوقت كان مكونا من ست جمهوريات هي: صربيا- كرواتيا-سلوفينيا-البوسنة – مقدونيا- الجبل 

الأسود. بالإضافة إلى هذه الجمهوريات الست ضم الاتحاد إقليمي حكم ذاتي هما: فايفودينا والسنجق.

وبالرغم من نذر الحرب التي كانت تلوح في سماء يوغوسلافيا بصفة خاصة، وعلى منطقة البلقان – وهي المنطقة التي تبدأ من 

حدود يوغوسلافيا مع كل من المجر والنمسا، وتمتد شرقا وجنوبا لتشمل كل من ألبانيا واليونان – بصفة عامة، إلا إنني صممت 

على حضور المؤتمر الذي أعتذر عن حضوره عدد كبير من المدعوين تحسبا لانفجار المنطقة.

على مدار ما يقرب من أربع ساعات هي زمن الرحلة بالطائرة من القاهرة إلى بلغراد عصفت برأسي العديد من الأفكار، وأهمها ما 

يمكن أن يحدث في حال اندلاع الحرب. قبيل هبوط الطائرة كنت قد اتخذت القرار بألا أضيع الفرصة، وبدء أولي خطواتي في عالم 

صحافة الحرب.

ما خططت له أوروبا الغربية من إنهاء وجود يوغوسلافيا بشكلها السياسي- الجغرافي الذي بدأ منذ نهاية الحرب العالمية الأولى 

واكتمال شكلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حرمني من البدء في ممارسة صحافة الحرب التي حلمت بها.

السياسة والطريق المسدود

في اليوم التالي لوصولي بلغراد، بدأت اتصالات مع عدد من كبار المسئولين لتغطية الأزمة السياسية المستحكمة. إلا أن ما حدث 

من تداع سريع للأحداث أثبت لي صحة مقولة الأديب الكبير باولو كويلو: "عندما تريد شيئا بحق، فإن الكون بأسره يتآمر على 

حدوثه".

ففي غضون أربعة أيام من وصولي، وصلت السياسة إلى طريق مسدود بين جمهورية سلوفينيا من جانب وبين كل من الحكومة 

الاتحادية وحكومة جمهورية صربيا، وهي أكبر الجمهوريات المكونة للاتحاد من جانب آخر.

ففي حين أعلنت جمهورية سلوفينيا عزمها على الانفصال عن الاتحاد وإعلان الاستقلال اعتبارا الأول من شهر يونيو من العام 

1991، أصرت كل من الحكومة الاتحادية وحكومة جمهورية صربيا على عدم دستورية هذا الانفصال.

وبوصول الجانبان إلى طريق مسدود سياسيا، تحركت قوات ضخمة من الجيش اليوغوسلافي الاتحادي – ومعظمها من الصرب 

– للسيطرة على الحدود الدولية الفاصلة بين سلوفينيا وبين كل من النمسا والمجر، وما عنا ذلك من سيطرة الجيش على السلطة 

السياسية في الجمهورية الراغبة في الانفصال.

إلا أن ما خططت له أوروبا الغربية من إنهاء وجود يوغوسلافيا بشكلها السياسي- الجغرافي الذي بدأ منذ نهاية الحرب العالمية 

الأولى واكتمال شكلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حرمني من البدء في ممارسة صحافة الحرب التي حلمت بها.

فسلوفينيا هي أقرب الجمهوريات اليوغوسلافية إلى قلب أوروبا الغربية جغرافيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا ومذهبيا، وبالتالي 

لم تكن أوروبا لتسمح للصرب بانتهاك كل تلك "المحرمات".

في أعقاب التدخل الأوروبي لضمان استقلال سلوفينيا ومنع صربيا من شن الحرب ضدها، تواصلت إدارة التحرير في صحيفة 

الأهرام معي طالبة مني العودة إلى القاهرة باعتبار أن الأزمة قد انتهت، ومن إنه لم يعد في ظل تلك الظروف معني لحضور 

مؤتمر ظواهر ما وراء الطبيعة.

وبناء على ذلك، فإن المجموعة الأوروبية – لم تكن قد تحولت بعد لاتحاد أوروبي – عقدت قمة طارئة بعد يومين فقط من تحرك 

القوات الاتحادية ووجهت إنذارا للقيادة اليوغوسلافية بضرورة سحب هذه القوات، وإلا فإن المجموعة ستقرر الرد المناسب على 

هذه الخطوة.

وقد تعمدت المجموعة الأوروبية أن يكون الإنذار مفتوحا يتسع لجميع الإجراءات، بما في ذلك العسكرية منها. وعلى الفور بدأت 

قوات الجيش اليوغوسلافي في الانسحاب مفسحة الطريق لاستقلال سلوفينيا.

إلا أن المتابع لشئون البلقان – ويوغوسلافيا في القلب منه- في ذلك الوقت كان سيدرك أن تلك الأزمة لم تكن نهاية المطاف. فقد 

حل الدور على جمهورية كرواتيا التي تبعت سلوفينيا الواقعة إلى شمالها في إعلان استقلالها عن الاتحاد اليوغوسلافي.

في أعقاب التدخل الأوروبي لضمان استقلال سلوفينيا ومنع صربيا من شن الحرب ضدها، تواصلت إدارة التحرير في صحيفة 

الأهرام معي طالبة مني العودة إلى القاهرة باعتبار أن الأزمة قد انتهت، ومن إنه لم يعد في ظل تلك الظروف معني لحضور 

مؤتمر ظواهر ما وراء الطبيعة.

وبالرغم من أن إدارة التحرير لم تقتنع بالحجج التي سقتها لضرورة البقاء عدة أيام لاستشعاري انفجارا وشيكا للأوضاع مع 

كرواتيا، إلا إن إلحاحي دفعهم للموافقة في النهاية.

في غضون أيام قليلة، صدق حدسي. فالمحرمات الجغرافية والتاريخية والسياسية التي أحاطت بكرواتيا، كانت أقل بكثير من تلك 

التي أحاطت بسلوفينيا، والتي حدت بالمجموعة الأوروبية التدخل لمنع الاعتداء عليها.

فالقوى الغربية الكبرى – بريطانيا وفرنسا – لم تنس لكرواتيا أنها ساندت ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى من 

قبل تدخل الزعيم النازي هتلر عسكريا في يوغوسلافيا.

فعقب بدء ألمانيا هجومها على تشيكوسلوفاكيا في افتتاحية الحرب العالمية الثانية في العام 1939 أعلنت كرواتيا وقوفها بجانب 

ألمانيا، بل وتم تشكيل حكومة نازية كرواتية ظلت مسيطرة على الحكم حتى سقط النظام النازي بهزيمة ألمانيا في الحرب.

في الوقت ذاته، فإن السماح لصربيا المسيطرة على الاتحاد اليوغوسلافي بشن حرب ضد كرواتيا كان يمثل مبررا قويا لأوروبا 

الغربية لتفكيك يوغوسلافيا – أحد موروثات الحربين العالميتين الأولي والثانية – وإعادة تشكيل أوروبا بعد انهيار الاتحاد 

السوفييتي.

كان هذا الظرف الدولي – الذي استشعرته في ذلك الوقت – هو الذي أتاح لي الفرصة في بدء عملي كمراسل حرب.

بمجرد بدء العمليات القتالية التي تركزت في إقليم سلافونيا الواقع شرقي جمهورية كرواتيا، سعيت مرارا للذهاب إلى ذلك القطاع 

من الجبهة وكان هو الأهم والأعنف من حيث ضراوة القتال، إلا أن السلطات "الاتحادية" الصربية قابلت تلك المساع بالرفض 

القاطع.

