عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: مشاهد من رمضان بفلسطين قبل النكبة الإثنين 11 مارس 2024, 9:58 pm
"أبو جِلدة" و"مدافع بريطانية" و"إفطار بروتستانتي".. مشاهد من رمضان بفلسطين قبل النكبة تحمل شهادة كبار السن من الفلسطينيين حول شهر رمضان المبارك قبل النكبة نوستالجيا خاصة ممزوجة بمرارة إنسانية. وبخلاف تلك الذكريات المتداولة من جيل لآخر، وثقت الصحف الفلسطينية الصادرة إبّان الانتداب البريطاني بين عامي 1917 و1948، صورة "جزئية" عن طبيعة الحياة في رمضان إبّان تلك الحقبة، ورسمت ملامحها عبر العديد من الأخبار والتقارير والتغطيات الصحفية. ورغم الإشكاليات الكثيرة التي عانت منها صحف تلك الفترة، لكنها وثّقت لنا العديد من الأحداث، وحملت لنا مشاهد يبدو بعضها غريبا، والآخر "مكررا"، كالهمّ الوطني المتمثل في جرائم الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، وغلاء الأسعار، والشكاوى من "منتهكي حرمة الصيام". وتعود صور الصحف بالأساس لـ“مركز الأبحاث الفلسطينية” الذي أسسه الأكاديمي الفلسطيني فايز صايغ في فبراير/شباط 1965 بقرار من “اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير“، واستولت إسرائيل على محتوياته في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وضمتها إلى أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
الهمّ الوطني وجرائم العصابات
لم يكن الهمّ الوطني، والجرائم التي تنفذها العصابات الصهيونية تحت حماية سلطات الانتداب البريطاني، غائبة عن أجواء شهر رمضان. ففي صدر الصفحة الأولى لصحيفة الشعب الصادرة يوم 16 أغسطس/آب 1947، نقرأ أن عصابات صهيونية أقدمت على ارتكاب جرائم راح ضحيتها 11 فلسطينيا، بينهم 4 كانوا يتناولون طعام السحور. "جرائم صهيونية في رمضان" عنوان صحيفة الشعب عام 1947 (مواقع إلكترونية) وفي التفاصيل، قالت الصحيفة إن "الإرهابيين اليهود" هاجموا مزرعة فلسطينية بجوار مدينة بني براك اليهودية (وسط)، وأطلقوا الرصاص على 4 كانوا يتناولون طعام السحور "فسقطوا صرعى وماتوا فورا". وتابعت الصحيفة أن "الإرهابيين اليهود نسفوا منزلا في نفس المزرعة، مما أدى إلى مقتل 7 أشخاص (عائلة كاملة) بينهم نساء وأطفال".
إعدام في رمضان
وتخبرنا صحيفة "الدفاع" في عددها الصادر يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، أن غضبا عارما يجتاح أوساط العرب جراء اعتزام السلطات البريطانية إعدام مسلمَين اثنين، هما: عادل المصري ومحمد الحج أسعد، من مدينة نابلس خلال شهر رمضان. صحيفة "الدفاع" في عددها الصادر يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1936 (مواقع إلكترونية) وقالت الصحيفة "لم يسبق في تاريخ الإسلام أن نُفذ حكم الإعدام في مسلم في رمضان وهو صائم". ولم تورد الصحيفة تفاصيل حول التهم الموجهة للشابين المصري والحج أسعد.
معتقلون
وشأن كل محتل، زجّت السلطات البريطانية بأعداد كبيرة من السكان في السجون. ومع اقتراب شهر رمضان، طالبت صحيفة الدفاع، في عددها الصادر يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1937، السلطات البريطانية بالإفراج عن المعتقلين قبل حلول شهر الصيام. وتحت عنوان "رمضان والمعتقلون"، قالت الصحيفة "كثيرون منهم ذوو عائلات تعتمد في معيشها عليهم وحدهم، وكثيرون منهم سيحرمون موسم الزراعة إذا بقوا محكومين".
عنصرية بريطانية تجاه العرب
وتكشف صحف تلك الحقبة أن بريطانيا كانت تتعامل بنوع من العنصرية مع الموظفين العرب في الحكومة، حيث توضح أنها لم تكن تراعي ظروف عملهم خلال شهر الصيام. وتقول صحيفة "الجامعة الإسلامية" يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1934، إن الحكومة "مستهترة استهتارا شائنا بشعور المسلمين في هذه البلاد. موظفون ينهون أعمالهم بعد ميعاد الإفطار بنصف ساعة". وبعد عامين، عادت ذات الصحيفة (عدد 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1936) إلى طرح الموضوع مجددا، حيث قالت "اعتادت الحكومة أن تفرق في المعاملة بين الموظفين العرب وغيرهم من باقي الموظفين".
أصيامٌ إسلامي وإفطار بروتستانتي؟
وتحت العنوان السابق، نشرت مجلة العرب يوم 7 يناير/كانون الثاني 1933، خبرا تكشف خلاله أن المندوب السامي دعا شخصيات عربية إلى "مأدبة عشاء"، تكريما للمستشرق الإنجليزي إدوارد دنيسون روس الذي زار القدس. عنوان مجلة العرب عام 1933 (مواقع إلكترونية) لكنّ العشاء كان في الساعة الثامنة ليلا، أي بعد وقت الإفطار بثلاث ساعات. وسخرت "العرب" من قبول الشخصيات العربية الدعوة التي تُمثّل "إهانة شديدة لهم"، وقالت إنه "لا يهمها سوى التقرب من المندوب السامي ولو على حساب كرامتها والتقاليد الإسلامية". وفي صفحة 6 من ذات العدد، أعلنت "العرب" عن مسابقة لمن يذكر أسماء المدعوين العرب إلى مأدبة العشاء، جائزتها الاشتراك المجاني في المجلة لمدة سنة.
مجاهرة بالإفطار وانتهاك حرمة الصيام
ومن الأخبار الملفتة والمتكررة التي نشرتها الصحف في تلك الفترة، ما يتعلق بـ"انتهاك حُرمة" شهر الصيام. "انتهاك حرمة رمضان" عنوان صحيفة الصراط يوم 9 فبراير/شباط 1931 (مواقع إلكترونية) ولم يقتصر الأمر على الأخبار، بل نشر العديد من مقالات الرأي المُنددة بـ"مجاهرة" البعض بالإفطار. في هذا الصدد، تقول صحيفة الجامعة الإسلامية في عددها الصادر يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1934، إن مواطنا أقام دعوى على "أحد سماسرة السوء أمام قاضي الشرع، لانتهاكه حرمة رمضان وإفطاره علنا أمام الناس". وتحت عنوان "عقوبة منتهك حرمة رمضان"، نشرت صحيفة الصراط المستقيم يوم 10 سبتمبر/أيلول 1941، خبرا يقول إن أئمة المساجد والمخاتير والأهالي قدموا "مضبطة" إلى القضاء، تطالب بفرض عقوبة على منتهك حرمة رمضان بالإفطار جهرا. صحيفة الصراط المستقيم يوم 10 سبتمبر/أيلول 1941 (مواقع إلكترونية) [rtl]وكانت صحيفة "الصراط" ذاتها طالبت يوم 9 فبراير/شباط 1931 الحكومة (الانتداب البريطاني) "بمعاقبة منتهكي حرمة الصيام من فسّاق المسلمين بكل صرامة وشدة".[/rtl] وفي عدد 6 سبتمبر/أيلول 1943، قالت "الصراط" إن السلطات أمرت أصحاب محلات بيع الخمور في المدينة القديمة بالقدس، بضرورة "إقفال محالهم في أوقات معينة من رمضان، لئلا يتعرض السكارى للمارة في الشوارع".
ارتفاع الأسعار
ويبدو أن ارتفاع أسعار السلع مع حلول شهر رمضان ظاهرة قديمة وليست وليدة عصرنا الحالي، حيث نعثر على العديد من الأخبار التي نشرتها الصحف في ذلك الوقت وتشكو من ارتفاع الأسعار وقلة البضائع. فنجد مثلا أن صحيفة "الصراط المستقيم" قد نشرت يوم 6 سبتمبر/أيلول 1943 تقول إن أسعار الخضار ارتفعت في غزة في رمضان بسبب "جشع المُصدّرين". كما لاحظ مراسل صحيفة اللواء في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، رفع أسعار الوقود في غزة "بشكل فاحش، دون سبب واضح". وأشارت صحيفة "الدفاع" يوم 27 أغسطس/آب 1942، إلى وجود ارتفاع كبير في أسعار السلع الرمضانية. وفي عدد 2 يوليو/تموز 1947، قالت صحيفة فلسطين إن "جشع التجار رفع أسعار الخضروات والفواكه، حيث ارتفع سعر البندورة (الطماطم) من 4 قروش للكيلو إلى 24".
مدفع رمضان.. هدية بريطانيا للمسلمين
ويتضح من الصحف أن الجيش البريطاني كان يتقرب من سكان المدن، بمنحهم مدافع للإفطار. جنود بريطانيون يطلقون مدفع الإفطار في القدس، وتعود الصورة لعام 1917 أو 1918 (مكتبة الكونغرس) فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة الدفاع يوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني 1945، خبرا ذكر أن حفلا نُظّم بحضور الجنرال جيه كيه دارسي قائد الجيش البريطاني في فلسطين وشرق الأردن، لتسليم "مدفع رمضان" هدية لمسلمي مدينة القدس. وفي عكا، نُظم حفل مماثل يوم 2 يوليو/تموز1947 لتسليم الجيش البريطاني مدفع رمضان، بحضور الجنرال ماكميلان قائد الجيش البريطاني في فلسطين وشرق الأردن. كما يتضح أن غالبية المدن في تلك الفترة، كانت تمتلك مدافع للإفطار.
انفجار مدفع غزة وطبيب يرفض علاج مصاب
وتُخبرنا صحيفة "الجامعة الإسلامية" في عددها الصادر يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 1934 عن حادثة غريبة وقعت في غزة، حينما انفجر مدفع رمضان وتسبب في إصابة العامل المسؤول عنه. وقالت إن "عبد الرحمن الطباعي أُصيب ببتر في يده اليسرى، بعد أن كان يحاول تعبئة المدفع الخاص ليطلق قنبلة السحور". وكان الحدث الأغرب في الخبر يتمثل في رفض طبيب الصحة -الذي لم تكشف هويته أو جنسيته- علاج المصاب على الفور (بعد منتصف الليل)، حيث قالت إنه وعد أهله بالحضور إلى المستشفى في الصباح. وعلّقت الصحيفة على تصرف الطبيب بالقول "هل يتفق هذا مع القسم الذي يقسمه كل طبيب لدى تخرجه من معهد الطب؟". صحيفة عربية في رسالة عن شهر رمضان المبارك عام 1921 (مواقع إلكترونية)
أبو جلدة يصوم رمضان ويتظاهر
وكان لـ"أبو جلدة"، الثائر الشعبي الفلسطيني في وجه سلطات الاحتلال البريطانية، نصيب من الأخبار "الرمضانية" التي نشرت في تلك الحقبة. وقالت صحيفة فلسطين في عددها الصادر يوم 19 يناير/كانون الثاني 1934، تحت عنوان "أبو جلدة يصوم رمضان ويتظاهر"، إن الرجل "كان كل هذه المدة منزويا في مغارة بمناسبة شهر رمضان، ومعتكفا على العبادة والصوم (..) وقد قيل إنه نظّم مظاهرة سلمية مع رجاله في أول يوم للعيد". و"أبو جلدة" هو لقب أحمد المحمود الذي شكّل مع رفيقه صالح مصطفى -الشهير بـ"العرميط"- خلية لمقاومة سلطات الانتداب البريطاني، إلى أن تمكنت الأخيرة من القبض عليهما وإعدامهما في 21 أغسطس/آب 1934.
المسحراتي.. شيطان أم ملاك؟
ونشرت صحيفة "الصراط المستقيم" يوم 6 سبتمبر/أيلول 1943 مقالا أدبيا طريفا، يتحدث فيه كاتب عّرف نفسه بـ"ابن الخيال"، حول ذكرياته الخاصة مع "مُسحّر" رمضان. ومما جاء في المقال: "يا لهذا الملاك الهابط من السماء، يدعو الناس إلى القيام". "مسحر رمضان" بصحيفة الصراط عام 1943 و عنصرية بريطانيا تجاه الموظفين المسلمين عام 1936 (مواقع الكترونية) ويضيف: "من هو؟ إن حُجب الظلام تستر عنا ملامحه، فلا نتبينه". لكن الكاتب، ينعطف بشكل حاد في نهاية مقاله، حيث يقول "ننتظر أن يأتي، فنراه في النهار يجمع الكعك والأرغفة والنقود، ولكنه حينئذ يكون قد فقد سحره، ومحا ضوء الشمس جاذبيته، وجعله إلحاحه في الطلب شيطانا بعد أن كان ملاكا".
