الجنيه المصري في 10 سنوات: انهيار من 6 إلى 50 جنيهاً أمام الدولار
نفذ البنك المركزي المصري عملية تحريك كامل لسعر صرف الجنيه المصري (التعويم الحر)، أمس الأربعاء، لتحدد قوى العرض والطلب داخل الأسواق المحلية أسعار بيع وشراء الجنيه.
في مؤتمر صحافي، أكد محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله أن البنك ترك سعر صرف العملة المحلية الجنيه تحدده قوى العرض والطلب في الأسواق.
ويعني ذلك أن أسعار الصرف أصبحت خاضعة للعرض والطلب على العملة المحلية في الأسواق المصرية، لكن عبدالله أكد أن البنك سيتدخل فورا عند أية تحركات غير منطقية.
بذلك، أصبح الدولار يباع في السوق المصرية خلال التعاملات المبكرة، الخميس، 49.5 جنيها، مقارنة مع 50 جنيها بعد إعلان تحريك سعر الصرف أمس الأربعاء، و31 جنيها قبيل قرار البنك المركزي.
الجنيه المصري في تسلسل زمني
بالعودة إلى 10 سنوات مضت، كان سعر صرف الدولار في السوق المصرية يبلغ 6.8 جنيهات، مقارنة مع 5.8 جنيهات قبيل ثورة يناير 2011، التي تسببت بإطاحة نظام الرئيس حسني مبارك.
2014، كان العام الذي تولى فيه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، وبالتحديد منذ 3 يونيو/حزيران 2014، حينها كان يباع الدولار بـ6.9 جنيهات مصرية.
في تلك الفترة واجهت مصر تحديات مرتبطة بترقب المستثمرين الأجانب استقرار السوق المصرية، وتباطؤ السياحة الوافدة، واتجاه الدولة إلى الاقتراض لتلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي.
وواصل الجنيه المصري التراجع التدريجي والبطيء في السوق الرسمية خلال 2015 و2016، وهو العام الذي نشطت فيه السوق الموازية لسعر الصرف، حين بلغ الدولار 22 جنيها مقارنة مع 8.8 جنيهات في السوق الرسمية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي، يرافقه قرض مالي بقيمة 12 مليار دولار.
واشترط الصندوق للتوقيع على اتفاق القرض والإصلاح الاقتصادي تنفيذ تعويم للجنيه، وهو ما جرى في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، دفع إلى تراجع الجنيه إلى متوسط 17 أمام الدولار.
بعد أشهر قليلة من التعويم، قضت الحكومة المصرية والبنك المركزي على السوق الموازية، وأصبح هناك سعر واحد للجنيه في الأسواق حتى مارس/ آذار 2022، بلغ 16 جنيها.
وفي الفترة بين 2017 و2022، نجحت الحكومة المصرية بإدارة سوق الصرف في إحدى أكثر الفترات صعوبة على الاقتصاد المحلي خلال الألفية الحالية، تمثلت في تفشي جائحة كورونا.
مع انتشار الفيروس وغلق العالم أبوابه وتعليق صناعة السياحة وهبوط الاستثمار الأجنبي على مستوى العالم، كانت الحكومة المصرية والبنك المركزي يقودان مهمة توفير النقد الأجنبي لتلبية النفقات بصدارة الاقتراض من الخارج.
بالمتوسط، تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن مداخيل الدولة من النقد الأجنبي تبلغ قرابة 100 مليار دولار، معظمها يأتي من السياحة الوافدة، وتحويلات العمالة بالخارج، وعوائد الصادرات ورسوم الملاحة عبر قناة السويس.
في المقابل، تتجاوز النفقات السنوية بالنقد الأجنبي قرابة 130 مليار دولار، معظمها يتجه لدفع فاتورة الواردات، وسداد ديون دولية وفوائد أقساط الديون المستحقة.
في الربع الأخير 2021، واجهت مصر زيادات متتالية على أسعار المستهلك، مدفوعة بزيادات أسعار الوقود، والغذاء العالمي بالتزامن مع استمرار أزمة تذبذب سلاسل الإمدادات بعد جائحة كورونا.
وكانت النقطة المفصلية الأصعب، اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، وارتفاع التضخم العالمي لمستويات قياسية بصدارة أسعار النفط والمشتقات والحبوب وأسعار الغذاء.
مع اندلاع الحرب، تخارجت استثمارات أجنبية من مصر بأكثر من 20 مليار دولار وفق وزارة المالية المصرية، بينما تضاعفت كلفة الواردات الشهرية من السلع من 5.5 مليارات دولار شهريا إلى 9.5 مليارات بسبب التضخم.
واضطر البنك المركزي المصري إلى تنفيذ تحريك في سعر الصرف، مع ظهور السوق الموازية للجنيه، والدخول في مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
الارتفاع منذ 2022
في مارس/ آذار 2022، بلغ الدولار في السوق المصرية 18.9 جنيها من 16 جنيها سابقا، تبعه تحريك ثان وثالث في سعر الصرف خلال النصف الثاني 2022، ليبلغ سعر صرف الدولار 31 جنيها.
في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعلنت مصر التوصل لاتفاق قرض مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، ضمن برنامج إصلاحات اقتصادية.
ومنذ ذلك التاريخ، استقر سعر صرف الدولار عند 31 جنيها، لكنه شهد ازدهارا أكبر في السوق الموازية، والتي بلغت فيها أسعار الصرف 40 ثم 50 ثم 60 وصولا إلى 70 جنيها حتى منتصف فبراير/ شباط الماضي.
ازدهار السوق الموازية تزامن مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومعها تراجعت مداخيل مصر من النقد الأجنبي.
يعود تراجع المداخيل بسبب هبوط صناعة السياحة، وتراجع قيمة رسوم عبور قناة السويس بنسبة 50 بالمائة، مطلع العام الجاري، بسبب هجمات جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، العابرة للبحر الأحمر.
ومنذ الشهر الأول للحرب على غزة، أكد صندوق النقد أنه سيتحرك لمساعدة مصر لمواجهة أزمتها النقدية والمالية، وهو ما توج أمس الأربعاء بتوقيع اتفاق قرض مالي جديد بدل الموقّع في ديسمبر 2022 البالغ 3 مليارات دولار.
يبلغ القرض الجديد للصندوق 8 مليارات دولار، ويأتي إعلانه بعد ساعات من رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، وتنفيذ تحريك كامل لسعر صرف الجنيه.