ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75519 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: المعارف الفلكية الإسلامية.. أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة الخميس 18 أبريل 2024, 6:35 pm | |
| قدَّم العالِم والفلكي المسلم محمد بن إبراهيم الفَزَاري (ت 189هـ/815م) أول محاولة جريئة في التاريخ لقياس عمر الكون؛ فقد افترض -كمن سبقوه من علماء الفلك- أن جميع الكواكب والنجوم والأجرام كان مبتدؤها من بُرج الحَمَل في السماء، ثم "قدّر لكلّ واحد منها سيرا معلوما فسارت من هناك، وإنّها لا تجتمع في المكان الذي بدت منه إلاّ بعد أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمئة ألف ألف وعشرين ألف سنة (= 4,300,020,000/أربعة مليارات و300 مليون و20 ألف سنة)، ثمّ يقضي الله -عزّ وجلّ- فيها ما شاء ممّا سبق في علمه وقدرته. وإنّ الماضي من هذه الجملة -أعني المدّة المذكورة- إلى الهجرة: ألف ألف ألف وتسعمئة واثنان وسبعون ألف ألف وتسعمئة وسبعة وأربعون ألفا وسبع مئة وثلاث وعشرون سنة (= 1,972,947,723 سنة)"!!ووفقاً لافتراض الفزاري هذا الذي نقله عنه المؤرخ ابنُ أيْبَك الدَّوَاداري (ت بعد 736هـ/1335م) في كتابه ‘كنز الدرر وجامع الغرر‘؛ فإن المدة الزمنية الفاصلة بين بداية التقويم الهجري ولحظة الانطلاقة المفترَضة للكواكب والنجوم في مسارها من برج الحَمَل هي: مليار وتسعمئة واثنان وسبعون مليونا وتسعمئة وسبعة وأربعون ألفًا وسبعمئة وثلاث وعشرون سنة (= 1,972,947,723 سنة)!!ورغم أن علم الفلك المعاصر يتجاوز بمراحل افتراض الفزاري لعمر الكواكب؛ فإن جسارة محاولة الافتراض التي أقدم عليها -مع ضآلة إمكانيات عصره- تضعنا تماما في الموضع الصحيح الذي يمكننا من خلاله ملامسة العبقرية العلمية الإسلامية في مجال علوم الفلك، خاصة إذا علمنا أن العلماء الفلكيين اليوم يفترضون أنه يوجد ما يقارب 200 مليار تريليون نجم في الكون، ويقدّرون عمر الكون نفسه بـ13.8 مليار سنة، وهو ما يعادل افتراض الفزاري ثلاث مرات تقريبا!!والواقع أن تلك القفزة الهائلة في علوم الكونيات التي أقدم عليها المسلمون جاءت مبنية على مراحل طويلة قطعها الإنسان تأمُّلًا في مجريات الأفلاك والأجرام السماوية من نجوم وكواكب، وترجع تلك المحاولات إلى أقدم عصور التاريخ المسجّل.وهذا أمر طبيعي؛ فالسماء -التي تحيط بالأرض نهارًا بسطوع شمسها وليلا بلمعان نجومها- تجعل الإنسان يتساءل عن ماهيتها وأسرارها، فكيف أُغطِش ليلُها وأُخرِج ضُحاها، وكيف يبزغ قمرها ويتحرك فينتقل من طور إلى آخر منذ لحظة ميلاده، مرورا بكونه بدرًا يملأ السماء نورًا في ظُلمة الليالي، وانتهاءً بخفوت نوره فيتبدّد اضمحلالا ثم يتجدّد استهلالا.. وهكذا دواليْكَ!!كلها بلا شك أسئلة دارت وتدور وستدور في عقل الإنسان ما دام ملتحفًا بالسماء ليلا ونهارًا، ولذا كان سؤال الزمن وكيفية قياسه أحد شواغل الإنسان منذ حقب ما قبل الحضارات المعروفة؛ فقد حاول معرفة قوانين وأزمان دورات الشمس والقمر لتحديد مقاييس الزمن، وهو ما يؤكده مؤرخ الحضارات الأميركي وِلْ ديورانت (ت 1402هـ/1981م) -في ‘قصة الحضارة‘- بقوله "إن الناس قاسُوا الزمن بدورات القمر قبل قياسه بالأعوام بزمن طويل...، وحتى اليوم ترانا نحسب موعد عيد الربيع بأوجه القمر".ولقد تطورت المعرفة العلمية الفلكية تطورا تدريجيا كلما تقدمت المدنية الإنسانية في مدارج الحضارة والعُمران، وجُمعت المعارف السابقة على اللاحقة بفضل جهود عصور التدوين البشرية؛ وهكذا اطّلع المسلمون على هذه المعارف الفلكية من مصادرها الأصلية، فتفهموها وهضموها، ثم نقدوها وصححوا زيوفها بمنهج تجريبي صارم، ثم طوروها وأضافوا إليها -عبْر أبحاثهم الحسابية والرصدية- من المنجزات النظرية والتطبيقية ما قطع بها أشواطا بعيدة في تراث البشرية العلمي المنهجي المتراكم عبر القرون.ومن اللافت أن الاهتمام بالمعارف الفلكية لم يقتصر على علماء المسلمين المتخصصين فيها، بل تعداهم إلى كبار الأئمة من الفقهاء والمحدِّثين بمن فيهم علماء الحنابلة الذين نجد لديهم اهتماما خاصا بإثبات نظرية كروية الأرض، حسبما تعرض شواهدَه هذه المقالة؛ فهذا الإمام ابن عقيل الحنبلي (ت 513هـ/1119م) كان يطالع كُتُب علوم الهندسة والفلك وينقل مضامينها في سياق البرهنة والاستدلال العلمي المنطقي. وينقل شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي (ت 728هـ/1328م) -في كتابه ‘منهاج السُّنة النبوية‘- إجماعَ المسلمين على إثبات كروية الأرض والأفلاك عموما منذ عصر الصحابة.وتقدّم هذه المقالة لقرائها جولة تاريخية مستفيضة في دروب علم الفلك الإسلامي؛ فتعرّف بملامح نشأته سياقا وتوظيفا، وتتقفّى أبرز معالم تطوراته ومحطات تحولاته، متوقفةً عند أشهر أعلام الشخصيات العاملة في هذا الحقل العلمي الحيوي في نهضة الأمم وتصدُّرها حضاريا، وترصد أهم أعمالهم (نظرياتٍ ومصنَّفاتٍ) في المعرفة الفلكية ومنجزاتهم العملية التطبيقية في آلاتها ومراصدها.كما تُبرز المقالةُ سياقاتِ التبادل الحضاري في هذا المجال بين الحضارة الإسلامية والحضارات الهندية والفارسية واليونانية الغابرة، ثم مع لاحقتها الحضارة الغربية المعاصرة التي انتقل منها هذا التراث العلمي -بعد تحريره وتطويره- إلى بقية أنحاء العالم، لنقف بذلك أمام الحقيقة العلمية التاريخية التي تقول إن "العرب (= المسلمين) هم الذين نشروا علم الفلك في العالم كله في الحقيقة"؛ طبقا لما يؤكده مؤرخ الحضارات الفرنسي غوستاف لوبون (ت 1350هـ/1931م) في كتابه ‘حضارة العرب‘.استيعاب شامل تطورت المعرفة العلمية الفلكية تطورا تدريجيا كلما تقدمت المدنية الإنسانية في مدارج الحضارة والعُمران، وجُمعت المعارف السابقة على اللاحقة بفضل جهود عصور التدوين البشرية المتعاقبة. وعندما جاء الإسلام اطّلع المسلمون على هذه المعارف الفلكية من المصادر اليونانية والفارسية والهندية؛ فكان من أهم مصادر علم الفلك -التي دَرَسوها- تلك التي كتبها العالم الرياضي اليوناني كلوديوس بَطْلُمْيوس/بطليموس (ت نحو 170م) والتي ترجموها في عصور العباسيين الأولى، وهي: كتابه «المَجَسْطي في اقتصاص أصول حركات الكواكب» ورسالتاه «في ظهور الكواكب الثابتة» و«زِيج بَطْلُمْيوس».وقد اشتهر من تلك المصادر الكتابان الأولان اشتهارا واسعًا؛ فكتاب «المَجَسْطي» (Al-Magest) "وصلنا في لغته الأصلية وفي عدة ترجمات عربية؛ [فكان] المرجعَ النموذجي الذي لعب في علم الفلك نفس الدور الذي لعبه كتاب «الأصول» لإقليدس (ت 265ق.م) في الرياضيات"؛ طبقا للباحث الفرنسي ريجيس مورلون في دراسته «مقدمة في علم الفلك»، المنشورة ضمن الكتاب الجماعي ‘موسوعة تاريخ العلوم العربية‘ الصادر بإشراف مؤرخ العلوم رشدي راشد.وقد عرف المسلمون أيضا بعض النصوص الهندية القديمة في علم الفلك مثل «الآرجبهر/آرجبهد» و«زِيج الأركند» و«زِيج السند هند». وفي ذلك يقول المؤرخ الوزير جمال الدين القِفْطي (ت 646هـ/1248م) في كتابه ‘إخبار العلماء بأخبار الحكماء‘: "فمن مذاهب الهند في علوم النجوم المذاهبُ الثلاثة المشهورة عندهم، وهي: مذهب «السند هند» و«مذهب الآرجبهر» ومذهب «الأركند»، ولم يصل إلينا على التحصيل إلا مذهب «السند هند»، وهو المذهب الذي تقلده جماعة من علماء الإسلام وألّفوا فيه الزِّيَجَة (= الأزياج/الزِّيَج)".و"الزِّيج" (بكسر الزاي ومدّه وجمعه: أزْياج وزِيَج وزِيَجَة) مصطلح فلكي منتشر بكثرة في مدونات التأليف الفلكي العربي منذ أقدم العصور، وهو لفظة معرَّبة عن الفارسية وتعني اصطلاحا "الجداول الفلكية" التي ترصد حركة الكواكب وسَيْر النجوم وعلاقاتها الحسابية والرياضية، وهو ما يمكن التعبير عنه بالخرائط الفلكية التي تعدّها وكالات الفضاء اليوم للنجوم والكواكب والمجرات.ويُعرّف ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) -في ‘المقدمة‘- "علم الأزْياج" بأنه "صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريق حركته، وما أدى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير ذلك، يُعْرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت...؛ [فـ]ـيضعونها في جدول مرتبة تسهيلا على المتعلمين وتسمَّى الأزياج، ويسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة: تعديلا وتقويما".وللزِّيج استخدامات فلكية كثيرة غير التي ذُكرت هنا سنقف على بعضها لاحقا، ومنها "معرفة الأوْج (= أبعد نقطة يكون فيها الكوكب من الشمس) والحضيض (= عكس الأوْج) والميول، وأصناف الحركات من بعضها"؛ وفقا لابن خلدون.وقد اعتمد الفلكيون المسلمون على القوانين والمؤلفات الفلكية المعروفة منذ ما قبل الإسلام، والتي -كما سنرى- كشفوا أغلاطها وصححوها ثم أضافوا إليها مكتشفات من أبحاثهم الحسابية الرياضية والرصدية؛ حتى إن مؤرخ العلوم العربية د. جورج صليبا يرى -في كتابه ‘العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوروبية‘- أنه "عندما بلغ علمُ الفلك الإسلامي النضجَ النظري... بعد القرن الثالث عشر (الميلادي/السابع الهجري)، أصبح من الصعب إيجاد عالم فلكي جِدّي لم يحاول إعادة صياغة علم الفلك اليوناني في هذه القرون اللاحقة؛ ففي تلك الفترة لم يَعُدْ بالإمكان لأيٍّ من ممارسي علم الفلك أن يُؤخَذ على محمل الجِد إلا إذا بذل مجهودا لحل مشاكل علم الفلك اليوناني الشائكة"!!وتخبرنا المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه (ت 1420هـ/1999م) -في كتابها ‘شمس العرب تسطع على الغرب‘- عن الواقعية العلمية التي دفعت العلماء المسلمين إلى ذلك التطوير الثوري لعلم الفلك حتى لكأنه تجددت له نشأة أخرى على أيديهم؛ فتقول: "لئن أدرك الإغريق دوماً أن الشمول في نظرة واحدة كاملة، واكتشفوا النظام البديع والترتيب العقلاني في كل الظواهر الطبيعية؛ فإن العرب كانوا يرون الهدف العلمي الذي من أجله يهيئون أنفسهم بكلياتها ليس في إجراء تحقيق واحد أو عشرة تحقيقات فحسب، بل في المئات الكثيرة منها".