كلام ممنوع
تعوّد الناس أن يقولوا كثيرا من الكلام في كواليسهم بعيدا عن مقص الرقيب، ومن الطرائف أن مسِنّا كان يكلم ابنه في التلفون فأراد أن يخبره خبرا سياسيا فأخفض صوته حتى لا يسمعه أحد (غير الرقيب الذي يخافه طبعا)! إنها الثقافة إياها، فالجدران لها آذان، وكل ما كان من الممنوعات فإن العربي لا يتركه ولكنه يخفيه، وتأبى فطرة الناقد البصير إلا أن تدفعه للجهر بما يعتقد ولو بالتورية أو قول نصف الكلمة ليدل السياق على نصفها الآخر، فما رأيكم أن نجرب قول كلام فهمه ممنوع ؟!
– ممنوع أن تفهم أن العرب التقوا وزير خارجية فرعون ليباركوا تطبيع “الكبار” وليحذوا حذوه.
– ممنوع أن تفهم أن المقاومة أدخلت خصومها في الجدار حتى بات أهالي المحتجزين الصهاينة يخاطبون السنوار ويرجونه أن (يحنّ) على أبنائهم، فهم يثقون به أكثر من ثقتهم بقادتهم.
– ممنوع أن تذكر أن من الأعراب من تطوّع ويتطوع ليردّ البأس عن المعتدي، فيحبط أي هجوم ينال منه، لئلا تفوته بركات رضا ولي نعمته.
– ممنوع أن تدرك أن كل دولة عربية كانت وما تزال تستطيع أن تحمل الصهاينة المعتدين على التنازل عن أطماعهم في أرضنا وتجبرهم على ردّ عدوانهم عن منطقتنا كلها وذلك بضرب مصالحهم ومقاطعتهم دبلوماسيا وتجاريا وأمنيا، ولو فعل العرب ذلك لما استمر العدوان في غزة والضفة شهرا، لا سبعة أشهر.
– ممنوع أن تفهم الخلطة السحرية اليعربية المكونة من تصريح سياسي معارض رنان، وواقع تجاري وأمني مطبّع مُدان، ودمعة حزن في عين منافقة وضحكة شامتة في عين أخرى تفضح النفاق!
– ممنوع أن تمدح من يذمه العم سام، أو تذمّ من يمدحه، فالرأي ما رآه “الساميون” والقول ما قالوا، فإن لم يعجبك هذا فاعلم أنك معادٍ للسامية التي اخترعوها لتكون بعبع المنتقدين للجريمة المنظمة التي تتبناها دول عظمى وتتبعها تجمعات تسمى ظلما (دول)!
– ممنوع أن تفهم، لأن الفهم يعني أنك خطر على ما فهمت وعلى من فهمت، فهُم أذلاء لغيرنا، وأشداء علينا في غير موضع الشدة، إننا إن دخلنا دائرة الفهم علمنا أنهم يكذبون علينا وأنهم يصنعون الصداقات والعداوات وفق مصالحهم، فإن كانت المصلحة تقتضي إعلان بعض أصدقائهم عدوا لتشتيت تركيز المراقب نادوا به عدوا وهو مجرد عميل يقوم بدور يخدمهم فيه ويسوّد به كتابه الذي يلقاه يوم القيامة منشورا “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”.
– ممنوع أن تفهم أن التطبيع في أصله اعتراف للمغتصب في حقه فيما اغتصب، وأن التطبيع وقت الحرب ليس مجرد قوة فاجرة تضاف إلى قوة العدوّ، ولكنها خذلان لمظلوم في موقف تجب فيه نصرته، وتخلّ عن مبادئ الإنسانية لا مجرد إعلان حرب على الإسلام والمسلمين.
– وممنوع أن تعلم علم اليقين أنك على الحق وأنهم على الباطل، لأن يقينك هذا أشد فتكا بهم وبمخططاتهم من سلاح نووي، لأن النووي فيه احتمال نجاة واحد أو عشرة، أما اليقين فإنه المعني بنسبة مئة بالمئة، فلا ينجو من فتكه عدو واحد مبين.
– ممنوع أن تنتهي مشكلاتك المادية والاجتماعية والسياسية، فلو لم توجد مشكلة الطرق وازدحامها لأوجدوها، ولو لم تنتشر العنوسة لنشروها، ولو لم يسُدْ غلاء الأسعار لفرضوه، لأن عدم وجود مشكلات تشغل بالك يرشحك للتفكير، وإن فكرت فسينجلي الحجاب عن صديقك وعدوك، وستتفرغ لنصرة الصديق وسحق العدو، وسيعلم الجميع لمن عقبى الدار.
– ممنوع يا ولدي أن تكبر لأن كبرك قصف لأعمار الظالمين، وممنوع يا والدي أن تبصر لأن بصرك النافذ عمى ينبعث في قلوب المتكبرين، ممنوع يا أمّ أن تحملي، لأن ولادة النور وأد للظلمة والظالمين.
ممنوع… ممنوع… ممنوع، وكل ممنوع مرغوب، فأكثر أيها الظالم من ممنوعاتك ليكثر المظلوم من رغباته في قهرك ودحرك.
لطفا، أمامك يافطة مكتوب عليها: منذ اليوم (ممنوع) السكوت.