ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الرسائل الربانية في المرض والابتلاءات؟! الأربعاء 27 مارس 2024, 12:18 pm | |
| لقد جعل الله تعالى من عظيم لطفه بعباده هذه المحطات في حياتنا نعيد فيها استكشاف أنفسنا واختبار ضعفنا شاءت أقدار الله أن أستقبل رمضان في أروقة المشفى، عقب إصابة أحد أفراد عائلتي بحادث تسبب له بكسور في الكعب واضطره لإجراء العملية الأولى وانتظار العملية الثانية، وقد غير هذا الحادث كل مخططاتي في رمضان، وقلب روتين حياة أسرتي، وعطل أعمالي، ولكنه كان فرصة للتأمل والتفكر لطالما احتجتها، غيرت نظرتي للعديد من الأمور. - اقتباس :
كنت أتامل في هذا الجسم الذي خلقه الله تعالى، والذي يقدم نموذجا من الإعجاز والتكامل والإتقان، فهو يؤدي عمله دون الحاجة إلى أوامر أو توجيهات، ويمتلك نظام طوارئ في الحالات الاستثنائية، يعطي الإنذارات حول وجود خلل ما ويستوعب الصدمات المباشرة نحن مطمورون بنعم اللهتظل مثل هذه الحوادث محطات تذكرنا بنعم الله الملاحظة والخفية، والتي لا ننتبه لها إلا عند فقدها، فكسر صغير في عظمة لا يتجاوز طولها سنتمتران تقع في أسفل القدم يعوق حركة الجسم، ويعطل أداءه، ويخل توانه، ويقض مضاجعه نتيجة الألم المصاحب، وقد يحتاج إصلاحها عمليات معقدة طويلة، وزراعة عدة قطع وصفائح وأسياخ معدنية ترافق المريض لفترات طويلة.طوال هذه الفترة كنت أتامل في هذا الجسم الذي خلقه الله تعالى، والذي يقدم نموذجا من الإعجاز والتكامل والإتقان، فهو يؤدي عمله دون الحاجة إلى أوامر أو توجيهات، ويمتلك نظام طوارئ في الحالات الاستثنائية، يعطي الإنذارات حول وجود خلل ما ويستوعب الصدمات المباشرة، فينتفخ ويتوزم ويخرج خبث الصدمات عن طريق القيح ويعيد ترميم الجروح وإيقاف النزيف والتئام الكسور، بينما يتكيف وفي الأحوال العادية مع المتغيرات من برد أو حرارة، أو جوع أو عطش، يستقبل المؤثرات ويتفاعل معها، وتتحرك ضمنه الإشارات الكهربائية بسرعة فائقة، تضبط إيقاع الحركات ونظام العمل في مشهد فريد من الصعب تخيله أو تقليده.على أسرة المشافي، تبرز حالات الضعف البشري بأوضح صورها، ويرتفع معها الأنين، ويظهر معها معدن الفرد وأخلاقه وإيمانه بين صابر وحامد وشاكر، وبين ساخط وغاضب ومعترض على قدر الله، وتكشف هذه الأسرة أيضا حقيقة علاقة المريض بمحيطه، أولوياته واهتماماته، وحصاد ما زرعه مع غيره من إحسان ومودة ورحمة، فترى من بين المرضى من تحفه عائلته بالود والاهتمام، ويتسابق أفرادها لرعايته وتلبية طلباته، وبين من يتبرم من حوله من وجوده، ويتهربون من رعايته، ويعتبرونه عبئا ثقيلا يتمنون أن يزاح عن كاهلهم في أقرب وقت.على أسرة المشافي وفي حالات المرض، تظهر قدرة الله العظيمة، وحكمته البالغة، وامتحاناته الصعبة، يكسر فيها غرور العبد وكبرياءه، ويتم تذكره بضعفه وعجزه، وبأنه بين ألطاف الرحمن وقدره كل دقيقة، وتقدم له فرصة سانحة للتفكر واستشعار النعم الكثيرة التي يتمرغ فيها، عساه يعود ويصلح ويلتزم الطريق.لقد جعل الله تعالى من عظيم لطفه بعباده هذه المحطات في حياتنا، نعيد فيها استكشاف أنفسنا واختبار ضعفنا، ومراجعة خياراتنا، نستذكر فيها أننا في امتحان قد ينتهي وقته في أي لحظة، وأن الرحلة قد تتوقف في محطة قريبة لسنا مستعدين لها، وأن علينا أن نتجهز لهذا الموقف ونستعد له أبرز استعداد. - اقتباس :
ينتظر الجميع بتململ انتهاء هذه المحرقة الممتدة منذ شهور ليعود الجميع لحياتهم الطبيعية ويمارسوا أنشطتهم الاعتيادية دون أن يزعجهم الإحساس بتأنيب الضمير أو العجز، وقد يكون بيننا من عاد إلى حياته بعد أن أقنع نفسه بالعجز وقلة الحيلة بين المرض والامتحانات الأخرىوفي ظل هذه الحالة التي عشتها لأيام، كان يشغلني أولئك المرضى الذين لا يجدون ما يخفف ألمهم أو ما يعالج جروحهم، وقد كانت الصور القادمة من غزة وعمليات القتل الوحشية واقتحام المشافي التي لم تتوقف تطرح أسئلة كثيرة، ما حال أولئك المنسيين في تلك الرقعة، الذين لا يجدون من يداويهم أو يخفف ألامهم؟ماذا عن أولئك الجوعى الذين قرصت آلام الجوع أجسادهم وأجساد أولادهم؟ كيف يشعر هؤلاء الآباء والأمهات وهم يستمعون إلى أنين أطفالهم وهم عاجزون عن تخفيفه؟ كيف يعيش المرضى والمسنون وأصحاب الإعاقات في الخيام التي لا تقي بردا ولا تعزل مطرا؟ ما هو وضع العاملين في المجال الطبي وهم منهكون يكافحون الانهيار، ومعرضون للاستهداف السافر والاقتحامات العسكرية؟ كل هذه الصور لا تظهر في المشهد ولا يعلم بها إلا الله.ينتظر الجميع بتململ انتهاء هذه المحرقة الممتدة منذ شهور ليعود الجميع لحياتهم الطبيعية ويمارسوا أنشطتهم الاعتيادية دون أن يزعجهم الإحساس بتأنيب الضمير أو العجز، وقد يكون بيننا من عاد إلى حياته بعد أن أقنع نفسه بالعجز وقلة الحيلة، فأحيا طقوس رمضان بأضوائه، وزينته وأطعمته ومسلسلاته، وبين من لا يزال معترضا يتساءل في سره وعلنه، لماذا نعيش هذا القدر المليء بالامتحانات الشداد، ولماذا نختبر كل هذه الآلام والمحن والشدائد؟ ومتى سيكون موعدنا مع الحياة الرغيدة المستقرة والمزدهرة على غرار دول أخرى؟تعكس هذه المقولات حالة من اضطراب المفاهيم والأولويات، فالأصل في وجودنا في هذه الحياة هو حالة الابتلاء والامتحان وليس حالة الاستقرار والدعة، والمهمة التي أوجدنا الله لأجلها هي "الاستخلاف" والتي تعني الجهد والتعب لإعمار هذا الكون وإصلاح حال البشر، وهي مهمة مستمرة مضنية تتطلب حالة مستمرة من السعي والبذل والتدافع والعمل، فلم يجعل الله تعالى هذه الأرض للنعيم والتمتع، بل جعلها محطة عبور نشقى ونتعب ونبتلى ونختبر ونجوع ونمرض ونحزن ونفرح ريثما نصل إلى دار الخلود.إن امتحاناتنا سواء كانت على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، سواء كانت في صحتنا وأبداننا أم في معتقداتنا وأفكارنا أم في واقعنا وحياتنا ماهي إلا هزة وتنبيه من الله الرحيم أن تفكّروا بوضعكم واستعيدوا تركيزكم نحو مهمتكم الأولى، تذكروا ضعفكم البشري واستمدوا القوة الربانية، وانطلقوا في كفاح طويل تقارعون فيه الظلم ولو كان ظلم أنفسكم وانشروا العدل والرحمة ولو على حساب مصالحكم.على أسرة المرض، وفي ميادين الامتحان، وفي اللحظات العصيبة، هناك فرصة سانحة لإعادة صياغة هوية الإنسان وأفكاره، فإما إن يفهم الرسائل الربانية ويستعد ويشمر لاستقبال المزيد من المصاعب والتحديات ويوطن نفسه على الصبر والمصابرة والثبات، أو ينزوي وينهار ويرفع راية الاستسلام ويعلن العجز والسخط ويكتفي بالمشاهدة، والألم والسخط واللوم. |
|