من الذي يصح صيامه في رمضان؟
كل عام والصائمون الصادقون العابدون العارفون بألف خير وسلامة، كل عام والضاغطون على زناد الحقيقة أشد قوة وأقوم قيلا، كل عام وأنتم بخير أيها الصامدون الثابتون برغم الشهوات والشبهات والمثبطات.
ثم أما بعد، فمن الضروري أن يعرف أحدنا متى يصح صيامه، فالصيام الشرعي هو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ويخاطَب بالصيام على وجه الوجوب كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، فمن لا يؤمن بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام فليس مخاطبا بفروع الشريعة، وكل من يأتي ناقضا من نواقض الإيمان فلا تنفعه صلاة ولا يقبل منه صيام، ومن نواقض الإيمان موالاة غير المؤمنين والوقوف مع أعداء الإسلام الذين يعصون الله ويؤذون المؤمنين.
ترى فهل يعلم كل من فرط في أرواح المؤمنين وقصّر في حقن دمائهم أنه لا ينفعه صيامه ولو هنأه الناس بقدوم رمضان أو هنأ هو غيره بقدومه؟
هل يعلم من شد على يد اليهود وأقال عثرتهم في مواجهتهم للمقاومة وأطعمهم من جوع أن فعله هذا من نواقض الإيمان؟
هل يعلم أن من رآى جوع أهل غزة وتسحّرهم على الماء ولم يسعَ في سبيل إنقاذهم من الموت جوعا فقد برئت منه ذمة الله ولو صام الدهر؟
هل يعلم كل حاكم أو مسؤول بأن عمله يحبط بمنعه الناس من التعبير عن سخطهم لما آل إليه حال أهل غزة وفلسطين كلها؟ وهل يعلم هذا الحاكم أو ذاك أن رضا الله عنه هو شهادة إيمانه، وأن رضا القوى الغربية عنه يعني مسيره في ركابهم، وأن المسير في ركاب الظالمين هو موافقة لهم على بغيهم، وأن هذه الموافقة تعني البراءة من الله ومن المؤمنين؟؟
الصيام ركن من أركان الإسلام، ولا يكمل إسلام مكلف إلا بالولاء لله والبراء من أعدائه، والولاء لله يعني أن يطاع سبحانه فلا يعصى وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن لا تطاع معه شهوة منصب ولا مال ولا عرض دنيوي دنيء، والبراء من العدوّ يقتضي أن يقاوَم ولا يهادَن، وأن يُعصى ولا يُطاع، وأن يُبغَض فلا يُوالى.
آن للأمة أن تصوم صياما صحيحا يفرض عليها أن تهجر المحرمات فتصوم عنها سائر وقتها قبل إقلاعها عن المباحات وهو صيامها في نهار رمضان، وآن للأمة أن لا تقع في المحظورات في رمضان وفي غير رمضان، ومن أخطر المحظورات أن يعيش المرء لنفسه وكأنه لا يوجد في الكون سواه، الأمر الذي يجعله عنصر هدم يساند العدو في أهدافه بدل أن يكون سندا لأمته وقضاياها، فحرصه على الذات يدفعه أن يقدم ما لا يحمد عقباه من ثمن.
إن ما يقدمه الفلسطينيون في الضفة والقطاع من أنموذج عملي في صيامهم هو ما ينبغي أن يحتذى في العالم الإسلامي كله: إقلاعا عن التمسك ببهارج الحياة التافهة، وإمساكا عن اللغو لأن ما هم فيه من جهاد لا يبقي وقتا لسقط الكلام ولا لسقط العمل، وإضرابا عن الشهوات لأنها عائق في طريق المعالي والكرامات.
أيها الصائمون: إيانا أن نضل طريق باب الريان فإن الصيام الذي لا يورث إلا الجوع والعطش هو تعذيب للنفس في الدنيا والآخرة، ولا مناص من صيام المقربين الذي يعني أن نكون عبادا لله لا لشهواتنا، وعندها حصرا نكتب في الصائمين، تقبل الله منا وجعلنا من أهل كرامته وسوّد بنا وجوه الظالمين.