في عيد العمال العالمي.. العنصرية تتحكّم بأرزاق المقدسيين في ظل الحرب
في الأول من مايو/أيار من كل عام يحتفل العالم بعيد العمال، ويُعتمد هذا اليوم عطلة رسمية في نحو 100 دولة، تخليدا لذكرى مَن سقطوا من العمال وقياداتهم التي دعت إلى تحديد ساعات العمل بـ8، ونجاح كفاح "البروليتاريين" ومظاهراتهم الضخمة في أميركا وأوروبا خلال القرن الـ19.
ورغم مرور قرن ونيف على ثورة العمال وانتزاعهم حقوقهم، فإن المقدسيين ما زالوا يرضخون تحت أعتى نظام فصل عنصري تتبعه سلطات الاحتلال ضدهم في مجالات الحياة كافة، ومن بينها سوق العمل، وفق خبير قانوني تحدث للجزيرة نت.
الشاب المقدسي (ب.غ) تخرّج قبل نحو عامين من الجامعة، وكان يأمل أن يتمكّن من الالتحاق بمدارس القدس كمعلم، إلا أن اعتقاله من المسجد الأقصى خلال اقتحامه في رمضان عام 2021، دفع بضابط المخابرات لتهديده بالقول "لا تحلم بالعمل في مجال تخصصك يوما ما".
وهذا ما حدث بالفعل، حيث عمل هذا الشاب في مؤسسة بغربي القدس تُعنى بفئة "الأطفال في ضائقة" كمرشد لهم، وبعد قبوله ومواظبته على التردد عليها لمدة 4 أشهر، أرسلت شرطة الاحتلال في اليوم الثاني من الحرب على غزة، أي في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كتابا لمدير المؤسسة جاء فيه أن هذا الشاب "مخرب ويشكّل خطرا على أمن دولة إسرائيل ولا يصلح للعمل في هذه المؤسسة".
فصل وملاحقة
فُصل (ب.غ) من عمله فورا على خلفية عنصرية ولأنه مقدسي لا أكثر، وفق أقواله، ومنذ ذلك الحين بات عاطلا عن العمل لعجزه عن الحصول على شهادة "حسن سيرة وسلوك" من شرطة الاحتلال، بسبب وجود "قضايا أمنية" في ملفه، رغم أن ما طُلب منه عندما تقدم للوظيفة هو إبراز شهادة "حسن سيرة وسلوك" خالية من القضايا المدنية كالسرقة والاغتصاب، وهذا ما وفّره بالفعل.
لكن سياسة القبضة الحديدية التي اتبعتها سلطات الاحتلال في القدس، في اللحظة الأولى لاندلاع الحرب على غزة، أفقدت الكثير من المقدسيين لقمة عيشهم قسرا، بسبب موجة من الإقالات والفصل العشوائي وبادعاءات ضبابية.
(ب.غ) عقّب على ما حدث معه بالقول إن الاحتلال ينقضّ على المقدسيين في كل فرصة تسمح بذلك، مضيفا "حقوقي مهضومة كمقدسي وأشعر بظلم كبير.. فلا أنا قادر على إكمال مسيرتي التعليمية بادعاء وجود سوابق أمنية، ولا أتمكن من ممارسة أي عمل الآن رغم تنازلي وقبولي للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصي الجامعي".
وأشار هذا الشاب، خلال حديثه للجزيرة نت، إلى أنه حاول التقدم قبل فترة للعمل كحارس في غربي القدس، فقال له المسؤولون الإسرائيليون "نريد تعيين حارس ليحمينا من أمثالك".
الحقوقي والخبير في القانون الدولي منير نسيبة قال للجزيرة نت "كون إسرائيل دولة فصل عنصري وعملت على مأسسة العنصرية في كافة النواحي، فهي لا تحمي العامل الفلسطيني حتى لو كان مقدسيا إذا خسر وظيفته بسبب أنه فلسطيني فقط".
وأكد نسيبة أن دول العالم الديمقراطي تحمي العامل من الفصل التعسفي أو التمييز ضده، بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون أو الأصل القومي أو الإعاقة، لكن القانون الإسرائيلي لا يقدم هذه الحماية للفلسطينيين، وهذا جزء من منظومة الفصل العنصري الموجودة في قوانين هذه الدولة.
وفي تقرير أصدرته مؤخرا 4 مؤسسات حقوقية إسرائيلية بمناسبة مرور نصف عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، جاء تحت عنوان "التشغيل والأمن الغذائي" أنه قبل اندلاع الحرب كان 75% من سكان شرقي القدس يعيشون تحت خط الفقر، وكثيرون منهم كانوا يعانون من وجود نقص في الغذاء الأساسي، وفي فترة الحرب سُجل ارتفاع كبير بنسب مئوية عالية في معطيات البطالة، وعائلات كثيرة وجدت نفسها دون مصدر دخل.
وأضاف التقرير الحقوقي أن الكثير من عمال شرقي القدس فقدوا مصدر رزقهم في أماكن العمل الإسرائيلية، إما بسبب إقالتهم أو إخراجهم لإجازة غير مدفوعة، أو بسبب خوف زملائهم والزبائن اليهود منهم، ودفع أولئك تجاه إقالتهم.
أما الجزء الآخر ممن فقد عمله من المقدسيين، وفقا للتقرير، فهم الذين تركوا أعمالهم لشعورهم أنهم ملاحقون في أماكن العمل المختلطة (التي تضم عربا ويهودا)، أو بسبب الحواجز العسكرية في محيط القدس، التي تم إغلاقها، وبالتالي قُيدت حركة المقدسيين الذين يعيشون خلفها.
وفي الأشهر الأولى من الحرب واجه المقدسيون، وفقا للتقرير الحقوقي، العنف من أجهزة الأمن الإسرائيلية واليهود أنفسهم، ودفع ذلك بعضهم للخوف من استخدام المواصلات العامة التي توصلهم لأماكن عملهم في غربي القدس.
وحسب معلومات "مكتب العمل الإسرائيلي" سُجل في كافة أنحاء البلاد ارتفاعا بنسبة 150% على خدمة "التشغيل أو طلب مخصصات البطالة" في بداية الحرب.
أما في شرقي القدس فسُجل ارتفاع 300% في المنضمين الجدد لهذه الخدمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول الذي سبقه، وأدى ذلك إلى حدوث ضرر كبير بالأمن الغذائي لعدد كبير من المقدسيين بسبب معدلات البطالة العالية، وفق المكتب.