كان الرد على الطلبات المتكررة بأن المتاح هو متابعة العمليات العسكرية من خلال مركز صحفي تابع لوزارة الإعلام 

اليوغوسلافية في العاصمة بلغراد، وهو الأمر الذي لا يعدو أن يكون عملية تضليل إعلامي ممنهجة، ناهيك عن محاولة التغطية 

عن انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين الكروات.

الانتقال من صربيا إلى كرواتيا في ذلك الوقت لم يكن متاحا، حيث توقفت حركة الطيران وتم تفجير الطرق البرية، ناهيك عن 

قطع خطوط السكك الحديدية. كانت الخطوط الوحيدة التي لم تقطع بعد هي خطوط الهاتف الأرضي، فلم تكن الهواتف النقالة قد 

استحدثت بعد.

 

وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها علي السفير المصري لدي يوغوسلافيا في ذلك الوقت الدبلوماسي المخضرم حسين 

حسونة – سليل عائلة الدبلوماسيين ونجل الدبلوماسي القدير عبد الخالق باشا حسونة – بالتنسيق مع الملحق الصحفي 

المصري للبقاء في بلجراد وعدم الذهاب إلى مناطق القتال، إلا إنني بيت النية على الذهاب.

المشكلة أن الانتقال من صربيا إلى كرواتيا لم يكن متاحا، حيث توقفت حركة الطيران وتم تفجير الطرق البرية، ناهيك عن قطع 

خطوط السكك الحديدية. كانت الخطوط الوحيدة التي لم تقطع بعد هي خطوط الهاتف الأرضي، فلم تكن الهواتف النقالة قد 

استحدثت بعد.

وحيث إنني توقعت أن يتم قطع خطوط الهاتف سريعا، فقد بادرت بالتواصل مع دوبرافكا مومتشيلوفيتش المنسق العام لمؤتمر 

ظواهر ما وراء الطبيعة الذي كان قد ألغي بسبب الحرب.

كانت الأنسة مومتشيلوفيتش هي التي بادرت بالتواصل معي في صحيفة الأهرام قبل رحلتي إلى يوغوسلافيا بستة أشهر لتوجيه 

الدعوة لحضور المؤتمر، وذلك قبل أن تعدد الاتصالات للترتيب للتغطية الإعلامية. كانت دوبرافكا متحمسة لانتقالي من صربيا 

إلى كرواتيا للكشف عن حجم الانتهاكات البشعة التي ترتكب ضد المدنيين الكروات.

في هذه الأيام لم أطلع السفير حسونة بمحاولاتي التسلل من صربيا إلى كرواتيا حتى لا يزيد من ضغطه، ناهيك عن اتخاذ أي 

إجراء يعرقل خططي.

بعد يومين من تواصلي مع الصديقة الكرواتية، أبلغتني بالخطة التي تمثلت في التواصل مع شاب في بلغراد اسمه ميشا وهو 

صربي كرواتي، ومن أن هذا الشاب سيدبر سيارة وسائق لإيصالي إلى جمهورية كرواتيا عبر مناطق أحراش غير مطروقة تصل 

إلى جانب من حدود الجمهوريتين لا يغطيها حرس الحدود، وذلك نظير مبلغ من المال.

كانت الخطة تقضي أن أوقف أي سيارة على الطريق الرئيسي بمجرد عبور الحدود، وأن أطلب من سائقها أن يقلني إلى مدينة 

بيلوفار أحد المدن الرئيسية في إقليم سلافونيا الشرقية التي تشهد أعنف قتال، حيث تعيش دوبرافكا وعائلتها.

وفى غضون 24 ساعة من إبلاغ دوبرافكا لي بخطة الهروب ، كنت أجلس بجوار سائق صربي في الطريق إلى كرواتيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
يوميات مراسل حرب في البلقان.. الصدمة والكوابيس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات :: مقالات في السياسة الدولية-
انتقل الى: