منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75690
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Empty
مُساهمةموضوع: حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ    حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Emptyالإثنين 11 مارس 2024, 8:20 am

حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ
تطلع في هذا المقال للتذكير بأهمية بدء حوار جماعي ممتدّ حول التداعيات الإستراتيجية لـ"طوفان الأقصى" علينا في المنطقة. هذا الحوار أظنّه حالًا وضروريًا، وفي تقديري أنه تأخر برغم انشغالنا بمتابعة الحدث ومآسيه التي تضغط على أعصابنا جميعًا.

قدّم بعض المثقّفين والباحثين رؤيته لتأثيرات الحدث في المستقبل القريب والبعيد، ومنهم من التقط بعض النقاط من هنا أو هناك، ومنهم من قدّم رؤيته عبر نظر تاريخي ممتد للحدث يربطه بالحروب الصليبية، وهناك من وضعه في سياق الأزمة التي تمرّ بها الرأسمالية الدولية وامتداداتها النيوليبرالية في الإقليم، وبالطبع أدركها البعض في سياق يتعلق بالنضال الفلسطيني الممتد وصراعه مع المشروع الصهيوني في تحولاته، وهناك من يراه في سياق انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت مطلع العقد الماضي، لكن يظل هذا الجهد فرديًا، ويتسم بالمحدودية وعدم التراكم، ويفتقد الأفق الإستراتيجي الأوسع لحدث سيترك آثاره – لا شك – على مجمل الأوضاع في المنطقة.

المواقف المتطرفة – من بعض الحكومات الغربية تجاه الناشطين والمنظمات الحقوقية الداعمة لفلسطين – تساهم في خلق موجة من الترهيب بين داعمي القضية في الوسط الحقوقي، الذين يستشعرون، بالفعل، الغضب والخذلان من المجتمع الدولي، لا سيما مع فشل الآليات الدولية – التي زاد الاعتماد عليها مؤخرًا- في وقف الحرب أو التقليل من حدتها

قدّر لكاتب هذه السطور أن يشارك في مبادرتَين هامتَين للحوار حول الموضوع، إحداهما: خصصت – برغم عدم تنوع المشاركين فيها- لتأثيرات الحدث على كثير من القضايا والموضوعات من قبيل: مستقبل الحل السياسي، والعمل الوطني الفلسطيني، وظاهرة الرأي العام العالمي الداعم للفلسطينيين، بالإضافة إلى تقييم مواقف القوى الإقليمية والدولية جميعًا من الطوفان.

تميزت المبادرة الثانية بتنوع المشاركين، لكنها اقتصرت على موضوع أكثر تحديدًا؛ وهو قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة. أدرك القائمون على هذه المبادرة – وهما مؤسستا: نساء من أجل العدالة ومركز الديمقراطية في الشرق الأوسط – عدة عناصر مهمة لبدء عملية من هذا القبيل أهمها:

أولًا: رسم الخرائط التفصيلية لأصحاب المصلحة الذين يضمون مستويات أربعة:

المعنيون بقضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان على المستوى القُطري؛ أي داخل كل بلد عربي على حدة.
المستوى الإقليمي، حيث تتنوع خبرات وتحديات كل قُطر على حدة، لذا يصبح من المفيد مشاركة الخبرات والرؤى والتأثيرات على عملهم.
ينصبّ المستوى الثالث على المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى المجموعات النشطة التي خرجت لدعم الفلسطينيين.
وأخيرًا وليس آخِرًا؛ يمكن أن يمتد الحوار مع المعنيين بهذه القضايا داخل الحكومات والبرلمانات الغربية ذاتها.
فعلى الرغم مما يبدو من ازدواجية للمعايير وافتقاد للمصداقية؛ فإن هذه الحكومات في مأزق كبير أيضًا لأسباب عدة ليس مجال التفصيل فيها مناسبًا في هذا الموضع، لكننا نشير سريعًا إلى نقاط ثلاث:

وجود أشخاص داخل هذه المؤسسات لهم انحياز حقيقي لقيم الديمقراطية، ومبادئ حقوق الإنسان.
فقدان المؤسسات الرسمية الغربية للمبرر الأخلاقي والقيمي الذي يضمن أن يتنافسوا به كعالم "حر ديمقراطي" مع الصين وروسيا؛ باعتبارهما نظمًا مستبدة.
فقدانهم مساندة دول الجنوب في قراراتهم وسياساتهم.
كان لافتًا أن تعنون البارونة آشتون -الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عنوان مقالها الذي نشر الشهر الماضي: "التوقف عن اعتبار الجنوب العالمي أمرًا مفروغًا منه"، وتقصد به مفروغًا منه في دعم الموقف الرسمي الغربي.

تشير آشتون – التي شغلت أيضًا نائب رئيس المفوضية الأوروبية السابق – إلى المعضلة التي تواجهها الحكومات الغربية الآن مع دول الجنوب، فتقول: "لقد تفككت الروابط التاريخية بين الدول الأوروبية وأجزاء من أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا إلى حد كبير، حيث لم تعد الدول المستقلة تذعن لأولئك الذين استعمروها ذات يوم".

ثانيًا: تحديد الهدف الذي رأى المشاركون أن يكون

النظر في تداعيات السياسة الخارجية للحكومات الغربية المؤثرة تجاه فلسطين على جهودهم الفردية والمؤسسية في مجالات المناصرة؛ بغرض دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول الإقليم؛ بما يمكّن المشاركين من تحليل السياسات الخارجية للحكومات الغربية تجاه فلسطين، والتفكير في إستراتيجيات المناصرة والناشطية المتاحة لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في ضوء السياقات الجديدة.

ثالثًا: من أهداف أية عملية حوار خلق وتكوين فهم مشترك يتشكل من خلال الاستماع إلى رؤى الآخرين؛ بما يثري الرؤية الذاتية لكل مشارك، ويساهم في إدراك الأبعاد المركبة للحدث.

حاول المشاركون في ورشة العمل التي عقدت آخر يوم في الشهر الماضي، التوافق حول إدراكهم الرؤيةَ والسياسة الخارجية الأميركية والأوروبية – لا سيما في مراكز التأثير كإنجلترا، فرنسا، وألمانيا – تجاه الحرب وتأثيرات ذلك على عمل الحقوقيين في المنطقة عبر فرض تحديات جديدة؛ من قبيل مسائل مصداقية الحكومات الديمقراطية، ووقف التمويل عن المنظمات الرافضة للانتهاكات الإسرائيلية، واستهداف النشطاء المؤيدين لفلسطين.

قدّم المشاركون عددًا من الملحوظات الهامة في محاولة للوصول لفهم مشترك، وكان من بين أهم الملحوظات:

بالنسبة للمنطقة العربية
ارتباط الاحتلال الإسرائيلي باستمرار وترسخ الاستبداد في المنطقة، إذ يتم غضّ الطرف عن انتهاكات الأنظمة العربية، بل وتقديم مختلف صور الدعم لأنماط الحكم القائمة في مقابل السكوت عن الاحتلال، وقبول التطبيع معه. ظهر ذلك جليًا في ارتفاع وتيرة الانتهاكات بدرجة كبيرة في دول كثيرة بالمنطقة بعد اندلاع الحرب، وهذا في ظل صمت غربي يصل للتواطؤ ومنح الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات، في مقابل سكوت الأنظمة العربية عن فظائع الحرب في غزة.
‌سردية الإدارة الأميركية بأن عملية حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان الهدف الرئيسي منها هو وقف مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي، وبناء عليه يستنتج البعض أن الولايات المتحدة والعواصم الغربية الرئيسية غير معنية بوقف الحرب على قدر اهتمامها باستكمال مسار التطبيع؛ بما سيضفي شرعية أكبر على الاحتلال الإسرائيلي بين دول المنطقة.
الدعم المطلق لإسرائيل – رغم كل الفظائع المرتكبة – سيزيد من تآكل الثقة لدى الجماهير العربية بخصوص مدى فاعلية وعالمية معايير حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتغنى بها الدول الغربية الداعمة لإسرائيل.
المواقف المتطرفة – من بعض الحكومات الغربية تجاه الناشطين والمنظمات الحقوقية الداعمة لفلسطين – تساهم في خلق موجة من الترهيب بين داعمي القضية في الوسط الحقوقي، الذين يستشعرون، بالفعل، الغضب والخذلان من المجتمع الدولي، لا سيما مع فشل الآليات الدولية – التي زاد الاعتماد عليها مؤخرًا- في وقف الحرب أو التقليل من حدتها.
الغضب المتزايد – من استمرار الحرب في ظل تواطؤ غربي كبير وصمت عربي كاشف- لن يسهم إلا في زعزعة الاستقرار الظاهري للأنظمة الحاكمة في المنطقة، والتي لا تصارح شعوبها بأي جهود تتبناها لوقف الحرب، إن وجدت. ومع زيادة الغضب من الغرب ومن الحكومات العربية على السواء، قد تخرج الأمور عن السيطرة بسهولة، وينفرط عقد هذا الاستقرار الهش المزعوم.
الموقف الأميركي والغربي
الموقف الأميركي لا يدعو للمفاجأة، فهو متسق مع دعمها الدائم غير المشروط لإسرائيل، لكن بعض المواقف الأوروبية كانت مثيرة للدهشة بقدر كبير، كما هو الحال مع الموقف الألماني، إذ تتبنى ألمانيا خطابًا داعمًا للحقوق والحريات، وتعتنق سياسة خارجية نسوية، لكنها في الوقت ذاته تدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا وحتى قانونيًا، أمام محكمة العدل الدولية، كما أنها تفرض قيودًا وتوقف التمويل والدعم الموجّه للمنظمات التي تدافع عن القضية الفلسطينية، وتطالب بإنهاء الاحتلال.
اختلاف استقبال الشوارع الغربية للحرب عن مواقف الحكومات، وغياب انعكاس المطالب الشعبية القوية بوقف الحرب في سياسات الحكومات.. كل هذا يعكس فجوة كبيرة في تمثيل تلك الكتل في عملية صنع السياسة الخارجية. هذه الضغوط الشعبية المستمرة قد آتت ثمارها في زحزحة مواقف بعض الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل، والتي أضحت تطالب بوقف ممتدّ لإطلاق النار.
تتماهى بعض الشركات الرقمية الكبرى مع الموقف الإسرائيلي، إذ تفرض رقابة إلكترونية على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية كشركة META المالكة لـ Facebook والتي كشفت تقارير عدة تحيزها في أكثر من موضع.
رابعًا: تكتسب صياغة المقترحات المشتركة بين المتحاورين أهمية كبرى لأية عملية حوار

فهي بمثابة الأرضيات المشتركة التي يمكن المراكمة عليها، كما أنها في النهاية تعد بمثابة خطط العمل المستقبلية التي يمكن التعاون عليها في الحوار، وهي المنتجات التي يمكن أن يكون لها تأثير في الواقع.

إن أية عملية ليس هدفها الأخير هو جلوس المختلفين مع بعضهم بعضًا؛ رغم صعوبة ذلك في مرحلة ما قبل الحوار، وليس الغرض فقط الإنصات لمنطق الآخر وسرديته برغم ضرورته، لكن الاتفاق على خُطة عمل واضحة وإجراءات مشتركة هو منتهى النجاح للحوار.

قدم المشاركون سبع إستراتيجيات عمل ومقترحات للتعامل مع السياقات الجديدة لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، وهي:

في ظل فقدان مصداقية الحكومات الغربية، وتراجع احتمالات ضغطها على أنظمة الحكم بالمنطقة لعمل إصلاحات حقيقية، مقابل صمتهم عن الحرب على غزة، يصبح من الأكثر مناسبة الآن تبني إستراتيجيات الناشطية والتشبيك مع الشعوب بدلًا من المناصرة من الحكومات الغربية لتغيير السياسات.. هذا لا ينفي إمكانية توظيف المناصرة لدفع جهود المساءلة والمحاسبة لإسرائيل، وليس لتغيير مواقف الحكومات منها.
لا ينبغي التهوين من المراهنة على الشارع والتشبيك التقاطعي العابر للحدود مع شركاء محتملين من التنظيمات الطوعية في العواصم الغربية للحفاظ على الضغط الشعبي على الحكومات، وتشمل تلك التنظيمات: جماعة حياة السود مهمة، الجماعات النسوية، جماعات البيئة والعدالة المناخية، مجموعات LGBTQ، مجموعات السكان الأصليين بكندا والولايات المتحدة، وحركة يهود من أجل السلام، وبكل تأكيد الجاليات العربية والمسلمة الكبيرة في بعض البلدان.
ضرورة بلورة سردية فلسطينية لتفنيد الأطروحة الإسرائيلية حول استحقاقهم أرضَ الميعاد، وقد يكون المدخل لذلك نزع البعد الديني عن الاحتلال تمامًا، وتقديم القضية في صورتها الحقيقية على أنها قضية تحرر وطني؛ فتدْيين القضية الفلسطينية يخدم رواية اليمين المسيحي والصهيوني المتطرف، ويتم استغلاله من قبل إسرائيل جيدًا.
ضرورة تضافر جهود دعاة الديمقراطية والحقوق نحو تسكين القضية الفلسطينية موقعًا مركزيًا في أجندات عملهم، بحيث يتم ربطها بكل القضايا التي يعملون عليها، فيكون موقفهم أفضل في مواجهة محاولات التقييد والاستهداف المشار إليها.
إن استخدام لغة الحقوق في التشبيك مع شركاء من خارج شبكة الحلفاء التقليديين، يعزز من فرص الفعل المشترك، ففي الأخير لغة حقوق الإنسان مقبولة عالميًا لجميع الشركاء المحتملين عبر الحدود سواء في دول الشمال أو الجنوب، ولا ينبغي إطلاقًا التخلي عنها بسبب الغضب من ازدواجية المعايير لدى الدول الغربية الراعية التاريخية لخطاب الحقوق على المستوى الدولي.
العمل على المستوى القاعدي سيسمح بتعزيز أطروحة المساواة في الحريات والكرامة الإنسانية، وعالمية قيم حقوق الإنسان على عكس ما تقدمه المقاربات الرسمية الغربية، التي تغض الطرف عن انتهاكات الأنظمةِ العربية حقوقَ مواطنيها، مقابل صمت تلك الأنظمة عن انتهاكات إسرائيل حقوقَ ووجودَ الشعب الفلسطيني.
التعويل على حالة الناشطية مع الشعوب مباشرة كبديل للمناصرة مع الحكومات ينبغي ألا يهمل حدود الناشطية من قبيل قدرتها على الحشد والتعبئة، ولكن في نفس الوقت سرعة انفضاضها وتفككها، وفشلها في تحقيق أهداف ملموسة عبر بقاع العالم المختلفة إلا في حالات استثنائية.
استمرار الحوار ضرورة للوصول إلى أهدافه التي قام المشاركون في بدايته بتحديدها، وهذا له متطلبات عدة أهمها: استمرار التشاور بين المشاركين وعدم اقتصاره على جلسات الحوار، بالإضافة إلى بلورة النتائج في وثائق متفق عليها وأوراق موقف Position Papers يمكن مشاركتها مع أطراف أخرى ونشرها بين المهتمين.
اختُتِم الحوار بطلب من الحضور بإبقائهم على اطّلاع بالمستجدات والفعاليات التي ستنظمها المؤسستان صاحبتا الدعوة، واستعدادهم للمساعدة في الجهود الشبيهة للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب الإسرائيلية على نضالات الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، كما أكدوا ضرورة الحرص على توصيل أصوات الحضور – التي تعكس الحالة العامة للمجتمع الحقوقي العربي – إلى كل الشركاء الدوليين المعنيين ليتبينوا تأثير سياساتهم على نضالات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تفاخروا بدعمها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75690
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Empty
مُساهمةموضوع: رد: حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ    حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Emptyالإثنين 11 مارس 2024, 8:22 am