وترى هونكه أن ثمة حاجات دينية ودنيوية دفعت المسلمين إلى اقتحام علم الفلك، وهضم كل المعارف الفلكية السابقة الواصلة إليهم من الهنود والفُرس والإغريق؛ "فلما كان العربي يسعى دوما إلى ربح مكسب مادي (= فائدة عملية) لتحقيقاته العلمية أولا بأول: كالقيام بالصلاة في مواعيدها المحددة، وتمييز ظهور القمر في شهر رمضان في لحظته الأولى، وتحديد سبل سير القوافل في الصحاري التي تقرر المصير في الموت أو في الحياة؛ فإنه كان يعلق اهتمامه الكبير على النتائج ومدى دقتها، على خلاف الإغريق الذين كانوا يتساهلون غالبا في الدقة، ويُهملون -عن رضا- كثيرًا من الحسابات العويصة. إن الأبحاث التي حققها العرب في ميدان علم الهيئة والتنجيم -تلبيةً لحاجاتهم اليومية- تطورت تطورًا كبيرا حتى أصبحت أسُسًا جديدة لعلم الفلك".ولهذه الأسباب اندفع المسلمون إلى ترجمة وتعريب كل ما كُتب عن علوم الفلك في الحضارات السابقة؛ فقد عرفوا بعض الأزياج الفارسية القديمة مثل «زيج الشاه» الذي يصفه المستشرق الروسي كراتشكوفسكي (ت 1371هـ/1951م) –في ‘تاريخ الأدب الجغرافي العربي‘- بأنه "كان أكثر مصنفات المذهب الفلكي الإيراني انتشارا في اللغة العربية، بل وربما كان الوحيد من نوعه؛ إذْ لا علم لنا بوجود ترجمات لمصنفات أخرى، ومن المحتمل أن الفُرس لم تعرف في هذا الفن كُتُبا غيره".وجاء ذكْر «زِيج الشاه» هذا لدى الجغرافي ابن رُسْتَه الفارسي (ت 300هـ/912م) في كتابه ‘الأعلاق النفيسة‘، فقال إن المنجّمين وعلماء الفلك -حتى عصر الخليفة المأمون العباسي (ت 218هـ/833م)- كانوا "لا يجدون الأحكام تصحّ إلا من «زِيج الشاه»، فقد أرّخوه بملك يَزْدَجِرد بن شَهْريار (ت 30هـ/651م) آخر مَن مَلكَ من ملوك العجم"، أي ملوك الفُرس الساسانيين. وقد أوضح كراتشكوفسكي ما أجمله ابن رُسْتَه هنا بقوله إن هذا الزيج "يبدأ حساب توقيته ببداية مُلْك يزدجرد [الثالث]، أي في اليوم السادس عشر من شهر يونيو عام 632" ميلادية الموافقة لسنة 12 هجرية. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75519 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: المعارف الفلكية الإسلامية.. أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة الخميس 18 أبريل 2024, 6:36 pm | |
| |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75519 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: المعارف الفلكية الإسلامية.. أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة الخميس 18 أبريل 2024, 6:37 pm | |
| |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75519 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: المعارف الفلكية الإسلامية.. أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة الخميس 18 أبريل 2024, 6:38 pm | |
| |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75519 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: المعارف الفلكية الإسلامية.. أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة الخميس 18 أبريل 2024, 6:38 pm | |
| |
|