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: مشاهد من رمضان بفلسطين قبل النكبة الإثنين 11 مارس 2024, 10:12 pm
غزيون في قطر: كيف نفرح برمضان والأهل في غزة يُذبحون ويُجوعون؟ لم تتمالك الدكتورة فوزية بكري والدة الشهيد محمد نسمان دموعها عندما سألناها عن مشاعرها وهي تقضي شهر رمضان الكريم في قطر بعيدة عن غزة، غلب القهر صوتها، ولم تتمكن من الإجابة عن سؤال الجزيرة نت، وطلبت إغلاق الهاتف وتأجيل الحديث قليلا. يبدو الأمر في ظاهره كأن المعاناة والألم والقهر الذي يعيشه أهالي غزة محصورا في غزة، تحت المباني المهدمة والمشافي المدمرة والأشلاء المقطعة المعلقة على جدران المدينة المنكوبة، لكن رواية أخرى لم ترو، تلك التي يعيشها أمهات وآباء وأخوة خارج القطاع، يذوقون الأمرين، فهم المكلومون بذويهم في الداخل، وهم ذاتهم المحاصرون في ذاكرتهم وماضيهم، يعانون لوعة فراق الأرض والأحبة. عاودنا الاتصال بالدكتورة فوزية الفلسطينية الغزاوية المقيمة في قطر، ردت متحمسة بالقول "رمضان في غزة مختلف عن أي مكان في العالم، فمع اقتراب أيامه الفضيلة كنا ننزل إلى الأسواق الشعبية المركزية والمحلات لشراء المواد الغذائية والعصائر واللحوم، وكل لوازم السفرة الرمضانية الغزاوية". وأضافت "لا يمكنني أن أنسى سوق الزاوية (أقدم الأسواق في غزة) وهو مزين بالزينة الرمضانية الملونة، ولا الفوانيس التي تعلق في كل مكان، والناس تتوافد منذ الصباح، والباعة على الأرصفة، و"البسطات" التي تعج بالبضائع والهدايا والملابس الجديدة". واسترسلت المتحدثة "كنا نذهب إلى السوق أنا وأختي وأولادنا مع بداية كل الشهر الكريم، ونتبضع لطبخ أشهى الأكلات الفلسطينية، لم نحرم أنفسنا من شيء، والآن كل شيء تدمر.. ولم يبق شيء في غزة إلا الذكرى..".
غزة تصمد وستنتصر
[rtl]وتثق الدكتورة فوزية بأن غزة ستُعمر من جديد، وستصمد في وجهه العدوان الإسرائيلي وستنتصر، مذكرة بعدوان عام 2014 في رمضان عندما عاش أهل غزة الشهر الكريم تحت القصف والدمار والتشريد والتجويع والحصار الشديد، لكن غزة وأهلها عبروا حينها من الكارثة المدمرة، وسيعبرون من مصابهم الآن بصمود شعب غزة ومقاومة رجالها.[/rtl] وتقول أم الشهيد محمد نسمان إنها تعيش حياة هادئة في قطر، فقد خرجت من غزة قبل الحرب بـ3 أيام، ومع بداية العدوان الإسرائيلي فقدت فوزية عددا من أقاربها، وبعد أيام علمت باستشهاد ابنها محمد وزوجته وأطفاله الثلاثة بقصف إسرائيلي على منزله في غزة، وتؤكد فوزية أن نور الحياة انطفئ في داخلها بعد فراق أحبتها. من صوتها كان واضحا أن فوزية فقدت الشغف في كل شيء، وحتى طقوس رمضان لم يعد لها طعم في حياتها، وقالت "يبدو أنني لن أشعر بفرحة رمضان وفرحة العيد حتى أموت.. فكيف أفرح وأحفادي كسرت الصواريخ الصهيونية عظامهم وجماجمهم تحت الركام؟ كيف أفرح وناسي وأهلي في غزة يذبحون على مرأى العالم ومسمعه". مصعب وعائلته بغزة في رمضان الماضي (الجزيرة)
الجوع يحاصر غزة
ويتزامن قدوم شهر رمضان المبارك على غزة هذا العام، مع معاناة سكانه المحاصرين، بسبب عدوان إسرائيلي مدمر ومجاعة تنتشر وتتوسع يوميا. وتفيد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في تقرير لها قبل ساعات من شهر رمضان أن الجوع في كل مكان بقطاع غزة، وأن الوضع بات مأساويا، حيث تُمنع المساعدات البرية رغم النداءات المتكررة. ويرى مصعب سمير مصور صحفي من غزة يقيم في قطر أن فرحة قدوم رمضان ستبقى قيد الانتظار حتى يفك الكرب عن أهله وأحبته في غزة، "ليس بوسعنا أن نفرح بقدوم رمضان.. لدينا شهداء وجرحى.. قلوبنا تحترق عليهم وهم بعيدون"، معبرا عن أمله ألا ينتهي رمضان إلا والحرب انتهت وغزة انتصرت. يوضح مصعب في حديث للجزيرة نت أن معظم أقاربه في غزة يطهون الطعام الآن على نار موقد الحطب الذي يجدونه بعد عناء، ولا توجد أدوات للطبخ، كل شيء ثمنه غال "ليس لأهل غزة مزاج لطقوس رمضان مثل السنوات السابقة".
المساعدات لا تكفي
وركز مصعب على عامل خروج المستشفيات عن الخدمة الأمر الذي سيضع سكان غزة خلال رمضان في ظروف مأساوية في ظل الحرب والدمار الذي حل بالقطاع، إضافة إلى الهجرة الداخلية واكتظاظ السكان بمدينة رفح التي وصل عدد النازحين بها إلى حوالي مليون و300 ألف، يعيشون في خيام على مساحة لا تتعدى 50 كيلومترا، في ظل عدم توافر المياه أو الكهرباء أو الدواء، إضافة إلى المأكل والمشرب. وعن الأسعار، أكد مصعب أنها ترتفع بجنون، والمساعدات لا تفي حاجات السكان، فالأخبار التي تصله من منطقته في خان يونس تقول إن الأهالي يبحثون عن الدقيق فلا يجدونه وكذلك السكر والأرز والخضار والفواكه، وكل مقومات الحياة باتت مفقودة في قطاع غزة. وخلفت الحرب الإسرائيلية خلال الـ5 أشهر الماضية تأثيرا واسعا على الاقتصاد الفلسطيني، على رأسه انعدام مقومات الحياة لدى المواطنين، وانقطاع المواد الغذائية وتضاعف أسعار المتوفر منها بشكل جنوني، مما يزيد من الأعباء على المواطنين في قطاع غزة، والذين فقدوا منازلهم وأعمالهم . وللمرة الأولى يمر شهر رمضان على الشعب الفلسطيني في ظل هذه الأوضاع، حيث تشير تقارير إلى نقص شديد في سلع رئيسية كالسكر والأرز والمواد الغذائية.
التعود على الجوع
يقول فريد عمر النواصرة إن شهر رمضان هذا العام سيكون الأول له في قطر وخارج غزة، وهذا ما سيجعل رمضان صعبا من الجانب النفسي والمعنوي، مضيفا أنه يعيش وحيدا في قطر مما يشعل في داخله الاشتياق للمة الأهل والأصدقاء على موائد رمضان الغزاوية. لم يخف فريد شعوره بالألم الذي يشعر به وهو في قطر، بينما أهل غزة في الداخل يقصفون ويقتلون ليل نهار، وقال "أهلنا في غزة سيستقبلون رمضان هذا العام بأمعائهم الخاوية وأجسادهم العارية، فالصوم بالنسبة لهم لن يكون مضنيا، فهم تعودوا على الجوع منذ أكثر من 5 أشهر، ومعظمهم يأكلون وجبة واحدة في اليوم في أحسن الأحوال، لا تغنيهم ولا تشبعهم من جوع". فريد الذي خرج من غزة بعد شهرين من الحرب قال إنه عندما كان في القطاع وصل لمرحلة كاد فيها أن يموت من الجوع لعدم توفر الأكل والشرب، وكانت قطعة الخبز حينها تعتبر كنزا ثمينا، "فما الحال اليوم بعد مرور 5 أشهر؟ الناس في غزة لا يجدون شربة ماء، وسيقضون شهر رمضان في الدعاء للخلاص، وانتهاء الحرب". يصف فريد رمضان غزة في السنوات السابقة بأنه شهر للفرح والخير ولمة الأقارب والأصدقاء، فقبل يوم من رمضان كانت الشوارع والأسواق تمتلئ بالناس، والجميع يذهب لشراء الزينة والفوانيس، في حين الأطفال في كل مكان يعبرون عن فرحهم بقدوم الشهر الكريم. أما اليوم يقول فريد "المساجد التي كانت تجمع المصلين في التراويح هدمت، وضحكات الأطفال صمتت، وكثيرا منها دفنت تحت أنقاض البيوت التي تدمرت، وحتى شاطئ البحر الذي كان يجمع إفطار العائلات خلال شهر رمضان لمشاهدة غروب الشمس تم قصفه، وكسرت المطاعم والمقاهي التي تحيط به.. لم يبق شيء على حاله في غزة الآن".