طوفان الأقصى وتجديد تفكيرنا في العالم

قدّر لجيلنا -جيل الثمانينيات من القرن الماضي- أن تداهمه الأحداث وتتوالى عليه الوقائع الكبرى. كانت البداية حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وقد كنّا في المرحلة الابتدائية. لم نكمل عشر سنين. وقتها احتفظنا بصحف هذه الفترة حتى اصفرّت، ومعها بقايا الطائرات الإسرائيلية التي أسقطت.

دخلنا الجامعة مع مقتل السادات 1981، وخصصنا وعددٌ من الزملاء بحثَ التخرج لتأثيرات الثورة الإيرانية (1979) على شرعية النظم السياسية العربية.

تفاعلنا مع حيوية المجال العام العربي -أخذًا وعطاء- في الثمانينيات والتسعينيات والذي امتدّ حتى العقد الأول من الألفية الجديدة لنعيش انتفاضات الربيع العربي بموجتَيه. في هذه العقود الممتدة اندلعت حربا الخليج الأولى والثانية، والانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وشهدنا انهيار الاتحاد السوفياتي 1990، وهيمنة الولايات المتحدة منفردة على النظام العالمي، و11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي دشنت حقبة "الحرب على الإرهاب" التي امتدت لعقدَين حتى كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وفيها كان غزو العراق 2003، وأخيرًا وليس آخِرًا؛ "طوفان الأقصى" 2023.

كانت هذه الأحداث -في مجملها جميعًا- تعلن نهاية لطريقة تفكير ومناهج نظر سادت لعقود، مخلية لجديد أخذ يتبلور وتتضح معالمه بالتدريج. اعتنيت كثيرًا بالغوص وراء ما تثيره هذه الأحداث والوقائع من تأثير على أنماط التفكير وطرق الفهم، وقد كانت كلها من طبيعة مفصلية وفارقة.

هل تسمح لي -عزيزي القارئ- بأن أمارس بعضًا من هوايتي في هذا الشأن متسائلًا عن: ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه لنا "طوفان الأقصى" في فهم العالم من حولنا؟

هداني تفكيري -وأرجو ألا أكون مخطئًا- إلى أن ما يمكن أن يقدمه لنا "طوفان" الأقصى هو التأكيد على مناهج النظر التي يجب أن تحكم تفكيرنا في القرن الواحد والعشرين التي أظن -وبعض الظن ليس بإثم- أنها تختلف كليًا عن طريقة التفكير التي حكمت القرن العشرين والتي كانت الثمانينيات من القرن الماضي بداية التحول عنها، ولكنها تعززت كثيرًا في العقد الأخير من القرن العشرين.

تستند مناهج النظر المعاصرة إلى أسس عدة منها:

أولًا: انتفاء اليقين المعرفي، حيث الظواهرُ معقدة ومركبة ومترابطة بما يمكن معه لعامل أو فاعل صغير أو حدث بعيد أن يحدث تأثيرات ممتدة وعميقة ومؤثرة في مجمل العالم، وقد يتغير به مجمل النظام أو يحدِث نقلات نوعية فيه.
"طوفان الأقصى" من هذه النوعية من الأحداث التي ستحدث تأثيرات ممتدة في الإقليم وفي العالم، وبالطبع في القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني. لا يبدو للحرب على الفلسطينيين سياقٌ واحد، بل سياقات متعددة. قد تبدو منفصلة في أحيان، لكنها متقاطعة ومتشابكة، وهو ما يزيدها تعقيدًا.

النكبة والنزوح الجديد، مستقبل ما يطلق عليه محور المقاومة في ظل قواعد الاشتباك الحالية، علاقة إيران وتركيا بالقضية الفلسطينية -حيث يبدو أن مصالحهما تفوّقت على المأساة الفلسطينية- شلل الأمم المتحدة، وعجز النظام الدولي عن فرض وقف إطلاق النار أو الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، شكل الحكم في إسرائيل بعد الحرب، العلاقة بين الحربَين في غزة وأوكرانيا، مستقبل السلطة الفلسطينية، التنافس في النظام الدولي وتحوله من القطب الواحد إلى التعدد.. تطول القائمة وتتسع لكن المؤكد أن حدثًا مثل الطوفان سيترك آثاره المباشرة وغير المباشرة على هذه السياقات جميعًا.

الحديث عن المستقبل معقد ويتسم بعدم اليقين، حيث يتداخل كثير من العوامل، مثل: التغير المناخي، والتطورات التكنولوجية، والأوضاع الاقتصادية، ويفاجئنا كثير من الحوادث كجائحة كورونا والحرب الأوكرانية وطوفان الأقصى …إلخ.

هيكل النظام الدولي لم يستقر بعد، وأظنه يتجه إلى التفتت والفوضى. يشهد تنافسًا بين الولايات المتحدة والصين، ولكنه لا يشبه -نتيجة التداخل والمصالح المشتركة- بحال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب.

ويشهد -أيضًا- بروز قوى جديدة على المسرح كالهند التي لم تعد بحكم تصاعد القومية الهندوسية تنتمي إلى الجنوب، ويعاد التفكير في العولمة من خلال إعادة هيكلة سلاسل التوريد، كما تتصاعد الهويات المتلبسة بالقومية المتطرفة واليمين الشعبوي المتطرف، ويصاحب ذلك كلَّه تغيرٌ في وظائف الدولة وأدوارها وهياكلها، وتوزعٌ في السيادة فيها بين ناعمةٍ وصلبةٍ، وفاعلين جددٍ بجوارها وخصمًا منها، وقد يحلون محلها ويقومون ببعض وظائفها، وتحولٌ في هياكل الاقتصاد وطبيعته وخرائط المؤثرين فيه …إلخ.

كل هذه العوامل وغيرها؛ أنتجت بنى غير مركزية، وبات يسيطر عليها منطق الشبكية لا الهياكل المستقرة، وتتوزع قواها وأشكالها بين مركز تدور حوله وبين لامركزية تصل إلى التفسيخ والتشظّي.

الطوفان كما قضى على نظرية الردع الإسرائيلية والتفوق التكنولوجي للكيان الصهيوني؛ فإنه في نفس الوقت أنهى المفاهيم الكلية الشاملة الاختزالية، مثل: مفهوم الغرب، واليهود، والجنوب والعرب

في الطوفان؛ نحن بصدد معركة كبرى بين هياكل مستقرة مركزية -كما في الجيش الإسرائيلي والجيوش الغربية- وبين هياكل لا مركزية تعمل متصلة ومنفصلة ومتمايزة عن بعضها بعضًا داخل فلسطين وخارجها.

في فلسطين تتعدد قوى المقاومة، كما يعمل التنظيم المسلح لكل فصيل بطريقة لامركزية. تجمعهم أطر تنسيقية وإستراتيجيات كلية، ولكن كل فصيل أو مجموعة داخله تتحرك وفق ما تمليه عليها مقتضيات الواقع. بهذا يجب فهم التباين في حماس بين السياسة وبين السلاح.

وفق هذا المنطق؛ سنكون بإزاء تعدديات تصل إلى السيولة، وتغير دائم في الوظائف والأدوار تنتفي معه الثنائيات المتعارضة من قبيل تدخل الدولة وانسحابها في الاقتصاد، أو تمايز بين البنى العلمانية وتلك الدينية، أو بين التقليدي والحديث، أو بين القديم والجديد، وفي حالتنا بين الكفاح المسلح والنضال السلمي …إلخ.

الاستناد إلى اليقين المعرفي يعني أنه يمكن اعتماد وحدات تحليل مستقرة على مدى زمني طويل. الدولة كانت وحدة التحليل الأساسية في السياسة، والمجتمع وحدة كلية -كما في التحليل الرأسمالي، والذي يمكن النظر إليه من منظور الطبقات المتماسكة – كما في التحليل الماركسي.

في الطوفان يبرز بقوة دور الفاعلين من غير الدول من حركات وتنظيمات وشبكات تتحرك في المقاومة المسلحة أو من خلال التظاهر السلمي العالمي. فاعليتهم جميعًا تتأتى من عدم وجود هيكل يجمعهم، ولكنْ أفكار تضمّهم أو شبكات تحشدهم وتعبئهم حول هدف مشترك.

في هذا السياق لا يمكن النظر إلى المجتمع الفلسطيني أو الإسرائيلي باعتبارهم كلًا واحدًا في مواقفهم وأولوياتهم، قد يغلب تيار سائد لحظة الحرب -كما في المجتمع الإسرائيلي، أو لحظة المقاومة -كما في المجتمع الفلسطيني- ولكن حتى اللحظات الجامعة تشهد تباينًا واختلافًا كما بين الضفة وغزة لدى الفلسطينيين، مما سيكون له تداعياته المستقبلية.

مع اليقين المعرفي لا يمكن أن ندرك سيرورة المفاهيم وتطورها؛ بل نتعامل معها في شكلها النهائي، ويصبح الهدف أو المقصد هو الوصول إلى معاييرها الكلية الشاملة؛ أي المنتج النهائي. وَفق هذا التصور؛ لم نعد بإزاء نهايات مفتوحة؛ بل محطة واحدة ووحيدة يجب أن يصل إليها الجميع.

الحديث عن اليوم التالي والصفقات الجديدة يفترض أن المنطقة خلت من البشر القادرين على أن يرسموا مصيرهم ويفرضوا اتجاهات مختلفة عن تلك التي وضعت على الورق أو جرى التفاوض عليها بين الساسة.

ثانيًا: انتفاء المفاهيم الكلية الشاملة، والثنائيات اللاتاريخية المتعارضة الاختزالية: إذا انتهى اليقين المعرفي؛ فلا يمكن الحديث عن مفاهيم كلية شاملة لا تاريخيّة اختزالية متعارضة يحكمها منطقُ "إما أو".
في القرن العشرين وجدنا مفاهيم كثيرة تشيع من قبيل: الغرب في مواجهة الشرق، والإسلامية في مواجهة العلمانية، والاشتراكية في مواجهة الرأسمالية، والقطاع الخاص في مواجهة العام، والأصالة في مواجهة المعاصرة …إلخ. كثرت المفاهيم، ولكن ما يجمعها أنها لا تاريخية، كلية وشاملة ذات طبيعة أيديولوجية.

الأيديولوجيا تعبير عن النقاء الفكري؛ وهي إذ تقدم تفسيرًا شاملًا للكون والحياة وموقع الإنسان منهما؛ إلا إنها من طبيعة صراعية؛ لأنها تتأسس على مواجهة الخصوم الأيديولوجيين؛ الآخرين الأغيار.

الكل يبحث عن النقاء الأيديولوجي والتطبيق المثالي بما يخدم الاستقطاب ويغذّيه. نحن نحتاج إلى الثنائيات المتعارضة، وما يصدر عنها -بالرغم من أن الواقع دائمًا على خلاف هذا النقاء الفكري- ليستمر الصراع.

من يخرج عليه فهو منشق -كما في تجربة الاتحاد السوفياتي- بالرغم من أن المنشقين كانوا يبحثون عن تطبيق مثالي أو أفضل لها. في الغرب كانت المكارثية في أحد مظاهرها بحثًا عن النقاء الأيديولوجي، وفي عالمنا العربي تم استدعاء – لى سبيل المثال- مفاهيم الحاكمية والجاهلية ممن يناهضون الدولة؛ دولة ما بعد الاستقلال، والتطرف والإرهاب لوصف من يخرج على أيديولوجية الدولة التي هي من طبيعة مختلطة تجمع بين عناصر متباينة.

مفهوم الغرب -الذي شاع ولا يزال يستخدم برغم غياب أية دلالة له الآن- مفهوم كلي شامل لا تاريخي يضم عناصر متباينة، وهذه سمة لصيقة بطريقة التفكير في القرن العشرين التي تقوم على الاستقطاب بين ثنائيات متعارضة. وهو أيضًا مفهوم اختزالي يستند إلى اليقين المعرفي؛ لأنه يرتبط بالأيديولوجيا: الشرق في مواجهة الغرب، والاتحاد السوفياتي أو الكتلة الشرقية في مواجهة الغربية، واليهود في مواجهة المسلمين. المفاهيم الكلية الشاملة تستخدم في الصراع وهي تفترض النقاء الكامل لضمان استمرار الصراع وتغذيته.

الطوفان كما قضى على نظرية الردع الإسرائيلية والتفوق التكنولوجي للكيان الصهيوني؛ فإنه في نفس الوقت أنهى المفاهيم الكلية الشاملة الاختزالية، مثل: مفهوم الغرب، واليهود، والجنوب والعرب.

اندلعت المظاهرات في الغرب تضامنًا مع الفلسطينيين، وضمت أطرافًا متعددة هي من صلب الغرب. كان أحد مكوناتها الأساسية الشباب اليهودي غير المتصهين، أما الجنوب فقد تباينت مواقفه من الطوفان؛ إذ قادت جنوب أفريقيا جزءًا منه في مواجهة الإبادة الجماعية في محكمة لاهاي، في حين تخلت الهند/ مودي ذات الطبعة الهندوسية القومية المتطرفة عن ميراثها التاريخي في مساندة القضية الفلسطينية.

في الزمن المعاصر لا يمكن الصدور عن المفاهيم الكلية الشاملة؛ بل من الضروري رسم الخرائط التفصيلية وبيان المواقف المتعددة. بدون ذلك لا يمكن للتفسير، أو التحليل، أو بناء الموقف السياسي، أو الفكري أن يكون له معنى. التعامل بالمنطق الكلي الشامل يغطي على الظواهر؛ أي يخفيها ولا يسمح باكتشافها.

يضم كل مفهوم مكونات متعددة وتفاصيل متباينة تستدعي رسم خرائطها وبيان تعدديتها، وفي هذا الإطار لا يمكن الحديث عن بنيات متمايزة عن بعضها بعضًا، بل يكثر التداخل والامتزاج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75690
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Empty
مُساهمةموضوع: رد: حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ    حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ Emptyالإثنين 11 مارس 2024, 8:22 am

"طوفان الأقصى" والتحرر من أسئلتنا القديمة

هداني تفكيري – وأرجو ألا أكون مخطئًا- إلى أن ما يمكن أن يقدمه لنا "طوفان الأقصى" هو التأكيد على مناهج النظر التي يجب أن تحكم تفكيرنا في القرن الواحد والعشرين التي أظن – وبعض الظن ليس بإثم- أنها تختلف كليًا عن طريقة التفكير التي حكمت القرن العشرين والتي كانت الثمانينيات من القرن الماضي بداية التحول عنها، ولكنها تعززت كثيرًا في العقد الأخير من القرن العشرين.

تستند مناهج النظر المعاصرة إلى أسس عدة، وكنا قد تناولنا في المقال السابق أساسَين من هذه الأسس ونستكمل في هذا المقال الأساسَين الثالث والرابع:

العرب والمسلمون في أوروبا وأميركا الشمالية يخرجون مع المتظاهرين من اليسار والسكان الأصليين والسود وغيرهم ضد الحرب في غزة، ولكنهم يصطفون مع اليمين المحافظ؛ لمناهضة قضية تعليم الجنس في المدارس

ثالثًا: الانطلاق من الوقائع لنعيد مناقشة الأفكار
فلا يمكن -على سبيل المثال- فهم الخطابات السياسية العربية بعيدًا عن متابعة التغير في هياكل الدولة التي يعاد صياغة أدوارها ووظائفها، وتطورات السوق/ الاقتصاد؛ الذي اختلط فيه الخاص بسيطرة الدولة والنيوليبرالي باقتصاد تقليدي لم تصله قيم النيوليبرالية ولا أدواتها بعدُ.

سمح لنا -نهج الوقائع لا الأفكار- باستدعاء كثير من الفاعلين المؤثرين في الطوفان. هنا يمكن أن نشير إلى الدول في الإقليم والعالم، كما يمكن أن نلحظ التفاعل بين هذه الدول والفاعلين من غير الدول من تنظيمات وحركات دون الدولة أو عابرة للدول، ويُضاف، إلى هذا، المؤثرون على السوشيال ميديا، والمثقّفون والفنّانون …إلخ.

يساعد هذا المنهج -أيضًا- على فهم مساحات التقاطعيّة بين المكونات المختلفة. كان مفهوم العدالة والموقف من السلطة -أية سلطة- هو الجذر الفكري الأعمق الذي جمع شتات الفاعلين الذين تظاهروا تأييدًا للفلسطينيين – كما أوضحت سابقًا في مقال على موقع الجزيرة. نت.

وفق هذه الطريقة من التحليل؛ فإن فهم بداية ونهاية حقب، يصير أكثر سهولة؛ فمع انسحاب الولايات المتحدة مدحورةً من أفغانستان – سبتمبر/ أيلول 2021- يمكن أن نتحدث عن نهاية حقبة سبتمبر/ أيلول 2001 التي ارتفعت فيها راية "الحرب على الإرهاب"، كما يمكن مناقشة الادّعاءات التي حاولت أن تربط سبتمبر الإسرائيلي بالأميركي.

الانطلاق من الواقع- لا الافتراضات الفكرية- يعني رفض أفكار التجاوز الكامل، ويؤكد على ضرورة البحث عن التجاور والتعايش والتداخل، وهنا يصبح السؤال عن أسباب استمرار ظواهر ما واختفاء أخرى، والسياقات التي تدفع لهذا أو تحول دون ذاك.

عند هذه النقطة؛ أحبّ أن أؤكد أنني لست ممن يتبنّون فكرة التجاوز والانقطاع في فهم الواقع – كما يظهر في بعض المفاهيم التي يسبقها "ما بعد"- فكاتب هذه السطور ينتمي إلى مدرسة تؤكد على فكرة التحول في الفترات الانتقالية التي تتضمن التجاور والتعايش والتداخل في أحيان بين القديم والجديد، وبين الظواهر المختلفة.

وفق هذا المنظور، يمكن النظر إلى حماس والمشروع الصهيوني: ما الذي تغيّر، وما هي عناصر الاستمرارية، وما تأثير الطوفان على مستقبلهما؟

نقطة أخرى؛ وهي: أنه لا استثنائيّة للظواهر والحركات والخطابات؛ فهي جميعًا من جهد الإنسان – الذي نفخ الله فيه من روحه- وبالتالي فالبحث عن تطوّرات الظواهر ومقارنتها مع بعضها البعض في المجتمعات المختلفة مسألة هامّة.

هذا المنهج يسمح بتجاوز الهوس بصمود المجتمع الفلسطيني الذي حاول البعض أن يلصقه به دون تحليل وإدراك كافيَين لعناصر قوته وعوامل ضعفه؛ فهو خلْق من خلق الله يعتريه الضعف والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت، ويعني هذا كله ضرورة مساندته ليستطيع أن يصمد ويستمر في المقاومة.

نقطة أخرى؛ وهي ما أطلقت عليه في كتابات أخرى تشظّي الاستقطابات وتفتتها. العالم المعاصر تسيطر عليه القضايا والمفاهيم الجزئية من قبيل: التغير المناخي، وحقوق الإنسان، والجندر، والموضوعات المحددة التي تتفرع عن ذلك، مثل: الإجهاض، أو تعليم الجنس في المدارس …؛ لذا فإن الموقف يُرسم وفق كل قضية على حدة.

العرب والمسلمون في أوروبا وأميركا الشمالية يخرجون مع المتظاهرين من اليسار والسكان الأصليين والسود وغيرهم ضد الحرب في غزة، ولكنهم يصطفون مع اليمين المحافظ؛ لمناهضة قضية تعليم الجنس في المدارس.

أهمية الانطلاق من الواقع يعني ضرورة الاتجاه لإصلاح الهياكل والبنى ومعالجة السياقات التي أنتجت المشاكل، ولا يصرف طاقتنا إلى الجدل في الأبعاد الثقافية دون تأثير على واقع الناس. وهي الظاهرة التي أطلق عليها البعض "جمهورية الجدل"، خاصة أن التفاعل على السوشيال ميديا يصرف كثيرًا من الطاقة عن تغيير الواقع.

رابعًا: إعادة صياغة الأسئلة مع التحرر من القديم منها
في كل مرحلة تاريخية كانت هناك أسئلة مركزية انشغل بها الفكر، وتمحورت الجهود حولها، لكنها كانت في النهاية محصلة تفاعل بين تطور عنصرَين أساسيين: هيكل الدولة، وطبيعة الاقتصاد.

مع كل تطور تشهده هياكل الدولة العربية وصيغة الاقتصاد المطبق بها وعلاقته بتطورات هياكل الاقتصاد الدولي، نشهد تداعيات متشابهة على الخطابات السياسية والثقافية السائدة. الحديث في الحضارة والنهضة نشأ في هذا السياق وتأثر بهذين العاملَين أساسًا.

في الزمن المعاصر انصبّت هموم المواطن العربي على العيش الكريم الذي يقومُ على الكرامة الإنسانية ويستند إلى عدالة التوزيع للفرص، والموارد، والدخل والثروة.

قد يساعدنا مفهوم التعددية – الذي هو ابن أصيل لرسم الخرائط التفصيلية كما قدمت- في إعادة النظر في الأسئلة السائدة، والبحث عن جديدة.

وَفق ذلك يمكن التساؤل عن التقاطعية التي يستند إليها الحراك العالمي المساند للفلسطينيين: كيف تحقق؟ وما مستقبله؟ وما تأثيراته على السياسة الغربية تجاه القضية؟

عدم الاكتفاء بتأكيد الظواهر كما كانت، وإنما إدراك سياقاتها وخصائصها المستجدّة أمر هام.

من سمات الأسئلة المعاصرة أنها أسئلة تتعلق بمجمل البشرية، وهي في جوانبها المختلفة تخص الإنسانية المشتركة، صحيح أن تبدياتها تأخذ طابعًا محليًا، ولكن يجمعها جوهر واحد. نحن بصدد اشتراك في القيم؛ لأنها إنسانية عامة، وتعدد في مداخل وطرق تحقيقها.

إن البدء بأسئلة جديدة أو إعادة النظر فيما كان مطروحًا، يقتضيان التحرر من الديباجات الفكرية لاكتشاف السياسة الكامنة خلفها، والمصالح الاقتصادية التي تتطلع لتحقيقها.

أنا أدرك أن هناك صراعًا على المعايير التي يجب أن تحكم عمل المؤسسات الدولية، وفي المجالات المختلفة كالإنترنت، والتغير المناخي، والتجارة الدولية، والذكاء الصناعي…، ولكنه صراع ليس من طبيعة حضارية؛ بل تغلب عليه المنافسة السياسية، والبحث عن تحقيق المصالح الاقتصادية.

مفهوم صراع الحضارات الذي صاغه عالم السياسة الأميركي هنتنغتون كان يستهدف خدمة الهيمنة الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي استندت إلى القطب الواحد، والخطابات الدينية التي استخدمت من الساسة الإسرائيليين والغربيين كان مقصدها حشد وتعبئة قطاعات من الرأي العام خلف قادتهم في معركة ليست من طبيعة دينية، كما أكدت حماس في وثيقتها التي أصدرتها أواخر الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني 2024).

نقطة أخيرة؛ فقد يخفي التنافس والصراع، البنى المتشابهةَ التي يستند إليها المصطرعون. بنية الاقتصاد الصيني والأميركي هي من طبيعة رأسمالية، وإن اختلفت بينهما مساحات تدخل الدولة. وهم حين يتنافسون على المعايير التي يجب أن تحكم النظام العالمي، فإنهم يستهدفون تحقيق مصالحهم الذاتية.

اتفاقات التطبيع التي أطلق عليها أبراهام أدت في النهاية إلى تحالف بين الرأسماليات الكبيرة في الخليج وفي إسرائيل، وكانت محصلتها في النهاية على حساب المواطنين العاديين في كلا الجانبين.

تتشابه الرأسماليات الكبرى في كل مكان بغض النظر عما تتدثر به من غترة وعقال أو برنيطة إفرنجية أو الكيباه اليهوديّة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
حوارات "طوفان الأقصى" التي لم تبدأ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: قصة قضية فلسطين :: قضايا الصراع-
انتقل الى: