يحسبون أنهم يحسنون صنعا
شهداؤنا ومجاهدونا الذين لا يجوز أن يغيب ظلهم عن وجداننا ، هم زينة ساحتنا ورمز صمودنا ، غير أن كثيرا من همل الأمة يصرون على طعنهم في الظهر أو زجهم في مزاودات سياسية رخيصة ، آلاف يصعب ضبط عددهم فيهم للنساء والأطفال نصيب غالب، ارتقوا إلى ربهم شاكين إلى الله العادل تقصير الملأ ، والله لن يترك حقهم ، ويتمادى أهل التقصير ،فبدل أن يحارب الأعراب الدنيا كلها انتقاما لدماء الشهداء المظلومين، جعلوا من ارتقائهم إلى ربهم مادة للحديث عن “إجرام” المقاومة و”عدمية” سلوكها مع العدو ، وخروجها عن ولي الأمر الذي لا يجوز لغيره إعلان الحرب أو السلام !!
إن حالة عدم التوفيق التي يعيشها الأعراب جعلت صورة النظر عندهم مقلوبة ، فهم أهل المنطق والحكمة، ومن لم يوافقهم منطقهم المقلوب فهو أهل للرعونة والطيش ، ولَعمْر الحق إنهم وأمثالهم الواهمون يصدق عليهم وصف كتاب ربنا : “قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا . ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا” !!
لقد ضل سعيهم حتى رأوا السكوت على انتهاك حرمات الله حكمة .
ضل سعيهم وهم يرون ضحايا الإجرام الصهيوني والسكوت العربي يتساقطون كورق الشجر في الخريف ولا يرفّ لهم جفن .
ضل سعيهم وهم يسعون لإرضاء المحتل والتشبيك معه في علاقات واتفاقات كانت في أحلام الصهاينة فجعلوها لهم قربان مودة ، والثمن هو دماء الغزيين .
ضل سعيهم وهم يُسكِتون الأصوات المزعج رنينها لآذان الصهاينة ، فيكرمونهم بإسكات مزعجيهم .
ضل سعيهم وهم يعيشون على فتات سايكس وبيكو العدوين اللذين مزقا جسدنا وورّثوا المُزَق لمن جعلوا المحافظة على تمزيقها دينا يدافعون عنه .
ضل سعيهم وهم يضيّقون الخناق على كل جهد يساهم في إزعاج الصهاينة ، ثم يدّعون أن هذا التضييق يأتي في سياق الحفاظ على أمننا القومي وعلى حرمة كياننا .
ترى مَن الذين عبثوا بنا ماضيا وحاضرا ومستقبلا ؟
من الذين أشاعوا جوّ الرضا بالأمر الواقع حتى بات استهانة بالحدود وإرث الجدود ؟
من الذين تعاملوا مع مقدّراتنا وخيراتنا ورموز كبريائنا كأنها صينية بقلاوة ، لا يردّون يد لامس لحبّاتها ؟ وزّعوها في مأتم لا في عرس، حتى لم يعد لأصحاب الصينية أي نصيب فيها ولو كان مجرد لعق الأصابع !!
لقد ضل سعي الذين يدللون خصمهم ويجورون على أبنائهم ، ويَكرَمون على حساب أصحاب المال حتى يطال كرمهم لصوص الأرض ونباشي قبور أصحابها .
أيعقل أن تتمادى طبقة أضاعت حقها بتقصيرها حتى يصل بها الحال إلى التطاول على من يحاول استرداده ، لصالح راحة المغتصبين المعتدين ؟!
إن الأخسرين أعمالا هم الذين يعلمون طريق التحرير الحاسم ولا يسلكونه .
إن الأخسرين أعمالا هم الذين يحققون مآرب أعدائهم ويؤذون أبناءهم الراشدين .
إن الأخسرين أعمالا هم الذين يدورون في فلك مصالح أعدائهم عالمين أو جاهلين، تحت لبوس خادع اسمه المصالح العليا للبلاد .
إن الأخسرين أعمالا هم الذين لا يعلمون أن الدنيا زائلة ، وأن الوظيفة زائلة ، وأن من أرذل الرذائل أن يبيع المرء نفسه بالمجان ليشتري مصالح عدوه على حساب شرف الأمة وسيادتها وحقوقها المسلوبة .
ومن أراد أن لا ينطبق عليه كلام ربنا المعجز، من أراد ألا يكون من الأخسرين أعمالا ، من أراد ألا يضلّ سعيه فلينزل إلى ساحة الشرف ، وليدوّن اسمه في ديوان الراشدين الذين يعرفون عدوهم فيناجزوه ، ويعرفون وليهم فيناصروه ، وقد كشف الطوفان سوءات أحفاد عبد الله بن سلول ، وكشف تجار المبادئ المستخدمين لجمل رنانة يدافعون بها عن إرجافهم وإجرام مواقفهم المنحازة إلى كلّ ضلال ، في سبيل إعاقة طريق الطوفان ، لكن هيهات ، فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، ولن يرحم سبحانه من ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .