إلى صغيرة رقطاء !!
" إسرائيل "
نَاديتُ .. ما اجتازَ المَدى صَوتي
ولا تَردَّدَ النِداءْ
تَكسَّرتْ كُلُّ السيوفِ ..
أقفرتْ من خَيلِها البَيداءْ
اللَّيلُ مَجروحٌ .. فلا قَيسٌ يُداويهِ
ولا لَيلى ولا الخَنساءْ
وألفُ ألفِ حَربةٍ تَغتالُني
تَهوي على أحلامِ أبجديَّتي
تَطعنُ كُلَّ أحرفِ الهِجاءْ
تُسافرُ الجراحُ بِي ..
تَرسمُني قَصيدةً مجروحَةَ الإباءْ
قصيدةً غريبَةَ الدِيارِ في دِيارِها
تَغتالُها عَواصفُ الشِتاءْ
وأقفرَ المَكانُ إلاّ مِنكِ ..
يا أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ
يا لعنةَ التاريخِ ..
يا تاريخَنا المُكفَّنَ الأيَّامِ ..
بالمواقِفِ السَوداءْ
يا جُرحَنا الكبيرَ .. ما لنزفِهِ شِفاءْ
يَحملُ من جيلٍ إلى جِيلٍ ..
جنينَ العارِ ..
للأبناءِ فالأبناءِ فالأبناءْ
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ
يا جارةَ القَهرِ الَّتي تَربَّعتْ
على صدورِنا كَما تَشاءْ
تَجولُ في ربوعِنا ..
تَصولُ في الصباحِ والمَساءْ
أصبحتِ في تاريخِنا حقيقةً ..
وليدةَ المواقفِ الحَمقاءْ
بلغتِ سنَّ الرُشدِ في أحضانِنا
ستاً وأربعينَ لَعنةً ونكبةً ..
على أيّامِنا السَوداءْ
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ
إنّا .. بأيدينا بَنينا صَرحَكِ الكَبيرْ
إنّا .. مَنحناكِ الحَياةَ ألفَ ألفِ مَرَّةٍ
وكنتِ في رَحمِ الفَناءِ ..
نُطفةً مَجهولةَ المَصيرْ
وكان في بِلادِنا
ولا يزالُ الشَيخُ والسُلطانُ والأميرْ
كانوا لَكِ المُعينَ والمُجيرَ والنَصيرْ
جادوا عَليكِ بالوجودِ ..
خَطَّطوا لَكِ الحُدودَ ..
قدَّموا لَكِ الورودَ .. قَبَّلوا لَكِ الخُدودَ
أجزلوا لَكِ الوُعودَ .. قَدَّموا الكَثيرْ
حتّى غَدوتِ تَرفلينَ اليَومَ بالحَريرْ
حتّى غَدا تُرابُنا فراشَكِ الوَثيرْ
حتّى غَدوتِ حيَّةً رَقطاءْ
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ
لا نَعرفُ السرَّ الَّذي من أجلهِ ..
انتصرتِ كُلَّ مَرّةٍ
حُكّامُنا لم يَبخلوا عَليكِ
بالتهديدِ والوعيدِ بِالفناءْ
حُكّامُنا والحقُّ .. أبلوا أحسنَ البَلاءْ
فأقسَموا أن يَجعلوكِ ..
كُتلةً مَشلولةَ الأشلاءْ
ونحنُ حاربناكِ أعواماً ..
بآلافٍ من القَصائِدِ العَصماءْ
وألفِ ألفِ خُطبةٍ
في كُلِّ مِنبرٍ وكُلِّ سَاحةٍ ..
وكُلِ نَشرةٍ وكُلِّ دَعوةٍ ..
إلى وَليمةٍ .. إلى عُرسٍ
وفي أحلامِنا الهَوجاءْ
ونَحنُ حاربناكِ في الرَقصِ ..
وفي التَمثيلِ والغِناءْ
وكم دَعتْ نِساؤُنا عَليكِ
بالهزيمَةِ النَكراءْ
كيف انتصرتِ ..
هل تُمارسينَ سِحراً يا تُرى
أم لَكِ بينَ الجِنِّ أصدقاءْ
أليس أمراً يُدهشُ العُقولَ ..
أن تَنتصِري ونحن آسادٌ ..
وأنتِ قِطَّةٌ صَغيرةٌ مَلساءْ
أليسَ يُدهشُ العُقولَ ..
أن تَسيري للأمامِ ..
ألفَ ألفِ خُطوةٍ .. ونَحنُ للوراءْ
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ
إنّا كَتبنا لَكِ صَكَّ صُلحَةٍ عَشائِريَّةٍ
فنحنُ اليَومَ أحبابٌ ..
على السرَّاءِ والضرَّاءْ
إنّا غَفرنا لَكِ ما ارتَكبتِ ..
من جَرائِمٍ نَكراءْ
إنّا نَسينا كُلَّ ما ..
سَفحتِ مِن دِماءْ
وكُلَّ ما أزهقتِ من أرواحِ أبرياءْ
وكُلَّ ما اقتلعتِ من زَرعٍ ..
وما هَدمتِ من بِناءْ
وكُلَّ ما اغتصبتِهِ من كَلأٍ وَماءْ
إنّا غَفرنا لَكِ ..
حرقَ المَسجدِ الأقصى
غَفرنا لَكِ سَلبَ حائِطِ البُراقِ ..
والمِعراجِ والإسراءْ
وألفَ ألفِ غَارةٍ .. فيها انتهكتِ ..
جَوَّنا وبرَّنا وبَحرَنا
وسوفَ نُلغي لَكِ إن أمرتِ ..
من إيمانِنا ..
الحديثَ والتَفسيرَ والجِهادَ والإفتاءْ
أسماؤُنا .. إن أرَّقتكِ مَرّةً
فأبشِري .. نُغيِّرُ الأسماءْ
إنّا عَفونا عَنكِ عَفو قادرينَ أقوياءْ
فنحنُ .. إسألي النِساءَ .. جَدُ أقوياءْ
إنّا غَفرنا لَكِ كُلَّ ما فعلتِ ..
يَومَ أغلقنا بأيدينا .. على تاريخِنا
ويومَ قَطّعنا جُذورَنا
فلم يَعدْ لنا وزنٌ ولا لَونٌ ..
ولا شكلٌ على خَريطةِ الأحياءْ