ما نعرفه عن مسيّرات القتل والتجسس الإسرائيلية في سماء غزّة
تعكف إسرائيل على استخدام عددا من المسيرات في تنفيذ عملياتها العسكرية والاستخبارية في قطاع غزة. وقُبيل انتهاء انتفاضة الأقصى، شرعت في استخدام المسيرات بداية بهدف جمع المعلومات الاستخبارية حول حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد ذلك وظفتها على نطاق واسع في تنفيذ عمليات الاغتيال ضدّ قادة ومقاتلي حركات المقاومة.
مسيّرة "راكب السماء"
يستخدم جيش الاحتلال حالياً على نطاق واسع مسيرة "راكب السماء"، للتجسس وجمع المعلومات الاستخبارية في قطاع غزة، والوحدة المسؤولة عن تشغيل هذه المسيرات هي "5353"، التابعة لسلاح المدفعية في جيش الاحتلال.
وتخدم هذه الوحدات القوات البرية المتوغلة في قطاع غزة، حيث توفر معلومات استخبارية حول الأهداف التي تخطط ألوية وكتائب المشاة لمهاجمتها. فضلاً عن ذلك، فإن هذه المسيرة تستخدم في الظروف العادية أيضاً في جمع المعلومات الاستخبارية عن قطاع غزة، ولأغراض تشكيل بنوك الأهداف، التي يمكن لجيش الاحتلال أن يضربها عند اندلاع حرب أو مواجهة عسكرية مستقبلية.
في المقابل، تستخدم إسرائيل عدداً من المسيرات في تنفيذ عمليات الاغتيال، حيث تتبع هذه المسيرات سلاح الجو.
مسيّرة "إيتان"
وقد استخدم سلاح جو الاحتلال مسيرة "إيتان" في تنفيذ عمليات الاغتيال على نطاق واسع أثناء حرب مايو/أيار 2021 على قطاع غزة، وبعد ذلك في الحملة العسكرية التي استهدفت حركة "الجهاد الإسلامي" في عام 2022.
وتعد "إيتان" أكبر المسيّرات الهجومية التي يحتفظ بها جيش الاحتلال، ويصل طولها إلى 15 مترا، بينما يقدّر وزنها بنحو 5 أطنان، وبمقدورها أن تحمل 1000 كيلوغرام من الصواريخ المتفجرة، فضلاً عن أنه بإمكانها البقاء في الهواء والتحليق لمدّة 36 ساعة متواصلة.
مسيّرة "كواد كابتر"
في الوقت ذاته، يستخدم جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية على قطاع غزة مسيّرة انتحارية صغيرة جدا في تنفيذ عمليات الاغتيال، يطلق عليها "كواد كابتر"، وهي في الأساس حوامة تم تصميمها في البداية لجمع المعلومات الاستخبارية، وتم تطويرها لتتحول إلى مسيرة انتحارية تستخدم في تنفيذ عمليات الاغتيال.
مسيرة "هيرمس 450" (زيك)
كما يستخدم جيش الاحتلال مسيرة "هيرمس 450" (Hermes 450)، والتي يطلق عليها أيضا "زيك"، وهي مزودة بصواريخ تعمل عن بعد، ويمكن أن تزوّد بصواريخ تزن 150 كيلوغراما، حيث يمكن استخدامها في تنفيذ العمليات الهجومية والاغتيالات. فضلاً عن ذلك، فإن هذه المسيرة التي يشرف على تشغيلها "سرب 161" في سلاح الجو، يمكن أن تنفذ مهام الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية.
مسيّرة "هيرمس 900" (كوخاف)
وقد استخدم جيش الاحتلال في حربه على غزة في 2014 مسيرة "هيرمس 900" (900 Hermes)، والتي يطلق عليها أيضا "كوخاف" وتعني "نجم"، وتستطيع التحليق لمدة 40 ساعة. وتستطيع هذه المسيّرة حمل صواريخ من طراز "إيه جي إم-114 هيلفاير" (AGM-114 Hellfire)، أو صواريخ جو-جو من طراز "إيه آي إم-92 ستينغر" (AIM-92 Stinger) المستخدمة لاعتراض الطائرات والمسيرات.
علاوة على ذلك، فإن هذه المسيرات بإمكانها حمل قنابل موجهة بالليزر من نوع "جي بي يو-12 فايفواي" (GBU-12 Fiveway) أو قنابل "جدام" (JDAM)، مما يمكنها من استهداف التحصينات والمنازل.
وهناك مسيرات يستخدمها بشكل خاص جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي "الشاباك"، موجّهة للتجسس وجمع المعلومات الاستخبارية.
مسيّرة "سويتش بليد" الانتحارية
لكن جيش الاحتلال لا يكتفي بما تنتجه الصناعات العسكرية الإسرائيلية من مسيرات هجومية، إذ كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو طلبت مؤخراً من إدارة بايدن تزويد إسرائيل بـ 200 مسيرة انتحارية أميركية من طراز "سويتش بليد" لاستخدامها في الحرب على غزة.
ويصل مدى هذه المسيرة إلى 40 كليومترا، وقادرة على الطيران لـ40 دقيقة، فضلاً عن أنها تحوز قدرة تدميرية كبيرة، تصل إلى حد تدمير دبابة.
مسيّرة كواد كابتر: أداة الاحتلال الجديدة لقتل الفلسطينيين
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام كلّ أدوات القتل بحق أكثر من 2.4 مليون نسمة في محاولة لاستهداف المدنيين والمقاومة على حدٍ سواء. وتُعتبر مسيّرة كواد كابتر أبرز الأسلحة الإسرائيلية التي حضرت وبكثافة في هذه الحرب المتواصلة للشهر السابع على التوالي، حيث استخدمها الاحتلال الإسرائيلي على نطاقٍ واسع عند مقارنة استخدامها بالحروب والمعارك السابق مع المقاومة في غزة.
والمسيّرة المعروفة فلسطينياً بـ"كواد كابتر"، هي عبارة عن مروحية صغيرة الحجم، طُوّرت لأغراض التصوير، لكنها تحولت إلى سلاح جوي استخباري إسرائيلي خلال السنوات الأخيرة، وهي من تطوير شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، واستخدمها الاحتلال في الفترة بين 2018 و2019 في عمليات المراقبة والرصد والاغتيالات في قطاع غزة والضفة الغربية، ومن عيوبها سهولة استهدافها باستخدام البنادق الهجومية أو الأسلحة الخفيفة.
خصائص مسيّرة كواد كابتر
وتختلف مسيّرة كواد كابتر عن باقي الحوامات، في وجود مروحيات في كل زاوية من زواياها، وتتميز بسهولة برمجتها واستخدامها بشكل سلس، كما أنها لا تحتاج لمهارة عالية في الاستخدام مع إمكانية توظيفها في الميدان مباشرة، وجاء تطويرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي كي يتمكن من التوغل في المناطق السكنية التي يصعب على جيش المشاة اقتحامها، وتحلق على ارتفاع مئات الأمتار لتمدّ جيش الاحتلال بالصور وبمسح ميداني للهدف قبل استهدافه لتسهيل اقتحامه من قبل الجنود، مع إمكانية تنفيذ الاغتيالات بصورة آلية.
ومع عمليات التطوير المستمرة، شهدت الحرب الإسرائيلية الحالية استشهاد مئات الفلسطينيين وإصابة الآلاف، جراء استهدافهم عبر مسيّرة كواد كابتر علاوة على استخدامها من قبل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية للتضليل ميدانياً. وخلال عمليات التوغل البري والمناورة التي يقوم بها جيش الاحتلال، عمد الجنود الإسرائيليون في الميدان لاستخدام أسلوب جديد من أجل مباغتة المدنيين أو حتى المقاومين الفلسطينيين، يقوم على بث "أناشيد ثورية" أو مقاطع لبكاء أطفال أو استغاثة نساء.
وتكرر هذا الأمر مرات عدة وفقاً لشهادات رصدها "العربي الجديد"، كان أبرزها خلال العملية العسكرية في منطقة شمالي مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع، بالإضافة إلى منطقة شمالي القطاع ومدينة غزة ومدينة خانيونس جنوباً. وتقوم عملية التضليل على إصدار هذه الأصوات، ثم تتم عملية إطلاق النار أو إطلاق جسم متفجر تجاه المستهدف، وهو أمر تكرر كثيراً إلى جانب عمليات التصوير الميدانية التي تقوم بها هذه المسيّرات، والتي تنوعت بين مناطق عدة.
وكثيراً ما حلّقت مسيّرة كواد كابتر على ارتفاعات منخفضة للغاية في مناطق النزوح وبين خيام الصحافيين الفلسطينيين بالقرب من المستشفيات، حيث تعتمد بدرجة أساسية على رفد الاحتلال بالمعلومات استناداً لعمليات التصوير الميدانية التي تقوم بها.
وفي السياق، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي أحمد الطناني، إن الاحتلال كثف منذ بداية حرب الإبادة من استخدام الطائرات المسيّرة والدرون في العديد من المهمات، خصوصاً التي رافقت التوغل البري، إذ عمد جيش الاحتلال إلى استخدام الطائرات المسيّرة لتأدية مهام بديلة عن تحرك القوات البرية. ويضيف الطناني لـ"العربي الجديد"، أن هذا الاستخدام يهدف إلى تجنب الوقوع في كمائن المقاومة، واتخاذ إجراءات مسح مسبق للمناطق والأحياء، وتتجاوز هذه الطائرات المسيّرة المهام الاستطلاعية المعتادة، وصولاً لاستخدامات متعددة، أبرزها استخدامها كسلاح متفجر أو سلاح قنص وإطلاق للرصاص، وليس انتهاء باستخدامها كأداة استدراج للجمهور عبر بث رسائل صوتية مختلفة من الطائرات في الأحياء الفلسطينية، ومباغتة أهالي المناطق بالقنص والقصف.
ويوضح أن الاعتمادية الكبيرة لجيش الاحتلال على أدوات الذكاء الاصطناعي، والدمج الكبير الذي جرى خلال السنوات الأخيرة ما بين القوات التقليدية والأدوات التكنولوجية والمسيّرات، زاد من معدل الاستهداف العشوائي للمدنيين الفلسطينيين، بسبب العديد من التطبيقات الخاصة والتشخيصات الخاطئة التي تعمل وفقها منظومات خلق بنك الأهداف في أجزاء من الثانية، استناداً إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تجمع المؤشرات من عدد ضخم جداً من أدوات التجسس الإسرائيلية التي تعمل على مدار الساعة في القطاع.
ووفق الطناني، فقد تسببت هذه الاعتمادية في عدد كبير من المجازر التي لم تلفت نظر العالم، نظراً لكون الرواية الإسرائيلية مُصدّقة تماماً حول دقة الإصابة وعمليات التشخيص، فيما شكلت عملية استهداف طواقم مؤسسة المطبخ العالمي الدليل الأكثر صراحة ووضوحاً حول حجم العمليات التي قضى فيها مدنيون فلسطينيون عزّل، جلّهم من النساء والأطفال وكبار السن، بسبب العمليات العشوائية والإجرامية مُطلقة اليد والصلاحية لهذه الأدوات.
ويشير إلى أن هذا الاستخدام المفرط لطائرات كواد كابتر والطائرات المسيّرة عموماً، عكس مدى صعوبة الميدان، والمتاعب العملياتية التي يعاني منها جيش الاحتلال، وهو يعكس في ذات الإطار أيضاً لجوء الاحتلال لكل الأساليب اللاأخلاقية لاستدراج المقاومين وأبناء الشعب الفلسطيني إلى كمائن الموت المُعدة مسبقاً، وهو ما يعكسه استخدام هذه الطائرات في بث أصوات استغاثة لنساء أو أطفال أو أصوات أخرى ضمن حرب نفسية ضد الأهالي، لدفعهم لمغادرة منازلهم، وتسهيل استهدافهم من قبل هذه الطائرات المزودة بكل أدوات القتل على اختلافها.
وأدّى العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع للشهر السابع على التوالي، إلى استشهاد قرابة 34 ألفاً، فيما وصل أعداد المصابين جراء القصف والعمليات العسكرية الإسرائيلية لقرابة 80 ألفاً، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
من جانبه، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، إن الاحتلال استخدم هذا النوع من الأسلحة لتنفيذ مجازر بحق المدنيين الفلسطينيين عبر الاستهداف العشوائي الذي كان يتم خلال الحرب المتواصلة. ويضيف الثوابتة لـ "العربي الجديد"، أن هذه الطائرات نفذت العديد من المهام، سواء على الصعيد الاستخباراتي والأمني، أو عمليات الاغتيال وإلقاء أنواع متنوعة من قنابل، وهو ما انعكس على استشهاد الآلاف من الشهداء بفعل هذه الطائرات.
ويوضح أن هذه الطائرات مارست العديد من الجرائم، إذ استخدمها الاحتلال بشكلٍ كبير ضد النساء والأطفال والمدنيين، وتحديداً المنازل ومراكز الإيواء، وقامت باستخدام إطلاق النار بشكلٍ كثيف حتى داخل مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". ويشدد على أن طائرات كواد كابتر المسيّرة علمت بشكلٍ عشوائي في مختلف مناطق القطاع طوال هذه الحرب، ومثل هذا السلاح محرَّم دولياً، لا سيما وأن عملية استخدامه كانت تتركز على المدنيين بالذات من النساء والأطفال ومراكز الإيواء والنزوح.