اليابان وتداعيات الحرب العالمية الأولى والثانية
اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى عام 1914م وكانت اليابان قد وقعت اتفاقيات تحالف ودفاع مشترك 1902م مع بريطانيا
بعد أن توسع نفوذها شمالا وجنوبا وغربا، تلقت اليابان ضربة قاسمة في الثامن من أغسطس عام 1945. ولكن ماذا حصل قبل ذلك وكيف سارت بها الأحداث إلى هنا؟
دارت عجلة النهضة الصناعية في اليابان في أواخر القرن التاسع عشر، وبدأت أعين اليابانيين تمتد إلى بلدان الجوار للسيطرة على مواردها وتسخير طاقتها لخدمة العملاق الياباني النامي (وقد تناولت هذا بشيء من التفصيل في المدونة السابقة)، و خذت تسيطر على أراضي شبه الجزيرة الكورية ومنشوريا الصينية المجاورة لها من الغرب والجنوب الغربي، كان ذلك عام 1894.
وانتصرت اليابان، البلد الذي كان يعاني الضعف والتقسيم قبل سنوات قليلة فقط، ليصبح بذلك أول قوة عظمى آسيوية تحسب لها الحسابات.
أما شمالا، فلم يكن الوضع أكثر هدوءا، فقبالة الشواطئ الشمالية تقع روسيا القيصرية، إحدى أكبر القوى العسكرية في ذاك العصر. وكان لروسيا مطامع كبيرة في سواحل دافئة وأرادت فرض السيطرة على ميناء منشوريا، فهذه الأخيرة تحوي مصادر من الذهب والحديد والفحم.
احتد الأمر بين الجارتين وفشلت المفاوضات وأعلنت اليابان الحرب على الإمبراطورية القيصرية في ميعاد محدد يوم 8 فبراير عام ١٩٠٤، إلا أن الأسطول الياباني باغت نظيره الروسي وبدأ الحرب قبل ساعات من الموعد، فتزعزت القوات الروسية واضطربت وفقدت السيطرة.
وانتصرت اليابان، البلد الذي كان يعاني الضعف والتقسيم قبل سنوات قليلة فقط، ليصبح بذلك أول قوة عظمى آسيوية تحسب لها الحسابات. استمرت الحرب عاما كاملا واضطرت روسيا للرضوخ لاتفاقيات السلام وتوقيع معاهدة بورت سميث في 5 فبراير عام 1905، وتنازلت عن نصف جزيرة ساخالين.
بعد نشوة الانتصارات هذه، اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى عام أربعة عشر وتسعمئة وألف. وكانت اليابان قد وقعت اتفاقيات تحالف ودفاع مشترك عام ١٩٠٢ مع بريطانيا، وبالفعل فقد خرج الحلفاء المكونون من فرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، منتصرين في حربهم على دول المحور، المكونة من الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والامبراطورية العثمانية وبلغاريا. شهد العالم أيام دموية صعبة تكبد خلالها ملايين القتلى من المدنيين والعسكريين، ورغم دور اليابان الصغير نسبيا في ذاك الوقت إلا أنها خرجت منتصرة في النهاية.
توالت الأيام والأحداث إلى أن سيق العالم إلى الحرب العالمية الثانية لكن مع تبديل في تشكيلة صفوف الحلفاء والمحور وكانت سنوات قتل ودمار عمت أرجاء الدنيا.
ضمت دول المحور هذه المرة اليابان وألمانيا النازية وبعد أن أنهكت الحرب جميع الدول دخلت أميركا لتوجه ضربتها القاسمة، ممثلة لواء الحلفاء المكون من فرنسا وبولندا وبريطانيا وأستراليا وكندا والهند والعديد من الدول الأخرى
يقدر بعض الخبراء بأن فتيل الحرب العالمية الثانية قد اشتعل بين الصين واليابان أولا، في حين يرى آخرون أنها قد انطلقت من ألمانيا حين غزت بولندا، فمطامع اليابان التوسعية وتوقها نحو المزيد من الموارد لم يشبع بعد، ورفعت الصين سقف المقاومة وارتكب اليابانيون مجازرا واغتصابات وجرائم بشعة لتحقيق مطامعه، وانتصرت اليابان من جديد، وتوسعت حروبها فاحتلت فتنام ولاوس وكمبوديا وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند، وتعامل اليابانيون بشناعة مع أهل البلدان التي وقعت تحت سيطرتهم.
وكانت اليابان تترقب في الوقت نفسه توتر وتصعيد بحري مع أميركا، خاصة بعد أن بادرتها اليابان ووجهت ضربتها إلى ميناء بيرل هاربر. فكانت بذلك أول من فكر بتوجيه ضربة مباشرة إلى أراض أميركية. حتى أصاب أميركا زعيمة الرأسمالية، والتي لا ترضى بوجود قوة أعلى منها رغبة عالية بالانتقام على ما يبدو.
فأرادت إحقاق كلمتها وفرضت عقوبات اقتصادية على اليابان فعزلتها وجمدت أموالها. وكانت اليابان حينها قد وقعت اتفاقيات عمل مشترك ضد المد الشيوعي مع ألمانيا النازية. الدولة التي حاربتها وهزمتها في الحرب العالمية الأولى ولكنها المصالح حين تتغير.
ضمت دول المحور هذه المرة اليابان وألمانيا النازية وبعد أن أنهكت الحرب جميع الدول دخلت أميركا لتوجه ضربتها القاسمة، ممثلة لواء الحلفاء المكون من فرنسا وبولندا وبريطانيا وأستراليا وكندا والهند والعديد من الدول الأخرى، وفصلت المعركة. وقررت أميركا بقلبها الكبير ودمويتها الأكبر وضع حد لدموية اليابان، ليس هذا فحسب بل قررت إعطاء العالم درسا لا ينساه.
وجاء يوم الحسم " الثامن من أغسطس عام ١٩٤٥"، يرى بعض خبراء الحرب بأن اليابان كانت قد ثبتت هزيمتها فعلا وأن أميركا كانت هي المنتصرة حتى قبل التاريخ المذكور. إلا أن أميركا كانت تريد أن تلقن العالم عموما واليابان خصوصا درسا لا ينساه بسهولة، الحقيقة أن أميركا عملت بجد وسرية لتصل إلى سلاح فتاك مدمر، لم يصل إليه أحد قبلها.
وكان همها أن تصل إليه قبل روسيا، وإن كانت حليفتها في الحرب، فالتحالف في عالم السياسة والحروب لا يعني الصداقة بالضرورة. في زمن تحكمه المصلحة أولا، بل إثبات القوة والمقدرة أولا وآخرا.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة، وفي تمام الحادية عشرة ودقيقة ألقيت القنبلة النووية الثانية، ما يقارب الـ ٧٠ ألف قتيل كانت حصيلة القنبلة من لحظاتها الأولى، ووصل إلى أكثر من ٨٠ ألف لاحقا.
كانت أميركا قد اقنعت ثلة من العلماء بأهمية الوصول إلى سلاح يضع حدا لسفك الدماء حول العالم فتضع بذلك الحرب أوزارها. وفي تمام الساعة الثامنة والربع صباحا بتوقيت مدينة هيروشيما اليابانية الموافق للثامن من أغسطس – آب عام ١٩٤٥ ألقيت القنبلة النووية الأولى وأسفرت عن ٧٠ ألف قتيل في نفس اللحظة، عشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين، انفجار مهول ناتج عن قنبلة انشطارية بوزن ٦٠ كغ من اليورانيوم. كان نتيجته دمار هائل يقدر بأكثر من ٩٠ بالمئة من مدينة هيروشيما عقب إلقاء أول قنبلة نووية. إلا أن عدد القتلى ارتفع لاحقا إلى ما يقارب ١٤٠ ألف قتيل.
لم ينته الأمر هنا، فلربما لم يكن الدرس كافيا لليابان، فهناك قنبلة أخرى مجهزة وكانت أميركا في حيرة من أمرها، هل تلقيها على ناكازاكي، الميناء البحري الأهم لليابان أم على كوكيورا، الواقع أن عامل الاختيار كان صفاء الجو لتتمكن الطائرات الأميركية من تصوير عملية إلقاء القنبلة بوضوح، نعم إنه المجتمع المهووس بصور الدمار وترسيخ الخوف. وصلت الطائرات أولا إلى مدينة كوكيورا، إلا أن السماء كانت مكدرة بالغيوم، مما يمنع التصوير، فتحركت باتجاه ناكازاكي.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة، وفي تمام الحادية عشرة ودقيقة ألقيت القنبلة النووية الثانية، ما يقارب الـ ٧٠ ألف قتيل كانت حصيلة القنبلة من لحظاتها الأولى، ووصل إلى أكثر من ٨٠ ألف لاحقا.
وفي العاشر من أغسطس- آب، أعلنت اليابان رسميا استسلامها، ووقعت وثيقة الاستسلام للحلفاء في الثاني من سبتمبر أيلول، ولكم أن تتخيلوا بأن حصيلة الحرب العالمية البشرية كانت ٣ ملايين إنسان في اليابان فقط.
ترى أي نوع من الإنسانية يمكن أن ننتظرها من هذه الحضارات المريضة؟